الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّهَارَةِ] هَذَا
كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ لُغَةً مَعْنَاهُ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ يُقَالُ كَتَبْت كَتْبًا وَكِتَابَةً وَكِتَابًا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَكَتَّبَتْ بَنُو فُلَانٍ إذَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
[كِتَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ]
لَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ أَوْلَى، فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ كَمَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ ذَكَرَ نَفْسَهَا حَيْثُ بَيَّنَ الْوُضُوءَ بِبَيَانِ أَرْكَانِهِ وَسُنَنِهِ، وَبَيَّنَ الْغُسْلَ وَالتَّيَمُّمَ وَإِزَالَةَ النَّجَاسَةِ، أَوْ كَأَنْ يَقُولَ الشَّارِحُ: كِتَابُ بَيَانِ الطَّهَارَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ هُنَا مَعَانِي الْإِضَافَةِ الثَّلَاثَةُ مِنْ وَاللَّامُ وَفِي، أَمَّا مِنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ الطَّهَارَةِ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِهَا نَحْوُ: خَاتَمُ فِضَّةٍ أَيْ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَمَّا اللَّامُ فَالْمَعْنَى هَذَا كِتَابٌ لِلطَّهَارَةِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ مُخْتَصٌّ بِالطَّهَارَةِ مِنْ بَيْنِ كُتُبِ الْفِقْهِ لَا يُشَارِكُ الطَّهَارَةَ فِيهِ غَيْرُهَا مِنْ أَجْنَاسِ الْفِقْهِ، وَأَمَّا " فِي " فَتَقْدِيرُهُ هَذَا كِتَابٌ فِي الطَّهَارَةِ أَيْ مَظْرُوفٌ فِي الطَّهَارَةِ مُنْدَرِجٌ فِي سِلْكِ أَحْكَامِهَا شَوْبَرِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (اعْلَمْ أَنَّ الْكِتَابَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ التَّرَاجِمَ هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا قَالَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وح ف الْمَشْهُورَةُ خَمْسَةٌ: الْكِتَابُ وَالْبَابُ وَالْفَصْلُ وَالْفَرْعُ وَالْمَسْأَلَةُ وَكُلٌّ لَهُ مَعْنًى لُغَوِيٌّ وَمَعْنًى اصْطِلَاحِيٌّ فَتِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي، وَقِيلَ أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ، وَقِيلَ لِلْمَعَانِي، وَقِيلَ لِلنُّقُوشِ، وَقِيلَ لِاثْنَيْنِ مِنْهَا، وَقِيلَ لِلثَّلَاثَةِ؛ فَهِيَ سَبْعَةُ احْتِمَالَاتٍ:
الْأَوَّلُ: الْمُخْتَارُ وَتَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ. فَالْبَابُ فُرْجَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَبِالْعَكْسِ. وَالْفَصْلُ الْحَاجِزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ. وَالْفَرْعُ مَا بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ وَالْأَصْلُ عَكْسُهُ. وَالْمَسْأَلَةُ لُغَة السُّؤَالُ وَعُرْفًا مَطْلُوبٌ خَبَرِيٌّ يُبَرْهَنُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ أَيْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْبُرْهَانُ أَيْ الدَّلِيلُ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَهِيَ تُطْلَقُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَالْحُكْمِ، وَعَلَى الْحُكْمِ فَقَطْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ فَمَطْلَبٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُبْحَثُ عَنْهُ فَمَبْحَثٌ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُدَّعَى فَمُدَّعَى، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِالْحُجَّةِ فَنَتِيجَةٌ. اهـ. م د. وَأَشَارُوا بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا إلَى خُلُوِّ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ: الْبَابُ اصْطِلَاحًا اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْكِتَابِ وَالْفَصْلِ فَإِنْ جَمَعْت الثَّلَاثَةَ قُلْت الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ فَالْكِتَابُ كَالْجِنْسِ الْجَامِعِ لِأَبْوَابٍ جَامِعَةٍ لِفُصُولٍ جَامِعَةٍ لِمَسَائِلَ فَالْأَبْوَابُ أَنْوَاعُهُ وَالْفُصُولُ أَصْنَافُهُ وَالْمَسَائِلُ أَشْخَاصُهُ اهـ كَلَامُهُ فَالثَّلَاثَةُ كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إذَا اجْتَمَعَتْ افْتَرَقَتْ وَإِذَا افْتَرَقَتْ اجْتَمَعَتْ.
قَوْلُهُ: (لُغَةً) أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ أَوْ حَالَةَ كَوْنِهِ لُغَةً، أَوْ أَعْنِي لُغَةً أَوْ فِي اللُّغَةِ، فَالنَّصْبُ عَلَى التَّمْيِيزِ لِلنِّسْبَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النِّسْبَةِ الْكَلَامِيَّةِ، أَوْ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ عَلَى مَا فِيهِ، لَكِنْ الرَّاجِحُ أَنَّهُ سَمَاعِيٌّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفِينَ يُنْزِلُونَهُ مَنْزِلَةَ الْمَسْمُوعِ لِكَثْرَتِهِ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ. وَالْمُرَادُ بِاللُّغَةِ لُغَةُ الْعَرَبِ وَهِيَ أَلْفَاظٌ وَضَعَهَا الْوَاضِعُ يُعَبِّرُ بِهَا كُلُّ قَوْمٍ عَنْ أَغْرَاضِهِمْ، وَالْوَاضِعُ لَهَا قِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلَقَ أَلْفَاظًا
اجْتَمَعُوا وَكَتَبَ إذَا خَطَّ بِالْقَلَمِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُشْتَقًّا مِنْ الْكَتْبِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ الْمَصْدَرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَزِيدَ يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ وَاصْطِلَاحًا اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْبَابِ وَبِالْفَصْلِ أَيْضًا فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ قِيلَ الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ وَفُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا وَالْبَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْكِتَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا وَالْفَصْلُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْبَابِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مَسَائِلَ غَالِبًا وَالْبَابُ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْفَصْلُ لُغَةً الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْكِتَابُ هُنَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ مُضَافٌ إلَى مَحْذُوفَيْنِ كَمَا قَدَّرْته وَكَذَا يُقَدَّرُ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَوْ بَابٍ أَوْ فَصْلٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَوَضَعَهَا بِإِزَاءِ الْمَعَانِي، وَخَلَقَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا فِي أُنَاسٍ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ مَوْضُوعَةٌ لِتِلْكَ الْمَعَانِي، وَقِيلَ الْوَاضِعُ لَهَا الْبَشَرُ بِاصْطِلَاحٍ وَتَوَافُقٍ بَيْنَهُمْ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَمْعُ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ كُلَّ ضَمٍّ فِيهِ جَمْعٌ وَلَا عَكْسَ لِأَخْذِ التَّلَاصُقِ فِي مَفْهُومِ الضَّمِّ دُونَ الْجَمْعِ.
قَوْلُهُ: (يُقَالُ كَتَبْت كَتْبًا) أَيْ يُقَالُ قَوْلًا جَارِيًا عَلَى طَرِيقَةِ اللُّغَةِ، وَقَوْلُهُ: كَتْبًا مَصْدَرٌ لِكَتَبَ وَهُوَ مَقِيسٌ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ: فِعْلٌ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُعَدَّى.
وَأَمَّا اللَّذَانِ بَعْدَهُ فَسَمَاعِيَّانِ: قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ) أَيْ الْخَطِّ. وَقَوْلُهُ: كَتْبًا مَعْنَاهُ الْجَمْعُ. وَقَدَّمَ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ مُجَرَّدٌ وَكَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَهُ كِتَابًا لِأَنَّ فِيهِ حَرْفًا زَائِدًا فَقَطْ، وَكِتَابَةٌ فِيهِ حَرْفَانِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَشْهَرَ مِنْ كِتَابًا قُدِّمَ عَلَيْهِ اهـ اج.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: كَتْبًا مَصْدَرٌ مُجَرَّدٌ، وَكِتَابَةً وَكِتَابًا مَصْدَرَانِ مَزِيدَانِ، وَالْأَوَّلُ مَزِيدٌ بِحَرْفَيْنِ، وَالثَّانِي بِحَرْفٍ وَقَدَّمَ الْمَزِيدَ بِحَرْفَيْنِ لِشُهْرَتِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (الْمَزِيدَ) وَهُوَ الْكِتَابُ وَالْكِتَابَةُ.
قَوْلُهُ: (يُشْتَقُّ مِنْ الْمُجَرَّدِ) وَهُوَ الْكَتْبُ أَيْ يُؤْخَذُ مِنْهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمَصْدَرَ جَامِدٌ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَاصْطِلَاحًا) أَيْ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ أَيْ فِي عُرْفِهِمْ. وَالِاصْطِلَاحُ اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ بَيْنَهُمْ مَتَى أُطْلِقَ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ، وَعَبَّرَ فِي الْكِتَابَةِ عَنْ مُقَابِلِ اللُّغَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَاصْطِلَاحًا، وَفِي الطَّهَارَةِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ مَا تَلْقَى مَعْنَاهَا مِنْ الشَّارِعِ، وَأَنَّ مَا لَمْ يَتَلَقَّ مِنْ الشَّارِعِ يُسَمَّى اصْطِلَاحًا وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ اصْطَلَحُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَلَقَّوْا التَّسْمِيَةَ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ، نَعَمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ فِيمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَقًّى مِنْ الشَّارِعِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْعِلْمِ) أَيْ مِنْ دَالِّ الْعِلْمِ فَلَا يُخَالِفُ مَا اخْتَارَهُ السَّيِّدُ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي أَسْمَاءِ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ وَالْفُصُولِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَخْ) أَيْ هَذَا إنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهَا أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ تُسَمَّى بِأَسْمَاءٍ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهَا إلَخْ. فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِلْمُجْمَلِ السَّابِقِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ:(مُخْتَصَّةٍ) مَعْنَى اخْتِصَاصِهَا كَوْنُهَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: (مُشْتَمِلَةٍ عَلَى أَبْوَابٍ إلَخْ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَيْسَتْ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ بَلْ الْكِتَابُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا ذُكِرَ، فَلَوْ حَذَفَهَا لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِ تَوَقُّفِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهَا، لَكِنْ هَذَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ غَالِبًا كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ. بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ اسْمٌ لِجُمْلَةٍ يَقْتَضِي أَنَّ التَّرْجَمَةَ هِيَ لَفْظُ الْكِتَابِ فَقَطْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّرَاجِمَ مِنْ قَبِيلِ عَلَمِ الْجِنْسِ أَوْ الشَّخْصِ عَلَى الْخِلَافِ فَيَلْزَمُ إضَافَةُ الْعَلَمِ، وَلَوْ جُعِلَتْ التَّرْجَمَةُ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ الْإِضَافِيِّ كَانَ أَحْسَنَ، غَيْرَ أَنَّ الشَّارِحَ عَرَّفَ كُلًّا مِنْ الْجُزْأَيْنِ عَلَى حِدَتِهِ لِبَيَانِ حَالِهِمَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْآنَ لَا مَعْنَى لِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى حِدَتِهِ لِأَنَّهُ جُزْءُ عَلَمٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْبَابُ لُغَةً مَا يُتَوَصَّلُ) أَيْ فُرْجَةٌ يُتَوَصَّلُ إلَخْ. وَأَمَّا الْخَشَبُ فَتَسْمِيَتُهُ بَابًا مَجَازٌ لِلْمُجَاوَرَةِ أَوْ الْحَالِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ. وَأَلْغَزَ بَعْضُهُمْ فِي بَابِ الْخَشَبِ الَّذِي لَهُ مِصْرَاعَانِ فَقَالَ:
خَلِيلَانِ مَمْنُوعَانِ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ
…
يَبِيتَانِ طُولَ اللَّيْلِ يَعْتَنِقَانِ
هُمَا يَحْفَظَانِ الْأَهْلَ مِنْ كُلِّ آفَةٍ
…
وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَفْتَرِقَانِ
قَوْلُهُ: (وَالْكِتَابُ هُنَا) احْتَرَزَ عَمَّا إذَا صَرَّحَ بِالْمُبْتَدَأِ. قَوْلُهُ: (مُضَافٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ خَبَرٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ
بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ وَإِذْ قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ فِي كُلِّ كِتَابٍ أَوْ بَابٍ أَوْ فَصْلٍ اخْتِصَارًا.
وَالطَّهَارَةُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ الْأَنْجَاسُ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ يُقَالُ طَهُرَ بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ يَتَطَهَّرُونَ أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إنَّهُ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ فَيَدْخُلُ فِيهِ غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ لِيَحِلَّانِ لِحَلِيلِهِمَا الْمُسْلِمِ فَإِنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْوَطْءِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَرْفُوعًا مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مَجْرُورًا بِحَرْفِ جَرٍّ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. وَفِي قَوْلِهِ مُضَافٌ إلَى مَحْذُوفَيْنِ تَسَامُحٌ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى بَيَانٍ وَبَيَانٌ مُضَافٌ إلَى أَحْكَامٍ. قَوْلُهُ:(بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ) لَوْ قَالَ بِحَسَبِ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا.
قَوْلُهُ: (وَالْخُلُوصُ مِنْ الْأَدْنَاسِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ لِأَنَّ الْخُلُوصَ مِنْ الْأَدْنَاسِ يَشْمَلُ الْحِسِّيَّةَ كَالْأَنْجَاسِ وَالْمَعْنَوِيَّةَ كَالْعُيُوبِ وَالنَّظَافَةُ خَاصَّةٌ بِالْحِسِّيَّةِ، أَوْ عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبِّبٍ، أَوْ عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ، أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّ النَّظَافَةَ أَيْضًا تَشْمَلُ الْحِسِّيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ:«إنَّ اللَّهَ نَظِيفٌ أَيْ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ يُحِبُّ النَّظَافَةَ» اهـ. قَرَّرَهُ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ قِسْمَانِ عَيْنِيَّةٌ وَحُكْمِيَّةٌ، فَالْعَيْنِيَّةُ هِيَ مَا لَا تَتَجَاوَزُ مَحَلَّ سَبَبِهَا كَمَا فِي غَسْلِ الْيَدِ مَثَلًا عَنْ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّ الْغَسْلَ لَا يُجَاوِزُ مَحَلَّ إصَابَةِ النَّجَاسَةِ، وَالْحُكْمِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُجَاوِزُ مَحَلَّ مَا ذُكِرَ كَمَا فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ عَنْ الْحَدَثِ فَإِنَّ مَحَلَّ السَّبَبِ الْفَرْجُ مَثَلًا حَيْثُ خَرَجَ مِنْهُ خَارِجٌ، وَقَدْ وَجَبَ غَسْلُ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَعْضَاءُ. وَلَهَا وَسَائِلُ وَمَقَاصِدُ، فَوَسَائِلُهَا أَرْبَعٌ. وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْوَسَائِلِ الْمُقَدِّمَاتُ الَّتِي عَبَّرَ بِهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَهِيَ الْمِيَاهُ وَالْأَوَانِي وَالِاجْتِهَادُ وَالنَّجَاسَةُ. وَلَمَّا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُوجِبَةً لِلطَّهَارَةِ عُدَّتْ مِنْ الْوَسَائِلِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمَقَاصِدُهَا أَرْبَعٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَلَمْ يَعُدُّوا التُّرَابَ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالْمِيَاهِ وَلَا الْأَحْدَاثَ مِنْهَا كَالنَّجَاسَةِ، لِأَنَّ التُّرَابَ لَمَّا كَانَ طَهَارَةً ضَرُورَةً لَمْ يُعَدَّ مِنْ الْوَسَائِلِ، وَلَمَّا لَمْ تَتَوَقَّفْ الطَّهَارَةُ عَلَى الْحَدَثِ دَائِمًا بَلْ قَدْ تَجِبُ بِلَا سَبْقِ حَدَثٍ كَالْمَوْلُودِ إذَا أُرِيدَ تَطْهِيرُهُ لِلطَّوَافِ بِهِ لَمْ يَعُدُّوا الْحَدَثَ مِنْهَا أَيْضًا كَمَا قَالَهُ ع ش إطْفِيحِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَالْأَنْجَاسِ) أَيْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ. قَوْلُهُ: (فِي تَفْسِيرِهَا) أَيْ تَعْرِيفِهَا قَوْلُهُ: (وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ إلَخْ) إنَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (فِيهِ) أَيْ تَعْرِيفِهَا. وَقَوْلُهُ: (أَنَّهُ) أَيْ تَعْرِيفَهَا.
قَوْلُهُ: (ارْتِفَاعُ إلَخْ) هَذَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ فَإِنَّ لَهَا إطْلَاقَيْنِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ تُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ مِنْ إطْلَاقِ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ وَتُطْلَقُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ حَقِيقَةً فَتَعْرِيفُهَا الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الْوَصْفُ. وَقَوْلُهُ الْآتِي وَقِيلَ هِيَ فِعْلٌ إلَخْ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، لَكِنْ كُلٌّ مِنْ تَعْرِيفَيْهِ خَاصٌّ بِالطَّهَارَةِ الْوَاجِبَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ: أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ لِيَشْمَلَ الْمَنْدُوبَةَ، وَعَرَّفَهَا ابْنُ حَجَرٍ بِمَا يَعُمُّ الْوَاجِبَةَ وَالْمَنْدُوبَةَ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَخْصَرُ تَعْرِيفٍ وَأَشْمَلُهُ بِقَوْلِهِ: فِعْلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ إلَى نَحْوِ التَّيَمُّمِ، وَبِقَوْلِهِ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ إلَى نَحْوِ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَإِلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمَنْدُوبَيْنِ فَرَاجِعْ.
قَوْلُهُ: (غُسْلُ الذِّمِّيَّةِ وَالْمَجْنُونَةِ) أَيْ مِنْ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَقَوْلُهُ لِيَحِلَّانِ لِحَلِيلِهِمَا لَيْسَ قَيْدًا وَكَذَا قَوْلُهُ الْمُسْلِمِ وَإِثْبَاتُ النُّونِ فِي لِيَحِلَّانِ فِي غَالِبِ النُّسَخِ لَا وَجْهَ لَهُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُهَا لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٌ جَوَازًا بَعْدَ لَامِ التَّعْلِيلِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ مَاءَ هَذَا الْغُسْلِ مُسْتَعْمَلٌ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِمَنْ يَعْتَقِدُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ، فَخَرَجَ الْحَنَفِيُّ الَّذِي لَا يَعْتَقِدُ تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ بَلْ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَقَطْ فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَخَرَجَ مَا لَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ.
قَدْ زَالَ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا وَلَمْ يُزِلْ نَجِسًا وَكَذَا يُقَالُ فِي غَسْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُزَلْ بِهِ حَدَثٌ وَلَا نَجَسٌ بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ وَقِيلَ هِيَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ.
وَتَنْقَسِمُ إلَى وَاجِبٍ كَالطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ، وَمُسْتَحَبٍّ كَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، ثُمَّ الْوَاجِبُ يَنْقَسِمُ إلَى بَدَنِيٍّ وَقَلْبِيٍّ، فَالْقَلْبِيُّ كَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ. قَالَ الْغَزَالِيُّ: مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا وَطِبِّهَا وَعِلَاجِهَا فَرْضُ عَيْنٍ يَجِبُ تَعَلُّمُهُ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
مُسْتَعْمَلًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ حَالِ التَّمَتُّعِ عَلَيْهِ م د. وَقَوْلُهُ: فَالصَّوَابُ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَالْأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى مَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْ تَقْرَآَنِ عَلَى أَسْمَاءَ وَيْحَكُمَا
…
مِنِّي السَّلَامَ وَأَنْ لَا تُشْعِرَا أَحَدَا
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَبَعْضُهُمْ أَهْمَلَ أَنْ حَمْلًا عَلَى
…
مَا أُخْتُهَا حَيْثُ اسْتَحَقَّتْ عَمَلَا
قَوْلُهُ: (وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ غُسْلٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَطْءِ الْمُرَتَّبِ عَلَى حُدُوثِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا يُقَالُ) رَاجِعٌ لِلْمُعْتَمَدِ أَوْ لِمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ تَكْرِمَةٌ لِلْمَيِّتِ) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعَ كَوْنِهِ تَكْرِمَةً أَزَالَ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ فِي حُكْمِ الْحَدَثِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمُرَادَ ارْتِفَاعُ الْمَنْعِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْحَدَثِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ م د. قَوْلُهُ:(فِعْلُ مَا) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ لِأَنَّ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ فِعْلٌ، أَوْ الْمُرَادُ بِالْفِعْلِ الْمُضَافِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّطَهُّرُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَشْمَلُ الطَّهَارَةَ الْمَنْدُوبَةَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ مَا فِيهِ ثَوَابٌ مُجَرَّدٌ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ أَوْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَنْقَسِمُ) لَوْ أَظْهَرَ الْفَاعِلَ وَقَالَ: وَتَنْقَسِمُ الطَّهَارَةُ كَانَ أَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ الْمُنْقَسِمَ لِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُعَرَّفَةِ بِمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْوَاجِبُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ مَا تَأَكَّدَ طَلَبُهُ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ بِدَلِيلِ مَا قَرَّرَهُ فِي الْبَدَنِيِّ. أَوْ يُقَالُ غَلَّبَ الْوَاجِبَ لِشَرَفِهِ.
قَوْلُهُ: كَالْحَسَدِ أَيْ كَالتَّنَزُّهِ عَنْ الْحَسَدِ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ حَسَدْته عَلَى النِّعْمَةِ وَحَسَدْته النِّعْمَةَ حَسَدًا بِفَتْحِ السِّينِ أَكْثَرُ مِنْ سُكُونِهَا يَتَعَدَّى إلَى الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ إذَا كَرِهْتهَا عِنْدَهُ وَتَمَنَّيْت زَوَالَهَا عَنْهُ وَالْفَاعِلُ حَاسِدٌ وَالْجَمْعُ حُسَّادٌ وَحَسَدَةٌ اهـ. وَيُفَارِقُ الْغِبْطَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ الْغَيْرِ وَهِيَ تَمَنِّي حُصُولِ مِثْلِ مَا لِلْغَيْرِ، وَرُبَّمَا عُبِّرَ عَنْهَا بِالْحَسَدِ مَجَازًا مِثْلُ:«لَا حَسَدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ» وَسَبَبُ الْحَسَدِ: إمَّا الْكِبْرُ وَإِمَّا الْعَدَاوَةُ وَإِمَّا خُبْثُ النَّفْسِ إذْ يَبْخَلُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ غَرَضٍ لَهُ فِيهِ، وَمِنْ الْحِكْمَةِ: إنَّ الْحَسُودَ لَا يَسُودُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَتْ النِّعْمَةُ لِكَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي اهـ م د. وَالْمُرَادُ بِنِعْمَةِ الْكَافِرِ الشَّيْءُ الْمُعْطَى لَهُ لِأَنَّ النِّعْمَةَ مُلَائِمٌ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ. قَوْلُهُ:(وَالْعُجْبِ) كَأَنْ يُعْجَبَ الْعَابِدُ بِعِبَادَتِهِ وَالْعَالِمُ بِعِلْمِهِ وَالْمُطِيعُ بِطَاعَتِهِ. مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالرِّيَاءِ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ. فَعَلَهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً أَيْ لِيَرَاهُ غَيْرُهُ وَيَسْمَعَهُ وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلًا فِيهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ الرِّيَاءِ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الْمُرَائِيَ يُنَادَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: يَا مُرَائِي يَا غَاوِي يَا فَاجِرُ يَا خَاسِرُ اذْهَبْ فَخُذْ أَجْرَك مِمَّنْ عَمِلْت لَهُ فَلَا أَجْرَ لَك عِنْدَنَا» . وَقَالَ قَتَادَةَ: إذَا رَاءَى الْعَبْدُ يَقُولُ اللَّهُ: اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي يَسْتَهْزِئُ بِي.
قَوْلُهُ: وَالْكِبْرِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ غَيْرِهِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ فَيَحْصُلُ فِيهِ نَفْخَةٌ وَهَزَّةٌ مِنْ هَذِهِ الرَّذِيلَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«أَعُوذُ بِك مِنْ الْكِبْرِ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا قَصَمْتُهُ وَلَا أُبَالِي» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ مَعَ السَّابِقِينَ. وَالْكِبْرُ نَاشِئٌ عَنْ الْعُجْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ أَنَّ الْعُجْبَ يَتَحَقَّقُ فِي نَفْسِ الْمُعْجَبِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ شَخْصٌ سِوَاهُ، بِخِلَافِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (مَعْرِفَةُ حُدُودِهَا) أَيْ أَسْمَائِهَا بِتَنْزِيلِ مَعَانِيهَا عَلَيْهَا م د. وَالظَّاهِرُ إبْقَاءُ الْحُدُودِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا
وَالْبَدَنِيُّ إمَّا بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِهِمَا كَمَا فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ بِغَيْرِهِمَا كَالْحِرِّيفِ فِي الدِّبَاغِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَانْقِلَابِ الْخَمْرِ خَلًّا،
وَقَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) جَمْعُ مَاءٍ، وَالْمَاءُ مَمْدُودٌ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَأَصْلُهُ مَوَهٌ تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً. وَمِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُحْوِجْ فِيهِ إلَى كَثِيرِ مُعَالَجَةٍ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (الَّتِي يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهَا) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. وَالْحَدَثُ فِي اللُّغَةِ الشَّيْءُ الْحَادِثُ وَفِي الشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَعَلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْتَهِي بِهَا الطُّهْرُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ بِخِلَافِ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْمَنْعَ هُوَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّعَارِيفُ أَيْ مَعْرِفَةُ تَعَارِيفِهَا لِتُجْتَنَبَ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَأَسْبَابِهَا) كَطَلَبِ الْجَاهِ وَالْمَالِ بِالطَّبْعِ وَطَلَبُهَا تَرْكُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَعِلَاجِهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
قَوْلُهُ: (الْمِيَاهُ) وَأَصْلُهُ مِوَاهٌ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ الْمِيمِ قَبْلَهَا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ. وَلِهَذَا لَمْ تُقْلَبْ الْوَاوُ فِي أَمْوَاهٍ وَمُوَيْهٍ أَيْ لِعَدَمِ كَسْرِ مَا قَبْلَ الْوَاوِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلطَّهَارَةِ مَقَاصِدُ أَرْبَعٌ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ، وَوَسَائِلُ أَرْبَعٌ: الْمِيَاهُ وَالتُّرَابُ وَالتَّخَلُّلُ وَالدَّابِغُ، وَبَعْضُهُمْ أَبْدَلَ التَّخَلُّلَ بِحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْأَوَانِي. قَالَ شَيْخُنَا: وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاجْتِهَادَ وَالْأَوَانِيَ وَسِيلَةٌ لِلْوَسِيلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَمَّا كَانَ أَظْهَرَ وَسَائِلِهَا الْمِيَاهُ قَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ:(عَلَى الْأَفْصَحِ) وَمُقَابِلُهُ قَصْرُهُ مَعَ التَّنْوِينِ وَتَرْكُهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً) أَيْ فَتَوَالَى عَلَى الْكَلِمَةِ إعْلَالَانِ أَيْ تَغْيِيرَانِ. وَقَدْ أُلْغِزَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَافِرِ الْمَجْزُوءِ:
أَبِنْ لِي لَفْظَةً جَاءَتْ
…
بِإِعْلَالَيْنِ قَدْ حَصَلَا
فَأَجَابَ:
نَعَمْ مَاءٌ يَلِيقُ بِأَنْ
…
يُجَابَ بِهِ الَّذِي سَأَلَا
قَوْلُهُ: (مِنْ عَجِيبِ لُطْفِ اللَّهِ) أَيْ كَثْرَةِ رِفْقِهِ بِعَبِيدِهِ ق ل قَوْلُهُ: (التَّطْهِيرُ) هُوَ مَصْدَرٌ. وَالْمُرَادُ الْحَاصِلُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ سم، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَلَوْ عَلَّلَ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ الطَّهَارَةُ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ لَا الْفِعْلِ لَكَانَ أَوْلَى م د.
