الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول القس توفيق في كتابه (سر الأزل): "إن تسمية الثالوث باسم الأب والابن والروح القدس، تعتبر أعماقًا إلهية وأسرارًا سماوية، لا يجوز لنا أن نتفلسف في تفكيكها وتحليلها، أو نلصق بها أفكارًا من عندياتنا، وإذا كانت أسرارًا فلماذا أرسل بها رسول مبلغ ونزل بها كتاب". ويقول أيضًا في كتابه (التثليث والتوحيد): "الثالوث سر يصعب فهمه وإدراكه". ويقول القس "باسيلوس" في كتابه (الحق): "أجل إن هذا التعليم من التثليث فوق إدراكنا". انتهى كلامهم، كما أردنا أن نبين عقيدة التثليث عند النصارى بأقلامهم وبألسنتهم.
إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وبنوته من القرآن الكريم ومن نصوص أناجيله، وإثبات نبوته
وللرد عليهم نقول -بتوفيق الله عز وجل:
أولًا: إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وبنوته من القرآن الكريم:
نؤمن نحن المسلمين بأن الله عز وجل أزلي أبدي، ليس لأزليته بداية وليس لأبديته نهاية، وأنه سبحانه وتعالى منزه عن الجوهر والعرض والجسد، مقدس عن أن يكون له والد أو يكون له ولد، وأنه سبحانه وتعالى قوي قاهر لا يهزم ولا يغلب ولا يقتل ولا يصلب، وأنه خالق قادر، خلق عيسى من غير ذكر، وحواء من غير أنثى، وآدم من تراب، وبقية البشر والخلق من ذكر وأنثى، وجعل لنا في ذلك آية.
فنحن نؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ونحن بالإيمان بالمسيح ابن مريم رسول الله أولى، قدرناه حق قدره، وقلنا بفضله المعلوم وفخره، واعتقدنا بمنزلة تقبلها الأفهام وتليق بالعقول والأوهام، ليس
إلهًا ولا ابن إله ولا ثالث ثلاثة، ولا جزءًا من الله، أو نصف إله
…
إلى آخر ما ادعاه النصارى، وإنما هو عبد كامل العبودية، أنعم الله عز وجل عليه وجعله في ولادته ومعجزاته آية وعلامة لبني إسرائيل، كما قال تعالى:{إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (الزخرف: 59) ثم هو لم يتأب على العبودية ولم يتكبر عليها أو يستنكف عنها، كما قال تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} (النساء: 172) وتبرأنا من قوم غدوا فيه على طرفي نقيض: مفتون به ضال، وظالم له بغيض، وهما في عمى بصائرهم سيان، ولدى حلبة الكفر فرسا رهان.
أما المفتونون به الضالون، فقد أوقعوا أنفسهم في خطيئة ذات شقين يستحيل غفرانها؛ الأول: أنهم أوردوا عيسى بغلوهم فيه موردًا يعتذر عند الله فيه يوم الحشر بين يديه؛ إذ يقول له وهو تبارك وتعالى أعلم: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (المائدة: 16، 17).
وأما من أبغضه أو سبه ولعنه، فإنما أوردوه بفعلهم موردًا يكون حسيبهم فيه، والقائم دونه يأخذ حقه منهم، ثم نحن نسأل: لماذا عيسى إله، ألأنه من روح الله، أم لأنه بدون أب، أم لأنه يحيي الموتى؟ فلئن كان من حيث هو روح من الله فآدم عليه السلام كذلك، نفخ الله فيه من روحه بعد أن سواه من تراب، وعيسى نفخة من روح الله، فلماذا وجبت الألوهية لعيسى ولم تجب لآدم؟!
