المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجناس التام والمطرف: - خزانة الأدب وغاية الأرب لابن حجة الحموي - جـ ١

[الحموي، ابن حجة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌تمهيد وتقديم:

- ‌التعريف بالكاتب:

- ‌مقدمة الكاتب:

- ‌الجناس:

- ‌ذكر الجناس المركب والمطلق:

- ‌ذكر الجناس الملفق:

- ‌الجناس المذيل واللاحق:

- ‌الجناس التام والمطرف:

- ‌الجناس المصحف والمحرف

- ‌الجناس اللفظي والمقلوب:

- ‌ذكر الجناس المعنوي:

- ‌ذكر الاستطراد:

- ‌ذكر الاستعارة:

- ‌ذكر الاستخدام:

- ‌ذكر الهزل الذي يراد به الجد:

- ‌ذكر المقابلة:

- ‌ذكر الالتفات:

- ‌ذكر الافتنان:

- ‌ذكر الاستدراك:

- ‌ذكر الطي والنشر:

- ‌ذكر الطباق:

- ‌ذكر النزاهة:

- ‌ذكر التخيير:

- ‌ذكر الإبهام:

- ‌ذكر إرسال المثل:

- ‌ذكر التهكم:

- ‌ذكر المراجعة:

- ‌ذكر التوشيح:

- ‌ذكر تشابه الأطراف:

- ‌ذكر التغاير:

- ‌ذكر التذييل:

- ‌ذكر التفويف:

- ‌ذكر المواربة:

- ‌ذكر الكلام الجامع:

- ‌ذكر المناقضة:

- ‌ذكر التصدير أو رد العجز على الصدر:

- ‌ذكر القول بالموجب أو أسلوب الحكيم:

- ‌ذكر الهجو في معرض المدح:

- ‌ذكر الاستثناء:

- ‌ذكر التشريع:

- ‌ذكر التتميم:

- ‌ذكر تجاهل العارف:

- ‌ذكر الاكتفاء:

- ‌ذكر مراعاة النظير:

- ‌ذكر التمثيل:

- ‌ذكر التوجيه:

- ‌ذكر عتاب المرء نفسه:

- ‌ذكر القسم:

- ‌ذكر حسن التخلص:

- ‌ذكر الاطراد:

- ‌ذكر العكس:

- ‌ذكر الترديد:

- ‌ذكر التكرار:

- ‌ذكر المذهب الكلامي:

- ‌ذكر المناسبة:

- ‌ذكر التوشيع:

- ‌ذكر التكميل:

- ‌ذكر التفريق:

- ‌ذكر التشطير:

- ‌ذكر التشبيه

- ‌مدخل

- ‌التشبيه بالتلميح:

- ‌ذكر تشبيه شيئين بشيئين:

- ‌ذكر الانسجام

- ‌الانسجام في النثر

- ‌الانسجام في الشعر:

- ‌ذكر التفصيل:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌الجناس التام والمطرف:

وذيل الهم همل الدمع لي فجرى

كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم

فالمذيل في هم وهمل واللاحق في غيث وحيث.

ص: 74

‌الجناس التام والمطرف:

يا سعد ما تم لي سعد يطرفني

بقربهم وقليل الحظ لم يلم1

أما الجناس التام: فهو ما تماثل ركناه واتفقا لفظًا واختلفا معنى، من غير تفاوت في تصحيح تركيبهما، واختلاف حركتهما، سواء كانا من اسمين، أو من فعلين، أو من اسم وفعل، فإنهم قالوا: إذا انتظم ركناه، من نوع واحد، كاسمين أو فعلين، سمي مماثلًا، وإن انتظما من نوعين، كاسم وفعل، سمي مستوفى، وجل القصد تماثل الركنين في اللفظ والخط والحركة واختلافهما في المعنى، سواء كانا من اسمين أو من غير ذلك، فإن المراد أن يكون الجناس تاما، على الصفة المذكورة، من حيث هو أكمل الأنواع إبداعا وأسماها رتبة وأولها في الترتيب، فمنه قول الإمام أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه: صولة الباطل ساعة، وصولة الحق إلى الساعة. وقيل: ما وقع في القرآن العظيم غير هذين الركنين، وهو قوله تعالى:{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} 2 ولكن استخرج ابن حجر من القرآن جناسا آخر تاما عظيما، وهو قوله تعالى:{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} 3 ومن الشعر قول بعضهم وأجاد:

