الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نال كتاب الموتى اهتمام علماء الآثار والأديان لخطورة موضوعه، إلا أنه لم يطبع كله، فلقد طبعت أجزاء كثيرة منه تحت اسم نصوص التوابيت أو نصوص دينية أو نصوص مصرية، وهكذا، وعلى الجملة فهذا الكتاب يعد مصدرًا هامًّا لدراسة عقائد المصريين القدماء، وبخاصة في إيمانهم بالآخرة وبالحساب فيها.
رابع المصادر: نقوش الأحجار، كلما اكتشف العلماء أثرًا عمرانيًّا، يجدون أنفسهم أمام سيل من المعلومات عن الحضارة والعقيدة المصرية مكتوبة ومصورة، وما تزال الاكتشافات تتوالى كل يوم.
إن العقل البشري يقف مبهورًا أمام ما تركه المصريون القدماء، ويعجب أكثر للطريقة التي سجلوا بها عقائدهم وأفكارهم، وتمكنوا بها من تقديم أنفسهم للناس بعد زمان طويل في قوة وروعة وجلاء. هكذا عرفنا مصادر الديانة المصرية القديمة، فما هي أهم معتقداتها؟.
أهم معتقدات المصريين القدماء
عقائد القدماء المصريين:
يتبين لنا من المصادر السابقة الجوانب الرئيسة في عقيدة قدماء المصريين، وهي:
أولًا: عقيدة التوحيد، حيث آمن المصريون القدماء بالإله الواحد الخالق المحيط بالناس رب الدنيا والآخرة، وقد عرفت عنهم هذه العقيدة قبل الميلاد بأربعين قرنًا، يوم أن كانت مصر مقسمة إلى ولايات كثيرة متصارعة، فلقد عثر على نص يرجع تاريخه إلى القرن الرابع والثلاثين قبل الميلاد، يبين عقيدة التوحيد جاء فيه:
إن بِتاح صاغ وحدانيته بنفسه، وكل كلمة ربانية إنما تخرج إلى الوجود بتفكيره، إنه الذي صاغ الأجسام والصفات، إنه هو الذي خلق كل الأطعمة وكل
الضحايا بالكلمة. إنه الذي يسبب لكل خاتمة أن تخرج، وأنه هو اللسان الذي يعلن عن أفكار القلب، إنه هو الذي خلق كل عمل وكل صنعة تصوغها الأيدي، ومشي الأقدام وحركة كل عضو تبعًا لأمره، عن طريق تفكير القلب الذي يتحقق باللسان، ودلالة هذا النص الذي عثر عليه في قطعة منفيس، الذي نقشه الملك "شِباكو" تدل على عقيدة التوحيد واضحة.
وفي طيبة وجد نشيد ديني يتعلق بتسبيح الإله "آمون" جاء فيه: أول من جاء إلى الوجود في الأزمان الأولى آمون، لا إله أتي إلى الوجود قبله ولم يكن معه إله آخر، ليس له أم وليس له أب، وهو من العظمة بحيث يجب أن يسأل الناس عنه، ومن القوة بحيث ينبغي أن يعرف، كل الآلهة ثلاثة: آمون، ورَع، وبتاح، ولا تالي بعده، الخفي اسمه آمون هو رع في وجهه وبتاح في جسده، ترجم عن ولسن في تاريخ النص يرجع إلى سنة ألف وثلاثمائة وواحد وعشرين قبل الميلاد.
وفي القرن الرابع عشر قبل الميلاد يتولى الملك "أخناتون" عرش مصر الموحدة، وينشط في دعوة الناس إلى الإيمان بإله واحد، هو خالق كل شيء وهو المحيي والمميت، ومن أناشيد كهنة أخناتون وهم ينادون الإله قولهم: ما أعظم أعمالك أيها الإله، إنها خافية عن جميع البشر، أيها الإله الواحد الذي لا إله سواه. أنت خلقت الأرض حسب مسرتك. قد خلقت الجلد البعيد لتشرق منه بوجهك لكي ترى عيناك كل ما صنعت يداك. الأرض كلها بين يديك، لذلك أنت الذي صنعتها، فعندما تشرق تحيا الخلائق، وعندما تغيب تموت؛ لأنك أنت مصدر الحياة، وجميع الناس بك يحيون.
وقد تصور البعض أن أخناتون هو أول من دعا إلى التوحيد في مصر القديمة، لكن النصوص المحفوظة في الآثار، خير شاهد على أن التوحيد وجد في مصر قبل
أخناتون بعشرين قرنًا على الأقل، ويلاحظ أن توحيد المصريين يتضمن الإيمان بأن الإله خالق كل شيء، وفق قدرة عاقلة حكيمة، كما يتضمن الإيمان بضرورة وجود مناسك وطقوس يؤديها الإنسان لله، وقد أورد الدكتور أحمد الحيني عددًا من المواعظ في أزمنة قديمة مختلفة ومتباعدة، للدلالة على ذلك.
