الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ
(وَالِاغْتِسَالَاتُ الْمَسْنُونَةُ) كَثِيرَةٌ الْمَذْكُورُ مِنْهَا هُنَا (سَبْعَةَ عَشَرَ غُسْلًا) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ وَسَأَذْكُرُ الْأَوَّلَ مِنْ السَّبْعَةَ عَشَرَ (غُسْلُ الْجُمُعَةِ) لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لِحَدِيثِ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» . وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» .
وَرُوِيَ: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» أَيْ مُتَأَكِّدٌ وَصَرَفَ هَذَا عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَوَقْتُهُ مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ عَلَّقَتْهُ بِالْيَوْمِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ]
ِ قَوْلُهُ: (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ) اُنْظُرْ لِمَ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الِاغْتِسَالَاتِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ قِلَّةٍ، وَلَعَلَّهُ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ.
قَوْلُهُ: (الْمَسْنُونَةُ) الْأَوْلَى الْمَسْنُونَاتُ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ لِمَا لَا يَعْقِلُ الْأَفْصَحُ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَجَمْعُ كَثْرَةٍ لِمَا لَا يَعْقِلُ
…
الْأَفْصَحُ الْإِفْرَادُ فِيهِ يَأْفُلُ
فِي غَيْرِهِ فَالْأَفْصَحُ الْمُطَابَقَةْ
…
نَحْوُ هِبَاتٍ وَافِرَاتٍ لَائِقَةْ
وَاسْتَعْمَلَ هُنَا جَمْعَ الْقِلَّةِ فِي الْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (سَبْعَةَ عَشَرَ) أَيْ بَعْدَ غَسْلِ الطَّوَافِ غُسْلَيْنِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ أَوْ بَعْدَ غُسْلِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ غُسْلَيْنِ نَظَرًا لِلتَّعْجِيلِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّهَا سِتَّةَ عَشَرَ فَقَطْ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَغْسَالِ، كَمَا يُسَنُّ لِلْوَاجِبِ، وَيُسَنُّ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ، وَلَوْ فَاتَتْ هَذِهِ الْأَغْسَالُ لَمْ تُقْضَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
قَوْلُهُ: (لِمَنْ يُرِيدُ حُضُورَهَا) وَإِنْ حَرُمَ حُضُورُهُ كَامْرَأَةٍ بِغَيْرِ إذْنِ حَلِيلِهَا. قَالَ ع ش: وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُكَلَّفِ وَمَنُوطٌ بِوَلِيِّ غَيْرِهِ لَكِنْ هَلْ الْعِبْرَةُ بِإِرَادَةِ الْوَلِيِّ الْحُضُورَ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ هُمَا، وَالْأَقْرَبُ النَّظَرُ إلَى حُضُورِ الْوَلِيِّ وَإِرَادَةِ حُضُورِ الصَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ) كَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ. قَوْلُهُ: (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَخْ) ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا جَاءَ فَلْيَغْتَسِلْ أَنَّ الْغُسْلَ يَعْقُبُ الْمَجِيءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا التَّقْدِيرُ: إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ وَلَفْظُهُ:«إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمَا أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَأَخُّرِ الرَّوَاحِ عَنْ الْغُسْلِ وَذُكِرَ الْمَجِيءُ فِي قَوْلِهِ: «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ» الْجُمُعَةَ لِلْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ شَامِلٌ لِمُجَاوِرِ الْجَامِعِ وَمَنْ هُوَ مُقِيمٌ بِهِ وَالْمَجِيءُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ فِي الْجَامِعِ يَحْصُلُ بِأَنْ يَتَهَيَّأَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَابِلِيُّ، وَفِي قَوْلِهِ: أَحَدُكُمْ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ بِدَلِيلِ خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ: «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» .
