الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس
(المصدر الثاني لليهودية: التلمود)
تعريف التلمود، ونشأته، ولغته، ومحتواه، ومنزلته عند اليهود
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين أما بعد:
وقفتنا هذه حول المصدر الثاني من مصادر اليهودية ألا وهو التلمود:
فما هو التلمود؟ وما اشتمل عليه، وهل هو تلمود واحد أم أكثر؟ نشير إلى بعض الحقائق حول هذا التلمود الذي كان مخفيًّا حينًا من الزمان، والذي لا يعرفه كثير من الناس.
فأقول بادئ ذي بدء: قد علمت أن الأسفار المقدسة عند اليهود ليست هي التوراة وحدها، بل هذا التلمود كتاب مقدس آخر يعتبرونه في منزلة لا تقل عن منزلة التوراة، بل على العكس من ذلك هو أرقى، وأقدس في نظر اليهود من التوراة.
هذا الكتاب هو التلمود، والتلمود اسم مأخوذ من كلمة لامود العبرية، ومعناها تعاليم، وبهذا كان التلمود هو الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية، وهو الذي يفسرها ويبسطها، التلمود لغة؟ كلمة عبرية مأخوذة من كلمة لامود، والتي تعني في العربية تعاليم، واصطلاحًا هو الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية، وهو الذي يفسرها ويبَسَّطُهَا.
ويرى اليهود: أن نص التلمود مقدس، وموحى به من عند الله تعالى، ويذكرون أن الله تعالى قد خاطب به موسى عليه السلام ويستدلون على هذا بما جاء في سفر الخروج حيث جاء:"وقال الرب لموسى: "اصعد به إلى الجبل وكن هناك، فأعطيك لوحي الحجارة، والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم" سفر الخروج الإصحاح الرابع والعشرون الفقرة 12.
يقول "سيمون بن لاكيس": هو حاخام يهودي وضع تفسيرًا للتوراة في تفسير هذا النص: إن المراد من الألواح الوصايا العشر، والشريعة هي القانون المكتوب المنسوب إلى الأنبياء والوصايا هي التلمود، أو المشناة أي: أصل التلمود قبل شرحه، ويتشهد بلفظة كتبتها على قداسة نص التلمود، وأنه من كتابات موسى المقدسة، وأما لفظة لتعليمهم، فتفيد قداسة شروح التلمود المسماة بالجمارة؛ لأن الشروح تأتي أثناء التعليم، وسواء صح هذا التفسير أم لم يصح؛ فإنه يدل على إيمان اليهود بقداسة التلمود".
وهم يرون: أنه ظل يتنقل شفاهةً منذ عهد موسى عليه السلام جيلًا بعد جيل حتى عرف بالقانون الشخصي المتداول مع العهد القديم القانون المكتوبـ، ويدعي اليهود أن التعاليم الشفوية انتقلت من موسى عليه السلام إلى "جوشو وهذا نقله إلى الشيوخ السبعين، وهم نقلوه بدورهم إلى الرسل الذين نقلوه إلى كبير اليهود، وأخذ يتنقل بين عدد من الرابيين مشافهة حتى تمت كتابتها.
وفي خلال القرن الثاني الميلادي لوحظ أن معرفة اليهود بدأت تتناقص كما أن التلمود القانون الشفهي أخذ يندثر، ويدخل في عالم النسيان، وأيضًا فإن الشعب اليهودي نفسه أخذ يتشتت في الأرض في هذا القرن ظهر الرابي "جيهوزا" الملقب بالقديس والأمير، ولاحظ هذا الوضع فسعى إلى معالجتها للحفاظ على
القانون الشفهي بمبادرته إلى جميع اللوائح المشار إليها في كتاب سماه (مشناة) أي: القانون الثاني، أو القانون المساعد.
وقد احتوى هذا الكتاب على ستة أجزاء رئيسة، وعلى هذا يكون التلمود هو القانون الشفهي، و (المشناة) هي الكتاب التلمودي المدون، وقد اعتمد اليهود المشناة على أساس أنه المرجع الرسمي الموثوق به، والتعبير الصادق عن قانونهم؛ ولذلك تم توزيعه مكتوبًا على الأكاديميات اليهودية في كل مكان فيه أقليات يهودية، واهتمامًا بكتاب المشناة أخذ رجال القانون اليهودي في شرحه، وإقامة المناظرات حوله، والاجتهاد في استخراج أحكام جديدة منه، وحتى لا يضيع هذا الجهد كان يكتب، ويدون مع المشناة، وسمي المكتوب بالجمارة.