إن هذا التوحيد رغم صفائه ووضوحه، وبعده عن الشرك والإلحاد، ورغم ثبوته بأدلة قوية رغم ذلك توجد آلهة عديدة تدور حولها الأساطير الكثيرة، أنزلها المصريون منزلة عظيمة ومقدسة، ومن هذه الآلهة رع إله الشمس واهب الدفء، ومصدر النور، وآمون الإله المستتر. أوزوريس إله الحب والتعاون والسلام، وتُحوت إله العلم والحكمة. وإيزيس إله الحياة.
ووجود هذه الآلهة وغيرها يدفعنا إلى سؤال بدهي وهام، يدور حول اجتماع التوحيد والشرك معًا في مصر القديمة. إن النصوص المصرية الثابتة لم تحل هذا التناقض، ومع ذلك فحله ليس بالأمر الشاق أو المستحيل؛ لأن من الممكن أن التوحيد كان للخاصة والشرك كان لغيرهم، أو أن الشرك مرحلة تالية للتوحيد أو العكس، أو أن الأسماء المختلفة تدور حول إله واحد، يسمى بما يوصف به، أو أن اختلاف الأقاليم أدى إلى تعدد اللغات مما جعل الاسم يختلف، وإن كانت حقيقة المسمى واحدة، أو أن حال المصريين كان كحال العرب في جاهليتهم، حيث كانوا يوحدون في الربوبية ويشركون في الألوهية، تلك كلها احتمالات ظنية ممكنة في تفسير هذه الظواهر.
لكن الإنصاف يجعلنا نكتفي بمجرد الوصف، تاركين الترجيح بين هذه الاحتمالات الآن؛ لأننا لا نستطيع أن نعرف ماذا يدور بِخَلَد المصري القديم، وفيما يفكر عندما كان يسمع كلمة معبود، وعلى أي نحو كان يتمثل في خياله،
وكنه الصورة التي كانت تتمثل لدى القروي ولدى المدني ولدى رجل الدين، وهل كانت جميعًا واحدة وفي مستوى واحد، أو كانت مختلفة. إن معلوماتنا مأخوذة من أوراق البردي ومن نصوص الأهرام، ومن سائر الكتابات، وهي أوثق شيء لدينا حتى الآن، وهي الدليل عند العلماء على ما ذهبوا إليه.
ومن ثم لا نستطيع تفسير هذه الظواهر بدقة، وإن كنا نستطيع تصور التوحيد ومعرفة أسماء الآلهة الكثيرة، وما يدور حولها من الأساطير، وعلى الجملة فإن المصريين عرفوا التوحيد وعبدوا الآلهة المتعددة، فاجتمع لديهم التوحيد والشرك، وقد أوردت ما يدل على التوحيد عندهم، وكذلك ما يدل على تعدد الآلهة، وقد عُلِمَ أنه شاعت في مصر القديمة عبادة الطواطِم، التي يراد بها عبادة الحيوانات، كعبادة الصقر والنسر والقط والنسناس والجُعل والتمساح، وغير ذلك من فصائل الحيوانات وهي بقايا طَوْطَمية تحولت مع الزمان إلى رموز.
كما شاع عند المصريين القدماء عبادة الأرواح أو عقيدة الأرواح، فكان المصريون من أعرق الأمم التي آمنت بالبعث والثواب والعقاب بعد الموت، فكانوا يؤمنون بالروح ويجعلونها في صورة زهرة أو طائر له وجه آدمي، وتارة في صورة تمساح أو ثعبان، وقالوا: إن الروح تتشكل بجميع الأشكال، ولكنهم لم يقولوا بتناسخ الأرواح.
وأما أثبت العبادات وأعمها وأقواها وأبقاها، فهي عبادة الموتى والأسلاف دون مراء، ومن هنا كانت عناية المصري بتشييد القبور، وتحنيط الجثث وإحياء الذكريات التي لا تفوقها عناية شعب من الشعوب، وقد بقيت آثار هذه العبادة إلى ما بعد بزوغ الديانة الشمسية وعبادة الشمس، وكذا عبادة البشر متمثلة في أوزوريس وإيزيس وحوريس، ويبدو أن المصريين قد بذلوا الكثير من الجهد
والمال والوقت والفكر في سبيل عقيدة عبادة الموتى والأسلاف، والإيمان بالحياة بعد الموت وبالثواب والعقاب، حتى أقاموا لموتاهم هذه المقابر، وشيدوها بهذه الصورة، وأسسوها على هذا النحو الخاص، وحنطوا فيها أمواتهم ووضعوا الأدوات التي يستعملونها في أماكن لا تنالها عوادي الزمن، وفي ظروف لا تسمح للصوص بسرقة شيء من هذه الأدوات.
