الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ.
تَتِمَّةٌ: يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ
؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْهُ، وَشَيْئَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا: الْمُكْثُ لِمُسْلِمٍ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَسْجِدِ أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَيَتَعَلَّقُ بِالْعَلَقَةِ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: وُجُوبُ الْغُسْلِ، وَإِفْطَارُ الصَّائِمَةِ، وَتَسْمِيَةُ الْخَارِجِ عَقِبَهَا نِفَاسًا، وَتَزِيدُ الْمُضْغَةُ عَلَى الْعَلَقَةِ بِأَنَّهَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ، وَيَحْصُلُ بِهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَأُمِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَإِذَا وَلَدَتْ الصَّائِمَةُ وَلَدًا جَافًّا فَإِنَّهَا تُفْطِرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وم ر. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ مِنْ نَحْوِ الْوِلَادَةِ لَا مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ إنَّمَا تُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى التَّامِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ) لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُوجِبُ الْغُسْلَ مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ الْوِلَادَةُ بِلَا بَلَلٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ. بِرْمَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْوَلَدَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْوِلَادَةِ لَا أَنَّ نَفْسَ الْوِلَادَةِ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ) وَالْبَلَلُ هُوَ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي انْعَقَدَ مِنْهُ الْوَلَدُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مِنْهُ بَقِيَّةُ فِي الْكِيسِ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ:(فَأُقِيمَ) أَيْ الْوَلَدُ. وَقَوْلُهُ: (مَقَامَهُ) أَيْ الْبَلَلِ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَخْلُو عَنْ بَلَلٍ غَالِبًا) قَالَ سم: يَنْبَغِي التَّأَمُّلُ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ بَلَلٍ فَإِنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا بِالْبَلَلِ الَّذِي لَا تَخْلُو عَنْهُ مَا لَيْسَ دَمًا، فَهَذَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ مَا هُوَ دَمٌ، فَإِنْ أَرَادُوا مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، أَوْ مَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ فَهَذَا مُوجِبٌ آخَرُ غَيْرَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نِفَاسٌ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَوْ حَيْضٌ كَالْخَارِجِ عَقِبَ أَوَّلِ تَوْأَمَيْنِ، وَالْكَلَامُ لَيْسَ إلَّا فِي الْإِيجَابِ بِمُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ الْبَلَلَ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَنِيِّ الْمُنَجَّسِ فِي خَرِيطَةِ الْوَلَدِ مَعَهُ لِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مُصَاحَبَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ انْعِقَادِ الْوَلَدِ حُصُولَ مَنِيِّهَا.
[تَتِمَّةٌ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَا حَرُمَ بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ]
قَوْلُهُ: (تَتِمَّةٌ) أَيْ مُنَاسَبَةٌ لِهَذَا الْفَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ سَبَبَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ حُكْمَهَا، وَكَانَ الْأَوْلَى عَدَمَ ذِكْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَتَأْخِيرُ الْكَلَامِ عَلَيْهِمَا عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ حَرُمَ بِهِمَا الشَّيْئَانِ الْآخَرَانِ الْمَذْكُورَانِ هُنَا يَحْرُمُ بِهِمَا أَيْضًا أَشْيَاءُ أُخَرُ غَيْرَ الْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ. وَقَوْلُهُ:(بِالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ) قَدْ يُقَالُ فِيهِ حَوَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ سَيَأْتِي يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِمَا يَحْرُمُ فِيهِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَذِهِ التَّتِمَّةَ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنْهَاجِ وَالْمَنْهَجِ، وَإِلَّا فَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (الْمُكْثُ) وَأَقَلُّهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ.
قَوْلُهُ: (لِمُسْلِمٍ) أَيْ بَالِغٍ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ جُنُبًا كَالْقِرَاءَةِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِحَاجَةِ تَعَلُّمِهِ وَيُمْنَعُ الْبَالِغُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (بِالْمَسْجِدِ) وَلَوْ شَائِعًا وَتَجِبُ قِسْمَتُهُ فَوْرًا، وَيُسْتَحَبُّ لِدَاخِلِهِ التَّحِيَّةُ وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ز ي. وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْحُرْمَةِ تَحَقُّقُ الْمَسْجِدِيَّةِ، أَوْ يُكْتَفَى بِالْقَرِينَةِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَالْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ فَالِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَصْلَهُ كَالْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِمِنَى شَرْحُ م ر. وَمِنْ ذَلِكَ الْمَسَاجِدِ الْمُحْدَثَةِ بِسَاحِلِ بَحْرِ بُولَاقَ وَمِصْرَ الْقَدِيمَةِ، فَإِنَّ وَقْفَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهَا فِي حَرِيمِ الْبَحْرِ انْتَهَى. اج.
