الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تشبيه شيئين بشيئين:
شيآن قد أشبها شيئين فيه لنا
…
تبسم وعطا كالبرق في الديم
هذ النوع، أعني تشبيه شيئين بشيئين، من المحاسن العزيزة الوقوع، بخلاف كبيرة العدد في التشبيه، فإن ذلك نوع اللف والنشر أحق به، وهو في الاصطلاح، أن يقابل الشاعر بين الأربعة ويلتزم أن كل واحد من المشبه يسد مسد المشبه به.
ومما حكى عن بشار بن برد أنه قال: ما زلت، منذ سمعت قول امرئ القيس في وصف العقاب:
كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا
…
لدى وكرها العناب والحشف البالي1
لا يأخذني الهجوع حسدًا له، إلى أن قلت في وصف الحرب:
كأن مثار النقع فوق رءوسنا
…
وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه2
ومما يعجبني، في هذا الباب إلى الغاية، قول إبراهيم بن سهيل الإشبيلي:
كأن القلب والسلوان ذهن
…
يحوم عليه معنى مستحيل
ومن الغايات التي لا تدرك في هذا الباب، وأنا أستغفر الله قولي من قصيدة:
وحمرة الخد أبدت خيط عارضه
…
فخلت كأس مدام وهو معشور3
1 رطبًا ويابسًا: نيئًا ومشويًا: النيء العناب. والمشوي يشبه الحشف القديم والحشف هو أردأ التمر.
2 النقع: الغبار. وقد روي: "تهاوى" بدل تهاوت: و"تهاوى" أبلغ من التشبيه وتؤدي معنى تهاوت وزيادة الحركة التي تحسبها في حروف الكلمة: تتهاوى.
3 مشعور: مكسور كسرًا لم يؤد إل انفصال أجزائه.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته:
تلاعبوا تحت ظل السر من مرح
…
كما تلاعبت الأشبال في الأجم1
بيت الشيخ صفي الدين في هذا النوع عامر بالمحاسن، رافل في حلل الانسجام، والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم.
بيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته قوله:
شيئان تشبيه شيئين انتبه لهما
…
حلم وجهل هما كالبرء والسقم
نعوذ بالله من آفة الغفلة، ممدوح هذا البيت، هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدمه قوله في مديحه:
هل من مقاربة في السير بعد نوى
…
بأطيب التمر بين العرب والعجم2
وقال بعده هذا البيت الدائر. وقد سلمنا أنه قابل فيه حلم النبي صلى الله عليه وسلم بالبرء، وأما ذكر الجهل في هذا البيت فهو في غاية الجهل، وليس له ما يقابله غير التأديب على قلة أدبه، وقد قابل به السقم ولا أعلم ما مراده به. وطالعت شرحه فوجدته قد قرر حد النوع، وفر من الكلام على معنى البيت بخلاف أبيات القصيدة.
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:
شيئان قد اشبها شيئين فيه لنا
…
تبسم وعطا كالبرق في الديم
هذا البيت البديع في لفظه ومعناه، ما أشك أن أبا بكر3 مقدم فيه على الحلي والموصلي، فإنه وضعه في محله، والنبي صلى الله عليه وسلم أحق به من كل ممدوح، وقد جمع فيه بين حسن اللف والنشر وبليغ التشبيه. وأما مراعاة النظير في مديحه بين البرق والديم فليس لها نظير. والله أعلم.
1 المر: الرماح. الأجم: التلال التفت أشجارها.
2 النوى: السفر.
3 أبو بكر: يعني المؤلف نفسه.