الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف اليهود من الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر:
فأذكر فيه هذا أنني قرأت التوراة فلم أجد فيها حديثًا عن اليوم الآخر بتة! نعم
…
لم تذكر التوراة شيئًا عن الآخرة، ولا عن الملائكة، ولم تذكر جنة ولا نارًا، وكل ما تعد به المحسنين مادي دنيوي فحسب، وذكر الآخرة لم يرد في نص واحد أو صريح؛ وكل ما ورد فيها من إشارات مثل كلمة "آخرتهم" أو "آخرتها" فإنها يحتمل أن تؤول إلى نهاية الأمر؛ لذلك كانت الحياة الدنيا هي غاية همهم، والمادية هي مبتغاهم الأسمى؛ بل شعارهم الذي يسيرون وراءه لا يضلون عنه؛ فقد صاروا نفعيين أنانيين يهدمون المبادئ من أجل ذواتهم ويدوسون المصالح العامة في سبيل منافعهم الشخصية؛ فحملتهم أنانيتهم ونفعيتهم أن يسلكوا كل سبيل مُلتوٍ وكل طريق منحرف للحصول على المال والمنافع؛ فلم يتورعوا عن الكذب والخداع، والغش والنفاق والتضليل.
إن عدم ذكر اليوم الآخر عند اليهود في توراتهم المحرفة جعلهم لا يؤمنون إلا بالمادة، ولا قيمة للمعنويات عندهم، ولا وزن للأخلاق، ولا نصيب للروح، ولا مكان للمبادئ، ولا محل للصدق والوفاء، ولا وجود للأمانة والحياء؛ فهذه أمور لا يعرفها اليهود، وسائر الصفات التي هي فوق الغرائز.
وهذا الإيمان بالماديات وحدها يقضي على مقومات الأخلاق الإنسانية والاجتماعية؛ بل على حقيقة الإيمان الديني؛ لأن جزءًا كبيرًا من الدين قائم على ما وراء المادة والغيبيات
…
إنه الإيمان بالغيب، ومنه الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك نرى اليهود لغلبة المادة وسيطرتها عليهم لا يؤمنون باليوم الآخر وما فيه.
وليس أدل على ذلك من أن كتبة التوراة أخلوها من ذكر هذا اليوم، وليس هذا فقط؛ بل إذا رجعنا إلى مصدر آخر من مصادرهم -ألا وهو التلمود- وجدنا حديث التلمود عن النعيم أو العذاب يرتبط بالدنيا لا بالآخرة؛ فيقول التلمود: بعد موت اليهودي تخرج روحه وتشغل جسمًا آخر؛ أما اليهود الذين يرتدون عن دينهم بقتلهم يهوديًّا؛ فإن أرواحهم تدخل بعد موتهم في الحيوانات أو النباتات ثم تذهب إلى الجحيم، وتعذب مدة عام كامل ثم تعود ثانيًا، وتدخل في الجمادات ثم في الحيوانات ثم في الوثنيين ثم ترجع إلى جسد اليهودي بعد تطهيرها، وهذا التناسخ فعله الله رحمة باليهود؛ لأن الله أراد أن يكون لكل يهودي نصيب من الحياة الأبدية. جاء ذلك في التلمود وفي (همجية التعاليم الصهيونية) وفي (بروتوكولات حكماء صهيون) و (اليهود بين القرآن والتلمود).
ومع هذا؛ فنحن نعتقد أن اليهود لهم حديث يرتبط بالجنة والنار رغم خلو التوراة من الكلام على الآخرة؛ لكن بمراجعة التلمود نجدهم يتحدثون عن الجنة والنار؛ فيعتقدون الآتي: لا يدخل الجنة إلا اليهود؛ وسيظل المسلمون في النار إلى الأبد؛ لأنهم لا يغسلون سوى أيديهم وأرجلهم، والمسيحيون يدخلون النار لأنهم لا يختتنون، كل الناس يوم القيامة في النار إلا اليهود
…
هذا ما زعمه اليهود في التلمود، والذي أكده القرآن الكريم؛ فأشار القرآن الكريم إلى استهانتهم بأمور الدين واستخفافهم بالنار، ومن ذلك قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (آل عمران: 24) ومع هذا كله؛ يبلغ بهم الافتراء إلى حد احتكار الجنة لأنفسهم: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111).