وسميته يحيى ليحيى فلم يكن

إلى رد أمر الله فيه سبيل

ومن ملح هذا النوع قول ابن الرومي:

للسود في السود آثار تركن بها

وقعا من البيض يثني أعين البيض4

ومنه قول أبي الفتح البستي:

سما وحمى بني سام وحام

فليس كمثله سام وحام

1 يا سعد: ترخيم يا سعدى، وسعد الثانية: الخط الجيد - يطرفني: يمتعني.

2 الروم: 33/ 55.

3 النور: 24/ 43، 44.

4 السود الأولى: الفرسان السود - والسود الثانية: لمعنى الليالي السود - الوقع: الضرب - البيض: ما يلبسه الفارس اتقاء للسيوف - يثني: يرد - البيض: النساء البيض.

ص: 74

أما أبو الفتح، فإنه ثابر على استعمال الجناس كثيرا، ولكن ما أعلم أنه نظم أحسن من هذا البيت، وقد تجمل به نوع الجناس وكاد أن يكون تورية، وما أحسن قول المعري فيه وأحشمه:

لم نلق غيرك إنسانًا يلاذ به

فلا برحت لعين الدهر إنسانًا1

ومطلع الشيخ صفي الدين، في قصيدته البائية التي عارض بها المتنبي، وامتدح بها السلطان الملك الناصر، سقى الله عهده، حسن في هذا الباب وهو:

أسبلن من فوق النهود ذوائبًا

فتركن حبات القلوب ذوائبا2

ومن محاسنها:

عاتبته فتضرجت وجناته

وازور ألحاظا وقطب حاجبا3

فأذابني الخد الكليم وطرفه

ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا4

ومطلع قصدية ابن نباتة التي امتدح بها الملك الأفضل، صاحب حماة، غاية في هذا النوع، وقد عارض أبا الطيب المتنبي، ولكن أتى فيها بما لو سمعه أبو العلاء لرجع عن ديوان أحمد، وأقر بمعجمات محمد. فمطلع المتنبي:

أرق على أرق ومثلي يأرق

وجوى يزيد وعبرة تترقرق5

ومطلع ابن نباتة:

ما بت فيك بدمع عيني أشرق

إلا وأنت من الغزالة أشرق6

ولأجل إطنابي في هذه القصيدة تعين إيراد شيء من محاسنها هنا. فمنها:

أنفقت عيني في البكاء وحبذا

عين على مرأى جمالك تنفق

وتكاثرت في الجفن أنجم أدمعي

فكأن غرب الجفن مني مشرق

1 يلاذ به: يحتمي به - إنسان العين: بؤبؤها.

2 أسبلن: أرخين - النهود: جمع مفرده نهد وهو الثدي - الذوائب: خصل الشعر.

3 تضرجت: احمرت من جراء تدفق الدم إليها من الخجل - والوجنات مفردها وجنة: وهي كرسي الخدم ويقصد بها معظمه - ازور ألحاظا: أدار نظره عني.

4 الكليم: الجريح - ذو النون: هو الذي ورد ذكره في القرآن في قوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا

} الأنبياء: 21/ 87.

5 الأرق: عدم استطاعة النوم - عبرة: دمعة.

6 أشرق: أغص: الغزالة: من أسماء الشمس - أشرق: أكثر إشراقًا.

