الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الشك في بوذا وتعاليمه.
3 -
الاعتقاد في تأثير الطقوس والتقاليد الدينية.
4 -
الشهوة والكراهية، والغرور، والرغبة في البقاء والخلود.
5 -
الكبرياء، والاعتداد، والجهل.
وما دامت العوائق قد حددت بهذه الصورة، فإننا نرى البوذيةَ تطالب بالتخلص التدريجي منها، وفي مجال الأخلاق البوذية نجد عديدًا من الوصايا التي نادَى بها بوذا؛ نظرًا لأن البوذية تنكر الآلهة نجدها لا تضع عباداتٍ حيث لا حاجةَ إليها، ولم تحدد نظمًا اجتماعيةً، وتركت ذلك لأُولي الأمر، والنظام الذي وضحته فقط هو إعداد الدعاة لنشر البوذية، وهو نظام يقوم على ضرورة اختيار رجال متميزين بالفطنة والذكاء والإخلاص لتعاليم بوذا.
تلك هي أهم تعاليم البوذية، وهي -كما رأينا- عبارة عن تطور مضاد لبعض تعاليم الهندوسية، وتأكيد للبعض الآخر.
كانت هذه فكرة ملخصة عن الديانة البوذية، ثاني الديانات الكبرى في الهند.
الديانة الجينية
ثالث الديانات الكبرى في الهند ألا وهي: الجينية:
ظهرت الجينية في الهند كديانة مطورة من الهندوسية أيضًا، وتعتبر في الحقيقة رد فعل لبعض تعاليم الهندوسية، وبخاصة في عقيدة التأليه ونظام الطبقات، ولذلك كانت شبيهة بالبوذية إلى حد بعيد.
ومؤسس الجينية هو مهاويرا.
ترجمته:
وُلِدَ مهاويرا من طبقة الكشترية من أسرة تقيم في إحدى قرى ولاية بِهار، وكان لوالده دورٌ هام في شئون الحرب وحُكم الإقليم، وكانت أمه بنتَ مدير الولاية، ولم يولد لهذه الأسرة سوى مهاويرا وابن آخر يكبره، ولذلك ولي الابن الأكبر ولاية الإقليم بعد وفاة أبيه. وقد سمي الابن الثاني مهاويرا أي: البطل العظيم، كما لقب بـ"جينا" أي: القاهر الغالب.
ونشأ بين الرخاء وطيب العيش، يقبل عليه الناس والعديد من الكهان والرهبان مع أهله، وسرعان ما تأثر بالمواعظ والنصائح والحكم، فمال إلى طريق الرهبنة والتبتل والزهد، وفي محاولة من والديه لإبعاده عن هذا الطريق، زوجوه صغيرًا، لكن هذا الميل كان جارفًا، ولذلك صارح أخاه برغبته بعد وفاة والديه فاستجاب له. وبعد عام من توليه جَمَعَ الأهل والأقاربَ حيث أعلن مهاويرا رغبتَه في الزهد والتبتل، وهجر المُلك ومتاع الدنيا، وسنه ائذاك ثلاثون سنة. وبعد ذلك اتخذ مهاويرا لنفسه مسلكًا قاسيًا، نتف شعر جسمه، وصار حافيًا، وأكثر من الانقطاع وعدم الطعام، والتجول في البلاد، والتأمل والتفكير.
وقد دارت حول مهاويرا الأساطير العديدة التي تعد جزءًا من فكر أتباعه وعقيدته، ومنها:
اعتبار اسم مهاويرا من اختيار الآلهة، وتصورهم أن مهاويرا ولد مزودًا بثلاث من درجات العلم والمعرفة والتي تبلغ جملتها خمس درجات، وتصورهم أن مهاويرا كان يلهم الأسئلة التي تدور بخلد مستمعيه فيجيب عليها،
وتصورهم أن مهاويرا جاء تابعًا لسلسلة طويلة من الرهبان الذين دعوا إلى الجينية، وهو الرابع والعشرون.
