الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن نظمي في هذا النوع الغريب:
رأت حياة شبابي قد قضت أجلا
…
والسقم قد زاد لما قل مصطبري
قالت سرقت نحول الخصر قلت لها
…
ما يحمل الشيخ هذا وهو في كبري1
انتهى والله عز وجل أعلم.
1 نحول الخصر: ضموره ودقته.
الجناس المذيل واللاحق:
وذيل الهمم همل الدمع لي فجرى
…
كلاحق الغيث حيث الأرض في ضرم1
المذيل اختلف جماعة المؤلفين في اسمه، ولم يتقرر له أحسن من هذه التسمية، فإن فيها مطابقة للمسمى، وما ذاك إلا أن المذيل: هو ما زاد أحد ركنيه على الآخر حرفًا في آخره فصار له كالذيل، وهو الفرق بينه وبين المطرف، ويأتي الكلام على المطرف في موضعه، فالمذيل كقول كعب بن زهير:
ولقد علمت وأنت خير عليمة
…
أن لا يقرّ بني الهوى لهوان2
وما ألطف من قال:
وسألتها بإشارة عن حالها
…
وعلي فيها للوشاة عيون
فتنفست صعدًا وقالت ما الهوى
…
إلا الهوان فزال عنه النون
ومنه قول أبي تمام:
يمدون من أيد عواصٍ عواصم
…
تصول بأسيف قواضٍ قواضب3
وقال آخر:
عذيري من دهر موار موارب
…
له حسنات كلهن ذنوب4
1 همل الدمع: دائم الدمع - ضرم: أي اضطرام اشتعال ولهيب.
2 الهوان: الذل.
3 عواص: مخفية، عواصم: بيض، وهي صفة الأيدي، تصول: تحارب - قواض: تقوض العدو - قواضب: قاطعة.
والمعنى: تمد أيد بيضاء من التستر تحارب بأسياف تقوض الأعداء وتقطعهم.
4 عذيري: أي من عذيري، والعذير هو المخلص - موارٍ: مدبر - موارب: يأتي بعكس ما يشتهي الإنسان.
ومن النثر فلان حام حامل لأعباء الأمور، كاف كافل لمصالح الجمهور. ومثله فلان سال عن إخوانه سالم من زمانه، ومن غراميات البها زهير في الجناس المذيل قوله من قصيدة:
أشكو وأشكر فعله
…
فاعجب لشاك منه شاكر
طرفي وطرف النجم فيك
…
كلاهما ساه وساهر
ولم يخرج عما نحن فيه قوله منها:
يا ليل بدرك حاضر
…
يا ليت بدري كان حاضر
حتى يبان لناظري
…
من منهما زاه وزاهر
وما أحلى ما ختم القصيدة بقوله:
بدري أرق محاسنًا
…
والفرق مثل الصبح ظاهر
وقد تأتي الزيادة في آخر المذيل بحرفين، كقول حسان بن ثابت:
وكنا متى يغزو النبي قبيلة
…
نصل جانبيه بالقنا والقنابا1
ومنه قول النابغة:
لها نار جن بعد أنس تحولوا
…
وزال بهم صرف النوى والنوائب2
ومنه في رثاء قوله:
فيا لك من حزم وعزم طواهما
…
جديد الردى تحت الصفا والصفائح3
وأرق ما سمعته في هذا الباب قول القائل:
إن البكاء هو الشفا
…
ء من الجوى بين الجوانح
انتهى الكلام على الجناس المذيل وأما اللاحق، فقل من فرق بينه وبين المضارع، والمراد بالمضارع هنا المشابه، والفرق بينهما دقيق، فإن اللاحق هنا ما أبدل من أحد ركنيه حرف من غير مخرجه، ومتى كان الحرف المبدل من مخرج المبدل منه
1 القناب: المخالب.
2 صرف النوى: تصريف النوى وتشتيته والنوى البعد - النوائب المصائب مفدرها نائبة وهي ما ينوب الإنسان.
3 الردى: الموت - الصفا: الحجارة العريضة، والصفائح: الحجارة العريضة الملساء.
سمي مضارعًا، وإن كان قريبًا منه كان مضارعًا أيضًا، وأنا أذكر شاهد كل منهما، فإن الفرق بينهما يدق عن كثير من الأفهام، ولم يساعده على ظلمة شكه غير ضياء الحسن.