وعلى هذا فقد كونت المشناة، والجمارة كتابًا واحدًا هو التلمود على اعتبار أن المشناة هي القانون الثاني المكتوب والجمارة هي تحرير لآراء اليهود وشروحهم المتصلة بالمشناة، وإن لم تتناول كل المشناة لكنها اعتبرت جزءًا من التلمود؛ لأنها صدرت من مدارس يهودية لا من فرد واحد، وقد اشتهرت مدرستا بابل والقدس مع الجمارة حتى ظهر التلمود بنسختين، هما: تلمود بابل، وتلمود القدس أورشليم، كما ضم شروحًا أخرى، وتعليقات كذلك للرابي "أشعيا" و"أشير" و"البيسك توسيفوث".
ماذا عن تلمود القدس وتلمود بابل؟
أدى اهتمام مدرسة القدس، ومدرسة بابل بالمشناة إلى وضع شرحين لها؛ وبالتالي ظهر تلمود القدس، وتلمود بابل،
ويعرف تلمود القدس بتلمود فلسطين أو أورشليم، وقد تم جمعه سنة أربعمائة ميلادية بعد تعرض اليهود للاضطهاد والتشريد، ولا تعني تسمية التلمود أنه من وضع علماء القدس.
بل إن الواقع يؤكد أن علماء قيسارية هم الذين قاموا بتدوينه بشكل رئيسي، وكان الحاخام "يوحنان" على رأس القائمين بأمر تدوين هذا التلمود، وقد أسهم عدد قليل من علماء القدس مع علماء قيسارية؛ لذلك كانت نسبة التلمود إلى القدس نسبة مجازية، وقد طبع تلمود القدس لأول مرة في البندقية سنة ألف وخمسمائة وثلاثة وعشرين من الميلاد، وتوالت بعد ذلك الطبعات المتعددة بلغات كثيرة، ولغة التلمود هي العبرية، وتشغل القصص والحكايات الخرافية ما يقرب من ربع التلمود.
أما تلمود بابل: فقد تم تدوينه خلال مدة طويلة بدأت سنة أربعمائة من الميلاد حيث قام الرابي "آشي" بتدوين تلمود بابل، واستمر التدوين إلى القرن الثامن الميلادي حيث أتم الأحبار هذا التلمود، ووضعوا له الصورة النهائية، وقد تعرض تلمود بابل للحرق والتحريف من أعداء اليهود، وبخاصة في العصور الوسطى يوم أن كان المسيحيون يشعلون النيران أحيانًا في العربات المحملة بالتلمود المطبوع والمخطوط.
وقد طبع تلمود بابل عدة مرات، وترجم إلى اللغات العالمية الرئيسية، وفي هذا التلمود من القصص والحكايات ما يشغل ثلثه هذا، ويفترق تلمود بابل عن
تلمود القدس في الكم والكيف، فتلمود القدس يبلغ ثلث تلمود بابل، وينقصه العمق المنطقي، والشمول الجامع اللذين يمتاز بهما تلمود بابل، وتلمود القدس دون بالعبرية، وتلمود بابل لغته آرامية شرقية.
كان هذا تعريفًا عن التلمود لغة واصطلاحًا، ومن حيث نشأته ولغته، ونوعيه تلمود القدس وتلمود بابل، ما هو محتوى التلمود؟ وما هي منزلته عند اليهود؟
أشير إلى منزلة التلمود في نظر اليهود قبل الكلام عن محتواه؛ فأقول: تزعم اليهود أن التلمود كتاب منزل من عند الله مثل التوراة، ومنهم من يفضله عليها، وقد ورد في صحيفةٍ من التلمود أن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق عليها مكافأة.
ومن درس التلمود: استحق أحسن الجزاء، ومن احتقر أقوال التوراة؛ فلا جناح عليه، ومن احتقر التلمود استحق الموت، وجاء في التلمود: أن الله قد أعطى الشريعة، وهي التوراة على طور سيناء، وأعطى على يد موسى الكليم التلمود شفهيًّا حتى إذا حصل فيما بعد تسلط أمة أخرى على اليهود يوجد بينهم وبين الوثنيين.
وقال أحد الحاخامات: "التفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى". وقال الرابي مناحم: "إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء".
وفي كتاب اليهودي "كرافت" المطبوع سنة ألف وخمسمائة وتسعين من الميلاد ما يأتي: "اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء فهي كالشريعة، وهي مثل قول الله الحي، فمن يجادل حاخامه؛ فكأنه يجادل العزة الإلهية" وقد أمر مؤلفو التلمود بما يأتي.