فتطور الاحتياط حسب التقدم الحضاري للمصريين، منذ كانوا يسكنون وادي النيل ويعيشون كصيادين بدائيين، ويدفنون موتاهم ومعهم أسلحتهم، وأواني مأكلهم ومشربهم، فلما تقدم الزمن وصار لهم ملوك وحضارة زاد ما كانوا يدفنونه مع موتاهم، فزادت عنايتهم واحتياطاتهم، فبنوا المقابر الضخمة ووضعوا فيها الأثاث الجنازي الكثير.
ثانيًا: في عقائد المصريين القدماء: الإيمان بالحياة في الآخرة، حيث آمن المصريون القدماء بالحياة بعد الموت، على أساس إيمانهم بأن الروح لا تفنى بالموت ولا تذهب بذهاب الجسد؛ لأن الموت في نظرهم عبارة عن مجرد مفارقة الروح للجسد.
وحتى يضمنوا عودة الروح لجسدها مرة أخرى بعد الموت، فقد بذلوا جهدهم في العناية بالأجساد وتحنيطها، ووضعها في توابيت قوية ومقابر ضخمة، وبالغوا في إخفائها، حتى لا يعتريها أمر يضيعها أو يضعفها، وبذلك تكون مستعدة لاستقبال الروح والعيش في السلام الكامل، وفي الحياة الآخرة آمن المصريون بالدينونة بين يدي الآلهة، ولذلك اهتموا بوضع كتاب الموتى مع الميت؛ ليعينه في اجتياز الحساب ودخول الجنة.
وقد بينت النصوص عقيدة المصريين في الروح والحساب والخلود، ووضحت مدى اعتمادها على الصور الحسية الدنيوية، فهم يعتقدون أن الروح بعد الموت
تتجه إلى الوادي السحيق، حيث يوجد بوسطه نهر الدينونة الرهيب، والوادي على شكل نصف دائرة، ممتدة على جوانبه التلال والجبال، وامتلأ من داخله بالهوام والوحوش.
إن الوادي مقسم إلى اثنتي عشرة منطقة، وهو ممتلئ بالأفاعي والثعابين والوحوش الضارية، ولا ينجو من هذه الآلام إلى الأرواح التي تسلح أصحابها بأعمال البر والخلق القويم.
وفي الوادي توجد محكمة الموت المعروفة بمحكمة أوزوريس، وعدد قضاتها اثنان وأربعون قاضيًا، يتوسطهم أوزوريس جالسًا فوق منصة تعلو تسع درجات، وتمثل الروح أمام المحكمة، وتنهال عليها الأسئلة: هل مجدت الآلهة؟ هل ارتكبت جريمة ما؟ هل نطق لسانك بالكذب وشهدت بالزور؟ هل غدرت بجارك؟ هل أحببت قريبك كنفسك؟ فترد على ما يوجه إليها من أسئلة وتقول: هأنذا أعاين جمالك ولم أرتكب الظلم في الناس، لم أقتل ولم أأمر بالقتل، لم أكذب ولم أذكر أنني خنت أحدًا، لم أعص الأوامر الإلهية ولم أحرض أحدًا على رئيسه، ولم أُجوع أحدًا، ولم أطفف كيل القمح، ولم أغش في قياس الذراع وفي حد الحقل، ولم أضغط على قَب الميزان، فأنا نقي نقي نقي.
وبعد ذلك يكون القضاء، وهي لحظة شاقة تنتظرها الروح لتعرف مصيرها في الآخرة، وهل ستكون من المقبولين الفائزين أم تكون من المحرومين المعذبين. إن الجنة هي جزاء المقبولين والعذاب جزاء المحرومين، وكلاهما في صورة حسية مادية على نمط تصور المصريين للحياة الأخروية بشكل عام. هذا وللعلماء في نشأة وتطور عقيدة المصريين آراء، حيث يتفق العلماء جميعًا على ظهور التوحيد في مصر القديمة، كما يتفقون على وجود الآلهة المتعددة فيها أيضًا، إلا أنهم
يختلفون في تفسير نشأة كل من التوحيد والتعدد، وفي أيهما الأسبق وفي الصلة بينهما، ولذلك نراهم ينقسمون إلى ثلاثة اتجاهات هي:
الاتجاه الأول: يذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن الدين ظهر عند المصريين القدماء على سنة التطور الفكري، حيث بدأ بدائيًّا ثم أخذ في الترقي شيئًا فشيئًا، حتى وصل إلى عقيدة التوحيد، ويرى هؤلاء العلماء إلى أن تحول المصري القديم من الصيد إلى الزراعة، جذب انتباهه إلى البحث عن سر تحول الحبة بعد بذرها في الأرض إلى نبات أخضر مثمر، يمثل صورة الكائن الحي في التكاثر والنماء والتغذية والإخراج، وقد أدى هذا إلى الاعتقاد بوجود إله، هو روح هذه الحياة الخضراء حيث يحفظ لها استمرارها وتجددها، وسمى المصريون هذا الإله باسم أوزوريس.