قَوْلُهُ: (وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ) أَتَى بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِشُمُولِهِ سَنَّ الْغُسْلِ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلِمَنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، وَلِأَجْلِ قَوْلِهِ فِيهِ: وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا؛ إذْ الْأَوَّلُ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ، وَفِيهِ أَمْرٌ فَاحْتَاجَ الشَّارِحُ إلَى الْإِتْيَانِ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي لِيُبَيِّنَّ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. قَوْلُهُ:(وَرُوِيَ: غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ) وَعِنْدَ مَالِكٍ: غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ، وَبِهِ قَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَصَرْفُ هَذَا) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ. وَضَابِطُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَا يُشْرَعُ لِسَبَبٍ مَاضٍ كَانَ وَاجِبًا كَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَوْتِ، وَمَا شُرِعَ لِمَعْنًى فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَاغْتِسَالِ الْحَجِّ وَاسْتَثْنَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ الثَّانِي الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَكَذَا الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْإِسْلَامُ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (مَنْ تَوَضَّأَ إلَخْ) وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ تَيَمَّمَ تَيَمُّمًا عَنْ الْحَدَثِ وَتَيَمُّمًا عَنْ الْغُسْلِ، وَهَلْ يَكْفِي عَنْهُمَا وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِمَا كَالْغُسْلِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ سم قَالَ ق ل: وَيَظْهَرُ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (فَبِهَا) أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ أَخَذَ أَيْ عَمِلَ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ الْوُضُوءُ، فَالضَّمِيرُ فِي بِهَا
كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى» الْحَدِيثَ، وَتَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَى الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ،
لَوْ تَعَارَضَ الْغُسْلُ وَالتَّبْكِيرُ فَمُرَاعَاةُ الْغُسْلِ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَائِدٌ عَلَى مَعْلُومٍ بِالْقَرِينَةِ، وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمُقَدَّرٍ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ، وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (فَالْغُسْلُ) أَيْ مَعَ الْوُضُوءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: كَيْفَ يَكُونُ الْغُسْلُ الْمَنْدُوبُ أَفْضَلَ مِنْ الْوُضُوءِ الْوَاجِبِ وَيُنْدَبُ لِصَائِمٍ خَشِيَ مُفْطِرًا تَرْكُ الْغُسْلِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَجْرِ الصَّادِقِ) وَقِيلَ: وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَهِي بِجُلُوسِ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَهُ ق ل. وَالصَّوَابُ بِفَرَاغِ صَلَاتِهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ حَدَثٍ، وَلَوْ أَكْبَرَ، وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ عِنْدَ طُرُوُّ مَا ذُكِرَ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ كَالتَّجْرِيدِ، قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَاعْتَمَدَ ع ش سُنَّ إعَادَتُهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ هَلْ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ طَالَ الْمَشْيُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الرَّوَاحُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الرَّوَاحَ اسْمٌ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ إلَخْ. فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ، وَنُقِلَ عَنْ الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ. نَعَمْ الْمَشْيُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غَيْرِهِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) بِالنَّصْبِ أَيْ اقْرَأْ الْحَدِيثَ وَتَتِمَّتُهُ: «فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ أَيْ الْخُطْبَةَ أَيْ طَوَوْا الصُّحُفَ فَلَمْ يَكْتُبُوا أَحَدًا» وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ:«فِي الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يُهْدِي عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً» . فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْهَا، وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ مَثَلًا، لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ، وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. قَالَ ح ل: وَفِيهِ أَنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ مِقْدَارَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً، بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ حَضَرُوا كُلُّهُمْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّانِي أَفْضَلَ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا اهـ. وَقَوْلُهُ: لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. قَالَ سم: وَلِي فِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ أَقَلُّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَشْرُ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ، وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلَكِ مِنْ الشَّمْسِ فَمِنْ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ يَخُصُّهُ خَمْسُ سَاعَاتٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عَلَى الرَّاجِحِ هُنَا مِنْ الْفَجْرِ فَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ فِي أَقَلِّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَتَأَمَّلْ اهـ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ذَهَابِهِ) بِفَتْحِ الذَّالِ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18] .
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ) أَيْ فِي أَصْلِ طَلَبِهِ، فَلَا يُنَافِي طَلَبُ التَّيَمُّمِ بَدَلَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا: هَذَا التَّعْلِيلُ خَاصٌّ بِالْغُسْلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُسَنُّ قُرْبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْغُسْلِ، ثُمَّ رَأَيْت؛ سم؛ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ: وَانْظُرْ لَوْ تَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ هَلْ يَكُونُ تَقْرِيبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ أَفْضَلَ أَيْضًا كَالْغُسْلِ الظَّاهِرُ؟ نَعَمْ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ) وَلِتَعَدِّي أَثَرِهِ إلَى الْغَيْرِ وَهُوَ دَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَلِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْفَاضِلِ عَلَى بَقِيَّةِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَمِنْ ثَمَّ انْفَرَدَتْ الْجُمُعَةُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بِخِلَافِ التَّبْكِيرِ فَإِنَّ نَفْعَهُ قَاصِرٌ عَلَى الْمُبَكِّرِ. وَوَقْتُ جَوَازِهِ مِنْ الْفَجْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ إلَّا عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا. وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَلَى الْغَزِّيِّ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ فِيهِ قَوْلًا بِالْوُجُوبِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَلَا يَبْطُلُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ بِالْحَدَثِ وَلَا بِالْجَنَابَةِ فَيَغْتَسِلُ وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
(وَ) الثَّانِي وَالثَّالِثُ (غُسْلُ الْعِيدَيْنِ) الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ، فَالْغُسْلُ لَهُ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ. وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِمَا بِنِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ فِعْلَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ يُبَكِّرُونَ إلَيْهِمَا مِنْ قُرَاهُمْ، فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْغُسْلُ لَهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَعُلِّقَ بِالنِّصْفِ الثَّانِي لِقُرْبِهِ مِنْ الْيَوْمِ كَمَا قِيلَ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ.
