الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر التفويف:
خشّن ألن أحزن افرح امنع أعط أنل
…
فوف أجد وشِّ رقِّق شد حب لم1
التفويف، تأملته فوجدته نوعًا لم يفد غير إرشاد ناظمه إلى طرق العقادة. والشاعر، إذا كان معنويًّا وتجشم مشاقه، تقصر يده عن التطاول إلى اختراع معنى من المعاني الغريبة، وتجفوه حسان الألفاظ، ولم يعطف عليه برقة وتأنف2 كل قرينة صالحة أن تسكن له بيتًا، ولكن شروع المعارضة ملزم به، ولم يسعني غير تشريع الطباق في بيته.
وهو في اللغة مشتق من الثوب المفوف الذي فيه خطوط بيض والمراد تلوينه ونقشه، ومن ظريف قول ابن قاضي ميلة:
بعيشي ألم أخبركما أنه فتى
…
على لفظه برد الكلام المفوّف3
والتفويف في الصناعة، عبارة عن إتيان المتكلم بمعان شتى، من المدح والغزل وغير ذلك من الفنون والأغراض، كل فن في جملة من الكلام منفصلة عن أختها، مع تساوي الجملة في الوزنية. ويكون بالجملة الطويلة أو المتوسطة أو القصيرة، وأحسنها وأبلغها وأصعبها مسلكًا القصار، مثال ما جاء منه بالجملة الطويلة قول النابغة:
وأعظم أحلامًا وأكبر سيدًا
…
وأفضل مشفوعًا وأكرم شافع
1 البيت كله أفعال أمر للأفعال التالية: خَشُن، لان، حزن، منع، أعطى، نال، فوّف، أجاد، وشّى رقق، شد، أحب، لمّ.
وفوّف: خطط واستعمل التفويف وهو من المحسنات البديعية.
2 أنف: ترفع أو رفض ضنًا بنفسه.
3 ألم: بالمكان وبالشخص، إذا مر به. بُرد: جمع مفرده بردة وهي الثوب المخطط والمزخرف.
وبالجملة المتوسطة قول أبي الوليد بن زيدون:
تِهْ احتملْ واحتكِم اصبر وعِز أهن
…
وذُلَ أخضعْ وقُل أَسمع ومُر أَطِع1
ومثال ما جاء بالجملة القصيرة، قول أبي الطيب المتنبي:
أَقِل أنِل أقطِع إحمِل علِّ أسل أعِد
…
زد هش بش تفضل ادن سَرِّ صِل
أقل من الإقالة في العثرة، أنل من الإنالة والإعطاء، أقطع من الإقطاع، احمل من قولهم حملة على فرسه، عل من الاستعلاء والعلو، أسل من السلو أعد أي أعدني إلى موضعي من الجوائز، زد أي زدني مما كنت أعهده منك، هش من الهشاشة وهي التهلل، والبشر من بش البشاشة وهي الشر وطلاقة الوجه، تفضل من الأفضال، ادن أي قربني إليك، وقوله: سر من التسري وهو أن يعطيه جارية يتسراها، صل من الصلة، ولم أقصد بحل هذه الألفاظ إلا إيناسًا تزول به وحشة العقادة عن المتأمل، فإن هذه الجملة ما استولت عليها عقادة التركيب إلا لكون كل كلمة منها فعل أمر، ولم يأت في الجملة القصيرة على هذه الصفة شيء من فصيح الكلام، وعلى هذا المنوال نسج أصحاب البديعيات وبالله المستعان.
وبيت الشيخ صفي الدين رحمه الله:
أقصر أطل اعذل اعذر سل خل أعن
…
خن هن عن ترفق كف لجّ لم2
وهذا النوع ما نظمه العميان، وبيت الشيخ عز الدين:
فوف أزف انظم انثر خص عم أفد
…
اعتب أدر أبرق ارعد اضحك ابك لم3
هذا البيت ما نحت من الجبال، ولكن الجبال نحتت منه، وبيت بديعيتي:
خشن ألن احزن افرح امنع أعط أنل
…
فوف اجد وش رقق شد حل لم
قد تقدم4 قولي للعاذل:
والله ما طال تذييل اللقاء بهم
…
يا عاذلي وكفى بالله في القسم
ولما قررت له ذلك، قلت له في بيت التفويف: إن شئت تخشن في عذلك، وإن
1 ته: أمر من تاه يتيه: تكبر والبيت كما يلاحظ كله أضداد أو ما شابهها.
2، 3 البيتين كما هو واضح أفعال أمر وهي منظومة على صفة التفويف.
4 تقدم: أي تقدم هذا البيت وسبقه قولي للعاذل.
شئت تلين، وإن شئت تحزن، وإن شئت تفرح، وإن شئت تمنع، وإن شئت تعطي، وإن شئت تفوف العذل وتجيد نقشه وتوشيته، وترقق فيه أو تشد معناه أن الكل بالنسبة إلى صدق المحبة سهل، ولكن النكتة في قولي له، أعني للعاذل، حب لم يعني إذا حب لم يعد ذلك، كأني أقول له:
من لم يبت والحب يقرع قلبه
…
لم يدر كيف تفتت الأكباد
وما أحلى قول الشيخ شرف الدين بن الفارض مخاطبًا لعاذله:
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى
…
فإذا عشقت فبعد ذلك عنف