ومن الزراعة نفسها أدرك المصريون ما في ماء النيل من أثر قوي على استمرار الخضرة وازدهارها، فاعتقدوا بإله النيل وأسموه حورس، ومن البيئة التي عاشها المصريون أدركوا أهمية الشمس، واعتقدوا بوجود إله يعرف بإله الشمس هو رع، وهكذا يفسر هؤلاء العلماء نشأة الآلهة المصرية، إذ يرونها ترتبط بالظواهر الطبيعية، التي أوحت للإنسان باختراع عقيدة معينة مرتبطة بالآلهة معينين، لهم أثر واضح في معاشهم ونشاطهم، ويرى العلماء أن هذه المرحلة البدائية مرت بطورين:
أولهما: تأليه المظهر الطبيعي ذاته.
وثانيهما: تأليه الروح التي يرمز لها المظهر الطبيعي، وقد قوي تأليه الروح حينما انتشر بين المصريين الإيمان بالروح، التي تسكن كل كائن موجود لاعتقادهم بوجود روح في كل شيء. وقد ساعد على نمو العقيدة ورقيها عند المصريين وجود
كهنة متفرغين للوعظ والعبادة، وخدمة الآلهة، ومن صور النمو الديني: شعور المصريين بأن بعض آلهتهم عالميون، كإله الشمس وإله الحياة، وإحساسهم بأن سلطان هذه الآلهة يمتد لما بعد الموت، وأنه فوق سلطان البشر، واهتمامهم بالتراتيل والأناشيد الدينية والتعاويذ حفظًا وكتابة.
وقد أدى هذا النمو في مرحلة ما إلى تسليم المصريين بأن بعض الآلهة أكبر من بعض آخر، وهذا دفعهم إلى الإيمان بالآلهة الأكبر، ثم كان الترقي في النهاية إلى معرفة المصريين للتوحيد، والإيمان بوجود إله واحد أعلى مما عداه له عدة أسماء تبعًا للهجات الإقليم، وتعدد اللغات وتبعًا للصفات التي يتصف بها. وأصحاب هذا الاتجاه يرون العقيدة من صناعة المصريين بصورة كلية، ويُرجعون جميع صورها إلى العقل الإنساني والصناعة البشرية المجردة.
وقد ذهب إلى هذا الاتجاه في تفسير العقيدة المصرية عدد كبير من العلماء، وعلى رأسهم الأستاذ عباس العقاد في كتابه (الله) والدكتور عبد المنعم أبو بكر في كتابه (أخناتون) والأستاذ جيمس هنري برستد في كتابيه (تطور الفكر والدين في مصر القديمة) و (انتصار الحضارة) والأستاذ حبيب سعيد في كتابه (أديان العالم).
أما الاتجاه الثاني، فيذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن العقائد البدائية التي ظهرت في مصر القديمة من اختراع العقل، إلا أنها سرعان ما تأثرت بالتعاليم التي جاء بها الرسل، مما جعلها تقف على التوحيد الإلهي الصحيح، الذي تأثر بعد مدة بالتفكير البشري، وداخلته بعض العقائد القديمة، الأمر الذي أبعده جزئيًا عن صفاء التوحيد والدعوة الإلهية، وهؤلاء العلماء لا يسلِّمون بوجود التوحيد خالصًا في مصر، بل يؤخذون عليه ارتباطه بالشمس أو بإله الآلهة، البادي في صورة ملموسة حيث يسكن القصور ويأكل ويشرب.
ويفسرون ذلك بتأثر المصريين ببعض العقائد السماوية، وبصورة خاصة تلك الرسالات التي عاشت فترة بينهم، كرسالة إبراهيم ويوسف وموسى -عليهم الصلاة والسلام. وهؤلاء العلماء لا يرون الدين الصحيح صناعة بشرية، ويؤكدون أنه لا يكون إلا بالوحي المنزل على رسول من رسل الله تعالى، ويذهب بعضهم إلى أن الدين الصحيح جاء لسائر الأمم داعيًا للتوحيد الخالص والنظام المستقيم، استنتاجًا من الحقيقة القرآنية الواردة في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24).
