الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُسَنُّ مِنْ حَمْلِ مَيِّتٍ وَمَسِّهِ، وَمِنْ فَصْدٍ وَحَجْمٍ وَقَيْءٍ، وَأَكْلِ لَحْمِ جَزُورٍ وَقَهْقَهَةِ مُصَلٍّ، وَمِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ بَدَنَ الْخُنْثَى أَوْ أَحَدَ قُبُلَيْهِ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَكُلِّ كَلِمَةٍ قَبِيحَةٍ، وَلِمَنْ قَصَّ شَارِبَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَلِخُطْبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ، وَلَا يُنْدَبُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَصَوْمٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ وَخُرُوجٍ لِسَفَرِ وَلِقَاءِ قَادِمٍ وَزِيَارَةِ وَالِدٍ وَصَدِيقٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَلَا لِدُخُولِ سُوقٍ، وَلَا لِدُخُولٍ عَلَى نَحْوِ أَمِيرٍ.
فَصْلٌ: فِي الِاسْتِنْجَاءِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» . اهـ. وَقَوْلُهُ:(يَعْقِدُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ، وَالشَّيْطَانُ أَيْ إبْلِيسُ أَوْ أَحَدُ أَعْوَانِهِ. وَقَوْلُهُ: قَافِيَةِ هُوَ مُؤْخِرُ الْعُنُقِ وَهُوَ الْقَفَا، وَقَوْلُهُ: إذَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَعْقِدُ، وَقَوْلُهُ: يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ أَيْ لِحَجْبِ الْحِسِّ وَالْإِدْرَاكِ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ أَيْ وَقَوْلُهُ: مَكَانَهَا بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي مَكَانِهَا أَيْ الْقَافِيَةِ، وَقَوْلُهُ: عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ أَيْ قَائِلًا بَاقٍ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَلَيْلٌ: مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ، وَبَاقٍ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ أَوْ عَلَيْك إغْرَاءٌ وَالتَّقْدِيرُ عَلَيْك بِالنَّوْمِ، وَقَوْلُهُ: لَيْلٌ طَوِيلٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ أَمَامَك لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَالْكَلَامُ جُمْلَتَانِ وَالْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأُولَى، فَلَوْ نَامَ مُتَمَكِّنًا ثُمَّ انْتَبَهَ فَصَلَّى وَلَمْ يَذْكُرْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْوُضُوءِ وَالذِّكْرِ. وَقَوْلُهُ: فَيُصْبِحُ نَشِيطًا أَيْ لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَظَائِفِ الطَّاعَةِ خَالِصًا مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ. اهـ. ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْبُخَارِيِّ إلَى هُنَا، وَفِي الْحَدِيثِ:«مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إلَّا وَلَهُ شَيْطَانٌ. قَالُوا: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَأَنَا إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُ إلَّا بِالْخَيْرِ» . وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلْت عَلَى آدَمَ بِخَصْلَتَيْنِ. كَانَ شَيْطَانِي كَافِرًا فَأَعَانَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ، وَكُنَّ أَزْوَاجِي عَوْنًا لِي وَكَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَزَوْجَتُهُ عَوْنًا عَلَى خَطِيئَتِهِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُنَاوِلُهُ مِنْ الشَّجَرَةِ» . فَهَذَا صَرِيحٌ فِي إسْلَامِ قَرِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُخْتَصًّا بِإِسْلَامِ قَرِينِهِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ. وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ إرَادَةِ الْجُنُبِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ. وَقَالَ: «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا فَإِنَّهُ أَنْشَطُ فِي الْعَوْدِ» .
قَوْلُهُ: (مِنْ حَمْلِ مَيِّتٍ) أَيْ مِنْ إرَادَةِ حَمْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ) أَيْ إذَا مَسَّ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مَا لَهُ. أَمَّا إذَا مَسَّ مِثْلَ مَا لَهُ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَالْأَصَابِعِ وَلَا مَانِعَ هُنَاكَ مِنْ نَحْوِ مَحْرَمِيَّةٍ وَنَحْوِهَا فَيُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فَقَدْ مَسَّ فَرْجَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِلَمْسِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَاسُّ مُشْكِلًا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ إلَّا بِلَمْسِ الْقُبُلَيْنِ إمَّا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ يُسَنُّ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ خِلَافٌ أَنَّهُ يُنْقَضُ كَمَسِّ الْمَيِّتِ أَيْ إذَا كَانَ الْمَاسُّ ذَكَرًا وَالْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَالْمَيِّتُ أُنْثَى وَمَسُّ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ وَالْمُنْفَتِحِ فَوْقَ الْمَعِدَةِ وَفَرْجِ الْبَهِيمَةِ، وَكَالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَالْقَيْءِ وَرَفْعِ اللُّصُوقِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الِانْدِمَالِ، فَرَآهُ لَمْ يَنْدَمِلْ، وَالرِّدَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الْغَضَبِ) وَلَوْ لِلَّهِ لِخَبَرِ: «إنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ» . اهـ. قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْغَضَبُ ثَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ عِنْدَ إرَادَةِ الِانْتِقَامِ وَسَبَبُهُ هُجُومُ مَا تَكْرَهُ النَّفْسُ مِمَّنْ هُوَ دُونَهَا أَوْ مِثْلُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ) أَيْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: (لَا اللُّغَوِيُّ) الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يُنْدَبُ لِلُبْسِ ثَوْبٍ) جُمْلَةُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا.
[فَصْلٌ فِي الِاسْتِنْجَاءِ]
ِ أَيْ: وَآدَابِ قَاضِي الْحَاجَةِ وَلَا يُعَدُّ خَلَلًا لِأَنَّهُ تَرْجَمَ لِشَيْءٍ وَزَادَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م د، وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَتْ التَّرْجَمَةُ وَالزِّيَادَةُ لِوَاحِدٍ، وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ التَّرْجَمَةُ لِلشَّارِحِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُصَنِّفِ وَهِيَ الْآدَابُ. فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: شُرِعَ الِاسْتِنْجَاءُ لِوَطْءِ الْحَوَرِ الْعَيْنِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ لِلْأَكْلِ مِنْ
وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْوُضُوءِ إعْلَامًا بِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَارْتِفَاعُهُ يَحْصُلُ مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: عَدَمُ صِحَّةِ وُضُوءِ دَائِمِ الْحَدَثِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ، لِكَوْنِهِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ فَكَانَ أَقْوَى مِنْ التُّرَابِ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ أَصْلًا. (وَالِاسْتِنْجَاءُ) اسْتِفْعَالٌ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ وَهُوَ الْخَلَاصُ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت الشَّجَرَةَ وَأَنْجَيْتهَا إذَا قَطَعْتهَا لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ بِهِ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يُتَرْجَمُ هَذَا الْفَصْلُ بِالِاسْتِطَابَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاسْتِطَابَةَ طَلَبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَوَائِدِ الْجَنَّةِ، وَالْمَضْمَضَةُ لِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالِاسْتِنْشَاقُ لِرَوَائِحِ الْجَنَّةِ، وَغَسْلُ الْوَجْهِ لِلنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ لِلْأَسَاوِرِ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ لِلتَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ وَهُوَ شَيْءٌ يُوضَعُ فَوْقَ الْعِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّاجُ، وَالْإِكْلِيلُ كَالشَّالِ. وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ لِسَمَاعِ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ لِلْمَشْيِ فِي الْجَنَّةِ. اهـ. . وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْآدَابِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، إلَّا تَرْكَ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي غَيْرِ مُعَدٍّ بِدُونِ السَّاتِرِ فَوَاجِبَانِ. وَكَذَا الِاسْتِنْجَاءُ بِشُرُوطِهِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِنَا كَمَا فِي سم. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحَجَرِ وَيُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ طب أَنَّ الْخُصُوصِيَّةَ بِالْحَجَرِ لَا بِالْمَاءِ. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: إنَّهُ بِالْمَاءِ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالْحَجَرِ مِنْ خُصُوصِيَّتِنَا، وَمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْأَعْرَابَ كَانَتْ تَسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ كَانَ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ، بَلْ كَانَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَنْهُ، وَشُرِعَ مَعَ الْوُضُوءِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ.
وَقِيلَ: أَوَّلُ الْمَبْعَثِ وَهُوَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ كَمَا يَأْتِي، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِأَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهِ مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِي غَيْرِهِ مِنْ الرُّخَصِ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ) أَيْ فَلِذَلِكَ عَقَدَ لَهُ فَصْلًا. وَقَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ، فَلَيْسَ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ مِنْهَا أَيْ فِي قَوْلِهِ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ إزَالَتَهُ لَيْسَتْ عَلَى طَرِيقِ إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْجَامِدُ فَهُوَ مُسَلَّمٌ. وَأَرْكَانُ الِاسْتِنْجَاءِ أَرْبَعَةٌ: مُسْتَنْجٍ وَمُسْتَنْجًى بِهِ وَمُسْتَنْجًى مِنْهُ وَمُسْتَنْجًى فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَخَّرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) وَمَنْ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ كَالْمِنْهَاجِ نَظَرَ إلَى تَعْيِينِ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (مَعَ قِيَامِ الْمَانِعِ) أَيْ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ النَّجَاسَةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ مُبِيحٌ وَلَا تَحْصُلُ الْإِبَاحَةُ مَعَ الْمَانِعِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الظَّاهِرُ) مُعْتَمَدٌ. وَمَا فِي حَاشِيَةِ اج غَلَطٌ، تَبِعَ فِي ق ل وَعِبَارَةُ اج قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اعْتَمَدَ م ر وَأَتْبَاعُهُ وَخِلَافَهُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ. اهـ. ق ل، وَهَذَا وَاَلَّذِي فِي كَلَامِ م ر أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِي حَقِّهِ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى وُضُوئِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (فَكَانَ أَقْوَى) هُوَ مِنْ تَتْمِيمِ التَّعْلِيلِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ وَلَا عَنْ وُضُوءِ الضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالِاسْتِنْجَاءُ اسْتِفْعَالٌ) أَيْ عَلَى وَزْنِهِ قَوْلُهُ مِنْ طَلَبِ النَّجَاءِ يَقْتَضِي أَنَّ السِّينَ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا زَائِدَتَيْنِ وَأَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَجَوْت أَيْ مِنْ مَصْدَرِهِ وَهُوَ النَّجْوُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ وَهُوَ طَلَبُ النَّجَاءِ بِالْمَدِّ أَيْ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَضَارِّ دُنْيَا وَأُخْرَى وَقَدْ يُقْصَرُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ وَهَذَا مَعْنَاهُ لُغَةً وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ إزَالَةُ الْخَارِجِ مِنْ الْفَرْجِ عَنْ الْفَرْجِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ بِشَرْطِهِ الْآتِي وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ أَنَّ أَحَدَ النَّوْعَيْنِ مُجْزِئٌ وَحْدَهُ وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ الْآخَرِ وَلَيْسَتْ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْجَمْعَ جَائِزٌ.
قَوْلُهُ: (إذَا قَطَعْتَهَا) بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ فِي الْمُفَسَّرِ بِإِذَا دُونَ الْمُفَسَّرِ بِأَيِّ فَإِنَّهُ بِضَمِّ التَّاءُ قَالَ فِي الْمُغْنِي:
إذَا كَنَيْتَ بِأَيٍّ فِعْلًا تُفَسِّرُهُ
…
فَضُمَّ تَاءَك فِيهِ ضَمَّ مُعْتَرِفِ
وَإِنْ تَكُنْ بِإِذَا يَوْمًا تُفَسِّرُهُ
…
فَفَتْحَةُ التَّاءِ فِيهِ غَيْرُ مُخْتَلِفِ
الطِّيبِ فَكَأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُ طِيبَ نَفْسِهِ بِإِخْرَاجِ الْأَذَى وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاسْتِجْمَارِ مِنْ الْجِمَارِ وَهُوَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَتُطْلَقُ الثَّلَاثَةُ عَلَى إزَالَةِ مَا عَلَى الْمَنْفَذِ لَكِنْ الْأَوَّلَانِ يَعُمَّانِ الْحَجَرَ وَالْمَاءَ وَالثَّالِثُ يَخْتَصُّ بِالْحَجَرِ.
(وَاجِبٌ) مِنْ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَغَيْرِهِمَا، مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَوَدْيٍ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ لَا عَلَى الْفَوْرِ بَلْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ عَلَى فَتْحِ اللَّامِ وَعَلَى كَسْرِهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْفَتْحَةَ لَا تَخْتَلِفُ. وَمَحَلُّ فَتْحِ التَّاءِ بَعْدَ إذْ إنْ كَانَ الْعَامِلُ فِيهَا الْمُقَدَّرَ يَقُولُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ أَقُولُ فَتَضُمُّ التَّاءُ، لَكِنَّ الْمَشْهُورَ تَقْدِيرُ تَقُولُ قَبْلَ إذَا، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَشِّي بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ يَقْطَعُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَغَيْرِهِ فَكَانَ إلَخْ. لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي ذِي الْأَجْزَاءِ الَّتِي فِيهَا شِدَّةُ اتِّصَالٍ فَمَا هُنَا شَبِيهٌ بِالْقَطْعِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (فَكَأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُ إلَخْ) لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِكَأَنَّ؛ لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ قَدْ لَا يُلَاحِظُ بِإِخْرَاجِ الْأَذَى طِيبَ نَفْسِهِ، أَوْ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ مِنْ الْعِطْرِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، وَقَاضِي الْحَاجَةِ لَا يَطْلُبُ طِيبَ نَفْسِهِ بِالْعِطْرِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الِاسْتِطَابَةُ الِاسْتِنْجَاءُ. يُقَالُ اسْتَطَابَ وَأَطَابَ إطَابَةً؛ لِأَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ تُطَيَّبُ نَفْسُهُ بِإِزَالَةِ الْخُبْثِ عَنْ الْمَخْرَجِ.
