المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في شروط صحة الصلاة] - حاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَعْرِيفِ الْحُجَّةِ وَالْحُكْمِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى تَكْلِيفِيٍّ وَوَضْعِيٍّ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ شَارِعِ تَصْنِيفٍ وَمَا يُسَنُّ صِنَاعَةً]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْمُبَالَغَةِ النَّحْوِيَّةِ وَالْبَيَانِيَّةِ]

- ‌[مَبْحَثٌ فِي الْخُلَّةِ وَالْمَحَبَّةِ]

- ‌[مَبْحَثُ عَدَدِ أَوْلَادِهِ وَأَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مَبْحَثُ تَقْدِيمِ الِاسْمِ عَلَى اللَّقَبِ وَعَكْسِهِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى لَفْظِ ابْنِ]

- ‌[مَبْحَثُ دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ]

- ‌[مَبْحَثُ تَعْرِيفِ الْجِنَاسِ اللَّاحِقِ]

- ‌[مَبْحَثُ الرَّجَاءِ وَالْأَمَلِ وَالتَّمَنِّي وَالطَّمَعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْحَسَدِ وَالْغِبْطَةِ وَالْقَنَاعَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْجِنَاسِ الْمُضَارِعِ]

- ‌[مَبْحَثُ الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ]

- ‌[مَبْحَثُ الِاشْتِقَاقِ وَأَقْسَامُهُ]

- ‌[مَبْحَثُ الْغَلَبَةِ وَتَقْسِيمُهَا]

- ‌[مَبْحَثُ النَّحْتِ]

- ‌[مَبْحَثُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ]

- ‌ كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَطْهُرُ بِدِبَاغِهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ الْآنِيَةِ وَمَا يَمْتَنِعُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي السِّوَاكِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يُنْدَبُ إدَامَةُ الْوُضُوءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌فَصْلٌ: فِي بَيَانِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْوُضُوءُ

- ‌فَصْلٌ: فِي مُوجِبِ الْغُسْلِ

- ‌تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ

- ‌فَصْلٌ: فِي أَحْكَامِ الْغُسْلِ

- ‌[فَرْعٌ اجْتَمَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلُ حَيْضٍ وَجَنَابَةٍ]

- ‌[فَرْعٌ قُطِعَ عُضْوُ مُسْلِمٍ ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ مُرْتَدًّ]

- ‌فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌فَصْلٌ: فِي التَّيَمُّمِ

- ‌شَرَائِطُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[فَرَائِضُ التَّيَمُّمِ]

- ‌ مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَة]

- ‌[تَتِمَّةٌ فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ]

- ‌فَصْلٌ: فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌تَنْبِيهٌ: النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ حُكْمِيَّةٍ وَعَيْنِيَّةٍ

- ‌ حُكْمِ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ

- ‌فَصْلٌ: فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ

- ‌(دَمُ الْحَيْضِ

- ‌[دَمُ النِّفَاسُ]

- ‌ أَحْكَامِ الْحَيْضِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[وَقْتَ الظُّهْرِ]

- ‌ وَقْتُ الْعَصْرِ

- ‌[وَقْتُ الْمَغْرِب]

- ‌وَقْتُ الْعِشَاءِ

- ‌[وَقْتُ الْفَجْرِ]

- ‌فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَفِي بَيَانِ النَّوَافِلِ

- ‌شَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ

- ‌الصَّلَاةُ الْمَسْنُونَةُ)

- ‌[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

الفصل: ‌[فصل في شروط صحة الصلاة]

سَجْدَةِ الشُّكْرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ تَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ حَرُمَ. وَمِمَّا يَحْرُمُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَلَوْ إلَى الْقِبْلَةِ، أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا السُّنَنُ أَبْعَاضٌ وَهِيَ الَّتِي تُجْبَرُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَهَيْئَاتٌ وَهِيَ لَا تُجْبَرُ. وَالرُّكْنُ كَالشَّرْطِ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَيُفَارِقُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَيَجِبُ اسْتِمْرَارُهُ فِيهَا كَالطُّهْرِ وَالسِّتْرِ. وَالرُّكْنُ مَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالرُّكُوعِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التِّلَاوَةِ)

وَتَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ وَالْإِعْرَاضِ وَلَوْ مَعَ قِصَرِهِ وَلَا تُقْضَى إنْ فَاتَتْ وَلَوْ مَنْذُورَةً وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ وَلَوْ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ كَعَاصٍ فَيَسْجُدُ كُلَّمَا رَآهُ وَلَهُ جَمْعُ أَسْبَابٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ فِي سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَصِحُّ، وَفَارَقَ الطَّهَارَةَ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّدَاخُلِ قَالَهُ ق ل. وَالْحَلَبِيُّ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاك بِهِ وَفَضَلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِرًّا، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ طُولَ عُمْرِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَفْرَحُونَ بِالْمَصَائِبِ نَظَرًا إلَى ثَوَابِهَا، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَفْرَحَ بِالْمَرَضِ كَمَا يَفْرَحُ بِالصِّحَّةِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي أَيَّامِ الْبَلَاءِ وَأَيَّامِ الرَّخَاءِ، فَمَا قَضَى اللَّهُ لِعَبْدٍ أَمْرًا إلَّا وَكَانَتْ لَهُ الْخِيرَةُ فِيهِ وَالشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَأَوْحَى اللَّهُ إلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ: أَنْزَلْت بِعَبْدِي بَلَائِي فَدَعَانِي فَمَاطَلْته بِالْإِجَابَةِ فَشَكَانِي فَقُلْت عَبْدِي كَيْفَ أَرْحَمُك مِنْ شَيْءٍ بِهِ أَرْحَمُك؟ وَلِذَا قِيلَ:

وَإِذَا بُلِيت بِعُسْرَةٍ فَاصْبِرْ لَهَا

صَبْرَ الْكِرَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْزَمُ

لَا تَشْكُوَنَّ إلَى الْعِبَادِ فَإِنَّمَا

تَشْكُو الرَّحِيمَ إلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ

قَوْلُهُ: (وَلِمُسَافِرٍ فِعْلُهُمَا) أَيْ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا.

قَوْلُهُ: (بِسَجْدَةٍ) أَيْ أَوْ بِرُكُوعٍ. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ) أَيْ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالسَّهْوِ. قَوْلُهُ: (حَرُمَ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ السَّجْدَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمِثْلُ السَّجْدَةِ رُكُوعٌ مُنْفَرِدٌ وَنَحْوُهُ فَيَحْرُمُ التَّقَرُّبُ بِهِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (مِنْ السُّجُودِ إلَخْ) هَلْ مِثْلُهُ مَا يَقَعُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ الِانْحِنَاءِ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ، أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَقْرُبُ إلَى السُّجُودِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مِثْلُهُ اهـ ع ش بِحُرُوفِهِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ أَعْتَابِ الْمَشَايِخِ فَمُسْتَحَبٌّ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (أَوْ قَصَدَهُ لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ؛ لِأَنَّهَا سَجْدَةٌ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ.

قَوْلُهُ: (مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ) أَيْ إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَهُ كَتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ق ل وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

فَصْلٌ: فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَيْ شُرُوطِ أَدَائِهَا؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلِ: شُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي قَوْلِهِ: وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْخُلُوُّ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. وَالثَّانِي: شُرُوطُ أَدَاءً وَهُوَ شُرُوطُ صِحَّةِ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الشَّرَائِطُ؛ لِأَنَّ الشَّرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ اهـ. ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ.

قَوْلُهُ: (وَأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا) اعْتَرَضَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيُتَرْجِمُ كُلًّا مِنْهُمَا بِفَصْلٍ مُسْتَقِلٍّ، فَهَذَا الْفَصْلُ خَاصٌّ بِالشُّرُوطِ فَكَانَ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا، وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا مُطْلَقُ الصَّلَاةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَكْسُ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ فَصْلٌ وَشَرَائِطُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إلَخْ. فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَاكَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَتَقَدَّمَ لَهُ نَظِيرٌ فِي قَوْلِهِ: وَاَلَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ

ص: 437

وَالسُّجُودِ فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ التَّرْكُ كَتَرْكِ الْكَلَامِ، فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ، كَمَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بَلْ مُبْطِلَةٌ لِلصَّلَاةِ كَقَطْعِ النِّيَّةِ، وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ. وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ أَنَّ الْكَلَامَ الْيَسِيرَ نَاسِيًا لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ. فَائِدَةٌ: قَدْ شُبِّهَتْ الصَّلَاةُ بِالْإِنْسَانِ، فَالرُّكْنُ كَرَأْسِهِ، وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ، وَالْبَعْضُ كَأَعْضَائِهِ، وَالْهَيْئَةُ كَشَعْرِهِ. وَقَدْ بَدَأَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَقَالَ:(وَشَرَائِطُ الصَّلَاةِ) جَمْعُ شَرْطٍ وَالشَّرْطُ بِسُكُونِ الرَّاءِ لُغَةً الْعَلَّامَةُ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَاصْطِلَاحًا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرَائِضُ الْغُسْلِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ الْأَوَّلِ الْوَاجِبُ فَقَطْ وَبِالثَّانِي مَا هُوَ أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (بِأَنَّ الشَّرْطَ إلَخْ) أَوْ يُقَالُ الشَّرْطُ مَا قَارَنَ كُلَّ مُعْتَبَرٍ سِوَاهُ كَالطُّهْرِ وَالسَّتْرِ، فَإِنَّهُمَا يُعْتَبَرَانِ لِلرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ، وَالرُّكْنُ مَا اُعْتُبِرَ فِيهَا لَا بِهَذَا الْوَجْهِ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا يُخْرِجُ التَّوَجُّهَ لِلْقِبْلَةِ فِي كَوْنِهِ شَرْطًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ شَرْطٌ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا عُرْفًا، إذْ يُقَالُ عَلَى الْمُصَلِّي حِينَئِذٍ إنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَيْهَا لَا مُنْحَرِفٌ عَنْهَا مَعَ أَنَّ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا بِبَعْضِ الْبَدَنِ حَقِيقَةً أَيْضًا، وَذَلِكَ كَافٍ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ عَلَى الصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالتَّقَدُّمِ عَدَمُ التَّأَخُّرِ، وَإِلَّا فَالشَّرْطُ الْمُقَارَنَةُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ السَّتْرُ مَثَلًا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ كَفَى.

قَوْلُهُ: (فَخَرَجَ بِتَعْرِيفِ الشَّرْطِ إلَخْ) أَيْ التَّعْرِيفِ الَّذِي تَضْمَنَّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالرُّكْنِ. قَوْلُهُ: (التُّرُوكُ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمَوَانِعِ. قَوْلُهُ: (فَلَيْسَتْ بِشُرُوطٍ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا وُجُودِيًّا وَهُوَ الصَّحِيحُ بِخِلَافِ الْمَانِعِ إذْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْدَامِ. قَوْلُهُ: (بَلْ مُبْطِلَةٌ) صَوَابُهُ بَلْ مُتَعَلِّقَاتُهَا وَهِيَ الْمُضَافُ إلَيْهِ كَالْكَلَامِ وَنَحْوِهِ، فَالْمُرَادُ بِالْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَعْمُولَاتُ مُبْطِلَةٌ، فَإِنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ هُوَ الْمُبْطِلُ بَلْ الْمُبْطِلُ الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ. قَوْلُهُ:(وَقِيلَ إنَّهَا شُرُوطٌ) أَيْ تَجَوُّزًا بِأَنْ يُرَادَ بِالشَّرْطِ مَا يَتَوَقَّفُ الشَّيْءُ عَلَيْهِ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا. قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ عُفِيَ عَنْ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ وُقُوعِهَا عَلَيْهِ إذَا أَزَالَهَا حَالًا وَعَنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ سَتَرَهَا حَالًا وَنَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالسَّتْرَ مِنْ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا ق ل. قَوْلُهُ:(نَاسِيًا) إسْنَادُ النِّسْيَانِ إلَى الْكَلَامِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ نَاسِيًا صِفَةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ لَا لِلْكَلَامِ، وَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْكَلَامَ مَعَ النِّسْيَانِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الشُّرُوطِ لَضَرَّ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي مِنْ الشُّرُوطِ تَرْكُ الْكَلَامِ الْيَسِيرِ عَمْدًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْكَلَامُ الْيَسِيرُ عَمْدًا. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (وَالشَّرْطُ كَحَيَاتِهِ) الْحَيَاةُ صِفَةُ تَصَحُّحٍ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِالْإِدْرَاكِ فَهِيَ غَيْرُ الْحَيَوَانِيَّةِ فَصَحَّ تَشْبِيهُ الشَّرْطِ بِهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ م د.

قَوْلُهُ: (كَشَعْرِهِ) أَيْ الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ كَشَعْرِ اللِّحْيَةِ فَخَرَجَ شَعْرٌ نَحْوَ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَرْطٍ) صَوَابُهُ جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى خَصْلَةٍ مَشْرُوطَةٍ لِأَنَّ شَرْطًا جَمْعُهُ شُرُوطٌ عَمَلًا بِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ

وَبِفَعُولٍ فَعِلْ نَحْوَ كَبِدْ

إلَى أَنْ قَالَ

فِي فَعِلْ اسْمًا مُطْلَقٌ أَلِفَا

كَذَاك يَطَّرِدُ

لِأَنَّ جَمْعَهُ شَرَائِطُ تَأَمَّلْ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ لِأَنَّ فَعِيلَةَ تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ كَكَرِيمَةٍ وَكَرَائِمَ قَوْلُهُ لُغَةً الْعَلَامَةُ وَيُطْلَقُ لُغَةً أَيْضًا عَلَى تَعْلِيقِ أَمْرٍ بِأَمْرِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ أَيْ يَقَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّارِعُ هُنَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ الْإِنْسَانُ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ وَيُعَبِّرُ عَنْهُ أَيْضًا بِإِلْزَامِ الشَّيْءِ وَالْتِزَامِهِ وَالْإِلْزَامُ مِنْ جِهَةِ الشَّارِطِ وَالِالْتِزَامُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ فَالشَّارِعُ أَلْزَمَ

ص: 438

مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ، وَالْمَانِعُ لُغَةً الْحَائِلُ وَاصْطِلَاحًا مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ لِذَاتِهِ كَالْكَلَامِ فِيهَا عَمْدًا، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الشُّرُوطِ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهَا (خَمْسٌ) الْأَوَّلُ:(طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرُ وَغَيْرُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا عِنْدَ إحْرَامِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَحْرَمَ مُتَطَهِّرًا فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ غَيْرُ الدَّائِمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ، وَلَوْ صَلَّى نَاسِيًا لِلْحَدَثِ أُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ لَا عَلَى فِعْلِهِ إلَّا الْقِرَاءَةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَفِي إثَابَتِهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ جُنُبًا نَظَرٌ انْتَهَى.

وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ، وَالْحَدَثُ لُغَةً هُوَ الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَاصْطِلَاحًا أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَعْنًى يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ بِتَبْعِيضِهِ وَارْتِفَاعِهِ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ

(وَ) طَهَارَةُ (النَّجَسِ) الَّذِي لَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُكَلَّفَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا إلَخْ

قَوْلُهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ إلَخْ أَيْ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ إلَخْ فَلَا يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ يَشْمَلُ الرُّكْنَ فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ الْأَوَّلِ الْمَانِعُ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ شَيْءٌ وَبِالثَّانِي السَّبَبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ وَبِالثَّالِثِ أَعْنِي قَوْلَنَا لِذَاتِهِ اقْتِرَانُ الشَّرْطِ بِالسَّبَبِ كَوُجُودِ الْحَوْلِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ مَعَ النِّصَابِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ أَوْ بِالْمَانِعِ كَالدَّيْنِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ لِوُجُوبِهَا لِلُزُومِ الْوُجُودِ فِي الْأَوَّلِ وَالْعَدَمُ فِي الثَّانِي لَكِنْ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَالْمَانِعِ لَا لِذَاتِ الشَّرْطِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ لِلشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَأَمَّا شَرْطُ الصَّلَاةِ خَاصَّةً فَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهَا مِنْ الطَّهَارَةِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ. قَوْلُهُ لِذَاتِهِ رَاجِعٌ لِلثَّلَاثَةِ فَلَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ وَلَا عَلَى الثَّانِي مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا عَلَى الثَّالِثِ الْمَانِعُ كَحُصُولِ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي ق ل

قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الشُّرُوطِ يُتَأَمَّلُ مَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَ الْخَمْسِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَالْمُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ الشُّرُوطُ خَمْسٌ إلَخْ وَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ وَالْعَدَدُ لَا مَفْهُومَ لَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ هُنَاكَ غَيْرُ الْخَمْسِ م د قَوْلُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا أَيْ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا فِيهَا كَمَا مَرَّ وَاعْتِبَارُ الْقَبْلِيَّةِ لَتَحَقُّقِ الْمُقَارَنَةِ فَلَوْ أَمْكَنَتْ الْمُقَارَنَةُ كَفَتْ كَسُتْرَةٍ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مُقَارِنَةً لِأَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ لِأَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِتَمَامِهَا دُخُولُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَّلِهَا وَلَوْ قَارَنَتْهَا نَجَاسَةٌ وَأُزِيلَتْ قَبْلَ تَمَامِهَا لَمْ تَصِحَّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْمِ ق ل وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِيهَا أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ الدُّخُولِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَتَقَدَّمَ أَوْ تُقَارِنَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوطِ قَوْلُهُ فَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ التَّقْيِيدُ بِالسَّبْقِ لِلرَّدِّ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَتَطَهَّرُ عَنْ قُرْبٍ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ لِعُذْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ أَكْبَرَ فَلَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ بَطَلَتْ قَطْعًا وَقَوْلُهُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ أَوْ لَا قَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا لِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ وَمَحَلُّ كَوْنِهِ يَبْنِي مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَعَلَّهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَنْ يَنْوِيَ بِقَلْبِهِ قَوْلُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَيْ وَلَوْ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ اج قَوْلُهُ أُثِيبَ إلَخْ وَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ فَوْرًا أَوْ عَلَى التَّرَاخِي قِيَاسُ مَنْ نَامَ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاسْتَغْرَقَ نَوْمُهُ الْوَقْتَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ وَقَدْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْوُضُوءِ لَوْ قَالَ عَلَى الطُّهْرِ لَكَانَ أَعَمَّ قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقُرْآنِ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ أَوَّلُ الْعِبَارَةِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُثَابُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ذِكْرًا. اهـ. ق ل وَقَدْ يُقَالُ مَحَلُّ حَمْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الْجُنُبِ عَلَى الذِّكْرِ إذَا عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا فِي النَّاسِي فَهُوَ قَاصِدُ الْقُرْآنِ وَقَدْ يُقَالُ قَصْدُ الْقُرْآنِ مَعَ الْجَنَابَةِ لَاغٍ لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ فَيُثَابُ عَلَى الذِّكْرِ وَهُوَ الَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ مَعْنَى أَيْ مَعْنًى وُجُودِيٍّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ الْأَمْرَ الْعَدَمِيَّ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ الْعَقْلُ بَلْ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ لَا الْحِسُّ

ص: 439

يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ حَتَّى دَاخِلَ أَنْفِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ عَيْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ مَكَانِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ مَعَ جَهْلِهِ بِوُجُودِهِ أَوْ بِكَوْنِهِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَإِنَّمَا جَعَلَ دَاخِلَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ هُنَا كَظَاهِرِهِمَا بِخِلَافِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لِغِلَظِ أَمْرِ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي عَيْنِهِ وَجَبَ غَسْلُهَا وَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الطَّهَارَةِ، فَلَوْ أَكَلَ مُتَنَجِّسًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْسِلْ فَمَه، وَلَوْ رَأَيْنَا فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ بِهَا لَزِمَنَا إعْلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا مَنْعُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِصْيَانٌ، وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ كَثُرَ ذَرْقُ الطُّيُورِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْله مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ بَلْ قِيلَ إنَّ أَهْلَ الْبَصَائِرِ تُشَاهِدُهُ ظُلْمَةً ق ل قَوْلُهُ بِتَبْعِيضِهِ الْمُرَادُ بِهِ التَّبْعِيضُ فِي أَجْزَاءِ الْعُضْوِ فَيَكُونُ غَيْرَ مَا بَعْدَهُ

قَوْلُهُ: (وَطَهَارَةُ النَّجَسِ) أَيْ وَالطَّهَارَةُ مِنْ النَّجَسِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَمِنْ النَّجَسِ عَطْفًا عَلَى الْحَدَثِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَعْضَاءِ أَجْزَاءَ الْبَدَنِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَعْضَاءً أَوْ لَا. وَحَمَلَ الشَّارِحُ عَلَى مَا صَنَعَهُ قَصْدُ التَّعْمِيمِ فِي النَّجَسِ بِكَوْنِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّكْرَارُ؛ وَلِأَنَّهُ سَيَأْتِي طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ بِقَوْلِهِ بِلِبَاسٍ طَاهِرٍ وَالْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، فَلَا وَجْهَ لِمَا صَنَعَهُ، فَالْأَوْلَى إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (حَتَّى دَاخِلِ أَنْفِهِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بَدَنِهِ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةً أَوْ هُوَ مَجْرُورٌ بِهَا عَلَى أَنَّهَا حَرْفُ جَرٍّ اهـ م د. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حَتَّى الْجَارَّةَ تَكُونُ بِمَعْنَى إلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] وَهُوَ لَا يَظْهَرُ هُنَا.

قَوْلُهُ: (أَوْ مَكَانِهِ) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَقَالَ ق ل: ذِكْرُ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ هُنَا مُسْتَدْرَكٌ. قَوْلُهُ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَعْنَاهَا الطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِلطَّهَارَةِ فِي الْبَدَنِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُ: (بِدَلِيلِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ هُوَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيهِ مُصَادَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بَعْضَ الدَّعْوَى فِي الدَّلِيلِ، وَلَوْ قَالَ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُزَالُ عَنْ الشَّهِيدِ إذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ دَمِ الشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لَكَانَ أَوْلَى. وَقَدْ يُجَابُ: بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلٍ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِوُجُوبِ غَسْلِ دَاخِلِ الْعَيْنِ فَلَا مُصَادَرَةَ تَأَمَّلْ. اهـ. م د. وَفِيهِ أَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْعَيْنِ مِنْ جُمَلِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ دَاخِلِ الْأَنْفِ.

قَوْلُهُ: (مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ) وَكَذَلِكَ مِنْ صَلَّى بِالْفِعْلِ بِالْأَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي ثَوْبِ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ لَيْسَ قَيْدًا.

قَوْلُهُ: (لَزِمَنَا إعْلَامُهُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَتْ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَعَلِمْنَا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَلَا لِجَوَازِ كَوْنِهِ صَلَّى مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ الْبُطْلَانَ مَعَهُ ع ش عَلَى م ر. كَمَا لَوْ رَأَيْنَا مَالِكِيًّا يُصَلِّي وَعَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ غَائِطٌ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُنَا إعْلَامُهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَيْنَا رَوْثَ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا يَلْزَمُنَا إعْلَامُهُ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ) أَيْ عِصْيَانِ الشَّخْصِ الْمَأْمُورِ. وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الَّذِي عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهَا فَلَا يَكُونُ عَاصِيًا حِينَئِذٍ. فَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ رَأَيْنَا صَبِيًّا) وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ بِالْأَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ إلَخْ) مِثْلُ الْمَكَانِ الْفُرُشُ فَيُعْفَى عَنْهُ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمَكَانِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمَكَانِ مَا لَوْ انْتَشَرَ ذَرْقُ الطُّيُورِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي الْأَرْضِ، وَكَذَا الْفُرُشُ فِيمَا يَظْهَرُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْجِدًا فِيمَا يَظْهَرُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ كَمَا قَيَّدَ الْعَفْوَ بِذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيَّنٌ وَأَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا أَوْ رِجْلُهُ مُبْتَلَّةً كَمَا أَفَادَهُ الْوَالِدُ رحمه الله، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُكَلَّفُ تَحَرِّي غَيْرَ مَحَلِّهِ اهـ بِالْحَرْفِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ مَعَ الرُّطُوبَةِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَعْدِلًا عَنْهُ وَلَا طَرِيقًا غَيْرَهُ كَالْمَمْشَاةِ فِي مَطْهَرَةِ الْمَسْجِدِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ الْعَفْوُ، وَهُوَ قَرِيبٌ لِلْمَشَقَّةِ ع ش.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ إمْسَاسَهُ، وَأَنْ لَا تَكُونَ رُطُوبَةٌ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ،

ص: 440

الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَقَيَّدَ فِي الْمَطْلَبِ الْعَفْوَ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ قَيْدٌ مُتَعَيَّنٌ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنْ لَا يَكُونَ رَطْبًا أَوْ رِجْلُهُ مَبْلُولَةً.