وهو بهذا يرى أن المصريين عاشوا بالضرورة مع رسالة سماوية صحيحة، وبعد ذلك أتاهم التحريف والتغيير، فانحدروا من التوحيد إلى التعدد إلى الوثنية، وهكذا كان تغير الدين في مصر القديمة نحو الهبوط، ولم يكن صعودًا دائمًا، وأصحاب هذا الاتجاه لا ينفون عن الدين المصري مروره في المرحلة البدائية، بل يذكر بعضهم أنها ظهرت قبل التوحيد الصحيح. (الإنسان في ظل الأديان)(معتقدات الأديان القديمة) للدكتور عمارة نجيب.
أما الاتجاه الثالث فيذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى أن الدعوات الإلهية الصحيحة، ظهرت في مصر، إلا أنهم يذهبون إلى تحديد الدعوات، التي كلف المصريون بها، إذ يذهب بعضهم إلى أن إدريس عليه السلام هو رسول الله المرسل إلى المصريين القدماء، حيث يقولون: ولد إدريس عليه السلام بمدينة إدفو من أعمال الصعيد حيث رحل إليها أهله.
وقد ذكر المؤرخون أنه عاش يدعو المصريين إلى عبادة الله وتوحيده، وتنزيهه عن كل شرك كما دعا إلى المحبة والزهد والعدل والإحسان، ومن المعلوم أن إدريس عليه السلام من رسل الله الذين أرسلوا مع بداية حياة الآدميين على الأرض، وبذلك
تكون العقيدة المصرية بدأت بالتوحيد الخالص ثم انحدرت إلى الشرك وتعدد الآلهة.
ويستدل الأستاذ محمد الهاشمي على أن البدء كان بالتوحيد الخالص الموحى به من عند الله، بما رآه العالم الأثري مانيتون استنتاجًا من الآثار المصرية القديمة؛ إذ يؤكد على أن هناك أنبياء ورسلًا أرسلوا إلى مصر، ويستدل كذلك بقول العلامة ماسبيرو:"وكان إله المصريين الأول عالمًا بصيرًا يدرِك ولا يدرَك، موجودًا بنفسه حيًّا بنفسه حاكمًا في الأرض والسموات، فهو أبو الآباء وأم الأمهات لا يفنى ولا ينضب أبدًا".
وبعد التوحيد أخذت الديانة المصرية تتطور تنازليًّا إلى عبادة آلهة ثلاثة ثم إلى تسعة، وهكذا زادت شيئًا فشيئًا، حتى وصلت إلى ما يقرب من المائة. أستاذ محمد فؤاد الهاشمي في كتابه (الأديان في كفة الميزان).
ولم تكن محاولة أخناتون في الدعوة إلى التوحيد؛ إلا لأنه قرأ شيئًا فشيئًا عن التراث الديني القديم وتأثر به، وأراد نشره في الناس، ولذلك كان توحيده مشوبًا بصفات البشرية وسماتها، وذهب آخرون إلى أن التوحيد الذي ظهر في مصر منقول من دعوة داود عليه السلام الذي أرسل لبني إسرائيل.
ويستدل على ذلك بأن التوحيد المصري الذي أعلنه أخناتون ظهر بعد دعوة داود عليه السلام مباشرة، وأيضًا فإن بعض أنشودة أخناتون للإله آتون تتشابه مع الفقرات من عشرين إلى ثلاثين من المزمور رقم مائة وأربعة من العهد القديم، مما يدل على اتفاق إلى حد كبير بين الأنشودة وفقرات المزمور المشار إليها، بل اتحدتا في ترتيبهما.
وهذا يؤكد أن الأنشودة التي يقولها أخناتون أُخذت من المزامير، مما يرجح أن دعوة أخناتون للتوحيد هي دعوة المزامير التي رتلها داود عليه السلام. وأمام الوحدة في المعنى والترتيب لا يمكن القول بأن هذا مجرد مصادفة، أو أنه خواطر تواردت لطول الفقرات وكثرة المعاني؛ لأن المصادفة لا تتكرر والخواطر لا تلتقي في مسيرة فكرية طويلة، والأمر لا يزيد عن أن أحدهما مأخوذ من الآخر.
مما دفع بعض العلماء إلى القول بأن توحيد أخناتون منقول من دعوة داود عليه السلام. وبتصوير هذا الرأي نكون قد بينا المذاهب الثلاثة في تفسير نشأة الدين عند المصريين، وتطوره بينهم.
