المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته - الأديان والمذاهب - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 علم الأديان نشأته وأهميته وتعريفه

- ‌مقدمة عن تاريخ علم الأديان

- ‌تعريف الدين

- ‌وحدة الدين

- ‌الدرس: 2 الفرق الدين السماوي والوضعي، والملة والنحلة، والشريعة والمنهاج، وموقف الإسلام من الأديان

- ‌الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي

- ‌الفرق بين الملة والنحلة

- ‌الفرق بين الشريعة والمنهاج

- ‌موقف الإسلام من الأديان الأخرى، وعلاقته بها

- ‌الدرس: 3 الدين وضرورته في الحياة، وأهم عوامل الانحراف عن الدين الصحيح وطرق معالجته

- ‌ضرورة الدين في حياة الإنسان

- ‌عوامل الانحراف عن الدين الصحيح، وطرق معالجة هذا الانحراف

- ‌الدرس: 4 نشأة العقيدة الإلهية

- ‌فطرية التدين

- ‌نشأة العقيدة الإلهية، والرد على من قال بتطور العقيدة

- ‌الدرس: 5 اليهودية؛ تسميتها ونشأتها، والمصدر الأول لها: التوراة

- ‌الحديث عن اليهودية من حيث التسمية والنشأة

- ‌المصدر الثاني من مصادر اليهودية: التوراة

- ‌الدرس: 6 المصدر الثاني لليهودية: التلمود

- ‌تعريف التلمود، ونشأته، ولغته، ومحتواه، ومنزلته عند اليهود

- ‌نماذج مما اشتمل عليه التلمود

- ‌الدرس: 7 المصدر الثالث لليهودية: بروتوكولات حكماء صهيون، وأهم المعتقدات اليهودية (1)

- ‌المصدر الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته

- ‌الدرس: 8 أهم المعتقدات اليهودية (2)

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالكتب

- ‌موقف اليهود من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 9 أهم المعتقدات اليهودية (3)

- ‌معتقدات اليهود في الأنبياء

- ‌موقف اليهود من الإيمان باليوم الآخر

- ‌الدرس: 10 النصرانية من حيث التسمية والمصادر

- ‌أصل التسمية بالنصرانية والمسيحية

- ‌النصرانية من حيث المصادر المعتمدة عندهم، وتاريخها، والنظر إليها

- ‌الدرس: 11 أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌التثليث والإيمان بثلاثة أقانيم

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وبنوته من القرآن الكريم ومن نصوص أناجيله، وإثبات نبوته

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام أو التثليث بدليل عقلي

- ‌الدرس: 12 تابع أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌قصة الصلب والفداء

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بدليل تاريخي

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية

- ‌الدرس: 13 الديانة المصرية القديمة

- ‌مصادر دراسة الدين المصري

- ‌أهم معتقدات المصريين القدماء

- ‌الدرس: 14 أديان الهند الكبرى

- ‌مصادر الديانة الهندوسية

- ‌العق يدة الهندوسية أو البرهمية

- ‌العقيدة الثالثة: تناسخ الأرواح

- ‌من عقائد الهندوسيين: الإيمان بالجنة والنار

- ‌الدرس: 15 تابع أديان الهند الكبرى

- ‌الديانة البوذية

- ‌الديانة الجينية

- ‌دور المذاهب في نشأة وتطور أديان الهند

- ‌الدرس: 16 أديان الصين واليابان

- ‌دين الصينيين: "الديانة الكنفشوسية

- ‌رأي العلماء في نشأة وتطور أديان الصين

- ‌الدرس: 17 أديان الفرس

- ‌مصادر أديان الفرس

- ‌التعريف بزرادشت

- ‌أركان الدين الفارسي

- ‌آراء العلماء في دين الفرس

- ‌الدرس: 18 أديان اليونان والرومان

- ‌دين اليونان

- ‌دين الرومان

الفصل: ‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته

وراجع في ذلك كتاب (جنايات بني إسرائيل على الدين والمجتمع)، وكتاب (اليهود والنور والإسلام) لريتشارد بورفورد، وغير ذلك من الكتب مع (بروتوكولات حكماء صهيون) وإن شئت قلت: سفهاء الصهيون.

‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته

الكلام عن أهم المعتقدات اليهودية من خلال تلك المصادر تستبين المعتقدات اليهودية مع رد عليها مجمل -إن شاء الله تعالى.

العقيدة اليهودية، أو العقائد والمعتقدات بدت واضحة من خلال هذه المصادر حتى إن هذه العقائد صارت عبارة عن خصائص ذاتية لدى الشخصية اليهودية ثابتة، وصارت عبارة عن مقومات نفسية مشتركة ملازمة لليهود في كل عصورهم لزوم شهوة وهوى، واكتساب لا لزوم جبلة، وإجبار فهم لم يفكروا في تغييرها، ولم ينظروا إليها نظرة تعقل، ولم يناقشوها، إذا كانت قضايا العقيدة تمثل الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، فما هي معتقدات اليهود في كل ذلك.

أولًا من حيث قضية الإيمان بالله: نعلم أن اليهود يؤمنون بوجود إله، وغالبهم على أنه إله واحد، ولكن كيف يرون الإيمان بهذا الإله الواحد، ولا بد أن نضع في حسباننا أن من اليهود من ألَّه العزير، أو جعله ابنًا لله:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة: 30) فهذه طائفة من اليهود لا تنكر.

ونذكر نحن نتحدث عن أن اليهود يؤمنون بإله واحد أنهم من البداية، وقعوا في الشرك الأكبر حين عبدوا العجل، فالله عز وجل ذكر هذا الأمر، وبين أن اليهود عبدوا العجل:{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} (الأعراف: 148).

ص: 154

وأيضًا قوله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي * وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى* قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا * قَالَ يَا قَوْم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي * قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ * فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْم إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي * قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} (طه: 83 - 91).

وهم مع عبادتهم العجل أرادوا أن يعبدوا إلهًا مجسمًا تمثالًا كالذي رأوه في طريقهم بعد أن نجاهم الله عز وجل من عدوهم، وجعل لهم طريقًا في البحر يبسًا ماذا كان بعد ذلك:{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون * إِنَّ هَؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون * قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِين * وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيم} (الأعراف: 138 - 141).

إذًا اليهود أرادوا عبادة صنم وعبدوا عجلًا، ومنهم من قال: عزير ابن الله لا نغفل هذا، وهم مع قولهم بإله واحد كيف آمنوا به، أو كيف وصفوه لقد وصفوه بأشنع صفات من ذلك ما حكاه القرآن عنهم حين قال تعالى:{لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ} (آل عمران: 181).

ص: 155

وقولهم أيضًا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} (المائدة: 64) فهنا مع إيمانهم بإله واحد موصوف بأنه فقير، وبأنه بخيل، وغير ذلك مما وصفوا به الإله الذي عبدوه، ولئن كان هذا بعض ما جاء في القرآن؛ فإن التوراة شاهدة عليهم؛ لأنهم وصفوا الله -جل وعلا- وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا بأنه يتعب فقالت التوراة عن خلق السماوات والأرض:"فأكملت السماوات والأرض، وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه؛ لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقه" سفر التكوين الإصحاح الثاني الفقرة الأولى إلى الثالثة.

ومعنى هذا: أنهم يعتقدون أن الله عز وجل يتعب كسائر البشر سبحانه وتعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا، وقد بين القرآن الكريم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض، وما بينهما دون أن يناله نصب، أو تعب فقال تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} (ق: 38) أي: ما مسنا من نصب، ولا تعب، فهكذا نجد التوراة المحرفة تصف الله عز وجل بالجهل والهذيان.

فتقول التوراة أيضًا حاكية عن آدم وزوجه حواء: وسمعا صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، فقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان، فاختبأت، فقال: من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها، فقال الرب الإله: هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفًا للخير والشر والآن، لعله يمد يده، ويأخذ من شجرة الحياة أيضًا ويأكل ويحيا إلى الأبد، فأخرجه الرب من جنة عدن" سفر التكوين إصحاح 3 الفقرة 8: 23 بتصرف.