قَوْلُهُ: (وَتُطْلَقُ الثَّلَاثَةُ) وَهِيَ الِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِجْمَارُ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَاجِبٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَالِاسْتِنْجَاءُ أَيْ الْفِعْلُ وَهُوَ الْإِزَالَةُ فَغَيَّرَهُ الشَّارِحُ وَجَعَلَ قَوْلَهُ اسْتِفْعَالٌ خَبَرًا لَهُ فَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ لِقَوْلِهِ وَاجِبٍ وَمُبْتَدَأٌ بِأَنْ يُقَالَ وَهُوَ وَاجِبٌ، وَيَصِحُّ إبْقَاءُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ وَيُقَدَّرُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ اسْتِفْعَالٌ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ أَيْ: وَالِاسْتِنْجَاءُ وَوَزْنُهُ اسْتِفْعَالٌ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ لِطَهَارَةِ فَضَلَاتِهِمْ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ تَنْبِيهٌ: فَضَلَاتُ الْأَنْبِيَاءِ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَاسْتِنْجَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا مُبَالَغَةٌ فِي الطَّهَارَةِ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْهَا لِقَذَارَتِهَا وَتَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ: الْأَوَّلُ: الْوُجُوبُ وَهُوَ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ. الثَّانِي: الِاسْتِحْبَابُ وَهُوَ مِنْ دُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ. الثَّالِثُ: الْكَرَاهَةُ وَهُوَ مِنْ الرِّيحِ. الرَّابِعُ: الْحَرَامُ وَهُوَ بِالْمَطْعُومِ الْمُحْتَرَمِ. الْخَامِسُ: الْإِبَاحَةُ وَهُوَ الْأَصْلُ، وَتَوَقَّفَ ع ش فِي كَوْنِ الْأَصْلِ فِيهِ الْإِبَاحَةَ، وَقَالَ: وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَمَا صُورَتُهُ، إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مُبَاحٌ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَوُجُوبُهُ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ عِنْدَ إرَادَةِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ خَوْفِ الِانْتِشَارِ أَيْ انْتِشَارِ النَّجَاسَةِ. أَيْ وَإِنْ كَانَ يُجْزِئُ فِيهِ الْجَامِدُ؛ لِأَنَّ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّضَمُّخِ الَّذِي هُوَ اسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ فِي بَدَنِهِ فَغَيْرُ عُذْرٍ إلَّا أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِهِ كَمَا فِي ح ل. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ فَوْرًا عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَمْ يُرِدْ فِعْلَهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا بِسَعَةِ الْوَقْتِ وَمُضَيَّقًا بِضِيقِهِ كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ، وَلَوْ اقْتَضَى الْحَالُ تَأْخِيرَ الِاسْتِنْجَاءِ فَخَفَّفَ بَوْلَهُ فِي يَدِهِ حَتَّى لَا يُصِيبَهُ جَازَ اهـ. م ر سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَجِدَ مَا يُجَفِّفُ بِهِ الْمَحَلَّ أَوْ لَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ) وَإِنْ كَانَ قَذَرًا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ صِغَارِ الْخَزَفِ الْمُزِيلَةِ ح ف. وَصَرَّحَ بِهِ الزِّيَادِيُّ.
وَقَوْلُهُ: (مُلَوَّثٍ) أَيْ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ وَلَوْ قَلِيلًا يُعْفَى عَنْهُ بَعْدَ الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ، وَإِنْ لَمْ يُزِلْ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ يُقَالُ مَا فَائِدَتُهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَظِيرُهُ إمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ اهـ. رَحْمَانِيٌّ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْمُلَوَّثِ الْمَنِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَادِرًا) الْغَايَةُ تَقْتَضِي أَنَّ النَّادِرَ فِيهِ خِلَافٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ هَلْ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ أَمْ لَا؟ . نَعَمْ يَكْفِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ ع ش، فَالْغَايَةُ لِلرَّدِّ بِالنَّظَرِ لِلْحَجَرِ وَلِلتَّعْمِيمِ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (إزَالَةً) قِيلَ إنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْفَاعِلَ لَمْ يَتَّحِدْ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ الْإِزَالَةِ الشَّخْصُ، وَفَاعِلَ الْوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَاعِلُ اتَّحَدَ بِالْمَعْنَى وَالتَّأْوِيلِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيَسْتَنْجِي الشَّخْصُ وُجُوبًا إزَالَةً أَوْ يُقَالُ إنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الِاتِّحَادَ فِي الْفَاعِلِ. وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إزَالَةٌ أَيْضًا فَكَأَنَّهُ قَالَ تَجِبُ الْإِزَالَةُ لِأَجْلِ الْإِزَالَةِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيلِ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إزَالَةٌ خَاصَّةٌ. وَقَوْلُهُ: إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ عَامٌّ لِكُلِّ نَجَاسَةٍ. وَأَجَابَ ح ف: بِأَنَا نُجَرِّدُ الِاسْتِنْجَاءَ عَنْ مَعْنَى إزَالَةِ
عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا. (ثُمَّ يَتْبَعُهَا بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ بِالْحَجَرِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَالْأَثَرُ يَزُولُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مُخَامَرَةِ النَّجَاسَةِ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ، وَأَنَّهُ يُكْتَفَى بِدُونِ الثَّلَاثَ مَعَ الْإِنْقَاءِ، وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْجِيلِيُّ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الثَّانِي: الْمَعْنَى وَسِيَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلَّانِ عَلَيْهِ. انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا يَحْصُلَ أَصْلُ فَضِيلَةِ الْجَمْعِ، وَأَمَّا كَمَالُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَقِيَّةِ شُرُوطِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ أَفَضِيلَةَ الْجَمْعِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَبِهِ صَرَّحَ سُلَيْمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ جَزَمَ الْقَفَّالُ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْغَائِطِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَشَمَلَ إطْلَاقَهُ حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَالِعًا وَحِجَارَةُ الْحَرَمِ، فَيَحُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(وَيَحُوزُ) لَهُ (أَنْ يَقْتَصِرَ) فِيهِ (عَلَى الْمَاءِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (أَوْ) يَقْتَصِرُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
النَّجَاسَةِ أَيْ أَنَّهُ بِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ الْحَجَرِ فِي مَحَلِّ الْخَارِجِ. وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ فَفِيهِ أَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَا يَشْمَلُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ مُخَفَّفٌ كَمَا يَأْتِي، فَلَعَلَّ فِيهِ حَذْفًا، وَالتَّقْدِيرُ إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفًا لَهَا أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنَى إزَالَةً لَعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَثَرِهَا أَوْ لِعَيْنِهَا فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ إذَا لَزِمَ تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ عِنْدَ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ أَوْ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِمَكَانٍ لَا مَاءَ فِيهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ دَخَلَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ فَوْرًا الِاسْتِجْمَارُ قَبْلَ الْجَفَافِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَجَرِ الشَّرْعِيِّ حَقِيقَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ عِنْدَهُمْ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَجَرِ حَقِيقَتَهُ الْأَصْلِيَّةَ ق ل.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَتْبَعُهَا) ثُمَّ هُنَا لِمُجَرَّدِ التَّرْتِيبِ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمُهْلَةِ ع ش. قَوْلُهُ: (بِالْمَاءِ) وَلَوْ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَيُجْزِئُ إجْمَاعًا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَمَشَى فِي الْعُبَابِ عَلَى التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِجْزَاءِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، وَيُشَنِّعُونَ التَّشْنِيعَ الْبَلِيغَ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَمَقْصُودُهُمْ بِهَذَا مَزِيدُ تَعْظِيمِهَا، وَيُلْحَقُ بِهِ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَاءُ الْكَوْثَرِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَقَضِيَّةُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ بَلْ قَدْ يَجِبُ بِالنَّجَسِ إنْ لَمْ يَكْفِهِ الْمَاءُ إلَّا مَعَهُ اهـ ق ل.
قَوْلُهُ: (الْمَعْنَى) أَيْ الْعِلَّةُ يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَزُولُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِهَذَا) أَيْ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِدُونِ الثَّلَاثِ، وَاسْمُ أَنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَبِهَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ.
قَوْلُهُ: (حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) خَرَجَ بِالْحِجَارَةِ الْمَطْبُوعُ أَوْ الْمُهَيَّأُ مِنْهُمَا لِلِاسْتِنْجَاءِ فَيَحْرُمُ وَيُجْزِئُ، وَشَمِلَ غَيْرُ الْمُهَيَّأِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَضْرُوبَةَ، فَإِنَّهَا لَمْ تُطْبَعْ لِلِاسْتِنْجَاءِ بَلْ لِلتَّعَامُلِ بِهَا، فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَحِجَارَةَ الْحَرَمِ) وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا. وَالْمُرَادُ بِالْحَرَمِ غَيْرُ الْمَسْجِدِ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِأَحْجَارِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ مَعَ الْبُطْلَانِ مَا لَمْ تُبَعْ وَيْحُكُمْ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا حَاكِمٌ، وَإِلَّا أَجْزَأَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا. نَعَمْ يُكْرَهُ مِنْ حِجَارَةِ أَرْضٍ مَغْضُوبٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْمَاءِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي الْقَذَرِ. اهـ. ق ل. وَاسْتَظْهَرَ الشَّوْبَرِيُّ الْكَرَاهَةَ فِي حِجَارَةِ الْحَرَمِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا. وَفِي سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ وَفِي إجْزَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ نَظَرٌ. اهـ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ عَدَمُ إجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلْحَرَمِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ بِوَجْهٍ وَلَهُ شَرَفٌ لَا يَثْبُتُ فِي غَيْرِهِ، بَلْ احْتِرَامُهُ أَقْوَى مِنْ احْتِرَامِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَالِحٍ مِنْ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَقَلَ عَنْ ز ي بِالدَّرْسِ مَا يُوَافِقُهُ. اهـ. وَيُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِفَضَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ غَيْرِ بَوْلِهِ، أَمَّا هُوَ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَلَا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ مَاءٌ مُطْلَقٌ بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ طَهَارَتِهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَقْتَصِرَ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءُ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَالثَّانِيَ لِلْوُجُوبِ،
لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَوَّزَهُ بِهَا حَيْثُ فَعَلَهُ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَمَرَ بِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ:«وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ.
وَيَجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا: ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ بِأَنْ يَعُمَّ بِكُلِّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ وَلَوْ كَانَتْ بِأَطْرَافِ حَجَرٍ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «عَنْ سَلْمَانَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» وَفِي مَعْنَاهَا ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ حَجَرٍ، بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ، فَلَا يَكْفِي حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَطْرَافِ عَنْ ثَلَاثِ رَمَيَاتٍ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ عَدَدُ الرَّمْيِ، وَهَاهُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ، وَلَوْ غَسَلَ الْحَجَرَ وَجَفَّ جَازَ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ ثَانِيًا كَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ. ثَانِيهِمَا: نَقَاءُ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَ: (يُنَقِّي بِهِنَّ) أَيْ بِالْأَحْجَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا (الْمَحَلَّ) فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ بِالثَّلَاثِ وَجَبَ الْإِنْقَاءُ بِرَابِعٍ فَأَكْثَرَ إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ أَوْ صِغَارُ الْخَزَفِ. وَسُنَّ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ يُوتِرُ الْإِيتَارَ بِوَاحِدَةٍ كَأَنْ حَصَلَ بِرَابِعَةٍ فَيَأْتِي بِخَامِسَةٍ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ وِتْرًا» وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَهِيَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالثَّالِثَ لِعَدَمِ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْ الثَّلَاثِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ ق ل. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: إنَّمَا جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ فِعْلَهُ دَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لَا أَنَّهُ جَوَّزَهُ بِالْقَوْلِ. وَقَوْلُهُ: (وَأَمَرَ بِهِ) إلَخْ. أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَنَا وَلَهُ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارِ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَلِذَا أَتَى بِالثَّالِثِ.
قَوْلُهُ: (جَوَّزَهُ) أَيْ شَرَعَهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (حَيْثُ فَعَلَهُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ.
قَوْلُهُ: (بِقَوْلِهِ) الْبَاء بِمَعْنَى فِي، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَمْرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنَى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ. وَفِي شَرْحِ السَّعْدِ عَلَى الْبُرْدَةِ تَخْصِيصُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَصِحَّ إبْدَالُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنْ صَحَّ فَلَا امْتِنَاعَ كَمَا هُنَا، فَيَصِحُّ التَّرْكِيبُ وَلَوْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى فِي، أَوْ يُقَالُ إنَّ الْأَوَّلَ تَعَلَّقَ بِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ وَالثَّانِي وَهُوَ مُقَيَّدٌ.
قَوْلُهُ: (أَمْرَانِ) عَدَّ فِي الْمَنْهَجِ قَوْلَهُ بِأَنْ يَعُمَّ شَرْطًا فَتَكُونُ الشُّرُوطُ ثَلَاثَةً.
قَوْلُهُ: (بِأَطْرَافِ حَجَرٍ) فَإِنْ لَمْ يَتَلَوَّثُ فِي الثَّانِيَةِ فَتَجُوزُ هِيَ وَالثَّالِثَةُ بِطَرَفٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَفَّفَ النَّجَاسَةَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الِاسْتِعْمَالُ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَلِكَوْنِ التُّرَابِ بَدَلَهُ أُعْطِيَ حُكْمَهُ حَجّ. قَوْلُهُ: (عَنْ سَلْمَانَ) أَيْ الْفَارِسِيِّ، قِيلَ لَهُ مَنْ أَبُوك يَا سَلْمَانَ؟ فَقَالَ أَبِي الْإِسْلَامُ. وَفِي الْحَدِيثِ:«إنَّ الْجَنَّةَ لَتَشْتَاقُ إلَى سَلْمَانَ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِ: «سَلْمَانُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ» .
قَوْلُهُ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) وَصِيغَةُ النَّهْيِ لَا يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ. اهـ.
قَوْلُهُ: (يُنَقِّي بِهِنَّ الْمَحَلَّ) فَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ هَلْ مَسَحَ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ أَوْ لَا لَمْ يَضُرَّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي ع ش. وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ: يَضُرُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، قَالَ شَيْخُنَا ح ف: مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الرُّخْصَةِ قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَخْ. فَإِذَا شَكَّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ هَلْ هَذَا الْحَجَرُ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ لَا؟ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الرُّخْصَةُ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ فَوَافَقَ مَا قَالَهُ ح ف. وَلَا يُخَالِفُ كَلَامَ ع ش.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِالْأَحْجَارِ) خَصَّ الْحَجَرَ بِذِكْرِ الْإِنْقَاءِ مَعَهُ لِكَوْنِ الْإِنْقَاءِ بِالْمَاءِ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ ع ش.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يُنَقِّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ الشَّخْصُ وَيَصِحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَالْقَافِ أَيْ الْمَحَلِّ.
قَوْلُهُ: (إلَى أَنْ لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ) أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَةُ هَذَا الْأَثَرِ بِصِغَارِ الْخَزَفِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَبَقَاءُ مَا لَا يُزِيلُهُ إلَّا صِغَارُ الْخَزَفِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَلَوْ خَرَجَ هَذَا الْقَدْرُ ابْتِدَاءً وَجَبَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ، وَفَرْقٌ مَا بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِصِغَارِ الْخَزَفِ الْمُزِيلَةِ بَلْ يَكْفِي إمْرَارُ الْحَجَرِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَوَّثْ كَمَا اكْتَفَى بِهِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَلَوَّثْ فِي الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ ح ل وع ش عَلَى م ر.
فَإِنْ قُلْت: إنَّ فِي الْعِبَارَةِ طُولًا وَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَخْ؟ . أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْإِطْفِيحِيُّ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ الْبَابِلِيِّ: بِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَتَوَهَّمَ أَنَّ بَقَاءَ هَذَا الْأَثَرِ مَطْلُوبٌ فَتَأَمَّلْ. .
وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ الْوَارِدِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ لِحُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ كَالْحَجَرِ فَخَرَجَ بِالْجَامِدِ الْمَائِعُ غَيْرُ الْمَاءِ الطَّهُورِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ، وَبِالطَّاهِرِ النَّجَسُ كَالْبَعْرِ وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَبِالْقَالِعِ نَحْوُ الزُّجَاجِ وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ كَمَعْطُومِ آدَمِيٍّ كَالْخُبْزِ أَوْ جِنِّيٍّ كَالْعَظْمِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ: إنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ» أَيْ مِنْ الْجِنِّ، فَمَطْعُومُ الْآدَمِيِّ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. وَأَمَّا مَطْعُومُ الْبَهَائِمِ كَالْحَشِيشِ، فَيَجُوزُ وَالْمَطْعُومُ لَهَا وَلِلْآدَمِيِّ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَغْلَبُ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا فِيهِ. وَالْأَصَحُّ وَالثُّبُوتُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَإِنَّمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) أَيْ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ جَامِدٍ) أَيْ خَالٍ عَنْ الرُّطُوبَةِ. وَقَوْلُهُ: (قَالِعٍ) وَلَوْ بِالْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِهِنَّ دُونَهُمْ، فَيُبَاحُ لِلرِّجَالِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ امْتِهَانٍ، وَكَذَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مَغْصُوبٍ كَنَظِيرِهِ فِي الْمَاءِ وَالْخُفِّ، وَمِثْلُهُ الْمَوْقُوفُ وَجِدَارُ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ كَمَا فِي الشَّوْبَرِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَبِالطَّاهِرِ النَّجِسِ) ، وَإِنَّمَا جَازَ الدَّبْغُ بِنَجَسٍ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الزَّكَاةِ الْجَائِزَةِ بِمُدْيَةٍ نَجِسَةٍ بِخِلَافِ الْحَجَرِ. اهـ شَرْحُ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَنَجِّسُ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ خَرَجَ بِالْجَامِدِ، وَبِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْقَلِيلِ، إذْ الْكَثِيرُ الْمُتَنَجِّسُ مِثْلُهُ قَالَهُ شَيْخُنَا م د وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، قَوْلُهُ: كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، فَغَرَضُهُ الْقِيَاسُ لَا التَّمْثِيلُ فَانْدَفَعَ مَا لِلْمُحَشِّي. قَوْلُهُ:(وَبِالْقَالِعِ نَحْوَ الزُّجَاجِ) مِمَّا لَا يُقْلَعُ لِمَلَاسَتِهِ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، أَوْ رَخَاوَتِهِ كَالْفَحْمِ الرَّخْوِ، أَوْ تَنَاثُرِ أَجْزَائِهِ كَالتُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ. قَوْلُهُ:(وَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ) مِنْ الْمُلَامَسَةِ وَهِيَ النُّعُومَةُ أَيْ الْبُوصُ النَّاعِمُ، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ ذِي أَنَابِيبَ أَيْ عُقَدٍ فَيَشْمَلُ الْبُوصَ وَالذُّرَةَ وَالْخَيْزُرَانَ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمَحَلُّ عَدَمِ إجْزَائِهِ فِي غَيْرِ جُذُورِهِ، وَفِيمَا لَمْ يَشُقَّ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ الْمُحْتَرَمُ) أَيْ فَيَحْرُمُ وَلَا يُجْزِئُ وَمِنْهُ جُزْءُ مَسْجِدٍ.
قَوْلُهُ: (كَالْخُبْزِ) إلَّا إذَا حُرِقَ فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْمَطْعُومِ بِحَرْقِهِ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَظْمِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَإِنْ حُرِقَ وَدَخَلَ فِي الْعَظْمِ السِّنُّ وَالظُّفُرُ وَالْقَرْنُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. قَالَ شَيْخُنَا: وَالتَّعْلِيلُ بِاكْتِسَاءِ اللَّحْمِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ لِيَشْمَلَ السِّنَّ وَغَيْرَهُ. قَالَ سم: وَيَجُوزُ حَرْقُ الْعَظْمِ بِخِلَافِ حَرْقِ الْخُبْزِ؛ لِأَنَّهُ ضَيَاعُ مَالٍ، وَيَجُوزُ إلْقَاءُ الْخُبْزَ أَوْ الْعَظْمَ لِلْكِلَابِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَنَجُّسُهُ؛ لِأَنَّ الرَّامِيَ لَمْ يَقْصِدْ تَنْجِيسَهُ، وَلَوْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ التَّنْجِيسِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، وَهَذَا لِحَاجَةٍ أَيِّ حَاجَةٍ وَهِيَ إزَالَةُ ضَرُورَةِ الْكِلَابِ، وَإِبْقَاءُ أَرْوَاحِهَا. وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْجَوَازِ إلْقَاءُ نَحْوَ قُشُورِ الْبِطِّيخِ لِلدَّوَابِّ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهَا، وَالْعَظْمُ لِلْهِرَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي يُرْمَى عَلَيْهَا نَجِسَةً اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ غَيْرُ مُذَكَّى، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِالْمُذَكَّى أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: إخْوَانُكُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ تَفْصِيلًا إلَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ بِاسْتِثْنَائِهِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (زَادُ إخْوَانِكُمْ) وَهَلْ نَفْسُ الْعَظْمِ وَهُوَ الْمَطْعُومُ لَهُمْ أَوْ يَعُودُ لَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيَأْكُلُونَهُ مَعَهُ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (أَيْ مِنْ الْجِنِّ) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الزَّادَ، فَقَالَ:«كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ أَوْفَرُ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» زَادَ ابْنُ سَلَّامٍ: «إنَّ الْبَعْرَ يَعُودُ خَضْرَاءَ أَوْ تِبْنًا لِدَوَابِّكُمْ» . وَكُفَّارُهُمْ يَأْكُلُونَ عَظْمَ الْمَيِّتَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْجِنَّ يَأْكُلُونَ، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ يَتَغَذَّوْنَ بِالشَّمِّ. وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ: أَنَّ خَوَاصَّ الْجِنِّ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يُشْرِبُونَ وَلَا يَتَنَاكَحُونَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ) فِي كَوْنِهِ مِنْ الرُّخَصِ نَظَرٌ، إذْ يُعْتَبَرُ فِيهَا تَغَيُّرُ الْحُكْمِ إلَى سُهُولَةِ لِأَجْلِ عُذْرٍ وَهُنَا لَا عُذْرَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، إذْ يَجُوزُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَا سُهُولَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ وُجُوبٍ إلَى وُجُوبٍ، وَمَيْلُ النَّفْسِ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَكْثَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِالرُّخْصَةِ مُطْلَقَ السُّهُولَةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا لُغَةً.
قَوْلُهُ: (كَالْحَشِيشِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ: الْحَشِيشُ مَا يَبِسَ مِنْ الْكَلَأِ، وَلَا يُقَالُ لِلرَّطْبِ حَشِيشٌ بَلْ كَلَأٌ.
قَوْلُهُ: (بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرِّبَا
جَازَ بِالْمَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَطْعُومٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ. وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ عِلْمٌ كَحَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ.
قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْعِلْمِ بِالْمُحْتَرَمِ سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْعِيًّا كَمَا مَرَّ أَمْ لَا. كَحِسَابٍ وَنَحْوٍ وَطِبٍّ وَعَرُوضٍ فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَمَنْطِقٍ مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا فَلَا، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ جَوَّزَهُ، وَجَوَّزَهُ الْقَاضِي بِوَرَقِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهُمَا. وَخَلَا عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوِهِ، وَأُلْحِقَ بِمَا بِهِ عِلْمٌ مُحْتَرَمٌ جِلْدُهُ الْمُتَّصِلُ بِهِ دُونَ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ، بِخِلَافِ جِلْد الْمُصْحَفِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مُطْلَقًا.
وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ؛ لَأَنْ يُجْزِئَ أَنْ لَا يَجِفَّ النَّجَسُ الْخَارِجُ، فَإِنْ جَفَّ تَعَيَّنَ الْمَاءُ نَعَمْ لَوْ بَالَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِيهِ) أَيْ وَعَدَمِهِ، فَالثُّبُوتُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمُهُ يَنْبَنِي عَلَيْهِ الْإِجْزَاءُ. قَوْلُهُ:(لِأَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ يَعْنِي بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ " الْكَثِيرِ أَوْ الْقَلِيلِ الْوَارِدِ.
قَوْلُهُ: (وَالْفَوَاكِهُ) عَطْفٌ خَاصٌّ. قَوْلُهُ: (فَفِيهَا تَفْصِيلٌ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ، فَيَجُوزُ بِهِ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا لَا رَطْبًا. وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا. وَهُوَ أَقْسَامٌ: أَحَدُهَا: مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ، فَلَا يَجُوزُ بِرَطْبِهِ وَلَا يَابِسِهِ. وَالثَّانِي: مَأْكُولٌ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بِنَوَاهُ الْمُنْفَصِلِ. وَالثَّالِثُ: مَا لَهُ قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ، فَلَا يَجُوزُ بِلُبِّهِ، وَأَمَّا قِشْرُهُ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ حَبُّهُ فِيهِ أَوْ لَا. فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ لَمْ يَجُزْ فِي الْحَالَيْنِ، فَإِنْ أُكِلَ رَطْبًا فَقَطْ كَالْجَوْزِ وَالْبَاقِلَّا جَازَ يَابِسًا لَا رَطْبًا.
قَوْلُهُ: (وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ إلَخْ) وَجُزْءُ آدَمِيٍّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ وَلَوْ مُنْفَصِلًا، وَجُزْءُ حَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ صُوفٍ وَشَعْرٍ مُتَّصِلًا، وَمِنْهُ شَعْرُ الْقُنْفُذِ فَيَجُوزُ بِهِ مُنْفَصِلًا مِنْ مُذَكَّى أَوْ حَيٍّ، وَإِلَّا فَلَا. هَكَذَا رَأَيْتُ التَّفْصِيلَ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ م د. وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ: التَّرَدُّدُ فِي شَعْرِ الْقُنْفُذِ هَلْ يُلْحَقُ بِالشَّعْرِ أَوْ الْعَظْمِ؟ . وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَا يُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِحَيَوَانٍ أَوْ جُزْئِهِ الْمُتَّصِلِ أَوْ الْمُنْفَصِلِ، نَعَمْ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَرْبِيِّ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَتَرْكِهَا، وَلَا بِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ أَوْ مَنْسُوخٌ لَمْ يُعْلَمْ تَبْدِيلُهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ عَالِمٍ مُسْتَبْحِرٍ مُطَالَعَةُ التَّوْرَاةِ إنْ عَلِمَ تَبْدِيلَهَا أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَمِنْ الْمُحْتَرَمِ أَيْضًا كُتُبُ عِلْمٍ مُحْتَرَمٍ كَمَنْطِقٍ وَطِبٍّ خَلَيَا مِنْ مَحْذُورٍ كَالْمَوْجُودِينَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِعُمُومِ نَفْعِهِمَا وَلَيْسَ لِلْمَحْرُوقِ احْتِرَامٌ لِذَاتِهِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ اهـ. ابْنُ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (اسْمٌ مُعَظَّمٌ) كَاسْمِ نَبِيٍّ كُتِبَ بِقَصْدِ اسْمِهِ، أَوْ أُطْلِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كُتِبَ بِقَصْدِ غَيْرِهِ، وَلَا يَلْحَقُ بِعَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ عَوَامُّ الْبَشَرِ، وَإِنْ كَانُوا أَفْضَلَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ عَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ مَعْصُومُونَ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهَا تَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَمَّا مَنْفَعَةُ الطِّبِّ فِيهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلطَّبِيبِ فِي الْأَمْرَاضِ إذَا أَخْبَرَ الْمَرِيضَ بِأَنَّ الْمَاءَ يَضُرُّهُ تَيَمَّمَ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْعَرُوضِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِشِعْرٍ؛ لِأَنَّ الشِّعْرَ كَلَامٌ مَوْزُونٌ مُقَفًّى عَنْ قَصْدٍ، وَمَا وُجِدَ مِنْ الْآيَاتِ مَوْزُونًا فَلَيْسَ مَقْصُودًا بِهِ الشِّعْرُ.
قَوْلُهُ: (مُشْتَمِلٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْفَلْسَفَةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا) أَيْ فَلَا يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ هَذَا التَّفْصِيلِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْفَصَلَ أَوْ لَا. وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ عَنْهُ أَمْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ. وَيُفَارِقُ الْمَسَّ حَيْثُ جُوِّزَ إنْ انْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُ لَهُ بِغِلَظِ الِاسْتِنْجَاءِ دُونَ الْمَسِّ. اهـ. وَعَلَى قِيَاسِهِ كِسْوَةُ الْكَعْبَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُصْحَفَ أَشَدُّ حُرْمَةً اهـ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَشَرْطُ الِاسْتِنْجَاءِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ خَمْسَةٌ وَتَرَكَ سَادِسًا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقَطِعُ الْخَارِجُ، وَحُكْمُهُ
ثَانِيًا بَعْدَ جَفَافِ بَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ. وَحُكْمُ الْغَائِطِ الْمَائِعِ كَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَاسْتَقَرَّ فِيهِ، وَأَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ نَجِسًا كَانَ أَوْ طَاهِرًا رَطْبًا وَلَوْ بِبَلَلِ الْحَجَرِ، أَمَّا الْجَافُّ الطَّاهِرُ فَلَا يُؤَثِّرُ فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ، نَعَمْ الْبَلَلُ بِعَرَقِ الْمَحَلِّ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ مِنْ فَرْجٍ مُعْتَادٍ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ، كَالْخَارِجِ بِالْفَصْدِ وَلَا فِي مُنْفَتِحٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مُنْسَدًّا؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا فِي بَوْلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ. نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ لَا تُشْبِهُ آلَةَ الرِّجَالِ وَلَا آلَةَ النِّسَاءِ أَجْزَأَ الْحَجَرُ فِيهَا، وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ تَيَقَّنَتْهُ دَخَلَ مَدْخَلَ الذَّكَرِ لِانْتِشَارِهِ عَنْ مَخْرَجِهِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْبَكَارَةَ تَمْنَعُ نُزُولَ الْبَوْلِ مَدْخَلَ الذَّكَرِ، وَلَا فِي بَوْلِ الْأَقْلَفِ إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى الْجِلْدَةِ، وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، وَفَائِدَتُهُ فِيمَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَجَزَتْ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ، ثُمَّ تَيَمَّمَتْ لِنَحْوِ مَرَضٍ فَإِنَّهَا تُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا، وَلَوْ نَدَرَ الْخَارِجُ كَالدَّمِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ أَوْ انْتَشَرَ فَوْقَ عَادَةِ النَّاسِ، وَقِيلَ عَادَةِ نَفْسِهِ. وَلَمْ يُجَاوِزْ فِي الْغَائِطِ صَفْحَتَهُ وَهِيَ مَا انْضَمَّ مِنْ الْأَلْيَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَفِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَاءُ وَالْمُتَّصِلُ بِمَا عَلَى الْمَنْفَذِ يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الشَّارِحَ ذَكَرَ لِلْحَجَرِ شُرُوطًا مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُهُ، وَهُمَا شَرْطَانِ تَقَدَّمَا فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَمْرَانِ إلَخْ. وَشُرُوطًا فِي الْمَحَلِّ مِنْ حَيْثُ الْخَارِجُ وَهِيَ مَا ذُكِرَ هَهُنَا، وَشُرُوطًا مِنْ حَيْثُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي فَرْجٍ مُعْتَادٍ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَهُ شُرُوطٌ فِي نَفْسِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جَامِدًا طَاهِرًا قَالِعًا غَيْرَ مُحْتَرَمٍ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَجِفَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا.