ويلاحظ أن الاتجاهين الثاني والثالث متقاربان؛ لاعتمادهما على القول بضرورة أن يكون التوحيد دعوة إلهية، نزل الوحي بها، وليس بينهما من خلاف سوى أن الاتجاه الثالث يذهب إلى تحديد الرسل ورسالاتهم، بينما اكتفى الاتجاه الثاني بوضع القضية في إطار مبدأ عام، تاركًا التفاصيل لمكتشفات المستقبل وتقدم وسائل البحث العلمي.
أما الاتجاه الأول فهو مع الأخيرين على طرفي نقيض، وبالنظر في كل ما ذكرته عن دين المصريين القدماء، نتبين دقة المعلومات التي فهمت من الكتابات المكتشفة؛ لأن عدم معرفة اللغة الهيلوغريفية صرف الناس عن العبث بما كتب، فلم يتصوروها سوى نقوش خالية من أي معنى، وأيضًا فإن نقشها في باطن الصخور وفي الجدران الداخلية للمقابر، ساعد على حفظها وعلى عدم تأثرها بالطبيعة، وهذا يدفع إلى التصديق بما تدل عليه.
إلا أن الباحث في الأديان ينبغي أن يكون حذرًا، إذا أراد الوصول إلى تصور كلي وتام لعقيدة قدماء المصريين، والسبب في هذا أن بعض الآثار لم يكتشف بعد،
وبعضها تعرض للضياع بفعل الأرض أو بفعل الإنسان، ويكفي أن نعرف أن بعض الناس اتخذ من سرقة الآثار وبيعها مهنة له، ومع الحذر فإن ما اكتشف وما أَجهد العلماء أنفسهم في ترتيبه كافٍ لأنْ يوجهنا إلى معرفة ما كان عليه قدماء المصريين، وقد سبقت الإشارة إلى أساسيات العقيدة المصرية، واشتمالها على توحيد الله، وفي ذات الوقت على تعدد الآلهة، مما جعل العلماء يذهبون في تفسيرها إلى المذاهب الثلاثة التي أشرت إليها، وأمام هذه المذاهب نقف قليلًا متأملين لنرجح الأقوى من بينها.
إن الاتجاه الأول قائم على أساس التطور في العقيدة، وقد سبق الرد عليه عند الكلام عن هذه القضية، مع ما عليه من جملة مآخذ، وهي دخول التصور الذهني والتخمين الخيالي، مع ما تدل عليه النصوص، وهذا لا يجوز، لجواز أن تُظهر المكتشفات عكس المتخيل، كما أن التخيل بلا دليل لا يجوز مطلقًا فكيف به في تفسير العقائد.
كذلك القول بالتطور يعني أن الصورة الأولى للعقيدة كانت بدائية، ثم أخذت في الترقي شيئًا فشيئًا، وهذا غير موجود عند قدماء المصريين؛ لأن النصوص تدل على أن الإيمان بالله الواحد، والإيمان بأنه الخالق المحاسب للناس بعد الموت ظهر في الأزمنة الموغلة في القدم، وقد سبق إيراد نصوص ترجع إلى القرن الرابع والثلاثين قبل الميلاد.
أيضًا القائلون بالتطور يرون أن مرحلة التوحيد مرتبطة بعقل الإنسان المحدود بالبيئة والزمان والثقافة، ومحال أن يتمكن هذا الإنسان من تصور الله بصفات الكمال الواجبة له، بينما نرى وصول المصريين إلى صفات الكمال التي تتصف
بها الذات الإلهية، والقائلون بالتطور لا يؤمنون بالله الذي جاءت به الأديان السماوية، ولذلك فهم يرون صفات الله مجرد تصورات عقلية بلا حقيقة واقعية.
بينما النصوص المكتشفة تدل على أن التوحيد في عقيدة المصريين القدماء، تعني الإيمان بالله المتصف بصفات مدركة بآثارها في الخلق والإبداع والرعاية والعون، ويدل مسار العقيدة عند المصريين على أن الأمر لم يكن يسير إلى الأرقى، وإنما الثابت أن العقيدة كانت تتجه إلى الانحدار والتقهقر، ويتخللها ومضات وحدة قوية، وهذا ما لم يقل به علماء التطور لأنهم يرون الترقي والتقدم إلى الأحسن.