وَمِثْلُ الْمَسْجِدِ رَحْبَتُهُ وَهَوَاؤُهُ وَجَنَاحٌ بِجِدَارِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ. انْتَهَى مَرْحُومِيٌّ. وَمِنْهُ شَجَرَةٌ أَصْلُهَا فِيهِ، وَإِنْ جَلَسَ عَلَى فَرْعِهَا الْخَارِجِ عَنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهَا خَارِجًا عَنْهُ وَفَرْعُهَا فِيهِ، وَمَكَثَ عَلَى فَرْعِهَا فِي هَوَائِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى فَرْعِ شَجَرَةٍ أَصْلُهَا خَارِجٌ عَنْ أَرْضِ عَرَفَاتِ وَفَرْعُهَا فِي هَوَائِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَهَا لَا يُسَمَّى عَرَفَاتٍ بِرْمَاوِيٌّ. وَلَا يَكْفِي الْوُقُوفُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهَا، وَالْفَرْعُ فِي هَوَائِهَا ع ش.
قَوْلُهُ: (أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ) بِخِلَافِ الْعُبُورِ كَمَا يَأْتِي، وَمِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ لِأَخْذِ حَاجَةٍ وَيَخْرُجَ مِنْ الْبَابِ الْآخَرِ، ثُمَّ عَنَّ لَهُ الرُّجُوعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إلَّا مِنْهُ كَخِزَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهَا لَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ فُسْحَةٌ عَظِيمَةٌ. وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ. وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ جَوَازُ الْمُكْثِ لِلْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عُبُورُ سَبِيلٍ، بَلْ فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى:{لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ أَبَوَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: إنَّهُ حَسَنٌ وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَمَا لَا يَحْرُمُ لَا يُكْرَهُ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ أَقْرَبَ طَرِيقَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ كُرِهَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَحَيْثُ عَبَرَ لَا يُكَلَّفُ الْإِسْرَاعَ فِي الْمَشْيِ بَلْ يَمْشِي عَلَى الْعَادَةِ، وَبِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالْوُضُوءِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَجِبُ فِي الْوُضُوءِ عِنْدَهُ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَالدَّلْكُ وَالْمُوَالَاةُ فَوَاجِبَاتُ الْوُضُوءِ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ فَرَاجِعْهُ. وَيَجُوزُ النَّوْمُ فِيهِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَعَمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَى الْمُصَلِّينَ أَوْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ، وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَتْ بِنَعْلِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا الْبَوْلُ فِيهِ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ فِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ، وَلَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ فِيهِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا جُنُبًا) حَالٌ مِنْ الْوَاوِ فِي لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُتَعَدِّدُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ) هَذَا الْمُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ: وَلَا جُنُبًا. وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا لَا مِنْ مَوَاضِعِهَا، وَالْأَوْلَى حَمْلُ الصَّلَاةِ فِي الْآيَةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَمَجَازِهَا. وَهُوَ الْمَوَاضِعُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَنَظِيرُهُ) أَيْ فِي تَقْدِيرِ الْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ وَصَلَوَاتٌ أَيْ وَمَوَاضِعُ صَلَوَاتٍ.
