الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(الفرق الدين السماوي والوضعي، والملة والنحلة، والشريعة والمنهاج، وموقف الإسلام من الأديان)
الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي والفرق بين الملة والنحلة والفرق بين الشريعة والمنهاج وموقف الإسلام من الأديان الأخرى:
الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي، فنقول -وبالله التوفيق:
الفرق بين الدين الوضعي والدين السماوي أن الدين الوضعي: هو الدين الذي يكون من وضع البشر أنفسهم، وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ والقوانين العامة وضعها بعض الناس المستنيرين لأممهم؛ ليسيروا عليها ويعملوا بما فيها، والتي لم يستندوا في وضعها إلى وحي سماوي، ولا إلى الأخذ عن رسول مرسل، وإنما هي جملة من التعاليم والقواعد العامة اصطلحوا عليها، وساروا على منوالها، وخضعوا فيها لمعبود معين أو معبودات متعددة، والأمثلة على الدين الوضعي كثيرة منها الديانة البرهمية في الهند، وكذلك الديانة البوذية فيها، وفي شرق آسيا، ومنها ديانة القدماء المصريين، والديانة الفارسية القديمة وغيرها.
أما الدين السماوي: فهو تعاليم إلهية من وضع الله تعالى، وإرشادات سماوية من لدن العليم الخبير لنفوس العباد وطبائعهم، وما يحتاجون إليه في إصلاح حالهم في المعاش والمعاد، والدنيا والآخرة إنه مجموعة التعاليم والأوامر والنواهي التي يجيء بها رسول من البشر أوحى الله تعالى بها إليه، وفي مقدمتها الإيمان بخالق واحد موجه لهذا الكون لا شريك له في ملكه، يجب صرف العبادة كلها إليه، والخضوع والتذلل لهذا الإله الخالق الرازق، ووجوب إفراده وحده بالعبادة والإيمان باليوم الآخر، والحساب والجزاء، وبالثواب في الجنة والنعيم المقيم، أو النار والعذاب الأليم، نعوذ بالله. وذلك مثل الديانة اليهودية في أصلها كما جاء بها موسى عليه السلام، أو الديانة المسماة بالمسيحية يوم أن جاء بها المسيح عليه السلام.
وفي أفضل صورها وأصحها مثل الدين الإسلامي الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ورحمة للعالمين، وكان هذا الدين خاتمًا لجميع الرسالات السماوية، فلا وحي بعد نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا دين بعد الإسلام، وها هي بعد الفروق بين الأديان الوضعية والرسالات السماوية، وقولنا: الرسالات السماوية باعتبارها دينًا واحدًا في صورة رسالات متعددة، وليست أديانًا متعددة أو مختلفة، وإن وقع الاختلاف فهو تنوع لا تضاد يقع في الشرائع، وليس في المعتقدات، وفي الفروع وليس في الأصول، من هذه الفروق:
1 -
إن الدين السماوي دين قائم على وحي الله تعالى إلى البشر بواسطة رسول يختاره الله منهم. أما الوضعي فهو جملة من التعاليم وضعها البشر أنفسهم، واتفقوا عليها، واصطلحوا على التمسك بها والعمل بما فيها، إنها تعاليم ناشئة عن تفكير الإنسان نفسه.
2 -
الدين السماوي يدعو دائمًا إلى وحدانية الله تعالى، واختصاص هذا الواحد بالعبادة، فلا يخضع المرء إلا لله، ولا يستعين إلا به، ولا يذبح إلا باسمه. أما الدين الوضعي فإنه يقدس الأحجار والأصنام، ويجيز تعدد الآلهة فيجعلها كثيرة ومتغايرة، بل قد تكون متنافرة ومتخالفة مثل: إله الخير، وإله الشر، أو إله الحرب وإله السلام.
3 -
الدين السماوي ينزه الإله المعبود عن مشابهته لخلقه، فالله عز وجل لا يشبه شيئًا من مخلوقاته لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله قال تعالى: {قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص: 1: 4)، أما الدين الوضعي فإنه يُجيز أن يكون الإله بشرًا مثلهم أو حيوانًا أو حجرًا يعبدونه، ويخضعون له، ويقدمون له القرابين والهدايا؛ فقد عبد بعض الناس الشمس وعبدوا العجل، واتخذوا فرعون الذي قال لهم: أنا ربكم الأعلى إلهًا، وعبدوا الأصنام والأوثان مع أن هذه الآلهة كلها التي عبدوها من دون الله لا تستطيع أن تخلق شيئًا، ولا تقدم نفعًا، ولا تمنع ضرًّا لا لنفسها، ولا لغيرها، قال تعالى:{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} (الفرقان: 3).
4 -
الدين السماوي بالنسبة لمسائل العقيدة غير قابل للنسخ، والتبديل أو التغيير، فعقيدة الرسل جميعهم واحدة فيما يتعلق بالله تعالى وصفاته، والرسل وعصمتهم، واليوم الآخر وما يكون فيه من ثواب أو عقاب.
إن الخالق عند جميع الرسل واحد، وإن هذا الخالق تجب عبادته واختصاصه جل شأنه بالعبادة. أما الدين الوضعي فالمعبود فيه يتغير، فقد يتغير من جيل إلى جيل، ومن قبيلة إلى أخرى.
5 -
الدين الوضعي يلازمه النقص وعدم الكمال، وذلك أنه من وضع الإنسان، والإنسان لا يمكنه أن يحيط بجميع حاجات البشر، ومتطلباتهم المتجددة دائمًا.