من هذا نرى أن الاتجاه الأول في تفسير نشأة وتطور عقيدة المصريين ليس دقيقًا، ولا يسلم به عقل علمي صحيح، أما الاتجاهان الثاني والثالث فكلاهما يعتمد على أن التوحيد هو دعوة رسل الله تعالى، التي نزل الوحي بها من عند الله تعالى، وأمام ما بينهم من خلاف، فإننا نرى أن الأولى هو ترجيح الرأي القائل بأن التوحيد الموحى به تجاه المصريين، في أقدم عصورهم من غير تحديد رسالات أو رسل معينين لما يلي:
الأول: تأكيد الله تعالى في القرآن الكريم بأن سائر الأمم جاءها رسول من عند الله، لدعوتها إلى التوحيد ودين الله، وذلك في قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (فاطر: 24) والمصريون أمة من الأمم، بل إنهم أسبق من غيرهم، لدرجة أن من العلماء من يرى أن المنطقة التي عمرت في الكون أولًا هي مصر، وتبعًا لهذا يمكن القول بمجيء رسول إلى المصريين منذ القدم.
بل إن العقل يسلم بنزول عدد من الرسل في مصر يدعون للتوحيد على فترات، فكلما غابت رسالة تأتي أخرى وهكذا، ولعل هذا يفسر ظهور دعوة التوحيد في فترات مختلفة على امتداد التاريخ المصري القديم.
الثاني: القول بتحديد أسماء الرسل يلزمنا بالدليل على ذلك، وبتعريف سائر الرسل الذين أرسلوا لمصر، بينما ذلك لم يذكره أحد ولا يستطيعه؛ لأن التعريف بالرسل لم يرد إلا في الكتب المقدسة، وهي لم تتناولهم جميعًا حيث يقول تعالى في القرآن الكريم:{مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (غافر: 78).
الثالث: القول بالتوحيد الموحى به، يفسر ظاهرة وجود تعدد الآلهة بجانب التوحيد، حيث آمن البعض بالتوحيد وكفر آخرون، وتلك قضية مسلمة أكدتها البشرية مع سائر دعوات الله تعالى.
الرابع: تحديد الرسالة بإدريس عليه السلام أو بداود عليه السلام يدفع إلى التسليم بخلو مصر من التوحيد قبل وبعد هذا الرسول أو ذاك، وذلك غير صحيح حيث ظهر التوحيد في حياة المصريين فترات عديدة.
الخامس: القطع بأن دعوة أخناتون جاءت بعد داود عليه السلام غير مسلم به، فمن علماء الآثار من يذهب إلى أن دعوة أخناتون ظهرت قبل داود بوقت طويل، وفقرات المزمور مأخوذة من النص المصري، وهذا لون من تحريف التوراة.
السادس: القول بالرسالات من غير تحديد لا يتعارض مع القول بإرسال رسول معين، وتحديد مسماه؛ لأن ثبوت ذلك يؤكد أنه واحد من رسل الله تعالى، بينما التحديد يمنع من احتمال إرسال ما لم يرد في التحديد، وعلى الجملة فإن التوحيد ظهر في مصر القديمة، وبلغه رسل الله تعالى، وهذا الذي نرجحه ونراه الأولى بالتسليم، والله أعلم.
وأما ما يقال عن التوحيد الأخناتوني، فليس توحيدًا بالمعنى الشرعي الصحيح؛ ذلك لأن أخناتون كان يعبد الشمس، والشمس ليست إلهًا إنما هي من جنس
الآلهة الباطلة والأرباب الزائفة التي عبدها الناس بعيدًا عن الوحي الإلهي المنزل، فأخناتون أراد أن يوحد المصريين وأن يقلل من عدد الآلهة التي تعبد، فجعلها في صورة الشمس.
ونحن لا نقول بأن عبادة الشمس ولو تفردت الشمس بالعبادة تكون توحيدًا، إنما هو توحيد الآلهة الكثيرة الباطلة في إله واحد باطل أيضًا، وهو عبادة الشمس، لكن التوحيد الحق هو الذي جاء في الرسالات السماوية، ومما يلاحظه الدارس لديانات العالم القديم أن أشد الأمم تدينًا هم المصريون القدماء، حتى لقد قال شيخ المؤرخين هيرودوت:"إن المصريين أشد البشر تدينًا، ولا يعرف شعب بلغ في التدين درجتهم فيه، فإن صورهم بجملتها تمثل أناسًا يصلون أمام إله، وكتبهم في الجملة أسفار عبادة ونسك".
ولقد كان لشدة تدينهم أن أدخلوا الدين في كل أعمالهم الخاصة والعامة، فالدين مسيطر حتى في الكتابة في الحاجات الخاصة، وفي الإرشادات الصحية، والواقع أن عقائد المصريين كانت تتخالف بتخالف الأقاليم، وكانت آلهتهم محلية، فكان لكل مدينة إله أو أكثر، بيد أنه يجب علينا أن نعتقد أن دعوات إلى التوحيد الخالص بعبادة إله واحد، فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، قد تواردت على العقل المصري.