تَنْبِيهٌ: لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ وَجَبَ قَطْعُ مَوْضِعِهَا إنْ لَمْ تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ ثَوْبٍ يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ هَذَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لَوْ اشْتَرَاهُ مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَقَيَّدَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وُجُوبَ الْقَطْعِ بِحُصُولِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالطَّاهِرِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُتَوَلِّي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ.

وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ وَنَجَسٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ اجْتَهَدَ فِيهِمَا لِلصَّلَاةِ وَصَلَّى فِيمَا ظَنَّهُ الطَّاهِرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَنْ يَشُقَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَأَمَّا عُمُومُهُ الْمَحَلَّ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ وَالْمُرَادُ بِعُمُومِهِ عِنْدَ مَنْ شَرْطُهُ مَشَقَّةُ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ اهـ.

قَوْلُهُ: (لِلْمَشَقَّةِ) وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ شَرْطُ الْعَفْوِ عُمُومُ الْبَلْوَى بِهِ، فَقَدْ قَالَ م ر فِي فَتَاوِيهِ: الْمُرَادُ بِعُمُومِ الْبَلْوَى كَثْرَتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَقْصُودِ عَادَةً بِحَيْثُ لَوْ كَلَّفْنَاهُ الْعُدُولَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ لَأَدَّى إلَى الْحَرَجِ اهـ اج. قَوْلُهُ: (بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمَشْيَ عَلَيْهِ) صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهِ ثُمَّ يَرَاهُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا صَلَّى فِي ظُلْمَةٍ أَوْ لَيْلٍ، وَصَوَّرَهُ م ر فِي الْفَتَاوَى بِالْمَشْيِ كَيْفَ اتَّفَقَ.

فَإِنْ قُلْت: إنْ أُرِيدَ الْمَشْيُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَالُ الْجَفَافِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُنَجِّسُ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْمَشْيُ فِي الصَّلَاةِ فَلَيْسَ فِيهَا مَشْيٌ، وَقَوْلُهُ: حَالَ الْجَفَافِ إلَخْ، هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْوُضُوءِ قَرِيبًا.

قُلْت: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَشْيِ وَضْعُ الرَّجُلِ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م د وَا ج. وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ الْوَاقِعِ فِي مَمَرِّ الْفَسَاقِيِ إذَا ذَابَ وَاضْمَحَلَّتْ عَيْنُهُ قِيَاسًا عَلَى طِينِ الشَّارِعِ الْمُتَنَجِّسِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَيْنِ النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ. قَالَ ع ش: وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَى عُمُومِهِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ أَصْلًا، أَوْ هُنَاكَ مَحَلٌّ خَالٍ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِمَشَقَّةٍ.

قَوْلُهُ: (تَنْبِيهٌ إلَخْ) ذَكَرَ فِيهِ فُرُوعًا ثَمَانِيَةً مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الشَّرْطِ.

قَوْلُهُ: (أَكْثَرَ) بِأَنْ كَانَ النَّقْصُ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا.

قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْأَمْرَيْنِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ لَأُجْرَةِ ثَوْبِ مَا يُصَلِّي فِيهِ لَوْ اكْتَرَاهُ.

قَوْلُهُ: (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ يُعْتَبَرُ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أُجْرَةُ الثَّوْبِ وَثَمَنُ الْمَاءِ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَنِ إلَخْ كُلُّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ بَيْنَ أُجْرَةِ الثَّوْبِ، وَثَمَنِ الْمَاءِ الَّذِي يَشْتَرِيهِ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ، وَيَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَيَأْخُذُهُ وَيُقَابِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَقْصِ قِيمَةِ الثَّوْبِ بِالْقَطْعِ، فَلَوْ كَانَ نَقْصُ قِيمَةِ الثَّوْبِ خَمْسَةً وَأُجْرَةُ الثَّوْبِ ثَلَاثَةُ، وَثَمَنُ الْمَاءِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ أَرْبَعَةُ، فَإِنَّ الْإِسْنَوِيَّ يُقَابِلُ بَيْنَ نَقْصِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ ثَمَنِ الْمَاءِ مَعَ أُجْرَةِ الْغَاسِلِ أَيْ: فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ زَادَ عَلَى أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ أَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ سَاوَى وَجَبَ الْقَطْعُ.

قَوْلُهُ: (مَعَ أُجْرَةِ غَسْلِهِ) أَيْ الثَّوْبِ.

قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْحَاجَةِ) أَيْ بِأَنْ اُحْتِيجَ فِي غَسْلِهِ إلَى مُبَالَغَةٍ كَحَتٍّ بِأَنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَيْنِيَّةً، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حُكْمِيَّةً، فَإِنَّهُ لَا أُجْرَةَ لِلْغَسْلِ حِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ لَأُجْرَةِ الْغَسْلِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَبَهَ إلَخْ) ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ هُنَا إلَى الشَّرْطِ الثَّانِي سِتَّةَ فُرُوعٍ: الْأَوَّلُ: مَسْأَلَةُ الِاشْتِبَاهِ. الثَّانِي: فِي كَيْفِيَّةِ تَطْهِيرِ مَا نَجُسَ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُمْتَنَعُ صَلَاةُ قَابِضٍ عَلَى مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ. الرَّابِعُ: تَفْصِيلُ الْوَصْلِ. الْخَامِسُ: فِي الْعَفْوِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ وَمَا عُسِرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إلَخْ. السَّادِسُ: لَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ لَا يَعْلَمُهُ إلَخْ. قَوْله: (أَوْ بَيْتَيْنِ) أَيْ ضَيِّقِينَ عُرْفًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَإِلَّا فَلَهُ الصَّلَاةُ فِي الْوَاسِعِ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ الْمُتَنَجِّسِ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ مُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ بَيْتًا طَاهِرًا وَبَيْتًا مُتَنَجِّسًا كُلَّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا) أَيْ الْمِيَاهُ لِكُلِّ

ص: 441

مِنْ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ، فَإِذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يُشْكِلُ بِالِاجْتِهَادِ فِي الْمِيَاهِ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِيهَا لِكُلِّ فَرْضٍ. أُجِيبُ: بِأَنَّ بَقَاءَ الثَّوْبِ أَوْ الْمَكَانِ كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ اجْتَهَدَ فَتَغَيَّرَ ظَنُّهُ عَمِلَ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي فَيُصَلِّي فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ، بِخِلَافِ الْمِيَاهِ وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِمَا وَلَوْ جَمَعَهُمَا عَلَيْهِ، وَلَوْ اجْتَهَدَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْبَيْتَيْنِ فَلَمْ يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ صَلَّى عَارِيًّا أَوْ فِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَعَادَ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ؛ وَلِأَنَّ مَعَهُ ثَوْبًا فِي الْأُولَى وَمَكَانًا فِي الثَّانِيَةِ طَاهِرًا بِيَقِينٍ، وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بَدَنَانِ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ بِأَحَدِهِمَا اجْتَهَدَ فِيهِمَا وَعَمِلَ بِاجْتِهَادِهِ، فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ وَاحِدٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى الْآخَرِ صَلَّى خَلْفَهُ وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى، كَمَا لَوْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ تَحَيَّرَ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَلَوْ نَجُسَ بَعْضُ ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ أَوْ مَكَان ضَيِّقٍ وَجَهِلَ ذَلِكَ الْبَعْضَ وَجَبَ غَسْلُ كُلِّهِ لِتَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ وَاسِعًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا اجْتِهَادٍ، وَسَكَتُوا عَنْ ضَبْطِ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ نَجَسٍ كَثَوْبٍ ثُمَّ غَسَلَ بَاقِيهِ، فَإِنْ غَسَلَ مَعَهُ مُجَاوِرُهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُجَاوِرِ

وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ نَحْوِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَرْضٍ أَيْ حَيْثُ انْتَقَضَ طُهْرُهُ الَّذِي فَعَلَهُ بِالِاجْتِهَادِ، أَمَّا إذَا بَقِيَ طُهْرُهُ وَلَوْ شَهْرًا فَلَا اجْتِهَادَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْجَوَابِ. اهـ. م د.

قَوْلُهُ: (كَبَقَاءِ الطَّهَارَةِ) أَيْ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَوْ اشْتَبَهَ أَحَدُ مَاءَيْنِ بِآخَرَ وَلَمْ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ أَيْ: فَيَسْتَغْنِيَ بِذَلِكَ عَنْ تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ وَحِينَئِذٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ مُسْتَوِيَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ مَا بَقِيَتْ طَهَارَتُهُ، وَمَا بَقِيَ فِي أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ، فَإِذَا انْتَقَلَ مِنْ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ أَوْ الْمَكَانَيْنِ إلَى غَيْرِهِمَا اجْتَهَدَ، كَمَا أَنَّهُ إذَا انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ اجْتَهَدَ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(فَلَوْ اجْتَهَدَ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَمْ يَجِبْ تَجْدِيدُ الِاجْتِهَادِ.

قَوْلُهُ: (بِالِاجْتِهَادِ) خَرَجَ مَا لَوْ هَجَمَ وَغَسَلَ أَحَدَهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ) أَيْ لِمَا صَلَّاهُ فِي الثَّانِي.

قَوْلُهُ: (إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْضُ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ كَمَا لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْأُولَى، وَوَجْهُهُ أَنَّ آثَارَ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهِ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُبْطِلُهُ، فَلِذَلِكَ عَمِلَ بِالثَّانِي، بِخِلَافِ الْمِيَاهِ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي بَلْ يُتْلِفُ الْمَاءَيْنِ وَيَتَيَمَّمُ وَلَا يُعِيدُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ بِمَاءِ الثَّانِي، فَقَدْ نُقِضَ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّلُ أَيْ آثَارُهُ الْبَاقِيَةُ بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، وَهُمَا ظَنَّانِ مُتَسَاوِيَانِ، فَيَكُونُ تَحَكُّمًا، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ، وَإِلَّا فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَضْ الِاجْتِهَادُ الْأَوَّل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي، بَلْ نَقَضَهُ بِمَاءٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ:(بِخِلَافِ الْمِيَاهِ) أَيْ فَإِنَّهُ فِيهَا لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي أَيْ: وَلَا بِالْأَوَّلِ بَلْ يَتَيَمَّمُ بَعْدَ تَلَفٍ. قَوْلُهُ: (لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعَلَامَةِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَوْرًا، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَيْضًا فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ فَأَفْطَرُوا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَّلُوهُ بِتَقْصِيرِهِمْ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ ع ش عَلَى م ر. وَالتَّعْلِيلُ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مُشْكِلٌ لِبَذْلِهِمْ مَا فِي وُسْعِهِمْ تَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (بَدَنَانِ) أَيْ تَنَجَّسَ أَحَدُهُمَا كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ: (وَلَا يُعِيدُ الْأُولَى) أَيْ وَلَا الثَّانِيَةَ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَجُسَ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا بَابُ النَّجَاسَةِ، فَذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ نَجَسٍ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لِتَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ أَوْ مَعَهُ لِيَشْمَلَ الْبَدَنَ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَاسِعَ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ بَدَنِ الْمُصَلِّي وَالضَّيِّقُ مَا كَانَ بِقَدْرِ بَدَنِهِ. قَوْلُهُ:(لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ) لَكِنْ يُسَنُّ م ر.

قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ) أَيْ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَحْسَنُ فِي ضَبْطِ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْوَاسِعِ وَالضَّيِّقِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا يُقَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي ضَبْطِهِمَا، وَالْمُرَادُ بِالْعُرْفِ عُرْفُ حَمَلَةِ الشَّرْعِ.

قَوْلُهُ: (مُجَاوِرُهُ) وَهُوَ جُزْءٌ مِمَّا غَسَلَهُ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (طَهُرَ كُلُّهُ) أَيْ حَيْثُ غَسَلَهُ بِالصَّبِّ فِي غَيْرِ إنَاءٍ أَمَّا لَوْ غَسَلَهُ بِالصَّبِّ فِي الْإِنَاءِ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَ بَعْضَهُ وَصَبَّ عَلَيْهِ

ص: 442

قَابِضِ طَرَفٍ مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِحَرَكَتِهِ، وَلَا يَضُرُّ جَعْلُ طَرَفِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ وَلَا نَجَسٌ يُحَاذِيهِ، وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ لِحَاجَةٍ بِنَجَسٍ مِنْ عَظْمٍ لَا يَصْلُحُ لِلْوَصْلِ غَيْرُهُ عُذِرَ فِي ذَلِكَ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ إذَا وُجِدَ الطَّاهِرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَاءَ صَارَ مَا فَوْق الْمَاءِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ الْمَغْسُولَ وَارِدًا عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَيُنَجِّسُهُ (ز ي) ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ الثَّوْبِ مُرْتَفِعٌ عَنْ الْإِنَاءِ وَانْحَدَرَ عَنْهُ الْمَاءُ حَتَّى اجْتَمَعَ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى مَا فَوْقِ الْمَغْسُولِ مِنْ الثَّوْبِ طَهُرَ. نَقَلَ ذَلِكَ سم عَنْ الشَّارِحِ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَغَيْرُ الْمُجَاوِرِ) يَطْهُرُ وَالْمُجَاوِرُ نَجِسٌ وَهُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِمَّا غَسَلَهُ أَوَّلًا، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُحَقَّقَةً، فَلَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الثَّوْبِ وَاشْتَبَهَ فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ بَاقِيَهُ طَهُرَ كُلُّهُ، وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ الْمُجَاوِرَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ الْبَعْضِ الَّذِي غَسَلَ أَوَّلًا. أَيْ: حَتَّى يَسْرِي إلَى مُجَاوِرِهِ مِمَّا غَسَلَ أَوَّلًا. ع ش عَلَى م ر بِزِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (نَحْوِ قَابِضٍ) كَشَادٍّ بِيَدٍ أَوْ نَحْوِهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ، وَمُرَادُهُ بِالشَّادِّ الرَّابِطِ. قَوْلُهُ:(طَرَفٍ مُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ) سَوَاءٌ كَانَ اتِّصَالُهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ كَانَ النَّجَسُ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ أَوْ لَا. وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُتَّصِلٌ بِنَجَسٍ مَا لَوْ كَانَ الطَّرَفُ الْآخَرُ مُتَّصِلًا بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، وَذَلِكَ الطَّاهِرُ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَسِ فَيَفْصِلُ، وَيُقَالُ: إنْ كَانَ النَّجَسُ يَنْجَرُّ بِجَرِّ الْمُصَلِّي وَاتَّصَلَ الطَّرَفُ الْآخَرُ بِالْمُتَّصِلِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ ضَرَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْجَرَّ بِجَرِّهِ أَوْ كَانَ الِاتِّصَالُ لَا عَلَى وَجْهِ الرَّبْطِ لَمْ يَضُرَّ. مِثَالُ ذَلِكَ إذَا رَبَطَ حَبْلًا بِطَوْقِ كَلْبٍ أَوْ بِوَتَدِ سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ، وَكَانَتْ تَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَبْلُ مَرْمِيًّا عَلَى طَوْقِ الْكَلْبِ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ الطَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. وَقَدْ أَشَارَ شَارِحُ الْمَنْهَجِ لِلْمَفْهُومِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ طَرَفُهُ مُتَّصِلًا بِسَاجُورِ كَلْبٍ إلَخْ. لَكِنَّ كَلَامَهُ فِيهِ إجْمَالٌ لِعَدَمِ إفَادَتِهِ لِلتَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ، هَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ م ر شَوْبَرِيٌّ. مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْآخِذِ بِزِمَامِ الدَّابَّةِ إنْ كَانَ بِهَا نَجَاسَةٌ، وَلَوْ عَلَى غَيْرِ مَخْرَجِهَا وَإِذَا وَطِئَتْ نَجَاسَةً رَطْبَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا جَافَّةٌ لَمْ تُفَارِقْهَا حَالًا بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ) وَعِبَارَةُ اج وَفَارَقَ صِحَّةُ سُجُودِهِ عَلَى مَا لَمْ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شُرِعَ لِلتَّعْظِيمِ، وَهَذَا يُنَافِيهِ وَالْمَطْلُوبُ فِي السُّجُودِ الِاسْتِقْرَارُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ:(وَلَا يَضُرُّ جَعْلُ طَرَفِهِ تَحْتَ رِجْلِهِ) أَيْ: وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لِعَدَمِ حَمْلِهِ لَهُ أَمَّا لَوْ جَعَلَهُ فَوْقَ ظَهْرِ رِجْلِهِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ نَحْوَ قَابِضٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا نَجَسٌ يُحَاذِيهِ) أَيْ وَلَا يَضُرُّ نَجَسٌ يُحَاذِي شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ لِعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ لَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجَسٌ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ شَرْحُ الْبَهْجَةِ فَلَوْ عَرَقَ قَدَمُهُ، فَالْتَصَقَ الْبِسَاطُ الَّذِي طَرَفُهُ نَجَسٌ أَوْ الْمَفْرُوشُ عَلَى أَرْضٍ مُتَنَجِّسَةٍ بِبَاطِنِ قَدَمِهِ وَصَارَ مُتَعَلِّقًا بِهِ عُدَّ حَامِلًا لَهُ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَفْصِلْهُ عَنْهُ حَالًا كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ م ر نَعَمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ مُحَاذَاةِ النَّجَسِ كَاسْتِقْبَالِ مُتَنَجِّسٍ أَوْ نَجَسٍ وَلَوْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ نَجَسٍ صَلَّى وَتَجَافَى عَنْ النَّجَسِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ بِالْأَرْضِ، بَلْ يَنْحَنِي بِالسُّجُودِ إلَى قَدْرٍ لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَسَ ثُمَّ يُعِيدُ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ شَرْحُ م ر.

فَرْعٌ: لَوْ تَعَلَّقَ بِالْمُصَلِّي صَبِيٌّ أَوْ هِرَّةٌ لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَةَ مَنْفَذِهِمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَعَارَضَ فِيهِ الْأَصْلُ، وَالْغَالِبُ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَالْغَالِبُ النَّجَاسَةُ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَةَ مَنْفَذِهِمَا مَا لَوْ عِلْمَهُ، ثُمَّ غَابَتْ الْهِرَّةُ أَوْ الطِّفْلُ زَمَنًا لَا يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُ مَنْفَذِهِمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَعَلُّقِهِمَا بِالْمُصَلِّي، وَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَا أَصَابَ مَنْفَذَهُمَا كَالْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ فَأْرَةً ثُمَّ غَابَتْ غَيْبَةً يُمْكِنُ طُهْرُ فَمِهَا فِيهَا اهـ عِ ش عَلَى م ر. فَلَا تُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا، وَقَدْ يُقَالُ النَّجَاسَةُ مُتَيَقَّنَةٌ، وَالطُّهْرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَمُقْتَضَاهُ نَجَاسَةُ مَا أَصَابَهُ فَمُهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ مُخْتَارًا مَعَ فَقْدِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ وُجُودِ الطَّاهِرِ الصَّالِحِ وَجَبَ نَزْعُهُ إلَّا إنْ خَافَ ضَرَرًا، وَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَإِنْ فَعَلَ بِهِ حَالَ عَدَمِ تَكْلِيفِهِ كَصِغَرِهِ لَمْ يَجِبْ نَزْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا وَحَيْثُ وَجَبَ نَزْعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَا طَهَارَتُهُ مَا دَامَ الْعَظْمُ النَّجَسُ مَكْشُوفًا لَمْ يَشْتَرِطْ بِالْجِلْدِ وَحَيْثُ لَا يَجِبُ نَزْعُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَطَهَارَتُهُ، وَلَمْ يُنَجَّسُ الْمَاءُ بِمُرُورِهِ عَلَى الْعَظْمِ وَلَوْ قَبْلَ اكْتِسَائِهِ بِاللَّحْمِ وَالْجِلْدِ وَلَا الرَّطْبِ إذَا لَاقَاهُ سم، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ

ص: 443

كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِوَصْلِهِ أَوْ وَجَدَ صَالِحًا غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إنْ أَمِنَ مِنْ نَزْعِهِ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَمُتْ، وَمِثْلُ الْوَصْلِ بِالْعَظْمِ فِيمَا ذُكِرَ الْوَشْمُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ

وَعُفِيَ عَنْ مَحِلِّ اسْتِجْمَارِهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ عَرِقَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ فِي حَقِّهِ، لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَعَمَّا عَسِرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ غَالِبًا مِنْ طِينِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَصَلَ عَظْمَهُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (لِحَاجَةٍ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتَ الْوَصْلِ طَاهِرًا فِي مَحَلٍّ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ فِي التَّيَمُّمِ ق ل. قَوْلُهُ: (مِنْ عَظْمٍ) وَلَوْ مُغَلَّظًا ح ل قَوْلُهُ: (لَا يَصْلُحُ لِلْوَصْلِ غَيْرُهُ) أَيْ وَقْتَ إرَادَتِهِ حَتَّى لَوْ وَصَلَ غَيْرَهُ، وَلَكِنْ كَانَ هَذَا أَصْلَحَ أَوْ أَسْرَعَ إلَى الْجَبْرِ لَمْ يَجُزْ الْوَصْلُ بِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ، وَيُقَدَّمُ عَظْمُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الْكَلْبَ أَغْلَظُ، وَهَذَا يُخَالِفُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ فِي قِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ حَيْثُ قَالُوا فِي تَوْجِيهِ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ، إذْ لَا يَحِلُّ اقْتِنَاؤُهُ بِحَالٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْخِنْزِيرَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ أَكْلِهِ بِخِلَافِ الْكَلْبِ، فَفِيهِ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَيُقَدَّمُ غَيْرُ الْمُغَلَّظِ، وَلَوْ كَانَ بَطِيءَ الْبُرْءِ عَلَى الْمُغَلَّظِ، وَلَوْ كَانَ سَرِيعُهُ وَيُقَدَّمُ الْمُغَلَّظُ عَلَى الْآدَمِيِّ بِرْمَاوِيٌّ وح ل. قَوْلُهُ:(مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ) فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ إلَّا عَظْمُ الْآدَمِيِّ قُدِّمَ عَظْمُ الْحَرْبِيِّ كَالْمُرْتَدِّ ثُمَّ الذِّمِّيِّ ثُمَّ الْمُسْلِمِ.

قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ إنْ أَمِنَ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ اكْتَسَى لَحْمًا وَلَا مُبَالَاةَ بِأَلَمِهِ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ فِي الْمَآلِ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمُ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ مَعَهُ لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا لَا ضَرُورَةَ إلَى تَبْقِيَتِهَا اهـ مَتْنُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَمُتْ) فَإِنْ مَاتَ حَرُمَ نَزْعُهُ لِزَوَالِ التَّعَبُّدِ عَنْهُ وَلِهَتْكِ حُرْمَتَهُ، وَقِيلَ يُنْزَعُ عَنْهُ لِئَلَّا يَلْقَى اللَّهَ مَعَ النَّجَاسَةِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْعَائِدَ هُوَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ أَيْ الَّتِي نَزَلَ بِهَا مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ ز ي. قَوْلُهُ:(الْوَشْمُ) وَهُوَ غَرْزُ الْإِبْرَةِ فِي الْجِلْدِ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ ثُمَّ يَذُرَّ عَلَيْهِ نَحْوَ نِيلَةٍ لِيَخْضَرَّ أَوْ يَزْرَقَّ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ) وَهُوَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْرَ عَلَى إزَالَتِهِ لَزِمَتْهُ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِذَا فُعِلَ بِهِ فِي صِغَرِهِ أَوْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ أَوْ لِحَاجَةٍ وَخَافَ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ فَلَا تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْوَشْمَ بِرِضَاهُ فِي حَالِ تَكْلِيفِهِ، وَلَمْ يَخَفْ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورَ تَيَمُّمٍ مَنَعَ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّهِ لِتَنَجُّسِهِ وَإِلَّا عُذِرَ فِي بَقَائِهِ مُطْلَقًا وَحَيْثُ لَمْ يُعْذَرْ فِيهِ وَلَاقَى مَاءً قَلِيلًا أَوْ مَائِعًا أَوْ رَطْبَا نَجَّسَهُ، كَذَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: وَلَا يَبْعُدُ عُذْرُ مَنْ وَشَمَ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ وِفَاقًا لِلرَّمْلِيِّ اهـ. وَلَا عُذْرَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَلَوْ وَشَمَ بِاخْتِيَارِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ إزَالَتِهِ لِتَعَدِّيهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ. اهـ. سم وَا ج وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُهُ. وَنَصُّهُ: فَرْعٌ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذِمِّيٍّ اسْتَعْمَلَ الْوَشْمَ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَةُ الْوَشْمِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إزَالَتِهِ أَمْ لَا؟ كَمَنْ فُعِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَيْثُ لَمْ يُكَلَّفْ إزَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ فِي الْأَصْلِ وَيُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، وَلَا يَنْجُسُ مَاءٌ قَلِيلٌ بِمُلَاقَاةِ مَحَلِّ الْوَشْمِ لَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالظَّاهِرُ الْعَفْوُ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ حُرْمَتَهُ فِي الْأَصْلِ فَلَا تَعَدِّي مِنْهُ حَالَ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ اهـ. بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (وَعُفِيَ عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ إلَخْ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَعُفِيَ عَنْ أَثَرِ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ إلَخْ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ وَعَنْ أَثَرِ اسْتِنْجَاءٍ فِي الصَّلَاةِ اهـ زَادَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ رُخْصَةً. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا عَاصِيًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَلَيْسَ كُلٌّ كَذَلِكَ اهـ قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ.

قَوْلُهُ: (فِي الصَّلَاةِ) أَيْ لَا فِي تَنَجُّسِ مَاءٍ وَتَنَجُّسِ ثَوْبٍ لَاقَاهُ مَعَ رُطُوبَةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ ق ل. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: وَيُعْفَى عَمَّا يُلَاقِيهِ مِنْ الثَّوْبِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، وَمِثْلُهُ الْبَدَنُ وَلَوْ بِرُكُوبٍ أَوْ جُلُوسٍ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْبِرْمَاوِيُّ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي التَّحْرِيرِ وَحَوَاشِيهِ. وَنَصُّهُ: وَعُفِيَ عَنْ أَثَرِ اسْتِنْجَاءٍ وَإِنْ عَرِقَ فَتَلَوَّثَ بِهِ غَيْرُ مَحَلِّهِ وَإِنْ جَاوَزَ الْبَدَنَ إلَى الثَّوْبِ عَلَى الْأَصَحِّ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُجَاوِزْ) وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: ثُمَّ إنْ جَاوَزَ مَعَ الِاتِّصَالِ وَجَبَ غَسْلُ الْكُلِّ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ مَا جَاوَزَ فَقَطْ دُونَ مَا لَمْ يُجَاوِزْ. وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَجَبَ غَسْلُ مَا سَالَ إلَيْهِ ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى السَّيْلَانِ مَعَ التَّقَطُّعِ. قَوْلُهُ: (فِي حَقِّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِعُفِيَ فَلَوْ حَمَلَ مُسْتَجْمَرًا فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى حَمْلِهِ فِيهَا، فَلَوْ قَبَضَ فِي يَدِ مُصَلٍّ أَوْ فِي ثَوْبِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ م ر. وَمِثْلُ الْحَمْلِ مَا لَوْ

ص: 444

شَارِعٍ نَجَسٍ يَقِينًا لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا وَمَحَلًّا مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ وَدَمَامِيلَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَعَلَّقَ الْمُسْتَجْمَرُ بِالْمُصَلِّي أَوْ الْمُصَلِّي بِالْمُسْتَجْمَرِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا اتِّصَالُ الْمُصَلِّي بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ إذَا أَمْسَكَ مُصَلِّيًا مُسْتَجْمِرًا بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُسْتَجْمِرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ بَعْضَ بَدَنِهِ مُتَّصِلٌ بِيَدِ الْمُسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، وَيَدُهُ مُتَّصِلَةٌ بِيَدِ الْمُصَلِّي الْمُسْتَجْمِرِ بِالْحَجَرِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمُتَّصِلٍ بِنَجَسٍ وَهُوَ نَفْسُهُ لَا ضَرُورَةَ لِاتِّصَالِهِ بِهِ. لَا يُقَالُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ ثَوْبَ نَفْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاته؛ لِأَنَّا نَقُولُ: اتِّصَالُ الثِّيَابِ بِهِ ضَرُورِيٌّ وَمِثْلُهَا السَّجَّادَةُ وَنَحْوُهَا لِتَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الثِّيَابِ قَالَهُ الْإِطْفِيحِيُّ نَقْلًا عَنْ ع ش. قَالَ الرَّشِيدِيُّ: هُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، إذْ هُوَ مُغَالَطَةٌ إذْ لَا خَفَاءَ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الطَّاهِرِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي مُتَّصِلًا بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّي، وَهُنَا النَّجَسُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُمْسِكِ الَّذِي هُوَ مَنْشَأُ التَّوَهُّمِ. وَفِي حَجّ: وَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً مَثَلًا بِبَدَنِهِ أَوْ انْغَرَزَتْ فَغَابَتْ أَوْ وَصَلَتْ لِدَمٍ قَلِيلٍ لَمْ يَضُرَّ أَوْ لِدَمٍ كَثِيرٍ أَوْ لِجَوْفٍ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لِاتِّصَالِهَا بِنَجَسٍ اهـ. قَالَ سم: عَلَيْهِ وَمَحَلُّ عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ كَانَ طَرَفُهَا بَائِنًا ظَاهِرًا اهـ. أَقُولُ: وَمَا قَيَّدَ بِهِ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ فَغَابَتْ. وَقَوْلُهُ: لَمْ تَصِحَّ إلَخْ. يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْ نَزْعِهَا ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَأَنْ مَحَلَّهُ أَيْضًا إذَا غَرَزَهَا لِغَرَضٍ، أَمَّا إذَا غَرَزَهَا عَبَثًا فَتَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ عَمْدًا، وَهُوَ يَضُرُّ قَالَ ع ش عَلَى م ر، وَلَوْ وَقَّعَ الطَّائِرُ الَّذِي عَلَى مَنْفَذِهِ نَجَاسَةً فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجَّسْ عَلَى الْأَصَحِّ لِعُسْرِ صَوْنِهِ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَجْمَرِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَرْحَ م ر. قَالَ حَجّ: مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فُتُورٌ وَإِلَّا فَلَا يَحْرُمُ وَيَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ.

قَوْلُهُ: (نَجَسٌ يَقِينًا) أَيْ وَلَيْسَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ مُتَمَيِّزَةً وَمَاءُ الشَّارِعِ مِثْلُ طِينِهِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ أَيْ: إذَا وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ الشَّارِعِ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ تَلَطَّخَ كَلْبٌ بِطِينِ الشَّارِعِ وَانْتَفَضَ عَلَى إنْسَانٍ، وَمَا لَوْ رَشَّ السَّقَّاءُ عَلَى الْأَرْضِ النَّجِسَةَ أَوْ رَشَّهُ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ فَطَارَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَخْصٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِالْعَفْوِ فِيمَا ذُكِرَ لَاقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَيْهِ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِالشَّارِعِ مَحَلُّ الْمُرُورِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا كَالْمَحَلَّاتِ الَّتِي عَمَّتْ الْبَلْوَى بِاخْتِلَاطِهَا بِالنَّجَاسَةِ كَدِهْلِيزِ الْحَمَّامِ وَمَا حَوْلَ الْفَسَاقِيِ مِمَّا لَا يُعْتَادُ تَطْهِيرُهُ إذَا تَنَجَّسَ، أَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ وَتَطْهِيرِهِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ بَلْ مَتَى تَيَقَّنَ نَجَاسَتَهُ وَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَمِنْهُ مَمْشَاةُ الْفَسَاقِي فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِمُخَالِفَتِهِ وَضَابِطُ الْعَفْوِ فِيهِ أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَى سَقْطَةٍ أَوْ كَبْوَةٍ أَوْ قِلَّةِ تَحَفُّظٍ اهـ ق ل. وَشَمِلَ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ خُصُوصًا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا الْكِلَابُ، وَخَرَجَ بِالطِّينِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ إذَا تَفَتَّتَ فِي الطَّرِيقِ، فَلَا يُعْفَى عَنْهَا مَا لَمْ تَعُمُّهَا عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ، وَإِذَا مَشَى فِي الشَّارِعِ الَّذِي بِهِ طِينٌ مُتَيَقَّنُ النَّجَاسَةِ وَأَصَابَهُ وَمَشَى فِي مَكَان آخَرَ وَتَلَوُّثَ مِنْهُ عُفِيَ عَنْهُ فِي الْمَكَانِ الثَّانِي إذَا كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ، وَإِلَّا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ النَّجَاسَةِ، وَيُمْتَنَعُ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ بِهَا وَيُعْفَى فِي حَقِّ الْأَعْمَى مَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَيَخْتَلِفُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ وَقْتًا إلَخْ) اُنْظُرْ لَوْ تَلَوُّثَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَاسْتَمَرَّ إلَى الصَّيْفِ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا إلَى الزَّمَنِ الْوَاقِعِ فِيهِ أَوْ لَا نَظَرًا إلَى زَوَالِ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الْعَفْوِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِالزَّمَنِ اهـ بَابِلِيٌّ أَمَّا إذَا بَقِيَ إلَى الشِّتَاءِ الثَّانِي فَيُعْفَى عَنْهُ نَظَرًا لِلزَّمَنِ طُوخِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ) جَمْعُ بُرْغُوثٍ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحُ قَلِيلٌ، وَيُقَالُ لَهُ طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ. رَوَى أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَسُبُّ بُرْغُوثًا فَقَالَ: لَا تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ أَيْقَظَ نَبِيًّا لِصَلَاةِ الْفَجْرِ» . وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ رَشَحَاتٌ تَمُصُّهَا مِنْ الْإِنْسَانِ ثُمَّ تَمُجُّهَا وَلَيْسَ لَهَا دَمٌ فِي نَفْسِهَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. فَالْإِضَافَةُ فِي دَمِ الْبَرَاغِيثِ لِلْمُلَابَسَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَعَنْ دَمِ نَحْوِ بَرَاغِيثَ أَيْ يُعْفَى عَنْهَا فِي مَلْبُوسِهِ وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةِ بَدَنِهِ مِنْ عَرَقٍ وَنَحْوَ مَاءِ وُضُوءٍ، أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ، أَوْ مَا تَسَاقَطَ مِنْ الْمَاءِ حَالَ شُرْبِهِ،

ص: 445

كَقَمْلٍ، وَعَنْ دَمِ فَصْدٍ وَحَجْمٍ بِمَحَلِّهِمَا، وَعَنْ رَوْثِ ذُبَابٍ وَإِنْ كَثُرَ مَا ذُكِرَ وَلَوْ بِانْتِشَارِ عَرَقٍ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ لَا إنْ كَثُرَ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ كَثُرَ بِفِعْلِهِ كَأَنْ قَتَلَ بَرَاغِيثَ أَوْ عَصَرَ الدَّمَ لَمْ يُعْفَ عَنْ الْكَثِيرِ عُرْفًا، كَمَا هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَوْ مِنْ الطَّعَامِ حَالَ أَكْلِهِ، أَوْ بُصَاقٍ فِي ثَوْبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَا يُكَلَّفُ تَنْشِيفَ الْبَدَنِ لِعُسْرِهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الطَّوَافِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ مَعَ حَمْلِهِ دَمَ الْبَرَاغِيثِ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُ النَّجَاسَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامًا، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ مَعَ طُهْرٍ مُعْتَدٍّ بِهِ لَا نَحْوَ مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ، فَلَوْ وَقَعَ الْمُلَوَّثُ بِذَلِكَ فِي مَائِعٍ أَوْ مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا. وَفِي مَعْنَى الْبَرَاغِيثِ كُلُّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ وَخَرَجَ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ جِلْدُهَا فَلَا يُعْفَى عَنْهُ م د.

قَوْلُهُ: (كَقَمْلٍ) وَيُعْفَى عَنْ دَمِ قَمْلَةٍ اخْتَلَطَ بِجِلْدِهَا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ دَمُهَا بِدَمِ قَمْلَةٍ أُخْرَى لِلْمَشَقَّةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ جِلْدُ قَمْلَةٍ بِدَمِ قَمْلَةٍ أُخْرَى فَلَا يُعْفَى عَنْهُ حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. كَأَنْ قَتَلَ وَاحِدَةً فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْأُولَى، وَاخْتَلَطَ دَمُ الْأُولَى بِقِشْرَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ وَجَدَ شَخْصٌ بَعْدَ صَلَاتِهِ قِشْرَ قَمْلٍ فِي طَيِّ عِمَامَتِهِ أَوْ فِي غَرْزِ خَيَّاطَةِ ثَوْبه لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِالتَّفْتِيشِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف وَالْعَزِيزِيُّ.

قَوْلُهُ: (بِمَحَلِّهِمَا) أَيْ الدَّمَيْنِ أَيْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَدَمِ الْفَصْدِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ تَخْصِيصَ مَحَلِّهِمَا بِدَمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ شَرْحُ م ر. وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّهِمَا هُوَ مَا يَغْلِبُ سَيَلَانُهُمَا إلَيْهِ أَيْ عَادَةً وَمَا حَاذَاهُ مِنْ الثَّوْبِ، لَكِنْ رُجُوعُ الْقَيْدِ لِدَمِ الْبَرَاغِيثِ لَا يَظْهَرُ لَهُ مُحْتَرَزٌ، فَالْأَوْلَى أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلدَّمَيْنِ أَيْ دَمِ الدَّمَامِلِ وَنَحْوِهَا وَدَمِ الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَالْمُرَادُ بِمَحَلِّهِمَا مَا يَغْلِبُ السَّيْلَانِ إلَيْهِ عَادَةً وَمَا حَاذَاهُ مِنْ الثَّوْبِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ عُفِيَ عَنْ الْمُجَاوِزِ إنْ قَلَّ فَإِنْ كَثُرَ الْمُجَاوِزُ فَقِيَاسُ مَا قَدَّمَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّهُ إنْ اتَّصَلَ الْمُجَاوِزُ بِغَيْرِ الْمُجَاوَزِ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ، وَإِنْ تَقَطَّعَ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ) وَمِمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى حُصُولُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فِي خِرْقَةٍ يَضَعُهَا بَعْضُ النَّاسِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ فَيُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ شَرَفٍ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَا يَتَخَلَّلُ فِي خَيَّاطَةِ الثَّوْبِ مِنْ نَحْوِ الصِّئْبَانِ وَهُوَ بَيْضُ الْقَمْلِ يُعْفَى عَنْهُ، وَإِنْ فُرِضَتْ حَيَاتُهُ ثُمَّ مَوْتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعُمُومِ الِابْتِلَاءِ بِهِ مَعَ مَشَقَّةِ فَتَقِ الْخِيَاطَةِ لِإِخْرَاجِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ع ش عَلَى م ر فَاحْفَظْهُ.

قَوْلُهُ: (لَا إنْ كَثُرَ) أَيْ نَحْوَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَدَمِ الدَّمَامِيلِ كَمَا قَصَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ تَشْمَلُ دَمَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ. وَقَوْلُهُ:(بِفِعْلِهِ) وَلَوْ بِإِكْرَاهٍ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِعْلُ غَيْرِهِ بِرِضَاهُ كَفِعْلِهِ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْكَلُ حِينَئِذٍ دَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، وَمَشَى م ر عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ الْفَصْدِ وَالْحَجْمِ، وَإِنْ كَثُرَ أَيْ: إنْ كَانَ بِفِعْلِ مَأْذُونِهِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ مَحَلَّهُ، وَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ الْكَثِيرِ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَأْذُونِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا. فَرْعٌ: إذَا اخْتَلَطَ دَمُ الْحِلَاقَةِ بِبَلَلِ الرَّأْسِ، قَالَ الزِّيَادِيُّ: يُعْفَى عَنْهُ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْعَفْوِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَطَ بِبَلَلِ التَّنْظِيفِ بَعْدَ الْحِلَاقَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ. فَرْعٌ: يُسَنُّ التَّعَرِّي عَنْ ثَوْبِهِ عِنْدَ النَّوْمِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ يَعْتَادُهُ عِنْدَ النَّوْمِ.

أَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْتَادُونَهُ، فَلَا يُسَنُّ فِي حَقِّهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ نَامَ فِي الثَّوْبِ وَكَثُرَ الدَّمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْتَشَرَ بِعَرَقٍ بِخِلَافِ مَنْ لَا يُعْتَادُ النَّوْمُ فِيهِ إذَا كَثُرَ الدَّمُ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا لَوْ لَبِسَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ اهـ خ ض. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: لَكِنْ مَحَلُّ الْعَفْوِ حَيْثُ لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ وَحَيْثُ كَانَ فِي مَلْبُوسٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ إصَابَتَهُ لَهُ، إلَّا كَأَنْ قَتَلَ قَمْلًا فَأَصَابَهُ مِنْهُ دَمٌ أَوْ حَمْلَ ثَوْبًا فِيهِ دَمٌ نَحْوَ بَرَاغِيثَ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يُعْفَ إلَّا عَنْ الْقَلِيلِ اهـ.

ص: 446

وَالْمَجْمُوعِ. وَعَنْ قَلِيلِ دَمٍ أَجْنَبِيٍّ لَا عَنْ قَلِيلِ دَمٍ نَحْوَ كَلْبٍ لِغِلَظِهِ، وَكَالدَّمِ فِيمَا ذُكِرَ قَيْحٌ وَصَدِيدٌ وَمَاءُ قُرُوحٍ وَمُتَنَقَّطٌ لَهُ رِيحٌ.

وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ أَوْ عِلْمَهُ ثُمَّ نَسِيَ فَصَلَّى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، وَيَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ فِعْلُهَا مَعَ النَّجَسِ.

بِخِلَافِ مَا احْتَمَلَ حُدُوثَهُ بَعْدَهَا.

(وَ) الثَّانِي: (سَتْرُ الْعَوْرَةِ) عَنْ الْعُيُونِ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ عِنْدَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ دَمِ نَحْوِ الْبَرَاغِيثِ، وَإِنْ كَثُرَ وَتَفَاحَشَ وَانْتَشَرَ لِعَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: أَنْ لَا يَكُونَ بِفِعْلِهِ، وَأَنْ لَا يُخْلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَلْبُوسٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ لِلتَّجَمُّلِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ خَالِيًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُكَلَّفُ لُبْسَهُ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا عَفَى عَمَّا فِيهِ مِنْ الدَّمِ صَارَ كَالطَّاهِرِ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ ضَرُورِيٍّ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهِ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَلْبُوسِ الْمَذْكُورِ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ أَقَلِيلٌ هَذَا أَمْ كَثِيرٌ فَلَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ النَّجَاسَاتِ الْعَفْوُ إلَّا إذَا تَيَقَّنَّا الْكَثِيرَ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ قَلِيلِ دَمٍ إلَخْ) جَمْعُهُ قُلُلٌ كَسَرِيرِ وَسُرُرٌ قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ. وَحَاصِلُ مَا فِي الدِّمَاءِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ وَكَثِيرِهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ يُجَاوِزُ مَحَلَّهُ فَيُعْفَى حِينَئِذٍ عَنْ قَلِيلِهَا فَقَطْ م ر ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ لِغَرَضٍ كَعَصْرِ الدُّمَّلِ أَمَّا لَوْ فَعَلَهُ عَبَثًا كَأَنْ لَطَّخَ نَفْسَهُ بِدَمٍ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ لِارْتِكَابِهِ مَحْرَمًا فَلَا يُنَاسِبُهُ الْعَفْوُ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله. ثُمَّ قَالَ: وَمَحَلُّ الْعَفْوِ عَنْ سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِأَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ اخْتَلَطَ بِهِ وَلَوْ مِنْ نَفْسِهِ كَالْخَارِجِ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ لِثَتِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ لَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ. اهـ. م ر. وَقَالَ حَجّ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَطَ بِهِ ضَرُورِيٌّ.

قَوْلُهُ: (وَكَالدَّمِ فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ السَّابِقِ قَيْحٌ. قَوْلُهُ: (وَمُتَنَقَّطٌ) وَهُوَ الْبَقَابِيقُ الَّتِي تَطْلُعُ فِي الْبَدَنِ. وَقَوْلُهُ: لَهُ رِيحٌ قَيْدٌ فِي مَاءِ الْجُرُوحِ وَمَا بَعْدَهُ وَمِثْلُ تَغَيُّرِ الرِّيحِ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ صَلَّى بِنَجَسٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ) أَيْ حَالَ ابْتِدَائِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَوْ عَلِمَهُ) أَيْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ تَذَكَّرَ) أَيْ بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَطَهَارَةُ النَّجَسِ أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي اعْتِقَادِهِ فَقَطْ وَقَوْلُهُ: فَصَلَّى لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ صَلَّى.

قَوْلُهُ: (وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ التَّطَهُّرِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فَلَا تَسْقُطُ بِالْجَهْلِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَالْمُرَادُ بِالْإِعَادَةِ مَا يَشْمَلُ الْقَضَاءَ كَمَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَفِي إطْلَاقِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ تَغْلِيبٌ أَيْ غَلَّبَ الْإِعَادَةَ عَلَى الْقَضَاءِ فَسَمَّاهَا إعَادَةً، إذْ الْإِعَادَةُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ ثَانِيًا فِي الْوَقْتِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِعَادَةَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي هَذِهِ وَمَا بَعْدَهَا عَلَى التَّرَاخِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا لَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي الصَّوْمِ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فِيهِ عَلَى التَّرَاخِي؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ يَقَعُ كَثِيرًا كَمَا نَقَلَهُ الْإِطْفِيحِيُّ عَنْ ع ش، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّذَكُّرِ فَالْمَرْجُوُّ مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُ لِرَفْعِهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ.

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا) أَيْ صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ: (اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ) أَيْ النَّجَسُ بَعْدَهَا أَيْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: اُحْتُمِلَ حُدُوثُهُ أَيْ بِرَاجِحِيَّةٍ أَوْ مَرْجُوحِيَّةٍ أَوْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ بِرْمَاوِيٌّ أَيْ: فَلَا يَجِبُ إعَادَتُهَا لَكِنْ يُسَنُّ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ فَاتَهُ صَلَوَاتٌ حَيْثُ قَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا زَادَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ فِعْلُهُ، وَسَوَاءٌ تَيَقَّنَ تَرْكُهُ أَوْ شَكَّ فَيُخَالِفُ مَسْأَلَةَ الشَّكِّ هُنَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ ذَاكَ شَكٌّ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهَذَا شَكٌّ فِي شَرْطِهِ فَكَانَ أَخَفَّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي سَتْرُ الْعَوْرَةِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ بَعْدَ حَذْفِ الْفَاعِلِ أَيْ: أَنْ يَسْتُرَ الْمُصَلِّي عَوْرَتَهُ وَالْعَوْرَةُ لُغَةً النُّقْصَانُ وَالشَّيْءُ الْمُسْتَقْبَحُ وَمِنْهُ كَلِمَةُ عَوْرَاءُ أَيْ قَبِيحَةٌ وَيُسَمَّى بِهَا الْقَدْرُ الْآتِي لِقُبْحِ ظُهُورِهِ بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (عَنْ الْعُيُونِ)

ص: 447

{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] .