قَوْلُهُ: (الْعُبُورُ) أَيْ الْمُرُورُ بِهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ بَابَانِ، فَدَخَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَخَرَجَ مِنْ الْآخَرَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ بَابٌ وَاحِدٌ فَيَمْتَنِعُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِ لَمْ يَحْرُمْ الْمُرُورُ، إذْ الْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ لَا لِلْمُرُورِ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَى عَزْمِ أَنَّهُ مَتَى وَصَلَ لِلْبَابِ الْآخَرَ رَجَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ التَّرَدُّدَ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً إلَّا فِيهِ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَيَتَيَمَّمُ لِذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَمِنْ الْعُبُورِ السَّابِحِ فِي نَهْرٍ فِيهِ أَوْ رَاكِبٍ دَابَّةً تَمُرُّ فِيهِ أَوْ عَلَى سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ مَجَانِينُ أَوْ مَعَ عُقَلَاءَ، وَالْعُقَلَاءُ مُتَأَخِّرُونَ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ، أَمَّا لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ عُقَلَاءَ أَوْ الْبَعْضُ عُقَلَاءَ وَالْبَعْضُ مَجَانِينَ وَتَقَدَّمَ الْعُقَلَاءُ حَرُمَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ السَّيْرُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مَاكِثٌ. انْتَهَى اج.
قَالَ سَيِّدِي عَلِيٌّ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الزَّهَرَاتِ الْوَرْدِيَّةِ: سُئِلَ عَنْ بِئْرِ زَمْزَمَ هَلْ هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ . وَهَلْ الْبَوْلُ فِيهَا كَالْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ: لَيْسَتْ زَمْزَمُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَالْبَوْلُ فِيهَا أَوْ حَرِيمِهَا لَيْسَ بَوْلًا فِي الْمَسْجِدِ وَلِلْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي ذَلِكَ. انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّ بِئْرَ زَمْزَمَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى إنْشَاءِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَلَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي وَقْفِيَّتِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُهُ، وَكَذَلِكَ الْكَعْبَةُ لَيْسَ مِنْهُ لِبِنَاءِ الْمَلَائِكَةِ لَهَا قَبْلَ آدَمَ. فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مُكْثُ الْجُنُبِ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَيْهَا إلَّا بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّهَا فِي وَسَطِهِ مُقَابِلَةً لِلْكَعْبَةِ مِنْ الْجِهَةِ الشَّرْقِيَّةِ؟ . قُلْت: يُصَوَّرُ ذَلِكَ بِمَنْ نَامَ فِي حَرِيمِ الْبِئْرِ فَحَصَلَتْ لَهُ جَنَابَةٌ، فَيَجُوزُ لَهُ الْمُكْثُ، أَوْ بِمَنْ عَبَرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِيَغْتَسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَخَرَجَ بِالْمُكْثِ وَالتَّرَدُّدِ الْعُبُورُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ كُرِهَ) ظَاهِرُهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ، وَهُوَ مُسَلَّمٌ فِي الْأَوَّلِ إنْ أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ. وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ لَا مَكْرُوهٌ. قَوْلُهُ:(فَإِنَّهُ يُمْكِنُ إلَخْ) لَكِنْ لَيْسَ لَهُ وَلَوْ غَيْرَ جُنُبٍ دُخُولُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ مَعَ إذْنِ مُسْلِمٍ بَالِغٍ أَوْ جُلُوسِ قَاضٍ فِيهِ لِلْحُكْمِ أَوْ مُفْتٍ لِلْإِفْتَاءِ ابْنُ حَجَرٍ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّمْكِينِ، أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا، وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَالرُّبَطُ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَبِلَا عُذْرٍ مَا إذَا حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ، فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَثَانِيهِمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ فِي حَقِّ النَّاطِقِ، وَبِالْإِشَارَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ النُّطْقِ هُنَا، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَيْهِ الْجُلُوسُ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ خِطَابَ عِقَابٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ أَيْ يُمَكَّنُ مِنْهَا إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ. فَإِنْ قِيلَ: كَانَ مُقْتَضَى الْمُقَابَلَةِ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ؟ . أُجِيبَ: بِأَنَّ فِيمَا تَقَدَّمَ شَيْئًا مُقَدَّرًا هَذَا مُحْتَرَزُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَكَثَ مُسْلِمٌ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ خَصَائِصِهِ) وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ. قَوْلُهُ: (دُخُولَهُ) أَيْ مُكْثَهُ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ جَوَازَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ) فَلَوْ مَكَثَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ لِعُذْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَامَعَتُهَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَهُمَا مَارَّانِ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ يَغْسِلَ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلُهُ مِنْ بَدَنِهِ، إذْ الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ بِرْمَاوِيٌّ. قَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمَا يَقَعُ لِلشَّخْصِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنَامُ عِنْدَ نِسَاءٍ أَوْ أَوْلَادٍ مُرْدٍ وَيَحْتَلِمُ وَيَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي عِرْضِهِ إذَا اغْتَسَلَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَغَسَّلُ: وَهَذَا عُذْرٌ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنْ الْخَوْفِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ، لَكِنْ يَغْسِلُ مِنْ بَدَنِهِ مَا يُمْكِنُهُ غَسْلَهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيَقْضِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَجُوزُ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْجَوَازَ ق ل. وَعِبَارَةُ م ر: يَتَيَمَّمُ حَتْمًا لَا بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَهُوَ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ فَيَحْرُمُ، وَهَذَا التَّيَمُّمُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا جَنَابَةٌ أُخْرَى. انْتَهَى مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَثَانِيهِمَا يَحْرُمُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ) الْمُنَاسِبِ وَثَانِيهِمَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ غَيْرُ نَبِيٍّ، وَهَلْ التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ لِإِخْرَاجِ الْكَافِرِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي لَمْ يُكَلَّفْ بِهَا كَالْجِهَادِ قِيلَ بِهِ. وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ بِالْمُسْلِمِ رَحْمَانِيٌّ.