ص: 75

وأخافني فيك العذول وما درى

أني لجورك في الهوى أتشوق

قسما بمن جعل الأسى بك لذة

والدمع راحة من يحب ويعشق

إن العذول هو الغبي وإن من

يفني عليك حياته لموفق

لي من نصيب هواك سهم وافر

وسهام سحر من جفونك ترشق

يمتار من دمعي عليك ذووا البكا

فاعجب له من سائل يتصدق

ولقد سقيت بكأس فيك مدامة

في غيظ عذالي عليك فلا سقوا1

وضممت من عطفيك غصن ملاحة

بالحلى يزهر والغلائل يورق

وقرأت من خديك بعد تأمل

خطابه حب القلوب معلق

ورزقت من جفنيك ما حسد الورى

حظي عليه وهو رزق ضيق

ونعمت باللذات وهي جديدة

ولبست ثوب الراح وهو معتق

في ليل أراح كأن هلاله

للشرب ما بين الندامى زورق

حتى استطال الفجر يطعن في الدجى

فهو السنان أو العدو الأزرق

يا حبذا ليل تبيع به الكرى

لكننا لا عن رضا نتفرق

حيث الشباب إلى المسرة راكض

لا يستقر وطالب لا يرفق2

ما سرني أن الكميت يحثها

نحوي السقاة وأن فودي أبلق3

زار الضنا ونأى الحبيب وعادني

أرق على أرق ومثلي يأرق

والعذر عن طول ما أوردته واضح لغرابة أسلوبها غزلًا ومدحا. منها في المدح:

قوم لذكراهم على صحف العلا

أصل الفخار وكل ذكر ملحق

الملك بعض ديارهم فلينزلوا

والنجم بعض جدودهم فليرتقوا4

إن يسجع الدين الحنيف بمدحهم

فلأنه بأبي الفتوح مطوق

أو يبق ماضيهم على سنن الوفا

فلأنهم ببقاء أفضلهم بقوا

ملأت مواهبه القلوب مهابة

فالقلب قبل الطرف فيها مطرق

1 لا سقوا: دعاء عليهم بمعنى لا سقاهم الله، إذ يقال في معرض الدعاء لهم سقاهم الله أو سقى الله قبره إلخ

2 لا يرفق: لا تأخذه بنفسه شفقة أو رحمة.

3 الكميت: الخمرة التي لونها أحمر يشوبه السواد - والفود: جانب الرأس مما يلي الأذن - أبلق: خالط سواده بياض أي شابَ.

4 هذا البيت كناية عن فضلهم وعلى حسبهم.

ص: 76

وكأنما أقلامه بسوادها

غربان بين في الخزائن تنعق1

لا عيب فيه سوى العزائم قصرت

عنها الكواكب وهي بعد تحلق

منها:

يا أيها الملك المكمل فضله

وقيت من حدق إليكم تحدق

وبقيت للمداح تجلب عيسهم

جلبا بغير بلادكم لا ينفق2

أذكرتنا زمن المؤيد لا عدت

مثواه باكية الغمامة تشهق3

حتى تجر به ذيول حديقة

أكمامها بيد النسيم تفتق4

منها:

وبديعة كالروض إلا أنها

تجلى بجارحة السماع وتنشق

نظمتها عقدا بدون مثاله

في النظم شاب من الوليد المفرق

لا فضل لي فيها وبحرك قاذف

درر الصفاء يقول للناس انفقوا

من عش بيتك قد درجت فطار لي

في الخافقين جناح ذكرك يخفق

ولكم علقت من القريض صناعة

ما كنت لولاكم بها أتعلق

لكم الولا مني لأن نداكم

في كل حادثة لفقري يعتق5

ومن مطالعي في الجناس التام قولي:

يا طيب الأخبار يا ريح الصبا

يا من إليه كل قلب قد صبا

وهذه القصيدة كتبت بها من القاهرة المحروسة سنة اثنتين وثمانمائة إلى القاضي تاج الدين بن البارزي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف، تشوقًا إليه وإلى حماة المحروسة،

وقلت بعد المطلع أخاطب النسيم بما هو أرق منه.

يا صادق الأنفاس يا أهل الذكا

يا طاهر الأذيال كم لك من نبا6

1 البين: الفراق - تنعق: تصوت والنعيق: صوت الغراب.

2 عيس: جمع مفرده أعيس وهو من الجمال التي يخالط بياضه شقره.

3 المثوى: القبر - باكية الغمامة: من الغيوم الممطرة - تشقق: ترتفع.