ص: 156

وهكذا تنسب التوراة الجهل إلى الله عز وجل مع الخوف كذلك كما نسبت إليه الحزن والندم فقالت: "ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصوري أفكار قلبه، إنما هو شرير كل يوم، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه، فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته الإنسان مع بهائم، ودبابات وطيور السماء؛ لأني حزنت أني عملتهم" سفر التكوين إصحاح 6 الفقرة 5: 7.

وتصف التوراة الله عز وجل بأنه إنسان له خصائص البشر تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11) لكن تقول التوراة: "الرب رجل الحرب، وبريح أنفك تراكمت الحياة، نفخت بريحك فغطاهم البحر من مثلك بين الآلهة يا رب" سفر الخروج إصحاح 15 الفقرة 3: 11 بتصرف.

ثم تزعم التوراة أن بني إسرائيل رأوا الله عز وجل فتقول: "لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء" سفر الخروج الإصحاح 19 الفقرة 11 "وفيها ورأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف، وكذات السماء في النقاوة، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله، وأكلوا وشربوا" سفر الخروج إصحاح 24 الفقرة 10 و 11وفيه: "ويكلم الرب موسى وجهًا لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه" سفر الخروج إصحاح 33 الفقرة الحادية عشرة في حين أن القرآن الكريم {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 55، 56).

ص: 157

كما قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (الأعراف: 155) بل إن موسى عليه السلام نفسه لم يَرَ الله عز وجل كما قال القرآن الكريم: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} (الأعراف: 143).

وفي التوراة ما يدل على أن الإله الذي يعبده اليهود لا يمكن أن يكون إلهًا، ففيه من الخصال ما لا يتفق حتى مع الكاملين من البشر، فتخاطب التوراة الرب قائلة:"ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك، واذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك، فندم الرب على الشر الذي قال: إنه يفعله بشعبه" سفر الخروج الإصحاح 32 الفقرة 12: 14 بتصرف.

أقول: ولقد تكرر هذا التجسيم في مواطن متعددة بوصف ساذج للألوهية مماثل للبشر مماثلة صارخة، فقيل في عهد الإله إليهم، وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح أنه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل، وصوت بُوقٍ شديد جدًّا، فارتعد كل الشعب الذي في المحلة، وأخرج موسى الشعب من المحلة لملاقاة الله في أسفل الجبل، وكان جبل سيناء يدخن من أجل أن الرب نزل عليه بالنار، وصعد دخانه كدخان الأتون، وارتجف كل الجبل جدًّا؛ فكان صوت البوق يزداد اشتددًا جدًّا، وموسى يتكلم، والله يجيبه بصوت، ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل" سفر الخروج الإصحاح التاسع عشر من فقرة 16:20.

وهناك غير ذلك الكثير مما زعمته التوراة المحرفة في وصف الله عز وجل فأي توحيد هذا، وأي رب هذا الذي وصف بصفات بشرية؟ إن الله عز وجل لا يشبه أحدًا من

ص: 158

خلْقِهِ، إنما كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11) إنه كما قال -جل وعلا-: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام: 103).

لكن هكذا اعتقد اليهود في ربهم، كما حكت توراتهم المحرفة إن شئت قلت: توراتهم المفتراة، وهذا فضلًا عما زعمه التلمود عن الله عز وجل فالتلمود أيضًا وصف الله عز وجل بصفات لا تليق واليهود يعتقدونها، كما يعتقدون التوراة أو ما جاء في التوراة، بل كما ذكرت لك عند الكلام عند المصادر أنهم يعظمون التلمود أكثر من التوراة.

