الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن
(أهم المعتقدات اليهودية (2))
موقف اليهود من الإيمان بالكتب
الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين أما بعد.
تحدثت إليك عن اليهودية من حيث التسمية والنشأة والمصدر،
فإذا انتقلنا من الكلام عن إيمانهم بالله وملائكته إلى الإيمان بالكتب، فكيف إيمان اليهود بالكتب هناك كتب تنزلت عليهم آمنوا بها، لكن مع إيمانهم بهذه الكتب التي تنزلت على أنبيائهم ورسلهم كان دأبهم دائمًا الاستخفاف بها الاستخفاف بالوحي الإلهي والكتب الإلهية، فضلًا عن تحريفها وتزييفها هذا فيما آمنوا به إيمان مع الاستخفاف بالوحي الإلهي والكتب الإلهية على نحو ما ذكر القرآن الكريم:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 78).
إنهم أحبار السوء الذين اختلقوا هذه التعاليم ونسبوها زيفًا لله رب العالمين هذا فضلا عن كتمانهم لما أنزل الله فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 174). وليس هذا فقط، ولكن هناك ما هو أدهى، وأمر على نحو ما ذكر القرآن عنهم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (الأنعام: 91).
أيضًا مع إيمانهم بالكتب التي نزلت على أنبيائهم، ورسلهم احترفوا التزييف لها والتحريف فيها، فهم لم يكتفوا بالاستخفاف والكتمان، ولكن لليهود مقدرة عامة على تزييف الوقائع واختلاقها وتحريف الحقائق عن مواضعها حتى كأنها حرفة حياتهم، أو سجية في تركيبهم الخلقي والنفسي لا يستشعرون في مزاولتها ما يستشعره غيرهم من لوم الضمير، وتأنيب النفس؛ إذ اليهود قد ماتت مشاعرهم، وقست قلوبهم
فهم كما قال الله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (المائدة: 13).
فهناك إذًا ارتباط وثيق بين قسوة القلوب، وبين هذا التحريف، قال تعالى:{وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة:41، 42).
فاليهود يحرفون كل شيء حتى ولو كان كلام الله تعالى، وهم لا يفعلون ذلك ناسين أو جاهلين، وإنما يزاولون التحريف عامدين عالمين بخطورة وضراوة ما يفعلون على نحو ما قال القرآن عنهم: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ * فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة: 75 - 79).
أقول: وليس القرآن فقط هو الذي شهد عليهم بتحريفهم لكتبهم بل إن التوراة ذاتها ذكرت هذا التحريف بصريح العبارة في كثير من نصوصها كما أسلفت ذلك عند الكلام عن مصدر اليهود الأول ألا وهو التوراة، وأنها محرفة، ومن بين ما جاء فيها:"ماذا يصنع بي البشر اليوم كله يحرفون كلامي" سفر المزامير إصحاح 56 الفقرة 4، 5 وفيها:"كيف تقولون نحن حكماء، وشريعة الرب معنا حقًّا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب"، سفر إرميا إصحاح 8 الفقرة 8، كذلك.
أما وحي الله فلا تذكروه؛ لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه؛ إذ قد حرفتم كلام الإله الحي سفر التثنية إصحاح 31 الفقرة 28 و29 إلى غير ذلك من النصوص التي سبق ذكرها عند الكلام عن تحريف التوراة.
إذن فهم مع الكتب يحرفون الكتب متعمدين هذا التحريف هذا فيما آمنوا به من كتب، ودعواهم الإيمان بما أنزل عليهم فقط كقوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة: 91)، فهنا نجد اليهود فيما آمنوا به من كتب حرَّفوها وزيفوها، وكتموا الكثير منها.
وأما ما لم ينزل عليهم فقد كفروا به، فهم يؤمنون بما أنزل عليهم فقط، ويكفرون بما وراءه؛ ولذلك لما جاء سيدنا عيسى عليه السلام كفروا به وبنبوته
وبالإنجيل الذي أنزل عليه، فهم لا يؤمنون بالإنجيل الذي أنزل على عيسى، وكفرهم بكتاب واحد هو كفرهم بكل الكتب، وإن ادعوا أنهم لا يؤمنون إلا بما أنزل عليهم فقط.
لقد كفروا بعيسى عليه السلام وبرسالته وكتابه، فنذكر هذا في معتقداتهم عند الكلام عن الإيمان بالكتب من عدم الإيمان ليس هذا فقط، بل كفروا بالقرآن أيضًا، وبالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهم لا يؤمنون بالقرآن كما أنهم لم يؤمنوا بالإنجيل، وكتب كثيرة لم يؤمنوا بها، وعلى رأسها الإنجيل والقرآن الكريم إنهم لا يؤمنون بالقرآن قطعًا، كما لم يؤمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام لذلك قال الله عز وجل عنهم:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُو َ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (البقرة: 89 - 91) ولذلك قال الله عز وجل في صفاتهم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (آل عمران: 21).
فهذا يدل على اختلال عقيدتهم خاصة في الإيمان بالكتب؛ ولذلك خاطبهم الله بقوله: {قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (آل عمران: 98، 99).
فأي إيمان هذا؟ إنه الكفر؛ لأن الكفر بكتاب كالكفر بسائر الكتب، وقد كفروا بالكتب التي لم تنزل على أنبيائهم، أما الكتب التي أنزلت على أنبيائهم؛ فقد حرفوها وزيفوها، وكتموا الكثير منها، فهذا عن عقيدة اليهود في الإيمان بالكتب، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ماذا يقال عن الإيمان بالرسل في عقيدة اليهود -عليهم لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين؟
إنه الكفر برسل الله، والوقاحة الدائمة مع رسل الله، واتهام رسل الله، وتقتيل رسل الله، إنهم كما قال الله:{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (المائدة: 70) تأمل فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون كما قال الله عنهم: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: 87).
ويلاحظ هنا استعمال أداة العموم، والتكرار كلما تعبيرًا عن اطراد اليهود على التكذيب، أو القتل للرسل إذا جاءهم بما لا تهوى أنفسهم الضالة فكم من رسل قتلوهم، وكم من رسل كذبوهم، وكم من رسل شنعوا عليهم واتهموهم، وهذا سيدنا عيسى عليه السلام نال منهم حظًّا وافرًا حين اتهموه عليه السلام بأنه ابن زنا -والعياذ بالله- اتهموه مع أمه اتهموا مريم الطاهرة البتول بأنها زانية، وأن عيسى عليه السلام هو ابن زنا، فنعى الله عز وجل عليهم هذا في قوله سبحانه:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (النساء: 156، 157).
سبحان الله ما هذا الافتراء على الله، وما هذا الكذب على رسل الله، بل قتل الأنبياء ما هذه الاتهامات؟ ما هذه الخسائس، وتلك الشناعات؟