4 أكمامها: مفردها كِمّ وهو برعوم الثمرة - تفتق: تتفتق تتفتح.

5 نداكم: عطاؤكم - يعتق: يحل عقده ويحرره.

6 الذكا: طيب الرائحة - نبا: نبأ، خبر.

ص: 77

يا من نراه عبارة عن حاجر

يا روح نجد مرحبا بك مرحبا

يا نسمة الخير الذي من طيبه

نتنشق الأخبار عن تلك الربا

بالله إن رنحت ذيلك بالحمى

ووردت شعبًا من دموعي معشبا1

وهززت فيه كل عود أراكة

أضحى بهاتيك الثغور مطيبا

ولثمت من ثغر الأقاحي مبسما

أبدى بدر الطل ثغرا أشنبا2

ودخلت كل خباء زهر قد غدا

بدموع أجفان الغمم مطنبا

وطرقت حي العامرية ظامئا

فنعمت في الوادي بريا زينبا3

وحملت من نشر الخزامي نقحة

مشمولة بالطيب من ذاك الخبا4

عج بالعذيب فإن محجر عينه

أضحى لما حملته مترقبا

واصحب عبير المسك منه فإنه

لشوارد الغزلان أضحى مشربا

وإذا تنسمت الشذا وتعطرت

منك الذيول وطبت يا ريح الصبا

عرج على وادي حماة بسحرة

متيمما منه صعيدا طيبا

واحمل لنا في طي بردك نشره

فبغير ذاك الطيب لن نتطيبا

واسرع إليّ وداو في مصر به

قلبا على نار البعاد مقلبا

لله ذاك السفح والوادي الذي

مازال روض الأنس فيه مخصبا5

وانعم بمصر نسبة لكن أرى

وادي حماة ولطفه لي أنسبا

أرض وضعت بها ثدي شبيبتي

ومزجت لذاتي بكاسات الصبا

يا ساكني مغنى حماة وحقكم

من بعدكم ما ذقت عيشًا طيبا

ومهالك الحرمان تمنع عبدكم

من أن ينال من التلاقي مطلبا

وإذا اشتهيت السير نحو دياركم

قرأ النوى لي في الأواخر من سبا

وقد التفت إليك يا دهر يطو

ل تعتبي ويحق لي أن أعتبا

قررت لي طول الشتات وظيفة

وجعلت دمعي في الخدود مرتبا6

وأسرتني لكن بحق محمد

يا دهر كن في مخلصي متسببا

1 رنحت: حركت - شعبا: حيًّا.

2 أشنبا: رقيق الأسنان أبيضها.

3 طرقت: من طرق المكان إذا مر به.

4 النقحة: السحابة الصيفية البيضاء.

5 مخصبا: كثير الخصوبة.

6 الشتات: الفراق والابتعاد عن الأهل والأقارب.

ص: 78

فمحمد ومدينة قد حلها

لم ألق غيرهما لقلبي مطلبا

مولى إذا قصد الزمان بلحنه

خفضي غدا عن رفع قدري معربا

ذو رتبة نصب السعود بيوتها

من فوق هام الفرقدين وطنبا1

وفضائل أمست على حلل العلو

م برقمها الزاهي طرازًا مذهبا

وكتابة منسوبة لكن إلى

عين الكمال وحقها أن تنسبا

وإذا تسنم ذروة من منبر

لخطابة فابن الخطيب هنا هبا2

من بيت فضل قد علت طبقاته

وأراه للعلم الشريف مبوبا

وإذا وقفت لحاجة في بابه

تلقاه بابا للنجاح مجربا

يا كاتب الأسرار يا من فضله

قد جمل الدنيا وزان المنصبا

أقلامك السمر الرشاق إذا انثنت

أغنت نهار الخطب عن بيض الظبا3

سود العيون كأنما ألحاظها

قد كحلت بسواد أحداق الظبا4

لكن إلى وجه الطروس إذا رنت

أبدت لنا سحرا حلالًا طيبًا5

وسرى نسيم الذوق في صباتها

فغدا بها بين الأنام مشيبا6

فلأجل ذا إن رجعت أقوالها

لم نلق إلا مرقصًا أو مطربا

رجع إلى ما كنا فيه من الجناس التام، ومن نظمي فيه أيضًا مع زيادة التورية:

