الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبطال دعوى صلب المسيح بدليل تاريخي
وأنتقل بك بعد إلى إبطال دعوى صلب المسيح بدليل تاريخي:
يحدثنا التاريخ أنه قد كان في سلف الدهر رجل من أمره كذا -كما حكى الإنجيل- وبأضغاث أحلام من امرأة اسمها مريم المجدلية، ادعت أنها رأت في منامها هذيانات، فقبلتم أقوالها وشرعتم بها من غير يقين ولا تواتر متصل، وسمع ذلك قيصر بن هَيْلانة حين كثر عدوه وكاد ملكه يذهب؛ لاختلاف رعاياه وأنصاره من الروم عليه، فأراد أن يحملهم على شريعة ينظم به سلوكهم ويؤلف متفرقهم.
فاستشار من لديه من أهل النظر، فوقع اختيارهم على أن يتعبد القوم بطلب دم ليكون ذلك أقوى لارتباطهم معه، وآكد بجدهم في نصرته، فوجد اليهود يزعمون أن في بعض تواريخهم خبرًا عن رجل كان منهم، هَم بنسخ حكم التوراة والانفراد بالتأويل فيها، فطلبوه وهو في نفر يسير وظفروا بواحد اعتقدوا أنه المطلوب فصلبوه، وما عندهم تحقيق بكونه ذلك المطلوب بعينه، إلا فقدهم إياه من حينئذ، فعمد قسطنطين إلى من وجد من أمة عيسى، فوجدهم قد اختلفت آراؤهم بعد المسيح بأربعين سنة، والتفت إليهم غير محسوسين في الأرض، لا يظفر بواحد منهم إلا قتل ومثل به.
فاستخرج قسطنطين ما بقي برسم الشريعة بأيديهم وجمع عليه وزراءه، فأثبت ما شاء وما رآه موافقًا لاختياره، كالقول بالصلب ليتعبد قومه بطلب دم، ثم أكد لهم ذلك بمنام اختلقه لهم، وجمع أنصاره ورعاياه، فلما اجتمعوا ذكر لهم أنه كان يرى في منامه آتيًا أتاه، فيقول له: بهذا الرسم تغلب، ويعرض عليه هيئة الصليب، فأعظمت ذلك العامة ومن يومه عظم الصليب.
ثم بعث إلى امرأة كاهنة في ذلك الزمان، وكانت ذات جأش وقوة، فشهدت له أنها رأت مثل الذي رأى، فقوي تصديق العامة بذلك، وفي هذا كله لا يعلمون لذلك الرسم تأويلًا، ولم يكن قسطنطين قد كشف لهم شيئًا من أمره، وخرج بهم إلى عدوه ووعظهم، وهول عليهم أمر الرسم فحصل له كل ما أراد من جد القوم واجتهادهم معه.
فلما عادوا إلى أوطانهم سألوه عن تأويل ذلك الرسم وألحوا عليه فيه، فقال: أوحي إلي في نومي أنه كان الله تعالى هبط من السماء إلى الأرض، فصلبته اليهود فهالهم ذلك كثيرًا، مع ما تقدم عندهم من تصديقه وعظم عليهم الخطب فيه، فانقادوا إلى قسطنطين انقيادًا حسنًا، وصح له منهم ما أراد، وشرع لهم في هذه الشرائع التي بأيديهم إلى اليوم أو أكثرها.
وقد ظهر لجماعة من أهل العلم غير أولي الشرائع من ذلك الزمان أن هذا الشخص الذي تعظمه النصارى وتصفه بالألوهية، لم يكن ولا وجد في العالم، ولكن قسطنطين ابتدع ذلك كله، واتفق مع نفر من أحبار اليهود وعلمائها على أن يعطي لهم ما يطلبونه من متاع الدنيا، ويشهدون له عند قومه، بأن ذلك الشخص كان عند اليهود فصلبته، وأن تضع الأحبار ذلك مستورًا عند اليهود، ففعلت وألقت من أخباره شيئًا، وشهدت أن ذلك القول صحيح، وأنه جمع بعد صلب ذلك الشخص بسنين قلائل، فبقيت النصارى على ذلك الإحداث في شريعتهم، مع افتراءات بمنامات تدعيها النساء، ومن لا يوثق به، فيدون ذلك وتشرع به زائدًا على ما كان بأيديهم.
فلما بعث الله رسولًا كريمًا وأنزل عليه كتابًا حكيمًا، وأيده بالآيات وأنجده بالمعجزات، فصدع بالحق المبين وقطع الشك باليقين، نكسوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم فاعجب.