فهذا هو مبلغ ما وصلنا إليه في إيمانهم باليوم الآخر الذي لا نجد له ذكرًا في التوراة، ولكن وجدنا كلامهم عن الجنة والنار في التلمود مع ما أكده القرآن عنهم في زعمهم أنهم لن يدخلوا النار، وإن دخلوها فلن تمسهم النار إلا أيامًا معدودة.
لذلك نرى اليهود اتصفوا بصفات قبيحة وبأخلاق سيئة، وبعقائد فاسدة ومسالك خبيثة؛ فهم لا يؤمنون، ولا إيمان عندهم؛ بل أليق الأوصاف بهم الكفر والجحود، ونقض العهود، والأنانية والغرور والجبن والكذب، واللجاج والمخادعة، والعصيان والتعدي، وقسوة القلب، وانحراف الطبع، والمسارعة في الإثم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل، وسوء أدبهم مع الله تعالى، وعداوتهم لملائكته، وقتلهم لأنبيائه، وجحودهم الحق، وكراهتهم الخير لغيرهم -بدافع الأنانية والحسد، وتحايلهم على استحلال محارم الله تعالى، ونبذهم لكتاب الله، واتباعهم للسحر والأوهام الشيطانية، وتحريفهم للكلم عن مواضعه، ونسيانهم حظًّا مما ذكروا به، وحرصهم على الحياة وجبنهم عن الجهاد في سبيل الله، وطلبهم من نبيهم أن يجعل لهم إلهًا كما لغيرهم آلهة، وعكوفهم على عبادة العجل، وتنطعهم في الدين، وإلحافهم في المسألة، وإنكارهم الآخرة، وتنكرهم للقضاء والقدر
…
إلى غير ذلك من هذه الرذائل التي دمغهم القرآن الكريم بها وسجلها عليهم، والتي تكشف عن حقيقتهم وتعصبهم الأعمى، التي استحقوا بسببها الطرد من رحمة الله، وضرب الذلة والمسكنة عليهم.
إن هذه القبائح التي سجلها القرآن عليهم يراها الإنسان واضحة جلية فيهم على مر العصور واختلاف الأمكنة، لم تزدهم الأيام إلا رسوخًا فيها، وتمكنًا منها وتعلقًا بها، وما ذكر من رذائل ما هو إلا نماذج من قبائحهم ومفاسدهم، وإن
هذه القبائح والمفاسد قد ورثها خلف اليهود عن سلفهم، وذكر القرآن لها ليسجل عليهم انحرافهم عن الحق، وإيثارهم للغي على الهدى والتعصب على التسامح؛ وليحذر المؤمنين من شرورهم وقبائحهم:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق: 37).
ومع ذلك فاليهود لهم ادعاءات كاذبة يزعمون معها أنهم خير الناس، وأنهم أحب الناس إلى الله؛ فهم ادعوا أن الهدى في اتباع سبيلهم:{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (البقرة: 135) وزعموا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًّا، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه: {قَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (المائدة: 18).
ونعى الله عز وجل عليهم تأليه غيره؛ كعزير والأحبار: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: 30، 31) وادعاؤهم بأن ذنوبهم مغفورة: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (الأعراف:169، 170).
وقولهم ليس علينا في الأميين سبيل -أي من غير اليهود-: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ
قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (آل عمران:75، 76)؛ فنعى الله عز وجل عليهم أمورًا كثيرة فقال سبحانه وتعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا * وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ} (النساء:153، 154){قُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (النساء: 154){قُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ} (النساء: 154){وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7){فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا * وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} (النساء: 155، 156).
هكذا كان اليهود وكانت عقائدهم وكان حالهم في ماضيهم وفي واقعهم، وضح القرآن ما عليه اليهود من عقائد ودعاوى باطلة، ورد عليهم بما أخرس ألسنتهم، وأبطل حجتهم، وبما يقطع دابر إفكهم:{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 42).
نكتفي بهذا القدر عن عقائد اليهود وعن حديثنا عن اليهود لننتقل إلى كلام آخر عن النصارى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.