وَقَوْلُهُ: وَفِيهِ أَيْ التَّعْلِيلِ نَظَرٌ، وَفِي هَذَا النَّظَرِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إلَخْ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ سم، فَإِنَّهُ الَّذِي إلَخْ فَتَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ فِعْلٍ كَحُصُولِهَا بِالْمَطَرِ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا) دَفَعَ بِهِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهَا، وَلَوْ قَالَ بِمَجْمُوعِهَا الصَّادِقِ بِالْفَرْدِ مِنْهَا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْهَا لَكَانَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَالْحَدَثُ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا هُنَا تَعْجِيلًا لِلْفَائِدَةِ، وَإِلَّا فَمَحَلُّ ذِكْرِهِ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (أَمْرٍ اعْتِبَارِيٍّ) أَيْ غَيْرِ مَحْسُوسٍ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَهْلَ الْبَصَائِرِ تُشَاهِدُهُ ظُلْمَةً عَلَى الْأَعْضَاءِ، وَمَعْنَى قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ وَصْفُهَا بِهِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَيْثِيَّةِ لِإِدْخَالِ الصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ لِفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ ق ل.
قَوْلُهُ: (يَقُومُ بِالْأَعْضَاءِ) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ فِي الْأَصْغَرِ وَجَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْأَكْبَرِ. قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْأَسْبَابِ) أَيْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ إلَخْ) أَمَّا تَرَتُّبُ الْمَنْعِ عَلَى الْأَسْبَابِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمَا مُتَقَارِنَانِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّرَتُّبِ تَوَقُّفُهُ عَلَيْهِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ وَالْأَسْبَابُ، لَكِنَّ تَرَتُّبَهُ عَلَى الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَتَرَتُّبُهُ عَلَى الْأَسْبَابِ بِوَاسِطَةِ الْأَمْرِ الِاعْتِبَارِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْأَمْرُ الِاعْتِبَارِيُّ، وَخَرَجَ بِهُنَا مَا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ. وَفِي جَعْلِ الْمَنْعِ صِفَةً لَهُ تَجَوُّزٌ ق ل.
وَقَوْلُهُ: (تَجُوزُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ لِأَنَّ الْمَانِعَ حَقِيقَةً هُوَ الشَّارِعُ، وَالْحَدَثُ إنَّمَا هُوَ سَبَبٌ. وَاعْتُرِضَ قَوْلُهُ: يَمْنَعُ إلَخْ. بِأَنَّهُ حُكْمٌ لِلْحَدَثِ وَإِدْخَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ يُوجِبُ الدَّوْرَ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَةِ الْحَدَثِ حِينَئِذٍ عَلَى الْحُكْمِ لِأَخْذِهِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَتَوَقُّفِ
الْحُرْمَةُ وَهِيَ تَرْتَفِعُ ارْتِفَاعًا مُقَيَّدًا بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْحَدَثِ بَيْنَ الْأَصْغَرِ وَهُوَ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ، وَالْمُتَوَسِّطِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ، وَالْأَكْبَرِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَالْخَبَثُ فِي اللُّغَةِ مَا يُسْتَقْذَرُ وَفِي الشَّرْعِ مُسْتَقْذَرٌ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُخَفَّفِ كَبَوْلِ صَبِيٍّ لَمْ يُطْعَمْ غَيْرَ لَبَنٍ، وَالْمُتَوَسِّطِ كَبَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَالْمُغَلَّظِ كَبَوْلِ نَحْوِ الْكَلْبِ، وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَوْ رَفَعَ غَيْرُ الْمَاءِ لَمَا وَجَبَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ فَقْدِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ الْخَبَثِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ حِينَ بَالَ الْأَعْرَابِيُّ فِي الْمَسْجِدِ: «صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ» وَالذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْحُكْمِ عَلَى الْحَدَثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ رَسْمٌ أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ زِيدَ لِإِفَادَةِ الْحُكْمِ كَمَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا ح ف. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ: لِأَنَّ الْمَنْعَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى ذَلِكَ، وَكَوْنُ التَّيَمُّمِ يَرْفَعُ هَذَا لَا يَرِدُ لِأَنَّهُ رَفْعٌ خَاصٌّ بِالنِّسْبَةِ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ، وَكَلَامُنَا فِي الرَّفْعِ الْعَامِّ وَهُوَ خَاصٌّ بِالْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ التَّيَمُّمِ) كَطَهَارَةِ دَائِمِ الْحَدَثِ. قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي الْحَدَثِ إلَخْ) كَلَامُهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَسْبَابُ فَيُنَافِي قَوْلَهُ السَّابِقَ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدَثَ هُنَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُرَادِ فِيمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَا هُنَا لَا يَرْتَفِعُ، وَأَمَّا ذَاكَ فَيَرْتَفِعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرُ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا فَرْقَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (الْأَصْغَرِ) لَيْسَ عَلَى بَابِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ أَيْ أَصْغَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَسِّطِ وَالْأَكْبَرُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَسِّطِ. قَوْلُهُ: (وَالْخَبَثُ إلَخْ) ذِكْرُهُ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ وَإِلَّا فَمَحَلُّهُ بَابُ النَّجَاسَةِ.
قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ) فِيهِ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ.
قَوْلُهُ: (كَبَوْلِ صَبِيٍّ) الْكَافُ فِي هَذَا لِلِاسْتِقْصَاءِ وَفِيمَا بَعْدَهُ لِلتَّمْثِيلِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَطْعَمْ) مِنْ بَابِ عَلِمَ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى هَذَا امْتِنَاعَ التَّطْهِيرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي مَتْنِ الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: إنَّمَا يُطَّهَّرُ مِنْ مَائِعٍ مَاءٌ مُطْلَقُ أَيْ لَا غَيْرُهُ ثُمَّ يُرَتَّبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ إلَخْ. لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ الْمَتْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيهِ. قَالَ ق ل: هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى الْمَعْرُوفِ الْمَعْلُومِ عِنْدَهُمْ.
قَوْلُهُ: (الْإِجْمَاعَ) هُوَ إجْمَاعٌ مَذْهَبِيٌّ، فَلَا يُنَافِي مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِتَطْهِيرِ غَيْرِ الْمَاءِ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ خَالٍ عَنْ الدُّهْنِيَّةِ كَالْخَلِّ، فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُطَّهَّرُ الْخَبَثَ لَا الْحَدَثَ لِأَنَّهُ يُحِلُّ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ فَلَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَالْخَبَثُ يُحِلُّ الظَّاهِرَ فَقَطْ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَكْفِي كَشْطُ جِلْدِهِ فَكَفَى فِيهِ غَسْلُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (الْأَعْرَابِيُّ) وَهُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ مُسْلِمٌ صَحَابِيٌّ لَا التَّمِيمِيُّ، وَاسْمُهُ حُرْقُوصٌ وَهُوَ رَئِيسُ الْخَوَارِجِ، وَقِيلَ هُوَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ. وَالْأَعْرَابِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي، وَوَقَعَتْ النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْعَلَمِ عَلَى الْقَبِيلَةِ كَأَنْصَارٍ، وَقِيلَ لَوْ نُسِبَ إلَى وَاحِدِهِ وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيٌّ فَيَشْتَبِهُ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ وَلَدَهُ إسْمَاعِيلُ عليه الصلاة والسلام سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى، وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَزَجْرُ النَّاسِ لَهُ مِنْ بَابِ الْمُبَادَرَةِ إلَى إنْكَارِ الْمُنْكَرِ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ مُنْكَرًا وَفِيهِ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا. «وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ عَنْ زَجْرِهِ» ، لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ أَدَّى إلَى ضَرَرِ بَدَنِهِ، وَالْمَفْسَدَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بِبَوْلِهِ لَا يَنْضَمُّ لَهَا مَفْسَدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ ضَرَرُ بَدَنِهِ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ مَفْسَدَتَانِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إذَا زُجِرَ مَعَ جَهْلِهِ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى تَنَجُّسِ مَكَان آخَرَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِتَرْشِيشِ الْبَوْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تُرِكَ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِنَّ الرَّشَاشَ لَا يَنْتَشِرُ، وَفِي هَذَا الْإِبَانَةُ عَنْ جَمِيلِ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِفْقِهِ وَلُطْفِهِ بِالْجَاهِلِ، وَبَيْنَ الْأَعْرَابِ وَالْعَرَبِ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَفْسِيرِ الْأَعْرَابِ بِأَنَّهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ، وَتَفْسِيرُ الْعَرَبِ بِأَنَّهُمْ مَنْ وَلَدَهُ إسْمَاعِيلُ عليه الصلاة والسلام مِنْ سُكَّانِ الْحَضَرِ أَوْ الْبَوَادِي، فَيَجْتَمِعَانِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَسَكَنَ الْبَادِيَةَ، وَيَنْفَرِدُ الْعَرَبِيُّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ وَسَكَنَ الْحَضَرَ، وَيَنْفَرِدُ الْأَعْرَابِيُّ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ وَسَكَنَ الْبَادِيَةَ.
قَوْلُهُ: (ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ مَظْرُوفَ ذَنُوبٍ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضَ الْمَاءِ، فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَهِيَ مَعَ مَدْخُولِهَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ وَمَجِيءُ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ قَلِيلٌ.
قَوْلُهُ: (الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً) إذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الذَّنُوبِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ
وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَفَى غَيْرُهُ لَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الطُّهْرَ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ تَعَبُّدِيٌّ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَاللَّطَافَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ: يَجُوزُ إذَا أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ كَانَ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْأَفْعَالِ كَانَ بِمَعْنَى الْحِلِّ وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ مَنْ أَمَرَّ غَيْرَ الْمَاءِ عَلَى أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا يَصِحُّ وَيَحْرُمُ لِأَنَّهُ تَقَرَّبَ بِمَا لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلتَّقَرُّبِ فَعَصَى لِتَلَاعُبِهِ، (سَبْعُ مِيَاهٍ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ أَحَدُهَا (مَاءُ السَّمَاءِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11]
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي الْحَدِيثِ مِنْ مَاءٍ وَتَقْيِيدُهُ بِهِ؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الذَّنُوبَ يُطْلَقُ أَيْضًا حَقِيقَةً عَلَى الدَّلْوِ الْفَارِغَةِ وَعِبَارَةُ الْقَامُوسِ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ أَوْ وَفِيهَا مَاءٌ أَوْ الْمُمْتَلِئَةُ أَوْ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْمِلْءِ أَيْ فَيُحْمَلُ الذَّنُوبُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الدَّلْوِ فَقَطْ، وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَاءٍ؛ تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ التَّجَوُّزِ بِالذَّنُوبِ عَنْ مُطْلَقِ الدَّلْوِ. وَقَوْلُهُ: الْمُمْتَلِئَةُ يُفِيدُ أَنَّ الدَّلْوَ مُؤَنَّثَةٌ، وَفِي الْمُخْتَارِ أَنَّهَا تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى م ر. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْغَالِبُ عَلَيْهَا التَّأْنِيثُ، وَقَدْ تُذَكَّرُ وَتَصْغِيرُهَا دُلَيَّةٌ وَجَمْعُ الْقِلَّةِ أَدْلٍ. وَفِي الْكَثْرَةِ دِلَاءٌ وَدُلِيٌّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَأَدْلَيْت الدَّلْوَ أَيْ أَرْسَلْتهَا فِي الْبِئْرِ، وَدَلَوْتهَا نَزَعْتهَا مِنْهَا اهـ إشَارَاتٌ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَمْرُ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْآيَةِ. قَوْلُهُ: (لَمَا وَجَبَ غَسْلُ الْبَوْلِ بِهِ) فِيهِ بَحْثٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِهِ لِكَوْنِهِ مِنْ مَا صَدَقَ الْوَاجِبُ، أَوْ لِأَنَّهُ الْمُتَيَسِّرُ إذْ ذَاكَ، فَلَا يُنَافِي زَوَالَ الْخَبَثِ بِغَيْرِهِ كَالْخَلِّ شَوْبَرِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ:(وَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ نَفْيُ الْقِيَاسِ مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. اهـ. ق ل. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِي الْحَدَثِ، وَمَا هُنَا فِي الْخَبَثِ فَمَحَلُّ الْإِجْمَاعِ غَيْرُ مَحَلِّ الْقِيَاسِ الْمَنْفِيِّ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ الْإِمَامِ أَيْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقَّةِ) أَيْ فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرْسُبُ لِلصَّافِي مِنْهُ ثُفْلٌ بِإِغْلَائِهِ بِخِلَافِ الصَّافِي مِنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَا لَوْنَ لَهُ وَمَا يَظْهَرُ فِيهِ لَوْنُ ظَرْفِهِ أَوْ مُقَابِلِهِ لِأَنَّهُ جِسْمٌ شَفَّافٌ. وَقَالَ الرَّازِيّ: بَلْ لَهُ لَوْنٌ وَيُرَى وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَحْجُبُ عَنْ رُؤْيَةِ مَا وَرَاءَهُ وَعَلَى أَنَّ لَهُ لَوْنًا فَقِيلَ أَبْيَضُ اهـ.
قَوْلُهُ: (إذَا أُضِيفَ إلَى الْعُقُودِ) أَيْ إضَافَةً لُغَوِيَّةً وَهِيَ مُجَرَّدُ الْإِسْنَادِ نَحْوُ: يَجُوزُ بَيْعُ كَذَا أَيْ يَصِحُّ، وَقَوْلُهُ: إلَى الْأَفْعَالِ. نَحْوُ: يَجُوزُ أَكْلُ الْبَصَلِ أَيْ يَحِلُّ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ) أَيْ فَيَكُونُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا يَحِلُّ، وَالظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ أَنْ يَجُوزَ هُنَا بِمَعْنَى يَصِحُّ لِأَجْلِ إدْخَالِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَالْمَغْصُوبِ، لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ بِلَا قَرِينَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا حَالِيَّةٌ. وَعِبَارَةُ م د قَوْلُهُ: وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْأَمْرَيْنِ أَيْ أَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ مُسْتَثْنًى وَالْجَوَازُ فِيهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ وَالْحِلِّ مَعًا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ التَّطْهِيرَ فِعْلٌ فَكَيْفَ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ اِ هـ.
وَقَوْلُهُ: (فَلَا يَرِدُ) أَيْ لِأَنَّهُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ يَجُوزُ إلَى قَوْلِهِ بِمَعْنَى الْحِلِّ أَيْ فَهِيَ قَاعِدَةٌ أَغْلَبِيَّةٌ. وَأَجَابَ سم عَنْ إيرَادِ الْمُسَبَّلِ وَالْمَغْصُوبِ، بِأَنَّهُمَا يَحِلَّانِ بِالنَّظَرِ لِذَاتِهِمَا وَإِنْ حَرُمَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (فَعَصَى) تَفْرِيعٌ عَلَى تَقَرَّبَ إلَخْ. وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ تَعْلِيلِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مَعَ تَعْلِيلِهِ الَّذِي هُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَيْضًا، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْعِصْيَانُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا.
قَوْلُهُ: (لِتَلَاعُبِهِ) قَالَ ق ل: لَوْ قَالَ لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً كَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْعِصْيَانَ قَدْ يُجَامِعُ الصِّحَّةَ اهـ.
قَوْلُهُ: (سَبْعُ مِيَاهٍ) الْأَحْسَنُ سَبْعَةٌ بِالتَّاءِ لِأَنَّ مَعْدُودَهُ جَمْعُ مَاءٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ. اهـ. ع ش. قَالَ اج: زَادَ لَفْظَ مِيَاهٍ لِلتَّأَكُّدِ وَالْمُبَادَرَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَنْوَاعُ لَا الْأَفْرَادُ، وَلَا يَرِدُ تَبَادُرُ الْحَصْرِ لِمَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ غَيْرِهَا كَالنَّابِعِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْمُرَادَ الْمِيَاهُ الْمَشْهُورَةُ الْعَامَّةُ الْوُجُودِ وَلِأَنَّ الْعَدَدَ لَا مَفْهُومَ لَهُ.
قَوْلُهُ: (مَاءُ السَّمَاءِ) مِنْ إضَافَةِ الْحَالِ لِلْمَحَلِّ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا مَاتَ مُؤْمِنٌ إلَّا بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَقِيلَ: أَوَ تَبْكِي؟ فَقَالَ: وَمَا لِلْأَرْضِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْدٍ كَانَ يَعْمُرُهَا
وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِهَا لِشَرَفِهَا عَلَى الْأَرْضِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الْمَجْمُوعِ. وَهَلْ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ فِي الْآيَةِ الْجِرْمُ الْمَعْهُودُ أَوْ السَّحَابُ؟ قَوْلَانِ. حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِ الرَّوْضَةِ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا.
(وَ) ثَانِيهَا (مَاءُ الْبَحْرِ) الْمَالِحُ لِحَدِيثِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسُمِّيَ بَحْرًا لِعُمْقِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمَا لِلسَّمَاءِ لَا تَبْكِي عَلَى عَبْدٍ كَانَ تَسْبِيحُهُ وَتَكْبِيرُهُ فِيهَا يُدَوِّي كَدَوِيِّ النَّحْلِ. قِيلَ: بُكَاءُ السَّمَاءِ حُمْرَةُ أَطْرَافِهَا اهـ. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَلَهُ بَابَانِ بَابٌ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَبَابٌ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَإِذَا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَابُ عَمَلِهِ» وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ذَكَرَهُ النَّبِتِيتِيُّ عَلَى الْمِعْرَاجِ.
قَوْلُهُ: (لِشَرَفِهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَخْ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَنَّ الْأَرْضَ أَفْضَلُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا اهـ ق ل. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَمَكَّةُ أَيْ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْحَرَمِ أَفْضَلُ الْأَرْضِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ النِّزَاعَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَفْضَلُ بِقَاعِهَا الْكَعْبَةُ الْمُشَرَّفَةُ ثُمَّ بَيْتُ خَدِيجَةَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، نَعَمْ التُّرْبَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا مَرَّ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ اهـ. وَقَالَ وَالِدُهُ فِي حَوَاشِي الرَّوْضِ: وَأَفْضَلُ مِنْ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالْجَنَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام يُنْقَلُ مِنْ أَفْضَلَ لِمَفْضُولٍ. وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهَا لَخُلِقَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قِيلَ «إنَّ صَدْرَهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا شُقَّ غُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ» ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ أَفْضَلُ مِنْهُ لَغُسِلَ بِذَلِكَ الْأَفْضَلِ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ:«مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَإِنْ حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً زَالَ الْإِشْكَالُ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْبَيْنِيَّةِ مَا بَيْنَ ابْتِدَاءِ قَبْرِي أَيْ لَا مِنْ آخِرِهِ رَوْضَةٌ، فَيَكُونُ الْقَبْرُ دَاخِلًا فِي الرَّوْضَةِ اهـ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: زَالَ الْإِشْكَالُ يَعْنِي بِأَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إلَى الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ أَيْضًا فِي مَعْنَاهُ أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فِي نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَازَمَةِ حِلَقِ الذِّكْرِ فِيهَا، فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِغَيْرِ أَدَاةٍ، أَوْ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْجَنَّةِ فَيَكُونُ مَجَازًا هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ قُبُورَ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، كَقَبْرِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ كَشَرْحِ م ر لَمْ تُسْتَثْنَ فِيهِ إلَّا الْبُقْعَةُ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَهُ صلى الله عليه وسلم وَقَضِيَّةُ اقْتِصَارِهِمَا عَلَيْهَا اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لَهَا دُونَ غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا ضَمَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ صلى الله عليه وسلم هَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ أَوْ مُسَاوِيهِ فِي الْفَضْلِ أَوْ مَا ضَمَّ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ أَفْضَلُ مِمَّا ضَمَّ رُوحَهُ الشَّرِيفَةَ؟ حَرِّرْهُ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَجْمُوعِ) اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْزِلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ يَنْزِلَ عَلَى التَّعَاقُبِ مِنْ الْجِرْمِ أَوَّلًا وَمِنْ السَّحَابِ ثَانِيًا، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْمَطَرَ ثَمَرُ شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ يَنْفَتِحُ لَهُ أَزْهَارُهَا فَيَخْرُجُ فَسُبْحَانَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» . وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا: «مَا مِنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ شَاءَ» اهـ. وَأَفْضَلُ السَّمَوَاتِ السَّمَاءُ الَّتِي فِيهَا الْعَرْشُ، وَأَفْضَلُ الْأَرَضِينَ الْأَرْضُ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا. وَسُئِلَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ هَلْ كَانَتْ أَيَّامٌ مَوْجُودَةٌ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ فَأَجَابَ. بِأَنَّ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقَ الْأَيَّامِ كَانَ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَحَاصِلُ جَوَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِسَائِلِهِ عَنْ خَلْقِ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ أَيُّهُمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ فَسَوَّاهَا فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ بَسَطَهَا وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ وَغَيْرَهَا فِي يَوْمَيْنِ، فَتِلْكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ لِلْأَرْضِ.
وَاتِّسَاعِهِ.
تَنْبِيهٌ: حَيْثُ أُطْلِقَ الْبَحْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَالِحُ غَالِبًا، وَيَقِلُّ فِي الْعَذْبِ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ.
فَائِدَةٌ: اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَحْرٍ عَذْبٍ أَوْ مَالِحٍ فَالتَّطْهِيرُ بِهِ جَائِزٌ بِأَنَّهُ لَحْنٌ، وَإِنَّمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (الْمَالِحُ إلَخْ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ وَبِالْجَرِّ نَعْتٌ لِلْبَحْرِ، فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ أَوْ الْمِلْحِ فَقَطْ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَانُ الْمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ كَمَا فِي ق ل.
قَوْلُهُ: (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ إلَخْ) أَوَّلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَالطَّهُورُ هُنَا بِفَتْحِ الطَّاءِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمٌ لِفِعْلِ التَّطَهُّرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَالْحِلُّ بِمَعْنَى الْحَلَالِ كَالْحُرْمِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ، وَالْمَيْتَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْمِيمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَيْنُ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الْمِيتَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ فَهِيَ هَيْئَةُ الْمَوْتِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَالْمَيِّتَةُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ، وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا. وَفِي إعْرَابِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ مُبْتَدَأً ثَانِيًا خَبَرُهُ مَاؤُهُ، وَالْجُمْلَةُ مِنْ هَذَا الْمُبْتَدَأِ الثَّانِي وَخَبَرِهِ خَبَرُ الْأَوَّلِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُون هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ بَدَلَ اشْتِمَالٍ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ بَحْثٌ دَقِيقٌ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ، وَالطَّهُورُ مَاؤُهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ خَبَرَهُ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا تَقَدُّمُ ذِكْرِ الْبَحْرِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ إذَا قُصِدَ الِاسْتِئْنَافُ وَعَدَمُ إعَادَةِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ عَلَى الْبَحْرِ صَحَّ هَذَا الْوَجْهُ، وَهَذَا كَمَا قَالُوا فِي هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إنَّهُ ضَمِيرُ شَأْنٍ مَعَ مَا رُوِيَ مِنْ تَقَدُّمِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا اُنْسُبْ لَنَا رَبَّك. الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً، وَالطَّهُورُ خَبَرَهُ، وَمَاؤُهُ فَاعِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَمَدَ عَامِلَهُ لِكَوْنِهِ خَبَرًا.
فَإِنْ قُلْت: مَاءُ الْبَحْرِ هَلْ خُلِقَ مِلْحًا أَوْ كَانَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ عَذْبًا ثُمَّ صَارَ مِلْحًا لِئَلَّا يَتَعَفَّنَ؟ قُلْت: نَخْتَارُ الشِّقَّ الثَّانِيَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] وَإِنَّمَا قَسَّمَهَا الْفُقَهَاءُ عَلَى مَا يُشَاهَدُ عَادَةً وَالْمَاءُ الْمُنَزَّلُ مِنْ السَّمَاءِ عَذْبٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: أَنَّ قَابِيلَ لَمَّا قَتَلَ هَابِيلَ وَآدَمُ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ اشْتَاكَ الشَّجَرُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَطْعِمَةُ وَحَمُضَتْ الْفَوَاكِهُ وَمُرَّ الْمَاءُ وَاغْبَرَّتْ الْأَرْضُ. وَعَنْ عَلِيٍّ تَغَيَّرَتْ الْأَرْضُ يَوْمَئِذٍ وَطُعُومُ الثِّمَارِ وَضَوْءُ الشَّمْسِ وَنُورُ الْقَمَرِ وَرِيحُ الرَّيَاحِينِ وَعُذُوبَةُ الْمَاءِ وَنَبَتَ الْعَوْسَجُ.
وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ النَّجْمُ الْغَيْطِيُّ عَنْ مَاءِ الطُّوفَانِ: هَلْ كَانَ عَذْبًا أَوْ مِلْحًا وَهُوَ الَّذِي أَغْرَقَ اللَّهُ بِهِ قَوْمَ نُوحٍ، وَهَلْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ الْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ عَلِّمْنِي مِنْ لَدُنْك عِلْمًا كَانَ حَالَ الْإِغْرَاقِ عَذْبًا، وَإِنَّمَا حَدَثَتْ لَهُ الْمُلُوحَةُ بَعْدُ وَالْبِحَارُ الْمَلْحَةُ الْآنَ مِنْ بَقَايَا ذَلِكَ، وَاسْتَشْهَدَ بِأَحَادِيثَ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْأَوْحَدُ أَبُو الْحَسَنِ الصِّدِّيقِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ تَسْهِيلِ السَّبِيلِ: إنَّ مَاءَ الطُّوفَانِ كَانَ عَذْبًا وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِيهِ فِي الْآثَارِ، وَقِيلَ كَانَ كُلُّهُ مِنْ السَّمَاءِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى مَحَلِّهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتَ رِجْسٌ وَغَضَبٌ فَعَادَ مِلْحًا، وَقِيلَ إنَّ الْأَرْضَ بَلَعَتْ الْحُلْوَ وَمَا اسْتَعْصَى عَلَيْهَا صَارَ مِلْحًا، وَقَدْ تَضَافَرَ عَلَى مَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الشَّافِعِيِّ) وَعَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى الْمُزَنِيِّ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَهَا ابْتِدَاءً فِي تَقْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ،
يَصِحُّ مِنْ بَحْرٍ مِلْحٍ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَوْ تَفَلَتْ فِي الْبَحْرِ وَالْبَحْرُ مَالِحٌ
…
لَأَصْبَحَ مَاءُ الْبَحْرِ مِنْ رِيقِهَا عَذْبَا
وَلَكِنَّ فَهْمَهُ السَّقِيمَ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
…
وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
(وَ) ثَالِثُهَا (مَاءُ النَّهْرِ) أَيْ الْعَذْبُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَالَهَا الْمُزَنِيّ بَعْدَهُ، وَالْمُعْتَرِضُ هُوَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. قَوْلُهُ:(وَهُوَ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الشَّافِعِيِّ مُخْطِئٌ فِي اعْتِرَاضِهِ، وَذِكْرُ الْبَيْتِ مِنْ الشَّارِحِ اسْتِشْهَادٌ عَلَى خَطَئِهِ وَقَرَعَهُ أَيْ وَبَّخَهُ بِسَقَمِ فَهْمِهِ وَرَدَاءَتِهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ) وَقَبْلَهُ:
وَلَوْ ظَهَرَتْ فِي الْغَرْبِ يَوْمًا لِرَاهِبٍ
…
لَخَلَّى سَبِيلَ الشَّرْقِ وَاتَّبَعَ الْغَرْبَا
وَلَوْ أَنَّهَا لِلْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضَتْ
…
لَاتَّخَذُوهَا بَيْنَ أَصْنَامِهِمْ رَبَّا
فَلَوْ تَفَلَتْ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ إلَخْ) وَبَعْدَهُ:
وَلَكِنْ تَأْخُذُ الْآذَانُ مِنْهُ
…
عَلَى قَدْرِ الْقَرِيحَةِ وَالْفُهُومِ
قَوْلُهُ: (أَيْ الْعَذْبُ) بِالرَّفْعِ نَعْتٌ لِمَاءٍ فَإِنَّ النَّهْرَ مَجْرَى الْمَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ) هُمَا مَعَ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ. وَمِنْ عَجَائِبِ النِّيلِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَمْتَدُّ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَيُزَيِّنُوهَا وَيُلْبِسُونَهَا حُلَلًا وَيَطْرَحُونَهَا فِي مَكَان مَخْصُوصٍ مِنْ النِّيلِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ عُمَرُ كِتَابًا يَقُولُ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنْ كُنْت أَيُّهَا النِّيلُ لَا تَمْتَدُّ إلَّا بِقَتْلِ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيك، وَإِنْ كُنْت تَمْتَدُّ بِأَمْرِ اللَّهِ فَافْعَلْ، وَأَمَرَ بِطَرْحِ الْكِتَابِ فِيهِ، فَلَمَّا طَرَحُوهُ امْتَدَّ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. ذَكَرَهُ فِي عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ، وَقَدْ كَانُوا أَقَامُوا بَئُونَةَ وَأَبِيبَ وَمِسْرَى لَا يَجْرِي لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، فَلَمَّا أَلْقَوْا كِتَابَ عُمَرَ أَصْبَحُوا وَقَدْ أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَطَعَ اللَّهُ تِلْكَ السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إلَى الْيَوْمِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ فَسَخَّرَ اللَّهُ عز وجل لَهُ كُلَّ نَهْرٍ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَذَلَّلَهُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُجْرِيَ نِيلَ مِصْرَ أَمَرَ كُلَّ نَهْرٍ يَمُدُّهُ فَتَمُدُّهُ الْأَنْهَارُ بِمَائِهَا وَيُفَجِّرُ اللَّهُ لَهُ الْأَرْضَ عُيُونًا، فَإِذَا انْتَهَى جَرَيَانُهُ إلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ عز وجل أَوْحَى إلَى كُلِّ مَاءٍ أَنْ يَرْجِعَ إلَى عُنْصُرِهِ أَيْ أَصْلِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ زُولَاقٍ فِي تَارِيخِ مِصْرَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَضَعَهَا اللَّهُ فِي الدُّنْيَا فَنَهْرُ مِصْرَ نَهْرُ الْعَسَلِ فِي الْجَنَّةِ، وَالْفُرَاتُ نَهْرُ الْخَمْرِ، وَسَيْحَانُ نَهْرُ الْمَاءِ، وَجَيْحَانُ نَهْرُ اللَّبَنِ، وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ النِّيلَ يَجْرِي مِنْ تَحْتِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى حَالَ نُزُولِهِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ النِّيلَ يَخْرُجُ مِنْ الْجَنَّةِ وَلَوْ أَنَّكُمْ الْتَمَسْتُمْ فِيهِ إذْ مَدَدْتُمْ أَيْدِيَكُمْ لَوَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ» وَلِذَلِكَ نُدِبَ أَكْلُ الْبُلْطِيِّ مِنْ السَّمَكِ لِأَنَّهُ يَتَتَبَّعُ أَوْرَاقَ الْجَنَّةِ فَيَرْعَاهَا. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَقْفَهْسِيُّ رحمه الله: رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالْخَيْرُومِ فَإِنَّهُ يَرْعَى مِنْ حَشِيشِ الْجَنَّةِ» وَذَكَرَ السُّيُوطِيّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى نِيلِ مِصْرَ لِحَفْرِ خُلْجَانِهَا وَإِقَامَةِ جُسُورِهَا وَبِنَاءِ قَنَاطِرِهَا وَقَطْعِ جَزَائِرِهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفَ فَاعِلٍ، مَعَهُمْ الْأَغْلَاقُ وَالْمَسَاحِي يَتَعَهَّدُونَ ذَلِكَ وَلَا يَدَعُونَهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً، وَأُجْرَتُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ إيَاسٍ فِي كِتَابِهِ نَشْقُ الْأَزْهَارِ مَا نَصُّهُ: قَالَ السُّدِّيُّ: وَجَدْت رُمَّانَةً عَلَى بَعْضِ شُطُوطِ الْفُرَاتِ جَاءَ بِهَا الْمَاءُ وَهِيَ خِلْقَةٌ عَظِيمَةٌ، وَكَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَوْا بِهَا إلَيْهِ فَوَزَنُوهَا فَوَجَدُوهَا ثَلَاثَةَ قَنَاطِيرَ عِرَاقِيَّةً فَقَسَّمَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا مِنْ رُمَّانِ الْجَنَّةِ اهـ اج. وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ عَلَى الْمَوَاهِبِ: الْبِحَارُ سَبْعَةٌ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبٍ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَسِيرَةَ الْأَرْضِ خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ، بُحُورُهَا مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ
(وَ) رَابِعُهَا (مَاءُ الْبِئْرِ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» لَمَّا سُئِلَ عَنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْهَا وَمِنْ بِئْرِ رُومَةَ.
تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبِئْرَ بِئْرَ زَمْزَمَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مِنْهَا. وَفِي الْمَجْمُوعِ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّةِ الطَّهَارَةِ بِهِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
سَنَةٍ، وَالْخَرَابُ مِنْهَا مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ وَالْعُمْرَانُ مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِئْرُ زَمْزَمَ) كَجَعْفَرٍ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْبُقْعَةُ مُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ الْمَعْنَوِيِّ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَكَانُ صُرِفَ لِأَنَّهُ مُذَكَّرٌ، وَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْكَعْبَةِ، وَعُمْقُهَا إحْدَى عَشْرَةَ قَامَةً وَعُمْقُ الْمَاءِ سَبْعُ قَامَاتٍ، وَدَوْرُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ شِبْرًا، وَارْتِفَاعُ سُورِ الْبِئْرِ أَرْبَعَةُ أَشْبَارٍ وَنِصْفٌ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَتَجْتَمِعُ فِيهَا أَرْوَاحُ الْمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ الصَّالِحِينَ، وَغَيْرُ الصَّالِحِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بِئْرِ مَعُونَةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَسُمِّيَتْ الْبِئْرُ بِزَمْزَمَ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَ خَرَجَ مِنْهَا سَالَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَزُمَّ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ مُنِعَ مِنْ السَّيَلَانِ بِجَمْعِ التُّرَابِ حَوَالَيْهِ، وَأَصْلُهَا مِنْ ضَرْبِ جِبْرِيلَ الْأَرْضَ بِجَنَاحِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّ سَيِّدَنَا إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَضَعَ أَمَتَهُ هَاجَرَ وَوَلَدَهُ مِنْهَا إسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ فِي الْحِجْرِ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَقِرْبَةً صَغِيرَةً فِيهَا مَاءٌ ثُمَّ ذَهَبَ فَتَبِعَتْهُ هَاجَرُ، فَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ؟ وَكَرَّرَتْ ذَلِكَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا. فَقَالَتْ: هَلْ أَمَرَك اللَّهُ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ، فَاسْتَقْبَلَ إبْرَاهِيمُ الْبَيْتَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِقَوْلِهِ:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم: 37] حَتَّى بَلَغَ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37] وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ بَعْضُ ذُرِّيَّتِي، فَلَمَّا فَرَغَ الْمَاءُ عَطِشَتْ فَانْقَطَعَ لَبَنُهَا فَعَطِشَ إسْمَاعِيلُ وَبَكَى وَصَارَ يَعْلُو صَوْتُهُ وَيَنْخَفِضُ وَيَضْرِبُ بِعَقِبَيْهِ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهَةَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَالَتْ: يَمُوتُ وَأَنَا غَائِبَةٌ عَنْهُ أَهْوَنُ عَلَيَّ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مَمْشَايَ خَيْرًا، فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ وَاسْتَغَاثَتْ بِاَللَّهِ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا وَالْوَادِي يَوْمَئِذٍ عَمِيقٌ، فَجَاوَزَتْ الْوَادِيَ إلَى الْمَرْوَةِ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلِذَا شُرِعَ السَّعْيُ سَبْعًا، وَفِي كُلِّ مَرَّةٍ تَذْهَبُ إلَى إسْمَاعِيلَ وَتَنْظُرُ مَا حَدَثَ لَهُ، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: أَغِثْنِي فَإِذَا هُوَ جِبْرِيلُ فَقَالَ. مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: هَاجَرُ أُمُّ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ. قَالَ: فَإِلَى مَنْ وَكَّلَكُمَا؟ قَالَتْ: إلَى اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: وَكَّلَكُمَا إلَى كَافٍ فَخَرَجَ يُصَوِّبُ بَيْنَ يَدَيْهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا عِنْدَ رَأْسِ إسْمَاعِيلَ، ثُمَّ انْطَلَقَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَضَرَبَ بِعَقِبِهِ أَوْ بِجَنَاحِهِ الْأَرْضَ، فَنَبَعَ زَمْزَمُ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَسَاحَ حَتَّى قَرُبَ مِنْ إسْمَاعِيلَ فَصَارَتْ تَجْمَعُ التُّرَابَ حَوْلَ الْمَاءِ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِقِرْبَتِهَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ الْمَاءَ فِي سِقَائِهَا وَتَقُولُ: زِمِّي زِمِّي أَيْ اجْتَمِعِي فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا: لَا تَخَافِي الضَّيْعَةَ أَيْ الْهَلَاكَ فَإِنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيه هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ، فَاجْتَمَعَتْ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِزَمْزَمَتِهَا أَيْ اجْتِمَاعِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ مَائِهَا، أَوْ لِزَمْزَمَةِ جِبْرِيلَ أَيْ تَكَلُّمِهِ عِنْدَ انْفِجَارِهَا، وَيُقَالُ لَهَا زَمْزَامُ وَشَرَابُ الْأَبْرَارِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلُّوا فِي مُصَلَّى الْأَخْيَارِ، وَاشْرَبُوا مِنْ شَرَابِ الْأَبْرَارِ. قِيلَ: مَا مُصَلَّى الْأَخْيَارِ؟ قَالَ: تَحْتَ الْمِيزَابِ، قِيلَ: مَا شَرَابُ الْأَبْرَارِ؟ قَالَ: مَاءُ زَمْزَمَ، وَأَكْرِمْ بِهِ مِنْ شَرَابٍ، وَأَصْلُهَا زَمَّمَ فَاسْتَثْقَلُوا الْجَمْعَ بَيْنَ ثَلَاثِ مِيمَاتٍ فَأَبْدَلُوا مِنْ الثَّانِيَةِ زَايًا. قَالَ الْعَلَّامَةُ ق ل: وَلَا بَأْسَ بِنَقْلِ مَائِهَا بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ «لِأَنَّ الْمُصْطَفَى كَانَ يَنْقُلُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ وَيُهْدِيهِ لِأَصْحَابِهِ وَكَانَ يَسْتَهْدِيهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ» . وَمَا قِيلَ إنَّهُ يُبَدَّلُ فَمِنْ خُرَافَاتِ الْعَوَامّ اهـ. وَذَكَرَ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ الْخَلِيلُ إبْرَاهِيمُ عليه الصلاة والسلام يَزُورُ هَاجَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الشَّامِ عَلَى الْبُرَاقِ شَغَفًا بِهَا وَقِلَّةَ صَبْرٍ عَنْهَا. وَكَانَ السَّبَبُ فِي إسْكَانِهَا مَكَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ سَارَةَ زَوْجَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام قَدْ مُنِعَتْ الْوَلَدَ وَيَئِسَتْ، وَكَانَتْ هَاجَرُ جَارِيَتُهَا ذَاتَ هَيْئَةٍ وَجَمَالٍ فَوَهَبَتْهَا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ بِإِسْمَاعِيلَ فَغَضِبَتْ سَارَةُ
وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ، سِيَّمَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَوَاسِيرَ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَهَلْ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ أَوْجُهٌ حَكَاهَا الدَّمِيرِيُّ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيُّ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ. وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَزَالَ بِهِ الدَّمَ الَّذِي أَدَمْته قُرَيْشٌ حِينَ رَجَمُوهُ كَمَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَسَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَلَدَهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - حِينَ قُتِلَ وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.
(وَ) خَامِسُهَا (مَاءُ الْعَيْنِ) الْأَرْضِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ، أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ كَالنَّابِعَةِ مِنْ الزُّلَالِ وَهُوَ شَيْءٌ يَنْعَقِدُ مِنْ الْمَاءِ. عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ، أَوْ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالنَّابِعِ، مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَاتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَهُوَ أَفْضَلُ الْمِيَاهِ مُطْلَقًا. (وَ) سَادِسُهَا (مَاءُ الثَّلْجِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (وَ) سَابِعُهَا (مَاءُ الْبَرَدِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ لِأَنَّهُمَا يَنْزِلَانِ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ فِي الْهَوَاءِ كَمَا يَعْرِضُ لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ.
فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَكَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا رَشْحُ بُخَارِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مَاءٌ حَقِيقَةً وَيَنْقُصُ بِقَدْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَازَعَ فِيهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ وَقَالُوا يُسَمُّونَهُ بُخَارًا أَوْ رَشْحًا لَا مَاءً عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ إذَا قُلْنَا بِطَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَحَصَلَتْ لَهَا غَيْرَةٌ فَنَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَتْ سَارَةُ بِإِسْحَاقَ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَبَلَغَ عُمُرُ إسْمَاعِيلَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعُمُرُ إِسْحَاقَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً ذَكَرَهُ السُّيُوطِيّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) صَادِقٌ بِالْإِبَاحَةِ وَهُوَ لَا يُلَائِمُ مَا يَأْتِي مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُزَالَ النَّجَاسَةُ بِهِ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ الِانْبِغَاءُ بِمَعْنَى الْوُجُوبِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَالنَّدْبِ عَلَى الْأَخِيرَيْنِ. اهـ. ح ف. قَوْلُهُ:(وَالْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ) ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَهُ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم ع ش.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ أَبَا ذَرٍّ) هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَازِ.
قَوْلُهُ: (أَدْمَتْهُ) أَيْ أَسَالَتْهُ. وَقَوْلُهُ: رَجَمُوهُ وَإِنَّمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُفْعَلُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ) أَيْ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ وَصَلَبَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً. قَوْلُهُ: (أَوْصَالُهُ) أَيْ أَعْضَاؤُهُ. وَقَوْلُهُ: بِمَاءِ زَمْزَمَ مُتَعَلِّقٌ ب غَسَلَتْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْحَيَوَانِيَّةِ) أَيْ صُورَةً. قَوْلُهُ: (مِنْ الزُّلَالِ) بِوَزْنِ غُرَابٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ) وَلَيْسَ حَيَوَانًا لِأَنَّهُ يَنْمَاعُ إلَى الْمَاءِ عِنْدَ عُرُوضِ الْحَرَارَةِ لَهُ ق ل. قَالَ اج: وَإِنَّمَا هُوَ جَمَادٌ يُقَالُ لَهُ دُودُ الْمَاءِ وَيُسَمَّى بِالزُّلَالِ أَيْضًا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فَإِنْ تَحَقَّقَ كَوْنُهُ حَيَوَانًا كَانَ مَا فِي بَطْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ قَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (كَالنَّابِعِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ إيجَادُ مَعْدُومٍ عَلَى الرَّاجِحِ. وَقِيلَ تَكْثِيرُ مَوْجُودٍ يَعْنِي أَنَّهُ هُوَ مِنْ ذَاتِ الْأَصَابِعِ الشَّرِيفَةِ أَوْ مِنْ خَارِجٍ. وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْدُومٍ بِالنِّسْبَةِ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْإِنَاءِ وَتَكْثِيرُ مَوْجُودٍ بِالنِّسْبَةِ لَمَّا فِي الْإِنَاءِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَأَفْضَلُ الْمِيَاهِ مَاءٌ قَدْ نَبَعْ
…
مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ النَّبِيِّ الْمُتَّبَعْ
يَلِيه مَاءُ زَمْزَمَ فَالْكَوْثَرْ
…
فَنِيلُ مِصْرَ ثُمَّ بَاقِي الْأَنْهُرْ
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُمَا الْجُمُودُ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا كِبَرُ حَبَّاتِ الْأَوَّلِ وَصِغَرُ حَبَّاتِ الثَّانِي، وَفِي حَاشِيَةِ الَأُجْهُورِيُّ مَا نَصُّهُ: وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ مَائِعًا ابْتِدَاءً، لَكِنَّ الثَّلْجَ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَسْتَمِرُّ، وَالْبَرَدُ يَعْرِضُ لَهُ الْجُمُودُ وَيَنْمَاعُ أَيْ عَقِبَ وُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الشَّارِحِ. قَوْلُهُ:(فَلَا يَرِدَانِ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُمَا مَعَ دُخُولِهِمَا فِي مَاءِ السَّمَاءِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ مَا تَحَلَّلَ مِنْهُمَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ سم. وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ: لَا يَرِدَانِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَهُمَا صِفَةٌ غَيَّرَتْهُ أَيْ الْمَاءَ عَنْ حَالَتِهِ وَهِيَ الْجُمُودُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا مَاءُ الزَّرْعِ) وَهُوَ النَّدَى وَمَا قِيلَ إنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ فَمَرْدُودٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ)
(ثُمَّ الْمِيَاهُ) الْمَذْكُورَةُ (عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ) .
أَحَدُهَا: مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (مُطَهِّرٌ) لِغَيْرِهِ (غَيْرُ مَكْرُوهٍ) اسْتِعْمَالُهُ (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ بِإِضَافَةٍ كَمَاءِ وَرْدٍ أَوْ بِصِفَةٍ كَمَاءٍ دَافِقٍ، أَوْ فَاللَّامُ عَهْدٍ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» يَعْنِي الْمَنِيَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ: وَلَا يُحْتَاجُ لِتَقْيِيدِ الْقَيْدِ بِكَوْنِهِ لَازِمًا لِأَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي لَيْسَ بِلَازِمٍ كَمَاءِ الْبِئْرِ مَثَلًا يَنْطَلِقُ اسْمُ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِهِ، فَلَا حَاجَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى الْقَيْدِ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ كَقَوْلِنَا غَيْرُ الْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدُ بِقَيْدٍ لَازِمٍ اهـ.
تَنْبِيهٌ: تَعْرِيفُ الْمُطْلَقِ بِمَا ذَكَرَ هُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمِنْهَاجِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْمُتَغَيِّرُ كَثِيرًا بِمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَطِينٍ وَطُحْلُبٍ، وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرَ عَمَّا ذُكِرَ. وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ وَإِنَّمَا أُعْطِيَ حُكْمَهُ فِي جَوَازِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِدُخُولِهِ فِي مَاءِ السَّمَاءِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمِيَاهُ إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَقْسِيمِ الْمِيَاهِ بِحَسَبِ مَحَالِّهَا الْمُضَافَةِ هِيَ إلَيْهَا شَرَعَ فِي تَقْسِيمِهَا بِحَسْبِ أَوْصَافِهَا فَقَالَ: ثُمَّ إلَخْ. وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ لَا الْمَعْنَوِيِّ وَأَلْ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ الْمَذْكُورَةُ، وَلَوْ قَالَ ثُمَّ الْمَاءُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ، وَأَمَّا الْجَمْعُ فَلَا يَنْقَسِمُ إلَيْهَا بَلْ إلَى مَا سَبَقَ وَهُوَ مَاءُ السَّمَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَلْ جِنْسِيَّةٌ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى إلَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى تَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ وَلَوْ أَسْقَطَهَا الْمُصَنِّفُ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَالتَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهَا وَالْكَرَاهَةِ وَنَفْيِهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ فَقَطْ طَهُورٌ وَطَاهِرٌ وَنَجِسٌ، وَالتَّقْسِيمُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ كَتَقْسِيمِ الْكَلِمَةِ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ، لِوُجُودِ شَرْطِ صِحَّتِهِ وَهُوَ صِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِالْمُقْسَمِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ وُرُودِ الْقِسْمَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ، فَالْمُقْسَمُ هُنَا الْمَاءُ مُفْرَدُ الْمِيَاهِ، وَقِسْمَةُ أَحَدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مِثْلُ الطَّاهِرِ الْمُطَّهِر الْغَيْرِ الْمَكْرُوهِ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا وَهُوَ الْمَاءُ قِسْمٌ، وَبِالنِّسْبَةِ لِأَحَدِ بَقِيَّةِ الْأَقْسَامِ قَسِيمٌ لِأَنَّ الْقِسْمَ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مَا كَانَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ الْقَسْمِ وَأَخَصَّ مِنْهُ، وَالْقِسْمُ مَحَلُّ وُرُودِ الْقِسْمَةِ، وَالْقَسِيمُ مَا كَانَ مُبَايِنًا لِلشَّيْءِ أَيْ مُخَالِفًا وَمُغَايِرًا لَهُ وَمُنْدَرِجًا مَعَهُ تَحْتَ أَصْلٍ كُلِّيٍّ، وَاخْتِيَارُ صِحَّةِ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ بِجَعْلِ الْقِسْمِ مُبْتَدَأً وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ بِالْمِقْسَمِ، فَإِنْ صَحَّ الْإِخْبَارُ نَحْوُ الطَّاهِرِ الْمُطَهِّرِ إلَخْ مَاءٌ فَهُوَ مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ كَتَقْسِيمِ الْكَلَامِ إلَى الِاسْمِ وَالْفِعْلِ وَالْحَرْفِ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الِاسْمُ كَلَامٌ وَهَكَذَا. وَسَكَتَ عَنْ الْحَرَامِ كَالْمُسَبَّلِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ضَرَرٍ فِيهِ فِي الْبَدَنِ، قَالَ سم: وَهَذَا تَقْسِيمٌ اعْتِبَارِيٌّ فَلَا يُنَافِي تَدَاخُلَ بَعْضِ الْأَقْسَامِ، فَالْمُشَمَّسُ مُطْلَقٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَعْرِيفِهِ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ لِإِجْزَاءِ التَّطْهِيرِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَحَدُهَا مَاءٌ إلَخْ) جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ طَاهِرٌ خَبَرًا لِهَذَا الْمُبْتَدَأِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ لِجَوَازِ جَرِّهِ بِالْبَدَلِيَّةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَنَصْبِهِ بِمُقَدَّرٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ الرَّسْمُ لِجَوَازِ جَرْيِهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ رَسَمَ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ رَسْمِ الْمَرْفُوعِ ع ش.
قَوْلُهُ: (فِي نَفْسِهِ) أَيْ لِذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَمٍّ. وَصْفٌ إلَيْهِ كَمَا يُقَالُ قِيمَةُ الْأَمَةِ فِي نَفْسِهَا كَذَا أَيْ: غَيْرُ مَنْظُورٍ فِيهَا إلَى وَصْفٍ زَائِدٍ كَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (مُطَهِّرٌ) أَيْ مُجْزِئٌ فِي الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ وَإِزَالَةِ نَجَسٍ وَغَيْرِهِمَا كَالْأَغْسَالِ الْمَنْدُوبَةِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِعْمَالُهُ) نَائِبُ فَاعِلِ مَكْرُوهٍ وَقَدَّرَهُ لِأَنَّ ذَاتَ الْمَاءِ لَا يَصِحُّ وَصْفُهَا بِالْكَرَاهَةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا قَالَهُ ع ش.
قَوْلُهُ: (بِإِضَافَةٍ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَيْدٍ لِإِفَادَةِ بَيَانِ أَنْوَاعِهِ ق ل. وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ قَيْدٍ، فَمُرَادُ ق ل التَّعَلُّقُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى.
قَوْلُهُ: (إذَا رَأَتْ) أَيْ عَلِمَتْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْقَيْدَ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ ذَا الْقَيْدِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (بِدُونِهِ) أَيْ الْقَيْدِ الْغَيْرِ اللَّازِمِ.
قَوْلُهُ: (عَنْهُ) أَيْ عَنْ خُرُوجِهِ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ بِدُونِ الْقَيْدِ. قَوْلُهُ: (بِمَا ذُكِرَ) أَيْ قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُطْلَقِ. الْحَاصِلُ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى التَّعْرِيفِ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ لِلْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَنَحْوِهِ وَغَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ الْمُسْتَعْمَلِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمُتَنَجِّسِ بِمُجَرَّدِ اتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُسَمَّى مَاءً بِلَا قَيْدٍ عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَاللِّسَانِ الْعَالِمِينَ بِأَحْوَالِ الْمِيَاهِ وَهُمْ يُدْخِلُونَ الْأَوَّلَ وَيُخْرِجُونَ الثَّانِيَ.
قَوْلُهُ: (وَطُحْلُبٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ ضَمِّ ثَالِثِهِ أَوْ فَتْحِهِ شَيْءٌ أَخْضَرُ يَعْلُو الْمَاءَ مِنْ طُولِ الْمُكْثِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِمَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ أَوْ لَا، نَعَمْ إنْ أُخِذَ
التَّطْهِيرِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: أَهْلُ اللِّسَانِ وَالْعُرْفِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ لَا إيرَادَ، وَلَا يَرِدُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ وَلَا الْمُسْتَعْمَلُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ.
(وَ) ثَانِيهَا مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (مُطَهِّرٌ) لِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ (مَكْرُوهٌ) اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا تَنْزِيهًا فِي الطَّهَارَةِ (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) أَيْ الْمُتَشَمِّسُ، لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَدُقَّ ثُمَّ طُرِحَ ضَرَّ لِكَوْنِهِ مُخَالِطًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ. اهـ. م ر.
فَرْعٌ: لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ مُخَالِطٌ وَمُجَاوِرٌ مَعًا وَشَكَكْنَا هَلْ التَّغَيُّرُ مِنْ الْمُخَالِطِ أَوْ الْمُجَاوِرِ؟ فَالصَّحِيحُ أَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ كَمَا قَالَهُ الزِّيَادِيُّ. قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْرَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يَخْلُ وَأَمَّا بِضَمِّهَا فَبِمَعْنَى يَنْزِلُ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاك هِزَّةٌ
…
كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ
قَوْلُهُ: (عَمَّا ذُكِرَ) أَيْ الْقَيْدُ اللَّازِمُ وَهُوَ التَّغَيُّرُ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَقُولُ هَذَا مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ.
قَوْلُهُ: (بِمَنْعِ أَنَّهُ مُطْلَقٌ) ضَعِيفٌ.
وَقَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ الْمُطْلَقِ) أَيْ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِغَيْرِ الْمُطْلَقِ. وَقَوْلُهُ: (عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ) إلَخْ. مُعْتَمَدٌ وَأَهْلُ اللِّسَانِ هُمْ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ هُمْ حَمَلَةُ الشَّرْعِ. قَوْلُهُ: (لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ إيقَاعِ اسْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ) بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ عِنْدَهُمْ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ) الْمُنَاسِبُ يَقُولُ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ عِنْدَ الْعَالِمِ بِحَالِهِ.
قَوْلُهُ: (اسْتِعْمَالُهُ) قَدَّرَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ.
قَوْلُهُ: (شَرْعًا) أَيْ وَطِبًّا وَمِثْلُهُ الشُّرْبُ قَائِمًا وَسَهَرُ اللَّيْلِ أَيْ مُعْظَمِهِ فِي الْعِبَادَةِ يُكْرَهُ طِبًّا لَا شَرْعًا، وَالنَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ شَرْعًا لَا طِبًّا، وَمِمَّا يُسَنُّ طِبًّا وَشَرْعًا الْفِطْرُ عَلَى التَّمْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ شَرْعًا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ الْكَرَاهَةُ طِبِّيَّةٌ فَقَطْ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ الثَّوَابُ وَعَدَمُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: شَرْعِيَّةٌ أُثِيبَ تَارِكُهُ امْتِثَالًا، وَإِنْ قُلْنَا إرْشَادِيَّةٌ أَيْ طِبِّيَّةٌ فَقَطْ فَلَا، وَلِهَذَا قَالَ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّ فَاعِلَ الْإِرْشَادِ لِمُجَرَّدِ غَرَضِهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَلِمُجَرَّدِ الِامْتِثَالِ يُثَابُ وَلَهُمَا يُثَابُ ثَوَابًا أَنْقَصَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ مَحَضَ قَصْدَ الِامْتِثَالِ اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَكَرَاهَتُهُ شَرْعِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا الطِّبَّ فَيُثَابُ تَارِكُهَا امْتِثَالًا، وَلِذَلِكَ حَرُمَ عَلَى مَنْ ظَنَّ فِيهِ الضَّرَرَ بِعَدْلٍ، وَلَا تُنْتَظَرُ بُرُودَتُهُ لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ، بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ضَرَرَهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ، بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَى تَسْخِينِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ اهـ. وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّبْرِيدَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ بِخِلَافِ التَّسْخِينِ. قَوْلُهُ:(تَنْزِيهًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُوَ مَا طُلِبَ تَرْكُهُ طَلَبًا غَيْرَ جَازِمٍ، وَدَفَعَ بِذَلِكَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. نَعَمْ إنْ ظَنَّ فِيهِ الضَّرَرَ عَادَةً كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا، أَوْ بِقَوْلِ طَبِيبٍ عَدْلٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَيَعْدِلُ إلَى التَّيَمُّمِ ق ل مَعَ زِيَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (فِي الطَّهَارَةِ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا سَيَأْتِي لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ النِّزَاعِ اج. وَهَذِهِ الظَّرْفِيَّةُ مُشْكِلَةٌ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مَعْنَاهُ الْفِعْلُ، وَالطَّهَارَةُ إمَّا فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ زَوَالُ الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا مَكْرُوهٌ اسْتِعْمَالُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ فِي زَوَالِ الْمَنْعِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمَظْرُوفَ هُوَ اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ فَظَرْفٌ فِي الْخَاصِّ وَهُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْمَخْصُوصُ، وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ مَكْرُوهٌ اسْتِعْمَالُهُ لِأَجْلِ زَوَالِ الْمَنْعِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ) وَمِثْلُ الْمَاءِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَاءَ لِأَجْلِ التَّقْسِيمِ أَيْ تَقْسِيمِ الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُتَشَمَّسُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَرَاهَةِ فِعْلٌ وَفَاعِلٌ، وَلَا الْقَصْدُ فَيَشْمَلُ مَا تَشَمَّسَ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ دَاوَمَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ الْكَرَاهِيَةَ بِالْمُدَاوَمَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مُغَطًّى أَوْ مَكْشُوفًا لَكِنَّ الْمَكْشُوفَ أَشَدُّ كَرَاهَةً.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُمَرَ) لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَقُلْهُ عَنْ اجْتِهَادٍ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِدْلَال بِهِ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ الشَّارِحُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ:«أَنَّهَا سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ لَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا ثُمَّ يُقَوِّيه بِخَبَرِ عُمَرَ كَانَ أَوْلَى وَلِضَعْفِهِ لَمْ يَقُلْ بِالْحُرْمَةِ. اهـ. م د. وَقَوْلُهُ: يَا حُمَيْرَاءُ تَصْغِيرُ حَمْرَاءَ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ ح ف. لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ بَيَاضَهَا مَشُوبٌ بِحُمْرَةٍ. وَفِي الْمِيزَانِ لِلشَّعْرَانِيِّ، وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ فِي الطَّهَارَةِ، وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
الِاغْتِسَالَ بِهِ وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ بِبِلَادٍ حَارَّةٍ أَيْ وَتَنْقُلُهُ الشَّمْسُ عَنْ حَالَتِهِ إلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي آنِيَةٍ مُنْطَبِعَةٍ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَهِيَ كُلُّ مَا طُرِقَ نَحْوُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ فِي الْبَدَنِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ بِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْهُ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ، فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيَحْتَبِسُ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْبَدَنِ لِغَيْرِ الطَّهَارَةِ كَشُرْبٍ كَالطَّهَارَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ كَغَسْلِ ثَوْبٍ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَبِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَرَاهَةُ اسْتِعْمَالِهِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ عَدَمُ صِحَّةِ دَلِيلٍ فِيهِ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ يَضُرُّ الْأُمَّةَ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَالْأَثَرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ. وَوَجْهُ الثَّانِي الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْجُمْلَةِ اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ خَبَرَ عُمَرَ اُشْتُهِرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا.
قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ بِهِ) وَقِيسَ بِالِاغْتِسَالِ بَاقِي أَنْوَاعِ الِاسْتِعْمَالَاتِ.
قَوْلُهُ: (بِبِلَادٍ حَارَّةٍ) فِيهِ اعْتِبَارُ الْبَلَدِ دُونَ الْقُطْرِ وَمَحَلُّهُ فِي بَلَدٍ خَالَفَتْ وَضْعَ الْقُطْرِ مِثْلُ حَرَّانَ فِي الشَّامِ، وَإِلَّا فَالْمُعْتَبَرُ الْقُطْرُ كَالْحِجَازِ ق ل. وَهَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا لَوْ قَالَ بِبَلَدٍ حَارَّةٍ لِأَنَّ الْبِلَادَ قُطْرٌ، نَعَمْ تَعْبِيرُهُ بِبِلَادٍ دُونَ الْقُطْرِ يُشْعِرُ بِاعْتِبَارِ الْبَلَدِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ وَتَنْقُلُهُ إلَخْ) لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِانْتِقَالِ مِنْ الْبُرُودَةِ إلَى الْحَرَارَةِ كَمَا يُوجَدُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِ الزُّهُومَةِ، وَلِذَا قَالَ ق ل أَيْ نَقْلًا يُوجَدُ فِيهِ ظُهُورُ الزُّهُومَةِ لَا مُجَرَّدَ السُّخُونَةِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَضَابِطُ الْمُتَشَمَّسِ أَنْ تُؤَثِّرَ فِيهِ السُّخُونَةُ بِحَيْثُ تُفْصَلُ مِنْ الْإِنَاءِ أَجْزَاءٌ سُمِّيَّةٌ تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ لَا مُجَرَّدُ انْتِقَالِهِ مِنْ حَالَةٍ لِأُخْرَى بِسَبَبِهَا وَإِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ اهـ.
قَوْلُهُ: (مُنْطَبِعَةٍ) أَيْ الَّتِي تُمَدُّ بِالْمَطَارِقِ أَيْ شَأْنُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تُطْرَقْ بِالْفِعْلِ كَجَبَلٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ. اهـ. م د وا ج وع ش.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ النَّقْدَيْنِ) وَالْعِبْرَةُ بِمَا يُلَاقِي الْمَاءَ فَلَا يُكْرَهُ فِي النُّحَاسِ الْمُمَوَّهِ بِهِمَا حَيْثُ مَنَعَ مِنْ انْفِصَالِ الزُّهُومَةِ وَيُكْرَهُ عَكْسُهُ وَالصَّدَأُ كَالنَّقْدِ إنْ مَنَعَ مَا ذُكِرَ. قَالَ اج: فَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَطُلِيَ بِنُحَاسٍ وَشُمِّسَ فِيهِ الْمَاءُ كُرِهَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ حَصَلَ مِنْ النُّحَاسِ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ أَمْ لَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ مِنْ نُحَاسٍ وَطُلِيَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِعَرْضِهِ عَلَى النَّارِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ اهـ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُنْطَبِعُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِمَا فَلَا يَنْفَصِلُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا. وَفِي الْمُنْطَبِعِ مِنْ غَيْرِهِمَا بَيْنَ أَنْ يَصْدَأَ أَوْ لَا. وَأَمَّا الْمُمَوَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَثُرَ التَّمْوِيهُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ انْفِصَالَ شَيْءٍ مِنْ الْإِنَاءِ لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ حَيْثُ انْفَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُؤَثِّرُ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْإِنَاءِ الْمَغْشُوشِ اهـ. قَوْلُهُ:(فِي الْبَدَنِ) وَلَوْ بَدَنَ أَبْرَصَ وَإِنْ عَمَّهُ الْبَرَصُ وَمَيِّتٍ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ كَمَا فِي الْحَيَاةِ زي. قَالَ ح ل: أَيْ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ شُرْبًا وَمِثْلُ ذَلِكَ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دُهْنِيَّةٌ، بِخِلَافِ الْجَامِدِ كَسَوِيقٍ لُتَّ بِهَذَا الْمَاءِ وَاسْتُعْمِلَ حَالَ سُخُونَتِهِ وَمِنْ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْبَدَنِ غَسْلُ الثَّوْبِ وَلُبْسُهُ حَالَ رُطُوبَتِهِ وَسُخُونَتِهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: فِي الْبَدَنِ عُلِمَ مِنْهُ شَرْطٌ رَابِعٌ وَهُوَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا بِأَنْ شَرِبَهُ لَا فِي غَيْرِهِ كَثَوْبٍ إذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي حَالِ حَرَارَتِهِ، وَيُزَادُ خَامِسٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَشْمِيسُهُ وَقْتَ الْحَرِّ مِنْ النَّهَارِ، وَسَادِسٌ وَهُوَ أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ، وَسَابِعٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، وَثَامِنٌ وَهُوَ أَنْ لَا يَخَافَ مِنْهُ ضَرَرًا. وَحَاصِلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ سم أَنَّ الْمُشَمَّسَ وَصْفُهُ الْكَرَاهَةُ، وَتَرْتَفِعُ إذَا فَقَدَ غَيْرَهُ وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، فَيَكُونُ مُبَاحًا وَيَحْرُمُ إنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ وَيَجِبُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ عَدْلٌ بِضَرَرِهِ، وَأَمَّا النَّدْبُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (تَعْلُو الْمَاءَ) قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ خَرَقَ الْإِنَاءَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَاسْتَعْمَلَ النَّازِلَ وَتَرَكَ الْأَعْلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الزُّهُومَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعْلُو الْمَاءَ تَظْهَرُ بِعُلُوِّهِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهَا مُنْبَثَّةٌ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ.
قَوْلُهُ: (فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ) أَيْ إمَّا حُدُوثُهُ أَوْ زِيَادَتُهُ أَوْ اسْتِحْكَامُهُ شَوْبَرِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ، فَيُكْرَهُ لِلْأَبْرَصِ أَيْضًا لِأَنَّهُ
الْمُعْتَدِلِ وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ وَلَوْ بِرَوْثِ نَحْوِ كَلْبٍ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ عَنْهُ، وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي بِلَادٍ بَارِدَةٍ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ، وَبِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ فِي غَيْرِ الْمُنْطَبِعِ كَالْخَزَفِ وَالْحِيَاضِ أَوْ فِي مُنْطَبِعٍ نَقْدٍ لِصَفَاءِ جَوْهَرِهِ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ بَعْدَ أَنْ بَرُدَ، وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَائِعًا كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ.
وَيُكْرَهُ فِي الْأَبْرَصِ لِزِيَادَةِ الضَّرَرِ، وَكَذَا فِي الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ، وَفِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ مِنْ الْحَيَوَانِ إنْ كَانَ الْبَرَصُ يُدْرِكُهُ كَالْخَيْلِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ الْمُشَمَّسُ كَالسُّمِّ لِأَنَّ ضَرَرَهُ مَظْنُونٌ بِخِلَافِ السُّمِّ، وَيَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَيُكْرَهُ أَيْضًا تَنْزِيهًا شَدِيدُ السُّخُونَةِ أَوْ الْبُرُودَةِ فِي الطَّهَارَةِ لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ، وَكَذَا مِيَاهُ ثَمُودَ وَكُلُّ مَاءٍ مَغْضُوبٍ عَلَى أَهْلِهِ كَمَاءِ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ وَمَاءِ الْبِئْرِ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ــ
[حاشية البجيرمي]
يَزِيدُ بَرَصُهُ.
قَوْلُهُ: (كَغَسْلِ ثَوْبٍ) أَيْ لَمْ يَلْبَسْهُ حَالَ حَرَارَتِهِ رَطْبًا ق ل.
قَوْلُهُ: (لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ خَوْفُ الْبَرَصِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجِسٍ) غَايَةٌ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يُكْرَهُ) أَيْ إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الْمُشَمَّسِ إذَا سُخِّنَ بِالنَّارِ قَبْلَ تَبْرِيدِهِ فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ بَاقِيَةٌ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الطَّعَامِ وَهِيَ مَا لَوْ طُبِخَ بِهِ طَعَامٌ مَائِعٌ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ تَنَاوُلُهُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ زَوَالِ الْكَرَاهَةِ بِالتَّسْخِينِ بِالنَّارِ بَعْدَ تَشْمِيسِهِ وَقَبْلَ تَبْرِيدِهِ، أَمَّا إذَا بَرُدَ ثُمَّ سُخِّنَ بِالنَّارِ فَإِنَّهَا أَيْ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ وَلَا تَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. ز ي. وَإِذَا بَرُدَ الْمَاءُ الْمُشَمَّسُ فِي الْإِنَاءِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ شُمِّسَ ثَانِيًا فِي إنَاءٍ مِنْ خَزَفٍ مَثَلًا عَادَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، لِأَنَّ الزُّهُومَةَ لَمْ تَزُلْ بِالتَّبْرِيدِ بَلْ زَالَ تَأْثِيرُهَا لِلشُّرُوطِ بِالسُّخُونَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ، لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ الزُّهُومَةَ كَامِنَةٌ فِيهِ، فَإِذَا شُمِّسَ ثَانِيًا ظَهَرَتْ مِنْهُ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (وَلِذَهَابِ الزُّهُومَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا وُجِدَتْ فِي أَوَّلِ الْحَرَارَةِ، ثُمَّ ذَهَبَتْ بِشِدَّتِهَا. قَوْلُهُ:(تَأْثِيرِهَا) أَيْ النَّارِ.
قَوْلُهُ: (بَارِدَةٍ) كَالشَّامِ أَوْ مُعْتَدِلَةٍ كَمِصْرِ. قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمَطْبُوخُ بِهِ) مُقَابِلٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ الْمَطْبُوخِ بِهِ وَأَمَّا إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (كُرِهَ) أَيْ إذَا اُسْتُعْمِلَ حَالَ حَرَارَتِهِ. وَقَوْلُهُ: (وَكَذَا فِي الْمَيِّتِ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (كَالْخَيْلِ) أَيْ الْبُلْقِ وَغَيْرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْبُلْقِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، فَالْبَرَصُ يُوجَدُ فِي الْخَيْلِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِالْبُلْقِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْأَبْلَقِ أَكْثَرَ. اهـ. ح ف.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ضَرَرَهُ مَظْنُونٌ) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ الْكَرَاهَةِ إذَا ظَنَّ الضَّرَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ حِينَئِذٍ، فَكَانَ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ بِالتَّوَهُّمِ إذْ الْكَرَاهَةُ فِي التَّوَهُّمِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ الضَّرَرَ أَوْ ظَنَّهُ بِمَعْرِفَتِهِ أَوْ عَدْلِ رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ م د. وَقَوْلُهُ: بِمَعْرِفَتِهِ أَيْ طِبًّا لَا تَجْرِبَةً رَشِيدِيٌّ وع ش. خِلَافًا لِابْنِ حَجَرٍ الْقَائِلِ إنَّهُ يَعْمَلُ بِتَجْرِبَةِ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ) أَيْ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَإِلَّا فَيَحْرُمُ وَيَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْوُجُوبِ هَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُكْرَهُ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَالْغُسْلُ الْمَسْنُونُ وَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ لِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ. اهـ. سم. وَقَوْلُهُ:(وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ) أَيْ مَنْعُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ.
قَالَ سم: وَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِالْوُجُوبِ وَكَأَنَّ مُدْرَكَهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ وَالْوُجُوبَ رَاجِعَانِ لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الِاسْتِعْمَالُ، وَالشَّيْءُ إذَا كَانَ لَهُ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَجْتَمِعُ فِيهِ حُكْمَانِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَلَهَا جِهَتَانِ، وَلِذَا كَانَ لَهَا حُكْمَانِ أَيْ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ أَيْضًا إلَخْ) أَيْ فَحَصْرُ الْمُصَنِّفِ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُشَمَّسِ غَيْرُ مُرَادٍ لِتَحَقُّقِهَا فِي غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (لِمَنْعِهِ الْإِسْبَاغَ) أَيْ الْإِتْمَامَ أَيْ كَمَالَ الْإِتْمَامِ، وَإِلَّا فَلَوْ مَنَعَ إتْمَامَ الْوُضُوءِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ، وَيَحْرُمُ سم. وَفِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ: وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ إسْبَاغَ الْوُضُوءِ إكْمَالُهُ وَإِتْمَامُهُ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ، وَفِي الْمُخْتَارِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ إتْمَامُهُ، فَعَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى كَلَامِ الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ كَلَامُ سم جَارِيًا عَلَيْهِ. قَالَ اج: وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِلَّةِ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالطَّهَارَةِ وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ عَلَّلَهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِخَوْفِ الضَّرَرِ وَقَضِيَّتُهُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا مِيَاهُ ثَمُودَ) إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ فَلَا كَرَاهَةَ لِاسْتِعْمَالِ مَائِهَا، وَالْمِيَاهُ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ بَلْ التُّرَابُ وَالْأَحْجَارُ كَذَلِكَ ابْنُ حَجَرٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي شَجَرِهَا، وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ فَيُكْرَهُ أَكْلُ ثَمَرِهِ وَاسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ مِنْهُ. قَوْلُهُ:(الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ) وَهِيَ بِئْرُ ذَرْوَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا وَالْوَاضِعُ
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ مَاءَهَا حَتَّى صَارَ كَنُقَاعَةِ الْحِنَّاءِ وَمَاءِ دِيَارِ بَابِلَ.
(وَ) ثَالِثُهَا مَاءٌ (طَاهِرٌ) فِي نَفْسِهِ (غَيْرُ مُطَهِّرٍ) لِغَيْرِهِ (وَهُوَ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (الْمُسْتَعْمَلُ) فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ عَنْ حَدَثٍ كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى؛ أَمَّا كَوْنُهُ طَاهِرًا فَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا لَا يَحْتَرِزُونَ عَمَّا يَتَطَايَرُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَادَ جَابِرًا فِي مَرَضِهِ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ» . وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ مُطَهِّرٍ لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ كَانُوا مَعَ قِلَّةِ مِيَاهِهِمْ لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ لِلِاسْتِعْمَالِ ثَانِيًا بَلْ انْتَقَلُوا إلَى التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَجْمَعُوهُ لِلشُّرْبِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ.
تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْفَرْضِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَثِمَ الشَّخْصُ بِتَرْكِهِ كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ أَمْ لَا كَصَبِيٍّ إذْ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِلسِّحْرِ هُوَ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الْيَهُودِيُّ، وَكَانَ السِّحْرُ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِيهِ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأَمَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقْرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ لِإِبْطَالِ السِّحْرِ، وَكَذَا يُكْرَهُ مَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ، فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَهِيَ الْمُشَمَّسُ وَشَدِيدُ الْحَرَارَةِ وَشَدِيدُ الْبُرُودَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ ثَمُودَ إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ، وَمَاءُ دِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ، وَمَاءُ بِئْرِ بَرَهُوتَ، وَمَاءُ أَرْضِ بَابِلَ، وَمَاءُ بِئْرِ ذَرْوَانَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ مَاءَهَا) أَيْ وَمَسَخَ طَلْعَ النَّخْلِ الَّذِي حَوْلَهَا حَتَّى صَارَ كَرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (بَابِلَ) هِيَ مَدِينَةُ السِّحْرِ بِالْعِرَاقِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَإِنْ بَلَغَهُمَا بِمَاءٍ صِرْفٍ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا أَوْ مُتَنَجِّسًا وَلَا تَغَيَّرَ عَادَ طَهُورًا ق ل.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَعْمَلُ فِي فَرْضٍ) لَا يَخْفَى أَنَّ الظَّرْفَ صِلَةُ الْمُسْتَعْمَلِ فَهُوَ ظَرْفٌ لِغَيْرِهِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ أَيْ: مَاءٌ حَصَلَ اسْتِعْمَالُهُ فِي فَرْضٍ فَالِاسْتِعْمَالُ مَظْرُوفٌ، وَالْفَرْضُ ظَرْفٌ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْمَظْرُوفَ هُوَ اللُّغَوِيُّ الْعَامُّ وَالظَّرْفُ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الشَّرْعِيُّ الْخَاصُّ فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ. قَوْلُهُ: (عَنْ حَدَثٍ) أَوْ إزَالَةِ نَجَسٍ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي غَسْلِ مَا نَجُسَ بِنَحْوِ كَلْبٍ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ نَحْوِ كَلْبٍ مَرَّةً ثَانِيَةً عَلَى الْمُرَجَّحِ عِنْدَ شَيْخِنَا م ر. وَإِنْ جَرَى الْمُصَنِّفُ أَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحَيْ الرَّوْضِ وَالْبَهْجَةِ عَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَحَجَرِ الِاسْتِنْجَاءِ بَعْدَ غَسْلِهِ وَجَفَافِهِ وَكَدَوَاءٍ دُبِغَ بِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّبْغَ مِنْ بَابِ الْإِحَالَةِ وَالْحَجَرُ لَيْسَ رَافِعًا فَلْيُتَأَمَّلْ ق ل وا ج. وَذِكْرُ حُكْمِ التُّرَابِ هُنَا اسْتِطْرَادِيٌّ. قَوْلُهُ:(كَالْغَسْلَةِ الْأُولَى) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ إذْ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا الْأُولَى، وَإِمَّا تَمْثِيلِيَّةٌ لِتَدْخُلَ الْمَسْحَةُ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَالَ ق ل: الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ أَوْ تَمْثِيلِيَّةٌ لِإِدْخَالِ الْمَسْحِ، أَوْ مَاءِ غَسْلِ الْجَبِيرَةِ، أَوْ الْخُفِّ بَدَلَ مَسْحِهِمَا، أَوْ بَقِيَّةِ السَّبْعِ فِي غَسَلَاتِ الْكَلْبِ اهـ. قَوْلُهُ (فِي مَرَضِهِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَفِيهَا نَظَرٌ لِأَنَّ جَابِرًا عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَوْلُهُ:(مِنْ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ بِالْفِعْلِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُسْتَعْمَلِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجْمَعُوا الْمُسْتَعْمَلَ) . قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ تَحْصِيلَ الْمَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَجِبُ فَعَدَمُ الْجَمْعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ فَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٍ احْتَمَلَتْ اهـ. أَيْ وَوَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبُ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْبَعِيدَ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَقَائِعِ الْأَحْوَالِ. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف فِيهِ: إنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ لِكَوْنِهِ قَلِيلًا بَعْدَ جَمْعِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ كَثْرَةٍ وَمَعَ كَوْنِهِمْ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ مَعَ كَثْرَتِهِ لَمْ يَجْمَعُوهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَمْ لَمْ يَجْمَعُوا مَاءَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ مَاءَهُمَا يُخَالِطُ غَالِبًا مَاءَ الْمَرَّةِ الْأُولَى فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُسْتَعْمَلًا فَلَمْ يَجْمَعُوهُ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَصِرُونَ فِي أَسْفَارِهِمْ الْقَلِيلَةِ الْمَاءَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ) فَيُكْرَهُ شُرْبُهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ قَوْلُهُ: (مَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَهُوَ مَا لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إلَّا بِهِ.
قَوْلُهُ: (كَحَنَفِيٍّ تَوَضَّأَ إلَخْ) وَإِنَّمَا مَثَّلَ بِالْحَنَفِيِّ لِأَنَّ وُضُوءَهُ خَالٍ عَنْ النِّيَّةِ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ أَثِمَ بِتَرْكِهِ لِلْوُضُوءِ. قَوْلُهُ: (كَصَبِيٍّ) أَيْ مُمَيِّزٍ تَوَضَّأَ وَنَوَى أَوْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٍ كَذَلِكَ كَأَنْ وَضَّأَ
مِنْ وُضُوءٍ، وَلَا أَثَرَ لِاعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَاءَ الْحَنَفِيِّ فِيمَا ذُكِرَ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ بِحَنَفِيٍّ مَسَّ فَرْجَهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِهِ لِأَنَّ الرَّابِطَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ دُونَ الطِّهَارَاتِ.
تَنْبِيهٌ: اُخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، فَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنَّهُ غَيْرُ مُطْلَقٍ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَحْقِيقِهِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ مُطْلَقٌ وَلَكِنْ مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ تَعَبُّدًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَخَرَجَ بِالْمُسْتَعْمَلِ فِي فَرْضٍ الْمُسْتَعْمَلُ فِي نَفْلِ الطَّهَارَةِ كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ عَلَى الْجَدِيدِ.
تَنْبِيهٌ: مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءُ غُسْلٍ بَدَلَ مَسْحٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ، وَمَاءُ غُسْلِ كَافِرَةِ لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ. وَأُورِدَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَلِيَّهُ لِطَوَافٍ حِينَ أَحْرَمَ عَنْهُ فَيَنْوِي عَنْهُ اهـ. قَالَ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، قَالَ شَيْخُنَا م ر: وَلَهُ إذَا مَيَّزَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَفِي ع ش عَلَى م ر خِلَافُ ذَلِكَ وَنَصُّهُ: وَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا الْوُضُوءِ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ. وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَدَّ بِوُضُوءِ وَلِيِّهِ لِلضَّرُورَةِ وَقَدْ زَالَتْ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا قِيلَ فِي زَوْجِ الْمَجْنُونَةِ إذَا غَسَّلَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ أَنَّهَا إذَا أَفَاقَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِذَلِكَ الطُّهْرِ. قَوْلُهُ:(لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا) يَقْتَضِي اعْتِقَادُهُ أَيْ الشَّافِعِيِّ أَنْ وُضُوءَهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ اقْتِدَائِهِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَلَا جَوَابَ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ الْحَنَفِيَّ قَدْ أَتَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي اعْتِقَادِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْوُضُوءُ الرَّافِعُ لِحَدَثِهِ، كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ. اهـ. ق ل. وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ بِالْفَرْضِ نَفْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَكَيْفَ يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ؟ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَحَلَّ ضَرَرِ اعْتِقَادِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا لِلْفَاعِلِ ع ش.