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ، وَأَفَادَ أَنَّ الثَّوْبَ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ ع ش. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ مَعَ الثَّوْبِ قِصَّةُ خَدِيجَةَ رضي الله عنها حَيْثُ أَلْقَتْ الْخِمَارَ عَنْ رَأْسِهَا لِتَخْتَبِرَ حَالَ جِبْرِيلَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ الْمَبْعَثِ هَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَا يَرَى الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ مَعَ عَدَمِ السَّتْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَمَزِيَّةِ بِقَوْلِهِ:

فَأَمَاطَتْ عَنْهَا الْخِمَارَ لِتَدْرِي

أَهُوَ الْوَحْيُ أَمْ هُوَ الْإِغْمَاءُ

فَاخْتَفَى عِنْدَ كَشْفِهَا الرَّأْسَ جِبْرِي

لُ فَمَا عَادَ أَوْ أُعِيدَ الْغِطَاءُ

وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ الْعُيُونِ الزُّجَاجِ فَلَا يَكْفِي. فَرْعٌ: لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ أَوْ نَبَتَتْ سَلْعَةٌ أَصْلُهَا فِي الْعَوْرَةِ أَوْ طَالَ شَعْرُ الْعَانَةِ، وَجَاوَزَ الرُّكْبَتَيْنِ وَجَبَ سَتْرُ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمِثْلُهُ الْأُنْثَيَانِ اهـ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ. قَوْلُهُ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] أَيْ يَا فُرُوعَ آدَمَ الشَّامِلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَذَكَرَ الذُّكُورَ فِي قَوْلِهِ: يَا بَنِي لِشَرَفِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَجَازَانِ: الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الزِّينَةِ عَلَى الثِّيَابِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الثِّيَابُ بِاسْمِ الْحَالِ فِيهِ وَهُوَ الزِّينَةُ. وَالثَّانِي: إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلَاةِ تَسْمِيَةً لِلْحَالِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَأَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثِّيَابِ زِينَةً وَالزِّينَةُ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالثِّيَابِ لِكَوْنِهَا أَيْ الثِّيَابُ يُتَزَيَّنُ بِهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ نَظْمًا، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ:

حَسِّنْ ثِيَابَك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهَا

زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تَعُزُّ وَتُكْرَمُ

وَدَعْ التَّخَشُّنَ فِي الثِّيَابِ تَوَاضُعًا

فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتَكْتُمُ

فَجَدِيدُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا

تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ

وَرَثِيثُ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك رِفْعَةً

عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ

فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تَنْكَشِفُ عِنْدَ قِيَامِهِ دُونَ قُعُودِهِ هَلْ يُقَدَّمُ. الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ. وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ قُدِّمَ الِاسْتِقْبَالُ قَالَ: لِأَنَّهُ أَيْ السَّتْرُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا مَثَلٌ، فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ ع ش عَلَى م ر وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَسْقُطُ أَيْضًا فِي النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَنَصُّهُ: فَرْعٌ لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا أَمْكَنَهُ سَتْرُ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ الْقِيَامِ دُونَ السَّتْرِ.

قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بِهِمَا أَيْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ.

تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: اللِّبَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَهُ صِفَتَانِ. صِفَةُ إجْزَاءٍ وَصِفَةُ كَمَالٍ، فَصِفَةُ الْإِجْزَاءِ كَوْنُهُ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ، وَالصِّفَةُ الْكَمَالِيَّةُ كَوْنُهُ مَسْتُورًا مُتَزَيِّنًا فِي أَحْسَنِ زِيٍّ وَأَكْمَلِ هَيْئَةٍ اهـ. وَفِي خَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ:«الِارْتِدَاءُ لُبْسَةُ الْعَرَبِ وَالِالْتِفَاعُ لُبْسَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ» يَعْنِي أَنَّ الِارْتِدَاءَ وَهُوَ وَضْعُ الرِّدَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ لُبْسَةُ الْعَرَبِ تَوَارَثُوهَا عَنْ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَيُسَمُّونَهَا حُلَّةً وَالِالْتِفَاعُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَأَكْثَرُ الْوَجْهِ لُبْسَةُ أَهْلِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَاهُمْ مِنْ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِمْ مَا أَخْجَلَهُمْ اُضْطُرُّوا إلَى مَزِيدِ السَّتْرِ، فَرَأَوْا أَنَّ الِالْتِفَاعَ أَسْتَرُ لِسَتْرِهِ

ص: 448

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ. قَالَ وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالسَّتْرِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقَّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ.

وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَوْرَةُ الذَّكَرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرَكِبَتْهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

مَا فِيهِ الْحَيَاءُ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ عَمَلِ الرُّوحِ وَسُلْطَانُ الرُّوحِ فِي الرَّأْسِ، وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ: إنِّي لِأَدْخُل الْخَلَاءَ فَأَتَقَنَّعُ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانُوا فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي فِيهَا حِشْمَةٌ يَعْلُوهُمْ الْحَيَاءُ كَمَا يَعْلُوهُمْ فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ الِالْتِفَاعُ لُبْسَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ أُيِّدَتْ بِالْيَقِينِ النَّافِذِ لِحَجْبِ الْقُلُوبِ فَمَنْ تَقَنَّعَ فَمِنْ الْحَيَاءِ تَقَنَّعَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ عِلْمَ يَقِينٍ لَا عِلْمَ تَعَلُّمٍ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ) الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُهَا حَتَّى فِي الْخَلْوَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ مِنْ طَوْقِهِ لَا مَعَ كَشْفِهَا فَاجْتَمَعَتْ الْعِبَارَتَانِ. تَنْبِيهٌ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ أَيْ: لِكَوْنِهِ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَإِلَّا لَمَا أَقَرَّهُمْ مُوسَى عَلَى ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لِأَدْنَى غَرَضٍ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ مِنْ الْغَرَضِ حَالَةُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ أَنْ يَكُونَا مُسْتَتِرِينَ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَرَدَّهُ الرَّشِيدِيُّ وَجَعَلَ حَالَةَ الْجِمَاعِ مِنْ الْحَاجَةِ، وَنَصُّهُ: وَمِنْ الْغَرَضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ غَرَضُ الْجِمَاعِ، وَسَنُّ السَّتْرِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَكَانَ السَّتْرُ وَاجِبًا خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْبَشَرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَى جَوَازِ كَشْفِهَا لِأَدْنَى غَرَضٍ تَعْلِيلُهُمْ وُجُوبَ السَّتْرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى الْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَغَيْرَهُ تَارِكًا لِلْأَدَبِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ انْتِسَابِهِ إلَى تَرْكِ الْأَدَبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْغَرَضِ. قَوْلُهُ:(وَالْغُبَارُ) عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ.

قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكَنْسِ كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ غُبَارٌ مِنْ هَوَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَفِي م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْضُ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ «اللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» .

فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ السَّتْرِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى عَبْدَهُ الْمُسْتَتِرَ مُتَأَدِّبًا دُونَ غَيْرِهِ اهـ شَرْحُ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ) أَيْ السَّوْأَتَيْنِ لِلذَّكَرِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلْمَرْأَةِ حُرَّةً أَوْ أَمَةً. وَقَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ أَيْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فِيهَا فَوَاجِبٌ، فَلَوْ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ حَرَامًا، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ تَنْبِيهٌ: الْعَوْرَةُ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ مِنْ الرَّجُلِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ) وَمِثْلُ نَفْسِهِ حَلِيلَتُهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) وَلَوْ لِلرَّجُلِ.

وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَةِ أَنْ يُقَالَ هِيَ لِلرِّجَالِ فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى فِيهَا أَيْ الْخَلْوَةِ، وَبِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَبِحَضْرَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَبِحَضْرَةِ النِّسَاءِ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَبِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَمِيعُ بَدَنِهَا. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ. يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَكَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي خَارِجِهَا كَالْحُرَّةِ فَعَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَخَارِجُهَا جَمِيعُ بَدَنِهَا، وَفِي الْخَلْوَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ اهـ اج.

ص: 449

لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ أَمَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرْ» . أَيْ الْأَمَةُ «إلَى عَوْرَتِهِ» . وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَمِثْلُ الذَّكَرِ مَنْ بِهَا رِقٌّ بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، وَخَرَجَ بِذَلِكَ السُّرَّةُ وَالرُّكْبَةُ فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ. فَائِدَةٌ: السُّرَّةُ مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ وَالسُّرَّةُ مَا يُقْطَعُ مِنْ سُرَّتِهِ مَا يُقَالُ لَهُ سُرَّةٌ لِأَنَّ السُّرَّةَ لَا تُقْطَعُ وَالرُّكْبَةُ مَوْصِلُ مَا بَيْنَ الْأَطْرَافِ الْفَخْذِ وَأَعَالِي السَّاقِ وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذِي أَرْبَعٍ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ وَعُرْقُوبَاهُ فِي رِجْلَيْهِ.

وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ (لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ: وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ) لَعَلَّ الْوَاوَ عَاطِفَةً عَلَى شَيْءٍ قَبْلَهُ وم ر. ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ غَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ. قَوْلُهُ (عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ) أَيْ مَثَلًا.

قَوْلُهُ: (وَالْعَوْرَةُ) أَيْ عَوْرَةُ الْأَحَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ السَّيِّدُ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِيهِ الذَّكَرُ، فَلِذَلِكَ احْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى قِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُ الذَّكَرِ إلَخْ فَقَوْلُهُ: وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْ الدَّلِيلِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَدِيثِ لَمَا ثَبَتَ الْحُكْمُ وَتَخْصِيصُ الْعَوْرَةِ فِي قَوْلِهِ: وَالْعَوْرَةُ مَا بَيْنَ إلَخْ. بِعَوْرَةِ الْأَحَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ لِأَجْلِ قَوْلِ الشَّارِحِ بَعْدُ وَمِثْلُ الذَّكَرِ إلَخْ. وَإِلَّا فَلَفْظُ الْعَوْرَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَالْأُنْثَى الْحُرَّةُ خَرَجَتْ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَلِذَا أُعِيدَتْ الْعَوْرَةُ بِلَفْظِهَا: وَيَكُونُ الْقِيَاسُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَلِذَا كَتَبَ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى قَوْلِ الْمَنْهَجِ وَقِيسَ بِالرَّجُلِ إلَخْ مَا نَصُّهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَوْرَةِ عَامٌّ يَشْمَلُ الرَّجُلَ وَغَيْرَهُ وَالْأُنْثَى الْحُرَّةُ خَرَجَتْ عَنْهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَأُبْقِيَ هَذَا الْعَامُّ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ وَالْأَمَةِ عَلَى حَالِهِ اهـ بِحُرُوفِهِ.

قَوْلُهُ: (بِجَامِعِ أَنَّ رَأْسَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ مِثْلَ الرَّأْسِ الصَّدْرُ مَثَلًا، فَإِنَّهُ غَيْرُ عَوْرَةٍ مِنْهُمَا فَلِمَاذَا خَصَّ الرَّأْسَ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الْجَامِعَ الرَّأْسَ؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَكَوْنُ الرَّأْسِ مِنْهُمَا غَيْرُ عَوْرَةٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ مَا عَدَاهَا فَفِيهِ خِلَافٌ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ حَتَّى يَصِحَّ جَعْلُهُ جَامِعًا. وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ مِنْ قِيَاسِ الشَّبَهِ فِي الْجُمْلَةِ كَقِيَاسِ الْبِغَالِ عَلَى الْخَيْلِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ بِجَامِعِ الشَّبَهِ الصُّورِيِّ لَا مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ، وَأَيْضًا فَهُوَ جَامِعٌ إقْنَاعِيٌّ يُقْنِعُ بِهِ الْخَصْمَ وَهُوَ الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا رَأْسَهَا فَنَقُولُ لَهُ قِيَاسُهَا عَلَى الرَّجُلِ بِهَذَا الْجَامِعِ الَّذِي تُسَلِّمُهُ أَوْلَى اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَا مِنْ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ) لَكِنْ يَجِبُ سَتْرُ بَعْضِهِمَا مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ) أَيْ مَوْضِعُ الْجُزْءِ الَّذِي يُقْطَعُ. وَعِبَارَةُ م د: وَالسُّرَّةُ مَحَلُّ السُّرِّ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْ الْمَوْلُودِ فَالسُّرُّ مَا يُقْطَعُ وَالسُّرَّةُ مَحَلُّهُ وَجَمْعُهَا سُرَرٌ وَسَرَائِرُ اهـ قَوْلُهُ مَوْصِلُ بِوَزْنِ مَسْجِدِ أَيْ مَحَلُّ وَصْلِ الْفَخْذِ بِالسَّاقِ قَوْلُهُ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْآدَمِيِّ. قَوْلُهُ (وَعُرْقُوبَاهُ) هُمَا الْعَظْمَاتُ الْبَارِزَانِ فِي وَسَطِ رِجْلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ. أَمَّا عَوْرَتُهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِنَظَرِ الْأَجْنَبِيِّ إلَيْهَا فَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَلَوْ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ رَقِيقَةً فَيَحْرُمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا وَلَوْ قُلَامَةَ ظُفْرٍ مُنْفَصِلًا مِنْهَا، وَالْعِبْرَةُ بِوَقْتِ النَّظَرِ، وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْهَا ذَلِكَ حَالَةَ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَوْرَتُهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا وَمِثْلُهَا فِي الْخَلْوَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، فَلِكُلٍّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ، وَلَهَا عَوْرَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ مَا عَدَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ النِّسَاءِ الْكَافِرَاتِ، وَوَجْهُ احْتِمَالِ حِكَايَةِ مَا رَأَتْهُ مِنْهَا لِلْكَافِرِ وَاغْتُفِرَ مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمِهْنَةِ لِاحْتِيَاجِهَا لِكَشْفِ ذَلِكَ غَالِبًا، وَكَذَا الرَّجُلُ لَهُ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ: عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَهِيَ أَيْضًا عَوْرَتُهُ عِنْدَ الرِّجَالِ وَمَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ، وَعَوْرَةُ النَّظَرِ وَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ، وَعَوْرَةُ الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ، فَلَوْ عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْظُرُ إلَيْهِ حَرُمَ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا سَتْرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ عَنْهَا حَتَّى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَذَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا ز ي، وَانْتَشَرَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ، فَنَازَعُوهُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ الْمُنَازَعَةِ وَقَالُوا: سَبَرْنَا كُتُبَ الْحَدِيثِ فَلَمْ نَجِدْ فِيهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَتْ لَهُمْ بَرَاقِعُ فَبَلَغَتْ الْمَسْأَلَةُ الشَّيْخَ م ر. فَأَفْتَى مَا أَفْتَى بِهِ ز ي فَبَطَلَتْ الْمُنَازَعَةُ اهـ اج عَلَى الْمَنْهَجِ.

ص: 450

غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا إلَى الْكُوعَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] وَهُوَ مُفَسَّرٌ بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونَا عَوْرَةً؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا، وَالْخُنْثَى كَالْأُنْثَى رِقًّا وَحُرِّيَّةً فَإِنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ، وَالْأَفْقَهِ فِي الْمَجْمُوعِ لِلشَّكِّ فِي السَّتْرِ، وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ الصِّحَّةَ، وَنَقَلَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَكَثِيرٍ الْقَطْعَ بِهِ لِلشَّكِّ فِي عَوْرَتِهِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ إنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُقْتَصِرًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ وَانْكَشَفَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَمْ يَضُرَّ لِلشَّكِّ فِي الْبَطَلَانِ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَةِ إنَّ الْعَدَدَ لَوْ كَمُلَ بِخُنْثَى لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ لِلشَّكِّ فِي الِانْعِقَادِ، وَإِنْ انْعَقَدَتْ الْجُمُعَةُ بِالْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ وَهُنَاكَ خُنْثَى زَائِدٌ عَلَيْهِ ثُمَّ بَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَكَمُلَ الْعَدَدُ بِالْخُنْثَى لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا الِانْعِقَادَ وَشَكَكْنَا فِي الْبُطْلَانِ، وَهَذَا فُتُوحٌ مِنْ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فَتْحَ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَلَقَّاهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

وَشَرْطُ السَّاتِرِ جِرْمٌ يَمْنَعُ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ لَا حَجْمَهَا، وَلَوْ بِطِينٍ وَنَحْوِ مَاءِ كَدِرٍ كَمَاءٍ صَافٍ مُتَرَاكِمٍ بِخَضِرَةٍ، وَيَجِبُ التَّطْيِينُ عَلَى فَاقِدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) دَخَلَ فِي الْغَيْرِ بَاطِنُ الْقَدَمَيْنِ فَيَجِبُ سَتْرُهُمَا وَلَوْ بِالْأَرْضِ حَالَةَ الْقِيَامِ.

قَوْلُهُ: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] فِيهِ أَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى وَلَا يُظْهِرْنَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَهُوَ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ. وَأُجِيبُ: بِأَنَّ مَعْنَى إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا أَيْ إلَّا مَا غَلَبَ ظُهُورُهُ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا قَدْ يُقَالُ الْحَاجَةُ تَدْعُو إلَى إبْرَازِهِمَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيهَا. قَوْلُهُ: (رِقًّا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ق ل أَيْ: لِأَنَّ الْخُنْثَى الرَّقِيقَ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ) وَعَلَيْهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا لِلشَّكِّ حَالَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ شُغْلُ ذِمَّتِهِ بِهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ م ر.

قَوْلُهُ: (الْقَطْعِ بِهِ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنْ الصِّحَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ إلَخْ) فِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ، إذْ أَصْلُ الْخِلَافِ فِي قَوْلِهِ: فَإِنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ فَقَطْ، وَالْبَغَوِيُّ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ حَتَّى يَقُولَ الشَّارِحُ: وَإِنْ دَخَلَ مَسْتُورًا كَالْحُرَّةِ إلَخْ. إذْ الْبَغَوِيّ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَتَأَمَّلْ. قَالَ ز ي: وَضَعَّفَ شَيْخُنَا هَذَا الْجَمْعَ وَاعْتَمَدَ الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا وَلَسْنَا مَعَهُ نَحْنُ مَعَ الَّذِي جَمْعَ وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنْ التَّضْعِيفِ اهـ وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر. قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ) هُمَا إنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَمُقَابِلُهَا إنْ اقْتَصَرَ الْخُنْثَى الْحُرُّ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، فَتُحْمَلُ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا كَانَ الِاقْتِصَارُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْأَثْنَاءِ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَكَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي الْجُمُعَةِ) خَالَفَ م ر فَقَالَ بِالْبُطْلَانِ هُنَا مُطْلَقًا وَفَرْقٌ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا بِأَنَّ الشَّكَّ هُنَا فِي شَرْطٍ رَاجِعٍ لِذَاتِ الْمُصَلِّي، وَهُوَ السَّتْرُ، وَمَا سَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ شَكٌّ فِي شَرْطٍ رَاجِعٍ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ تَمَامُ الْعُذْرِ، فَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ مُعْتَمَدٌ، وَالْمَقِيسُ ضَعِيفٌ وَيُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الذَّاتِيِّ اهـ. وَاعْتَمَدَهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (عَلَى مَنْ تَلَقَّاهُ إلَخْ) قَالَ اج تَلَقَّيْنَاهُ بِقَبُولٍ وَانْشِرَاحِ صَدْرٍ كَمَا تَلَقَّاهُ مَشَايِخُنَا عَنْ شَيْخِهِمْ النُّورِ الزِّيَادِيِّ.

قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ إدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ) أَيْ لِمُعْتَدِلِ الْبَصَرِ عَادَةً كَمَا فِي نَظَائِرِهِ كَذَا نَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ ع ش عَلَى م ر. فَلَا يَضُرُّ رُؤْيَةُ حَدِيدِ الْبَصَرِ، وَكَذَا إذَا رَآهَا فِي الشَّمْسِ دُونَ الظِّلِّ ع ش. وَقَدَّرَ الشَّارِحُ لَوْنًا لِيُفِيدَ الِاكْتِفَاءَ بِمَا يَمْنَعُ اللَّوْنَ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ الْجُرْمَ كَالسَّرَاوِيلِ الضَّيِّقَةِ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، وَخِلَافُ الْأَوْلَى لِلرَّجُلِ قَالَ عَمِيرَةُ: وَفِيهِ وَجْهٌ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي الرَّجُلِ وَنَحْوَ الْمَرْأَةِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الظَّاهِرُ الْكَرَاهَةَ فِي الرَّجُلِ وَنَحْوَ الْمَرْأَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ شَاذٌّ وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ يُرَاعَى. اهـ. إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِطِينٍ) أَيْ وَلَوْ سَتَرَهَا بِطِينٍ.

قَوْلُهُ: (كَمَاءٍ صَافٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى إتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ فِي الشَّطِّ وَجَبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَشْقَةٌ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الشَّطِّ عَارِيًّا

ص: 451

الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ لِمَنْ هُوَ خَارِجُ الصَّلَاةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَعْلَاهَا وَجَوَانِبِهَا لَا مِنْ أَسْفَلِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمُصَلِّي امْرَأَةً فَلَوْ رُئِيَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ طَوْقِ قَمِيصِهِ لَسَعَتِهِ فِي رُكُوعِهِ أَوْ غَيْرِهِ ضَرَّ.

وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ السَّتْرِ، فَإِنْ وُجِدَ مِنْ السُّتْرَةِ مَا يَكْفِي قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ تَعَيَّنَ لَهُمَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ؛ وَلِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَكْفِيهِمَا قَدَّمَ قُبُلَهُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِهِ لِلْقِبْلَةِ وَبَدَلُ الْقِبْلَةِ كَالْقِبْلَةِ كَمَا لَوْ صَلَّى صَوْبَ مَقْصِدِهِ، وَيَسْتُرُ الْخُنْثَى قُبُلَيْهِ، فَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا تَخَيَّرَ، وَالْأَوْلَى لَهُ سَتْرُ آلَةِ الرَّجُلِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَآلَةُ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَوْ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الشَّطِّ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَصَلَاةُ الْإِيمَاءِ فَلَا يَأْتِي فِيهِمَا هَذَا التَّفْصِيلُ سم وح ل.

قَوْلُهُ: (فَلَوْ رُئِيَتْ) أَيْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى وَإِنْ لَمْ تُرَ بِالْفِعْلِ اهـ اج، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ: فَلَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُرَى مِنْ طَوْقِهِ مَثَلًا لَسِعَتِهِ بَطَلَتْ عِنْدَ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ تُرَ بِالْفِعْلِ كَمَا لَوْ كَانَ ذَيْلُهُ قَصِيرًا بِحَيْثُ لَوْ رَكَعَ يَرْتَفِعُ عَنْ بَعْضِ الْعَوْرَةِ، فَتَبْطُلُ إذَا لَمْ يَتَدَارَكْهُ بِالسَّتْرِ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَلَا يَضُرُّ رُؤْيَتُهَا مِنْ أَسْفَلَ كَأَنْ صَلَّى فِي عُلُوٍّ وَتَحْتَهُ مِنْ يَرَى عَوْرَتَهُ مِنْ ذَيْلِهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (مِنْ طَوْقِ قَمِيصِهِ) أَوْ كُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا بِيَدِهِ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَعَدَمِ حُرْمَةِ سَتْرِ رَأْسِ الْمَحْرَمِ بِيَدِهِ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا السَّتْرَ بِالْيَدِ فِي الْإِحْرَامِ فَلَمْ يُوجِبُوا الْفِدْيَةَ أَنَّ الْمَدَارَ ثَمَّ عَلَى مَا فِيهِ تَرَفُّهٌ، وَلَا تَرَفُّهَ فِي السَّتْرِ بِيَدِهِ، وَهُنَا عَلَى مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْيَدِ. وَقَوْلُهُ:(وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا) أَيْ: بَلْ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي سَاتِرِ عَوْرَتِهِ خَرْقٌ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَسُدُّهُ غَيْرَ يَدِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ع ش عَلَى م ر، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ أَصْلًا يَسْتَتِرُ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى أَحَدِ سَوْأَتَيْهِ بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ كَمَا اعْتَمَدَهُ سم وع ش. وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِ الشَّارِحِ وَلَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا أَيْ: يَجِبُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ عَارِيًّا وَفِي شَرْحِ م ر: وَلَهُ سَتْرُ بَعْضِهَا أَيْ مِنْ غَيْرِ السَّوْأَتَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا بِلَا مَسٍّ نَاقِضٍ اهـ. وَإِذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَالسَّتْرُ بِيَدِهِ قِيلَ يُقَدِّمُ السُّجُودَ؛ لِأَنَّهُ رُكْنٌ وَالسَّتْرَ شَرْطٌ، وَقِيلَ يُقَدِّمُ السَّتْرَ لِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ يَقُولُ بِعَدَمِ وُجُوبِ وَضْعِ يَدِهِ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فَقَطْ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَإِذَا تَعَارَضَ السُّجُودُ وَالسَّتْرُ قَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ يَدِهِ وَيَتْرُكُ السَّتْرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْجَبَ عَلَيْهِ وَضْعُ الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ فَصَارَ حِينَئِذٍ عَاجِزًا عَنْ السَّتْرِ، وَالسَّتْرُ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِأَذْكَارِهِمَا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ فِيمَا سَبَقَ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ صَلَّى عَارِيًّا وَأَتَمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ ق ل وع ش وخ ض.

