الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
(النصرانية من حيث التسمية والمصادر)
أصل التسمية بالنصرانية والمسيحية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:
فأبدأ حديثي عن النصرانية كواحدة من أهم الرسالات السماوية
الديانة المسماة بالنصرانية، وكذا بالمسيحية:
فالنصرانية هي الاسم القديم لأتباع عيسى عليه السلام ولا يعني هذا أنه الدين الذي نزل على عيسى عليه السلام فقد علم سلفًا أن الدين الذي أنزله الله عز وجل على كل الأنبياء والرسل هو الإسلام؛ لأن الله عز وجل قال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19) والرسل رسله والخلق خلقه؛ فأرسل رسله إلى خلقه بالدين الذي عنده: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19) فعيسى عليه السلام ما جاء إلا بالإسلام وذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران: 52) والحواريون شهدوا بذلك أيضًا في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (المائدة: 111).
لكن كلمة "النصرانية" -وإن كانت قديمة- ترجع في تسميتها لسبب أو لآخر؛ فهل ستعود إلى قولة الحواريين: {نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} كما في قوله تعالى: {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (الصف: 14) لكن يكون هذا على غير القياس لغة، والأصح من هذا أن التسمية نسبة إلى قرية الناصرة، وقد أطلق القرآن الكريم عليهم هذه التسمية في قوله تعالى: {وَقَالَتِ
النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة: 30) وفي قوله تعالى أيضًا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة: 62).
إذن الناصرة هي النسبة التي منها كلمة نصرانية، وليست دينًا منزلًا من السماء؛ كما أن هؤلاء القوم عرفوا أيضًا بالمسيحيين والديانة عرفت بالمسيحية:
والمسيحية نسبة إلى المسيح عليه السلام والمسيح عليه السلام سمي بهذا الاسم الذي معناه الصديق، وقال بعض أهل اللغة: لا يعرف هذا؛ ولعله كان يستعمل في بعض الأزمان، فدرس فيما درس من الكلام، وقد درس من كلام العرب كثير.
قال ابن سيده: والمسيح عيسى ابن مريم -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- سمي بذلك لصدقه؛ وقيل: سمي بذلك لأنه كان سائحًا في الأرض لا يستقر. وقيل: سمي بذلك؛ لأنه كان يمسح بيده على العليل والأكمه والأبرص فيبرئه الله، أو لأنه مسح بالبركة، وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض، أي يقطعها؛ أو لأنه كان أمسح الرِّجل؛ ليس لرجله أخمص، قيل: سمي مسيحًا لأنه خرج من بطن أمه مسموحًا بالدهن، والله تعالى أعلم بذلك؛ لكنه يسمى بالمسيح، وقد قال تعالى مبشرًا مريم رضي الله عنها:{إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: 45).
وقيل: سمى الله ابتداء أمره كلمة؛ لأنه ألقى إليها الكلمة، ثم كون الكلمة بشرًا، ومعنى الكلمة معنى الولد والمعنى يبشرك بولد اسمه المسيح.
والمسيح عيسى ابن مريم يختلف عن المسيح الدجال الذي سمي بذلك؛ لأن عينه ممسوحة عن أن يبصر بها؛ فهما ضدان: مسيح الهداية عيسى ابن مريم عليه السلام ومسيح الضلالة المسيح الدجال -عليه لعنة الله- فإذا ذكرت كلمة المسيحية أو
المسيحيون قيل: هم أتباع المسيح عليه السلام قلت: بل عبدته؛ لأنه لا يقال على أتباع المسيح مسيحيون؛ بل إذا عبدوا المسيح يمكن أن يقال عنهم هذا، كما يقال عن المسلمين: إنهم مسلمون، فإذا أريد أن يقال: نحن عبدة محمد؛ قيل: محمديون، وقد حاول كثير من المستشرقين، ومن لف لفهم أن يصف المسلمين بهذا الوصف؛ فيقول: إن المحمديين
…
إن الديانة المحمدية
…
إلى غير ذلك؛ حتى يلصق بنا هذا الاتهام، ونحن لا نعبد محمدًا عليه الصلاة والسلام لقولة الصديق رضي الله عنه:"من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات؛ ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"
…
فنحن لا نعبد محمدًا عليه الصلاة والسلام لذا لا يقال عنا: محمديون؛ أما المسيحيون يمكن أن يقال عنهم كذلك؛ لأنهم يعبدون المسيح عليه السلام ويعتقدون فيه أنه إله وابن إله وثالث ثلاثة
…
إلى آخر ما اعتقدوه.
واسم "المسيحيين" أحدث من اسم النصارى، ولعل نشأته جاءت مع مذهب كان يؤمن بعودة عيسى ابن مريم عليه السلام وتحدثوا عن هذا كثيرًا: عودة المسيح؛ فعرفوا بالمسيحيين، ثم اشتهر هذا الاسم فيهم، وصار محببًا إليهم، وبعد أن كان في الغرب صار إلى بلاد الشرق أيضًا.
وليس هذا فقط اسم للديانة أو لأتباعها؛ فكما عرفوا بالمسيحيين وبالنصارى، والديانة عرفت بالنصرانية والمسيحية؛ كذلك عرف القوم حديثًا باسم الصليبيين، ويقال:"الديانة الصليبية"؛ لأنه ارتبط بهم هذا الاسم لعبادتهم للصليب وتقديسهم له، وكذلك بعد حروبهم التي أطلقوا عليها اسم الحروب الصليبية، ورفعوا فيها الصليب يقاتلون دونه ومن ورائه، وبكثرة الحملات الصليبية انتشر فيهم هذا الاسم:"الصليبيون"، ويمكن أن يقال عن الديانة الصليبية لتعظيمها الصليب، واعتقادها أن المسيح صلب -برأه الله مما يقولون.