قَوْلُهُ: (النَّجِسُ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ الْخَارِجِ إذْ لَا يَكُونُ إلَّا نَجِسًا اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (نَعَمْ لَوْ بَالَ ثَانِيًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُصَوَّرَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الثَّانِي مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ، فَلَوْ بَالَ وَجَفَّ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ اهـ. ز ي. وَمِثْلُ الدَّمِ أَوْ قَيْحٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ. اهـ. ز ي. وَمِثْلُ الدَّمِ فِي ذَلِكَ الْوَدْيُ وَالْمَذْيُ، نَعَمْ يُغْتَفَرُ الْوَدْيُ وَالدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْبَوْلِ فَيَكْفِي الْحَجَرُ، وَنُقِلَ عَنْ تَقْرِيرِ الزِّيَادِيِّ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْوَدْيَ وَالْمَذْيَ كَالْبَوْلِ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ ع ش اهـ. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ م ر تَعَيَّنَ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ. اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَوَصَلَ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ) أَيْ، وَإِنْ زَادَ عَلَى مَحَلِّ الْأَوَّلِ اهـ اج. فَالشَّرْطُ عَدَمُ نُقْصَانِ الثَّانِي عَنْ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ) أَيْ مَعَ الِاتِّصَالِ، وَأَمَّا قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ فَلَا يَضُرُّ الِانْتِقَالُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الصَّفْحَةَ وَالْحَشَفَةَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. قَالَ ع ش عَلَى الْغَزِّيِّ: وَلَمْ يَذْكُرْ التَّقَطُّعَ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالِانْتِقَالِ مَا يَشْمَلُهُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الِانْتِقَالِ الِاسْتِقْرَارُ، ثُمَّ السَّيَلَانُ بِتَقَطُّعِ أَوَّلًا وَالتَّقَطُّعُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْخَارِجِ تَقَطُّعُ ابْتِدَاءٍ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَا يَطْرَأُ) الطُّرُوُّ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ مَوْجُودًا قَبْلُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (نَجِسًا كَانَ) أَيْ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَاهِرًا أَوْ رَطْبًا) هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْمَحَلِّ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ ثُمَّ قَضَى حَاجَتَهُ أَيْضًا قَبْلَ جَفَافِهِ، ثُمَّ أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ، فَلْيُتَأَمَّلْ سم عَلَى حَجّ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ تَعَيُّنَ الْمَاءِ إذْ لَمْ يَسْتَثْنُوا إلَّا الْعَرَقَ. اهـ اج. فَقَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي بِعَرَقِ الْمَحَلِّ قَيْدٌ.
قَوْلُهُ: (مُعْتَادٌ) لَوْ قَالَ أَصْلِيٌّ لَكَانَ أَوْلَى ق ل. أَيْ: وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِالْمُعْتَادِ الْأَصْلِيَّ.
قَوْلُهُ: (مُنْسَدًّا) أَيْ انْسِدَادًا عَارِضًا، وَإِلَّا كَفَى فِيهِ الْحَجَرُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ لَهُ آلَةٌ فَقَطْ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا الْبَوْلُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي بَوْلِ ثَيِّبٍ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ، وَأَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ الْمَحَلِّ إلَخْ فَالْمُنَاسِبُ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (تَيَقَّنَتْهُ) أَمَّا إذَا لَمْ تَتَيَقَّنْ دُخُولَهُ فَيُجْزِيهَا الْحَجَرُ وَمِثْلُهَا الْبِكْرُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَخْرَجِهِ) أَيْ مَحَلِّ خُرُوجِهِ الْغَالِبِ.
قَوْلُهُ: (إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ) أَيْ يَقِينًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ.
قَوْلُهُ: (وَيُجْزِئُ فِي دَمِ حَيْضٍ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يُجْزِئُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غُسْلِهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ، وَرُدَّ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَفَائِدَتُهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فِيمَنْ انْقَطَعَ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ.
قَوْلُهُ: (وَعَجَزَتْ) أَيْ حِسًّا أَوْ شَرْعًا.
قَوْلُهُ: (لِنَحْوِ مَرَضٍ) كَسَفَرٍ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَدَرَ إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ نَادِرًا كَدَمٍ وَوَدْيٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَتَى بِهِ هُنَا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ أَمَّا النَّادِرُ إلَخْ. قَوْلُهُ:(مِنْ الْأَلْيَيْنِ)
الْبَوْلِ حَشَفَتَهُ وَهِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ جَازَ الْحَجَرُ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. أَمَّا النَّادِرُ فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ إلَى مُعْتَادٍ وَنَادِرٍ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ، فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ، وَأَمَّا الْمُنْتَشِرُ فَوْقَ الْعَادَةِ فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَلَمَّا صَحَّ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ أَكَلُوا التَّمْرَ لَمَّا هَاجَرُوا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَادَتَهُمْ وَهُوَ مِمَّا يَرِقُّ الْبُطُونَ، وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ انْتَشَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُؤَمَّرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ فَنِيطَ الْحُكْمُ بِالصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا، فَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ مَا ذُكِرَ مَعَ الِاتِّصَالِ لَمْ يَجُزْ الْحَجَرُ لَا فِي الْمُجَاوِزِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لِخُرُوجِهِ عَمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ لِدُودٍ وَبَعْرٍ بِلَا لَوْثٍ لِفَوَاتِ مَقْصُودِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَوْ تَخْفِيفِهَا وَلَكِنْ يُسَنُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
وَالْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ، فَلَا يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عَلَى الْمَحَلِّ، وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ مَحَلَّ الرِّيحِ بَاطِنُ الْأُصْبُعِ الَّذِي كَانَ مُلَاصِقًا لِلْمَحَلِّ لِاحْتِمَالِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَثْنِيَةُ أَلْيَةٍ. قَوْلُهُ: (أَمَّا النَّادِرُ) أَيْ أَمَّا الْإِجْزَاءُ فِي النَّادِرِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَمَّا النَّادِرُ فَيَتَكَرَّرُ وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ، وَهِيَ أَخْصَرُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ أَيْ فَأُلْحِقَ النَّادِرُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ. قَوْلُهُ:(فَلِأَنَّ انْقِسَامَ الْخَارِجِ) أَيْ نَوْعَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي خَرَجَ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ حَتَّى يَحْصُلَ التَّكَرُّرُ.
قَوْلُهُ: (وَيَعْسُرُ الْبَحْثُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْخَارِجِ هَلْ هُوَ نَادِرٌ أَوْ لَا؟ قَوْلُهُ: (فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِالْمَخْرَجِ) أَيْ بِخُرُوجِ الْمَخْرَجِ مُطْلَقًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِالْخَارِجِ. قَوْلُهُ:(فَلِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ) أَيْ الِانْتِشَارِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ مِمَّا يَرِقُّ الْبُطُونَ) أَيْ مَا فِي الْبُطُونِ فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ، وَإِرَادَةِ الْحَالِ فِيهِ. قَوْلُهُ:(وَمَنْ رَقَّ بَطْنُهُ إلَخْ) رَقَّ الثَّلَاثِيُّ لَازِمٌ وَالْمُتَعَدِّي مِنْهُ رُبَاعِيٌّ، وَهُوَ أَرَقَّ. قَوْلُهُ:(وَلِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ الْخَارِجَ يَتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ أَيْ حِفْظُهُ عَنْ الِانْتِشَارِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا) أَيْ الْحَشَفَةِ. وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا وَهِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ إذْ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الصَّفْحَةِ شَيْءٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يَقُومُ مَقَامَهَا جَوَانِبُ الثَّقْبِ الَّذِي أُقِيمَ مَقَامَ الْمُنْسَدِّ حُرِّرَ.
قَوْلُهُ: (مَعَ الِاتِّصَالِ) فَإِنْ تَقَطَّعَ تَعَيَّنَ فِي الْمُنْفَصِلِ الْمَاءُ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَةً وَلَا حَشَفَةً، فَإِنْ تَقَطَّعَ وَجَاوَزَ بِأَنْ صَارَ بَعْضُهُ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ أَوْ فِي الْحَشَفَةِ وَبَعْضُهُ خَارِجَهَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ. وَفِي شَرْحِ م ر: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مُجَاوِزِ الصَّفْحَةِ وَالْحَشَفَةِ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ دَائِمًا بِشَرْطِ أَنْ يَفْقِدَ الْمَاءَ. اهـ م د. قَوْلُهُ: (مِنْ إزَالَةِ) بَيَانٌ لِمَقْصُودٍ، وَالْمُرَادُ إزَالَتُهَا بِالْمَاءِ. وَقَوْلُهُ:(أَوْ تَخْفِيفُهَا) أَيْ بِالْحَجَرِ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ إلَخْ. وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ اسْتِعْمَالُ قَدْرٍ مِنْ الْمَاءِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُهُ، إذْ عِبَارَتُهُ فِيهَا إبْهَامٌ. قَالَ ق ل: وَعَلَامَتُهُ ظُهُورُ الْخُشُونَةِ بَعْدَ النُّعُومَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَثْلِيثٌ، وَإِنْ ذَكَرَهُ شَيْخُنَا م ر فَرَاجِعْهُ اهـ. وَعِبَارَةُ م ر فِي شَرْحِهِ: أَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَيُسَنُّ فِيهِ التَّثْلِيثُ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ رحمه الله اهـ. قَالَ ع ش: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَ مَاءً حَتَّى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زَوَالُ النَّجَاسَةِ فَهِيَ كَالْغَسْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَيُسَنُّ أَنْ يَأْتِيَ بِثَانِيَةٍ وَثَالِثَةٍ. اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ شَمُّ رِيحِهَا بِيَدِهِ) . فَائِدَةٌ: إذَا أَرَدْت أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلنَّجَاسَةِ رِيحٌ فِي يَدِك فَبُلَّهَا بِالْمَاءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ اهـ ح ف.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ حَكَمْنَا عَلَى يَدِهِ بِالنَّجَاسَةِ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَبْلَ غَسْلِهَا وَيَتَنَجَّسُ مَا أَصَابَهَا مَعَ الرُّطُوبَةِ إنْ عَلِمَ مُلَاقَاتَهَا الْعَيْنَ مَحَلَّ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ عَلَى الْإِصَابَةِ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا لَا نُنَجَّسُ بِالشَّكِّ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ إلَخْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إلَّا أَنَّ شَمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِمَا. قُلْت: وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: لِأَنَّا لَا نُنَجَّسُ بِالشَّكِّ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ خُفِّفَ فِيهِ يَقْتَضِي عَدَمَ تَنَجُّسِ الْمَحَلِّ سَوَاءٌ شَمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي أَمْ لَا. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَإِطْلَاقُهُمْ يُخَالِفُهُ أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَشُمَّهَا مِنْ الْمُلَاقِي أَوْ لَا لِلْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ. اهـ اج: وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: مُقْتَضَى الْعِلَّةِ الْأُولَى الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَحَقَّقَ أَنَّ الرِّيحَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلنَّجَاسَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَوْضِعِ، وَإِنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ
أَنَّهُ مِنْ جَوَانِبِهِ فَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ خُفِّفَ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فَخُفِّفَ فِيهِ هُنَا فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ.
(فَإِذَا أَرَادَ) الْمُسْتَنْجِي (الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (فَالْمَاءُ أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ، بِخِلَافِ الْحَجَرِ وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَقَدْ نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ النَّوْمِ وَالرِّيحِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لَمْ يَبْعُدْ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي دُخَانِ النَّجَاسَةِ، وَهَذَا مَرْدُودٌ فَقَدْ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ. وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ بِتَأْثِيمِ فَاعِلِهِ، وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: يَقُولُ بَعْدَ فَرَاغِ الِاسْتِنْجَاءِ: اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ وَحَصِّنْ فَرْجِي مِنْ الْفَوَاحِشِ.
(وَيَجْتَنِبُ) قَاضِي الْحَاجَةِ (اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا) نَدْبًا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ مَعَ سَاتِرٍ مُرْتَفِعٍ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ إلَى إلَخْ. فَتُسْتَصْحَبُ غَلَبَةُ ظَنِّ زَوَالِ النَّجَاسَةِ، وَكَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ بَعْدَ تَيَقُّنِ أَنَّ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فِي الْمَحَلِّ الْمُلَاقِي لِلدُّبُرِ بَعِيدٌ.