وَقَالَ ع ش عَلَى م ر: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَوَازِ الْمُكْثِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ حُرْمَتِهَا بِعَدَمِ قَصْدِ الْقُرْآنِ، فَكَانَ لِلتَّحْرِيمِ مِنْهُ وَجْهٌ وَلَا كَذَلِكَ الْمَسْجِدُ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ ذَاتِيَّةٌ فَلَا يَنْفَكُّ تَحْرِيمُ الْمُكْثِ فِيهِ بِحَالٍ، فَاغْتُفِرَ لَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ غَيْرَ نَبِيٍّ لَيْسَا بِقَيْدَيْنِ. اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ شَرَفٍ قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ أَيْ مِنْ مُسْلِمٍ بَالِغٍ، أَمَّا الْكَافِرُ الْمَرْجُوُّ إسْلَامُهُ فَلَنَا تَمْكِينُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ لَا مِنْ الْمَسِّ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكِدٌ. اهـ. فَإِنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ مُنِعَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَنْعِ كَوْنُهُ مِنْ الْإِمَامِ، بَلْ يَجُوزُ مِنْ الْآحَادِ؛ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ الشَّيْخُ خ ض: وَشَمِلَ قَوْلُهُ قِرَاءَةَ قُرْآنٍ مَا لَوْ قَرَأَ آيَةً لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا فَيَحْرُمُ قِرَاءَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
قَوْلُهُ: (مَنْزِلَةُ النُّطْقِ هُنَا) وَلِبَعْضِهِمْ:
إشَارَةُ الْأَخْرَسِ مِثْلُ نُطْقِهِمْ
…
فِيمَا عَدَا ثَلَاثَةً لِصَدْقِهِ
فِي الْحِنْثِ وَالصَّلَاةِ وَالشَّهَادَةِ
…
تِلْكَ ثَلَاثَةُ بِلَا زِيَادَةٍ
وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ الْبَسِيطِ:
وَغَيْرِهِ: «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» . وَلِمَنْ بِهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ إجْرَاءُ الْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِهِ وَنَظَرٌ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَتَحْرِيكُ لِسَانِهِ وَهَمْسُهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِرَاءَةِ قُرْآنِ، وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وُجُوبًا فَقَطْ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا أَمَّا خَارِجُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، وَيَحِلُّ لِمَنْ ذُكِرَ أَذْكَارُ الْقُرْآنِ وَغَيْرُهَا كَمَوَاعِظِهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَحْكَامِهِ لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ كَقَوْلِهِ عِنْدَ الرُّكُوبِ:{سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] أَيْ مُطِيقِينَ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الذِّكْرِ حَرُمَ، وَإِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
إشَارَةُ الْخُرْسِ تَجْرِي مِثْلُ نَظْمِهَا
…
إلَّا الصَّلَاةَ شَهَادَاتٍ وَحِنْثَهُمْ
فَإِذَا أَشَارَ بِكَلَامٍ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِشَارَتُهُ بِالْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ لَا تُبْطِلُهَا، وَإِشَارَتُهُ بِالشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ.