طلبت تقبيل من أحب وقد

أنكرت في الخد نقطة حسنه

فرق لي قلبه وقال إذا

لثمت خدي لا تنكر الحسنه

انتهى الكلام على الجناس التام، وقد تقدم قولي إن جميع من نهلت من شرابهم الصافي لم يرضوا بالجناس التام، إذا أمكن استدراك التورية من ركنيه، لعلمهم بعلو رتبتها عنه والتفات الأذواق الصحيحة السليمة إلى حسن موقعها، وإذا راجعت النظر في كلامهم وجدت غالب ما نظموه من التورية جناسًا تامًا، فمن ذلك قول الشيخ صدر الدين بن الوكيل من دو بيت:

1 السعود: الحظ والبخت - الفرقدين: نجمان في السماء ثابتان قرب القطن الشمالي يهتدي بهما.

2 ابن الخطيب: هو الوزير لسان الدين الأديب والشاعر والخطيب المعروف - هبا: انحط قدره.

3 الرشاق: مفردها رشيق وهو السريع الخفيف - الخطب: المصيبة - بيض الظبا السيوق والظبا: حد السيف وشفرته.

4 الظبا: الظباء مفردها ظبي وهو الغزال الأعفر.

5 الطروس: مفردها الطرس وهو الكتاب الذي محي ثم كتب.

6 قصباتها: قصبات الأقلام ما يكتب به منها وهي رءوسها.

ص: 79

كم قال معاطفي حكتها الأسل

والبيض سرقن ما حوته المقل1

والآن أوامري عليهم حكمت

البيض تحد والقنا تعتقل2

ففي تحد وتعتقل جناسان تامان، إذا أبطلت الاشتراك وأبرزت كلا من الركنين في موضعه، على طريق من له رغبة في الجناس، ومثله قول محي الدين بن عبد الظاهر في كوز3.

وذي أذن بلا سمع

له قلب بلا قلب

إذا استوى على حب

فقل ما شئت في الصب

ومثله قول بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي:

تعشقته لدن القوام مهفهفًا

شهي اللمى أحوى المراشف أشنبا4

وقالوا بدا حب الشباب بوجهه

فيا حسنه وجهًا إلي محببا

ومثله قول الشيخ شرف الدين الأنصاري شيخ شيوخ حماة:

لنا من ربة الخالين جاره

تواصل تارة وتصد تاره 5

املني بما يحلو وتلوي

ولكن ليس في جوفي مراره

ومثله قول الشيخ ظهر الدين البارزي، سقى الله ثراه:

يا لحية الحب التي

طال لها تلفتي

هل أنت مسك الترك أو

هل أنت مسك نبتي

ومثله قول الشيخ علاء الدين الوداعي:

أثخنت عينها الجراح ولا إث

ـم عليها لأنها نعساء6

زاد في عشقها جنوني فقالوا

ما بهذا فقلت بي سوداء7

1 الأسل: نبات كثير الأغصان شائكها تصنع منه الحصر والحبال.

2 تُحَد: تعاقب بإنزال الحد بها والحد مفرد حدود وهي في الفقه والشرع: حد الزنى حد شرب الخمر، حد السرقة.... إلخ. ومعناه قصاص معين ينزل بالشخص مقابل عمله الشائن.

3 الكوز: الإبريق الصغير.

4 لدن: لين ورشيق - مهفهفا: ضامر البطن دقيق الخصر: اللمى السمرة - أحوى المراشف: لون شفتيه فيه كمنة وهي الاحمرار المشوب بالسواد والأشنب: رقيق الأسنان أبيضها.

5 الخالين: مفردها الخال وهو شامة سوداء تظهر عادة في الخد.

6 أثخنت كثرت فيها وأثقلتها - نعساء: ناعسة.

7 سوداء: سوداوية المزاج.