قَوْلُهُ: (لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ السَّتْرِ) وَأَمَّا سَتْرُهَا بِيَدِ غَيْرِهِ فَيَكْفِي قَطْعًا اهـ اط ف قَوْلُهُ: (قَدَّمَ) أَيْ الشَّخْصُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَلَوْ وَجَدَ سُتْرَةً تَسْتُرُ بَعْضَ قُبُلِهِ وَتَسْتُرُ جَمِيعَ دُبُرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ سَتْرُ الدُّبُرِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْبِشْبِيشِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَانْظُرْ لَوْ وُجِدَ كَافِي الْقُبُلِ وَزَادَ قَدْرًا يَكْفِي الدُّبُرَ أَوْ بَعْضَهُ هَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ نَقَصَ بِالْقَطْعِ عَنْ أُجْرَةِ مَا يَسْتُرُ بِهِ الدُّبُرَ لَا يَجِبُ وَإِلَّا وَجَبَ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي تَنَجَّسَ بَعْضُهُ اهـ اج قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ بِهِ لِلْقِبْلَةِ) قَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْقُبُلِ مُطْلَقًا فَقَدْ عَلَّلُوا بَعْلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُمْ؛ وَلِأَنَّ الدُّبُرَ مَسْتُورٌ بِالْأَلْيَتَيْنِ غَالِبًا قَالَ ز ي قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ وَالثَّانِي عَدَمُهُ، وَهُوَ الْأَوْجُهُ اهـ اج. قَوْلُهُ:(إنْ كَانَ هُنَا رَجُلٌ) أَيْ وَيُخَيَّرُ عِنْدَ الْخُنْثَى أَوْ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ تَخَيَّرَ، قَوْلُهُ:(فَقَطْ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ نَحْوَ الطِّينِ وَيَفْهَمُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ لَمْ يُصَلِّ فِي الْحَرِيرِ وَبِهِ أَجَابَ م ر سَائِلَهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي كَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ م ر جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي الْحَرِيرِ مَعَ وُجُودِ نَحْوِ الطِّينِ إذَا أَخَلَّ بِمُرُوءَتِهِ وَحِشْمَتِهِ فَلْيُرَاجَعْ كُلُّ ذَلِكَ وَلْيُحَرَّرْ سم عَلَى الْمَنْهَجِ. أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنَّ نَحْوَ الطِّينِ الْحَشِيشُ وَالْوَرَقُ حَيْثُ أَخَلَّ بِمُرُوءَتِهِ فَيَجُوزُ لَهُ لَيْسَ الْحَرِيرُ أَمَّا لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ إلَّا نَحْوَ الطِّينِ وَكَانَ يَخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَهَلْ يَجِبُ

ص: 452

تَنْبِيهٌ: لَوْ وَجَدَ الرَّجُلُ ثَوْبَ حَرِيرٍ فَقَطْ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ مَا زَادَ مِنْ عَلَى الْعَوْرَةِ، وَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ لِلصَّلَاةِ وَيُقَدَّمُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَى طَهَارَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَلَّتْ أَمَةٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي صَلَاتِهَا وَوَجَدَتْ سُتْرَةً وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ رَأْسَهَا بِهَا، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تَسْتُرُ بِهِ رَأْسَهَا بَنَتْ عَلَى صَلَاتِهَا، وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ لِلصَّلَاةِ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] وَالثَّوْبَانِ أَهَمُّ الزِّينَةِ وَلِخَبَرِ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُزَيَّنَ لَهُ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا وَالْمَرْأَةُ مُنْتَقِبَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَكَان، وَهُنَاكَ أُجَانِبُ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ لَهَا رَفْعُ النِّقَابِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ السَّتْرُ (بِلِبَاسٍ طَاهِرٍ) حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَوْ وَجَدَهُ مُتَنَجِّسًا وَعَجَزَ عَمَّا يُطَهِّرُهُ بِهِ أَوْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ لَا يَكْفِيهِ لِلْعَوْرَةِ، وَلِلْمَكَانِ صَلَّى عَارِيًّا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا لِغَيْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ لُبْسُهُ وَأَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا، وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ هِبَتِهِ لِلْمِنَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا

ــ

[حاشية البجيرمي]

عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ لَا. فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ السَّتْرُ بِهِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الْأَجَانِبِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ وَلَوْ نَجَسًا أَوْ طِينًا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ) أَيْ إنْ نَقَصَ وَلَوْ يَسِيرًا فِي الْأَوْجَهِ م ر سم اج قَوْلُهُ: (وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ رَأْسَهَا) أَيْ فَوْرًا مِنْ غَيْرِ أَفْعَالٍ مُبْطِلَةٍ فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ أَوْ لَزِمَ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَالسَّتْرُ بِهِ أَفْعَالٌ مُبْطِلَةٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا اهـ اج قَوْلُهُ: (لِلرَّجُلِ) وَكَذَا لِلْمَرْأَةِ لَا بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ ق ل فَالْمَفْهُومُ فِيهِ تَفْصِيلٌ.

قَوْلُهُ: (أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) وَأَنْ يَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ وَيَتَطَيْلَسَ وَيَرْتَدِيَ وَيَتَّزِرَ أَوْ يَتَسَرْوَلَ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ: قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَفِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ الْأَرْضَ تَسْتَغْفِرُ لِلْمُصَلِّي بِالسَّرَاوِيلِ» اهـ اج. قَوْلُهُ (فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ) أَيْ طَاهِرَةٌ وَلَوْ أَعْمَى، أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، أَوْ مُلَاقِيَةً لِلْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا إذَا صَلَّى عَلَيْهِ تَبَاعُدًا عَمَّا فِيهِ الصُّورَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ:(فِيهِ صُورَةٌ) أَيْ مَثَلًا، وَالْمُرَادُ مَا فِيهِ شَيْءٌ يُلْهِي كَمَا فِي ق ل فَشَمِلَ مَا فِيهِ خُطُوطٌ قَوْلُهُ:(مُتَلَثِّمًا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّفَامِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ لَهَا رَفْعُ النِّقَابِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ جَبْهَتُهَا مَكْشُوفَةً عِنْدَ السُّجُودِ. قَوْلُهُ: (وَعَجَزَ عَمَّا يُطَهِّرَهُ بِهِ) فَلَوْ قَدَرَ عَلَى مَا يُطَهِّرُهُ بِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَأَتَّ غَسْلُهُ إلَّا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَجَبَ وَيُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ، وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا فِي الْوَقْتِ كَمَا حَكَى الطَّبَرِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ اهـ سم.

قَوْلُهُ: (صَلَّى عَارِيًّا) أَيْ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ ع ش عَلَى م ر. أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ فِيمَا يَظْهَرُ وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: (صَلَّى) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ الْيَأْسِ عَادَةً مِنْ حُصُولِ سَاتِرٍ مُعْتَبَرٍ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَوْلُهُ: عَارِيًّا. وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ وَلَوْ اُضْطُرَّ لِلُبْسِ مَا تَعَذَّرَ غَسْلُهُ لِنَحْوِ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ صَلَّى أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ الْيَأْسِ كَمَا ذَكَرَ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْضًا فِيهِ، وَأَعَادَ سم فِي شَرْحِ الْغَايَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ ضِيقُ الْوَقْتِ، بَلْ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ مَا دَامَ يَرْجُو أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر. وَلَا يَعْرِفُ مِنْ يُبَاحُ لَهُ فَرْضٌ دُونَ نَفْلٍ إلَّا مِنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ أَوْ عَدِمَ السُّتْرَةَ أَوْ كَانَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ وَعَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي عَدَمِ السَّتْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فَيُبَاحُ لَهُ النَّفَلُ أَيْضًا، كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّنَوَانِيِّ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إنْ قَدَرَ) أَيْ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ نَادِرٌ وَإِنْ وَقَعَ لَا يَدُومُ.

قَوْلُهُ: (هِبَتِهِ) أَيْ الثَّوْبِ، أَمَّا لَوْ كَانَ السَّاتِرُ

ص: 453

وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَعَارَهُ لَهُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ لِضَعْفِ الْمِنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لَقَدَرْته عَلَى السُّتْرَةِ وَلَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ أَوْ آجَرَهُ فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ.

(وَ) الثَّالِثُ: (الْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ شَخْصٍ يُلَاقِي بَعْضَ بَدَنِهِ أَوْ لِبَاسِهِ نَجَاسَةٌ فِي قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ.

(وَ) الرَّابِعُ: (الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمَحْدُودِ شَرْعًا، فَإِنَّ جَهْلَهُ لِعَارِضٍ كَغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ وَعَدِمَ ثِقَةً يُخْبِرُهُ عَنْ عِلْمٍ اجْتَهَدَ جَوَازًا إنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ الْخُرُوجِ وَرُؤْيَةِ الشَّمْسِ مَثَلًا، وَإِلَّا فَوُجُوبًا بِوِرْدٍ مِنْ قُرْآنٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

طِينًا وَجَبَ قَبُولُهُ كَمَا فِي مَتْنِ الرَّوْضِ، وَكَرَهُ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ عَلَيْهِ قَبُولُ نَحْوِ الطِّينِ مِمَّا لَا مِنَّةَ فِيهِ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا) وَلَوْ إمَامًا وَخَطِيبًا كَمَا فِي فَتَاوَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَعَارَهُ) أَيْ وَلَوْ أَعَارَ شَخْصٌ الثَّوْبَ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَيَظْهَرُ وُجُوبُ سُؤَالِ الْعَارِيَّةِ كَقَبُولِهَا اهـ ق ل.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَالْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ) فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلثَّمَنِ فَاضِلًا عَنْ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَهُ م د؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْبَائِعَ غَيْرُ مَرِيدِ الصَّلَاةِ وَالْمُشْتَرِي مَرِيدُهَا كَمَا فَهِمَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (الْوُقُوفُ عَلَى مَكَان طَاهِرٍ) الْوُقُوفُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْقُعُودُ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ:(يُلَاقِي بَعْضَ بَدَنِهِ أَوْ لِبَاسِهِ نَجَاسَةٌ) خَرَجَ بِالْمُلَاقِي غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ مُلَاقَاةُ نَجَاسَةٍ جَافَّةٍ فَارَقَهَا حَالًا أَوْ رَطْبَةٍ وَأَلْقَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ حَالًا مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ، وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ، لَكِنْ إنْ لَزِمَ عَلَى إلْقَائِهَا تَنَجُّسُ الْمَسْجِدِ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ إلْقَاؤُهَا خَارِجَهُ، وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَلْقَاهَا فِي الْمَسْجِدِ وَكَمَّلَ صَلَاتَهُ، ثُمَّ يَغْسِلُ الْمَسْجِدَ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ ق ل، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَقْتَ أَهَمُّ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ الْأَنْسَبُ تَقْدِيمَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهِ تَجِبُ الصَّلَاةُ وَبِخُرُوجِهِ تَفُوتُ كَمَا قَالَهُ خ ض وز ي. قَوْلُهُ:(وَعَدِمَ ثِقَةً إلَخْ) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ مَاضَوِيَّةٌ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، فَإِنْ وَجَدَ ثِقَةً يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ وَلَوْ عَدْلَ رِوَايَةٍ أَوْ سَمِعَ أَذَانَهُ فِي صَحْوٍ أَوْ أَذَانَ مَأْذُونِهِ أَيْ الثِّقَةِ بِأَنْ أَذِنَ الْمِيقَاتِيُّ الثِّقَةَ الْمُؤَذِّنَ وَلَوْ صَبِيًّا مَأْمُونًا فِي ذَلِكَ، أَوْ رَأَى مِزْوَلَةً وَضَعَهَا عَارِفٌ ثِقَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَمِثْلُهَا مِنْكَابٌ مُجَرَّبٌ، وَأَقْوَى مِنْهُمَا بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفِ لِعَارِفٍ فَلَا يَجْتَهِدُ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ اج نَقْلًا عَنْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

قَوْلُهُ: (اجْتَهَدَ) نَعَمْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ مَعَ بَيْتِ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفِ وَلَا مَعَ الْمَزَاوِلِ الَّتِي وَضَعَهَا الْعَارِفُونَ أَوْ أَقَرُّوهَا ق ل. وَمِثْلُهَا مِنْكَابٌ مُجَرَّبٌ، فَلَوْ اجْتَهَدَ وَصَلَّى فَبَانَ خِلَافُهُ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهَا، فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهُ وَإِنْ عَيَّنَ صَلَاةً. قَالَ م ر فِي الشَّرْحِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ نِيَّةُ الْأَدَاءِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَيْثُ جَهِلَ الْحَالَ لِغَيْمَةٍ وَنَحْوِهِ فَظَنَّ بَقَاءَ وَقْتِهَا، فَنَوَاهَا أَدَاءً فَتَبَيَّنَ خُرُوجُهُ، إذْ يُسْتَعْمَلُ الْقَضَاءُ بِمَعْنَى الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ قَالَ تَعَالَى:{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] أَيْ أَدَّيْتُمُوهَا. وَلَوْ نَوَى الْأَدَاءَ عَنْ الْقَضَاءِ وَعَكْسِهِ عَالِمًا عَامِدًا لَمْ تَصِحَّ لِتَلَاعُبِهِ، نَعَمْ إنْ قَصْدَ بِذَلِكَ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ لَمْ يَضُرَّ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْوَقْتِ كَالْيَوْمِ، إذْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ، وَأَخْطَأَ صَحَّ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ الْمُتَعَيِّنَ لِلْفِعْلِ بِالشَّرْعِ يُلْغَى خَطْؤُهُ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى لِلْبَازِرِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُدَّةَ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ

ص: 454

وَدَرْسٍ وَمُطَالَعَةٍ وَصَلَاةٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَخِيَاطَةٍ وَصَوْتِ دِيكٍ مُجَرَّبٍ، وَسَوَاءٌ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى وَعَمِلَ عَلَى الْأَغْلَبِ فِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَازِرِيُّ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ، وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ فَرْضَ ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَهُ أَمْ لَا؟ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الَأُجْهُورِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى خ ط عَنْ شَيْخِهِ. وَاعْتَمَدَهُ خِلَافًا لسم عَلَى حَجّ وَلِمَا فِي فَتَاوَى م ر قَالَ: وَيُصَرِّحُ بِهِ أَيْ بِالظَّاهِرِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ م ر.

وَسُئِلَ أَيْ الْوَالِدُ أَيْضًا عَمَّنْ عَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَطْ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَهَلْ تَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ أَوْ لَا؟ كَمَا فِي الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ. فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ اهـ قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ أَيْ: إذَا عَيَّنَ الْمَأْمُومُ وَأَخْطَأَ وَلَمْ يُشِرْ لَهُ، أَوْ عَيَّنَ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ شَخْصًا فَقَالَ: نَوَيْت أُصَلِّي عَلَى زَيْدٍ الْمَيِّتِ فَبَانَ عَمْرًا وَلَمْ يُشِرْ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ.

قَوْلُهُ: (بِوِرْدٍ) وَمِنْهُ الْمِنْكَابُ الَّذِي لَمْ تَتَيَقَّنْ صِحَّتُهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوِ ذَلِكَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِوِرْدٍ لَا عَلَى الْأَمْثِلَةِ، إذْ الْخِيَاطَةُ وَمَا بَعْدَهَا لَيْسَا مِنْ الْوَرْدِ. قَوْلُهُ:(دِيكٍ) يَحْتَمِلُ أَوْ حَيَوَانٍ آخَرَ مُجَرَّبٍ سم عَلَى حَجّ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ: وَهُوَ يَعْنِي الدِّيكَ أَبْلَهُ الطَّبْعِ لَمْ يَأْلَفْ زَوْجَةً وَاحِدَةً وَلَا حُنُوَّ لَهُ عَلَى فِرَاخِهِ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ انْتَوَلَ وَلَمْ يَهْتَدِ لِدَارِ أَهْلِهِ، وَمِنْ خِصَالِهِ الْحَمِيدَةِ مَعْرِفَةُ الْأَوْقَاتِ فَيُسْقِطُ صِيَاحَهُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ، حَتَّى إنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَفْتَى بِجَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَيَقَظَتُهُ لَيْلًا وَرُؤْيَتُهُ الْمَلَائِكَةَ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا تَرَى مَلَكًا» وَبَرَكَتُهَا فِي الدَّارِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقْتَنِيهِ فِي الْبَيْتِ، وَغَيْرَتُهُ عَلَى إنَاثِهِ، فَإِذَا رَأَى مَعَهَا دِيكًا غَيْرَهُ قَاتَلَهُ قِتَالًا شَدِيدًا يَقْرَبُ مِنْ الْهَلَاكِ، وَقَدْ يَأْتَلِفُ الدِّيكَانِ مِنْ الصِّغَرِ، لَكِنْ لَا يَسْفِدُ أَحَدُهُمَا بِحَضْرَةِ الْآخِرِ، وَمَتَى فَعَلَ قَاتَلَهُ، وَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ مِرَارًا وَحُنُوَّهُ عَلَيْهَا، فَلَوْ رَأَى حَبَّةً آثَرَهَا بِهَا وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُؤْثِرُ وَاحِدَةً عَلَى أُخْرَى، بَلْ الْعَتِيقَةُ الرَّفِيعَةُ النَّاشِفَةُ وَالصَّغِيرَةُ السَّمِينَةُ الطَّرِيَّةُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ، لَكِنْ هَذَا مِنْ بَلَاهَةِ طَبْعِهِ قِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ دِيكٌ خُصُوصًا الْأَبْيَضُ الْأَفْرَقُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الدِّيكُ الْأَفْرَقُ حَبِيبِي وَحَبِيبُ حَبِيبِي جِبْرِيلُ يَحْرُسُ بَيْتَهُ وَسِتَّةَ عَشَرَ بَيْتًا مِنْ جِيرَانِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَهُ دِيكٌ أَبْيَضُ. وَقَالَ الْحَافِظُ: زَعَمَ أَهْلُ التَّجْرِبَةِ أَنَّ مَنْ ذَبَحَ دِيكًا أَبْيَضَ أَفْرَقَ لَمْ يَزَلْ يَنْكَبُّ أَيْ يُصَابُ فِي مَالِهِ. وَرُوِيَ: «إنَّ لِلَّهِ دِيكًا أَبْيَضَ جَنَاحَاهُ مَشُوبَانِ بِالزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ رَأْسُهُ» . وَفِي لَفْظٍ: «عُنُقُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ وَقَوَائِمُهُ فِي الْهَوَاءِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «رِجْلَاهُ فِي تُخُومِ الْأَرْضِ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ سَحَرٍ فَيَسْمَعُ تِلْكَ الصَّيْحَةَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثِّقْلَيْنِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ فَعِنْدَ ذَلِكَ تُجِيبُهُ دُيُوكُ الْأَرْضِ، فَإِذَا دَنَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ: ضُمَّ جَنَاحَيْك وَغُضَّ صَوْتَك، فَيَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ اقْتَرَبَتْ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ صَاحَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ» . وَرُوِيَ يَقُولُ فِي سَحَرِ كُلِّ لَيْلَةٍ: «سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ رَبِّنَا الرَّحْمَنِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ» . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ وَعُنُقُهُ مُثَبَّتَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يَقُولُ: سُبْحَانَك مَا أَعْظَمَ شَأْنَك» .

وَرَوَى الْغَزَالِيُّ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: " بَلَغَنِي أَنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ مَلَكًا فِي صُورَةِ دِيكٍ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ وَقَالَ: لِيَقُمْ الْقَائِمُونَ، وَإِذَا مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ قَالَ: لِيَقُمْ الْمُصَلَّوْنَ، وَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: لِيَقُمْ الْغَافِلُونَ وَعَلَيْهِمْ أَوْزَارُهُمْ ".

وَرَوَى الثَّعْلَبِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ صَوْتُ الدِّيكِ وَصَوْتُ الْقَارِئِ وَصَوْتُ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ» .

وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ

ص: 455

ظَنِّهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ بِالصَّبْرِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الْفَجْرِ، وَلِلْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِعَجْزِهِ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَلَوْ رَقِيقًا بِدُخُولِهِ عَنْ عِلْمٍ أَيْ مُشَاهَدَةٍ كَأَنْ قَالَ: رَأَيْت الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إنْ لَمْ يُمْكِنُهُ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ وَجَازَ إنْ أَمْكَنَهُ، وَفِي الْقِبْلَةِ لَا يَعْتَمِدُ الْمُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ فَيَعْسُرُ الْعِلْمُ بِكُلِّ وَقْتٍ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ عَيْنَهَا مَرَّةً اكْتَفَى بِهَا مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَحَلِّهِ فَلَا عُسْرَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَتُهَا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْبَصِيرِ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ الْعَارِفِ أَوْ لَا.

ــ

[حاشية البجيرمي]

يُوقِظُ لِلصَّلَاةِ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَفِي لَفْظٍ:«فَإِنَّهُ يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ» .

قَالَ الْإِمَامُ الْحَلِيمِيُّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: يَدْعُو إلَى الصَّلَاةِ فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ خَيْرٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَبَّ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُكَرَّمَ وَيُشْكَرَ وَيُتَلَقَّى بِالْإِحْسَانِ، وَلَيْسَ مَعْنَى دُعَاءِ الدِّيكِ إلَى الصَّلَاةِ أَنَّهُ يَقُولُ بِصُرَاخِهِ حَقِيقَةً الصَّلَاةُ وَقَدْ حَانَتْ الصَّلَاةُ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ بِأَنَّهُ يَصْرُخُ صَرَخَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الزَّوَالِ فِطْرَةٌ فَطَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا، فَيُذَكِّرُ النَّاسَ بِصُرَاخِهِ الصَّلَاةَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا بِصُرَاخِهِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ سِوَاهُ إلَّا مَنْ جُرِّبَ مِنْهُ مَا لَا يُخْلَفُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ لَهُ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُرْوَى: «أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَلَكًا تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْوَجْهِ أَلْفُ عَامٍ. الْأَوَّلُ: يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْجَنَّةِ وَيَقُولُ طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّانِي: يَنْظُرُ بِهِ إلَى النَّارِ وَيَقُولُ وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَكِ. وَالثَّالِثُ يَنْظُرُ بِهِ إلَى الْعَرْشِ وَيَقُولُ سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ. وَالرَّابِعُ: يَخِرُّ بِهِ سَاجِدًا وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَلَهُ خَمْسُ حَرَكَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عِنْدَ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ. فَيَقُولُ: كَيْفَ أَسْكُنُ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ فَرِيضَتِك عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُقَالُ لَهُ: اُسْكُنْ فَقَدْ غَفَرْت لِمَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم» . وَقِيلَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا مُحَمَّدُ أَنَا وَضَعْت عَلَى عِبَادِي الْفَرَائِضَ وَأَنْتَ وَضَعْت النَّوَافِلَ، فَالضَّمَانُ عَلَيْك فَمِنْك الشَّافِعَةُ وَمِنَّا الرَّحْمَةُ، وَإِذَا صَلَّى الْمُؤْمِنُ صَلَاةً وَتَقَبَّلَهَا اللَّهُ مِنْهُ خَلَقَ اللَّهُ مِنْ صَلَاتِهِ صُورَةً فِي الْمَلَكُوتِ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ ثَوَابُ ذَلِكَ لِمَنْ صَلَّى» . اهـ ذَكَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي لَطَائِفِ الْمِنَنِ.

تَنْبِيهٌ: مَرَاتِبُ الْوَقْتِ ثَلَاثَةٌ: الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ الثِّقَةِ عَنْ عِلْمٍ أَوْ بَيْتِ الْإِبْرَةِ أَوْ الْمَزَاوِلِ الْمُجَرَّبَةِ أَوْ السَّاعَاتِ الصَّحِيحَةِ، هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي مَرْتَبَةِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، ثُمَّ الِاجْتِهَادُ تَمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

قَدِّمْ لِنَفْسِك عِلْمَ الْوَقْتِ وَاجْتَهَدَا

مِنْ بَعْدِ ثَمَّتْ قَلِّدْ فِيهِ مُجْتَهِدَا

وَالْمُزَوِّلَاتُ وَبَيْتُ الْإِبْرَةِ إنْ صَدَقَا

إخْبَارُ عَدْلٍ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَاعْتَقَدَا

وَمَرَاتِبُ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ الْعِلْمُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِقَوْلِ الثِّقَةِ ثُمَّ الِاجْتِهَادُ ثُمَّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ.