واعتبرنا هذه المسائل الأربع من الأساطير الوهمية؛ لأن مهاويرا نفسه ينكر الآلهةَ، فكيف يُقال: إنه مِن اختياره؟! كما أن من يولد مزودًا بأكثر من نصف العلم والمعرفة يمكن أن يصل إلى كله بمجرد النضج والتفكير العقلي بلا مشقة وتعب، وأيضًا فإن أي عاقل يعايش جماعةً من الناس يستطيع إدراك ما يجول بخواطرهم، ولو أن مهاويرا كان تابعًا لغيره لنُسبت الجينية لمن سبقه، ولَمَا عدت رد فعل للهندوسية.
يقول الجينيون: إن مهاويرا وصل بعد سنتين من صراع النفس وقَهْر شهواته إلى نهاية الطريق، وحصل على درجات العلم الخمس، فلقب بالمرشد، وأخذ يدعو الناس إلى أن جاء أجله، فقضى نحبه سنة خمسمائة وسبع وعشرين قبل الميلاد تقريبًا.
والشاهد أن مهاويرا الذي نشأ هذه النشأة المعينة، ووصل إلى مرحلة الذهول وعدم الإحساس بما حوله، وبَعد مدة أخذ يدعو لعقيدته في عشيرته ومدينته وفي الإقليم الذي يتبعه، مسجلًا دعوته في النصوص الكثيرة التي خاطب بها الناسَ من خلال خطبه ووصاياه، وإجابته على الأسئلة التي وُجهت إليه.
مصادر الجينية، وتعاليمها فيما يلي:
أولًا: المصادر الجينية:
يرى الجينيون أن كل ما ذكره مهاويرا يعد مصدرًا لعقيدتهم على اعتبار أنه أُلهِمَ به، ويحصي أتباع مهاويرا له خمسًا وخمسين خطبة، وإجابة ستة وثلاثين
سؤال، وعددًا وفيرًا من الحكم والوصايا، وهو تراث قليل يسهل حفظه والمحافظة عليه بالمشافهة، ولذلك درج الجينيون طوال الثلاثة قرون على عدم كتابته، لكنهم بعد هذه المدة خافوا من ضياعه واختلاطه بغيره، فعقدوا مؤتمرًا لمدارسة الأمر، وجمعوا بعضَ نصوصهم في عدد من الأسفار، ولم يتفقوا على جميع ما وجدوا، ولذلك توقفوا عن كتابه قانون عام للجينية. ولكنهم في العام سبع وخمسين من الميلاد اجتمعوا مرةً ثانيةً لنفس الغرض، وعاودوا الاجتماع في القرن الخامس الميلادي، واتفقوا على كتابة التراث الجيني وتسجيله، ولم يكتفِ الجينيون بما ذكره مهاويرا وإنما ضموا إليه أقوالَ الكهنة والمرشدين الذين حصلوا على درجات العلم الخمس التي يتصورونها، وهي:
الأولى: الإدراك بطريق الحس والذهن.
الثانية: الإدراك بالفَهم من الوثائق المقدسة.
الثالثة: الإدراك بالروح، حيث يعلم الشخص الأشياءَ غير المرئية بواسطة الروح.
الرابعة: الإدراك بالوجدان، ويتعلق بما ليس له صورة في الواقع، أو في الذهن، وهذا الإدراك يتخطى الزمان والمكان والأشياء.
الخامسة: الإدراك بما في الضمائر والأسرار، وهو أرقى درجات العلم.
وعلى هذا، فالمصادر الجينية أقوال مهاويرا، وأقوال المرشدين الذين نالوا بواسطة الرياضة والزهد على جميع القناعة، وحصلوا على درجات العلم المذكورة.
ثانيًا: أركان الجينية:
تقدم المصادر الجينية تصورًا معينًا عن أركان الديانة الجينية، وهي في جملتها لا تختلف عن البوذية إلا في نواحٍ قليلة.