ص: 80

ومثله قول لسان الدين بن الخطيب:

جلس المولى لتسليم الورى

ولفصل البرد في الجو احتكام

فإذا ما سألوا عن يومنا

قلت هذا اليوم برد وسلام

ومثله قول الشيخ سراج الدين الوراق، فيمن بخل بالراح، والتورية ثلاثة وهو:

لا تطمعن براحة من معشر

سادوا بغير مآثر السادات

قطعت عن المعروف أيديهم وقد

سرقوا العلا فخلت من الراحات

ومثله قول نصير الدين الحمامي:

لي منزل معروفه

ينهل غيثا كالسحب

أقبل ذا العذر به

وأقبل الجار الجنب1

ومثله قول شهاب الدين الحاجي:

له عين لها غزل وغزو

مكحلة ولي عين تباكت

وحاكت في فعائلها المواضي

فيا لك مقلة غزلة وحاكت

ومثله قول ابن الوردي:

قالت إذا كنت ترجو

وصلي وتخشى نفوري

صف ورد خدي وإلا

أجور ناديت جوري

ومثله قول ابن الصائغ:

هجرت فأحشائي لذاك توقدت

جمرًا وليست في المحبة فاتره

هذا وتحرمني الثقيل الهوى

من ذا الذي يرضى بنار الهاجره2

ومثله قول ابن نباتة في الملك المؤيد صاحب حماة:

لنا ملك قد قاسمتنا هباته

فنثر العطا منه ونظم الثنا منا3

يذكرنا أخبار معن بجوده

وننشي له لفظا فينشي لنا معنى4

1 الجار الجنب: الجار بالجنب.

2 في الشطر الأول خلل في الوزن ونظنه: هذا وتحرمني الثقيل من الهوى.

3 هباته: مفردها هبة وهي الأعطية - العطا: الغطاء - والثنا: الثناء.

4 معن: هو معن بن زائدة من أجواد الجاهلية وفرسانها.

ص: 81

ومثله قوله، وهو أعدل شاهد في هذا الباب:

دمعي عليك مجانس قلبي

فانظر على الحالين في الصب

فذكر التجانس هنا أحد لازمي التورية، والدمع هو اللازم الآخر، وقد نبهنا الشيخ جمال الدين على أنه لم يرض بالجناس، ويؤيد ذلك قوله على الحالين، ومنه قول القيراطي:

أبح لي نرجس ألحاظه

في مجلس ما فيه ما نكره

فقلت ورد الخد جد لي به

أيضًا فقال الكل في الحضره1

ومثله قول بدر الدين بن الصاحب:

فتنت بنبت من عوارض خده

فها أنا في قيد الغرام أسير

وما كان لي بالعشق قط تعلق

ولا بالهوى قبل العذار شعور2

ومثله قول صلاح الدين الصفدي:

إن لم تصدقني تصدق بالكرى

ليزورني فيه الخيال الزائل

وانظر إلى فقري لوصلك واغتنم

أجري وقل للدمع قف يا سائل

ومثله قول ابن أبي حجلة:

يا صاح قد حضر الشراب ومنيتي

وحظيت بعد الهجر بالإيناس

وكسا العذار الخد حسنا فاسقني

واجعل حديثك كله في الكاس

وما أظرف قول يحيى الخباز الحموي:

أصبحت في العالم أعجوبة

عند ذوي المعقول والفهم

جدي حموي فاسمعوا واعجبوا

وما كفى حتى أبي أمي

ومثله قول المعمار:

قد بت من كربي لفقد النسا

أفور كالتنور من ناريه3

وقد طغى الماء فمن لي بأن

أحمل بالجود على جاريه

1 الحضره: الحضور والمكانة.

2 العذار: الشعر على جانب الخد.

3 التنور: الفرن يخبز فيه.