قَوْلُهُ: (وَلِلْأَعْمَى إلَخْ) أَيْ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الِاجْتِهَادِ كَمَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ لَعَجْزِهِ أَيْ الْأَعْمَى فِي الْجُمْلَةِ أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْأَعْمَى عَاجِزًا.

قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ) إخْبَارُهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إمْكَانُ سُؤَالِهِ، فَإِذَا أَمْكَنَ سُؤَالُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا لِبَعْضِهِمْ هُنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِخْبَارِ الْإِخْبَارُ بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ:(إذَا عَلِمَ) أَيْ تَيَقَّنَ عِلْمَهَا وَفِي نُسْخَةٍ عَلِمَ عَيْنَهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ الْبَصِيرِ الْقَادِرِ: قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ، فَإِنَّهُ

ص: 456

قَالَ الرَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الصَّحْوِ دُونَ الْغَيْمِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا وَفِي الصَّحْوِ مُخْبِرٌ عَنْ عِيَانٍ، وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ فِيهِ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إصَابَتُهُمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ صَلَّى بِلَا اجْتِهَادٍ أَعَادَ مُطْلَقًا لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَتَأْخِيرُهُ إلَى خَوْفِ الْفَوَاتِ أَفْضَلُ، وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ بِحِسَابِهِ جَوَازًا وَلَا يُقَلِّدُهُ غَيْرُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَاسِبُ وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ النُّجُومِ وَتَقْدِيرَ سَيْرِهَا فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ وَهُوَ مَنْ يَرَى أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ طُلُوعُ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ كَمَا يُؤْخَذ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الصَّوْمِ.

(وَفِي) الْخَامِسِ (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) بِالصَّدْرِ لَا بِالْوَجْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ} [البقرة: 144] أَيْ: " نَحْوَ الْمَسْجِدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ: قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ) ضَعِيفٌ قَوْلُهُ: (عِيَانٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ: (وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ جَوَازَ تَقْلِيدِهِ) مُعْتَمَدٌ قَوْلُهُ: (فَلَا يَتَقَاعَدُ عَنْ الدِّيكِ) أَيْ لَا تَقْصُرُ رُتْبَتُهُ عَنْ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ. وَفِي هَذَا الْكَلَامِ نَظَرٌ، فَإِنَّ صَوْتَ الدِّيكِ لَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ، بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ فِي تَقْلِيدِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ تَأَمَّلْ. اهـ. مَرْحُومِيٌّ، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مُسَاهَلَةٌ.

قَوْلُهُ: (الْبَنْدَنِيجِيُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ تَحْتِيَّةٌ وَجِيمٌ، نِسْبَةٌ إلَى بَنْدَنِيجَيْنِ بِلَفْظِ الْمُثَنَّى بَلْدَةٌ قُرْبَ بَغْدَادَ اهـ مِنْ اللُّبِّ لِلسُّيُوطِيِّ.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ) أَيْ وَلَمْ يُقَلِّدْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، لَا سِيَّمَا بِمِصْرَ، أَمَّا إذَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَهُمْ وَإِنْ كَثُرُوا كَالْوَاحِدِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكْثُرْ الْمُؤَذِّنُونَ، فَإِنْ كَثَرُوا وَكَانُوا ثِقَاتٍ عَارِفِينَ جَازَ تَقْلِيدُهُمْ مُطْلَقًا فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

قَوْلُهُ: (أَعَادَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِّلَ بِهِ هُوَ، قَوْلُهُ:(وَعَلَى الْمُجْتَهِدِ) أَيْ وُجُوبًا لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّ دُخُولِ الْوَقْتِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ حَمَلَهُ عَلَى الْجَوَازِ.

قَوْلُهُ: (وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ) وُجُوبًا لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ أَخْبَرَهُ وَصَدَّقَهُ فَقَوْلُهُ جَوَازًا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَنْعِ وَيُصَرِّحُ بِهِ تَشْبِيهُهُ بِالصَّوْمِ ق ل.

قَوْلُهُ: (كَمَا يُؤْخَذُ إلَخْ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ وَيَعْمَلُ الْمُنَجِّمُ.

قَوْلُهُ: (اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) أَيْ مُوَاجَهَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَأَلْ فِي الْقِبْلَةِ لِلْعَهْدِ، وَلَا يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الشَّاذَرْوَانِ وَلَا الْحِجْرِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مُنَاوِيٌّ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالتَّوَجُّهُ لَكَانَ أَخْصَرَ وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُقَابِلُهَا وَكَعْبَةً لِقُرْبِهَا مِنْ التَّرْبِيعِ الْمُسَمَّى بِالْمُكَعَّبِ ق ل. وَقِيلَ: لِتَكَعُّبِهَا أَيْ تَرَبُّعِهَا وَهِيَ مُرْتَفِعَةٌ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا وَطُولُ الْبَابِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَعَشْرَةُ أَصَابِعَ وَعَرْضُهُ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَأَحْجَارُهَا مِنْ خَمْسَةِ جِبَالٍ طُورِ سِينَا وَالْجُودِيِّ وَحِرَاءَ وَأَبِي قُبَيْسٍ وَثَبِيرٍ، وَالْمُرَادُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا يَقِينًا مَعَ الْقُرْبِ وَظَنًّا مَعَ الْبُعْدِ عِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، وَدَلِيلُهُ الشَّطْرُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ الْعَيْنُ لُغَةً وَتَفْسِيرُهُ بِالْجِهَةِ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَكَانَ عليه الصلاة والسلام أَوَّلُ أَمْرِهِ يَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قِيلَ بِأَمْرٍ، وَقِيلَ بِرَأْيِهِ. وَكَانَ يَجْعَلُ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَيَقِفَ بَيْنَ الْيَمَانِيَّيْنِ، فَلَمَّا هَاجَرَ اسْتَدْبَرَهَا فَشَقَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ التَّحَوُّلَ إلَيْهَا فَنَزَلَ {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] الْآيَةَ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ فَتَحَوَّلَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ: «إنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ لِلْكَعْبَةِ الْعَصْرُ» . أَيْ: كَامِلَةٍ. وَكَانَ التَّحَوُّلُ فِي رَجَبٍ بَعْدِ الْهِجْرَة بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ السُّيُوطِيّ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: نَسَخَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ مَرَّتَيْنِ أَيْ مَرَّةً نُسِخَتْ الْكَعْبَةُ لِبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، وَمَرَّةً نُسِخَ بَيْتُ الْمُقَدَّسِ بِالْكَعْبَةِ، فَالنَّسْخُ لِلْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ مَرَّتَيْنِ، وَلُحُومُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ، وَلَا أَحْفَظُ رَابِعًا. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْعَوْفِيُّ: رَابِعُهَا الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت:

ص: 457

الْحَرَامِ " وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَهُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ:«إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ» . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَرْبَعٌ تَكَرَّرَ النَّسْخُ لَهَا

جَاءَتْ بِهَا النُّصُوصُ وَالْآثَارُ

لِقِبْلَةٍ وَمُتْعَةٍ وَحُمُرِ كَذَا

الْوُضُوءُ مِمَّا تَمَسُّ النَّارُ

وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَخَمْرَةٍ بَدَلُ حُمُرِ، فَقَدْ قَالَ سَيِّدِي عَلِيُّ الَأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ: وَلَيْسَتْ الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ مِمَّا تَكَرَّرَ نَسْخُهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَوْلُهُ: لِقِبْلَةٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَتْ، أَمَّا الِاسْتِقْبَالُ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] أَيْ أَوَّلًا وَهِيَ الْكَعْبَةُ، وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَيْهَا، فَلَمَّا هَاجَرَ أُمِرَ بِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمُقَدَّسِ تَأْلِيفًا لِلْيَهُودِ وَصَلَّى إلَيْهِ سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ حُوِّلَ إلَى الْكَعْبَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] مُتَطَلِّعًا إلَى الْوَحْيِ مُتَشَوِّقًا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِقْبَالِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَكَانَ يَوَدُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إبْرَاهِيمَ؛ وَلِأَنَّهُ أَدْعَى إلَى الْإِسْلَامِ أَيْ إسْلَامِ الْعَرَبِ:{فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] تُحِبُّهَا {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] أَيْ الْكَعْبَةِ. فَائِدَةٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ إلَّا قَوْلَهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] إلَخْ.

قَوْلُهُ: (بِالصَّدْرِ) حَقِيقَةً فِي الْوَاقِفِ وَالْجَالِسِ وَنَحْوِهِمَا وَحُكْمًا فِي الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَنَحْوِهِمَا. قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: وَلَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا، فَالِاسْتِقْبَالُ بِمُقَدَّمِ الْبَدَنِ أَيْ الصَّدْرِ وَالْوَجْهِ، وَالْمُسْتَلْقِي لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَخْمَصَاهُ مَعَ وَجْهِهِ لِلْقِبْلَةِ، فَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ بِالصَّدْرِ بِالنَّظَرِ لِلْغَالِبِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لَا بِالْوَجْهِ فَالِالْتِفَاتُ بِالْوَجْهِ غَيْرُ مُبْطِلٍ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ.

قَوْلُهُ: (لَا بِالْوَجْهِ) أَيْ لَا يَكْفِي الْوَجْهُ وَحْدَهُ بِدُونِ الصَّدْرِ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ، نَعَمْ يَجِبُ مَعَ غَيْرِهِ فِي الْمُضْطَجِعِ فَيَجِبُ بِالْوَجْهِ وَمُقَدَّمِ الْبَدَنِ وَالْمُسْتَلْقِي كَذَلِكَ مَعَ أَخْمَصَيْهِ، وَيَجِبُ رَفْعُ رَأْسِهِ قَلِيلًا إنْ أَمْكَنَ، وَالْمُرَادُ بِالصَّدْرِ جَمِيعُ عَرْضِ الْبَدَنِ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ طَرَفَهَا فَخَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعَرْضِ عَنْ مُحَاذَاتِهِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا بِالْوَجْهِ أَيْ مَثَلًا أَيْ: وَلَا بِالْيَدِ مَثَلًا وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَجْهَ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ التَّوَهُّمِ.

قَوْلُهُ: {فَوَلِّ وَجْهَكَ} [البقرة: 144] أَيْ ذَاتَك مِنْ إطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَعَيُّنُ الِاسْتِقْبَالِ بِالْوَجْهِ اج. وَالْمُرَادُ بِالذَّاتِ بَعْضُهَا كَالصَّدْرِ فَهُوَ مَجَازٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازٍ.

قَوْلُهُ: (أَيْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) أَيْ عَيْنِهِ. وَفِي الْخَادِمِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَيْنِ الْجِدَارَ بَلْ أَمْرٌ اصْطِلَاحِيٌّ، أَيْ: وَهُوَ سَمْتُ الْبَيْتِ وَهَوَاؤُهُ إلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالْأَرْضِ السَّابِعَةِ حَجّ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ ز ي: وَالْجِهَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَإِطْلَاقُهَا عَلَى غَيْرِهَا مَجَازٌ، بَلْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهَا لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْعَيْنِ اهـ أَيْ وَهُوَ الَّذِي نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه. وَقَالَ ق ل قَوْلُهُ: أَيْ نَحْوَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُلْ عَيْنَهُ مَعَ أَنَّهُ مَعْنَى الشَّطْرِ لُغَةً لِأَجْلِ الْإِجْمَاعِ الْآتِي اهـ. وَفِي ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ: اعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى أَوَّلًا إلَى الْكَعْبَةِ، ثُمَّ صُرِفَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وَجَّهَهُ اللَّهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَلَيْسَتْ صَلَاتُهُ بِاجْتِهَادٍ بَلْ بِأَمْرِ اللَّهِ عز وجل كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَوْلُهُ:(وَالِاسْتِقْبَالُ لَا يَجِبُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ أَيْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّلَاةُ، فَالْكَلَامُ فِيهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلٍ وَالِاسْتِقْبَالُ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (الْأَنْصَارِيُّ) النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ إنَّمَا تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْفَرْدِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ النَّاصِرِيُّ شَوْبَرِيٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا الْجَمْعَ صَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، فَصَحَّتْ النِّسْبَةُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُفْرَدًا كَمَا قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:

ص: 458

وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلِ الْكَعْبَةِ» أَيْ وَجْهَهَا. «وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ» مَعَ خَبَرِ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .

فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا وَالْفَرْضُ فِي الْقِبْلَةِ إصَابَةُ الْعَيْنِ فِي الْقُرْبِ يَقِينًا وَفِي الْبُعْدِ ظَنًّا فَلَا تَكْفِي إصَابَةُ الْجِهَةِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ، فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ بِبَعْضِ بَدَنِهِ بِأَنْ وَقَفَ بِطَرَفِهَا وَخَرَجَ عَنْهُ بِبَعْضِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَلَوْ امْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَخَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُحَاذَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ إذَا بَعُدُوا عَنْهَا حَاذَوْهَا وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ؛ لِأَنَّ صَغِيرَ الْحَجْمِ كُلَّمَا زَادَ بُعْدُهُ زَادَتْ مُحَاذَاتُهُ كَغَرَضِ الرُّمَاةِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحَصَّلُ مَعَ الِانْحِرَافِ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الرُّكْنَ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِلْبِنَاءِ الْمُجَاوِرِ لِلرُّكْنِ، وَإِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ

إنْ لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدًا بِالْوَضْعِ

قَوْلُهُ: (إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ) أَيْ أَرَدْت الْقِيَامَ إلَيْهَا. قَوْلُهُ: (وَرُوِيَ إلَخْ) أَيْ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَأَتَى بِهَذَا لِيُبَيِّنْ الْمُرَادَ مِنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ عَامٌّ ز ي، فَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ إرَادَةَ الْجُزْءِ وَقَوْلُهُ مَعَ خَبَرِ صَلُّوا إلَخْ. أَتَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذِهِ الْقِبْلَةُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ لِعَدَمِ وُجُودِ صِيغَةِ أَمْرٍ فِيهِ، وَأَيْضًا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (قُبُلِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعًا وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُقَابِلُهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ إجْمَاعًا) فِيهِ أَنَّ إجْمَاعًا الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّوَجُّهَ لِلْعَيْنِ، بَلْ اكْتَفَى بِالتَّوَجُّهِ لِلْجِهَةِ وَهُوَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَقَوْلٌ عِنْدَنَا حَكَاهُ فِي التَّنْبِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي بِدُونِهِ رَاجِعٌ لِلتَّوَجُّهِ لِلْعَيْنِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ شِبْهَ اسْتِخْدَامٍ فَذَكَرَ التَّوَجُّهَ أَوَّلًا بِمَعْنَى، وَهُوَ الْعَيْنُ، وَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرَ فِي بِدُونِهِ بِمَعْنًى آخَرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَوَجُّهًا لِلْعَيْنِ أَوْ لِلْجِهَةِ، وَحِينَئِذٍ فَصَحَّ قَوْلُهُ إجْمَاعًا بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ بِإِجْمَاعِ الْمَذَاهِبِ كُلِّهَا، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْجِهَةِ. وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ: بِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إجْمَاعًا أَيْ مَذْهَبِيًّا وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ لَنَا قَوْلًا حَكَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَرْضُ) بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ السَّاكِنَةِ. قَوْلُهُ: (يَقِينًا) أَيْ بِرُؤْيَةٍ أَوْ مَسٍّ ق ل. أَوْ لِعَرْصَتِهَا عِنْدَ انْهِدَامِهَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْبَيْتِ فِي حَقِّ الْخَارِجِ عَنْهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَتَهُ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى أَعْلَى مِنْهُ كَجَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ. اهـ. ز ي.

وَهُمَا أَعْنِي قَوْلَهُ يَقِينًا وَظَنَّا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ خَرَجَ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ حَرَمِهَا أَوْ هَوَائِهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَخَرَجَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الطَّرَفِ.

قَوْلُهُ: (بِبَعْضِهِ) أَيْ بِبَعْضِ بَدَنِهِ.

قَوْلُهُ: (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهَا، فَإِنْ كَانَ فِي ابْتِدَائِهَا، فَلَا تَنْعَقِدُ فَمُرَادُهُ بِالْبُطْلَانِ مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ كَمَا فِي اج.

قَوْلُهُ: (بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ) وَلَوْ بِأُخْرَيَاتِ الْمَسْجِدِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَكَّ إلَخْ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ، فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ أَمَّا إذَا بَعُدُوا.

قَوْلُهُ: (حَاذَوْهَا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.

قَوْلُهُ: (إنْ طَالَ الصَّفُّ جِدًّا) .

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا امْتَدَّ الصَّفُّ مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، لَكِنْ مَعَ انْحِرَافِ مَنْ بِطَرَفَيْهِ، أَمَّا إذَا بَعُدَ وَلَوْ كَثِيرًا وَلَمْ يَبْلُغْ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ قَدْرُ سَمْتِهَا أَيْ: الْكَعْبَةِ مِرَارًا مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَمِنْ جِهَةِ شِمَالِهِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ وَلَا يَنْحَرِفُ اهـ هَذَا مَا انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ م ر وَمُتَابَعِيهِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَاسْتُشْكِلَ) أَيْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْبُعْدِ وَإِنْ طَالَ الصَّفُّ، وَقَوْلُهُ:(بِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْمُحَاذَاةَ الْمَذْكُورَةَ وَالْمُسْتَشْكِلُ هُوَ الْفَارِقِيُّ، وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْخَارِجِينَ عَنْ سَمْتِهَا لَا يَكُونُونَ مُحَاذِينَ لَهَا إلَّا مَعَ الِانْحِرَافِ، فَإِذَا لَمْ يَنْحَرِفُوا لَمْ يَكُونُوا مُحَاذِينَ لَهَا فَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِمْ مَعَ حُكْمِهِمْ بِصِحَّتِهَا، وَالْإِشْكَالُ جَارٍ فِي الْخَارِجِينَ عَنْ سَمْتِهَا، وَإِنْ لَمْ يَمْتَدُّوا إلَى الْمَشْرِقِ خِلَافًا لِلْأُجْهُورِيِّ. وَأَجَابَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: بِأَنَّ الْمُخْطِئَ فِيهَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ، وَلَا بُطْلَانَ مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ الْبُطْلِ م ر. وَالْمُرَادُ بِالْمُخْطِئِ غَيْرُ الْمُحَاذِي لَسَمْتِهَا. وَقَوْلُهُ: غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُصَلِّينَ مَعَ الْبُعْدِ عَنْهَا يَظُنُّ أَنَّهُ مُحَاذٍ لَهَا لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ لَهَا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مَكَّةَ وَسَطَ الْبِلَادِ

ص: 459

كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْآحَادِ.

تَنْبِيهٌ: أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتَهَا وَيُمَيِّزَ فَرْضَهَا مِنْ سُنَنِهَا، نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا أَوْ بَعْضَهَا وَلَمْ يُمَيِّزْ وَكَانَ عَامِّيًّا وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ صَحَّتْ.

(وَيَجُوزُ) لِلْمُصَلِّي (تَرْكُ) اسْتِقْبَالِ (الْقِبْلَةِ فِي حَالَتَيْنِ) الْحَالَةُ الْأُولَى (فِي) صَلَاةِ (شِدَّةِ الْخَوْفِ) فِيمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا، فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: نَعَمْ إنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَجَبَ الِاسْتِقْبَالُ رَاكِبًا؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَالْخَارِجُ عَنْ الْوَسَطِ كَيْفَ يَكُونُ مُحَاذِيًا لِلْكَعْبَةِ.

قَوْلُهُ: (خَارِجًا عَنْ الرُّكْنِ) ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الرُّكْنِ لَكِنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِبِنَائِهَا، وَالْمُضِرُّ إنَّمَا هُوَ خُرُوجُهُ عَنْ بِنَائِهَا، وَأَلْ فِي الرُّكْنِ لِلْجِنْسِ أَيْ أَيُّ رُكْنٍ كَانَ اهـ ع ش.

قَوْلُهُ: (أَسْقَطَ الْمُصَنِّفُ شَرْطًا سَادِسًا) لَوْ أَخَّرَ هَذَا التَّنْبِيهَ بَعْدَ تَمَامِ الْكَلَامِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا يُدْرِكُهُ أَهْلُ الذَّوْقِ وَالْكَمَالِ وَوَجْهُ إسْقَاطِهِ لَهُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ) كَيْفِيَّةُ الشَّيْءِ صِفَتُهُ فَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ صِفَتُهَا، وَهِيَ تَرْتِيبُ أَرْكَانِهَا فَقَوْلُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ فَرْضِيَّتِهَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى كَيْفِيَّتِهَا لَا حَقِيقَةَ كَيْفِيَّتِهَا لَكِنَّهُ قَيَّدَ فِي الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: وَكَانَ عَامِّيًّا فَسَّرَ الْعَامِّيَّ هُنَا بِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَالِمُ يُخَالِفُهُ قَالَهُ الرَّمْلِيُّ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ: وَكَانَ عَامِّيًّا ضَائِعًا بَعْدَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُمَيِّزْ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ، وَذَكَرَهُ م ر أَيْضًا بِمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ الْفِقْهِ طَرَفًا يَهْتَدِي بِهِ إلَى الْبَاقِي، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَارْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَامِّيِّ هُنَا مِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِالْعِلْمِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ مَعْرِفَةُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَالْعَالِمُ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ إيرَادِ شَيْءٍ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (إنْ اعْتَقَدَهَا كُلَّهَا فَرْضًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ، وَكَانَ عَامِّيًّا رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، كَمَا فِي ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا بِنَفْلٍ) أَيْ لَمْ يَعْتَقِدْ فَرْضًا نَفْلًا فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَلَوْ قَدَّمَ الْبَاءَ فَوَصَلَهَا بِلَفْظِ الْفَرْضِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَقُولَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِفَرْضٍ نَفْلًا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.

قَوْلُهُ: (فِي حَالَتَيْنِ) وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الصُّوَرَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ سِتًّا فَقَالَ: الِاسْتِقْبَالُ شَرْطٌ إلَّا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ، وَنَفْلِ سَفَرٍ وَغَرِيقٍ عَلَى لَوْحٍ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَمَرْبُوطٍ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَعَاجِزٍ لَمْ يَجِدْ مُوَجِّهًا وَخَائِفٍ مِنْ نُزُولِهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ مُنَاوِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

قَوْلُهُ: (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ) مِنْ الْخَوْفِ الْمُجَوِّزِ لِتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ، وَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيَتَوَجَّهَ لِلْخُرُوجِ وَيُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ حِينَئِذٍ م ر. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْقَضَاءِ لِلتَّقْصِيرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْ النَّاشِرِيِّ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (فَمَا يُبَاحُ مِنْ قِتَالٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ. وَفِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ مَا يُبَاحُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ مِمَّا يُبَاحُ وَقَوْلُهُ مِنْ قِتَالٍ أَيْ: مِمَّا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهُ كَقِتَالٍ وَدَفْعِ صَائِلٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِرَارُ مِنْ سَبُعٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَيْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ الْفِرَارُ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ ع ش. وَمِثْلُهُ مِنْ خُطِفَ نَعْلُهُ، فَلَهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ. قَالَ سم: وَإِنَّمَا يُصَلِّي عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا شَرَطَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ التَّوَجُّهُ بِشَرْطٍ فِيهَا) نَعَمْ إنْ أَمِنَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ رَاكِبًا وَأَمِنَ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِلَ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. م ر.

قَوْلُهُ: (مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ) زَائِدٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (فِي التَّفْسِيرِ) أَيْ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ فِي الْبُخَارِيِّ فَسَّرَ فِيهِ بَعْضَ آيَاتٍ.

قَوْلُهُ: (قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دُونَ غَيْرِهَا.

قَوْلُهُ: (وَرَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ مَعَ الْقُعُودِ بِأَنْ كَانَ يَأْمَنُ الْعَدُوَّ حَالَةَ الرُّكُوبِ.

ص: 460

الِاسْتِقْبَالِ.