قَوْلُهُ: (خُفِّفَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ عَلَى أُشْنَانٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَنْجِي) فِيهِ حُذِفَ الْفَاعِلُ فِي غَيْرِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي جُوِّزَ حَذْفُهُ فِيهَا. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْفَاعِلِ الْمُسْتَتِرِ فِي الْفِعْلِ بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا اسْتِنْجَاءَ مِنْ غَيْرِ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَارِجِ الْمُلَوَّثِ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا قِيلَ بِهِ) أَيْ بِنَظِيرِهِ. أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا أَصَابَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ مَحَلًّا رَطْبًا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ دُخَانَ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ وَالرِّيحُ طَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُكْرَهُ مِنْ الرِّيحِ إلَّا إنْ خَرَجَ وَالْمَحَلُّ رَطْبٌ. اهـ. أَيْ فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ خُرُوجِ الدُّودِ وَالْبَعْرِ الْخَالِيَيْنِ عَنْ الرُّطُوبَةِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّهُمَا مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرُّطُوبَةِ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُرْجَانِيِّ) أَيْ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبِي مِنْ النِّفَاقِ) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ نِفَاقُ الِاعْتِقَادِ أَيْ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ كَاعْتِقَادِ الْمُعْتَزِلَةِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَدِمْ تَطْهِيرَهُ مِنْهُ، أَوْ نِفَاقُ الْعَمَلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ قَطِّعْ أُصُولَهُ مِنْ الْقُوَّةِ الشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ. اهـ. شَرْحُ الْعُبَابِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجْتَنِبُ إلَخْ) لَوْ قُدِّمَ هَذَا عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ لَوَافَقَ الْوَضْعُ الطَّبْعَ، وَلَعَلَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ اهْتِمَامًا بِالْوَاجِبِ ق ل. أَيْ؛ لِأَنَّ غَالِبَ هَذَا مَنْدُوبٌ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ مُوَلِّيهِ مِمَّا يَحْرُمُ وَيُنْدَبُ مَنْعُهُ مِمَّا يُكْرَهُ ق ل. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُرْمَةُ شِرَاءِ آلَةِ اللَّهْوِ لِلْوَلَدِ الصَّغِيرَةِ، فَقَوْلُهُ: وَيَجْتَنِبُ أَيْ الْمُكَلَّفُ وَوَلِيُّ غَيْرِهِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ وَنَدْبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَفِي الصَّحْرَاءِ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِسَاتِرٍ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَالِاجْتِنَابُ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ فَالِاجْتِنَابُ وَاجِبٌ. وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَأْبَى هَذَا وَلَيْسَ قَوْلُهُ نَدْبًا تَخْصِيصًا لِلنَّدْبِ بِإِحْدَى الصُّورَتَيْنِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ وَتَفْصِيلٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِ نَدْبًا، وَبِقَوْلِهِ يَحْرُمَانِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (قَاضِي الْحَاجَةِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: أَيْ مُرِيدُ قَضَائِهَا. اهـ. وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْقَاضِي عَلَى الْقَاضِي بِالْفِعْلِ، وَعَلَى مُرِيدِ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ السُّنَنِ الْآتِيَةِ خَاصٌّ بِالْقَاضِي بِالْفِعْلِ. قَوْلُهُ:(اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ) أَيْ عَيْنَ الْكَعْبَةِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، قَالَ فِي الْخَادِمِ، مِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالْقِبْلَةِ هُنَا هَلْ هُوَ الْعَيْنُ أَوْ الْجِهَةُ فَيُحْتَمَلُ الْعَيْنُ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ حَيْثُ أُطْلِقَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، وَيُحْتَمَلُ الْجِهَةُ لِقَوْلِهِ:«وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» اهـ. وَلَعَلَّ الْمُتَّجَهَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا م ر قَالَهُ ثُمَّ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (لِذَلِكَ) أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ سَاتِرٍ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: عَرِيضٌ بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَخَالَفَهُ حَجّ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ وَلَوْ كَفَاهُ دُونَ ثُلُثِ ذِرَاعٍ كَفَى، أَوْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ وَجَبَتْ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُشْتَرَطُ فِي عَرْضِ السَّاتِرِ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ مَا تَوَجَّهَ بِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْقَائِمُ وَالْجَالِسُ. اهـ.
قَوْلُهُ: (مُرْتَفِعٌ) أَيْ فِي حَقِّ الْجَالِسِ، وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتُرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ
تَقْرِيبًا فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَإِرْخَاءُ ذَيْلِهِ كَافٍ فِي ذَلِكَ فَهُمَا حِينَئِذٍ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَ (فِي الصَّحْرَاءِ) بِدُونِ السَّاتِرِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» . وَفِيهِمَا: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» . وَقَالَ جَابِرٌ: «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ لِلْحُرْمَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ مَعَ الصَّحْرَاءِ، فَيَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم بَيَانًا لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْمُعَدُّ لِذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالِدُ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَوْ قَضَى حَاجَتَهُ قَائِمًا لَا بُدَّ أَنْ يَسْتُرَ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ صِيَانَةً لِلْقِبْلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَوْرَةُ تَنْتَهِي لِلرُّكْبَةِ اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (فَهُمَا) أَيْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْبِنَاءُ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ خِلَافَ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الصَّحْرَاءِ) وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ فَقِيلَ؛ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا تَخْلُو عَنْ مُصَلٍّ مِنْ مَلَكٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ إنْسِيٍّ، فَرُبَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى فَرْجِهِ فَيَتَأَذَّى، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرَخَّصَ فِي الْبُنْيَانِ لِلْمَشَقَّةِ. قَوْله: (وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الْجَوَازِ وَالتَّحْرِيمِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا) الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَوْ يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ بِعَيْنِ الْخَارِجِ لَا بِالصَّدْرِ حَتَّى لَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَبَالَ أَوْ اسْتَقْبَلَهَا وَثَنَى ذَكَرَهُ لِغَيْرِ جِهَتِهَا وَبَالَ، فَلَا حُرْمَةَ اهـ. ق ل خِلَافًا لِلزِّيَادِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِدْبَارِهَا كَشْفُ دُبُرِهِ إلَى جِهَتِهَا حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْهُ بِأَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا كَاشِفًا لِدُبُرِهِ حَالَ خُرُوجِ الْخَارِجِ، وَأَنَّهُ إذَا اسْتَقْبَلَ أَوْ اسْتَدْبَرَ مِنْ جِهَتِهَا لَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ أَيْضًا عَنْ الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِجِهَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْفَرْجُ مَكْشُوفًا إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ حَالَ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْفَرْجِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ لَيْسَ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا مِنْ اسْتِدْبَارِهَا خِلَافًا لَمَّا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ قَوْلُهُ:(بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ جَعْلُ الشَّيْءِ قُبَالَةَ الْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارُ جَعْلُ الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ.
قَوْلُهُ: «وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَإِنْ قُلْت: إنْ شَرَّقْنَا اسْتَقْبَلْنَا، وَإِنْ غَرَّبْنَا اسْتَدْبَرْنَا. قُلْت: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ دَانَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ إذَا شَرَّقُوا لَمْ يَسْتَقْبِلُوا، وَإِذَا غَرَّبُوا لَمْ يَسْتَدْبِرُوا اهـ. زِيَادِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ الدَّلِيلِ.
قَوْلُهُ: (فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ فَيَقْتَضِي الْجَوَازَ مُطْلَقًا. قُلْت: هَذَا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ رَآهُ فِي الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَآهُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ حَالِهِ صلى الله عليه وسلم لِمُبَالَغَتِهِ فِي السِّتْرِ. قَالَ فِي الْإِيعَابِ: وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ. قَوْلُهُ: (فَحَمَلُوا الْخَبَرَ الْأَوَّلَ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ: إذَا أَتَيْتُمْ إلَخْ. أَيْ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ الثَّانِي وَهُوَ فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم الشَّامِلُ لِاسْتِقْبَالِهِ الَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ، وَاسْتِدْبَارُهُ الَّذِي فَعَلَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ عَلَى غَيْرِ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، لَكِنَّ فِعْلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ كَمَا فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم بَيَانًا لِلْجَوَازِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ غَيْرُ الْمُعَدِّ مَعَ السَّاتِرِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ الْمَذْكُورِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيَحْرُمَانِ فِي الْبِنَاءِ غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَفِي الصَّحْرَاءِ بِدُونِ السَّاتِرِ، وَغَيْرَ الْمَذْكُورِ تَحْتَهُ صُورَتَانِ: أَنْ يَكُونَ مُعَدًّا مُطْلَقًا، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُعَدٍّ مَعَ السَّاتِرِ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بَعْدُ: أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ. يَقْتَضِي أَنَّهُ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الثَّانِيَةُ، وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الْمُحَشِّي.
قَوْلُهُ: (مَعَ الصَّحْرَاءِ) أَيْ وَمَعَ السَّاتِرِ م د.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الْمُعَدُّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ فَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ
كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَوْ كَانَتْ الرِّيحُ تَهُبُّ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا، فَإِنَّهُمَا لَا يُحَرَّمَانِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا اسْتِدْبَارُهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ إخْرَاجِ الرِّيحِ، إذْ النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ.
(وَيُجْتَنَبُ) نَدْبًا (الْبَوْلُ) وَالْغَائِطُ (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِيهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ بَلْ أَوْلَى،
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُشَوَّشٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَلَاءَ تَارَةً يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِالْمُعَدِّ، وَتَارَةً يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِمَأْوَى الْجِنِّ، فَالْإِعْدَادُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ بِالتَّهْيِئَةِ لِلْمَحَلِّ كَبُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ، وَإِنْ لَمْ تُقْضِ فِيهَا الْحَاجَةُ بِالْفِعْلِ، وَبِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى الْعَوْدِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ تَهْيِئَةٌ لِلْمَحَلِّ. قَوْلُهُ:(وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى) أَيْ وَلَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى فَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِيَكُونَ مَحْذُوفَةً، وَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْمُولًا لِلَا فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مَعْرِفَةٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي النَّكِرَاتِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
عَمَلٌ إنْ اجْعَلْ لِلَا فِي نَكِرَهْ
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمَا لَا يَحْرُمَانِ لِلضَّرُورَةِ) أَيْ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَنَجُّسُهُ بِالْخَارِجِ، وَإِلَّا رَاعَى الْقِبْلَةَ. اهـ. طَبَلَاوِيٌّ. قَوْلُهُ:(وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا ق ل: لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعَارُضَ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنْ ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. اهـ. وَأَقُولُ: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مُسْتَطِيلًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ كَاللَّحْدِ، فَلَا يَدْخُلُهُ الشَّخْصُ إلَّا مُنْحَرِفًا بِجَنْبِهِ. فَإِمَّا أَنْ يَسْتَقْبِلَ، وَإِمَّا أَنْ يَسْتَدْبِرَ، وَكَانَ الْجِدَارُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ ذِرَاعٍ، وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَى غَيْرِهِمَا وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ أَوْ يُعَيِّنُهُ مَا قَالَهُ سم أَنَّهُ لَوْ قَضَى الْحَاجَتَيْنِ لَمْ يَجِبْ السِّتْرُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَقَطْ. اهـ اج. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَيْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمَكَّنًا وَصَوَّرُوهُ بِحُفْرَةٍ ضَيِّقَةٍ يَتَعَذَّرُ فِيهَا غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ، وَيُمْكِنُ فِيهَا كُلٌّ مِنْهُمَا، وَذَلِكَ كَاللَّحْدِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهُ بِقَدْرِ وَضْعِ جَنْبِ الْمَيِّتِ فِيهِ، فَيَتَأَتَّى فِيهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ غَيْرُهُمَا أَيْ: وَكَانَ جِدَارُهُ غَيْرَ عَرِيضٍ بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ السَّتْرُ الْمَطْلُوبُ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِذَا تَعَارَضَ إلَخْ. وَلَيْسَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. اهـ.
فَرْعٌ: أَشْكَلَ عَلَى بَعْضِ ضَعَفَةِ الطَّلَبَةِ قَوْلُهُمْ: لَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَشِمَالِهَا جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ، فَلَوْ تَعَارَضَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ قُدِّمَ الِاسْتِدْبَارُ، فَتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا مَعَ إمْكَانِهِمَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَعَارُضِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيمِ الِاسْتِدْبَارِ وَهُوَ خَطَأٌ وَاضِحٌ، بَلْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ جَازَ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا، فَإِنْ أَمْكَنَا فَهُوَ مَعْنَى تَعَارُضِهِمَا، وَهَذَا وَاضِحٌ. لَكِنَّ الزَّمَانَ أَحْوَجُ إلَى التَّعَرُّضِ لِذَلِكَ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (تَعَيَّنَ الِاسْتِدْبَارُ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَفْحَشُ.
قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِالْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ: (مُنْتَفٍ فِي الثَّلَاثَةِ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ مِنْ الْآدَابِ مَا لَمْ يَغْلِبُهُ الْخَارِجُ أَوْ يَضُرُّهُ كَتْمُهُ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ. وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغَضُّ مَا لَوْ احْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ حُضُورِ مَنْ ذُكِرَ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَا يُخَالِفُ مَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا فِيمَنْ خَافَ فَوْتَ الْجُمُعَةِ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ؛ لِأَنَّ لِلْجُمُعَةِ بَدَلًا وَلَا كَذَلِكَ الْوَقْتُ قَالَهُ ح ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَيَنْبَغِي أَنَّ كَشْفَهَا وَالْحَالَةُ مَا ذُكِرَ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ هَذَا عُذْرٌ مُجَوِّزٌ لِلتَّرْكِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَعْذَارِ أَنَّهَا مُسْقِطَةٌ لِلْإِثْمِ فَقَطْ، وَتَحَمُّلُ الْمَشَقَّةِ مَعَهَا أَوْلَى، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالُوا: لَوْ عُلِمَ مِنْ قَوْمٍ عَدَمُ رَدِّ السَّلَامِ سُنَّ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَثِمُوا فَمَا هُنَا كَذَلِكَ. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (وَيُجْتَنَبُ) أَعَادَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا دُونَ مَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ لِلْحُكْمِ الثَّانِي وَهُوَ اجْتِنَابُ الْبَوْلِ فِي الرَّاكِدِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ. ع ش؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ. قَوْلُهُ:
وَالنَّهْيُ فِي ذَلِكَ لِلْكَرَاهَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ وَفِي اللَّيْلِ أَشَدُّ كَرَاهَةً؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بِاللَّيْلِ مَأْوَى الْجِنِّ، أَمَّا الْجَارِي فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاعَةٍ الْكَرَاهَةُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ دُونَ الْكَثِيرِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ لِمَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَبِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَسَائِرِ الْأَصْحَابِ، فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِتَحْرِيمِهِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْإِنَاءِ النَّجِسِ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا بِخِلَافِهِ هُنَا.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ عَدَمِ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الطُّهْرُ بِهِ بِأَنْ وَجَدَ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَمَمْلُوكٍ لِغَيْرِهِ أَوْ مُسَبَّلٍ أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ بِأَنْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَاءُ الْعَذْبُ رِبَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ فَلَا يَحِلُّ الْبَوْلُ فِيهِ. أُجِيبَ: بِمَا تَقَدَّمَ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا قَضَاءُ الْحَاجَةِ بِقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي يُكْرَهُ قَضَاؤُهَا فِيهِ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ، وَصَبُّ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ كَالْبَوْلِ فِيهِ.
(وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (تَحْتَ الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ) وَلَوْ كَانَ الثَّمَرُ مُبَاحًا فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْغَائِطُ) وَهُوَ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا إلَّا أَنْ يَسْتَبْحِرَ بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ، وَيُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا، سَوَاءٌ اسْتَبْحَرَ أَمْ لَا م ر. فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي الْمَاءِ نَهَارًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي اللَّيْلِ مُطْلَقًا وَكَذَا فِي النَّهَارِ إلَّا فِي الرَّاكِدِ الْمُسْتَبْحِرِ وَالْجَارِي الْكَثِيرِ.
فَرْعٌ: يُنْدَبُ اتِّخَاذُ إنَاءٍ لِلْبَوْلِ فِيهِ لَيْلًا لِلِاتِّبَاعِ، وَلِأَنَّ دُخُولَ الْحَشِّ يُخْشَى مِنْهُ لَيْلًا، وَالنَّهْيُ عَنْ نَقْعِ الْبَوْلِ فِي الْبَيْتِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ بَوْلٌ مُنَقَّعٌ، كَمَا لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ صُورَةٌ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِفَاعِ طُولُ الْمُكْثِ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الِاتِّخَاذِ أَوْ النَّهْيِ خَاصٌّ بِالنَّهَارِ، وَرَخَّصَ فِيهِ لَيْلًا فَتَأَمَّلْهُ طَبَلَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِي اللَّيْلِ) أَيْ الْبَوْلُ فِي الْكَثِيرِ الْجَارِي.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ إنَّ الْمَاءَ مَأْوَى الْجِنِّ. قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافًا عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَمْلُوكًا لَهُ.