(وَ) الرَّابِعُ: غُسْلُ صَلَاةِ (الِاسْتِسْقَاءِ) عِنْدَ الْخُرُوجِ لَهَا
(وَ) الْخَامِسُ غُسْلُ صَلَاةِ (الْخُسُوفِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْقَمَرِ
(وَ) السَّادِسُ غُسْلُ صَلَاةِ (الْكُسُوفِ) بِالْكَافِ لِلشَّمْسِ وَتَخْصِيصُ الْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَالْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ هُوَ الْأَفْصَحُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ. وَقِيلَ الْكُسُوفُ بِالْكَافِ أَوَّلُهُ فِيهِمَا وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَ) السَّابِعُ (الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْغَاسِلُ طَاهِرًا أَمْ لَا كَحَائِضٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَنُقِلَ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اغْتَسِلُوا، وَلَوْ كَأْسًا بِدِينَارٍ» اهـ. أَيْ اغْتَسِلُوا لِلْجُمُعَةِ، وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُ مِلْءِ الْكَأْسِ مَاءً دِينَارًا، وَانْظُرْ لَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلَ الْغُسْلِ، وَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْبُكُورِ شَوْبَرِيٌّ. وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قُدِّمَ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سِنِّهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَيَغْتَسِلُ) أَيْ لِلْجَنَابَةِ أَيْ وَيَتَوَضَّأُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَفِي كَلَامِهِ اكْتِفَاءٌ؛ إذْ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ تَرْكُهُ) . قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْعُهُودِ: أُخِذَ عَلَيْنَا الْعَهْدُ أَنْ لَا نَتَهَاوَنَ بِتَرْكِ السُّنَنِ الشَّرْعِيَّةِ، وَنَقُولُ: الْأَمْرُ سَهْلٌ كَمَا عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَهَوِّنِينَ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا وَالتَّطَيُّبِ وَالتَّزَيُّنِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْبُدَاءَةِ بِخَلْعِ النَّعْلِ، فَقَدْ كَانَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الْخَوَّاصُ رحمه الله يَقُولُ: إنْ لِكُلِّ سُنَّةٍ مِنْ السُّنَنِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، فَلَا يَنَالُ تِلْكَ الدَّرَجَةَ إلَّا فَاعِلُ تِلْكَ السُّنَّةِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَغُسْلُ الْعِيدَيْنِ) وَلَوْ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ. وَقَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ وَقْتُهُمَا بِنِصْفِ اللَّيْلِ أَيْ وَيَخْرُجُ بِغُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لِلْيَوْمِ، وَلَا نَظَرَ إلَى خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاتِهِ بِالزَّوَالِ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ لَيْسَ لِلصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ) الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ، سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَضِيئُونَ غَالِبًا لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ قُرًى أَوْ لِكَوْنِ مَحَلِّهِمْ يُرَى سَوَادًا مِنْ بُعْدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَضْرَةِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ تَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ كَالْقَاطِنِينَ فِي بِلَادِ الْمُدُنِ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِمْ لِلْعِيدِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هَذَا حِكْمَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ لَا عِلَّةُ الْحُكْمِ كَمَا قَالُوا فِي الرَّمَلِ فِي الطَّوَافِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْخُرُوجِ لَهَا) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِإِرَادَةِ فِعْلِهَا لِمَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَبِاجْتِمَاعِ مَنْ يَغْلِبُ فِعْلُهُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً وَيَخْرُجُ الْيَوْمُ بِفِعْلِهَا ق ل. وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ هُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعْ غَالِبُ النَّاسِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِرَادَةِ الْخُرُوجِ وَقْتُ الِاجْتِمَاعِ فِي الْعَادَةِ م د.