(وَ) الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي (النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ) الْمُبَاحِ لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ النَّفَلَ يُتَوَسَّعُ فِيهِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا لِلْقَادِرِ فَلِلْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ التَّنَفُّلُ مَاشِيًا، وَكَذَا (عَلَى الرَّاحِلَةِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ» . أَيْ: فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ «فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَجَازَ لِلْمَاشِي قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ بَلْ أَوْلَى. وَالْحِكْمَةُ فِي التَّخْفِيفِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنَّ النَّاس مُحْتَاجُونَ إلَى الْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَرْطَ فِيهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (النَّافِلَةِ) وَلَوْ عَمْدًا وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَفِي حُكْمِهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ.

قَوْلُهُ: (فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي النَّافِلَةِ بِشُرُوطٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا يُسَمَّى سَفَرًا وَلَوْ قَصِيرًا. ثَانِيهَا: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مُبَاحًا. ثَالِثُهَا: أَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمُسَمَّى قَطْعُهَا سَفَرًا. رَابِعُهَا: تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ كَرَكْضٍ وَعَدْوٍ بِلَا حَاجَةٍ.

خَامِسُهَا: دَوَامُ السَّفَرِ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا. سَادِسُهَا: دَوَامُ السَّيْرِ فَلَوْ نَزَلَ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا لِلْقِبْلَةِ قَبْلَ رُكُوبِهِ أَيْ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْخُرُوجُ مِنْ النَّافِلَةِ لَا يَحْرُمُ. سَابِعُهَا: عَدَمُ وَطْءِ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا عَمْدًا وَكَذَا نِسْيَانًا فِي نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ لِانْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا وَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ. اهـ. ح ل وَفِي شَرْحِ م ر.

وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رُفْقَةٍ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ مَا دَامَ وَاقِفًا، فَإِنْ سَافَرَ لِأَجْلِ سَيْرِ الْقَافِلَةِ أَتَمَّهَا إلَى جِهَةِ سَفَرِهِ وَإِنْ سَارَ مُخْتَارًا لِلسَّيْرِ بِلَا ضَرُورَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ بِالْوُقُوفِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ أَيْ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا مَرَّ.

قَوْلُهُ: (لِقَاصِدِ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ) الْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ مِنْ حَيْثُ الْمَسَافَةُ بِأَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ مَسَافَةٍ يُسَمَّى فِيهَا مُسَافِرًا عُرْفًا كَالشَّامِ أَوْ الصَّعِيدِ لَا خُصُوصُ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ كَدِمَشْقَ مَثَلًا شَوْبَرِيٌّ، فَتَعَيُّنُ الْمَحَلِّ لَيْسَ شَرْطًا، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْصِدَ قَطْعَ الْمَسَافَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا قَالَهُ ح ل عَلَى الْمَنْهَجِ. وَتَلَخَّصَ أَنْ جُمْلَةَ الشُّرُوطِ سَبْعَةٌ: أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ نَحْوَ مِيلٍ فَأَكْثَرَ بِأَنْ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا، وَأَنْ يَقْصِدَ مَحَلًّا مُعَيَّنًا وَدَوَامَ السَّيْرِ وَدَوَامَ السَّفَرِ وَتَرْكَ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ بِلَا حَاجَةٍ. قَوْلُهُ:(فَلِلْمُسَافِرِ الْمَذْكُورِ) أَيْ سَفَرًا مُبَاحًا قَوْلُهُ: (عَلَى الرَّاحِلَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمُرَادُ الدَّابَّةُ رَاحِلَةً أَوْ غَيْرَهَا، لِأَنَّ الرَّاحِلَةَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُرْحَلُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَا الْمُصَنِّفُ تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ.

قَوْلُهُ: (يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ) أَيْ فِي السَّفَرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَعِبَارَةُ م ر وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ فِي السَّفَرِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَزِيدَهَا الشَّارِحُ لِيَتِمَّ الِاسْتِدْلَال، وَقَدْ يُقَالُ تَرَكَهُ لِظُهُورِهِ.

قَوْلُهُ: (حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) قِيلَ، وَهَذَا مَحْمَلُ قَوْله تَعَالَى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] قَالَ فِي الْخَصَائِصِ: اخْتَصَّ بِجَوَازِ صَلَاةِ الْوَتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ اهـ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

قَوْلُهُ: (أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) أَيْ فَيَكْفِي اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ فَتُوُسِّعَ فِيهِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهَا أَصْلٌ. اهـ. م د. وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَيْهِ أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ قَالَ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَلَوْ كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَسَلَكَ الْآخَرَ لَا لِغَرَضٍ، فَلَهُ التَّنَفُّلُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ جِهَةَ مَقْصِدِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ تَوْسِعَةً فِي النَّوَافِلِ، وَتَكْثِيرًا لَهَا، وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْعَ الْقَصْرِ فِي نَظِيرِهِ، وَكَالنَّفْلِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ.

قَوْلُهُ: (وَجَازَ لِلْمَاشِي قِيَاسًا عَلَى الرَّاكِبِ) لِأَنَّ الْمَشْيَ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ وَأَيْضًا اسْتَوَيَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، فَكَذَا فِي

ص: 461

الِاسْتِقْبَالَ لِلنَّفْلِ لَأَدَّى إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ النَّفَلُ فِي الْحَضَرِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ اُحْتِيجَ لِلتَّرَدُّدِ كَمَا فِي السَّفَرِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.

تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ، وَلَا يُشْتَرَطُ طُولُ سَفَرِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ قِيَاسًا عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا تَلْزَمُهُ فِيهِ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ: مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى ضَيْعَةٍ مَسِيرَتُهَا مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ، فَإِنْ سَهُلَ تَوَجُّهُ رَاكِبٍ غَيْرِ مَلَّاحٍ بِمَرْقَدٍ كَهَوْدَجٍ وَسَفِينَةٍ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

النَّافِلَةِ.

قَوْلُهُ: (إلَى تَرْكِ أَوْرَادِهِمْ) أَيْ صَلَاةِ النَّفْلِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ مَصَالِحِ مَعَايِشِهِمْ) أَيْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا وَاسْتَقْبَلُوا، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمْ تَعَطُّلٌ فِي السَّفَرِ حِينَئِذٍ، فَفِيهِ إعَانَةٌ لِلنَّاسِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ. قَوْلُهُ:(مَعَايِشِهِمْ) بِالْيَاءِ لَا بِالْهَمْزَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: 10] . قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ) أَيْ فِعْلُهُ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا.

قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ تَرْكُ الْأَفْعَالِ إلَخْ) . قَدْ يُقَالُ: هَذَا مَعْلُومٌ مِنْ مُبْطِلَاتِ الصَّلَاةِ الْآتِيَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ هُنَا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ ذُكِرَ هُنَا لَدُفِعَ تَوَهُّمِ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ هُنَا. قَوْلُهُ:(كَالرَّكْضِ) أَيْ الْكَثِيرِ وَالرَّكْضُ تَحْرِيكُ الرِّجْلِ مِمَّنْ فَوْقَ الدَّابَّةِ، وَأَمَّا الْعَدْوُ فَهُوَ الْجَرْيُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَالرَّكْضِ وَالْعَدْوِ أَيْ: بِلَا حَاجَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةِ السَّفَرِ لِخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَوْ غَيْرِهَا كَتَعَلُّقِهِ بِصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (قِيَاسًا إلَخْ) عِبَارَةُ م ر وَقِيَاسًا بِالْوَاوِ وَهِيَ أَظْهَرُ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ) وَرُجِّحَ هَذَا فَبِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْعُمْرَانِ الْمُلَاصِقِ لِلسُّورِ ح ل. كَمَا إذَا ذَهَبَ لِزِيَارَةِ قَبْرِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنها، أَوْ تَوَجَّهَ إلَى تُرْبَةِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ ع ش. عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَخْ) عِبَارَةُ م ر بَعْدَ ذَلِكَ. قَالَ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ: وَهَذَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ، وَلَعَلَّ كَلَامَ غَيْرِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَغَوِيَّ اعْتَبَرَ الْحِكْمَةَ وَغَيْرُهُ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّة اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحِكْمَةَ هِيَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ وَالْمَظِنَّةُ أَيْ مَظِنَّةُ عَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ هِيَ الْمِيلُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ فِي الْمَرْقَدِ أَوْ الْهَوْدَجِ أَوْ الْمِحَفَّةِ أَوْ الشُّقْدُفِ أَوْ نَحْوِهَا إنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ وَإِتْمَامُ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ فَيَجِبُ تَرْكُهَا، وَأَمَّا الرَّاكِبُ عَلَى نَحْوِ سَرْجٍ أَوْ بَرْذعَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا سَهُلَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِتْمَامُ مَا سَهُلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا ق ل. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا كَالسَّفِينَةِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا كَمَا قَالَهُ ح ل. وَهُوَ قَوْلُهُ فَلِلْمُسَافِرِ التَّنَفُّلُ إلَخْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً. لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ، أَوْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، أَوْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ فِي التَّحَرُّمِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ دُونَهُ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعِ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ، أَوْ لَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، أَوْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ. فَالْحَاصِلُ مِنْ ضَرْبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً فَفِي قَوْلِهِ: فَإِنْ سَهُلَ إلَخْ. صُورَتَانِ هُمَا صُورَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، سَوَاءٌ سَهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا وَتَحْتَ قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ عَشَرُ صُوَرٍ فَمَفْهُومُ الْقَيْدِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ فِيهِ تِسْعُ صُوَرٍ، وَهِيَ أَنْ لَا يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ، أَوْ يَسْهُلَ فِي التَّحَرُّمِ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ فِي غَيْرِهِ دُونَهُ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَا يَسْهُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، فَهَذِهِ تِسْعُ صُوَرٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي ثَلَاثَةٍ، وَمَفْهُومُ الْقَيْدِ الثَّانِي، وَهُوَ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ سُهُولَةُ التَّوَجُّهِ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ مَعَ عَدَمِ سُهُولَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَالتَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا يَلْزَمُ إلَّا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ.

ص: 462

عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا تَوَجُّهٌ فِي تَحَرُّمِهِ إنْ سَهُلَ بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً وَأَمْكَنَ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَحْرِيفُهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَأَمَّا التَّوَجُّهُ فِي بَعْضِهَا فَهُوَ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ أَرْبَعٍ دَاخِلَةٍ تَحْتَ قَوْلِهِ: إلَّا تَوَجَّهَ فِي تَحَرُّمِهِ وَهِيَ أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ سَوَاءٌ سَهُلَ عَلَيْهِ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ. وَالرَّابِعَةُ: أَنْ يَسْهُلَ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ إتْمَامُ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْكَانِ. وَهَذَا مَفْهُومُ الْقَيْدِ الثَّانِي مَعَ مَنْطُوقِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهَا إلَّا التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ.

وَفِي الْمُدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ فِيهِ أَنَّ الْمُسَافِرَ الْمَذْكُورَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا، وَالرَّاكِبُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ كَسَفِينَةٍ لِغَيْرِ مَلَّاحٍ، أَوْ فِي غَيْرِهِ كَسَرْجٍ أَوْ يَكُونَ مَلَّاحًا، فَإِنْ كَانَ فِي نَحْوِ هَوْدَجٍ كَالسَّفِينَةِ لِغَيْرِ الْمَلَّاحِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ إتْمَامُ كُلِّ الْأَرْكَانِ وَالتَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ، وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَرَكَ التَّنَفُّلَ رَأْسًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ نَحْوِ هَوْدَجٍ كَالسَّرْجِ أَوْ كَانَ مَلَّاحًا وَهُوَ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِ السَّفِينَةِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَسْهُلُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَكْفِيه الْإِيمَاءُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا، فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي أَرْبَعَةٍ يَسْتَقْبِلُ فِيهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ، وَلَا يَمْشِي فِي أَرْبَعَةٍ بَلْ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَيُتِمُّ الْأَرْكَانَ، فَالْأَرْبَعَةُ الَّتِي يَمْشِي فِيهَا الْقِيَامُ وَالِاعْتِدَالُ وَالتَّشَهُّدُ وَالسَّلَامُ، وَاَلَّتِي يَسْتَقْبِلُ فِيهَا وَلَا يَمْشِي تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَتَأَمَّلْ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَسَفِينَةٍ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّ رَاكِبَ السَّفِينَةِ غَيْرَ الْمَلَّاحِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوَجُّهُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ، وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ، وَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَسْهُلَ أَوْ لَا. فَقَوْلُهُ وَسَفِينَةٍ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ. كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، فَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ وَسَفِينَةٍ، لِأَنَّ ذِكْرَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ لَمْ يَسْهُلْ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ، وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ لَا يَجِبُ إلَّا فِي التَّحَرُّمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي س ل عَلَى الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ سَهُلَ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ سِوَى إتْمَامِ الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الْجَمِيعِ، وَإِتْمَامُ ذَلِكَ الرُّكُوعِ وَهُوَ كَلَامٌ لَا وَجْهَ لَهُ عَمِيرَةٌ ع ش. لِأَنَّ حُكْمَهُ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ إلَخْ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْضِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعًا لَا أَحَدُهُمَا. قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ ذَلِكَ لِتَيَسُّرِهِ عَلَيْهِ) وَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً أَيْ: فَلَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ عَلَيْهَا لِعِصْيَانِهِ خ ض. قَوْلُهُ (فِي تَحَرُّمِهِ) فَلَا يَجِبُ فِيمَا سِوَاهُ لِوُقُوعِ أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ التَّوَجُّهُ، ثُمَّ يُجْعَلُ مَا بَعْدَهُ تَابِعًا لَهُ، «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَافَرَ، فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ، فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ» أَيْ مَرْكُوبُهُ إلَى صَوْبِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَلِيَدْخُلَ فِيهَا عَلَى أَتَمِّ كُلِّ الْأَحْوَالِ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَمَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَخِيرِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ، وَإِنْ سَهُلَ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الِانْعِقَادَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْح م ر. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَتْ سَهْلَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ التَّحَرُّمِ وَإِنْ كَانَتْ وَاقِفَةً أَيْضًا. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ مَهْمَا دَامَ وَاقِفًا لَا يُصَلِّي إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ اهـ فَفَرْضُ كَلَامِهِ فِي الْوُقُوفِ، فَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاقِفًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ. اهـ. فَإِنْ أَحْرَمَ فِي نَفْلٍ مُطْلَقٍ مُقَيَّدٍ بِعَدَدٍ، ثُمَّ نَوَى الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ عِنْدَ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا إنْشَاءٌ، وَلِهَذَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ النَّافِلَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي النِّيَّةِ أَوْ لَا يَجِبُ نَظَرًا لِلدَّوَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُعْطُوهَا حُكْمَ الِابْتِدَاءِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ، فَإِنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهَا دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ قَالَ م ر: هَذَا مِمَّا تَرَدَّدَ فِيهِ النَّظَرُ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (بِأَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً) وَمَا دَامَتْ الدَّابَّةُ وَاقِفَةً لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْأَرْكَانِ،

ص: 463

أَوْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا وَهِيَ سَهْلَةٌ فَإِنْ لَمْ يَسْهُلْ ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ صَعْبَةً أَوْ مَقْطُورَةً وَلَمْ يُمْكِنْهُ انْحِرَافُهُ عَلَيْهَا وَلَا تَحْرِيفُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيفٌ لِلْمَشَقَّةِ وَاخْتِلَالِ أَمْرِ السَّيْرِ عَلَيْهِ، أَمَّا مَلَّاحُ السَّفِينَةِ وَهُوَ مُسَيِّرُهَا فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ ذَلِكَ يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ أَوْ عَمَلِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ عَنْ صَوْبِ طَرِيقِهِ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَالِمًا مُخْتَارًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَكَذَا النِّسْيَانُ أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ أَوْ جِمَاحُ دَابَّةٍ إنْ طَالَ الْفَصْلُ وَإِلَّا فَلَا. وَلَكِنْ يُسَنُّ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ عَمْدَ ذَلِكَ يُبْطِلْ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَيَكْفِيهِ إيمَاءٌ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ لِلِاتِّبَاعِ وَالْمَاشِي يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَيَتَوَجَّهُ فِيهِمَا، وَفِي تَحَرُّمِهِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ وَلَوْ صَلَّى فَرْضًا عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ وَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ وَأَتَمَّ الْفَرْضَ جَازَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ سَيْرَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا بِالْإِيمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ سم عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، ثُمَّ إنْ سَارَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ سَارَ تَبَعًا لِلرُّفْقَةِ بَنَى وَأَتَمَّهَا لِجِهَةِ مَقْصِدِهِ، وَإِنْ سَارَ مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسِيرَ حَتَّى تَنْتَهِيَ صَلَاتُهُ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْخُرُوجُ مِنْ النَّافِلَةِ لَا يَحْرُمُ. اهـ. م د. قَوْلُهُ:(لَمْ يَلْزَمْهُ تَحْرِيفٌ) الْمُنَاسِبُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَوَجُّهٌ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مُسَيِّرُهَا) أَيْ مَنْ لَهُ دَخْلٌ فِي تَسْيِيرِهَا بِحَيْثُ يَخْتَلُّ أَمْرُهُ لَوْ اشْتَغَلَ عَنْهَا ح ل قَالَ ع ش. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُعَدِّينَ لِتَسْيِيرِهَا، كَمَا لَوْ عَاوَنَتْ بَعْضُ الرُّكَّابِ أَهْلَ الْعَمَلِ فِيهَا فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِمْ.

قَوْلُهُ: (فَلَا يَلْزَمُهُ تَوَجُّهٌ) أَيْ وَلَا إتْمَامٌ أَيْ: وَإِنْ سَهُلَ وَلَوْ فِي حَالَةِ التَّحَرُّمِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَاعْتَمَدَ الْعَنَانِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّوَجُّهُ فِي التَّحَرُّمِ فَقَطْ إنْ سَهُلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الشَّارِحِ.

قَوْلُهُ: (يَقْطَعُهُ عَنْ النَّفْلِ) أَيْ إنْ اشْتَغَلَ بِعَمَلِهِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ عَمَلُهُ) أَيْ إنْ اشْتَغَلَ بِالنَّفْلِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْحَرِفُ إلَخْ) أَيْ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ مَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَإِنْ انْحَرَفَ لِقَطْعِهَا جَازَ؛ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَهَا.

قَوْلُهُ: (إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ) وَإِنْ كَانَتْ خَلْفَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ (عَالِمًا مُخْتَارًا) لَا يَتَقَيَّدُ الْبُطْلَانُ بِالِاخْتِيَارِ، وَعِبَارَةُ م ر: فَإِنْ انْحَرَفَ إلَى غَيْرِهَا عَامِدًا عَالِمًا وَلَوْ قَهْرًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مَقْصِدِهِ فَقَوْلُهُ مُخْتَارًا لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ الْمُكْرَهُ. قَوْلُهُ:(إنْ طَالَ الْفَصْلُ) أَيْ الزَّمَنُ.

قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بِأَنْ عَادَ عَنْ قُرْبٍ، وَكَذَا لَوْ انْحَرَفَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ عَنْ الْقِبْلَةِ نَاسِيًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ فَلَا يَضُرُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَفَهُ غَيْرُهُ قَهْرًا وَعَادَ عَنْ قُرْبٍ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ لِنُدُورِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ يَنْفُذَ شَخْصٌ بَيْنَ مُصَلِّيَيْنِ فَيَحْرِفَهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا أَوْ يَمُرَّ بِجَنْبِ مُصَلٍّ فَيَحْرِفَهُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (وَفِي ذَلِكَ) أَيْ فِي سَنِّ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ وَالْمُعْتَمَدُ السَّنُّ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الرَّاكِبَ إيمَاءٌ إلَخْ. وَلَا يَلْزَمُهُ وَضْعُ جَبْهَتِهِ عَلَى نَحْوِ عُرْفِ الدَّابَّةِ أَيْ شَعْرِ رَقَبَتِهَا أَوْ سَرْجِهَا، وَلَا بَذْلُ وُسْعِهِ فِي الِانْحِنَاءِ، وَإِنْ سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الْمَشَقَّةَ اهـ ح ل. قَوْلُهُ:(وَيَكُونُ سُجُودُهُ إلَخْ) أَيْ يَكُونُ سُجُودُهُ أَخْفَضَ وُجُوبًا حَيْثُ أَمْكَنَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ أَكْمَلِ رُكُوعِ الْقَاعِدِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْأَكْمَلِ فَقَطْ لَمْ يَلْزَمْهُ جَعْلُهُ لِلسُّجُودِ، وَالْأَقَلُّ لِلرُّكُوعِ نَظِيرُ مَا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْقِيَامِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ شَوْبَرِيٍّ.

قَوْلُهُ: (وَالْمَاشِي يُتِمُّ رُكُوعَهُ) أَيْ وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، نَعَمْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ حَيْثُ كَانَ يَمْشِي فِي وَحْلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مَاءٍ أَوْ ثَلْجٍ لِمَا فِي الْإِتْمَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَتَلْوِيثِ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِالطِّينِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ ق ل وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ) لِسُهُولَتِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الرَّاكِبِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَلَهُ الْمَشْيُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَامُ وَالتَّشَهُّدُ وَالِاعْتِدَالُ وَالسَّلَامُ لِطُولِ زَمَنِهِ أَوْ لِسُهُولَةِ الْمَشْيِ فِيهِ.

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَمْشِي فِي أَرْبَعٍ فِي قِيَامِهِ وَاعْتِدَالِهِ وَتَشَهُّدِهِ وَسَلَامِهِ. وَيَتْرُكُ الْمَشْيَ فِي أَرْبَعٍ فِي إحْرَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ بَيْنَ سَجْدَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَتَشَهُّدُهُ وَلَوْ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ:(عَيْنِيًّا أَوْ غَيْرَهُ) بِحَسَبِ الْأَصْلِ أَوْ عَارِضًا، فَيَشْمَلُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمُعَادَةِ وَالْمَنْذُورَةِ، وَخَرَجَ النَّفَلُ وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهُ لِجَوَازِهِ قَاعِدًا وَعَدَمِ وُجُوبِ قَضَائِهِ لَوْ فَسَدَ وَقَوْلُ شَيْخِنَا م ر. إنَّهُ كَالْفَرْضِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.

قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرَهُ) مِنْ مَنْذُورَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ م ر. قَوْلُهُ: (وَاقِفَةٍ) أَيْ وَزِمَامُهَا بِيَدِ مُمَيِّزٍ ق ل. قَوْلُهُ: (وَأَتَمَّ الْفَرْضَ) هَذَا شَرْطٌ ثَالِثٌ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ لَمْ يَتَوَجَّهْ، أَوْ لَمْ يَتِمَّ الْفَرْضُ. وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ إلَخْ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ

ص: 464

الدَّابَّةِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ.

وَمَنْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا مِنْهَا كَعَتَبَتِهَا ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا جَازَ مَا صَلَّاهُ.