قَوْلُهُ: (مَسَّ فَرْجَهُ) أَوْ أَتَى بِمُخَالِفٍ، وَمِنْهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْوُضُوءَ.
قَوْلُهُ: (مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ رَبْطِ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِالنِّيَّةِ.
قَوْلُهُ: (دُونَ الطِّهَارَاتِ) إذْ لَا رَابِطَ بَيْنَ طَهَارَةٍ وَطَهَارَةٍ وَاحْتِيَاطًا فِي الْبَابَيْنِ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِعْمَالِ يُوجَدُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَغُسْلِ الْمَجْنُونَةِ وَالْمُمْتَنِعَةِ مِنْ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ الِاقْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَنِيَّةُ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ أَيْ الَّذِي مَسَّ فَرْجَهُ فِيمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي ظَنِّ الْمَأْمُومِ شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) الْأَوْلَى مَنْعُ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ الْمَمْنُوعُ لَا مُطْلَقَ اسْتِعْمَالِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَصَحُّ) مُعْتَمَدٌ وَقَوْلُهُ: (وَقِيلَ مُطْلَقٌ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ نَذَرَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَيُلْغَزُ وَيُقَالُ لَنَا غُسْلٌ وَاجِبٌ أَوْ وُضُوءٌ وَاجِبٌ وَمَاؤُهُمَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِذَا اغْتَسَلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا الْمَنْذُورَ، فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الَّذِي اغْتَسَلَ بِهِ وَيُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ، وَعِبَارَةُ ق ل كَالْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَإِنْ نَذَرَهُ أَوْ كَانَ لِنَحْوِ مَجْنُونٍ بَعْدَ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عِنْدَ غُسْلِهِ بَعْدَ الْجُنُونِ لِاحْتِمَالِ الْإِنْزَالِ، وَكَذَا وُضُوءُ مَنْ شَكَّ فِي حَدَثِهِ لِعَدَمِ رَفْعِ الطَّهَارَةِ بِالشَّكِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (بَدَلَ مَسْحٍ) أَيْ لِشَيْءٍ مِنْ رَأْسٍ أَوْ خُفٍّ.
قَوْلُهُ: (غُسْلِ كَافِرَةٍ) أَيْ كِتَابِيَّةٍ أَيْ بِنَفْسِهَا أَوْ بِغَيْرِهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهَا لِأَنَّ غُسْلَهَا لَيْسَ عِبَادَةً وَنِيَّتُهَا لِلتَّمْيِيزِ، فَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ أَحَدُ أُصُولِهَا وَهِيَ مَجْنُونَةٌ بَطَلَ غُسْلُهَا. وَحِينَئِذٍ يُلْغَزُ وَيُقَالُ: لَنَا غُسْلٌ صَحِيحٌ يَبْطُلُ بِكَلَامِ الْمُغْتَسِلِ أَوْ كَلَامِ غَيْرِهِ. اهـ. ح ل. وَفِي مَتْنِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَغُسْلُ كَافِرَةٍ لِقَصْدِ حِلِّهَا لِمُسْلِمٍ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِغُسْلِهَا، فَيَجِبُ وَلَوْ عَبَّرَ كَالرَّوْضَةِ بِالْكِتَابِيَّةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ الْكَافِرَاتِ حَرَامٌ وَكَالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ فِيمَا يَظْهَرُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِالْفُرُوعِ وَهِيَ مُكَلَّفَةٌ بِالْغُسْلِ لَهُ كَالْمُسْلِمَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ: ثُمَّ تَرَجَّحَ عِنْدِي خِلَافُ ذَلِكَ عَمَلًا بِتَقْيِيدِهِمْ الْحُكْمَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا بِأَنْ يُسْلِمَ اهـ.
قَوْلُهُ: (لِتَحِلَّ لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ) هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الشَّارِحُ، وَاعْتَمَدَ م ر أَنَّ قَصْدَ الْحِلِّ كَافٍ وَإِنْ كَانَ حَلِيلُهَا صَغِيرًا أَوْ كَافِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ يَرَى تَوَقُّفَ الْحِلِّ عَلَى الْغُسْلِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَلِيلٌ أَصْلًا، أَوْ قَصَدَتْ الْحِلَّ لِلزِّنَا، فَكُلٌّ مِنْ
عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ مَاءٌ غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ بَعْدَ مَسْحِ الْخُفِّ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ، وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْخَبَثُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فَإِنَّهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ لِأَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ أَصَالَةً.
فَائِدَةٌ: الْمَاءُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَلِيلِهَا وَالْمُسْلِمِ لَيْسَ بِقَيْدٍ. نَعَمْ لَوْ قَصَدَتْ حَنَفِيَّةٌ حِلَّ وَطْءِ حَنَفِيٍّ يَرَى حِلَّهَا مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ لَمْ يَكُنْ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ مَانِعٍ شَرْعًا، وَلِذَلِكَ فَارَقَ الْكَافِرَةَ لِلْكَافِرِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا شَافِعِيًّا وَاغْتَسَلَتْ لِتَحِلَّ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَيْسَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ كَانَتْ شَافِعِيَّةً وَزَوْجُهَا حَنَفِيٌّ وَاغْتَسَلَتْ لِيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ كَانَ مَاؤُهَا مُسْتَعْمَلًا، أَوْ لِتَحِلَّ لَهُ كَانَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ حَرَّرَ ح ل وس ل. قَوْلُهُ:(لِحَلِيلِهَا الْمُسْلِمِ) اقْتَضَى صَنِيعُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا أَوْ غَيْرَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ قَبْلَ الْغُسْلِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا وَوَلِيُّهُ مُخَاطَبٌ بِمَنْعِهِ مِنْهُ وَبِالْغُسْلِ يَزُولُ هَذَا الْمَنْعُ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (وَأُورِدَ عَلَى ضَابِطِ الْمُسْتَعْمَلِ) حَاصِلُ الْإِيرَادِ أَنَّ هَذِهِ الْمِيَاهَ لَا تَرْفَعُ حَدَثًا وَلَا خَبَثًا مِنْ أَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسْتَعْمَلِ لَا يَشْمَلُهَا فَيَكُونُ غَيْرَ جَامِعٍ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَدَمُ تَسْلِيمِ كَوْنِ الْأَوَّلِ مُسْتَعْمَلًا بَلْ هُوَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَهُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فَقَوْلُهُ بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ أَيْ مَاءِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْخُفِّ لِحَدَثٍ آخَرَ أَيْ بَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ الْآخَرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا لِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رَفَعَ الْحَدَثَ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَزِيدُ بِهَذَا الْغَسْلِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لِلْمُقِيمِ أَوْ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْغَسْلِ كَانَ الْحَدَثُ مَرْفُوعًا، فَلَا يُلْتَفَتُ لِمَا بَعْدَهُ اهـ.
قَوْلُهُ: (مَاءٌ غُسِلَ بِهِ الرِّجْلَانِ) أَيْ دَاخِلَ الْخُفِّ. قَوْلُهُ: (وَمَاءٌ غُسِلَ بِهِ الْوَجْهُ) أَيْ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ، وَصُورَتُهُ كَأَنْ تَيَمَّمَ لِضَرُورَةٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، قَوْلُهُ:(قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِيَصِحَّ تَصْوِيرُهُ لِكَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا فِي أَمْرٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيْ الْمَاءَاتِ الثَّلَاثَ لَا تَرْفَعُ حَدَثًا آخَرَ. قَوْلُهُ: (بِمَنْعِ عَدَمِ رَفْعِهِ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ حَدَثًا آخَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ. وَلَا يُشْكِلُ بِتَأْثِيرِ غَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ حَيْثُ رَفَعَ الْحَدَثَ الْمُسْتَفَادِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ فَرِيضَةٍ وَلَمْ يَرْفَعْ هُنَا لِأَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ فَأَثَّرَ بَعْدَهُ الْغَسْلُ وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ الْغَسْلُ بَعْدَهُ شَيْئًا. اهـ. ق ل. وَبَحَثَ سم أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ بِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مُدَّةِ الْخُفِّ، وَهَذَا الْبَحْثُ مَرْدُودٌ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُؤَثِّرْ) فَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اج.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي فَرْضٍ) فَقَوْلُ الْمُعْتَرِضِ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي فَرْضٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ الثَّالِثِ) وَهُوَ غَسْلُ الْخَبَثِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَيُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِ مَائِهِ نَظَرًا لِجِنْسِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخَبَثِ وُجُوبُ غَسْلِهِ، وَلَا نَظَرَ لِطُرُوِّ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَذْكُرْ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْخَبَثِ فِيمَا مَرَّ فَإِيرَادُ هَذِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ق ل.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْعُضْوِ إلَخْ) مُرَادُهُ بِالْعُضْوِ مَا يَشْمَلُ بَدَنَ الْجُنُبِ لَا خُصُوصَ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِمَّا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ صَحَّ تَفْرِيعُ قَوْلِهِ: فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ إلَخْ وَعَلَيْهِ فَانْدَفَعَ مَا فِي الْحَوَاشِي.
قَوْلُهُ: (لَا يَثْبُتُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعُضْوِ الْمُنْفَرِدِ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَلَوْ غَرَفَ بِكَفَّيْهِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ وَفَصَلَهُمَا عَنْهُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مَثَلًا وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفَّيْهِ مَعًا إنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا مَا شَاءَ مِنْ بَقِيَّةِ يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَبَقِيَّةِ بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالِهِ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَرَ وَكَانَ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُمَا مَعًا ارْتَفَعَ حَدَثُ كَفِّهِ الْيُمْنَى سَوَاءٌ قَصَدَهَا أَوْ أَطْلَقَ نَظَرًا لِطَلَبِ تَقْدِيمِهَا، وَلَهُ إتْمَامُ غَسْلِهَا بِمَا فِي كَفِّهِ بِلَا انْفِصَالٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْيُسْرَى وَحْدَهَا ارْتَفَعَ حَدَثُ مَا لَاقَى الْمَاءُ مِنْهَا وَلَهُ إتْمَامُ غَسْلِهَا بِهِ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا مَعًا ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَمَّا لَاقَاهُ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْفَعَ بِهِ بَقِيَّةَ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُخْرَى ق ل.
قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِعْمَالِ) إنْ أُرِيدَ بَقَاءُ الْحَاجَةِ بِعَدَمِ اسْتِيعَابِ الْعُضْوِ فَالتَّقْيِيدُ بِهِ مُضِرٌّ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ إذَا اسْتَوْعَبَ
لِلضَّرُورَةِ، فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ الْجَنَابَةِ وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْحَدَثِ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَئِمَّةِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَلَوْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ طُهْرًا أَوْ مُرَتَّبًا وَلَوْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فَالْأَوَّلُ فَقَطْ، أَوْ نَوَيَا مَعًا فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُمَا عَنْ بَاقِيهِمَا، وَلَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا يَطْهُرَانِ لِأَنَّا لَا نَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِالشَّكِّ وَسَلْبُهَا فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَقَطْ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالْمَاءُ الْمُتَرَدِّدُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ وَعَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ وَعَلَى الْمُتَنَجِّسِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ، فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَأَنْ جَاوَزَ مَنْكِبَهُ أَوْ تَقَاطَرَ مِنْ عُضْوٍ وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، نَعَمْ مَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ وَعَكْسُهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِلْعُذْرِ، وَإِنْ خَرَقَهُ الْهَوَاءُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَلَوْ غَرَفَ بِكَفِّهِ جُنُبٌ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ أَوْ مُحْدِثٌ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ الْغَسْلَةَ الْأُولَى عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ أَوْ الْغَسَلَاتِ الثَّلَاثَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَوْجَهُ إنْ لَمْ يُرِدْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ بِأَنْ نَوَى اسْتِعْمَالًا أَوْ أَطْلَقَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ بَاقِيَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْعُضْوَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلَوْ نَوَى إلَخْ. وَإِنْ أُرِيدَ بَقَاؤُهَا بَعْدَ انْفِصَالِ الْمَاءِ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا مَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ لَا مُجَرَّدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِهِ كَمَا قَالَهُ ع ش. فَالتَّقْيِيدُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ يُغْنِي عَنْهُ تَأَمَّلْ. وَقَوْلُهُ:(مَا بَقِيَتْ الْحَاجَةُ) بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْعُضْوَ كَذَا قِيلَ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَوَى جُنُبٌ) أَيْ يَغْتَسِلُ بِالِانْغِمَاسِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) لِلرَّدِّ عَلَى الْخِلَافِ كَأَنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَيْضًا، وَالثَّانِي جَنَابَةً بِنُزُولِ الْمَنِيِّ أَيْ إنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ حَالَ انْغِمَاسِهِ ق ل وم ر وَخَالَفَ ابْنُ حَجَرٍ. قَوْلُهُ:(وَلَوْ نَوَى جُنُبَانِ مَعًا) أَيْ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتٌّ لِأَنَّهُمَا إمَّا أَنْ يَنْوِيَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَشُكَّا فِي الْمَعِيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إمَّا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ قَبْلَهُ فَمَتَى نَوَيَا مَعًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ كَذَلِكَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ جَمِيعِ بَدَنِهِمَا أَوْ نَوَيَا مَعًا أَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ عَنْ الْجُزْءِ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَطْ، أَوْ نَوَيَا مُرَتَّبًا بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ أَوْ قَبْلَهُ ارْتَفَعَ حَدَثُ السَّابِقِ، وَلَهُ رَفْعُ حَدَثٍ يَطْرَأُ عَلَيْهِ قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ فِي الْأُولَى أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ وَإِتْمَامُ غَسْلِهِ بِالِانْغِمَاسِ دُونَ الِاغْتِرَافِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ) أَيْ انْغِمَاسِهِمَا وَإِلَّا ارْتَفَعَ عَنْ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ فَقَطْ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ انْغِمَاسِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ بَاقِيهِ وَحْدَهُ فَرَاجِعْهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ الِانْغِمَاسِ قَوْلُهُ: (وَلَوْ شَكَا فِي الْمَعِيَّةِ) أَيْ بَعْدَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ. قَوْلُهُ: (يَطْهُرَانِ) إلْحَاقًا بِالْمَعِيَّةِ الْمُحَقَّقَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْمُتَرَدِّدُ إلَخْ) هَذَا تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي قَوْلِهِ الْمَاءُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا إلَخْ. وَأَعَادَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ) رَاجِعٌ لِلْأَخِيرِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (طَهُورٌ) أَيْ مُطَهِّرٌ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِنْ عُضْوِ بَدَنِ الْجُنُبِ) أَخْذُهُ غَايَةٌ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ، فَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّقَاطُرِ.
1 -
قَوْلُهُ: (صَارَ مُسْتَعْمَلًا) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْجُنُبَ لَوْ نَزَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ وَنَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، ثُمَّ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِإِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَصَبَّهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي اغْتَرَفَ لَهُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ انْفَصَلَ اهـ بِخَطِّ الْمَيْدَانِيِّ قَوْلُهُ:(التَّقَاذُفُ) وَهُوَ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الِاتِّصَالِ اج. وَفِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ عَلَى الِاتِّصَالِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ وَإِنْ خَرَّقَهُ الْهَوَاءُ. وَكَتَبَ الْمَيْدَانِيُّ عَلَى التَّقَاذُفِ أَيْ التَّدَافُعِ.
قَوْلُهُ: (كَمِنْ الْكَفِّ إلَى السَّاعِدِ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَمِنْ الرَّأْسِ إلَى الصَّدْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجُنُبِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ خَرَّقَهُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ حَرَّكَهُ وَقَطَعَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ غَرَفَ إلَخْ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ غَرْفٍ، وَعِبَارَةُ م ر وَابْنِ حَجَرٍ: وَلَوْ أَدْخَلَ كَفَّهُ جُنُبٌ إلَخْ لَكِنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ قَوْلِهِ بَعْدُ فَلَوْ غَسَلَ بِمَا فِي كَفِّهِ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يُرِدْ إلَخْ) بِأَنْ أَرَادَ الثَّلَاثَ أَوْ أَطْلَقَ فَالْمُعْتَبَرُ إرَادَتُهُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَالثَّلَاثُ ق ل.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِغَرَفَ.
قَوْلُهُ: (صَارَ) أَيْ الْمَاءُ الْبَاقِي مِنْ الْقَلِيلِ مُسْتَعْمَلًا.
قَوْلُهُ: (بَاقِيَ يَدِهِ) أَيْ فِي الْمُحْدِثِ أَوْ بَاقِيَ بَدَنِهِ فِي الْجُنُبِ
يَدِهِ لَا غَيْرَهَا أَجْزَأَهُ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ الْإِنَاءِ وَالْغُسْلَ بِهِ خَارِجَهُ لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا (وَ) مِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ (الْمُتَغَيِّرُ) طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ (خَالَطَهُ مِنْ) الْأَعْيَانِ (الطَّاهِرَاتِ) الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا كَمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ وَمَاءِ شَجَرٍ وَمَنِيٍّ وَمِلْحٍ جَبَلِيٍّ تَغَيُّرًا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاءً، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً أَوْ وَكَّلَ فِي شِرَائِهِ فَشَرِبَ ذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ لَمْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
ق ل. قَوْلُهُ: (أَجْزَأَهُ) أَيْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَدْخَلَ إحْدَى يَدَيْهِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ، أَمَّا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِمَا فِيهِمَا بَاقِيَ إحْدَاهُمَا وَلَا بَاقِيَهُمَا، وَذَلِكَ لِرَفْعِ الْمَاءِ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ فَمَتَى غَسَلَ بَاقِيَ إحْدَاهُمَا فَقَدْ انْفَصَلَ مَا غَسَلَ بِهِ عَنْ الْأُخْرَى وَذَلِكَ يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَمِنْهُ يُعْلَمُ وُضُوحُ مَا ذَكَرَهُ سم فِي شَرْحِهِ عَلَى أَبِي شُجَاعٍ مِنْ أَنَّهُ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ بِأَنْ يَقْصِدَ أَنَّ الْيَدَ الْيُسْرَى مُعِينَةٌ لِلْيُمْنَى فِي أَخْذِ الْمَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ ارْتَفَعَ حَدَثُ الْكَفَّيْنِ مَعًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَ إحْدَاهُمَا بَلْ يَصُبَّهُ ثُمَّ يَأْخُذَ غَيْرَهُ لِغَسْلِ السَّاعِدِ، لَكِنْ نُقِلَ عَنْ إفْتَاءِ م ر مَا يُخَالِفُهُ وَأَنَّ الْيَدَيْنِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فَمَا فِي الْكَفَّيْنِ إذَا غَسَلَ بِهِ السَّاعِدَ لَا يُعَدُّ مُنْفَصِلًا عَنْ الْعُضْوِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْوُضُوءُ بِالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ ع ش، وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ إلَخْ) وَمَحَلُّ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ نِيَّةِ الْغَسْلِ فِي الْغَسْلِ وَقَبْلَ مَسِّ الْمَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ كَوْنُهَا بَعْدَ نِيَّةِ الْغَسْلِ إذْ لَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْغَسْلِ إلَّا مَعَ مَسِّ الْمَاءِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ نَوَى الْغَسْلَ قَبْلَ الْمَسِّ وَلَكِنْ اسْتَصْحَبَهَا عِنْدَ الْمَسِّ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ قَصَدَ نَقْلَ إلَخْ) أَيْ قَبْلَ مَسِّ الْمَاءِ فَلْيَحْذَرْ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ سم وَمَرْحُومِيٌّ وَفِي ع ش عَلَى م ر: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ عِنْدَ أَوَّلِ مُمَاسَّةِ الْمَاءِ، فَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَلَا أَثَرَ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ ذَكَرَ خِلَافَ ذَلِكَ. اهـ. سم عَلَى الْبَهْجَةِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ تَقَدَّمَتْ وَلَمْ يَسْتَحْضِرْهَا عِنْدَ الِاغْتِرَافِ اهـ بِالْحَرْفِ. ثُمَّ قَالَ سم: وَفِي الْجُنُبِ بَعْدَ نِيَّتِهِ لِأَنَّ بَدَنَهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا نَوَى غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ فِي الْمَاءِ، وَلَوْ اغْتَرَفَ لِنَحْوِ الْمَضْمَضَةِ وَغَسَلَ يَدَهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ بِالْمَاءِ الَّذِي اغْتَرَفَهُ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الِاغْتِرَافِ، وَلَوْ غَرَفَ الْمَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ عَنْ كَفَّيْهِ وَلَمْ يَضُرَّ إدْخَالُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَاءِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ) أَيْ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، إذْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُتَغَيِّرُ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ وَالشَّارِحُ غَيَّرَ إعْرَابَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ: وَمِثْلُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَتْنَ لِبَقَائِهِ عَلَى رَفْعِهِ.
قَوْلُهُ: (طَعْمُهُ إلَخْ) خَرَجَ التَّغَيُّرُ بِالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ فَلَا يَضُرُّ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ خَالَطَهُ قَيْدٌ أَوَّلٌ وَالطَّاهِرَاتُ قَيْدٌ ثَانٍ وَالْمُسْتَغْنَى عَنْهَا ثَالِثٌ وَيَمْنَعُ إطْلَاقَ إلَخْ رَابِعٌ، وَيَنْبَغِي زِيَادَةُ أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ يَقِينًا.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِشَيْءٍ) خَرَجَ الْمُتَغَيِّرُ بِطُولِ الْمُكْثِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِاَلَّذِي خَالَطَهُ أَوْ بِمُخَالَطَةِ الطَّاهِرَاتِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْأَعْيَانِ) خَرَجَ الرَّوَائِحُ كَالْبَخُورِ ق ل. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الرَّوَائِحَ مِنْ الْمُخَالِطَاتِ، وَفِي ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهَا مِنْ الْمُجَاوِرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (الَّتِي لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا) تَفْسِيرٌ لِكَوْنِهَا مُخَالِطَةً.
قَوْلُهُ: (الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا) شَمِلَ كَلَامُهُ مَا لَوْ طُرِحَ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ بِمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ عَلَى مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَتَغَيَّرَ بِهِ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِاسْتِغْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ خَلْطِهِ بِالْآخَرِ.
وَيُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ: لَنَا مَاءَانِ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِمَا انْفِرَادًا لَا اجْتِمَاعًا م ر. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: بِعَدَمِ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ طَهُورٌ فَهُوَ كَالْمُتَغَيِّرِ بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ. قَوْلُهُ:(وَمِلْحٍ جَبَلِيٍّ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَقَرِّ الْمَاءِ وَمَمَرِّهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
قَوْلُهُ: (يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ إلَخْ) بِأَنْ يَحْدُثَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اسْمٌ آخَرُ يَزُولُ بِهِ وَصْفُ الْإِطْلَاقِ م ر.
قَوْلُهُ: (وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَاءً مَا لَوْ قَالَ هَذَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ مُزِجَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ زِيَادَةً عَمَّا كَانَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هَذَا الْمَاءَ، فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بِهِ إذَا شَرِبَهُ عَلَى حَالَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ مُزِجَ بِسُكَّرٍ أَوْ نَحْوِهِ بِحَيْثُ تَغَيَّرَ كَثِيرًا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ يُؤْخَذُ مِمَّا لَوْ حَلَفَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ حَيْثُ فَرَّقُوا فِيهِ بَيْنَ مَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ، فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ صُورَتِهَا فَصَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا، وَمَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ
يَحْنَثْ وَلَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ حِسِّيًّا أَمْ تَقْدِيرِيًّا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَائِعِ مَائِعٌ يُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَلَوْ قَدَّرْنَاهُ بِمُخَالِفٍ وَسَطٍ كَلَوْنِ الْعَصِيرِ وَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَرِيحِ اللَّاذَنِ لِغَيْرِهِ ضَرَّ بِأَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَا الْمُنَاسِبَ لِلْوَاقِعِ فِيهِ فَقَطْ، وَلَا يُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ، بِخِلَافِ الْخَبَثِ لِغِلَظِهِ، أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَمَائِعٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِأَكْلِهِ مِنْهَا إذَا صَارَتْ دَقِيقًا أَوْ خُبْزًا لِزَوَالِ الِاسْمِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (فَشَرِبَ ذَلِكَ) أَيْ الْمُتَغَيِّرَ الْمَذْكُورَ وَلَوْ تَقْدِيرِيًّا، وَمِنْهُ الْمَمْزُوجُ بِالسُّكَّرِ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعِ ق ل. وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُتَغَيِّرٌ. اهـ. زِيَادِيٌّ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ تَقْدِيرِيًّا وَوَافَقَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَقَعْ الشِّرَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْمُوَكِّلِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَا دَفَعَهُ لَهُ أَوْ لَا. وَسَوَاءٌ أَنْقَدَهُ فِي الثَّمَنِ أَوْ لَا. وَلَا يَقَعُ الشِّرَاءُ أَيْضًا لِلْوَكِيلِ إنْ اشْتَرَى بِعَيْنِ الثَّمَنِ، فَإِنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، وَإِنْ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ سَمَّى الْمُوَكِّلَ سم.
قَوْلُهُ: (حِسِّيًّا) أَيْ مُدْرَكًا بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَالْبَصَرُ. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ:(كَلَوْنِ الْعَصِيرِ) أَيْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَبْيَضَ أَوْ أَسْوَدَ.