والمضارع هو المتشابه في المخرج، كقوله تعالى، وهو إلى الغاية التي لا تدرك:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} 1 ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة". ومثله قول بعضهم: البرايا أهداف البلايا.
ومن النظم قول الشريف الرضي رحمه الله:
لا يذكر الرمل إلا حسن مغترب
…
له إلى الرمل أوطار وأوطان2
فاللام والراء والنون من مخرج واحد، عند قطرب والجرمي وابن دريد والفراء. قال بعض أهل الأدب في كتاب: راش سهامه بالعقوق، ولوى ماله عن الحقوق. فالعين والحاء من مخرج واحد. ويعجبني قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في هذا الباب:
رق النسيم كرقني من بعدكم
…
فكأننا في حيكم نتغاير
ووعدت بالسلوان واش عابكم
…
فكأننا في كذبنا نتخاير3
فالغين والخاء من مخرج واحد.
انتهى الكلام على المضارع ومقاربه في مخارج حروفه على الأبدال، واللاحق قد تقدم أنه ما أبدل من أحد ركنيه حرف منغير مخرجه، كقوله تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} 4 وكتب بعضهم في جواب رسالة: وصل كتابك فتناولته باليمين، ووضعته مكان العقد الثمين. ومن النظم، قول البحتري، وأجاد إلى الغاية:
عجب الناس لاعتزالي وفي الأطراف
…
تلفى منازل الأشراف
وقعودي عن التقلب والأر
…
ض لمثلي رحيبة الأكناف5
ليس عن ثروة بلغت مداها
…
غير أن امرؤ كفاني كفافي6
1 الأنعام: 26/ 6
2 أوطار: مفردها وطر وهي الحاجة.
3 تتخاير: يخير بعضنا الآخر.
4 الضحى: 93/ 9، 10.
5 أكناف: نواحي، مفردها كنف.
6 كفافي: ما يقيم أودي، وأحافظ به على حياتي.
فكفاني وكفافي هو اللاحق الذي لا يلحق. وهنا نكتة لطيفة تؤيد قول البحتري في بيته الأول وهو:
عجب الناس لاعتزالي وفي الأطـ
…
راف تلفى منازل الأشراف
قيل لبعضهم: في أي موضع في القرآن الأطراف منازل الأشراف؟ فقال: في قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} 1 فهذا أشرفهم، وكان صلى الله عليه وسلم ينزل من أقصى المدينة والأطراف والأشراف مما نحن فيه. وما أحرى قول أبي هلال العسكري في اللاحق:
أراعي تحت حاشية الدياجي
…
شقائق وجنة سقيت مداما2
وإذن ذكرت لواحظ مقلتيه
…
حسبت قلوبنا مطرت سهاما
وإن مالت بعطفيه شمول
…
سقانا من شمائله سقاما3
انتهى الكلام على الجناس اللاحق، والفرق بينه وبين المضارع، ومن الناس من يسمي كل ما اختلف بحرف، تجنيس التصريف، سواء كان من المخرج أو من غيره، ولكن رأيت استجلاء الفرق أنور، ولا يشترط أن يكون الإبدال في الأول ولا في الوسط ولا في الآخر، فإن جل القصد الإبدال كيفما اتفق، وبيت الشيخ صفي الدين يشتمل على المذيل واللاحق وهو:
أبيت والدمع هام هامل سرب
…
الجسم في أضم لحم على وضم4
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي:
يذيل الدمع جار جارح بأذى
…
كلاحق ما حق الآثار في الأكم5
قال شيخنا الشيخ شمس الدين الهيتي، وقد تقدمت ترجمته لما أنشدته هذا البيت والذي قبله، بعد حفظي لهما من المصنف بحماة: لو عزا أحد هذين البيتين إلى الجان ما شككت في قوله. وبيت بديعيتي:
1 يس: 36/ 20.
2 مدامًا: خمرًا أديمت في دنانها وعتقت وهي أجود الخمرة.
3 عطفيه: جانبيه - شمول: رياح شمالية.
4 هام: منصب انصبابًا - هامل: منسكب بغزارة وديمومة. سرب: يتبع بعضه بعضا - الأضم: الأذى - وضم: كل ما يوضع عليه اللحم من خشب أو حصير أو مائدة الطعام.
5 الأكم: جمع مفرده أكمه وهي التلة الملتفة الأشجار.