قَوْلُهُ: (لَا يَقْرَأُ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى النَّهْيِ وَبِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الْمُرَادِ بِهِ النَّهْيُ، هَذَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ الرِّوَايَةُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ اتِّبَاعُهَا. قَوْلُهُ:(وَقِرَاءَةُ مَا نُسِخَتْ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا) أَيْ الْإِجْرَاءَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَفَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ الْجُنُبُ. قَوْلُهُ: (لِلصَّلَاةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي النَّوَافِلَ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ إلَّا وَاجِبًا وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَمِنْهُ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَأَجْنَبَ وَفَقَدَ الطَّهُورَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا نَذَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الَأُجْهُورِيُّ، فَالْمُمْتَنِعُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّنَفُّلُ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا فِي الْإِرْشَادِ فَهُوَ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ صَلَاةَ الْفَرْضِ وَقِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهِ فَالْقِرَاءَةُ الْمَنْذُورَةُ هُنَا كَالْفَاتِحَةِ ثُمَّ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَالنَّذْرُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ شَرْعِيٌّ أَصَالَةً حَتَّى يُرَاعَى كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. وَسَامِعُ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ يُثَابُ، وَإِنْ حَرُمَتْ الْقِرَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِلْقِرَاءَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحُرْمَةُ عَلَى الْقَارِئِ، وَانْظُرْ هَلْ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ الْمَنْذُورَةَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ لَا. وَمِثْلُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَدَلُهَا الْقُرْآنِيُّ لِمَنْ عَجَزَ عَنْهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ الْقِرَاءَةَ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَكَذَا قِرَاءَةُ آيَةٍ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهَا) وَحِينَئِذٍ يُقَالُ لَنَا شَخْصٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوقِعَهَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ ح ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُوطَأَ الْحَائِضُ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ، وَأَتَى الشَّارِحُ بِهِ دَفْعًا لِمَا يُقَالُ: إنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا تَمْكِينُ زَوْجِهَا كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ إذَا فَقَدَتْ الطَّهُورَيْنِ. فَقَالَ: وَلَا أَنْ تُوطَأَ إلَخْ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالتَّمْكِينِ أَنَّ الصَّلَاةَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ بِخِلَافِ التَّمْكِينِ إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ.
قَوْلُهُ: (أَذْكَارَ الْقُرْآنِ إلَخْ) سَوَاءٌ وَجَدَ نَظْمَهُ فِي الْقُرْآنِ أَمْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ: (لَا بِقَصْدِ قُرْآنٍ) بِأَنْ كَانَ يَقْصِدُ الذِّكْرَ أَوْ أَطْلَقَ. قَوْلُهُ: (كَمَوَاعِظِهِ) وَجُمْلَةُ أَنْوَاعِهِ تِسْعَةٌ مَنْظُومَةٌ فِي قَوْلِهِ:
أَلَا إنَّمَا الْقُرْآنُ تِسْعَةُ أَحْرُفٍ
…
فَخُذْهَا بِبَيْتٍ قَدْ أَتَاك بِلَا جَدَلٍ
حَلَالٌ حَرَامٌ مُحْكَمٌ مُتَشَابِهٌ
…
بَشِيرٌ نَذِيرٌ قِصَّةٌ عِظَةٌ مَثَلٌ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ قِيلَ إنَّهُمَا لِلسُّيُوطِيِّ، وَالْمُرَادُ بِالْأَحْرُفِ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ التِّسْعَةُ.
قَوْلُهُ: (سُبْحَانَ) عِبَارَةُ الْمُنَاوِيِّ عَلَى الشَّمَائِلِ: لَمَّا كَانَ تَسْخِيرُ الدَّوَابِّ لَنَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ تَعَالَى نَاسَبَ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ أَنْ نُنَزِّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ حَيْثُ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَقِيلَ: هُوَ تَنْزِيهٌ لَهُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى مَكَان كَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ: {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] مُطِيقِينَ لَوْلَا تَسْخِيرُهُ، وَلَمَّا كَانَ رُكُوبُ الدَّابَّةِ مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، فَقَدْ يَنْقَلِبُ عَنْهَا فَيَهْلِكُ تَذَكَّرَ الِانْقِلَابَ إلَى