قَوْلُهُ: (غُسْلُ صَلَاةِ الْخُسُوفِ) وَيَدْخُلُ وَقْتُهُمَا بِأَوَّلِ التَّغَيُّرِ وَيَخْرُجُ بِالِانْجِلَاءِ ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوَّلُهُ) أَيْ التَّغَيُّرُ الْمَفْهُومُ مِنْ الْخُسُوفِ وَالْكُسُوفِ. وَقَوْلُهُ: (فِيهِمَا) أَيْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ) هُوَ عَكْسُ مَا قَبْلَهُ م د. وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَيْرِ الْكُسُوفَانِ وَالْخُسُوفَانِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ) وَلَوْ عَصَى بِهِ كَأَنْ غَسَّلَ شَهِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً أَخْذًا بِإِطْلَاقِهِمْ، وَكَذَا يُطْلَبُ لِمُغَسِّلِ الْجُزْءِ اج. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ وَلَوْ عَصَى بِهِ مُطْلَقًا هُوَ مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا ح ف، خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَجْلِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ كَالشَّهِيدِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ، أَوْ لِعَارِضٍ كَتَغْسِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ نُدِبَ لَهُ، وَتَعْبِيرُهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِلْعَجْزِ عَنْ غُسْلِهِ وَلَوْ شَرْعًا سُنَّ
فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ.
(وَ) الثَّامِنُ (غُسْلُ الْكَافِرِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا (إذَا أَسْلَمَ) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِهِ لَمَّا أَسْلَمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرُهُمْ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ، هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَإِلَّا وَجَبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْغُسْلُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: فَإِنْ يَمَّمَهُ سُنَّ لَهُ الْوُضُوءُ وَيَفُوتُ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ إمَّا بِالْإِعْرَاضِ، أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ أَوْ لِلسَّبَبِ فَقَدْ زَالَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غُسْلِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا الْفَوَاتُ، بَلْ الظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ فِيهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ خُصُوصًا، وَسَبَبُ الْغُسْلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، نَعَمْ إنْ عَرَضَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ نَحْوِ الْجُنُونِ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا اُحْتُمِلَ فَوَاتُهُ، وَانْدِرَاجُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ اهـ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَوْ غَسَّلَ مَوْتَى فَقَدْ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الْأَوْجَهَ طَلَبُ غُسْلٍ وَاحِدٍ عَنْ الْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَنْدُوبَةَ تَتَدَاخَلُ، وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا اهـ. وَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَاسِلُ سُنَّ الْغُسْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَيْثُ بَاشَرُوا كُلُّهُمْ الْغُسْلَ بِخِلَافِ الْمُعَاوِنِينَ بِمُنَاوَلَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ جَمِيعَ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَيَدِهِ مَثَلًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ إلَّا الْعُضْوَ الْمَذْكُورَ وَغَسَّلُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَصْلُ طَلَبِهِ إزَالَةُ ضَعْفِ بَدَنِ الْغَاسِلِ بِمُخَالَطَةِ جَسَدٍ خَالٍ عَنْ الرُّوحِ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَ أَئِمَّتِنَا قَالَ بِنَجَاسَةِ مِيتَةِ الْكَافِرِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا م د فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ:(وَمَنْ حَمَلَهُ) أَيْ أَوْ مَسَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ حَمَلَهُ أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، الْأَوْلَى بَقَاءُ الْحَمْلِ عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ:(فَلْيَتَوَضَّأْ) أَيْ قَبْلَ حَمْلِهِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ) وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ) وَقِيسَ بِمَيِّتِنَا مَيِّتُ غَيْرِنَا.
وَقَوْلُهُ: (غُسْلُ) أَيْ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (الْكَافِرِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (إذَا أَسْلَمَ) أَيْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ التَّابِعَ لِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْ لِسَابِيهِ، كَمَا بَحَثَهُ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَعِبَارَةُ الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَ صَغِيرٌ أَحَدَ أُصُولِهِ وَلَوْ أُنْثَى فِي الْإِسْلَامِ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَغَسَّلَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا لَوْ تَبِعَ سَابِيهِ الْكَامِلَ؛ إذْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلٍ لَا وَلِيَّ لَهُ فَفِي مَنْ يَأْمُرُ، أَوْ يُغَسِّلُ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَالْمُسْلِمُونَ كَمَا فِي أَمْرِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَضَرَبَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَيُسَنُّ لَهُ أَيْضًا إزَالَةُ شَعْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد:«أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ» اهـ. إلَّا لِحْيَةَ ذَكَرٍ، وَكَوْنُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْلَى إنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ لِيَنْفَصِلَ الشَّعْرُ مِنْهُ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ فَقِيلَ: الْغُسْلُ أَوْلَى لِيُزِيلَ مَاؤُهُ دَنَسَ أَثَرِ الشَّعْرِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي خ ض.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَمَرَ صلى الله عليه وسلم) هُوَ فِي قُوَّةِ التَّعْلِيلِ، فَالْمَعْنَى وَلِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ لِحَمْلِهِمْ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ لَا بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا حَاجَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ قَيْسًا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، فَالْأَمْرُ إنَّمَا كَانَ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ كَفَاهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ ق ل، وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلَانِ غُسْلٌ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَغُسْلٌ لِلْإِسْلَامِ أَوْ يَنْوِيهِمَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا وَجَبَ) قَالَ سم: وَكَانَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ سَقَطَتْ عَنْهُ دُونَهُ قِلَّةُ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَدُّدِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ) أَيْ مِنْ
عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا عِبْرَةَ بِالْغُسْلِ فِي الْكُفْرِ عَلَى الْأَصَحِّ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ وَقْتَ الْغُسْلِ بَعْدَ إسْلَامِهِ لِتَصِحَّ النِّيَّةُ، وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَهُ بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ جَاءَهُ لِيُسْلِمَ: اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ ثُمَّ أَسْلِمْ لِرِضَاهُ بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ تِلْكَ اللَّحْظَةَ.