وَمَنْ أَمْكَنَهُ عِلْمُ الْقِبْلَةِ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لَمْ يَعْمَلْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

زِمَامُهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ أَوْ وَطِئَتْ نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ زِمَامُهَا بِيَدِهِ، وَلَوْ دَمِيَ فَمُهَا، وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا أَوْ اتَّصَلَتْ بِهَا نَجَاسَةٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ضَرَّ، كَمَا لَوْ صَلَّى وَبِيَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ وَلَا يُكَلَّفُ الْمَاشِي التَّحَفُّظَ وَالِاحْتِيَاطَ فِي مَشْيِهِ، فَلَوْ وَطِئَ نَجَاسَةً جَاهِلًا بِهَا، وَكَانَتْ يَابِسَةً وَفَارَقَهَا حَالًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الْمَشْيَ عَلَيْهَا وَلَوْ يَابِسَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا وَلَوْ فَارَقَهَا حَالًا ضَرّ. اهـ. ح ل. وَقَالَ اج: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا قَائِدٌ يَلْزَمُ زِمَامَهَا يُسَيِّرُهَا بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْجِهَةُ جَازَ ذَلِكَ كَالسَّرِيرِ وَالصَّلَاةِ فِي الْمِحَفَّةِ السَّائِرَةِ لِمُرَاعَاةِ مَنْ بِيَدِهِ زِمَامُ الدَّابَّةِ الْقِبْلَةَ شَرْحُ م ر. تَنْبِيهٌ: لَوْ مَشَتْ الدَّابَّةُ الْوَاقِفَةُ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ وَثَبَتَ وَثْبَةً فَاحِشَةً وَلَوْ سَهْوًا مِنْهُ بِأَنْ سَهَا فِي إحْكَامِ زِمَامِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ زِمَامُهَا بِيَدِهِ وَلَا يَضُرُّ تَحْرِيكُ أُذُنَيْهَا وَرَأْسِهَا وَرِجْلِهَا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَتَوَجَّهَ شَاخِصًا) وَلَوْ كَانَ الشَّاخِصُ مَمْلُوكًا لِشَخْصٍ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَلَوْ زَالَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِخِلَافِ زَوَالِ الرَّابِطَةِ ز ي. لِأَنَّ أَمْرَ الِاسْتِقْبَالِ فَوْقَ أَمْرِ الرَّابِطَةِ سم، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ الشَّاخِصُ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى فِيهِ أَيْ فِي الْبَيْتِ لَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِقْبَالُ هَوَائِهَا لِمَنْ هُوَ خَارِجَهَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا، بِخِلَافِ مَنْ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ فِي هَوَائِهَا فَلَا يُسَمَّى عُرْفًا مُسْتَقْبِلًا لَهَا. اهـ. حَجّ. قَوْلُهُ:(كَعَتَبَتِهَا) أَوْ بَابِهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ أَوْ خَشَبَةٍ مَبْنِيَّةٍ أَوْ مُسَمَّرَةٍ فِيهَا، أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: كَعَتَبَتِهَا رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَعْبَةِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مُسَمَّرَةٍ لَوْ سَمَّرَهَا هُوَ لِيُصَلِّيَ إلَيْهَا ثُمَّ يَأْخُذَهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَمَالَ م ر إلَى هَذَا الْخِلَافِ وَارْتَضَاهُ سم. وَفِي حَجّ أَنَّهُ يَكْفِي اسْتِقْبَالُ الْوَتَدِ الْمَغْرُوزِ فَتَقْيِيدُ الْخَشَبَةِ بِالْمُسَمَّرَةِ وَالْمَبْنِيَّةِ لَيْسَ لِلتَّخْصِيصِ، بَلْ يَكْفِي ثُبُوتُهَا وَلَوْ بِغَيْرِ بِنَاءٍ وَتَسْمِيرٍ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ ح ل وز ي وَعِبَارَةُ م ر: وَلَا تَكْفِي الْعَصَا الْمَغْرُوزَةُ هُنَا وَلَا حَشِيشٌ نَبَتَ لِكَوْنِهِ لَا يُعَدّ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَيُخَالِفُ الْعَصَا الْأَوْتَادُ الْمَغْرُوزَةُ فِي الدَّارِ حَيْثُ تُعَدُّ مِنْهَا بِدَلِيلِ دُخُولِهَا فِي بَيْعِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِغَرْزِهَا

لِلْمَصْلَحَةِ

فَعُدَّتْ مِنْ الدَّارِ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: أَوْ تُرَابٍ جُمِعَ مِنْهَا أَيْ: دُونَ مَا يُلْقِيهِ الرِّيحُ، وَانْظُرْ لَوْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا وَوَقَفَ خَارِجَهَا مُسْتَقْبِلًا هَوَاءَ الْمُنْهَدِمِ دُونَ شَيْءٍ مِنْ الْبَاقِي هَلْ يَكْفِي لَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلًا كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ كُلُّهَا، أَوْ لَا؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِقْبَالِ الْبَاقِي. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ ارْتَفَعَ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ، وَاسْتَقْبَلَ هَوَاءَهَا مَعَ إمْكَانِ الِانْخِفَاضِ بِحَيْثُ يَسْتَقْبِلُ نَفْسَهَا سم ع ش. اط ف.

قَوْلُهُ: (ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا) أَيْ فَأَكْثَرَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِنْ بَعُدَ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ فَأَكْثَرَ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي وَقَاضِي الْحَاجَةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ سَتْرُهُ عَنْ الْكَعْبَةِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا مَعَ الْقُرْبِ، وَهُنَا إصَابَةُ عَيْنِهَا، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْبُعْدِ كَالْقُرْبِ. اهـ. شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَمَنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ سَهُلَ عَلَيْهِ عِلْمُ الْقِبْلَةِ أَيْ الْكَعْبَةِ وَمِثْلُهَا مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ الْمُعْتَمَدَةُ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْقِبْلَةِ الْأَعَمُّ، وَالْمُرَادُ أَمْكَنَهُ عِلْمُهَا بِلَا مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ قَالَ سم: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْمَى إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَوْ مَسْجِدًا مِحْرَابُهُ مُعْتَمَدٌ وَشَقَّ عَلَيْهِ مَسُّ الْكَعْبَةِ فِي الْأَوَّلِ وَالْمِحْرَابِ فِي الثَّانِي لِامْتِلَاءِ الْمِحْرَابِ بِالنَّاسِ وَامْتِدَادِ الصُّفُوفِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْمَسِّ وَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ اهـ. وَفِي فَتَاوَى م ر: يَكْفِي مَسُّ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ عِنْدَ عَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ مَسِّ الْقِبْلَةِ وَمَشَقَّةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ اج مَعَ زِيَادَةٍ.

قَوْلُهُ: (عِلْمُ الْقِبْلَةِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهَا كَالْقُطْبِ وَمَوْقِفُهُ صلى الله عليه وسلم إذَا أُثْبِتَ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْآحَادِ فَكَالْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ قَالَهُ ح ل. وَقَوْلُ ح ل كَالْقُطْبِ أَيْ بَعْدَ الِاهْتِدَاءِ إلَيْهِ وَمَعْرِفَتِهِ يَقِينًا، وَكَيْفِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ بِهِ فِي كُلِّ قُطْرٍ، وَأَمَّا إذَا فُقِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي يَجْتَهِدُ مَعَهَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَيْ: كَلَامِ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَنْ جَعَلَهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَهُوَ بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ فِي بَنَاتِ نَعْشِ الصُّغْرَى شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَحَائِلُ اسْمُ لَا. وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ: مَوْجُودٌ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ

ص: 465

بِغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ اعْتَمَدَ ثِقَةً يُخْبِرُ عَنْ عِلْمٍ كَقَوْلِهِ: أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ مَعَ وُجُودِ إخْبَارِهِ، وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ يَكْثُرُ طَارِقُوهُ، فَإِنْ فَقَدَ الثِّقَةَ الْمَذْكُورَ وَأَمْكَنَهُ اجْتِهَادٌ اجْتَهَدَ لِكُلِّ فَرْضٍ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّلِيلَ الْأَوَّلَ.

فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ الِاجْتِهَادِ أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَأَعَادَ وُجُوبًا فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَعَلُّمٌ كَأَعْمَى الْبَصَرِ أَوْ الْبَصِيرَةِ قَلَّدَ ثِقَةً عَارِفًا بِأَدِلَّتِهَا وَمَنْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ أَدِلَّتِهَا لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا، وَتَعَلُّمُهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ أَمْكَنَهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي عِلْمِهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَى مَثَلًا إذَا أَمْكَنَهُ التَّحْسِيسُ عَلَيْهَا لَكِنْ بِمَشَقَّةٍ لِكَثْرَةِ الصُّفُوفِ وَالزِّحَامِ، فَيَكُونُ كَالْحَائِلِ فَيُقَلِّدُ مُخْبِرًا عَنْ عِلْمٍ، هَكَذَا ظَهَرَ وَعَرَضْته عَلَى شَيْخِنَا الطَّبَلَاوِيِّ، فَوَافَقَ سم، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَعْمَى مُسْتَفَادٌ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْإِمْكَانَ بِالسُّهُولَةِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْمَلْ بِغَيْرِهِ) أَيْ مِنْ قَبُولِ خَبَرٍ أَوْ اجْتِهَادٍ.

قَوْلُهُ: (اعْتَمَدَ ثِقَةً) أَيْ بَصِيرًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ مِمَّنْ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إذَا كَانَ مَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ حَائِلٌ لَا يُكَلَّفُ الصُّعُودَ، لِأَنَّ السُّؤَالَ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الصُّعُودِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ مَشَقَّةً لِبُعْدٍ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِهِ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا فِي تِلْكَ س ل.

قَوْلُهُ: (كَقَوْلِهِ أَنَا أُشَاهِدُ الْكَعْبَةَ) أَوْ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَمَدَ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ) أَيْ فِي الْجِهَةِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً كَمَا يَأْتِي.

قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَاهُ رُؤْيَةُ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنْ حَيْثُ تَقَدُّمُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ، وَإِلَّا فَالْإِخْبَارُ الْمَذْكُورُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَحَارِيبِ إذَا تَعَارَضَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الْمَعْرُوفُ لِعَارِفٍ بِهِ ق ل. وَعِبَارَتُهُ عَلَى الْجَلَالِ قَالَ السُّبْكِيُّ: مَحَلُّ جَوَازِ تَقْلِيدِ مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ فِيهَا الْخَطَأُ بِاجْتِهَادِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهَا. قَوْلُهُ:(يَكْثُرُ طَارِقُوهُ) أَيْ الْعَارِفُونَ حَيْثُ أَقَرُّوهُ وَأَخْبَرُوا بِصِحَّتِهِ ق ل أَيْ: وَسَلِمَتْ مِنْ الطَّعْنِ، بِخِلَافِ مَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُ كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَمْتَنِعُ الِاجْتِهَادُ مَعَ وُجُودِهَا، بَلْ يَجِبُ لِامْتِنَاعِ اعْتِمَادِهَا، وَيَكْفِي الطَّعْنُ مِنْ وَاحِدٍ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمِيقَاتِ أَوْ ذَكَرَ لَهُ مُسْتَنَدًا. اهـ. ح ل.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ فُقِدَ الثِّقَةُ) أَيْ حِسًّا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ شَرْعًا بِأَنْ كَانَ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ. اهـ. ع ش.

قَوْلُهُ: (لِكُلِّ فَرْضٍ) أَيْ عَيْنِيٍّ لَا صَلَاةِ جِنَازَةٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ، بَلْ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ لِلْفَرْضِ الْوَاحِدِ إذَا فَسَدَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَوْضِعِهِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى) أَيْ عِنْدَ ضِيقِهِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ز ي: سَوَاءٌ أَضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: أَوْ تَحَيَّرَ صَلَّى ظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ إنْ جَوَّزَ زَوَالَ التَّحَيُّرِ صَبَرَ لِضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلَّا صَلَّى أَوَّلَهُ اهـ. وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا كَلَامَ ح ل إذْ لَوْلَا رُجْحَانُهُ لَمَا عَدَلَ عَنْ كَلَامِ شَيْخِهِ ز ي، فَلْيُحْفَظْ. اهـ. م د عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ:(قَلَّدَ ثِقَةً) بَصِيرًا وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً فَلَا يُقَلِّدُ أَعْمَى أَقْوَى إدْرَاكًا.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَرَاتِبَ الْقِبْلَةِ أَرْبَعَةٌ: الْأُولَى الْمُشَاهَدَةُ. الثَّانِيَةُ اعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ وَاعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ عَنْ عِلْمٍ لَيْسَ تَقْلِيدًا لَهُ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ إنَّمَا يَكُونُ لِإِخْبَارِ الْمُجْتَهِدِ، وَفِي مَعْنَاهُ بَيْتُ الْإِبْرَةِ الصَّحِيحُ. الثَّالِثَةُ: الِاجْتِهَادُ، الرَّابِعَةُ التَّقْلِيدُ فَلَا يَنْتَقِلُ لِلْمُتَأَخِّرَةِ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا، وَكُلُّهَا فِي الشَّرْحِ، وَيَكْفِي إخْبَارُ رَبِّ الْمَنْزِلِ الثِّقَةِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّ إخْبَارَهُ عَنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَإِلَّا لَمْ يُقَلِّدْهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر أَيْ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اجْتِهَادٍ أَوْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ ع ش، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ سُؤَالُهُ عَنْ مُسْتَنَدِهِ كَمَا قَالَهُ ح ل. فَإِخْبَارُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ.

قَوْلُهُ: (بِأَدِلَّتِهَا) وَهِيَ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا هُوَ لَيْلِيٌّ كَالْقَمَرِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَهَارِيٌّ كَالشَّمْسِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ أَرْضِيٌّ كَالْجِبَالِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ هَوَائِيٌّ كَالرِّيَاحِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ كَالنُّجُومِ، وَكُلُّ نَجْمَةٍ قَدْرُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ لِأَنَّهَا لَوْ صَغَرَتْ لَمْ تُرَ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُعَلَّقَةٌ فِي الْكُرْسِيِّ بِسِلْسِلَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ خ ض عَنْ مَشَايِخِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] لِأَنَّ نُورَهَا وَصَلَ إلَيْهَا. وَأَقْوَى أَدِلَّتِهَا الْقُطْبُ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ، فَفِي الْعِرَاقِ يَجْعَلُهُ

ص: 466

فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا صَلَّى كَيْفَ كَانَ وَأَعَادَ وُجُوبًا وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ وَقَيَّدَ السُّبْكِيُّ السَّفَرَ بِمَا يَقِلُّ فِيهِ الْعَارِفُ بِالْأَدِلَّةِ فَإِنْ كَثُرَ كَرَكْبِ الْحَاجِّ فَكَالْحَضَرِ

وَمَنْ صَلَّى بِاجْتِهَادٍ فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا أَعَادَ صَلَاتَهُ وُجُوبًا فَإِنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمُصَلِّي خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى، وَفِي مِصْرَ خَلْفَ أُذُنِهِ الْيُسْرَى، وَفِي الْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ. وَفِي الشَّامِ وَرَاءَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَفِي نَجْرَانَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ اهـ ح ل. وَقَدْ نَظَمَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ أَمَاكِنَ اخْتِلَافِهَا فَقَالَ:

بِمِصْرِنَا الْقُطْبُ الْمُصَلِّي جُعِلَا

لِأُذُنِهِ الْيُسْرَى حَقِيقًا نَقْلَا

وَلِآذَانِهِ الْيُمْنَى فَفِي الْعِرَاقِ

وَالشَّامِ خَلْفَ الظَّهْرِ بِاتِّفَاقِ

وَبِالْيَمَنِ تُجَاهَ وَجْهٍ جُعِلَا

فَخُذْ هُدِيت مُحْكَمًا مُفَصَّلَا

وَنَظَمَهَا أَيْضًا بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

مَنْ وَاجَهَ الْقُطْبَ بِأَرْضِ الْيَمَنِ

وَعَكْسُهُ الشَّامُ وَخَلْفَ الْأُذُنِ

يُمْنَى عِرَاقٍ ثُمَّ يُسْرَى مِصْر

قَدْ صَحَّحُوا اسْتِقْبَالَهُ فِي الْعُمْر

وَاعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ الْقِبْلَةِ فَرْضُ عَيْنٍ لِمُنْفَرِدٍ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا وَكِفَايَةٍ لِغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ م ر: وَيَحْرُمُ تَعَلُّمُهَا مِنْ كَافِرٍ وَلَا يَعْتَمِدُهَا مِنْهُ وَإِنْ وَافَقَ عَلَيْهَا مُسْلِمٌ.

قَوْلُهُ: (فَرْضُ عَيْنٍ لِسَفَرٍ) أَيْ لِإِرَادَتِهِ. لَا يُقَالُ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِتَعَلُّمٍ وَاحِدٍ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ فَرْضَ عَيْنٍ، إذْ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهِ كُلُّ مُكَلَّفٍ طَلَبًا حَازِمًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ عَدَمُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ كُلُّ فَرْدٍ مُخَاطَبٌ بِالتَّعْلِيمِ حَيْثُ كَانَ أَهْلًا لَهُ وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ قَوْلُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلَا يُقَلِّدُ إلَخْ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِفَرْصِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْأُصُولِيُّ الْمَذْكُورُ بَلْ هُوَ كَفَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ الْكُلُّ فَتَسْمِيَتُهُ فَرْضَ عَيْنٍ فِيهِ تَجَوُّزٌ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي إثْمِ الْجَمِيعِ بِتَرْكِهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، فَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعَارِفِ أَنْ يُقَلِّدَهُ، وَلَا يُكَلَّفُ التَّعَلُّمَ لِيَجْتَهِدَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّقْلِيدِ وَالتَّعَلُّمِ لِيَجْتَهِدَ، فَيَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِهِ عَلَى هَذَا الْبَعْضِ، فَيَكُونُ التَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ هُوَ تَقَابُلُ الْقَوْلَيْنِ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ. أَعْنِي كَوْنَ الْمُخَاطَبِ بِهِ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (وَأَعَادَ وُجُوبًا) فَلَا يُقَلِّدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلِجَوَازِ زَوَالِ التَّحَيُّرِ فِي صُورَتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِحَضَرٍ) أَيْ يَكْثُرُ فِيهِ الْعَارِفُونَ.

: (فَتَيَقَّنَ) أَخْرَجَ الظَّنَّ فَلَا يُعْتَبَرُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يُمْنَعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةٍ اهـ؛ شَرْحُ الْمَنْهَجِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَإِذَا كَانَ قَبْلَهَا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَتَقَيَّنَ الْخَطَأَ وَيَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ يَقِينًا، أَوْ ظَنًّا فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي وَأَنْ يَظُنَّ الْخَطَأَ فِي مَحَلٍّ وَالصَّوَابُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَيَعْمَلُ بِالثَّانِي أَيْضًا إنْ كَانَ أَرْجَحَ، وَإِلَّا تَخَيَّرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ، وَظَنَّ الصَّوَابَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ قِيلَ يَتَحَوَّلُ، وَالْمُعْتَمَدُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَظَنَّ الصَّوَابَ أَعَادَ وَإِنْ ظَنَّ الْخَطَأَ وَالصَّوَابَ لَمْ يُؤَثِّرْ. اهـ. ز ي. فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ عَمِلَ بِالثَّانِي فِيهِمَا، وَإِنْ اسْتَوَيَا تَخَيَّرَ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ عَمِلَ بِالثَّانِي أَوْ ظَنَّ، وَكَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ، فَإِنْ اسْتَوَيَا اسْتَمَرَّ عَلَى الْعَمَلِ بِالْأَوَّلِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا أَعَادَ فِي الْيَقِينِ دُونَ مَسْأَلَتَيْ الظَّنِّ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ أَيْضًا فَالْجُمْلَةُ تِسْعَةٌ. اهـ. م د. وَقَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً، لِأَنَّ الْخَطَأَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا فِي الْجِهَةِ أَوْ التَّيَامُنِ أَوْ التَّيَاسُرِ، فَهَذِهِ سِتُّ صُوَرٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ غَيْرَهُ أَوْ لَا. فَهَذِهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا، فَهَذِهِ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ صُورَةً. وَقَوْلُهُ:(فَتَيَقَّنَ خَطَأً مُعَيَّنًا) إلَخْ التَّعْقِيبُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْفَاءِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَهُوَ قَيْدٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

ص: 467

تَيَقَّنَ فِيهَا اسْتَأْنَفَهَا وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا عَمِلَ بِالثَّانِي وُجُوبًا إنْ تَرَجَّحَ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ مُؤَدَّاةٌ بِاجْتِهَادٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا الْخَطَأُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَمِلَ بِالْأَوَّلِ وُجُوبًا كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَفَارَقَ حُكْمَ التَّسَاوِي قَبْلَهَا بِأَنَّهُ هُنَا الْتَزَمَ بِدُخُولِهِ فِيهَا جِهَةً فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَّا بِأَرْجَحَ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالثَّانِي فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَظُنَّ الصَّوَابَ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْخَطَأِ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُقَارِنًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى قُرْبٍ لِمُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِهَةً وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ جِهَةً.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (فَإِنْ تَيَقَّنَهُ فِيهَا) خَرَجَ بِتَيَقُّنِ الْخَطَأِ ظَنُّهُ، وَالْمُرَادُ بِتَيَقُّنِهِ مَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ خَبَرُ الثِّقَةِ عَنْ مُعَايَنَةِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ ثَانِيًا) أَيْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِيهَا بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ الصَّوَابُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْجِهَةِ الْأُولَى.

قَوْلُهُ: (إنْ تَرَجَّحَ) فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِمَا فَعَلَهُ بِالْأَوَّلِ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ أَيْ: فَقَدْ عَمِلَ هُنَا بِالِاجْتِهَادَيْنِ، وَفَارَقَ مَا فِي الْمِيَاهِ مِنْ عَدَمِ عَمَلِهِ فِيهَا بِالثَّانِي بِلُزُومِ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ، إنْ غَسَلَ مَا أَصَابَهُ الْأَوَّلُ، وَالصَّلَاةُ بِنَجِسٍ إنْ لَمْ يَغْسِلْهُ، وَهُنَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الصَّلَاةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَقِينًا؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الِاجْتِهَادِ هُنَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَالْخَطَأُ فِيهِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لِأَرْبَعِ جِهَاتٍ) وَكَذَا أَكْثَرُ فِي أَكْثَرَ، وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَطَأٌ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا فِي جِهَةٍ مِنْهَا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا خَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَتَيَقَّنُ خَطَأً مُعَيَّنًا أَيْ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ هُنَا لَيْسَ مُعَيَّنًا بَلْ هُوَ مُبْهَمٌ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْفَاءِ وَقَالَ كَغَيْرِهِ: فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إلَخْ. لَكَانَ أَظْهَرَ، لَكِنَّهُ مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ لِمَتْنِ الْمِنْهَاجِ. قَالَ حَجّ: وَصَلَّى الْأَرْبَعَ إلَى الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ شَامِلٌ لِمَا إذَا صَلَّى كُلَّ رَكْعَةٍ لِجِهَةٍ بِنِيَّةٍ وَلَيْسَ مُرَادًا اهـ.

قَوْلُهُ: (فَلَا إعَادَةَ) أَيْ لِكَوْنِ الْخَطَأِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ.

قَوْلُهُ: (مُقَارِنًا) الْمُرَادُ بِالْمُقَارَنَةِ أَنْ يَكُونَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَهِدُ فِي مَحَارِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) أَيْ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا بِإِخْبَارِ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ، فَلَا ح ل. وَقَالَ سم: مَحَارِيبُ النَّبِيِّ أَيْ الَّتِي ثَبَتَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا وَلَوْ بِإِخْبَارٍ وَاحِدٍ اهـ. وَأَقَرَّهُ اج وَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَعِبَارَةُ ق ل مِحْرَابُ النَّبِيِّ مَا صَلَّى فِيهِ أَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ اهـ. وَالْمِحْرَابُ لُغَةً صَدْرُ الْمَجْلِسِ وَاصْطِلَاحًا مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمُصَلِّي يُحَارِبُ فِيهِ الشَّيْطَانَ، وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا بِمَنْ فِيهِ خِلَافًا لِلْجَلَالِ السُّيُوطِيّ. اهـ. ق ل عَلَى الْجَلَالِ، فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمِحْرَابَ الْمُعْتَادَ الْآنَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا زَمَنِ أَصْحَابِهِ؛ وَمَا يُوجَدُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَامِعِ عَمْرٍو وَنَحْوِهِ، فَهُوَ حَادِثٌ بَعْدَهُمْ، وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ وقَوْله تَعَالَى:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13] لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا هَذَا الْمِحْرَابَ الْمَعْرُوفَ، وَإِنَّمَا هِيَ الْغُرَفُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَلَا يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا أَيْ جِهَةَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ.

قَوْلُهُ: (وَلَا فِي مَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ الْمَوْثُوقِ بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَمَحَارِيبِ الْقَرَافَةِ وَأَرْيَافِ مِصْرَ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا وَلَا يَلْحَقُ بِهَا مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ كَمَا فِي م ر. قَوْلُهُ:(جِهَةً) أَيْ لَا يَجْتَهِدُ فِي الْجِهَةِ بِخِلَافِ التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَيَجْتَهِدُ فِيهِمَا، وَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ فِي الْجِهَةِ دُونَهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ فِي نَحْوِ قِبْلَةِ الْكُوفَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالشَّامِ وَجَامِعِ مِصْرَ الْعَتِيقِ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُنَصِّبُوهَا إلَّا عَنْ اجْتِهَادٍ. اهـ. اج.

ص: 468