والنصارى يقرون له أنه روح من الله في حجاب من تراب، كما قال تعالى:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر: 29) ولئن كان من حيث إنه بدون أب، فإنه يلزم أن يكون آدم أولى منه بهذه الألوهية أو تلك البنوة؛ لأنه بدون أب ولا أم، بل خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، ولما لم يبعد خلق آدم من التراب، لم يبعد أيضًا خلق عيسى عليه السلام من الدم، الذي كان يجتمع في رحم أمه، ولذلك قال تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: 59).
وربما زعموا له بالألوهية لأنه كان يحيي الموتى. نقول: ألم يكن ذلك بإذن الله، وكذلك هل كل من يحيي الموتى يحكم له بالألوهية؟ إذًا فعليهم أن يؤمنوا بألوهية إبراهيم، فقد أحيا الله على يديه الموتى، وبألوهية العزير قد أحيا الله له الموتى، وكذلك بألوهية إلياس النبي، فقد أحيا الموتى وكذلك اليسع كما ورد هذا في العهد القديم، فلم تظلمون بعضًا دون بعض.
وكذلك أنطق الله الشاة المسمومة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا يكون عيسى ابنا لله من دون الخلق، والابن يكون لحاجة الأب إليه في كبر سنه، وليس لله عز وجل حاجة فهو الغني عن العالمين، أو ليكون امتدادًا لسيرة والده من بعده، والله تعالى حي لا يموت، فلا حاجة لعيسى إذًا.
ولئن كان عيسى ابنًا لله ألا تكون له خاصية وميزة على بقية الخلق، كما قال تعالى:{لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الزمر: 4) فكان جديرًا بهذا الولد أن يكون فيه شبه من أبيه وميزة على من سواه، وتنزه عن نقائص بني آدم، ولكن القرآن الكريم يحدثنا
عن عيسى وأمه كما حدثتنا الكتب السابقة أيضًا، بأنهما كانا يأكلان الطعام، وأكل الطعام كناية عن التغوط، وقد كان يجب لله تعالى لو سبق في حكمه أن يكون إنسانًا، وينزل لمقابلة عباده كما زعموا، أن يمتنع عن التغوط؛ إذ هو دنية ابتلي بها آدم وبنيه، مبنية على نقصهم وضعفهم، وهو تعالى المختص بالكمال والموصوف بالعظمة والجلال، فلا يليق به تلك الدنية.
ولا نعلم من فرق المسيحية من يقول: إن عيسى لم يكن يتغوط ولا يبول، حاشا لله أن يحقر خلقًا له بدنية، يراها أخص الآدميين عارًا في نفسه لم يتشبه بعبيده فيها، بل كان يتركها دون غيرها من صفات الإنسانية. يوضح الله عز وجل الحقيقة بقوله:{مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المائدة: 75).
وكيف يكون عيسى ابنًا لله كما زعموا، وليس لله زوجة وكذلك لا ولد بدون زوجة، فكيف يكون إذًا {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الأنعام: 101). ولم يكون لله ولد، مع أن كل الناس عباد لله، وعلى افتراض جدلي: لو أن لله ولدًا لعبدناه جميعًا وعلى رأسنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزخرف: 81).
ولكن لماذا وربنا عز وجل يقول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} (مريم: 88 - 93) الآيات.
ولذلك حكم الله تعالى بكفر من يعتقد بهذا الشرك ويؤمن بهذا المعتقد، فقال سبحانه وتعالى:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة: 72 - 74) كما بين في قرآنه العظيم الكريم هذه الحقائق.
ننتقل منها إلى إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وإثبات نبوته من نصوص أناجيله:
إن الذي يقرأ الأناجيل لا يجد فيه حديثًا صريحًا عن ألوهية عيسى، وإن عيسى عليه السلام لم يدع تلك الألوهية، ولم تذكر تلك الأقانيم التي يقولون بها، اللهم إلا ما كان من بعض النصوص أو الفقرات المنتحلة، والتي ثبت تحريفها بل كذبها، بل إن الإنجيل أثبت عكس ما يزعمون، فها هو عيسى عليه السلام حين خرج من السامرة ولحق بالجليل قال:"إنه لم يكرم نبي في وطنه أو أن ليس لنبي كرامة في وطنه"، إنجيل يوحنا إصحاح أربعة، الفقرة الثالثة والأربعون والرابعة والأربعون. وكذلك:"إنه ليس نبي مقبولًا في وطنه"، إنجيل لوقا إصحاح أربعة الفقرة الثالثة والعشرين.