قَوْلُهُ: (بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ إمْكَانُ طُهْرِهِ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (فَهُوَ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِخِرْقَةٍ) أَيْ فِي أَنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا فَلَا يَرِدْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لِحَاجَةٍ بِخِلَافِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (بِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِعْمَالًا) لَوْ قَالَ بِأَنَّ هُنَاكَ تَضَمُّخًا لَكَانَ صَوَابًا. ق ل. وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ بَلْ اسْتِعْمَالٌ.
قَوْلُهُ: (إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُ) أَوْ مُبَاحًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ مُسَبَّلٍ) أَوْ مَوْقُوفٍ وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا كَمَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ سم فِي الْحِلِّ فِي الْمُسْتَبْحِرِ، وَصُورَةُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَقِفَ إنْسَانٌ ضَيْعَةً مَثَلًا لِيَمْلَأَ مِنْ رِيعِهَا نَحْوَ صِهْرِيجٍ أَوْ فَسْقِيَّةٍ، أَوْ أَنْ يَقِفَ بِئْرًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَاؤُهُ الْمَوْجُودُ وَالْمُتَجَدِّدُ تَبَعًا، وَإِلَّا فَالْمَاءُ لَا يَقْبَلُ الْوَقْفَ قَصْدًا اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر وع ش.
وَيَحْرُمُ أَيْضًا الِاسْتِنْجَاءُ فِي جِدَارٍ مَوْقُوفٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبُصَاقُ وَالْمُخَاطُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي النَّاسَ لِاسْتِقْذَارِهِمْ ذَلِكَ طَبَلَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(أَوْ لَهُ وَتَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ كَثِيرًا لِاحْتِمَالِ تَنَجُّسِهِ بِتَغَيُّرِهِ، وَعِبَارَةُ اج ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَبْحِرًا بِحَيْثُ لَا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ بِحَالٍ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا مَعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِيهِ، لَكِنْ قَالَ سم: فِي تَحْرِيمِهِ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ نَظَرٌ وَلَوْ عَافَتْهُ نَفْسُ الْمَالِكِ دُونَ غَيْرِهِ، فَالْوَجْهُ اعْتِبَارُهُ دُونَ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ:(أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ وَلِإِمْكَانِ طُهْرِ الْقَلِيلِ مِنْهُ بِالْكَثْرَةِ. قَوْلُهُ: (يَدْفَعُ النَّجَسَ) أَيْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَعِبَارَةُ الطَّبَلَاوِيَّ وَشَمِلَ كَلَامُهُ الْمَاءَ الْعَذْبَ فَلَا يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا وَفَارَقَ الطَّعَامَ بِأَنَّ لَهُ مَعَ إمْكَانِ طُهْرِهِ قُوَّةَ دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ جِنْسِهِ أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيلَ لَا يَدْفَعُ النَّجَسَ أَيْ؛ لِأَنَّهُ يُنَجَّسُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) الْمُرَادُ بِالتَّحْتِيَّةِ مَا تَصِلُ بِهِ الثَّمَرَةُ السَّاقِطَةُ غَالِبًا عَادَةً سم. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ
عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُهَا النَّفْسُ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ؛ لِأَنَّ التَّنْجِيسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ وَكَانَ يَجْرِي عَلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُثْمِرَ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا لَوْ بَالَ تَحْتَهَا، ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً طَهُورًا، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا وَفِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ.
(وَ) يُجْتَنَبُ ذَلِكَ نَدْبًا (فِي الطَّرِيقِ) الْمَسْلُوكِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ. قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» تَسَبَّبَا بِذَلِكَ فِي لَعْنِ النَّاسِ لَهُمَا كَثِيرًا عَادَةً فَنُسِبَ إلَيْهِمَا بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ فَحَوَّلَ الْإِسْنَادَ لِلْمُبَالَغَةِ، وَالْمَعْنَى احْذَرُوا سَبَبَ اللَّعْنِ الْمَذْكُورِ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ:«اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ» وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ وَالْمَوَارِدُ طُرُقُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الثَّمَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ التَّنْجِيسُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ دُخُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ فَحَرَامٌ إنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ يَعْتَقِدْ رِضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالثَّمَرَةِ مَا يُقْصَدُ الِانْتِقَاعُ بِهِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَشَمٍّ وَدَبْغٍ وَلَوْ نَحْوَ وَرَقٍ مِمَّا تَعَافُ الْأَنْفُسُ الِانْتِفَاعَ بِهِ بَعْدَ تَلْوِيثِهِ اج. وَهَذَا فِي شَجَرَةٍ فِي مِلْكِهِ أَوْ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، وَأَذِنَ مَالِكُهَا أَوْ عُلِمَ رِضَاهُ، وَإِلَّا حَرُمَ، فَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَالثَّمَرَةُ لِغَيْرِهِ اتَّجَهَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ شَوْبَرِيٌّ، وَيُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ وَالْأَرْضُ لَهُ أَوْ كَانَا مُبَاحَيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهَا بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ يَرْضَى بِذَلِكَ، فَالْكَرَاهَةُ مِنْ جِهَةِ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ جَاءَتْ الْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ دُونَ الثَّمَرَةِ، فَالْكَرَاهَةُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَإِلَّا فَالْحُرْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَإِنْ جَازَ لَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ، فَالْكَرَاهَةُ لِلثَّمَرَةِ أَيْضًا.
قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَسَقْيُ الشَّجَرِ بِالْمَاءِ النَّجَسِ كَالْبَوْلِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ فَرَاجِعْهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْمُثْمِرَةِ) أَيْ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُثْمِرَ وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مُثْمِرَةً بِالْفِعْلِ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ: وَالْمُرَادُ بِمَا يُثْمِرُ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانُ الْإِثْمَارِ عَادَةً كَالْوَدْيِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَا مَظْنُونَ سم.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لَكِنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْغَائِطِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْبَوْلِ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَطْهُرُ بِمَاءٍ وَبِجَفَافِهِ فِي الشَّمْسِ وَالرِّيحِ فِي قَوْلٍ. بِخِلَافِ الْغَائِطِ فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَكَانُهُ إلَّا بَعْدَ النَّقْلِ، وَلَا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الْغَائِطِ أَخَفُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُرَى فَيُجْتَنَبُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِطُهْرِهِ قَبْلَ الثَّمَرَةِ بِنَحْوِ سَيْلٍ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ م ر فِي شَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فِي الطَّرِيقِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ مُبَاحٌ. أَمَّا الْمُسَبَّلُ وَالْمَوْقُوفُ وَمِلْكُ الْغَيْرِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْحَاجَةِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (الْمَسْلُوكِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ طَارِقُوهُ طب، وَلَوْ زَلَقَ أَحَدٌ فِي الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ وَتَلِفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ غَطَّاهُ بِتُرَابٍ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي التَّلَفِ فِعْلًا أَيْ غَيْرَ جَائِزٍ وَمَا فَعَلَهُ جَائِزٌ لَهُ ع ش عَلَى م ر. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ كَقُشُورِ الْبِطِّيخِ فِي الطَّرِيقِ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ وُجُودَ الْغَائِطِ فِي الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ عَنْ ضَرُورَةٍ قَامَتْ بِفَاعِلِهِ، بِخِلَافِ الْقُمَامَاتِ أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَالْعَشْمَاوِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي ع ش عَلَى م ر. وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ ز ي عَمَّا لَوْ تَغَوَّطَ فِي الطَّرِيقِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُغَطِّيَهُ بِتُرَابٍ مَثَلًا أَمْ لَا؟ . فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يُغَطِّيهِ بَلْ يُبْقِيهِ بِحَالِهِ لِيُجْتَنَبَ. اهـ.
قَوْلُهُ: «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» أَيْ اجْتَنِبُوا فِعْلَ اللَّعَّانَيْنِ أَيْ اتَّقُوا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ. «قَالُوا: وَمَا تَخَلِّي اللَّعَّانَيْنِ؟ قَالَ: تَخَلِّي الَّذِي» إلَخْ. فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَجَازًا بِالْحَذْفِ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ، وَمَجَازًا عَقْلِيًّا مِنْ بَابِ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ؛ لِأَنَّهُمَا مَلْعُونَانِ لَا لَاعِنَانِ، لَكِنْ لَمَّا تَسَبَّبَا فِي اللَّعْنِ نُسِبَ اللَّعْنُ إلَيْهِمَا، فَالْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي لَفْظِ اللَّعَّانَيْنِ، وَالْمَجَازُ بِالْحَذْفِ فِي «اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ» ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِعْلُ اللَّعَّانَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ بِقَوْلِهِ تَسَبَّبَا بِذَلِكَ إلَخْ. وَأَشَارَ إلَى الْمَجَازِ بِالْحَذْفِ بِقَوْلِهِ وَالْمَعْنَى احْذَرُوا إلَخْ. قَوْلُهُ:(الَّذِي يَتَخَلَّى إلَخْ) الَّذِي يُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ:{وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] مَرْحُومِيٌّ. وَقَالَ ع ش: كَانَ الظَّاهِرُ اللَّذَانِ يَتَخَلَّيَانِ لِيُطَابِقَ قَوْلَ السَّائِلِ وَمَا اللَّعَّانَانِ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَوْ فِي مَجَالِسِهِمْ فَيَكُونُ شَامِلًا لِمَوَاضِع الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ. قَوْلُهُ:(إذْ أَصْلُهُ اللَّاعِنَانِ) أَيْ أَصْلُهُ الثَّانِي فَلَا يُنَافِي أَنَّ أَصْلَهُ الْأَوَّلُ الْمَلْعُونَيْنِ.
قَوْلُهُ: (الْمَذْكُورِ) نَعْتٌ لِسَبَبٍ ق ل وَلَا يَتَعَيَّنُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُ نَعْتًا
الْمَاءِ وَالتَّخَلِّي التَّغَوُّطِ وَكَذَا الْبِرَازُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَقِيسَ بِالْغَائِطِ الْبَوْلُ كَمَا صَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَرَاهَتُهُ، وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ وَلِإِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ. انْتَهَى. وَالْمُعْتَمَدُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ أَعْلَاهُ وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
(وَ) يُتَجَنَّبُ ذَلِكَ نَدْبًا فِي (الظِّلِّ) لِلنَّهْيِ عَنْ التَّخَلِّي فِي ظِلِّهِمْ أَيْ فِي الصَّيْفِ، وَمِثْلُهُ مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ (وَ) فِي الثُّقْبِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ الْمُسْتَدِيرِ النَّازِلِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ مَسْكَنُ الْجِنِّ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ حَيَوَانٌ ضَعِيفٌ فَيَتَأَذَّى أَوْ قَوِيٌّ فَيُؤْذِيهِ أَوْ يُنَجِّسُهُ وَمِثْلُهُ السَّرَبُ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ الشِّقُّ الْمُسْتَطِيلُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُعَدَّ لِذَلِكَ أَيْ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهَةَ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ التَّحْرِيمِ.
(وَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) أَيْ يَسْكُتُ حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَتَكَلَّمُ بِذِكْرٍ وَلَا غَيْرِهِ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِنْذَارِ أَعْمَى فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يَجِبُ لِخَبَرِ:«لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفِينَ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَمَعْنَى يَضْرِبَانِ يَأْتِيَانِ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ، وَهُوَ إنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلَعَنَ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ.
قَوْلُهُ: (الْبِرَازَ) بَدَلٌ مِنْ الْمَلَاعِنِ فَهُوَ مَوْضِعٌ مَجَازًا اهـ. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَرَاهَتُهُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ صَدْرُهُ) أَيْ أَوَّلُهُ. وَهَذَا الْخِلَافُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مَيْدَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَا بَرَزَ مِنْهُ) أَيْ مَا ظَهَرَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَاهُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا الطَّرِيقُ الْمَهْجُورُ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الْمَسْلُوكِ.
قَوْلُهُ: (فِي الظِّلِّ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الظِّلِّ أَوْ الشَّمْسِ مَحَلًّا لِلْمَعْصِيَةِ كَقَبْضِ الْمَكْسِ، وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ اج.
قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ اجْتِمَاعِهِمْ) أَيْ لِنَحْوِ حَدِيثٍ مُبَاحِ أَمَّا الْحَرَامُ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ وَقِيلَ بِنَدْبِهِ تَنْفِيرًا لَهُمْ لَمْ يَبْعُدْ، وَقَدْ يَجِبُ إنْ لَزِمَ عَلَيْهِ دَفْعُ مَعْصِيَةٍ وَلَا يُكْرَهُ فِي الِاجْتِمَاعِ لِمَكْرُوهِ إنْ تَيَقَّنَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ، وَيَنْبَغِي فِي الشَّكِّ الْكَرَاهَةُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاجْتِمَاعِ الْإِبَاحَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ) أَيْ أَوْ فَتْحِهَا، بَلْ اقْتَصَرَ فِي الْمِصْبَاحِ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَتْحُ الْمُثَلَّثَةِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهَا، وَشَمِلَ قَوْلُهُ الثَّقْبَ مَا حَصَلَ بِحَفْرِهِ فِي الْحَالِ وَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ، وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ سم.
قَوْلُهُ: (النَّازِلُ) وَيُقَالُ لَهُ الْحُجْرُ.
قَوْلُهُ: (مَسْكَنُ الْجِنِّ) وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه لَمَّا بَالَ فِيهِ وَمِثْلُهُ الْغَائِطُ.
قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي تَحْرِيمُ ذَلِكَ) عِبَارَةُ ق ل. نَعَمْ إنْ حُمِلَ عَلَى ظَنِّ الْإِيذَاءِ لَهُ أَوْ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يُنْدَبُ قَتْلُهُ لَمْ يَبْعُدْ تَحْرِيمُهُ. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (حَالَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ) لَيْسَ قَيْدًا فَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ وَلَوْ لِغَيْرِ قَضَائِهَا، كَأَنْ دَخَلَ لِوَضْعِ إبْرِيقٍ مَثَلًا أَوْ لِسِرَاجٍ أَوْ طَالَ دِهْلِيزُهُ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيِّ عَلَى الْمَتْنِ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ كَمَا عَلِمْت اهـ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْكَلَامُ. وَقَوْلُهُ: (بَلْ قَدْ يَجِبُ) إذَا خَشِيَ وُقُوعَ مَحْذُورٍ بِمُحْتَرَمٍ كَأَعْمَى يَقَعُ فِي نَحْوِ بِئْرٍ،
وَقَدْ يُسَنُّ إنْ رَجَحَتْ مَصْلَحَتُهُ عَلَى السُّكُوتِ
كَأَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ بِصَدَقَةٍ وَخَشِيَ مِنْ حَيْلُولَةِ الشَّيْطَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيُسَنُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْأَمْرِ بِالْإِعْطَاءِ، وَقَدْ يُبَاحُ لِحَاجَةٍ لَمْ تَتَرَجَّحْ الْمَصْلَحَةُ فِيهَا وَلَا يَحْرُمُ فِي حَالٍ وَلَوْ بِقُرْآنٍ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ حَيْثُ قَالَ بِتَحْرِيمِهِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَهَلْ مِنْ الْكَلَامِ مَا يَأْتِي بِهِ قَاضِي الْحَاجَةِ مِنْ التَّنَحْنُحِ عِنْدَ طَرْقِ بَابِ الْخَلَاءِ مِنْ الْغَيْرِ لِيَعْلَمَ هَلْ فِيهِ أَحَدٌ أَمْ لَا؟ . فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا، وَبِتَقْدِيرِهِ فَهُوَ لِحَاجَةِ وَهِيَ دَفْعُ دُخُولِ مَنْ يَطْرُقُ الْبَابَ عَلَيْهِ لِظَنِّهِ خُلُوَّ الْمَحَلِّ. اهـ ع ش عَلَى م ر. قَوْلُهُ:(وَهُوَ إنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ إلَخْ) أَيْ الَّذِي هُوَ كَشْفُ الْعَوْرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ يَصْدُقُ بِالْكُلِّ كَالْبَعْضِ، وَقَوْلُهُ:
فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ مَكْرُوهٌ، فَلَوْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ أَيْ بِكَلَامٍ يُسْمِعُ بِهِ نَفْسَهُ، إذْ لَا يُكْرَهُ الْهَمْسُ وَلَا التَّنَحْنُحُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَحْرُمُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُ ابْنُ كَجٍّ إنَّهَا لَا تَجُوزُ أَيْ جَوَازًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَتُكْرَهُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ اللَّائِقُ بِالتَّعْظِيمِ الْمَنْعُ. وَيُسَنُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ وَلَا إلَى الْخَارِجِ مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا.
(وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ، وَ) لَا (الْقَمَرَ) بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ (وَلَا يَسْتَدْبِرُهُمَا) وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِقْبَالُ دُونَ الِاسْتِدْبَارِ. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي التَّحْقِيقِ إنَّهُ لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ فَالْمُخْتَارُ إبَاحَتُهُ، وَحُكْمُ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارِهِ حُكْمُ اسْتِقْبَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارِهِمَا.
وَيُسَنُّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْبُنْيَانِ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعُ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ وَلَا يُشَمُّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَبَعْضُ مُوجِبَاتِهِ) وَهُوَ التَّحَدُّثُ مَكْرُوهٌ، وَانْظُرْ مِنْ أَيْنَ تُسْتَفَادُ كَرَاهَةُ التَّحَدُّثِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ قَوْلُهُ: وَهُوَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ إلَخْ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْكَلَامِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ؟ . قَوْلُهُ:(فَلَوْ عَطَسَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ، وَإِنَّمَا أُمِرَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا احْتَقَنَ أَيْ اجْتَمَعَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ.
قَوْلُهُ: (حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى بِقَلْبِهِ) أَيْ وَيُثَابُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُمْ: الذِّكْرُ الْقَلْبِيُّ لَا ثَوَابَ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يُطْلَبْ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا مَطْلُوبٌ فِيهِ بِخُصُوصِهِ ع ش عَلَى م ر.
قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ جَوَازِ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَالثَّوَابِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ لِخُلُوصِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَوَابٌ لَمَا أَمَرَ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ بِالْحَمْدِ بِهِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِقَادُهُ. وَفِيهِ أَنَّ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ ذِكْرُ اللِّسَانِ. وَأَجَابَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ بِقَوْلِهِ: الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ ذِكْرًا مُتَعَبَّدًا بِلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَعْنَاهُ مِنْ تَنْزِيهِ اللَّهِ وَإِجْلَالِهِ بِقَلْبِهِ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذِكْرُ اللِّسَانِ مَعَ حُضُورِ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ الْقَلْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا ثَوَابَ فِيهِ، فَمَنْ نَفَى عَنْهُ الثَّوَابَ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ لَفْظُهُ، وَمَنْ أَثْبَتَ فِيهِ ثَوَابًا أَرَادَ مِنْ حَيْثُ حُضُورُهُ بِقَلْبِهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ إذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَى مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ إذَا لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَا أَثَرَ لَهُ حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ حَجَرٍ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَتُكْرَهُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (إلَى فَرْجِهِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَعْبَثُ) هُوَ مِنْ بَابِ فَرِحَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ) أَيْ حَيْثُ لَا سَاتِرَ، وَعِبَارَةُ ز ي قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ أَيْ عِنْدَ طُلُوعِهَا أَوْ غُرُوبِهَا، هَكَذَا أَفْهَمَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ هِيَ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِقْبَالُ بِخِلَافِ مَا إذَا صَارَتْ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْبَالُهَا إلَّا إذَا نَامَ عَلَى قَفَاهُ، وَحِينَئِذٍ يَبُولُ عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا أَفْهَمَ وَهَكَذَا الْقَمَرُ لَيْلًا. اهـ بِحُرُوفِهِ.
قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) أَيْ بِعَيْنِهِمَا لَا بِصَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (لَا أَصْلَ لِلْكَرَاهَةِ) أَيْ لِكَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ.
قَوْلُهُ: (بَيْتِ الْمَقْدِسِ) الْمُرَادُ صَخْرَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
قَوْلُهُ: (حُكْمُ اسْتِقْبَالِ إلَخْ) ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتِدْبَارَهُ بِمَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ بِلَا سَاتِرٍ، أَمَّا مَعَ السَّاتِرِ فَلَا كَرَاهَةَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّارِحُ حُكْمَهُمَا الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ فَهُوَ مُعْتَمَدٌ، وَإِنْ أَرَادَ حُكْمَهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَانَ هَذَا ضَعِيفًا اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَبْعُدَ عَنْ النَّاسِ) أَيْ وَلَوْ فِي الْبَوْلِ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ غَيْرُهُ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَفِي مَعْنَى الْإِبْعَادِ فِي الصَّحْرَاءِ اتِّخَاذُ الْكُنُفِ فِي الْبُيُوتِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَالِاسْتِتَارِ بِنَحْوِ صَخْرَةٍ أَوْ رَاحِلَةٍ فِي الصَّحْرَاءِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْإِبْعَادُ فِي الْمُعَدِّ، وَهُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي عب، وَعَلَّلَهُ فِي
لَهُ رِيحٌ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْإِبْعَادُ عَنْهُمْ سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ، وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعِ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ. مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ» وَيَحْصُلُ السِّتْرُ بِرَاحِلَةٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ. هَذَا إذَا كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَأَنْ جَلَسَ فِي وَسَطِ مَكَان وَاسِعٍ، فَإِنْ كَانَ فِي مَكَان يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ أَيْ لَا يَغُضُّ عَادَةً كَفَى كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ نَظَرِ عَوْرَتِهِ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِتَارُ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَالْبَوْلِ وَمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ، أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِي غَالِبًا مِنْ فِعْلِهَا فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْإِبْعَادِ، وَأَطْلَقَ فِي الْإِمْدَادِ فَشَمِلَ كَلَامُهُ الْأَخْلِيَةَ الْمُعَدَّةَ بِأَنْ يَدْخُلَ أَبْعَدُهَا مِنْ الْحَاضِرِينَ إنْ سَهُلَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّهُ فِي غَايَةِ الْمَتَانَةِ وَالِاتِّجَاهِ اهـ. طَبَلَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (سُنَّ لَهُمْ الْإِبْعَادُ عَنْهُ كَذَلِكَ) أَيْ إلَى حَيْثُ لَا يُسْمَعْ لِلْخَارِجِ مِنْهُ صَوْتٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْتَتِرُ عَنْ أَعْيُنِهِمْ بِمُرْتَفِعٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا نَاشِئٌ عَنْ تَوَهُّمِ اتِّحَادِ السِّتْرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَالسِّتْرُ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ الْمَدَارُ هُنَا عَلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ عَمَّنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَ فِيهِ سَاتِرُ الْقِبْلَةِ أَوْ لَا. فَلَعَلَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَ الرَّوْضِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ إمْكَانِ تَسْقِيفِ الْمَكَانِ وَعَدَمِهِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَتَأَمَّلْ وَافْهَمْ ق ل.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ: وَاعْتِرَاضُهُ ظَاهِرٌ فَقَدْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ إنْ كَانَ فِي مَحَلٍّ مُسَقَّفٍ أَوْ يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ كَفَى السِّتْرُ بِنَحْوِ جِدَارٍ، وَإِنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَلَا يَكْفِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقِبْلَةِ، وَبَعْضُهُمْ تَوَهَّمَ اتِّحَادَ الْمَوْضِعَيْنِ فَاحْذَرْهُ. اهـ.
قَوْلُهُ: (يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ) أَيْ أَنَّهُ يَحْضُرُ أَمْكِنَةَ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَرْصُدُهَا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ يُهْجَرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُكْشَفُ فِيهَا الْعَوْرَاتُ فَأَمَرَ بِسَتْرِهَا اهـ. مَرْحُومِيٌّ. فَحَيْثُ امْتَثَلَ الْأَمْرَ وَفَعَلَ السِّتْرَ مُنِعَ عَنْهُ الشَّيْطَانُ وَأَذِيَّتُهُ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ اسْمُ مَكَان أَيْ يَلْعَبُ فِي مَوَاضِعِ قُعُودِ بَنِي آدَمَ أَيْ الَّتِي تَنْكَشِفُ بِهَا عَوْرَاتُهُمْ أَيْ يُوَسْوِسُ لَهُ حَتَّى يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ لِيَنْظُرَ هَلْ هُوَ كَبِيرٌ مَثَلًا أَوْ صَغِيرٌ، أَوْ يُحَدِّثُهُ لِيَفْعَلَ بِفَرْجِهِ الْفَحْشَاءَ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَنْ فَعَلَ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الْأَدَبَ مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ، وَوَجْهُهُ عَدَمُ تَحَقُّقِ نَظَرِ عَوْرَتِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ إرْخَاءِ ذَيْلِهِ) وَمِنْهُ سِلْعَةٌ فَوْقَ عَوْرَتِهِ وَشَعْرٌ كَذَلِكَ كَلِحْيَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ سِتْرٌ إلَّا بِإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ لَمْ يُكَلَّفْ بِهِ إنْ أَدَّى إلَى تَنَجُّسِهِ؛ لِأَنَّ فِي تَنَجُّسِ ثَوْبِهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ وَالشَّرْطُ يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِبُنْيَانٍ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ) كَبُسْتَانٍ.
قَوْلُهُ: (كَفَى) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى السَّاتِرِ. قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّظَرُ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُ عَوْرَتِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ أَحَدٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا سَالِبَةٌ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ. الْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ.؛ لِأَنَّهُ قَاصِرٌ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ هَذَا النَّفْيَ صَادِقٌ بِصُوَرٍ ثَلَاثَةٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ وَيَغُضُّ نَظَرَهُ، أَوْ لَا يَغُضُّ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فَالسِّتْرُ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَنْدُوبٌ.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ نَظَرُهَا) وَمِثْلُ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ الصَّبِيُّ إذَا كَانَ يَحْكِي الْعَوْرَةَ فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا عِنْدَهُ اهـ. ع ن.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إلَخْ. فَقَوْلُهُ: يَجُوزُ كَشْفُ إلَخْ أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ لَا يَغُضُّ بَصَرَهُ إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (إمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) إلَخْ. أَيْ إذَا كَانُوا يَحْرُمُ نَظَرُهُمْ وَلَا يَغُضُّونَ، فَالْحَمْلُ فِي الشِّقَّيْنِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا فِي تَعْبِيرِهِ بِالْجَوَازِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى الْمَفْهُومِ مِنْ كَوْنِ الِاسْتِتَارِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُسْتَحَبًّا.
قَوْلُهُ: (فِي الْخَلْوَةِ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْبِنَاءُ الْمُسَقَّفُ أَوْ الَّذِي يُمْكِنُ تَسْقِيفُهُ شَيْخُنَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهَا مَا لَيْسَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَلَوْ صَحْرَاءُ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَمُعَاشَرَةِ) أَيْ
كَشْفُهَا.
وَلَا يَبُولُ فِي مَوْضِعِ هُبُوبِ الرِّيحِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً إذْ قَدْ تَهُبُّ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ وَلَا فِي مَكَان صَلْبٍ لِمَا ذُكِرَ وَلَا يَبُولُ قَائِمًا لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:" مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ " أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِعُذْرٍ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى، وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الشِّتَاءِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شَرْبَةِ دَوَاءٍ وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا وَلَا مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لِلِاتِّبَاعِ. .
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُخَالَطَةِ. قَوْلُهُ: (أَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ) أَيْ الَّذِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ النَّظَرُ وَلَا يَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْحَمْلِ. قَوْلُهُ:(فَيَحْرُمُ كَشْفُهَا) وَوُجُوبُ غَضِّ الْبَصَرِ لَا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَبُولُ قَائِمًا) مِثْلُهُ الْغَائِطُ الْمَائِعُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَابَّةً) ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ وَقْتُ هُبُوبِهَا. وَالْحَاصِلُ: كَمَا فِي الْإِيعَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ مَائِعًا كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَيْ الرِّيحُ وَاسْتِدْبَارُهَا، أَوْ يَبُولُ فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِقْبَالُهَا أَوْ يَتَغَوَّطُ مَائِعًا فَقَطْ كُرِهَ لَهُ اسْتِدْبَارُهَا كَمَا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ التَّعْلِيلِ بِخَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ اسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّغَوُّطِ بِغَيْرِ مَائِعٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْأَوْجُهِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَةَ اهـ. م د.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَمَهَبُّ رِيحٍ أَيْ مَحَلُّ هُبُوبِهَا وَقْتَ هُبُوبِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا فِي الْبَوْلِ وَيَسْتَقْبِلُهَا فِي الْغَائِطِ الْمَائِعِ لِئَلَّا يَتَرَشْرَشُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْبَوْلِ) أَيْ أَوْ الْغَائِطِ الْمَائِعِ. وَقَوْلُهُ: (فَتَرُدُّ عَلَيْهِ الرَّشَاشَ) أَيْ مِنْهُمَا وَعِبَارَةُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ لِئَلَّا يُصِيبَهُ رَشَاشٌ مِنْ الْخَارِجِ أَيْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا رَقِيقًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ اقْتِصَارِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيُّ عَلَى الْأَوَّلِ كَالشَّارِحِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (صُلْبٌ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الصَّادِ. بَلْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَيْثُ قَالَ صَلْبٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَحِينَئِذٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تُصَدِّقُوهُ) أَيْ مَنْ قَالَ كَانَ عَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم الْبَوْلَ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا» . وَالسُّبَاطَةُ كَالْكُنَاسَةِ لَفْظًا وَمَعْنَى، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مَا بُلْت قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْت، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعُذْرِ لِمَا رَوَى «النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لِعُذْرٍ» ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبَضِهِ» بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ مَكْسُورَةٌ وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ثَلَاثَةٌ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ لِمَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ الْقُعُودِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتَشْفَى بِذَلِكَ مِنْ مَرَضٍ وَهُوَ وَجَعُ الصُّلْبِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْعَرَبُ تَسْتَشْفِي بِالْبَوْلِ قِيَامًا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقُعُودِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لِكَثْرَةِ النَّجَاسَةِ، فَكَأَنَّهُ بَالَ قَائِمًا مِنْ عُلُوٍّ إلَى أَسْفَلَ.