(وَ) التَّاسِعُ غُسْلُ (الْمَجْنُونِ) وَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ
(وَ) الْعَاشِرُ غُسْلُ (الْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَلَوْ لَحْظَةً (إذَا أَفَاقَا) وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُمَا إنْزَالٌ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْإِغْمَاءِ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَفِي مَعْنَاهُ الْجُنُونُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُقَالُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ.
(وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ (الْغُسْلُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا، وَلَوْ فِي حَالِ حَيْضِ الْمَرْأَةِ وَنِفَاسِهَا.
(وَ) الثَّانِي عَشَرَ الْغُسْلُ (لِدُخُولِ مَكَّةَ) الْمُشَرَّفَةِ وَلَوْ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِعُمْرَةٍ مِنْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ كَالتَّنْعِيمِ وَاغْتَسَلَ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ.
(وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ بِنَمِرَةَ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا، وَقَبْلَ الزَّوَالِ بَعْدَ الْفَجْرِ، لَكِنَّ تَقْرِيبَهُ لِلزَّوَالِ أَفْضَلُ كَتَقْرِيبِهِ مِنْ ذَهَابِهِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلِهِ: وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ.
قَوْلُهُ: (تَكْفِيرُ مَنْ قَالَ إلَخْ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ، أَمَّا هُوَ فَلَا. وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِهَا إذَا سَأَلَهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ الشَّهَادَةَ قِيَاسًا عَلَى إنْقَاذِ الْغَرِيقِ، بَلْ هَذَا أَعْظَمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذًا مِنْ الْخُلُودِ فِي النَّارِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْعَزِيزِيُّ، وَأَمَّا إذَا جَاءَهُ شَخْصٌ لِيَتُوبَ فَأَمَرَهُ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الذَّنْبِ وَاجِبَةٌ فِي الْحَالِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ) وَإِنْ تَكَرَّرَ الْإِغْمَاءُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ تَعَمَّدَهُ. وَغَيْرِهِ وَفِي حَاشِيَةِ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ السَّكْرَانُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا اهـ. وَيُقَيَّدُ الْإِغْمَاءُ بِغَيْرِ إغْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ، أَمَّا هُوَ فَإِنَّهُ، وَإِنْ جَازَ عَلَيْهِمْ وَوَقَعَ لَهُمْ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُمْ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ الْغُسْلُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:«إنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم يُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ» وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى نَدْبِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي عَدَمِ نَدْبِ الْغُسْلِ لِلْجُنُونِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْإِنْزَالِ، وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَيُطْلَبُ مِنْهُ حِينَئِذٍ غُسْلَانِ.
قَوْلُهُ: (قَلَّ مَنْ جُنَّ) قَلَّ مَعْنَاهَا النَّفْيُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ كَالْمَعْدُومِ، وَالتَّقْدِيرُ مَا شَخْصٌ جُنَّ إلَّا اشْتَهَى، وَأَنْزَلَ أَيْ غَالِبًا، فَقَوْلُهُ: وَأَنْزَلَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: قَلَّ مَنْ جُنَّ، وَلَمْ يُنْزِلْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا وَأَنْزَلَ) . فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالْمَظِنَّةِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرِّيحِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ عَدَمُ خُرُوجِ الْمَنِيِّ؟ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ لَا عَلَامَةَ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ لِمُشَاهَدَتِهِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْجُنُونَ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ ح ل. وَلَمْ يُسَنَّ الْغُسْلُ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْ النَّوْمِ لِكَثْرَةِ تَكْرَارِهِ. فَخَفَّفَ فِيهِ لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِحْرَامِ) أَيْ عِنْدَ إرَادَتِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِهِمَا) أَوْ مُطْلَقًا فَإِنْ فَقَدْت الْمَاءَ تَيَمَّمْت مَعَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّظَافَةَ إذَا فَاتَتْ بَقِيَتْ الْعِبَادَةُ.
قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ مَكَّةَ) أَيْ وَلِدُخُولِ الْكَعْبَةِ أَيْضًا اهـ. شَوْبَرِيٌّ. قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَى م ر بَعْدَ قَوْلِهِ: وَلِدُخُولِ مَكَّةَ أَيْ إذَا لَمْ يَغْتَسِلْ لِدُخُولِ الْحَرَمِ مِنْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ مَكَّةَ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (يَقَعُ فِيهِ) أَيْ قَدْ يَقَعُ فِيهِ. قَوْلُهُ: (مَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إذَا اغْتَسَلَ لِنَحْوِ جُمُعَةٍ أَوْ كُسُوفٍ أَوْ عِيدٍ. وَالضَّابِطُ أَنَّ كُلَّ غُسْلَيْنِ قَرُبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لَا يُنْدَبُ الثَّانِي مَا لَمْ يَحْصُلْ لِبَدَنِهِ تَغَيُّرُ رِيحٍ، وَإِلَّا نُدِبَ.
قَوْلُهُ: (كَالتَّنْعِيمِ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ الْجِعْرَانَةِ فَيَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ.
قَوْلُهُ: (وَقَبْلَ الزَّوَالِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِنَمِرَةَ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ تَقْرِيبَهُ إلَخْ) وَيَنْتَهِي الْغُسْلُ لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ
(وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ) عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ لِبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْمَذْهَبُ فِي الرَّوْضَةِ وَحَكَاهُ فِي الزَّوَائِدِ عَنْ الْجُمْهُورِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ اسْتِحْبَابَهُ لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ بَعْدَ صُبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ.
(وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَلَا غُسْلَ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ بِخِلَافِ رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
(وَ) السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ (لِلطَّوَافِ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: إنَّ الِاغْتِسَالَ لِلْحَلْقِ مَسْنُونٌ لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِكَثِيرٍ. قَالَ: وَزَادَ فِي الْقَدِيمِ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَالْوَدَاعِ وَلِلْحَلْقِ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ انْتَهَى. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِيمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، بَلْ مِنْهَا الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَمِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِفَجْرِ يَوْمِ الْعِيدِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ) وَعَلَيْهَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْغُرُوبِ ق ل. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ الْوُقُوفُ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ فِي آخِرِ الْمُزْدَلِفَةِ. قَالَ ق ل: وَلَوْ حَمَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ اهـ. أَقُولُ: هَذَا الْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى؛ إذْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمَبِيتِ. وَهَذَا فِي الْوُقُوفِ فَمَا صَنَعَهُ الشَّارِحُ أَوْلَى اهـ اج. وَيَدْخُلُ وَقْتُ هَذَا الْغُسْلِ بِنِصْفِ اللَّيْلِ سم.
قَوْلُهُ: (وَلِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ) أَيْ فَيُسَنُّ ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فِي يَوْمَيْنِ وَإِلَّا فَغُسْلَانِ، وَالْمُتَّجَهُ دُخُولُهُ بِالْفَجْرِ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ لَا بِدُخُولِ وَقْتِهِ وَهُوَ الزَّوَالُ سم. قَالَ ق ل: وَفِيهِ بَحْثٌ وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ بِالزَّوَالِ؛ لِأَنَّهُ مُوَسَّعٌ بِبَقِيَّةِ الْيَوْمِ، بَلْ وَبَقِيَّةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَرَاجِعْهُ اهـ م د. وَقَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ بِالزَّوَالِ ضَعِيفٌ، وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ: وَيُنْدَبُ الْغُسْلُ لِرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ كُلَّ يَوْمٍ، وَالْأَفْضَلُ كَوْنُ الْغُسْلِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفَجْرِ اهـ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْجِمَارُ جِمَارًا؛ لِأَنَّ آدَمَ كَانَ يَرْمِي إبْلِيسَ فَيُجْمِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَالْإِجْمَارُ الْإِسْرَاعُ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ.
قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ) أَيْ إنْ رَمَاهَا يَوْمَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُتَّسِعٌ) أَيْ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَكْتَفِي بِالْغُسْلِ فِيهَا لِلرَّمْيِ عَنْ الْغُسْلِ لَهَا أَيْ لِجَمْرِ الْعَقَبَةِ. وَقَوْلُهُ: (بِخِلَافِ رَمْيِ) إلَخْ أَيْ فَإِنَّ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ الثَّانِيَةُ فَقَطْ. قَالَ شَيْخُنَا م د: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَغْتَسِلْ لِلْعِيدِ، وَلَا لِلْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ نُدِبَ الْغُسْلُ لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَالسَّادِسَ عَشَرَ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ التَّفْصِيلَ لَا يُطَابِقُ الْإِجْمَالَ وَهُوَ قَوْلُهُ أَوَّلًا: سَبْعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ عَدَّ سِتَّةَ عَشَرَ فَجَعَلَ الشَّارِحُ الطَّوَافَ اثْنَيْنِ لِلْمُطَابَقَةِ. وَيُجَابُ أَيْضًا: بِأَنْ يُجْعَلَ الطَّوَافُ فِي أَصْلِهِ وَاحِدًا، وَأَنَّ السَّابِعَ عَشَرَ الْغُسْلُ لِدُخُولِ مَدِينَتِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ اهـ. قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ غُسْلَ رَمْيِ الْجِمَارِ غُسْلَيْنِ لِلْيَوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ نَظَرًا لِلتَّعْجِيلِ أَيْ لِمَنْ عَجَّلَ النَّفْرَ قَبْلَ الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، وَعَدَّهُ لِلرَّمْيِ غُسْلَيْنِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ لِكُلِّ يَوْمٍ إلَخْ اج اهـ.
قَوْلُهُ: (هَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (تَبَعًا لِكَثِيرٍ) أَيْ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْكَثِيرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَحْرِيفٌ. وَقَوْلُهُ: قَالَ أَيْ النَّوَوِيُّ. وَقَوْلُهُ: وَحَاصِلُهُ أَيْ حَاصِلُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَزَادَ فِي الْقَدِيمِ، فَإِنَّ هَذَا يُفْهِمُ أَنَّ الْجَدِيدَ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ، وَوَجْهُهُ اتِّسَاعُ وَقْتِهَا فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ لَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُطْلَبَ التَّنْظِيفُ لَهَا، فَهَذَا تَوْجِيهُ الْقَوْلِ الْجَدِيدِ، أَمَّا طَوَافُ الْقُدُومِ فَلَا يُسَنُّ لَهُ عَلَيْهِمَا أَيْ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ اكْتِفَاءً بِغُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ، فَإِنَّهُ يُنْدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ عِنْدَ دُخُولِهَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْحِجَامَةِ) أَيْ
وَلِلِاعْتِكَافِ، وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ. وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ. وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، فَيَكُونُ هُوَ السَّابِعَ عَشَرَ، وَعِنْدَ سَيْلَانِ الْوَادِي وَلِتَغَيُّرِ رَائِحَةِ الْبَدَنِ، وَعِنْدَ كُلِّ اجْتِمَاعٍ مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ، أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَا يُسَنُّ لَهَا لِمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْفَصْدِ أَيْ بَعْدَهُمَا، وَالْأَقْرَبُ نَدْبُ الْغُسْلِ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْفَصْدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَدَنُهُ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةُ التَّغَيُّرِ. وَقَوْلُ م ر تَغَيُّرُ بَدَنٍ لَا مَفْهُومَ لَهُ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ إلَخْ) أَيْ وَكَذَا لِدُخُولِهِ فَيُسَنُّ لِدَاخِلِهِ الْغُسْلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِلْأَثَرِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْهَقِيّ، وَمَعْنَاهُ إذَا دَخَلَهُ فَعَرِقَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يَغْتَسِلَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ خ ض. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيُسَنُّ الْغُسْلُ عِنْدَ دُخُولِ الْحَمَّامِ لِلتَّنْظِيفِ مِنْ الْأَعْرَاقِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِهِ، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ أَيْضًا عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ الْأَوَّلِ فَهُمَا غُسْلَانِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ غُسْلُ إرَادَةِ الْخُرُوجِ بِمَاءٍ بَيْنَ الْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ، بَلْ إلَى الْبُرُودَةِ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ فَيَقْوَى عَلَى مُلَاقَاةِ الْهَوَاءِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَا بِصِرْفِ الْبَارِدِ، لَا سِيَّمَا زَمَنَ الشِّتَاءِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَوْقَعَ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ، وَأَفْتَى الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ بِكَوْنِ الْمَاءِ الْمُغْتَسَلِ بِهِ بَعْدُ بَارِدًا صِرْفًا. قَالَ: لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنْعِشُ الْبَدَنَ فَحَرِّرْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْئًا مِنْ آدَابِ الْحَمَّامِ، وَمِنْهَا تَرْكُ مَسِّ الْمَاءِ الْحَارِّ قَبْلَ الْعَرَقِ وَالصَّمْتُ، وَإِذَا خَرَجَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَكُرِهَ دُخُولُهُ قُبَيْلَ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِشَارِ الشَّيَاطِينِ، وَهُوَ مَأْوَاهَا غَالِبًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكُرِهَ أَيْضًا صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ دَاخِلَهُ، وَشُرْبُهُ عَقِبَهُ؛ وَفِيهِ لَا دَلْكُ غَيْرِهِ لِمُبَاحٍ مِنْ بَدَنِهِ.