وحسبك هذا من دليل على أنه ما ادعى غير النبوة المعلومة. وقوله عليه السلام لمن سأل: "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحدًا وهو الله، أنت تعرف الوصايا: لا تزنِ لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب أكرم أباك وأمك". إنجيل مرقص إصحاح عشرة الفقرة السابعة عشرة إلى التاسعة عشرة.
وفي الإنجيل أيضًا: أن اليهود لما أرادت القبض عليه، وعلم بذلك رفع بصره إلى السماء وقال:"قد دنا الوقت يا إلهي فشرفني لديك، واجعل لي سبيلًا إلى أن أملك كل ما ملكتني الحياة الباقية، وإنما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك إلهًا واحدًا وبالمسيح الذي بعثت، وقد عظمتك على أهل الأرض، واحتملت ما أمرتني به فشرفني لديك". إنجيل يوحنا إصحاح سبعة عشر.
وكذلك قول عيسى لتلاميذه: "ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض؛ لأن أباكم واحد الذي في السموات، ولا تدعوا معلمَين لأن معلمكم واحد المسيح". إنجيل متى إصحاح ثلاثة وعشرين الفقرة التاسعة والعاشرة. ومعناه: لا تقولوا: إنه على الأرض ولكنه في السماء، ثم أنزل نفسه حيث أنزله الله تعالى. وقال:"ولا تدعوا معلمين فإن معلمكم المسيح وحده". فها هو قد سمى نفسه معلمًا في الأرض له، وشهد أن إلههم في السماء واحد.
وفي إنجيل لوقا أن عيسى أحيا الميت بباب مدينة نائِين، عندما أشفق على أمه لشدة حزنها عليه؛ فقال:"فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه. وليوحنا أن عيسى قال لليهود: أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا، كما أسمع وأدين ودينونتي عادلة، لأني لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الأب الذي أرسلني". إنجيل لوقا إصحاح سبعة الفقرة الستة عشر.
وقال: "فنادى يسوع وهو يعلم في الهيكل قائلًا: تعرفونني وتعرفون من أين أنا ومن نفسي لم آت، بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه". إنجيل يوحنا إصحاح سبعة الفقرة الثامنة والعشرون. فها هو قد جعل نفسه وموضعه معلومين عند اليهود، وجعل الله عندهم مجهولًا.
وقال: "لأني خرجت من قبل الله واتبعت لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني". إنجيل يوحنا إصحاح سبعة الفقرة الثامنة والعشرون. وفي الإنجيل أنه قال لليهود بعد حوار طويل حين قالوا له: "أبونا هو إبراهيم قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله، هذا لم يعمله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم فقالوا له: إننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد هو الله فقال لهم يسوع: لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قِبل الله، وأتيت لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي؟ ". إنجيل يوحنا إصحاح ثلاثة الفقرة التاسعة والثلاثون إلى الثالثة والأربعين. فها هو يحكم على نفسه بأنه إنسان، وهذا هو الحق الذي تكلم به بعد أن أوحي إليه من عند الله.
ثم هو يبغض أن يقتل ويرفض ذلك ويقول لهم: لماذا لا تفهمون كلامي؟ وفي الإنجيل أيضًا: وكان يسوع يتمشى في الهيكل في رواق سليمان، فاحتاط به اليهود وقالوا له:"إلى متى تعلق أنفسنا إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهرا، أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون". إنجيل يوحنا إصحاح واحد الفقرة الرابعة والعشرون والخامسة والعشرون. ولم يقولوا: إن كنت الله؛ لأنه لم يعلموا من دعواه ذلك. ولا اختلاف عند اليهود أن الذي انتظروه هو إنسان نبي، ليس بإنسان إله كما يزعمون.