قَوْلُهُ: (اللَّاذَنِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِاللِّبَانِ الذَّكَرِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ) أَيْ جَوَازًا فَلَوْ هَجَمَ شَخْصٌ وَتَوَضَّأَ بِهِ كَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا سم. إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ وَظَاهِرُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاقِعُ نَجِسًا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ اهـ اج. وَقَوْلُ سم: كَانَ وُضُوءُهُ صَحِيحًا لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ شَاكٌّ، وَالشَّكُّ لَا يُؤَثِّرُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْمُتَيَقَّنِ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ هُوَ مُخَالِطٌ أَوْ مُجَاوِرٌ أَوْ فِي كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ؟ شَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (جَمِيعُ هَذِهِ الصِّفَاتِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ تُعْرَضُ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا ضَرَّ وَإِلَّا فَتُعْرَضُ أُخْرَى بَعْدَهَا وَهَكَذَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ بِمَجْمُوعِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثِ اهـ اج. قَالَ سم: وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيَّرَ مَاءُ الْقِرَبِ بِقَطَرَانِهَا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ أَوْ مُخَالِطٌ فِي مَقَرِّ الْمَاءِ مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَا الْمُنَاسِبَ لِلْوَاقِعِ فِيهِ فَقَطْ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى عَرْضِ الْمُنَاسِبِ لِلْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ فَقَطْ كَأَنْ يَقْتَصِرَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ مَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ عَلَى عَرْضِ مُغَيِّرِ الرِّيحِ كَمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رِيحٌ ع ش، فَيُشْتَرَطُ عَرْضُ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ لَهُ وُصِفَ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي النَّجِسِ لَا يُفْرَضُ إلَّا مَا يُوَافِقُ وَصْفَ الْوَاقِعِ اهـ ق ل وع ش. وَعَرْضُ مُغَيِّرِ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ كَطَعْمِ الرُّمَّانِ وَلَوْنِ الْعَصِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مَاءِ الْوَرْدِ الْمَطْرُوحِ فِي الْمَاءِ، وَلَمْ يُغَيِّرَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يُغَيِّرَا فَكَيْفَ يَعْرِضُ غَيْرُهُمَا؟ لَكِنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِ سم يُعْتَبَرُ الْمُغَيِّرُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ تَدَبَّرْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاقِعَ إنْ كَانَ مَفْقُودَ الصِّفَاتِ كُلِّهَا كَمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَرْضِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَفْقُودَ الْبَعْضِ كَمَاءِ وَرْدٍ لَهُ رَائِحَةٌ وَلَا طَعْمَ لَهُ وَلَا لَوْنَ لَهُ يُخَالِفُ لَوْنَ الْمَاءِ فَيُقَدَّرُ فِيهِ الطَّعْمُ وَاللَّوْنُ وَلَا يُقَدَّرُ الرِّيحُ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِرِيحِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ رِيحٍ غَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِعُ لَهُ صِفَةً فِي الْأَصْلِ وَقَدْ فُقِدَتْ فَإِنْ كَانَ كَمَاءِ وَرْدٍ مُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ وَالرُّويَانِيِّ، فَالرُّويَانِيُّ يَقُولُ يُقَدَّرُ فِيهِ لَوْنُ الْعَصِيرِ وَطَعْمُ الرُّمَّانِ وَرِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ، فَيُقَدَّرُ الْوَصْفُ الْمَفْقُودُ فِيهِ لَا رِيحَ اللَّاذَنِ، وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ يَقُولُ يُقَدَّرُ فِيهِ طَعْمُ الرُّمَّانِ وَلَوْنُ الْعَصِيرِ وَرِيحُ اللَّاذَنِ، وَلَا يُقَدَّرُ رِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ لِفَقْدِهِ بِالْفِعْلِ، فَيَكُونُ مَاءُ الْوَرْدِ حِينَئِذٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَلَامُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونٍ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ كُلِّهِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ.
قَوْلُهُ: (لِغِلَظِهِ) فَيُقَدَّرُ بِالْأَشَدِّ كَمَا ذَكَرَ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ. ثُمَّ إنْ وَافَقَهُ فِي الصِّفَاتِ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا أَشَدَّ فِيهَا كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَرِيحِ الْمِسْكِ وَطَعْمِ الْخَلِّ أَوْ فِي صِفَةٍ قَدَّرْنَاهُ مُخَالِفًا فِيهَا فَقَطْ، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ فَلَا فَائِدَةَ فِي فَرْضِهِ. قَوْلُهُ:(أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْمِلْحَ الْمَائِيَّ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَهُوَ كَالْجَمَدِ أَيْ الثَّلْجِ، بِخِلَافِ الْجَبَلِيِّ فَإِنَّهُ خَلِيطٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ مِنْ الْمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ: أَمَّا الْمِلْحُ الْمَائِيُّ إلَخْ. أَيْ إنْ لَمْ يَنْعَقِدْ مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَإِلَّا كَانَ كَأَصْلِهِ فَيُقَدَّرُ حِينَئِذٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ هَكَذَا ظَهَرَ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْعَقَدَ الْمِلْحُ مِنْ الْمُسْتَعْمَلِ وَغَيَّرَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا ضَرَّ وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِالتَّغَيُّرِ
فَيُفْرَضُ مُخَالِفًا وَسَطًا لِلْمَاءِ فِي صِفَاتِهِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ، فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ صَارَ طَهُورًا وَإِنْ أَثَّرَ فِي الْمَاءِ بِفَرْضِهِ مُخَالِفًا. وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ يَسِيرٌ بِطَاهِرٍ لَا يَمْنَعُ الِاسْمَ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ، وَلِبَقَاءِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي أَنَّ تَغَيُّرَهُ كَثِيرٌ ثُمَّ شَكَّ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ الْآنَ يَسِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ لَمْ يُطَّهَّرْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ وَإِنْ فَحُشَ التَّغَيُّرُ وَطِينٍ وَطُحْلُبٍ وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ كَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ وَنَوْرَةٍ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضُرُّ أَوْرَاقُ شَجَرٍ تَنَاثَرَتْ وَتَفَتَّتَتْ وَاخْتَلَطَتْ وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً أَوْ بَعِيدَةً عَنْ الْمَاءِ لِتَعَذُّرِ صَوْنِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا نَظَرًا لِصُورَتِهِ الْآنَ حَتَّى لَوْ غَيَّرَ بِهَا وَلَمْ يُغَيِّرْ لَوْ فُرِضَ عَصِيرًا مَثَلًا لِسَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ، أَوْ يَفْرِضُ مُخَالِفًا وَسَطًا نَظَرًا لِأَصْلِهِ فَلَا يُسْلَبُ فِيهِ نَظَرٌ؟ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ جِدًّا اهـ. وَقَوْلُهُ: نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ أَيْ فَيُقَدَّرُ مُخَالِفًا وَسَطًا، لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ إذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ يَقْذُرُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ هُوَ التَّغَيُّرُ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مِلْحًا فَإِنْ غَيَّرَ بِالْفِعْلِ ضَرَّ، وَإِلَّا فَلَا وَلَا يُقَدَّرُ مُخَالِفًا وَسَطًا نَظَرًا لِأَصْلِهِ وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ.
قَوْلُهُ: (لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَاءِ) أَيْ لَا فِي حَالَةِ تَكْثِيرِ الْمَاءِ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ بِأَنْ بَلَغَ بِهِ قُلَّتَيْنِ فَلَا يُفْرَضُ مُخَالِفًا، لِأَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ. قَوْلُهُ:(فَلَوْ ضُمَّ إلَى مَاءٍ قَلِيلٍ إلَخْ) وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَاءَ الْفَسَاقِي الْمُعَدَّةِ الْآنَ لِلْوُضُوءِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ مَثَلًا طَهُورٌ مَعَ كَثْرَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ الْوَاقِعِ فِيهَا بِكَثْرَةِ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَا نُقَدِّرُهُ مُخَالِفًا، وَمَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ سَهْوٌ أَوْ نِسْيَانٌ م د.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُطَهِّرْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ لَمْ يُطَهِّرْ شَيْئًا وَهُوَ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِي الْحَالَيْنِ) هُمَا الشَّكُّ ابْتِدَاءً فِي كَثْرَةِ التَّغَيُّرِ، وَالشَّكُّ فِي بَقَاءِ التَّغَيُّرِ الْكَثِيرِ بَعْدَ زَوَالِ بَعْضِهِ، وَالْأَصْلُ فِي الْأَوَّلِ عَدَمُ الْكَثْرَةِ، وَفِي الثَّانِي بَقَاءُ التَّغَيُّرِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) وَخَالَفَهُ م ر وَقَالَ بِالطَّهَارَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إلْحَاقًا لِلشَّكِّ فِي الدَّوَامِ بِالشَّكِّ فِي الِابْتِدَاءِ. قَوْلُهُ: (وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرٌ بِمُكْثٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَهُوَ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ مَصْدَرُ مَكَثَ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِهَا أَقَامَ. وَفِي الْمَصْدَرِ لُغَةٌ رَابِعَةٌ وَهِيَ فَتْحُ الْكَافِ وَالْمِيمِ. قِيلَ: وَقَدْ قُرِئَ بِهَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَكَثٍ} وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ إلَخْ. مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ السَّابِقِ يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ فَحُشَ التَّغَيُّرُ) الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (وَمَا فِي مَقَرِّهِ وَمَمَرِّهِ) أَيْ وَإِنْ كَثُرَ وَلَوْ مَصْنُوعًا، وَمِنْهُ الْقَطْرَانُ الَّذِي لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ إذَا دُبِغَ بِهِ الْقِرَبُ، وَمِنْهُ مَا يُصْنَعُ بِهِ الْفَسَاقِي وَالصَّهَارِيجُ مِنْ الْجِيرِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ وَضْعِ الْمَاءِ فِي جَرَّةٍ وُضِعَ فِيهَا أَوَّلًا نَحْوُ لَبَنٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ زَيْتٍ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ ع ش عَلَى م ر قَالَ سم: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُ التَّغَيُّرُ بِطُونُسَ السَّاقِيَةِ لِلْحَاجَةِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا فِي الْمَقَرِّ فَافْهَمْهُ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا فِي الْمَقَرِّ وَالْمَمَرِّ مَا كَانَ خِلْقِيًّا فِي الْأَرْضِ أَوْ مَصْنُوعًا فِيهَا بِحَيْثُ صَارَ يُشْبِهُ الْخِلْقِيَّ بِخِلَافِ الْمَصْنُوعِ فِيهَا لَا بِتِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ يَسْتَغْنِي عَنْهُ اهـ.
وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا يَقَعُ مِنْ الْأَوْسَاخِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ أَرْجُلِ النَّاسِ مِنْ غَسْلِهَا فِي الْفَسَاقِي خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا. وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ بَابِ مَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ غَيْرَ الْمَمَرِّيَّةِ وَالْمَقَرِّيَّةِ، كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّيْخِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَوْسَاخِ الَّتِي تَنْفَصِلُ مِنْ أَبْدَانِ الْمُنْغَمِسِينَ فِي الْمَغَاطِسِ اهـ رَشِيدِيٌّ، فَعُلِمَ أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ الْمَوْضُوعِ فِي الْأَوَانِي الَّتِي كَانَ فِيهَا الزَّيْتُ وَنَحْوُهُ لَا يَضُرُّ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ تَغَيُّرٌ بِمَا فِي الْمَقَرِّ أَوْ بِمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ، فَعِنْدَ ع ش تَغَيُّرٌ بِمَا فِي الْمَقَرِّ، وَعِنْدَ الرَّشِيدِيِّ تَغَيُّرٌ بِمَا لَا يَسْتَغْنِي الْمَاءُ عَنْهُ كَالْقَطْرَانِ الَّذِي فِي الْقِرَبِ.
قَوْلُهُ: (لِتَعَذُّرِ صَوْنِ الْمَاءِ عَنْهُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مَا لَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَتْ رَبِيعِيَّةً) إنَّمَا كَانَتْ غَايَةً لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُطُوبَةٍ تَتَحَلَّلُ فِي الْمَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا، فَإِنَّهَا شَدِيدَةُ الْيُبُوسَةِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِهَا الْمَاءُ. اهـ. م د. وَقَالَ اج: أَخْذُ الرَّبِيعِيَّةِ وَالْبَعِيدَةِ
الْمَاءِ عَنْهَا، لَا إنْ طُرِحَتْ وَتَفَتَّتَتْ أَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ الطُّحْلُبُ أَوْ الزِّرْنِيخُ وَدُقَّ نَاعِمًا وَأُلْقِيَ فِيهِ فَغَيَّرَهُ فَإِنَّهُ يَضُرُّ؛ أَوْ تَغَيَّرَ بِالثِّمَارِ السَّاقِطَةِ فِيهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا غَالِبًا. وَاحْتَرَزَ بِقَيْدِ الْمُخَالِطِ عَنْ الْمُجَاوِرِ الطَّاهِرِ كَعُودٍ وَدُهْنٍ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ وَكَافُورٍ صُلْبٍ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ لِإِمْكَانِ فَصْلِهِ وَبَقَاءِ اسْمِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِتُرَابٍ وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا طُرِحَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
غَايَةٌ إشَارَةً لِلْخِلَافِ فِيهِمَا حَيْثُ قِيلَ فِيهِمَا بِالضَّرَرِ. قَوْلُهُ: (لَا إنْ طُرِحَتْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ تَنَاثَرَتْ. قَوْلُهُ: (وَتَفَتَّتَتْ) أَيْ قَبْلَ الطَّرْحِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ م ر وَبِخِلَافِ طَرْحِ الْوَرَقِ الْمُتَفَتِّتِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُتَفَتِّتِ إذَا طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ لَا يَضُرُّ، وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ فِيمَا يَضُرُّ وَرَقٌ طُرِحَ ثُمَّ تَفَتَّتَ. اهـ. ع ش.
قَوْلُهُ: (وَدُقَّ نَاعِمًا) وَلَوْ أُلْقِيَ بِلَا دَقٍّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَفَتَّتْ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ، وَإِنْ تَفَتَّتَ ضَرَّ فَفِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ وَدُقَّ تَفْصِيلٌ هَذَا عَلَى مَا فِي شَرْحِ سم عَلَى الْكِتَابِ، لَكِنْ عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَابْنِ حَجَرٍ كَالشَّارِحِ، وَمَفْهُومُهَا أَنَّهُ إذَا طُرِحَ صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ دَقٍّ وَلَا تَفَتُّتٍ ثُمَّ تَفَتَّتَ وَغُيِّرَ لَا يَضُرُّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَوْرَاقِ الْمَطْرُوحَةِ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ الضَّرَرُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الطُّحْلُبَ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْمَاءِ لَمْ يَضُرَّ، بِخِلَافِ الْأَوْرَاقِ أَوْ أَنَّ الطُّحْلُبَ أَبْعَدُ تَفَتُّتًا مِنْهَا اهـ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَاحْتَرَزَ إلَخْ) صَرَّحَ فِي هَذَا بِلَفْظِ احْتَرَزَ لِأَنَّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِخِلَافِ الْقُيُودِ الَّتِي زَادَهَا هُوَ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِهَذَا الْعُنْوَانِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي الْمَتْنِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ كَابْنِ قَاسِمٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ الطَّاهِرَاتِ عَنْ الْمُتَغَيِّرِ بِنَجِسٍ، وَسَيَأْتِي لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِقَوْلِهِ عَنْ الْمُجَاوِرِ الطَّاهِرِ.
قَوْلُهُ: (كَعُودٍ وَدُهْنٍ) وَكَذَا مَا فِيهِ دُهْنِيَّةٌ كَأَحَدِ نَوْعَيْ الْقَطْرَانِ. وَمِنْ الْمُتَغَيِّرِ بِالْمُجَاوِرِ الْمُتَغَيِّرُ بِالْبَخُورِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا ح ل وم ر. وَفِي مُبَلَّاتِ الْكَتَّانِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ تَحَقَّقَ انْفِصَالُ عَيْنٍ مِنْهُ حَصَلَ بِهَا التَّغَيُّرُ كَثِيرًا ضَرَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا أَوْ يَكُونَ نَجِسًا، وَالطَّاهِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِطًا أَوْ مُجَاوِرًا، وَالْأَوَّلُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ الْمَاءُ عَنْهُ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ التَّغَيُّرُ بِهِ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا ضَرَّ، وَتُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْرَاقُ إذَا تَنَاثَرَتْ بِنَفْسِهَا وَتَفَتَّتَتْ وَغَيَّرَتْ وَالْمِلْحُ الْمَائِيُّ وَالتُّرَابُ الطَّاهِرُ أَوْ الطَّهُورُ، وَإِنْ طُرِحَا فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَالْمُجَاوِرُ عَلَى قِسْمَيْنِ إمَّا أَنْ تَتَحَلَّلَ مِنْهُ أَجْزَاءٌ تُمَازِجُ الْمَاءَ وَتُخَالِطُهُ كَالْمِشْمِشِ وَالزَّبِيبِ وَالْعِرْقِسُوسِ وَالْبَقَّمِ فَيَرْجِعُ إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ إذَا كَثُرَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ شَيْءٌ كَالْعُودِ وَالدُّهْنِ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ تَرَوُّحٍ. وَالنَّجِسُ عَلَى قِسْمَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَجِّسًا أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَجِّسٍ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا يَسِيلُ دَمُهَا، وَكَالنَّجِسِ الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مُعْتَدِلٌ، وَكَدُخَانِ النَّجَاسَةِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَكَغُبَارِ السِّرْجِينِ إذَا كَانَ قَلِيلًا، وَكَالْيَسِيرِ مِنْ الشَّعْرِ النَّجِسِ غَيْرِ الْمُغَلَّظِ، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ مُنَجِّسًا نُظِرَ فِي الْمَاءِ تَارَةً يَكُونُ قَلِيلًا وَتَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا، فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَوْ جَارِيًا تَنَجَّسَ بِمُجَرَّدِ الْوُصُولِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَتَنَجَّسْ إلَّا بِتَغَيُّرِ طَعْمِهِ أَوْ لَوْنِهِ أَوْ رِيحِهِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُطَيَّبَيْنِ بِغَيْرِهِمَا، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ مُطَيِّبَيْنِ لِغَيْرِهِمَا. وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ وَلَوْ مُطَيَّبَيْنِ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَوْلَى مِنْ كَسْرِهَا، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ الْمَصْنُوعُ فَالْخِلْقِيُّ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (صُلْبٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الصُّلْبِ، فَإِنَّهُ مُخَالِطٌ. فَالْكَافُورُ نَوْعَانِ صُلْبٌ وَغَيْرُهُ. فَالْأَوَّلُ مُجَاوِرٌ، وَالثَّانِي مُخَالِطٌ، وَمِثْلُهُ الْقَطْرَانُ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعًا فِيهِ دُهْنِيَّةٌ فَلَا يَمْتَزِجُ بِالْمَاءِ فَيَكُونُ مُجَاوِرًا وَنَوْعًا لَا دُهْنِيَّةَ فِيهِ فَيَكُونُ مُخَالِطًا وَيُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لِإِمْكَانِ فَصْلِهِ) هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُجَاوِرِ بِمَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَقِيلَ هُوَ مَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، فَالْمُخَالِطُ مَا لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ لَا حَالًا وَلَا مَآلًا، فَخَرَجَ التُّرَابُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بَعْدَ رُسُوبِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، أَوْ مَا لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ، فَدَخَلَ التُّرَابُ فِي الْمُخَالِطِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ. وَالْحَقُّ أَنَّ التُّرَابَ لَهُ حَالَتَانِ: حَالَةُ إلْقَاءٍ وَحَالَةُ رُسُوبٍ. فَفِي حَالَةِ إلْقَائِهِ مُخَالِطٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَفِي حَالَةِ رُسُوبِهِ مُجَاوِرٌ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ فَصْلُهُ، وَفِي ع ش عَلَى م ر مَا يَشْهَدُ لَهُ ع ن. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مُجَاوِرًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا كَالْأَحْجَارِ أَوْ دَوَامًا كَالتُّرَابِ أَوْ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا كَوَرَقِ
لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ فَلَا يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَتَّى صَارَ لَا يُسَمَّى إلَّا طِينًا رَطْبًا ضَرَّ، وَمَا تَقَرَّرَ فِي التُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَ) رَابِعُهَا (مَاءٌ نَجِسٌ) أَيْ مُتَنَجِّسٌ (وَهُوَ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ) أَوْ لَاقَتْهُ (نَجَاسَةٌ) تُدْرَكُ بِالْبَصَرِ (وَهُوَ) قَلِيلٌ (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) بِثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا، لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ:«إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» نَهَاهُ عَنْ الْغَمْسِ خَشْيَةَ النَّجَاسَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إذَا خَفِيَتْ لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهَا تُنَجِّسُهُ بِوُصُولِهَا لَمْ يَنْهَهُ.
(أَوْ كَانَ كَثِيرًا) بِأَنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ (فَتَغَيَّرَ) بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الطَّاهِرِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ يَسِيرًا حِسِّيًّا أَوْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَشْجَارِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ مُجَرَّدُ كُدُورَةٍ) يُفْهَمُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلتُّرَابِ إلَّا لَوْنٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَوْ وُجِدَ لَهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ كَانَ كَذَلِكَ ق ل. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ كُدُورَةً قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ طَعْمَ الْمَاءِ أَوْ رِيحَهُ ضَرَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ قَوْلُهُ:(بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ) أَرَادَ بِهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ تَأَدُّبًا.
قَوْلُهُ: (أَيْ مُتَنَجِّسٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ شَبَّهَ الْمُتَنَجِّسَ بِالنَّجِسِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ اسْتِعْمَالِ كُلٍّ فِيمَا مَنَعَ الشَّرْعُ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ، وَأَطْلَقَهُ أَيْ النَّجِسَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَاقَتْهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ وَارِدًا وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغُسَالَةِ اج.
قَوْلُهُ: (نَجَاسَةٌ) أَيْ مُنَجِّسَةٌ جَامِدَةٌ أَوْ مَائِعَةٌ قَلِيلَةٌ أَوْ كَثِيرَةٌ غَيَّرَتْهُ أَوْ لَمْ تُغَيِّرْهُ كَمَا يَأْتِي، وَخَرَجَ النَّجَاسَةُ غَيْرُ الْمُنَجِّسَةِ كَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ.
قَوْلُهُ: (تُدْرَكُ بِالْبَصَرِ) لَيْسَ قَيْدًا بَلْ مِثْلُهُ الشَّمُّ وَالذَّوْقُ، فَالصَّوَابُ حَذْفُهُ إذْ مَا لَهُ رِيحٌ أَوْ طَعْمٌ كَذَلِكَ فَرَاجِعْهُ ق ل. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَلَوْ شَكَّ هَلْ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ أَوْ لَا.
يَتَّجِهُ الْعَفْوُ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر وسم. وَالْمُرَادُ بِالْبَصَرِ الْمُعْتَدِلُ، فَلَوْ رَأَى قَوِيُّهُ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَضُرَّ.
قَوْلُهُ: (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) وَلَوْ بَلَغَهُمَا بِمَائِعٍ فَإِنَّ حُكْمَ الْقُلَّةِ بَاقٍ، وَدُونَ مِنْ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا تَتَصَرَّفُ فَلَا تَكُونُ مُبْتَدَأً عِنْدَ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ، وَإِذَا أُضِيفَتْ لِمَبْنِيٍّ بُنِيَتْ عَلَى الْفَتْحِ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَجَوَّزَ غَيْرُهُ رَفْعَهَا بِالِابْتِدَاءِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11] بِرَفْعِهَا مُبْتَدَأً وَمَا قَبْلَهَا خَبَرٌ ذَكَرَهُ الرَّحْمَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (بِثَلَاثَةِ أَرْطَالٍ) بَلْ مَتَى زَادَ النَّقْصُ عَلَى رَطْلَيْنِ ضَرَّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ الرَّطْلَيْنِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَدُونَهُمَا أَيْ وَالْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِأَنْ نَقَصَ عَنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَطْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ تَغَيَّرَ أَمْ لَا) أُخِذَ هَذَا التَّعْمِيمُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِيهِ وَتَفْصِيلِهِ فِي لَاحِقِهِ ع ش.
قَوْلُهُ: (الْآتِي) وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ. قَوْلُهُ: «أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» الْمُرَادُ بِالْبَيْتُوتَةِ الصَّيْرُورَةُ. أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ صَارَتْ يَدُهُ أَفِي نَجَاسَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ؟ .
قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ كَثِيرًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الِاتِّصَالِ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ وَاحِدٌ مِنْهَا تَحْرِيكًا عَنِيفًا تَحَرَّكَ الْآخَرُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ تَحَرُّكُ الْآخَرِ عَنِيفًا فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ كَمَا فِي ع ش خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ، حَيْثُ اشْتَرَطَ التَّحَرُّكَ الْعَنِيفَ فِي الْمُحَرَّكِ وَمَا يَلِيه، وَمِنْهُ حِيَاضُ بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ الْكَثِيرَةِ إذَا حُرِّكَ أَحَدُهَا تَحَرَّكَ مَا بِجَانِبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَرُّكِ الْكُلِّ بِتَحْرِيكِ أَحَدِهَا. وَعِبَارَةُ ح ل: وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ أَوْ بِمَحَلَّيْنِ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ الْمَاءُ فِي أَحَدِهِمَا لَتَحَرَّكَ الْآخَرُ تَحْرِيكًا قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي حُفْرَتَيْنِ فِي كُلِّ حُفْرَةٍ قُلَّةٌ وَبَيْنَهُمَا اتِّصَالٌ، فَوَقَعَ فِي إحْدَى الْحُفْرَتَيْنِ نَجَاسَةٌ، فَلَسْت أَرَى أَنَّ مَا فِي الْحُفْرَةِ الْأُخْرَى دَافِعًا لِلنَّجَاسَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: تَحَرُّكًا قَوِيًّا رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْنِ أَيْ قَوْلُهُ حُرِّكَ وَقَوْلُهُ: لَتَحَرَّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عَمِيرَةُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ سم عَلَى أَبِي شُجَاعٍ، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا ح ف أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْأَوَّلِ فَقَطْ، فَمَتَى كَانَ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ أَحَدُهُمَا تَحَرُّكًا قَوِيًّا تَحَرَّكَ الْآخَرُ وَلَوْ تَحَرُّكًا ضَعِيفًا كَفَى.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ) أَيْ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ قَدْ كَمُلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَطْلَيْنِ مِنْ مَائِعٍ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِهِمَا وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ،
تَقْدِيرِيًّا، فَهُوَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ الْمُخَصِّصِ لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ:«الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» كَمَا خَصَّصَهُ مَفْهُومُ خَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ الْآتِي، فَالتَّغَيُّرُ الْحِسِّيُّ ظَاهِرٌ وَالتَّقْدِيرِيُّ بِأَنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ مَائِعَةٌ تُوَافِقُهُ فِي الصِّفَاتِ، كَبَوْلٍ انْقَطَعَتْ رَائِحَتُهُ وَلَوْ فُرِضَ مُخَالِفًا لَهُ فِي أَغْلَظِ الصِّفَاتِ، كَلَوْنِ الْحِبْرِ وَطَعْمِ الْخَلِّ وَرِيحِ الْمِسْكِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَطَهُورٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» قَالَ الْحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: «فَإِنَّهُ لَا يَنْجُسُ» وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» أَيْ يَدْفَعُ النَّجِسَ وَلَا يَقْبَلُهُ وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ بِأَنَّ كَثِيرَهُ قَوِيٌّ وَيَشُقُّ حِفْظُهُ عَنْ النَّجِسِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْمُرَادُ بَلَغَهُمَا وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ شَكَّ فِي الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (فَتَغَيَّرَ) أَيْ كُلُّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ أَيْ تَغَيَّرَ عَقِبَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْفَاءُ، فَلَوْ غَابَ عَنْهُ زَمَنًا ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ نِسْبَةَ تَغَيُّرِهِ إلَيْهَا م د. قَوْلُهُ:(بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ) الْأَوْلَى بِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَغَيَّرَ بِجِيفَةٍ عَلَى الشَّطِّ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّغَيُّرَ بِسَبَبِهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ اهـ اج. وَلَوْ بَالَ فِي الْبَحْرِ مَثَلًا فَارْتَفَعَتْ مِنْهُ رَغْوَةٌ فَهِيَ طَاهِرَةٌ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ لِأَنَّهَا بَعْضُ الْمَاءِ الْكَثِيرِ خِلَافًا لِمَا فِي الْعُبَابِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَائِلِ بِنَجَاسَتِهَا عَلَى تَحَقُّقِ كَوْنِهَا مِنْ الْبَوْلِ، وَإِنْ طُرِحَتْ فِي الْبَحْرِ بَعْرَةٌ مَثَلًا فَوَقَعَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ بِسَبَبِ سُقُوطِهَا عَلَى شَيْءٍ لَمْ تُنَجِّسْهُ. اهـ. شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَقْدِيرِيًّا) بِمُخَالِطٍ أَوْ مُجَاوِرٍ أَوْ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا.