قَوْلُهُ: (فِي الشِّتَاءِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الصَّيْفُ بِالْأَوْلَى ح ف. لِمَا قِيلَ إنَّ بَوْلَةً فِي الْحَمَّامِ فِي الصَّيْفِ قَائِمًا خَيْرٌ مِنْ شُرْبِ الدَّوَاءِ عَشْرَ مَرَّاتٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ حَافِيًا) وَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يُنَحِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ مُعَظَّمٍ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا أَنْ يَحْمِلَ فِي الْخَلَاءِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ مِنْ اسْمِ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، وَشَمِلَ الْمُعَظَّمُ اسْمَ نَفْسِهِ كَأَنْ نَقَشَ اسْمَهُ وَكَانَ مُعَظَّمًا عَلَى خَاتَمٍ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ الْمَحَلَّاتِ الْمُسْتَقْذَرَةِ بِمَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ فِي اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا ذُكِرَ كَالصَّاغَةِ وَمَحَلِّ الْمَكْسِ وَنَحْوِهَا؛ لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ فِيهَا وَهِيَ صَوْنُهُ عَنْ الْمَحَلَّاتِ الْقَذِرَةِ، فَلَوْ دَخَلَ بِهِ وَلَوْ عَمْدًا غَيَّبَهُ نَدْبًا بِنَحْوِ ضَمَّ كَفِّهِ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ فِي يَسَارِهِ خَاتَمٌ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ نَزْعُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِحُرْمَةِ تَنَجُّسِهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّا لَوْ خُلِقَ عَلَى يَسَارِهِ صُورَةُ جَلَالَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ هَلْ يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْيَسَارِ؟ . فَأَجَابَ: إنَّهُ يَتَخَيَّرُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِطْ الِاسْمَ بِنَجَاسَةٍ، وَإِلَّا فَبِالْيَمِينِ. اهـ.
أَقُولُ: وَلَوْ خُلِقَ ذَلِكَ فِي الْكَفَّيْنِ مَعًا فَهَلْ يُكَلَّفُ لَفَّ خِرْقَةٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ م ر: فَبِالْيَمِينِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ فِي وُجُوبِهِ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي الْجُمْلَةِ ع ش عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وُجُوبُ الِاسْتِنْجَاءِ حِينَئِذٍ بِالْيَمِينِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي فِي الْيَسَارِ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ.
وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَرْفَعَ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَّا أَنْ يَخَافَ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَيَرْفَعَهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَيُسْبِلَهُ شَيْئًا قَبْلَ انْقِضَاءِ قِيَامِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَاءٍ فِي مَجْلِسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِذَلِكَ أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعُودَ عَلَيْهِ الرَّشَاشُ فَيُنَجِّسُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَالْمُعَدِّ لِذَلِكَ، وَالْمَشَقَّةُ فِي الْمُعَدِّ لِذَلِكَ وَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الْمُغْتَسَلِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ» وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْفَذٌ يَنْفُذُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالْمَاءُ وَعِنْدَ قَبْرٍ مُحْتَرَمٍ احْتِرَامًا لَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ، قَالَ: وَالظَّاهِرُ تَحْرِيمُهُ بَيْنَ الْقُبُورِ الْمُتَكَرِّرِ نَبْشُهَا لِاخْتِلَاطِ تُرْبَتِهَا بِأَجْزَاءِ الْمَيِّتِ انْتَهَى. وَهُوَ حَسَنٌ وَيُحْرَمُ عَلَى الْقَبْرِ، وَكَذَا فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ. .
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيَعْتَمِدُ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ يَسَارَهُ) سَوَاءٌ فِي الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، لَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ الْقَاعِدِ، أَمَّا الْقَائِمُ فَيُفَرِّجُ بَيْنَهُمَا، وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، وَمِثْلُ الْبَوْلِ فِيمَا ذُكِرَ الْغَائِطُ الْمَائِعُ بِخِلَافِ الْجَامِدِ فَإِنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى يَسَارِهِ، وَهَذَا مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَخْشَ التَّنَجُّسَ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ قَاصِرَةٌ عَلَى حَالِ خُرُوجِ الْغَائِطِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَيَعْتَمِدُ يَسَارَهُ نَاصِبًا يُمْنَاهُ بِأَنْ يَضَعَ أَصَابِعَهَا عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ بَاقِيَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ هُنَا اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: إنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: وَأَنْ يَعْتَمِدَ يَسَارَهُ. وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ) إلَخْ. عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ نَاصِبًا يُمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْبِلَهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَسْبَلَ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: أَسْبَلَ إزَارَهُ أَرْخَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُعَدُّ لِذَلِكَ) نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْأَخْلِيَةِ هَوَاءٌ مَعْكُوسٌ كُرِهَ ذَلِكَ فِيهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِمْ، فَالْمَدَارُ عَلَى خَوْفِ عَوْدِ الرَّشَاشِ وَعَدَمِهِ شَرْحُ م ر وح ل.
قَوْلُهُ: (فِي الْمُغْتَسَلِ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ مَحَلِّ اغْتِسَالِهِ ق ل. أَيْ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ مُبَاحًا، وَإِلَّا حَرُمَ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ أَكْثَرُهُ. وَقَالَ م د: أَيْ جَمِيعُ، وَالْوِسْوَاسُ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَصْدَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْطَانَ الَّذِي هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَسْوَسَتْ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَسْوَسَةً وَوِسْوَاسًا بِكَسْرِ الْوَاوِ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ بِالْفَتْحِ هُوَ الِاسْمُ مِثْلُ الزِّلْزَالِ. اهـ بِحُرُوفِهِ. فَالْمُنَاسِبُ هُنَا قِرَاءَتُهُ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمَصْدَرُ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ قَبْرٍ) أَيْ يُكْرَهُ عِنْدَ قَبْرٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَحْرُمَ عِنْدَ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ) بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا إنْ قَصَدَ إهَانَتَهُمْ. قَوْلُهُ: (وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَبْرِ) أَيْ فِيمَا يُحَاذِي الْمَيِّتَ وَلَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ وَشَهِيدٍ ق ل.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا) أَيْ يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ أَمِنَ التَّلْوِيثَ بِخِلَافِ نَحْوَ الْفَصْدِ لِلْعَفْوِ عَنْ جِنْسِ الدَّمِ ق ل.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ حِلَّ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِمُسْتَبْرِئٍ يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ لِمَنْعِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ سَوَاءٌ السَّلَسُ وَغَيْرُهُ، وَأَقَرَّهُ سم. وَمُرَادُ ابْنُ حَجَرٍ بِالدُّخُولِ مَا يَشْمَلُ الْمُكْثَ، وَمِثْلُ الْمُسْتَبْرِئِ بِالْأَوْلَى الْمُسْتَنْجِي بِالْأَحْجَارِ. وَقَوْلُهُ: يَدُهُ عَلَى ذَكَرِهِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ نَحْوِ خِرْقَةٍ عَلَى ذَكَرِهِ أَمْ لَا. ع ش عَلَى م ر.
فَرْعٌ: يَحْرُمُ إلْقَاءُ الْقَمْلِ مَيِّتًا فِي الْمَسْجِدِ، وَكَذَا حَيًّا؛ لِأَنَّهُ يَمُوتُ وَيَصِيرُ نَجَاسَةً، وَمِنْهُ إلْقَاءُ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ بِالْمَسْجِدِ وَفِيهِ الْقَمْلُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَلْقَاهُ زَمَنًا يَمُوتُ فِيهِ الْقَمْلُ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ لَهُ تَعْذِيبٌ مِنْ الْجُوعِ حَرُمَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِإِلْقَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ. وَاخْتَارَ الْعَلَّامَةُ الْبُرُلُّسِيُّ فِي إلْقَاءِ الْقَمْلِ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا؛ لِأَنَّ التَّعْذِيبَ غَيْرُ مُحَقَّقٍ. وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ فِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ عَنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يَحْرُمُ إلْقَاؤُهُ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا وَمَيِّتًا، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْغُوثَ يَعِيشُ بِأَكْلِ التُّرَابِ دُونَهُ، فَفِي طَرْحِهِ حَيًّا تَعْذِيبٌ لَهُ بِالْجُوعِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُلْقِيَ ثِيَابَهُ وَفِيهَا قَمْلٌ قَبْلَ قَتْلِهِ، وَأَمَّا قَتْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَوِّثَ أَرْضَهُ فَجَائِزٌ، كَأَنْ يَكُونَ عَلَى نَحْوِ شَفَقَةٍ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَدَفْنُهُ فِيهِ حَرَامٌ، بِرْمَاوِيٌّ.
وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ بِنَحْوِ تَنَحْنُحٍ وَنَتْرِ ذَكَرٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، وَالْقَصْدُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بِمَجْرَى الْبَوْلِ شَيْءٌ يَخَافُ خُرُوجَهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ هَذَا بِأَدْنَى عَصْرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكَرُّرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَمَا قَالَ بِهِ الْبَغَوِيّ، وَجَرَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ عَدَمُ عَوْدِهِ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِمُقْتَضَى عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَبْرِئْ خَرَجَ مِنْهُ، وَيُكْرَهُ حَشْوُ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بِنَحْوِ قُطْنٍ، وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ فِي مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ يُورِثُ وَجَعًا فِي الْكَبِدِ.
وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ أَيْ أَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ، اللَّهُمَّ أَيْ يَا اللَّهُ إنِّي أَعُوذُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَكَذَا مِنْ الْغَائِطِ ق ل. قَالَ ع ش عَلَى م ر: وَانْظُرْ بِمَاذَا يَحْصُلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا، وَقِيَاسُ مَا فِي الْمَرْأَةِ أَنَّهُ يَضَعُ الْيُسْرَى عَلَى مَجْرَى الْغَائِطِ وَيَتَحَامَلُ عَلَيْهِ لِيَخْرُجَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَضَلَاتِ إنْ كَانَتْ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي جُمْلَةِ الصُّوَرِ الْمُحَصِّلَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَمَسْحِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مَجَامِعَ الْعُرُوقِ بِيَدِهِ. اهـ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ انْقِطَاعِهِ) أَيْ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَنَتْرِ ذَكَرٍ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَيْفِيَّةُ النَّتْرِ أَنْ يَمْسَحَ بِيُسْرَاهُ مِنْ دُبُرِهِ إلَى رَأْسِ ذَكَرِهِ، وَيُعِيدُهُ بِلُطْفٍ لِيَخْرُجَ مَا بَقِيَ إنْ كَانَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهِمَا مِنْ الْإِحَاطَةِ بِالذَّكَرِ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ أَصَابِعَ يَدِهَا الْيُسْرَى عَلَى عَانَتِهَا. اهـ.
قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَنْتَهِيَ) أَيْ فِي الْخِصَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْعَصْرِ وَالتَّنَحْنُحِ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ الْمَنْفِيِّ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الظَّاهِرَ) إلَخْ عِلَّةٌ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّ عَامَّةَ) أَيْ جَمِيعَ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ) أَيْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَلَا يَرِدُ السَّلِسُ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّهِ مَعَ الْعَصَبِ، وَعِبَارَةُ ق ل قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ حَشْوُ إلَخْ. بَلْ يَحْرُمُ إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ يَجِبُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي السَّلِسِ بِهَذَا الشَّرْطِ.
قَوْلُهُ: (وَإِطَالَةُ الْمُكْثِ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ.
قَوْلُهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) وَلَمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ ق ل.
فَائِدَةٌ: مِنْ أَدَامَ نَظَرَهُ إلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْوَجْهِ، وَمَنْ تَفَلَ عَلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهُ اُبْتُلِيَ بِصُفْرَةِ الْأَسْنَانِ، وَمَنْ تَمَخَّطَ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ التَّلَفُّتِ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ خُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام:«لَا تَمَخَّطُوا عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنَّ مِنْهُ يَكُونُ الْبَاسُورُ» وَمِثْلُ الْمُخَاطِ الْبُصَاقُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ وُصُولِهِ إلَى مَكَانِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ) وَهُوَ مَحَلٌّ جُلُوسِهِ فِي الْفَضَاءِ، وَمَحَلُّ دُخُولِهِ الْخَلَاءَ كَبَابِهِ، وَإِنْ بَعُدَ مَحَلُّ الْجُلُوسِ كَدِهْلِيزٍ طَوِيلٍ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ قَالَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَصِّنَهُ كَمَا إذَا تَلَفَّظَ بِهِ، فَلَوْ كَانَ الْجِنِّيُّ أُطْرُوشًا فَلَا مَانِعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُلْهِمُهُ أَنَّ هَذَا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ، وَلَوْ دَخَلَ الْخَلَاءَ مَثَلًا بِطِفْلٍ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الطِّفْلِ، فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الطِّفْلِ بِاسْمِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك، أَوْ يَقُولُ إنَّهُ تَعَوَّذَ بِك وَفِي ظَنِّيِّ أَنَّ الْغَاسِلَ لِلْمَيِّتِ يَقُولُ بَعْدَ الْغُسْلِ مَا يَقُولُهُ الْمُغْتَسِلُ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْ التَّوَّابِينَ إلَخْ. أَوْ اجْعَلْنَا، وَإِيَّاهُ إلَخْ. فَلْيُرَاجَعْ شَرْحُ الْعُبَابِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَمِنْ ذَلِكَ إرَادَةُ أُمِّ الطِّفْلِ وَضْعَ الطِّفْلِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَمِنْهُ إجْلَاسُهُ عَلَى مَا يُسَمُّونَهُ بِالْقَصْرِيَّةِ فِي عُرْفِهِمْ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بِاسْمِ اللَّهِ) يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْبَاءِ فِي الرَّسْمِ فِي هَذَا النَّحْلِ، وَإِنَّمَا حُذِفَتْ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهَا، وَكَذَا لَفْظُ اللَّهِ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ، فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ حُذِفَتْ لِمَا ذُكِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الْقُرْآنَ فَإِنْ فَعَلَهُ كُرِهَ، وَقِيلَ يَحْرُمُ، وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلُّ الذِّكْرِ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