قَوْلُهُ: (لِلِاعْتِكَافِ) وَإِنْ تَكَرَّرَ لَكِنْ إنْ طَالَ زَمَنُهُ عُرْفًا وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِهِ بِإِرَادَتِهِ أَوْ بَعْدَ نِيَّتِهِ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (بِمَنْ يَحْضُرُ الْجَمَاعَةَ) أَيْ جَمَاعَةَ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ إنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. أَمَّا الْغُسْلُ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَغَيْرُ مُسْتَحَبٍّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله لِشِدَّةِ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِيهِ اهـ م ر.
قَوْلُهُ: (وَلِدُخُولِ الْحَرَمِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ وَحَرَمِ الْمَدِينَةِ، وَحَرَمُ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْسَعُ مِنْ بَلْدَتِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَفِي ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ وَلِدُخُولِهِ الْمَدِينَةَ أَيْ لَا لِدُخُولِ حَرَمِهَا، فَاعْتَمَدَ عَدَمَ النَّدْبِ لِدُخُولِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ فَلْيُحَرَّرْ، وَفِيهِ عَلَى الشَّرْحِ قَوْلُهُ وَلِدُخُولِ الْمَدِينَةِ بَعْدَ دُخُولِهَا كَمَا فِي الْحَرَمِ، وَقِيلَ عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِهَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلِحَلْقِ الْعَانَةِ) وَكَذَا حَلْقُ الرَّأْسِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ق ل. وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَلِإِزَالَةِ الْعَانَةِ لِيَشْمَلَ إزَالَتَهَا بِغَيْرِ الْحَلْقِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ق ل. وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ: وَحَلْقُ الْعَانَةِ أَيْ إزَالَتُهَا، وَلَوْ بِغَيْرِ حَلْقٍ، وَالْأَفْضَلُ لِلذَّكَرِ الْحَلْقُ وَلِغَيْرِهِ النَّتْفُ، وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهِ، إنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ، وَالْحَلْقُ يُقَوِّيهَا وَعَكَسَ الْمَالِكِيَّةُ. وَقَالُوا: لِأَنَّ نَتْفَهَا يُرْخِي الْفَرْجَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْهُمْ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا هِيَ فَتَنْتِفُ وَغَيْرُهَا فَتَحْلِقُ، وَالْعَانَةُ اسْمٌ لِلشَّعْرِ الَّذِي فَوْقَ الذَّكَرِ وَحَوْلَهُ وَحَوْلَ قُبُلِ الْأُنْثَى وَالْغَالِبُ نَبَاتُهَا قَبْلَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً رَحْمَانِيٌّ، وَيُسَنُّ الْغُسْلُ لِلْمُعْتَدَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ كَمَا فِي التَّنْقِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَلِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ) اُنْظُرْ وَجْهَهُ، وَلَعَلَّهُ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ بِالْإِنْزَالِ قَبْلُ، وَالْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلصَّبِيَّةِ كَمَا قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ مِنْ أَسْرَارِ اللُّغَةِ، وَأَنَّ بُلُوغَهُ بِالِاحْتِلَامِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلَانِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ سَيْلَانِ الْوَادِي) أَيْ مِنْ الْمَطَرِ، وَكَذَا مِنْ النِّيلِ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ كُلَّ يَوْمٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَجَامِعِ الْخَيْرِ) أَوْ مُبَاحٌ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْإِيعَابِ. قَالَ: لِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى مَعْصِيَةٍ لَا حُرْمَةَ لَهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْعَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، فَيَخْرُجُ مَا إذَا كَانَ طَاعَةً فِي نَفْسِهِ كَحُضُورِ نَحْوِ الشَّابَّةِ لِلْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْأَمْنِ، وَحَرَامٌ مَعَ عَدَمِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الزَّوْجِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِخَارِجٍ فَيُطْلَبُ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الِاجْتِمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ الْغَيْرِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْرُبُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْحُضُورِ فَلَا تُؤْمَرُ بِمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْحُضُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.