قَوْلُهُ: (كَمَا خَصَّصَهُ) أَيْ خَبَرَ التِّرْمِذِيِّ، فَإِنَّ عُمُومَهُ صَادِقٌ بِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَيُخَصُّ بِمَفْهُومِ:«إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا يَقْبَلُ الْخَبَثَ أَيْ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ خَبَرَ التِّرْمِذِيِّ مُخَصَّصٌ بِأَمْرَيْنِ، فَمَعْنَاهُ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَمَا لَمْ يَنْقُصْ عَنْ قُلَّتَيْنِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ أَوْ نَقَصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ تَنَجَّسَ. اهـ. م د.
قَوْلُهُ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ» . يَعْنِي يَدْفَعُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ، وَقِلَالُ هَجَرَ خَمْسُ قِرَبٍ تَحْدِيدًا وَخَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيٍّ تَقْرِيبًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ) هُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، لِأَنَّهُمَا الْمُرَادَانِ فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَفِي فِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ، وَفِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَالْمُرَادُ بِشَرْطِهِمَا شَرْطُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ أَخَذَا عَنْهُ كَمَا فِي أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ وَشُرُوحِهَا، فَشَرْطُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ الْمُعَاصَرَةُ وَاللُّقَى لِمَنْ أَخَذَ عَنْهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَرْوِي عَنْ شَيْخٍ إلَّا إذَا عَاصَرَهُ وَلَاقَاهُ، وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ لَا يَرْوِي عَنْ شَيْخٍ إلَّا إذَا عَاصَرَهُ وَلَاقَاهُ، وَكَذَا شَيْخُ شَيْخِهِ إلَى آخِرِ السَّنَدِ، وَشَرْطُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ مُسْلِمٍ الْمُعَاصَرَةُ فَقَطْ، وَلَا يَشْتَرِطُ اللُّقَى لِمَنْ رَوَى عَنْهُ فَيَجُوزُ لَهُ الرِّوَايَةُ عَنْ شَيْخٍ إذَا عَاصَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ، وَكَذَا بَقِيَّةُ أَشْيَاخِهِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يَدْفَعُ النَّجَسَ وَلَا يَقْبَلُهُ) عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الضَّيْمَ، لَا عَلَى قَوْلِهِمْ فُلَانٌ لَا يَحْمِلُ الْحَجَرَ لِثِقَلِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقُلَّتَيْنِ. فَائِدَةٌ ح ل. فَهُوَ مِنْ بَابِ حَمْلِ الْمَعَانِي لَا حَمْلِ الْأَجْرَامِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ إلَخْ. لِأَنَّ الْمَاءَ مُطْلَقًا لَا يَحْمِلُ الْأَجْرَامَ النَّجِسَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فَوْقَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (وَفَارَقَ كَثِيرُ الْمَاءِ كَثِيرَ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ الْمَائِعَاتِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَاءً، وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ غَيْرِ الْمَاءِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ حُكْمَ غَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْمَائِعَاتِ مَعْلُومٌ عِنْدَ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَعِبَارَةُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا تَنْجُسُ الْقُلَّتَانِ مِنْ الْمَاءِ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ تَنْجُسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَيُزِيلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهَا، فَاحْتَمَلَ وُرُودَ النَّجَاسَةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَلُّ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهَا فَلَا يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِ اهـ. وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِمُلَاقَاةِ النَّجِسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ:«الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ» . قَالَ ع ش عَلَى م ر: اخْتَارَ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِلتَّسْهِيلِ عَلَى النَّاسِ، وَإِلَّا فَالدَّلِيلُ صَرِيحٌ فِي التَّفْصِيلِ كَمَا تَرَى، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ الثَّانِي هُوَ الْفَاعِلَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَفْعُولَ وَيَصِحُّ الْعَكْسُ اهـ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَنْجُسُ) جَارِيًا أَوْ رَاكِدًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: لَوْ وُضِعَ كُوزٌ فِيهِ مَاءٌ عَلَى نَجِسٍ وَخَرَجَ مِنْهُ مَا اتَّصَلَ بِهِ لَا يُحْكَمُ بِالتَّنْجِيسِ إلَّا إذَا انْقَطَعَ
بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِنْ كَثُرَ.
تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ: لَوْ شُكَّ فِي كَوْنِهِ قُلَّتَيْنِ وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَنْجَسُ أَوْ لَا يَنْجَسُ؟ رَأْيَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي، بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْجَسُ إذْ الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ، وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةٍ مُنَجِّسَةٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ. الثَّانِي: لَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ فَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا بِقُلَّتَيْنِ وَالْبَاقِي إنْ قَلَّ فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، فَلَوْ غَرَفَ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ قُلَّتَيْنِ فَقَطْ وَفِيهِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ فَبَاطِنُ الدَّلْوِ طَاهِرٌ لِانْفِصَالِ مَا فِيهِ عَنْ الْبَاقِي قَبْلَ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَا ظَاهِرُهَا لِتَنَجُّسِهِ بِالْبَاقِي الْمُتَنَجِّسِ بِالنَّجَاسَةِ لِقِلَّتِهِ، فَإِنْ دَخَلَتْ مَعَ الْمَاءِ أَوْ قَبْلَهُ فِي الدَّلْوِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ.
فَائِدَةٌ: تَأْنِيثُ الدَّلْوِ أَفْصَحُ مِنْ تَذْكِيرِهِ، فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ الْحِسِّيُّ أَوْ التَّقْدِيرِيُّ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ شَيْءٌ كَأَنْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ أَوْ بِمَاءٍ انْضَمَّ إلَيْهِ بِفِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَخْذٍ مِنْهُ وَالْبَاقِي قُلَّتَانِ طَهُرَ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْخُرُوجُ أَوْ تَرَادَّ، وَعِبَارَةُ اج فَرْعٌ: لَوْ وُضِعَ كُوزٌ فِيهِ مَاءٌ وَقَدْ ثُقِبَ أَسْفَلُهُ عَلَى نَجِسٍ لَمْ يَنْجُسْ مَا فِيهِ مَا دَامَ الْمَاءُ يَخْرُجُ مِنْ ثُقْبِهِ فَإِنْ تَرَاجَعَ الْمَاءُ ضَرَّ اهـ.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِفَارَقَ كَثِيرُهُ أَيْ كَثِيرُ الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَصَحُّهُمَا الثَّانِي) مُعْتَمَدٌ. قَوْلُهُ: (مُنَجِّسَةٍ) أَيْ فِي كَوْنِهَا تُنَجِّسُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ: (فَالْمُتَغَيِّرُ) أَيْ الْبَعْضُ الْمُتَغَيِّرُ. قَوْلُهُ: (كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ) أَيْ فِي الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: جَامِدَةٍ لَيْسَ قَيْدًا.
قَوْلُهُ: (لَا يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْهَا) لَوْ أَخَّرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ فَطَاهِرٌ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا ق ل أَيْ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الطَّهَارَةِ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ غَرَفَ) أَتَى بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَالْمُتَغَيِّرُ كَنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَغْرِفْهَا مَعَ الْمَاءِ) أَيْ لَمْ تَدْخُلْ فِي بَاطِنِ الدَّلْوِ. اهـ. ق ل. قَوْلُهُ (انْعَكَسَ الْحُكْمُ) أَيْ لَا بِالْمَعْنَى الْمَنْطِقِيِّ بَلْ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ تَغَيَّرَ فَيُحْكَمُ عَلَى مَا فِي بَاطِنِ الدَّلْوِ بِالنَّجَاسَةِ دُونَ مَا انْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ لَا تَغَيُّرَ بِهِ خَالٍ عَنْ نَجَاسَةٍ فِيهِ، فَإِنْ قَطَرَ فِي الْبَاقِي مِنْ بَاطِنِهِ قَطْرَةٌ تَنْجُسُ أَوْ مِنْ ظَاهِرِهِ أَوْ شَكَّ فَلَا، وَإِنْ نَزَلَتْ فِي الْبِئْرِ بَعْدَ نُزُولِهَا فِي الدَّلْوِ فَالْمَاءَانِ نَجِسَانِ عُبَابٌ.
فَرْعٌ: اغْتَرَفَ مِنْ دَنَّيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَاءٌ قَلِيلٌ أَوْ مَائِعٌ فِي إنَاءٍ فَوَجَدَ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا هِيَ، اجْتَهَدَ.
فَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الْأَوَّلِ وَاتَّحَدَتْ الْمِغْرَفَةُ وَلَمْ تُغْسَلْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَتِهِمَا، وَإِنْ ظَنَّهَا مِنْ الثَّانِي أَوْ مِنْ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَتْ الْمِغْرَفَةُ أَوْ اتَّحَدَتْ وَغُسِلَتْ بَيْنَ الِاغْتِرَافَيْنِ حُكِمَ بِنَجَاسَةِ مَا ظَنَّهَا فِيهِ. اهـ. شَرْحُ الرَّوْضِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّقْدِيرِيُّ) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُعْرَفُ زَوَالُ تَغَيُّرِهِ التَّقْدِيرِيِّ بِأَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَنٌ لَوْ كَانَ تَغَيَّرَ حِسِّيًّا لَزَالَ تَغَيُّرُهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ بِجَنْبِهِ إنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ، أَوْ بِمَاءٍ صُبَّ عَلَيْهِ، فَيُعْلَمُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا زَالَ تَغَيُّرُهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ. وَيُعْرَفُ أَيْضًا زَوَالُ التَّغَيُّرِ التَّقْدِيرِيِّ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ. قَوْلُهُ:(أَوْ بِمَاءٍ انْضَمَّ إلَيْهِ) وَلَوْ مُتَنَجِّسًا أَوْ مُسْتَعْمَلًا بِدَلِيلِ تَنْكِيرِ الْمَاءِ لَا نَجِسًا كَبَوْلٍ. وَقَالَ م ر: وَلَوْ نَجِسًا. وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُتَنَجِّسُ، فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الْمُتَغَيِّرُ بِالنَّجَاسَةِ فِي ظَرْفٍ وَنَزَلَ الظَّرْفُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، فَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ نَاقِصًا أَوْ مُمْتَلِئًا، وَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ كَالدُّسْتُرَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ زَمَنًا يُقَدَّرُ فِيهِ زَوَالُ التَّغَيُّرِ طَهُرَ وَإِلَّا فَلَا اهـ إطْفِيحِيٌّ. قَوْلُهُ:(أَوْ غَيْرِهِ) كَمَطَرٍ أَوْ سَيْلٍ وَقَعَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِي قُلَّتَانِ) بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ مُنْخَنِقًا بِهِ فَزَالَ انْخِنَاقُهُ وَدَخَلَهُ الرِّيحُ وَقَصَرَهُ اهـ ابْنُ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (طَهُرَ لِزَوَالِ سَبَبِ التَّنْجِيسِ) وَهُوَ التَّغَيُّرُ وَلَا يَضُرُّ عَوْدُ تَغَيُّرِهِ إنْ خَلَا عَنْ نَجِسٍ جَامِدٍ، يَعْنِي لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ ثُمَّ عَادَ وَلَوْ فَوْرًا، فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَامِدَةً وَهِيَ فِيهِ فَنَجِسٌ، وَإِنْ كَانَتْ مَائِعَةً أَوْ جَامِدَةً وَقَدْ أُزِيلَتْ قَبْلَ التَّغَيُّرِ لَمْ يَنْجُسْ اهـ م ل قَالَ ع ش: لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ ثُمَّ تَطَهَّرَ مِنْهُ جَمْعٌ ثُمَّ عَادَ تَغَيُّرُهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي فَعَلُوهَا، وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ أَبْدَانِهِمْ وَلَا ثِيَابِهِمْ
فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمِسْكٍ أَوْ نَحْوِهِ كَزَعْفَرَانٍ أَوْ بِتُرَابٍ لَمْ يَطْهُرْ، لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ فَاسْتَتَرَتْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ النَّجَسِ مَيْتَةٌ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ أَصَالَةً بِأَنْ لَا يَسِيلَ دَمُهَا عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا كَزُنْبُورٍ وَعَقْرَبٍ وَوَزَغٍ وَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبُرْغُوثٍ، لَا نَحْوَ حَيَّةٍ وَضِفْدَعٍ وَفَأْرَةٍ فَلَا تُنَجِّسُ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ بِوُقُوعِهَا فِيهِ بِشَرْطِ أَنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِاحْتِمَالِ تَحَلُّلِهَا بَعْدَ طَهَارَتِهِمْ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ يُقَدَّرُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ اهـ. قَوْلُهُ (بِمِسْكٍ) أَيْ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا رِيحٌ، أَوْ بِزَعْفَرَانٍ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا لَوْنٌ، أَوْ بِخَلٍّ فِي نَجَاسَةٍ لَهَا طَعْمٌ، لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ لَا تَسْتُرُ أُخْرَى فَلَوْ زَالَ الرِّيحُ بِالْخَلِّ أَوْ اللَّوْنُ بِالْمِسْكِ عَادَ طَهُورًا ق ل.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَتَرَتْ) هَذَا إذَا احْتَمَلَ سِتْرُ التَّغَيُّرِ بِمَا طَرَأَ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى) هَذَا رَاجِعٌ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ لَا يَسِيلَ دَمُهَا) . أَيْ عَنْ مَوْضِعِ جُرْحِهَا وَلَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا دَمٌ أَصْلًا، أَوْ لَهَا دَمٌ لَا يَجْرِي كَالْوَزَغِ وَالزُّنْبُورِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ (عِنْدَ شَقِّ عُضْوٍ مِنْهَا) وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ جَرْحُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، وَفِيهِ أَنَّ جَرْحَ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا يُفِيدُ لِجَوَازِ مُخَالَفَتِهِ جِنْسَهُ لِعَارِضٍ، وَجَرْحُ الْكُلِّ لَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُقَالَ جَرْحُ الْبَعْضِ إذَا كَثُرَ يَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّنْجِيسُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ وُجُودِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ أَنَّ الْجِنْسَ كَذَلِكَ، وَمُخَالَفَةُ الْأَفْرَادِ لِلْجِنْسِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ وَيَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْعَمَلُ بِالطَّهَارَةِ حَيْثُ احْتَمَلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَسِيلُ دَمُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَلَا تَنْجُسُ بِالشَّكِّ سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ الْكَبِيرِ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (كَزُنْبُورٍ) الزُّنْبُورُ الدَّبُّورُ.
قَوْلُهُ: (وَعَقْرَبٍ) وَسَحَالٍ م ر. وَمِثْلُ هَذِهِ بِإِهَانَتِهَا، فَإِذَا وَقَعَتْ قِشْرَةُ قَمْلَةٍ فِي مَائِعٍ فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ نَجَّسَتْهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا لَا يَخْفَى. فَلَوْ نَطَّ فَأْرٌ عَلَى بُرَيْصَةٍ فَلِلْوَلَدِ حُكْمُ الْفَأْرِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ: يَتْبَعُ الْفَرْعُ أَخَسَّ الْأَصْلَيْنِ رِجْسًا.
قَوْلُهُ: (وَزَغٍ) أَيْ بُرْصٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَمْلٍ) وَمِثْلُهُ الْبَقُّ الْمَعْرُوفُ بِمِصْرَ.
قَوْلُهُ: (وَضِفْدِعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ عَلَى الْأَفْصَحِ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تُنَجِّسُ) أَيْ مَيْتَةُ مَا لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ الْغَفْلَةِ. قَوْلُهُ:(طَارِحٌ) وَلَوْ بَهِيمَةً لِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ طَرْحِ الرِّيحِ، وَالْمُرَادُ أَنْ لَا يَطْرَحَهَا طَارِحٌ مَيِّتَةً وَتَصِلُ مَيِّتَةً، وَإِنْ أُحْيِيَتْ فِي الْأَثْنَاءِ أَمَّا إذَا طَرَحَهَا حَيَّةً أَوْ أُحْيِيَتْ قَبْلَ وُصُولِهَا وَلَمْ تَمُتْ فَلَا يَضُرُّ.
وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَطْرَافِهَا أَنْ يُقَالَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَهْجَةِ مَنْطُوقًا وَمَفْهُومًا أَنَّهَا إنْ طُرِحَتْ حَيَّةً لَمْ يَضُرَّ، سَوَاءٌ كَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَمَاتَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا، إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ. وَإِنْ طُرِحَتْ مَيِّتَةً وَوَصَلَتْ مَيِّتَةً ضَرَّ سَوَاءٌ أَكَانَ نَشْؤُهَا مِنْهُ أَمْ لَا، وَأَنَّ وُقُوعَهَا بِنَفْسِهَا لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا أَيْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً فَيُعْفَى عَنْهُ وَلَيْسَ الصَّبِيُّ وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَالرِّيحِ لِأَنَّ لَهُ اخْتِيَارًا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْوَاقِعُ مِنْ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَحَدَهَا عَلَى رَأْسِ عُودٍ مَثَلًا فَسَقَطَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَهَلْ لَهُ إخْرَاجُ الْبَاقِي بِهِ؟ الْأَوْجَهُ نَعَمْ لِأَنَّ مَا عَلَى رَأْسِ الْعُودِ جُزْءٌ مِنْ الْمَائِعِ الْمَحْكُومِ بِطَهَارَتِهِ، وَلَوْ وَضَعَ خِرْقَةً عَلَى إنَاءٍ وَصَفَّى بِهَا هَذَا الْمَائِعَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمَيِّتَةُ بِأَنْ صَبَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ يَضَعُ الْمَائِعَ وَفِيهِ الْمَيِّتَةُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ، ثُمَّ يَتَصَفَّى مِنْهَا الْمَائِعُ وَتَبْقَى هِيَ مُنْفَرِدَةً لَا أَنَّهُ طَرَحَ الْمَيِّتَةَ فِي الْمَائِعِ. وَمَا لَا نَفَسَ لَهُ سَائِلَةٌ إذَا اغْتَذَى بِالدَّمِ كَالْحَلَمِ الْكِبَارِ أَيْ الْقُرَادِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْإِبِلِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوعِ، فَإِنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ حَتَّى انْشَقَّ وَخَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ احْتَمَلَ أَنْ يَنْجُسَ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْحَيَوَانِ دُونَ الدَّمِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا يُعْفَى عَمَّا فِي بَطْنِهِ مِنْ الرَّوْثِ إذَا ذَابَ وَاخْتَلَطَ بِالْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْ، وَكَذَلِكَ مَا عَلَى مَنْفَذِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ وَجَدَ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَشَكَّ فِي أَنَّهَا أُلْقِيَتْ فِيهِ مَيِّتَةً أَوْ لَا، فِيهِ نَظَرٌ.
قَالَ م ر: بِعَدَمِ الْعَفْوِ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْعَفْوِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. قَالَ سم: وَانْظُرْ لَوْ أَصَابَهُ شَيْءٌ وَشَكَّ هَلْ هُوَ مِمَّا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَةَ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا أَوْ لَا. وَيَتَّجِهُ الْعَفْوُ فِيهِمَا كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر، لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَنَازَعَ فِيهِ ع ش عَلَى م ر بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ هَذَا مُحَصِّلُ مَا ذَكَرَهُ م ر وَالشَّوْبَرِيُّ وع ش. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ كَمَا يَضُرُّ طَرْحُ الْمَيِّتَةِ فِي الْمَائِعِ يَضُرُّ طَرْحُ الْمَائِعِ فِي نَحْوِ إنَاءٍ فِيهِ مَيِّتَةٌ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَ كَوْنَ الْمَيِّتَةِ فِي الْإِنَاءِ وَطَرَحَ الْمَائِعَ فِيهِ فَهَلْ يَنْجُسُ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إذَا كَانَ الطَّرْحُ لِحَاجَةٍ، لَكِنْ قَضِيَّةُ ضَرَرِ الطَّرْحِ بِلَا قَصْدِ الضَّرَرِ هُنَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي زَيْتٍ وَنَحْوِ الْقِنْدِيلِ وَاحْتَاجَ إلَى زِيَادَتِهِ،
لَا يَطْرَحَهَا طَارِحٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهَا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً» أَيْ وَهُوَ الْيَسَارُ كَمَا قِيلَ «وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» زَادَ أَبُو دَاوُد «وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ الَّذِي فِيهِ الدَّاءُ» وَقَدْ يُفْضِي غَمْسُهُ إلَى مَوْتِهِ، فَلَوْ نَجُسَ الْمَائِعُ لَمَا أَمَرَ بِهِ، وَقِيسَ بِالذُّبَابِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَيْتَةٍ لَا يَسِيلُ دَمُهَا، فَلَوْ شَكَكْنَا فِي سَيْلِ دَمِهَا اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا فَتُجْرَحُ لِلْحَاجَةِ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا يَسِيلُ دَمُهَا لَكِنْ لَا دَمَ فِيهَا أَوْ فِيهَا دَمٌ لَا يَسِيلُ لِصِغَرِهَا لَهَا حُكْمُ مَا يَسِيلُ دَمُهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا نَجِسٌ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلْقَاءُ الزِّيَادَةِ فِي الْقِنْدِيلِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا فِيهِ وَلَا يُكَلَّفُ إخْرَاجَهَا قَبْلَ إلْقَاءِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ. اهـ. سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ) قَدَّمَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ لِعُمُومِهِ.
قَوْلُهُ: (إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ إلَخْ) سُمِّيَ ذُبَابًا لِكَثْرَةِ حَرَكَتِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَعُمُرُهُ الْغَالِبُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَكُلُّهُ فِي النَّارِ إلَّا النَّحْلَ وَكَوْنُهُ فِي النَّارِ لَيْسَ تَعْذِيبًا لَهُ بَلْ لِيُعَذَّبَ أَهْلُ النَّارِ بِهِ وَهُوَ أَطْمَعُ الْأَشْيَاءِ، حَتَّى إنَّهُ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ وَلَا جَفْنَ لِلذُّبَابَةِ لِصِغَرِ حَدَقَتِهَا. وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّ رَجِيعَهُ يَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ أَسْوَدَ وَبِالْعَكْسِ، وَأَكْثَرُ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعُفُونَةِ وَمَبْدَأُ خَلْقِهِ مِنْهَا، ثُمَّ مِنْ التَّوَالُدِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِ الطُّيُورِ سِفَادًا، وَرُبَّمَا بَقِيَ عَامَّةَ الْيَوْمِ عَلَى الْأُنْثَى. وَحُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْخُلَفَاءِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ لِأَيِّ عِلَّةٍ خُلِقَ الذُّبَابُ؟ فَقَالَ: مَذِلَّةٌ لِلْمُلُوكِ وَكَانَتْ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ ذُبَابَةٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلَنِي وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي جَوَابٌ فَاسْتَنْبَطْته مِنْ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ. وَعَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: سَلُونِي عَمَّا دُونَ الْعَرْشِ أُخْبِرْكُمْ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَمْعَاءُ الذُّبَابِ فِي مُقَدَّمِهَا أَمْ مُؤَخَّرِهَا؟ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ. قَالَ السُّيُوطِيّ: وَفِي تَارِيخِ ابْنِ النَّجَّارِ مُسْنَدًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى جَسَدِهِ وَثِيَابِهِ ذُبَابٌ أَصْلًا» اهـ مِنْ حَاشِيَةِ الْعَلْقَمِيِّ عَلَى الْجَامِعِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيَغْمِسْهُ) أَمْرٌ إرْشَادِيٌّ لِمُقَابَلَةِ الدَّاءِ بِالدَّوَاءِ، وَفِي قَوْلِهِ كُلِّهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ الْمَجَازِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغَمْسِ بَعْضِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِغَمْسِ الْجَنَاحَيْنِ، وَإِنْ حَصَلَ الشِّفَاءُ بِالْجَنَاحِ الْآخَرِ، وَهَلْ يُكْتَفَى بِانْغِمَاسِهِ بِنَفْسِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ. وَالظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْغَمْسِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ التَّغَيُّرُ بِهِ، وَإِلَّا حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. قَالَ الزِّيَادِيُّ: وَالْغَمْسُ خَاصٌّ بِالذُّبَابِ، أَمَّا غَيْرُهُ فَيَحْرُمُ غَمْسُهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا لَا غَمْسَ، وَبِالْأَوْلَى إذَا قُطِعَا. كَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا. قُلْت: وَيَحْتَمِلُ الْغَمْسُ مُطْلَقًا، وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْجَنَاحَ أَوْ أَصْلَهُ اج. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر: وَعَلَيْهِ فَلَوْ قُطِعَ جَنَاحُهَا الْأَيْسَرُ لَا يُنْدَبُ غَمْسُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، بَلْ قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ حُرْمَةِ غَمْسِ غَيْرِ الذُّبَابِ حُرْمَةُ غَمْسِ هَذِهِ الْآنَ لِفَوَاتِ الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْغَمْسِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّهُ يَتَّقِي بِجَنَاحِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ يَجْعَلُهَا وِقَايَةً أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي الْوُقُوعِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيسَ بِالذُّبَابِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ التَّنْجِيسِ لَا مِنْ حَيْثُ الْغَمْسُ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِهِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (اُمْتُحِنَ بِجِنْسِهَا) أَيْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ جِنْسِهَا، لِأَنَّ الْجِنْسَ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ لَا تُوجَدُ إلَّا فِي ضِمْنِ أَفْرَادِهَا وَمَحَلُّهُ إذَا وُجِدَ الْجِنْسُ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ إنَّ الْمُتَّجِهَ الْعَفْوُ قَالَ كَمَا وَافَقَ عَلَيْهِ م ر. لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ، وَقَدْ قَالُوا فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ لَوْ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الدَّمِ لَمْ يَضُرَّ اهـ.
قَالَ ع ش عَلَى م ر بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ سم. أَقُولُ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا وَسُقُوطُهُ رُخْصَةٌ لَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي: فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ فِي حَالِ الْحَلْبِ أَوْ لَا. فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَنْجُسُ إذْ شَرْطُ الْعَفْوِ لَمْ نَتَحَقَّقْهُ اهـ. وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِمَا هُنَا، لِأَنَّ ذَاكَ تَحَقَّقْنَا فِيهِ أَنَّ الْوَاقِعَ مُنَجِّسٌ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا. فَتَأَمَّلْ، وَقَدْ اسْتَقْرَبَ الْمَحَلِّيُّ الْحُكْمَ بِالنَّجَاسَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُهُ:(قَالَ الْغَزَالِيُّ) مُعْتَمَدٌ.