وفي الإنجيل أيضًا عنه: ولما تم الثمانية أيام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل أن حُبل به في البطن. إنجيل لوقا إصحاح أربعة. فأي رب هذا الذي يدعى صبيًا ويختن ويخشى على نفسه.
وفي تجربة إبليس لعيسى عليه السلام يقول عيسى عليه السلام: "مكتوب أيضًا لا تجرب الرب إلهًا". إنجيل متى إصحاح أربعة. حينئذ قال له يسوع: "اذهب يا شيطان لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد". إنجيل لوقا إصحاح أربعة.
أليس هذا هو التوحيد الذي قام يدعو به عيسى وإليه، ثم تركه إبليس وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. إنجيل متى إصحاح أربعة. ولو كان ربًا لكانت تعبده ولا تخدمه، وكيف يجرب الرب أمام إبليس، وقد ورد كذلك فتعجب الناس قائلين: أي إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعًا تطيعه. إنجيل متى إصحاح ثمانية.
وفيما يسوع مجتاز من هناك تبعه أعميان يصرخان ويقولان: "ارحمنا يا بن داود". إنجيل متى إصحاح تسعة ولم يقولا: يا بن الله، وكذلك حينئذ أجاب قوم من الكتبة الفريسيين قائلين:"يا معلم نريد أن نرى منك آية". إنجيل متى إصحاح 12 ولم يقولوا: يا الله.
ويصرح عيسى عليه السلام بنبوته ورسالته فيقول صراحة: "لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة". إنجيل متى إصحاح خمسة عشر. وقال: "لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الأب الذي أرسلني يشهد لي، لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته". إنجيل يوحنا إصحاح خمسة.
فلو كان هو الله ما قال لهم هذا؛ لأنهم على الأقل أبصروا عيسى وسمعوا صوته. وقوله عليه السلام: "من قبل واحدًا من أولادي مثل هذا باسمي يقبلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني". إنجيل لوقا إصحاح خمسة وإنجيل مرقص إصحاح 12، ولوقا إصحاح عشرة بنحوه. وكذلك أجابهم يسوع وقال:
"تعليمي ليس لك بل للذي أرسلني، إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله، أم أتكلم أنا من نفسي، من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه، وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق، وليس فيه ظلم". إنجيل لوقا إصحاح سبعة.
وجاء عنه وقال له: "أنت متغرب وحدك في أورشليم، ولم تعلم الأمور التي حدثت فيها في هذه الأيام، فقال لهما: وما هي؟ فقال المختص بيسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبيًّا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب". إنجيل لوقا إصحاح أربعة وعشرين.
وفي الأناجيل من هذا الكثير، مما يدل على رسالة عيسى عليه السلام ونبوته لا ألوهيته وبنوته، بل إن عيسى عليه السلام كان ينادي بالتوحيد الخالص في القوم، ولكنهم كذبوا عليه ومن ذلك قوله عندما سئل:"أي وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى فقال له الكاتب: جيدًا يا معلم بالحق قلت؛ لأنه الله واحد وليس آخر سواه، ومحبته من كل القلب ومن كل الفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة". إنجيل مرقس إصحاح الثاني عشر ولوقا إصحاح عشرة بنحوه.
وكان عليه السلام يخلص العبادة لله كما جاء في الأناجيل: وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة لله. إنجيل لوقا إصحاح ستة، فلئن كان هو الله أو ابنه فلم الصلاة ولمن؟! هذا وهناك الكثير من هذا لمن قلب صفحات الأناجيل ونظر فيها، فأين التثليث المزعوم أو الألوهية الباطلة؟!.