وسوف نوردها هنا في إجمال:
1 -
الجينية والإله:
يرى الجينيون -كما يرى البوذيون- أن ظلم البراهمة يرجع أساسًا إلى الإيمان بالآلهة، ولذلك ذهبوا إلى إنكار الآلهة تحت أي مسمى ممكن، ولا يختلف الجينيون عن البوذيين في هذا إلا في إعلان هذا الإنكار، فلم يلتزموا الصمت، ولكنهم -بسبب ميلهم الشديد إلى المسالمة وعدم العنف- ذهبوا إلى الاعتراف بآلهة الهندوس للهندوس فقط، وعلى مذهبهم في الآلهة لم يشرعوا عبادةً أو نسكًا حيث لا حاجةَ إلى ذلك، كما أنهم ليسوا في حاجة لإنكار النبوة، وقد أثر التسامح في الأجيال اللاحقة من الجينيين، حيث بدأ بعضهم يؤمنوا بإله الهندوس لنفسه، وأخذ البعض الآخر يأله مهاويرا ومَن سبقه.
الركن الثاني: الجينية والطبقة:
تنكر الجينية نظامَ الطبقات على أتباعها، إلا أنها تسلم به للهندوس؛ منعًا للتعارض معهم، وتختلف في هذا عن البوذية؛ لأن البوذية تنكر الطبقاتِ لأتباعها ولغيرهم، كما أن البوذية لا تسمح بظهور الطبقات بأي صورة من الصور، بينما الجينية تقسم أتباعها إلى عامة وإلى خاصة، وتحدد لكل طائفة واجبًا معينًا، صحيح أن واجبات الخاصة تقشف وآلام لكنها على كل حال نوع من التقسيم الطائفي.
الركن الثالث: تناسخ الأرواح:
يؤمن الجينيون -مثل الهندوس والبوذيين- بانتقال الروح من جسد إلى جسد على النحو الذي سبق ذكره في الديانة الهندوسية، وإذا ما ترقت الروح ووصلت
إلى نهاية درجات الطهر والعفة، فإنها تسبح في عالم غير مادي، إنه عالم مليء بالسعادة والسرور، إنه فوق عالم البشر لا نهاية له، ولذا لا يمكن تعقله ووصفه، وكل ما يمكن الإحاطة به أن الأرواح هي التي تعيش السعادة، وهي وحدها التي تفوز وتنجو في وسط جو نوراني مليء بالمعرفة والخير، ولا يمكن الوصول إلى النجاة إلا بعد سلسلة من التناسخ والرقي، يتكرر معها الموت والولادة مع اتباع منهج صحيح يتضمن الاعتقاد الصحيح في القادة الجينيين، والعلم الصحيح بالكون المادي والروحي، والخلق الصحيح المشتمل على الأقوال والأعمال أمهاتُ الفضائل، والقناعة والزهد، ومحاربة شهوات النفس، والتحلي بالطهارة الظاهرة والباطنة.
إن مَن يتبع هذا المنهج يصل إلى النجاة، ومن العلوم أن النجاة والنرفانا والانطلاق كلها تقوم على فكرة واحدة ولا تختلف، إلا فيما تذهب إليه الهندوسية في أن الانطلاق يؤدي إلى الفناء في الإله برهمة، بينما النجاة والنرفانا لا يقولان بهذا حيث لا إلهَ في البوذية ولا الجينية.
العناصر المشتركة في أديان الهند:
إن مَن يقوم بدراسة هذه الأديان الثلاثة من أديان الهند: الهندوسية، البوذية، الجينية، يلاحظ أن هناك عناصر تلتقي عندها سائر أديان الهند، وهي بإجمال ما يلي:
1 -
الإيمان بخلود الروح، واستمراريتها في أجساد متعددة، وذلك عن طريق التناسخ وتكرار المولد.
2 -
الإيمان بأن الروح تبقَى متنقلةً حتى تستقر في السعادة والخير والمعرفة التامة، وهذا ما يعرف بالانطلاق أو النرفانا أو النجاة.