قَوْلُهُ: (لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ) أَيْ مَا لَمْ يُطْرَحْ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْبَهِيمَةَ لَوْ
لِقِلَّتِهِ كَنُقْطَةِ بَوْلٍ وَخَمْرٍ، وَمَا يَعْلَقُ بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَأَشْبَهَ دَمَ الْبَرَاغِيثِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَقِيَاسُ اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْكَلْبِ مِنْ يَسِيرِ الدَّمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا مِثْلَهُ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْمَشَقَّةِ وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ، وَيُعْفَى أَيْضًا عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَاءَ وَعَنْ الْيَسِيرِ عُرْفًا مِنْ شَعَرٍ نَجِسٍ مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ، وَعَنْ كَثِيرِهِ مِنْ مَرْكُوبٍ، وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ وَغُبَارِ سِرْجِينٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الرِّيحُ كَالذَّرِّ، وَعَنْ حَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ لِلْمَشَقَّةِ فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
حَرَّكَتْ ذَيْلَهَا أَوْ صُوفَهَا فَتَنَاثَرَ مِنْهُ نَجَسٌ لَا يُدْرِكُهُ طَرْفٌ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ طَرْحُهَا لِلْمَيِّتَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرْحِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الطَّرْحُ مِنْ خُصُوصِ الْمُكَلَّفِ. وَعِبَارَةُ ش م ر: وَلَوْ رَأَى ذُبَابًا عَلَى دَمٍ ثُمَّ طَارَ وَوَقَعَ عَلَى نَحْوِ ثَوْبٍ اتَّجَهَ الْعَفْوُ جَزْمًا، لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِهِ فِي الدَّمِ الْمُشَاهَدِ فَلَأَنْ نَقُولَ بِهِ فِيمَا لَمْ يُشَاهَدْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى اهـ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّارِحِ لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ الْمُعْتَدِلُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ شَمْسٍ. أَيْ مَعَ فَرْضِ لَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلَّوْنِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ ق ل. فَلَوْ شَاهَدَهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ أَوْ مُعْتَدِلُهُ فِي الشَّمْسِ دُونَ الظِّلِّ فَلَا يَضُرُّ. قَالَ م ر: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْعَفْوَ عَمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ يَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي دُفُعَاتٍ مَا يُحَسُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَضُبِطَ فِي الْمَجْمُوعِ ذَلِكَ أَيْ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ بِمَا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ لِقِلَّتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْعِلْمُ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ فِي الْمَاءِ؟ قُلْت: يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا إذَا عَفَّ الذُّبَابُ عَلَى نَجِسٍ رَطْبٍ لَمْ يُشَاهَدْ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَصَوَّرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَرَاهُ قَوِيُّ الْبَصَرِ دُونَ مُعْتَدِلِهِ بَعْدَ فَرْضِهِ مُخَالِفًا لِلَوْنِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْمَائِعِ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا كَالثَّوْبِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ عَلَى شَرْحِ الْغَايَةِ. قَوْلُهُ:(لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ بِالْبَصَرِ لَا لِعَدَمِ التَّنْجِيسِ فَهُوَ قَيْدٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِإِخْرَاجِ مَا لَوْ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِنَحْوِ مُمَاثَلَتِهِ لِلَوْنِ الْمَحَلِّ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ، وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ لِقِلَّتِهِ سَوَاءٌ وَقَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَلَوْ قَصْدًا بِدَلِيلِ إطْلَاقِهِ مَعَ التَّفْصِيلِ فِي الْمَيِّتَةِ، وَبَعْضُهُمْ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ وُقُوعُهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ مَحَالَّ. نَعَمْ لَوْ كَانَ إذَا جُمِعَ صَارَ كَثِيرًا عُرْفًا لَمْ يُعْفَ عَنْهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. قَوْلُهُ:(كَنُقْطَةِ بَوْلٍ) أَوْ نُقَطٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَكِنْ بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَتْ كَانَتْ قَدْرًا يَسِيرًا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ الْمُعْتَدِلُ وَصَارَ مُتَنَجِّسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ، لَا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَجِّسٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ أَيْ عَدَمَ التَّنَجُّسِ بِمَا ذَكَرَهُ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ وَمَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ قِيَاسًا عَلَى مَا قَبْلَهُ. اهـ. ح ل.
قَوْلُهُ: (وَمَا يُعَلَّقُ) يَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نُقْطَةِ بَوْلٍ فَهُوَ مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَهُوَ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر. وَيَحْتَمِلُ عَطْفَهُ عَلَى نَجَسٍ فَيَعُمُّ مَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَغَيْرَهُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (بِنَحْوِ رِجْلِ ذُبَابٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ الذُّبَابَ لَيْسَ قَيْدًا.
قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ أَوْجَهُ) مُعْتَمَدٌ أَيْ فَلَا فَرْقَ هُنَا فِيمَا لَا يُشَاهَدُ بِالْبَصَرِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مُغَلَّظٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ كَذَلِكَ اج.
قَوْلُهُ: (عَنْ رَوْثِ سَمَكٍ) أَيْ صَغِيرٍ إذَا سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِيهِ لَا عَبَثًا. قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ نَحْوِ كَلْبٍ) أَمَّا شَعْرُ نَحْوِ الْكَلْبِ فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مَرْكُوبٍ) وَكَذَا الْقَصَّاصُ يُعْفَى لَهُ عَنْ كَثِيرِهِ أَيْضًا وَتُعْتَبَرُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ، وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ كَقَلِيلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ. قَوْلُهُ:(وَعَنْ قَلِيلِ دُخَانٍ نَجِسٍ) وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَقَيَّدَهُ م ر بِغَيْرِ الْمُغَلَّظِ وَبِعَدَمِ الرُّطُوبَةِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُ بِالتَّنْوِينِ لِيَشْمَلَ دُخَانَ الْمُتَنَجِّسِ كَحَطَبٍ تَنَجَّسَ بِبَوْلٍ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ كَمَا قَالَهُ ز ي، لِأَنَّهُ إنْ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ لَا يَشْمَلُهُ، وَبِهِ يُعْلَمُ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي الشِّتَاءِ، وَلَوْ نَشَّفَ شَيْئًا رَطْبًا عَلَى اللَّهَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الدُّخَانِ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَخَرَجَ بِالدُّخَانِ الْهَبَابُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْعَنَانِيُّ، وَمَالَ ع ش إلَى طَهَارَةِ اللَّهَبِ الْحَاصِلِ مِنْ الشَّمْعَةِ النَّجِسَةِ وَلَهَبِ الْجَلَّةِ وَالْحَطَبِ الْمُتَنَجِّسِ الْخَالِي عَنْ الدُّخَانِ، وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ نَجَاسَتَهُ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ. وَكَتَبَ اج ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الدُّخَانُ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ، وَإِطْلَاقُ م ر كَمَا هُنَا يَقْتَضِي الْعَفْوَ مُطْلَقًا، لَكِنْ قَيَّدَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ أَوْ مِنْ دُخَانٍ مُغَلَّظٍ اهـ. أَيْ فَيُعْمَلُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ يُقَدَّمُ
صَوْنِهِ، وَلِهَذَا لَا يُعْفَى عَنْ آدَمِيٍّ مُسْتَجْمِرٍ، وَعَنْ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَلَوْ تَنَجَّسَ فَمُ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِنْ هِرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ غَابَ وَأَمْكَنَ وُرُودُهُ مَاءً كَثِيرًا ثُمَّ وَلَغَ فِي طَاهِرٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ مَعَ حُكْمِنَا بِنَجَاسَةِ فَمِهِ، لِأَنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر وَعَنْ دُخَانٍ نَجِسٍ أَيْ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ وُصُولُهُ لِلْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِفِعْلِهِ وَإِلَّا نَجُسَ، وَمِنْهُ الْبَخُورُ بِالنَّجِسِ أَوْ الْمُتَنَجِّسِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ أَخْذًا مِمَّا لَوْ رَأَى ذُبَابَةً عَلَى نَجَاسَةٍ فَأَمْسَكَهَا حَتَّى أَلْصَقَهَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ، إلَّا أَنَّهُ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَخُورَ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَيُغْتَفَرُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الذُّبَابَةُ. وَبُخَارُ النَّجَاسَةِ طَاهِرٌ وَهُوَ الْمُتَصَاعِدُ مِنْهَا بِغَيْرِ وَاسِطَةِ نَارٍ كَرِيحٍ مِنْ الدُّبُرِ، وَيُعْفَى عَنْ ذَرْقِ طَيْرٍ فِي الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ طُيُورِهِ وَعَنْ بَعْرِ نَحْوِ شَاةٍ وَقَعَ مِنْهَا فِي لَبَنٍ حِينَ حَلْبِهَا، وَعَنْ جِرَّةِ بَعِيرٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِمَّا يَجْتَرُّ فَلَا يُنَجِّسُ مَا شَرِبَ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ، وَيُعْفَى عَنْ رَوْثِ ثَوْرِ الدِّيَاسَةِ وَعَمَّا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ الطَّرْفُ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ، وَعَنْ نَحْوِ زَيْتٍ خُلِطَ بِجُبْنٍ فِيهِ دُودٌ لِلْأَكْلِ، وَعَنْ الْخُبْزِ الْمَخْبُوزِ بِالنَّجَاسَةِ كَالسِّرْجِينِ بِأَكْلِهِ أَوْ ثَرْدِهِ بِمَائِعٍ كَلَبَنٍ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ حَامِلِهِ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر اهـ.
قَوْلُهُ: (وَغُبَارِ) أَيْ وَعَنْ قَلِيلِ غُبَارِ سِرْجِينٍ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ.
قَوْلُهُ: وَكَغُبَارِ سِرْجِينٍ عَطْفُهُ عَلَى الْقَلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قِلَّتُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَكَغُبَارِ سِرْجِينٍ هَلْ وَلَوْ طُرِحَ وَغَيَّرَ أَوْ لَا يُحَرَّرُ اهـ. الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا عَفْوَ حِينَئِذٍ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ ع ش: بَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ الْقِلَّةُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا: وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا ح ف: إلَّا فِي حَقِّ الْفَرَّانِ.
قَوْلُهُ: (كَالذَّرِّ) أَيْ صِغَارِ النَّمْلِ أَوْ الْمُرَادُ هُنَا مِقْدَارُ الذَّرِّ. قَوْلُهُ: (وَعَنْ حَيَوَانٍ) طَاهِرٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ كَطَيْرٍ وَهِرَّةٍ م ر. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَنْفَذَ قَيْدٌ فَيَخْرُجُ بِهِ بَقِيَّةُ أَعْضَائِهِ إذَا كَانَتْ مُتَنَجِّسَةً فَلَا يُعْفَى عَنْهَا، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِرَّةِ الَّتِي أَكَلَتْ نَجَاسَةً وَغَابَتْ غَيْبَةً يُحْتَمَلُ مَعَهَا طَهَارَةُ فَمِهَا، فَإِنَّهَا لَا تُنَجِّسُ مَا شَرِبَتْ مِنْهُ، إذْ لَوْ كَانَتْ بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ مِثْلَ الْمَنْفَذِ لَمْ يَحْتَجْ لِلتَّقْيِيدِ بِالْغَيْبَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْمَنْفَذَ لَيْسَ بِقَيْدٍ، بَلْ مِثْلُهُ بَقِيَّةُ أَعْضَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الطُّوخِيُّ، وَعَلَيْهِ يُشْكِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْهِرَّةِ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلُهُ: وَحَيَوَانٍ مُتَنَجِّسِ الْمَنْفَذِ أَيْ مَا لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهُ شَيْءٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاءِ فَقَطْ دُونَ الْمَائِعِ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَائِعٍ نَجَّسَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ عَنْ هَذَا، وَسَوَّى بَيْنَ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ لِلْمَشَقَّةِ، وَيُعْفَى عَمَّا يَمَسُّهُ الْعَسَلُ مِنْ الْكِوَارَةِ الَّتِي تُجْعَلُ مِنْ رَوْثِ نَحْوِ الْبَقَرِ، وَيُعْفَى عَنْ فَمِ صَبِيٍّ بِالنِّسْبَةِ لِثَدْيِ أُمِّهِ وَغَيْرِهِ كَتَقْبِيلِهِ فِي فَمِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ مَعَ الرُّطُوبَةِ، فَلَا يَلْزَمُ تَطْهِيرُ الْفَمِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ) خَرَجَ الْمَائِعُ كَمَا قَالَهُ ز ي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ م ر الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَرْعٌ: مَا تُلْقِيهِ الْفِئْرَانُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ يُرْجَعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ فَمَا عَدَّهُ الْعُرْفُ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ وَمَا لَا فَلَا وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ وَإِلَّا فَلَا عَفْوَ، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَلَا عَفْوَ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ وَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا، وَإِذَا شَكَكْنَا فِي أَنَّهُ مِنْ الْفِئْرَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَالْأَصْلُ إلْقَاءُ الْفِئْرَانِ وَالْفِئْرَانُ بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (مُسْتَجْمِرٍ) أَيْ بِالْأَحْجَارِ، وَقَوْلُهُ:(عَنْ الدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ) صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالدَّمِ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِطْ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ ذُبِحَتْ شَاةٌ وَقُطِعَ لَحْمُهَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ أَثَرٌ مِنْ الدَّمِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الْبَقَرِ الَّتِي تُذْبَحُ فِي الْمَحَلِّ الْمُعَدِّ لِذَبْحِهَا الْآنَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِإِزَالَةِ الدَّمِ عَنْهَا، فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الدَّمِ عَلَى اللَّحْمِ بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَإِنْ قَلَّ لِاخْتِلَاطِهِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ تَصْوِيرٌ حَسَنٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ، وَلَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْعَفْوِ عَمَّا ذُكِرَ بَيْنَ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْجَزَّارِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَوْ شَكَّ فِي الِاخْتِلَاطِ وَعَدَمِهِ لَمْ يَضُرَّ. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَدْ يُقَالُ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ ضَرُورِيٌّ، فَالْمُنَاسِبُ عَدَمُ ضَرَرِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا لَمْ يُبَالِغُوا فِي إزَالَةِ الدَّمِ بِالْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ اللَّحْمُ الْمَذْكُورُ صَارَ أَجْنَبِيًّا ضَارًّا تَأَمَّلْ.
الْأَصْلَ نَجَاسَتُهُ وَطَهَارَةُ الْمَاءِ وَقَدْ اعْتَضَدَ أَصْلُ طَهَارَةِ الْمَاءِ بِاحْتِمَالِ وُلُوغِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فِي الْغَيْبَةِ فَرُجِّحَ.
(وَالْقُلَّتَانِ) بِالْوَزْنِ (خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (بِالْبَغْدَادِيِّ) أَخْذًا مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» وَالْقُلَّةُ فِي اللُّغَةِ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ يُقِلُّهَا بِيَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهَا وَهَجْرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْجِيمِ قَرْيَةٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ يُجْلَبُ مِنْهَا الْقِلَالُ وَقِيلَ هِيَ بِالْبَحْرَيْنِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ
قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَإِذَا الْقُلَّةُ مِنْهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا أَيْ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ فَاحْتَاطَ الشَّافِعِيُّ فَحَسَبَ الشَّيْءَ نِصْفًا إذْ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ لَقَالَ تَسَعُ ثَلَاثَ قِرَبٍ إلَّا شَيْئًا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَتَكُونُ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْقِرْبَةَ لَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةِ رَطْلٍ بَغْدَادِيٍّ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ فِي الْأَصَحِّ فَالْمَجْمُوعُ بِهِ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ تَقْرِيبًا فِي الْأَصَحِّ فَيُعْفَى عَنْ نَقْصِ رَطْلٍ أَوْ رَطْلَيْنِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَصَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ نَقْصُ قَدْرٍ لَا يَظْهَرُ بِنَقْصِهِ تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُغَيِّرَةِ كَأَنْ تَأْخُذَ إنَاءَيْنِ فِي وَاحِدٍ قُلَّتَانِ وَفِي الْآخَرِ دُونَهُمَا ثُمَّ تَضَعَ فِي أَحَدِهِمَا قَدْرًا مِنْ الْمُغَيِّرِ وَتَضَعَ فِي الْآخَرِ قَدْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي التَّغَيُّرِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ وَإِلَّا ضَرَّ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِضَبْطِهِ وَبِالْمِسَاحَةِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا وَذِرَاعٌ عَرْضًا وَالْمُرَادُ فِيهِ بِالطُّولِ الْعُمْقُ وَبِالْعَرْضِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالْقُلَّتَانِ) أَيْ مَظْرُوفُهُمَا بِدَلِيلِ خَمْسِمِائَةٍ إلَخْ. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: الْقُلَّتَانِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً اسْمًا لِلْخَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ هُوَ الْأَصَحُّ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُمَا أَلْفُ رَطْلٍ، وَقِيلَ سِتُّمِائَةِ رَطْلٍ، وَقَوْلُهُ: تَقْرِيبًا أَيْ فِي الْأَصَحِّ أَيْضًا، وَمُقَابِلُهُ أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَحْدِيدٌ فَلَا يُغْتَفَرُ نَقْصُ شَيْءٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، فَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ يَرْجِعُ لِلْأَمْرَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بِالْبَغْدَادِيِّ) قَالَ الرَّحْمَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ: وَحِكْمَةُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَغْدَادِيّ فِي غَالِبِ الْكُتُبِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ: «الْوَزْنُ وَزْنُ مَكَّةَ وَالْكَيْلُ كَيْلُ الْمَدِينَةِ» لَعَلَّهُ لِكَوْنِ التَّقْدِيرِ وَقَعَ بِهَا وَفِيهَا لُغَاتٌ لِأَنَّهَا إمَّا بِمُوَحَّدَةٍ أَوْ مِيمٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَوْ مُهْمَلَةٍ أَوْ نُونٍ بَدَلَهَا، فَفِيهَا سِتُّ لُغَاتٍ مِنْ ضَرْبِ الْبَاءِ وَالْمِيمِ فِي أَوَّلِهَا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي آخِرُهَا وَهِيَ الدَّالُ الْمُهْمَلَةُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ وَالنُّونُ، وَمِقْدَارُهُمَا عَلَى مُصَحَّحِ النَّوَوِيِّ بِالْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةِ رَطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا، وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ مِنْ رَطْلٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةٌ وَسَبْعَةُ أَرْطَالٍ وَسُبْعُ رَطْلٍ، وَعَلَى مُصَحَّحِ الرَّافِعِيِّ بِالْمِصْرِيِّ أَرْبَعُمِائَةٍ، وَوَاحِدٌ وَخَمْسُونَ رَطْلًا وَثُلُثُ رَطْلٍ وَثُلُثَا أُوقِيَّةٍ، وَبِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ.
قَوْلُهُ: (يُقِلُّهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَقَلَّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَشْبَهُ) ضَعِيفٌ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَوَى) أَيْ الْبَيْهَقِيُّ الْمُتَقَدِّمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ) أَيْ بِالْوَاسِطَةِ إذْ الشَّافِعِيُّ أَخَذَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ جِبْرِيلَ، عَنْ اللَّهِ عز وجل.
قَوْلُهُ: (تَقْرِيبًا) هُوَ تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنْ الْمُضَافِ أَيْ: وَالْقُلَّتَانِ تَقْرِيبُ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ أَيْ مُقَرَّبُهَا بِمَعْنَى مَا يَقْرُبُ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (أَوْ رَطْلَيْنِ) كَأَنَّ وَجْهَ اعْتِبَارِ الرَّطْلَيْنِ فَقَطْ أَنَّهُمَا أَمْرٌ وَسَطٌ بَيْنَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقِلَّةِ وَهُوَ الْوَاحِدُ، وَأَوَّلِ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ اهـ شَوْبَرِيٌّ. قَالَ سم: لَا يُقَالُ هَذَا يَرْجِعُ إلَى التَّحْدِيدِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَحْدِيدٌ غَيْرُ التَّحْدِيدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ) أَيْ النَّقْصُ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا أَوْلَى) قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى، إذْ مَا زَادَ عَلَى الرَّطْلَيْنِ يَظْهَرُ بِهِ التَّفَاوُتُ وَدُونَهُمَا لَا اهـ اج.
قَوْلُهُ: (لِضَبْطِهِ) فِيهِ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ ضُبِطَ أَيْضًا بِالرَّطْلِ أَوْ الرَّطْلَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَبِالْمِسَاحَةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهَذَا عَلَى الْمُرَجَّحِ أَمَّا عَلَى أَنَّهُمَا سِتُّمِائَةِ رَطْلٍ أَوْ أَلْفُ رَطْلٍ فَتَزِيدُ الْمِسَاحَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ كَمَا فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ فِي مِسَاحَةِ ظَرْفِ الْقُلَّتَيْنِ لِلشَّنْشُورِيِّ. قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ) طُولًا بِذِرَاعِ النَّجَّارِ، وَذِرَاعَانِ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ كَمَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ:(وَبِالْعَرْضِ إلَخْ) .
فَائِدَةٌ: لَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ الْمُرَبَّعُ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ كَذَلِكَ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ أَرْبَعُ قِلَالٍ لِأَنَّهَا ضِعْفُ
سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَبِالذِّرَاعِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا وَأَمَّا فِي الْمُدَوَّرِ فَالْمُرَادُ بِهِ الطُّولُ ذِرَاعُ النَّجَّارِ الَّذِي هُوَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ تَقْرِيبًا وَالْمَاءُ الْجَارِي وَهُوَ مَا انْدَفَعَ فِي مُسْتَوٍ أَوْ مُنْخَفِضٍ كَرَاكِدٍ فِيمَا مَرَّ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَفِيمَا اُسْتُثْنِيَ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْجَارِي وَالرَّاكِدِ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا لَا مَجْمُوعِ الْمَاءِ وَهِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الدَّفْعَةُ بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ عَرْضًا وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْمَاءِ عِنْدَ تَمَوُّجِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْقُلَّتَيْنِ فِيهِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ سِتَّةَ عَشَرَ قُلَّةً يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ ضَرْبَ الْقُلَّتَيْنِ بِالطَّرِيقِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّك تَجْعَلُ كُلًّا مِنْ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ قَصِيرَةٍ، وَتَضْرِبُ عَشَرَةَ الطُّولِ فِي عَشَرَةِ الْعَرْضِ، وَالْمِائَةَ الْحَاصِلَةَ فِي عَشَرَةِ الْعُمْقِ يَحْصُلُ أَلْفٌ كُلُّ وَاحِدٍ يَسَعُ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ، فَالْجُمْلَةُ أَرْبَعَةُ آلَافِ رَطْلٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ قُلَّةً فَتَدَبَّرْ، لِأَنَّ كُلَّ أَلْفٍ أَرْبَعُ قُلَلٍ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُحِيطِ، وَهُوَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الْعَرْضِ وَسُبْعِ مِثْلِهِ، لِأَنَّ مُحِيطَ كُلِّ دَائِرَةٍ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ عَرْضِهَا، وَسُبْعُ مِثْلِهِ، فَلَوْ فُرِضَتْ دَائِرَةٌ عَرْضُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ كَانَ مُحِيطُهَا اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا فَيُبْسَطُ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ وَالْمُحِيطِ وَالطُّولِ أَيْ الْعُمْقِ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا فِي مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ، فَيَصِيرُ الْعُمْقُ عَشَرَةً. وَالْعَرْضُ أَرْبَعَةً وَالْمُحِيطُ اثْنَيْ عَشْرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، ثُمَّ يُضْرَبُ نِصْفُ الْعَرْضِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسُبْعَانِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشْرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ، فَيُضْرَبُ فِي بَسْطِ الْعُمْقِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ رُبُعًا مَعَ زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعِ رُبُعٍ وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ. وَصُورَةُ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُثَلَّثِ: أَنْ تَكُونَ الْحُفْرَةُ ثَلَاثَةَ أَرْكَانٍ: رُكْنٌ عَرْضًا وَرُكْنَانِ طُولًا، فَالْعَرْضُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ، وَالطُّولُ وَهُوَ الرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ أَيْضًا، وَالْعُمْقُ ذِرَاعَانِ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ كَذَلِكَ فَتَبْسُطُهَا أَذْرُعًا قَصِيرَةً، وَتَضْرِبُ الطُّولَ فِي الْعَرْضِ يَحْصُلُ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ تَأْخُذُ ثُلُثَهَا وَعُشْرَهَا تَجِدُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسِتَّةَ أَعْشَارٍ تَضْرِبُهُ فِي ثَمَانِيَةِ الْعُمْقِ، فَيَحْصُلُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ عُشْرًا مِنْ السِّتَّةِ أَعْشَارٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ بِأَرْبَعَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالثَّمَانِيَةُ أَعْشَارٍ بِوَاحِدٍ إلَّا عِشْرِينَ تُضِيفُهَا إلَى الْمِائَةِ وَعِشْرِينَ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ إلَّا عِشْرِينَ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَقْرِيبًا. وَقَوْلُهُ: وَسِتَّةُ أَعْشَارٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ فَتَضْرِبُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَكُونُ أَسْهَلَ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَاءُ الْجَارِي إلَخْ) سَكَتَ عَنْ الْمَائِعِ وَحُكْمُ الرَّاكِدِ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَأَمَّا الْجَارِي فَالْجِرْيَةُ مِنْهُ تَنْجُسُ بِالْمُلَاقَاةِ أَيْضًا وَإِنْ كَثُرْت، وَلَا يَنْجُسُ مَا قَبْلَهَا لِانْفِصَالِهَا حُكْمًا وَيَنْجُسُ مَا بَعْدَهَا لِمُرُورِهِ عَلَى مَحَلِّهَا الَّذِي تَنَجَّسَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ صُبَّ الْمَائِعُ مِنْ إبْرِيقٍ مَثَلًا مِنْ عُلْوٍ إلَى سُفْلٍ تَنَجَّسَ مَا لَاقَى النَّجَاسَةَ فَقَطْ ق ل. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَنْجُسُ مَا قَبْلَهَا أَيْ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا. قَالَ شَيْخُنَا ح ف: حَتَّى لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي آخِرِ الْقَنَاةِ الْجَارِي فِيهَا الزَّيْتُ مَثَلًا وَاتَّصَلَ الزَّيْتُ بِهَا تَنَجَّسَ جَمِيعُ مَا فِي الْقَنَاةِ وَلَوْ جُعِلَ حَائِلٌ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالزَّيْتِ بَعْدَ الِاتِّصَالِ تَنَجَّسَ مَا وَرَاءَ الْحَائِلِ الَّذِي لَمْ يُصِبْ النَّجَاسَةَ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ الْقَنَاةُ مُسْتَوِيَةً أَوْ قَرِيبَةً مِنْ الِاسْتِوَاءِ بِأَنْ كَانَ فِيهَا ارْتِفَاعٌ يَسِيرٌ. فَإِنْ كَانَ فِيهَا ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ كَثِيرٌ فَلَا يَنْجُسُ الْمُرْتَفِعُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ الْمُنْخَفِضِ لِلنَّجَاسَةِ، فَلَوْ جَعَلْنَا حَائِلًا لِلْمُرْتَفِعِ كَانَ طَاهِرًا.
قَوْلُهُ: (وَفِيمَا اُسْتُثْنِيَ) الْأَوْلَى وَمِمَّا اُسْتُثْنِيَ أَيْ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا إذْ هَذَا مَرَّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ وَيُسْتَثْنَى إلَخْ. قَوْلُهُ: (لِمَفْهُومِ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْمَفْهُومِ مَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْجَارِي بِالْجِرْيَةِ نَفْسِهَا) .
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْجَارِيَ مِنْ الْمَاءِ وَمِنْ رَطْبٍ غَيْرِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُسْتَوٍ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ الِاسْتِوَاءِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنْحَدَرًا مِنْ مُرْتَفِعٍ كَالصَّبِّ مِنْ إبْرِيقٍ، فَالْجَارِي مِنْ الْمُرْتَفِعِ جِدًّا لَا يَتَنَجَّسُ مِنْهُ إلَّا الْمُلَاقِي الْمُنَجِّسَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ، وَأَمَّا فِي الْمُسْتَوِي وَالْقَرِيبِ مِنْهُ فَغَيْرُ الْمَاءِ يَنْجُسُ كُلُّهُ بِالْمُلَاقَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْجِرْيَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ حَافَتَيْ النَّهْرِ مِنْ الدُّفُعَاتِ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَالْعِبْرَةُ فِيهِ بِالْجَارِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ تَنْجُسْ هِيَ وَلَا غَيْرُهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَهِيَ الَّتِي تَنَجَّسَتْ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ الْجِرْيَاتِ بَاقٍ عَلَى