ص: 82

ومثله قول الشيخ شرف الدين حسن المشهور بالزغاري:

قيل لي إذا رأيت أقمار تم

عن بدور السماء للطرف تلهي1

أي وجه أضناك قلت دعوني

فسقامي قد صح من كل وجه

ومثله قول عز الدين الموصلي:

حديث عذار الحب باد وساقه

له أوجه تبدي لقلبي اشتياقه

درى أننا نصغي إلى الحسن دائمًا

فأبدى لنا ذاك الحديث وساقه

ومثله قول ابن مكانس:

يقول معذبي إذا همت فيه

بخد خلت فيه الشعر نملا2

أتعرف خده للعش أهلا

فقلت له نعم أهلا وسهلا

وأنشدني، من لفظه نفسه، بقية السلف ومن كان للفروع النباتية نعم الخلف، الشيخ زيد الدين أبو بكر بن العجمي، عين كتاب الإنشاء الشريف بالديار المصرية، وقد تمثلت بين يديه بالقاهرة المحروسة، سنة إحدى وثمانمائة، وطالبته بشيء من لفظه في المواليا، فإنه كان إمام فنونه المتشعبة فقال:

للحب قالوا معناك الذي أذبلتو

جدلو بقبلة فقلبوا فيك خبلتو3

فقال أقسم لو أن البوس سبلتو

ومات للشرق مادرتو وقبلتو4

ومنه قول ابن خطيب داريا:

تقول وقد أتتني ذات يوم

مخبرة عن الظبي الجموح5

يسرك أن أروح إليه أجري

فقلت لها خذي مالي وروحي

ومنه قول بدر الدين الدماميني:

قم بنا نركب طرف ال

لهو سبقا للمدام

واثن يا صاح عناني

لكميت ولجام6

1 أقمار تم: بدور كاملة تامة لأربع عشرة ليلة.

2 خلت: ظننت.

3 جدلو: جُدله - خبلتو: خبلته: جرحته.

4 البوس: التقبيل.

5 الجموح: الشارد.

6 الكميت: الخمرة.

ص: 83

ومثله قول ابن حجر:

سألوا عن عاشق في

قمر باد سناه

أسقمته مقلتاه

قلت لا بل شفتاه

ومثله قولي:

عاتبته ودموعي غير جارية

لأن دمعي من طول البكا نشفا

فقال لم أر وكف الدمع قلت له

حسيبك الله يا بدر الدجى وكفى1

ولم أستطرد إلى هذا إلا لتأييد قولي: إن جميع من نسجت على منوالهم لم يرضوا بالجناس التام إذا أمكنت التورية التامة، وصبح الفرق بينهما بحمد الله ظاهر، وبدر مثاله في ليالي السطور سافر.

انتهى ما أوردت من محاسن التورية التامة، ووجوب تقديمها على الجناس التام إذا كان عند الناظم يقظة، وكان ممن يميل إلى هذا المذهب، وأما الجناس المطرف، فهو ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفا في طرفه الأول، وهذا هو الفرق بينه وبين المذيل، فإن الزيادة في المذيل تكون في آخره، وأما المطرف لتكون زيادته في أوله لتصير له كالطرف، ويسمى: الناقص والمردف، وفي تسميته اختلاف كثير، ولكن مطابقة الطرف في التسمة طرفة، كقوله تعالى:{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} 2 والزيادة تارة تكون في أول الركن الثاني كما تقدم، وتارة في أول الركن الأول، كقول أبي الفتح البستي:

أبا العباس لا تحسب بأني

بشيء من حلى الأشعار عاري

فلي طبع كسلسال معين

زلال من ذرى الإحجار جاري3

إذا ما كبت الأدوار زندًا

فلي زند على الأدوار وارى4

ومثله:

وكم سبقت منه إليّ عوارف

ثنائي على تلك العوارف وارف5

وكم غرر من بره ولطائف

فشكري على تلك اللطائف طائف

1 وكف الدمع: انهماله وانصبابه.

2 القيامة: 75/ 29.

3 السلسال: الماء العذب الصافي - معين: جابر - زلال: شديد الصفاء.

4 في البيت كسر ونظنه: إذا ما أكبت الأدوار: أي إذا جعلته يكبو بمعنى يخبو وينطفئ.

5 عوارف: مفردها عارفة وهي الصنيعة واليد - وارف: واسع الظل.

ص: 84