ولقد ورد في القرآن الكريم ما يفيد أن يوسف عليه السلام وهو نبي كريم من أنبياء الله دعاهم إلى عبادة الواحد القهار، فلقد ورد في سورة "يوسف" ما حكاه الله تعالى من كلامه لصاحبي السجن، فقد قال حاكيًا عنه: {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 37 - 40).
من هذا الخبر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نحكم مستيقنين أن دعوة إلى التوحيد قد وردت للمصريين، فهذا يوسف عليه السلام وهو في السجن يدعو صاحبيه إلى الدين القيم، وهجر عبادة ما سموه آلهة، ولقد مكن الله ليوسف في أرض مصر، واستولى على خزائن الدولة وصار ذا سلطان مبين فيها، وهو رسول من رب العالمين، فلا بد أن يكون قد دعاهم جهرة إلى الدين القيم، ولا بد أن يكون قد أجابه منهم أناس ونكص عن الإجابة غيرهم.
ولعل أروع ما في العقيدة المصرية القديمة: اعتقادهم الحياة الآخرة وأنها الباقية بعد هذه الدنيا الفانية، فقد كانت الدنيا في نظرهم فترة قصيرة بعدها حياة لها أمد غير محدود، وقد قام اعتقادهم بالحياة الآجلة بعد هذه العاجلة على أساسين:
أحدهما: أن هذه الدنيا معترك يتنازع فيه الشر والخير، وكثيرًا ما نرى الشر ينتصر على الخير، فلو لم يكن هناك يوم كله للخير وكله على الشر، يحاسب المسيء على إساءته ويكافأ المحسن بإحسانه، ما استقام العدل الإلهي.
ثانيهما: اعتقادهم في النفس الإنسانية، فهم يعتقدون وجود نفس تنفصل عن الجسم، وإن كانت تحل فيه، وهذه النفس متصلة بالعالم الإلهي ما دام الإنسان على قيد الحياة، فإذا مات اتصلت به اتصالًا وثيقًا. وكان المصريون يعتقدون أيضًا أن الميت أو روحه في العالم الآخر، يحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء في الدنيا من طعام وشراب، وأن ما يقدم من ذلك في الدنيا يكون قربانًا على أرواح الأموات،
يفيدهم في الآخرة، ولذلك تكون روح الميت في أشد الألم إذا لم تقدم القرابين من طعام وشراب، وما إلى ذلك من مطاعم الأحياء في الدنيا إليها.
والحق أنه مهما يكن في الديانة المصرية القديمة من أوهام وعقائد فاسدة، لا تستمد من المنطق قوتها، فإن الآداب التي اشتملت عليها، والفضائل التي تدعو إليها، وخصوصًا الجانب السلبي منها، كانت معينًا خصبًا، قبست منه الديانات غير المنزلة، ولقد كانت ديانة القدماء المصريين تتغير وعقائدهم تتبدل تبعًا لسنة الله في الأمم والكون، ما دامت ديانتهم لم تعتمد على أصل سماوي.
بل إن الديانات السماوية نفسها قبل الإسلام كان يعتريها التحريف والتغيير والتبديل، وتفهم على غير وجهها عندما يكون الناس على فترة من الرسل، والواقع أن عقائد المصريين كانت تتخالف بتخالف الأقاليم نفسها، وكانت آلهتهم محلية فكل مدينة كانت لها آلهتها، فكان موطن أوزوريس أبيدوس، وفِتاح في منف وآمون في طيبة، وهودوس في إدفو، وهكذا ومن هذا يفهم أنه لم يعرف المصريون حتى التوحيد الإقليمي، بأن يجتمع على آلهة واحدة في كل إقليم، ويتفقوا عليها مهما تتباين جهات إقامتهم، بل كانت آلهتهم محلية كل إقليم له آلهة خاصة.
فمما لا شك فيه أن المصريين عرفوا الدين من قديم، ثم حدثت الانتكاسة بالشرك، وقد تطور من ثالوث إلى تاسوع حتى بلغ المائة، فالمصريون أمة من الأمم هي أسبق الأمم تدينًا، والعقل يسلم بنزول عدد من الرسل إليهم، كلما غابت رسالة نبي جاء نبي آخر، كما هو مقرر في القرآن، ولم تكن محاولة أخناتون في الدعوة إلى التوحيد إلا أنه قرأ التاريخ الديني القديم وتأثر به، وأراد نشره في الناس ولذاك كان توحيده مشوبًا بالوثنية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.