وقد زعموا في هذا التلمود: أن الرب يقسم ساعات النهار إلى ساعات يطالع فيها الشريعة وساعات يحكم فيها، وساعات يطعم فيها العالم، وساعات يلعب فيها مع الحوت ملك الأسماك، وليس هذا فقط، بل لله ساعات يلعب فيها مع حكماء اليهود، وأحبار اليهود حيث يصعدون إليه أو هو ينزل إليهم، ويلعبون، ويتسامرون ويتقامرون، وكذا يفعل الرب مع الأنبياء، ومن بينهم يعقوب الذي صعد ليلة يلعب مع الرب؛ فغلب الرب فقام يتصارعان، فأوشك يعقوب أن يصرع الرب، وأن يغلبه، فلما رأى الرب أنه سيغلب ضرب يعقوب على فخذه، فأصابه بعرق النسا، فقال: دعني يا يعقوب، وأنت من الآن لا يقال لك: يعقوب، بل إسرائيل، يعني: أعطاه وسامًا، وجعله إسرائيل بمعنى العبد المبارك حتى لا يغلبه، وحتى لا يطرحه أرضًا، أو لا يصيبه بضربة قاضية.

أي: رب هذا الذي يعبده اليهود رب ندم جدًّا على أنه فعل ما فعل باليهود التعساء البؤساء المساكين حتى إنه كل يوم يبكي، ويلطم يلطم كل يوم، ومع كثرة بكائه تسقط من عينيه دمعتان في البحر؛ فيسمع دويهما من بدء العالم إلى نهايته،

ص: 159

وتضطرب وترجف الأرض؛ فتحصل الزلازل، وينزل المطر كل هذا من بكاء الرب ومن ندمه، وأنه فيه من الطيش ما يجعله يصدر أحكامًا يندم عليها، ويحلف يمينًا غير قانونية فيحتاج إلى من يحلها، وربما صعد إليه أحد الأحبار ليحله من يمينه، وما يحله الأحبار في الأرض، فهو محلول في السماء، وأنهم سمعوا الرب يصرخ، ويقول: يا لشقائي، ومن ينقذني من قسمي هذا، وأنه حنث الرب في يمينه بقصد الإصلاح بين إبراهيم، وزوجته سارة.

رب ليس معصوم من الطيش؛ لأنه عندما غضب، واستولى عليه الطيش غضب على بني إسرائيل، وحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، لكن رجع فندم على ذلك عند ذهاب الطيش منه، ولم ينفذ ذلك اليمين؛ لأنه عرف أنه فعل فعلًا ضد العدالة، وصار يتخذ اليهود أبناء وأحباب، وندم ندمًا عظيمًا لما أنزله باليهود وبالهيكل وظل يصرخ ويلطم، ويقول: الويل لي؛ لأني تركت بيتي ينهب وهيكلي يحرق، وأولادي يشتتون سبحان الله العظيم، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

كذا يزعم اليهود إن كان كما في التوراة، أو في التلمود أن الرب على هذا النحو فأي رب هذا، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا هل مثل هذا يسمى إيمان بالله، وهل مثل هذا يسمى توحيد لله تعالى الله عما يقول اليهود علوًّا كبيرًا، تلك لفتة إلى معتقدهم في الله عز وجل الإيمان بالله؛ فهذا إيمانهم، فهل مثل هذا يسمى إيمان إن لم يكن هذا هو الكفر الصراح البواح فأي الكفر يكون؟ وإن لم يكن هذا هو الشرك، فأي توحيد يكون، أو أيُّ شرك يكون.

وأنتقل من الكلام عن الإيمان بالله إلى الإيمان بالملائكة، نحن لا نجد عند اليهود ما يشير إلى إيمانهم بالملائكة إلا بمفهوم المخالفة أنهم يعادون ملائكة الرحمن عامة، وجبرائيل، وميكائيل بصفة خاصة، وتشتد العداوة لجبريل عليه السلام سفير الله لأنبيائه، ومنزل الوحي على رسل الله، على نحو ما نقرأ في كتاب الله: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا

ص: 160

لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإذًا اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 97، 98).

والكلام مسوق للرد على اليهود حين زعموا أن جبريل عدو لهم، وكفرهم بملك واحد هو كفر بكل الملائكة، وبذا نستطيع أن نقول: إن اليهود لا يؤمنون بملائكة الرحمن، ولئن قالت اليهود في الله ما قالته، وزعمت ما زعمته، فأي تصور لهم عن ملائكة الرحمن، لكني لم أجد ما أقف عليه حتى أكون منصفًا لكن هكذا أشير إلى عداوتهم للملائكة بصفة عامة، وجبريل وميكائيل بصفة خاصة الإيمان بالله وملائكته وكتبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 161