المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية - الأديان والمذاهب - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 علم الأديان نشأته وأهميته وتعريفه

- ‌مقدمة عن تاريخ علم الأديان

- ‌تعريف الدين

- ‌وحدة الدين

- ‌الدرس: 2 الفرق الدين السماوي والوضعي، والملة والنحلة، والشريعة والمنهاج، وموقف الإسلام من الأديان

- ‌الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي

- ‌الفرق بين الملة والنحلة

- ‌الفرق بين الشريعة والمنهاج

- ‌موقف الإسلام من الأديان الأخرى، وعلاقته بها

- ‌الدرس: 3 الدين وضرورته في الحياة، وأهم عوامل الانحراف عن الدين الصحيح وطرق معالجته

- ‌ضرورة الدين في حياة الإنسان

- ‌عوامل الانحراف عن الدين الصحيح، وطرق معالجة هذا الانحراف

- ‌الدرس: 4 نشأة العقيدة الإلهية

- ‌فطرية التدين

- ‌نشأة العقيدة الإلهية، والرد على من قال بتطور العقيدة

- ‌الدرس: 5 اليهودية؛ تسميتها ونشأتها، والمصدر الأول لها: التوراة

- ‌الحديث عن اليهودية من حيث التسمية والنشأة

- ‌المصدر الثاني من مصادر اليهودية: التوراة

- ‌الدرس: 6 المصدر الثاني لليهودية: التلمود

- ‌تعريف التلمود، ونشأته، ولغته، ومحتواه، ومنزلته عند اليهود

- ‌نماذج مما اشتمل عليه التلمود

- ‌الدرس: 7 المصدر الثالث لليهودية: بروتوكولات حكماء صهيون، وأهم المعتقدات اليهودية (1)

- ‌المصدر الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته

- ‌الدرس: 8 أهم المعتقدات اليهودية (2)

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالكتب

- ‌موقف اليهود من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 9 أهم المعتقدات اليهودية (3)

- ‌معتقدات اليهود في الأنبياء

- ‌موقف اليهود من الإيمان باليوم الآخر

- ‌الدرس: 10 النصرانية من حيث التسمية والمصادر

- ‌أصل التسمية بالنصرانية والمسيحية

- ‌النصرانية من حيث المصادر المعتمدة عندهم، وتاريخها، والنظر إليها

- ‌الدرس: 11 أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌التثليث والإيمان بثلاثة أقانيم

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وبنوته من القرآن الكريم ومن نصوص أناجيله، وإثبات نبوته

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام أو التثليث بدليل عقلي

- ‌الدرس: 12 تابع أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌قصة الصلب والفداء

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بدليل تاريخي

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية

- ‌الدرس: 13 الديانة المصرية القديمة

- ‌مصادر دراسة الدين المصري

- ‌أهم معتقدات المصريين القدماء

- ‌الدرس: 14 أديان الهند الكبرى

- ‌مصادر الديانة الهندوسية

- ‌العق يدة الهندوسية أو البرهمية

- ‌العقيدة الثالثة: تناسخ الأرواح

- ‌من عقائد الهندوسيين: الإيمان بالجنة والنار

- ‌الدرس: 15 تابع أديان الهند الكبرى

- ‌الديانة البوذية

- ‌الديانة الجينية

- ‌دور المذاهب في نشأة وتطور أديان الهند

- ‌الدرس: 16 أديان الصين واليابان

- ‌دين الصينيين: "الديانة الكنفشوسية

- ‌رأي العلماء في نشأة وتطور أديان الصين

- ‌الدرس: 17 أديان الفرس

- ‌مصادر أديان الفرس

- ‌التعريف بزرادشت

- ‌أركان الدين الفارسي

- ‌آراء العلماء في دين الفرس

- ‌الدرس: 18 أديان اليونان والرومان

- ‌دين اليونان

- ‌دين الرومان

الفصل: ‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية

‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية

لقد قالوا: إنه لما لم يمكن أن ينتقم الله من عبده العاصي آدم، الذي كلمه واستهان بقدره لاعتلاء جلالة السيد، وسقوط منزلة العبد، أراد أن ينتصف من الإنسان الذي هو إله مثله، فانتصف من خطيئة آدم بصلب عيسى المسيح عليه السلام ونحن نسأل أولًا عن هذه المماثلة كيف وجبت لعيسى بالله تعالى؟

وقد ثبت يقينًا بطلان ألوهية عيسى أو بنوته لله، وأن ذلك هو الكفر البواح الصراح، ثم إذا كان الله لم يرد الانتقام من آدم لاعتلاء قدر السيد وسقوط منزلة العبد، فالأولى أن يعفو عن الذنب ويتوب على المذنب، وإن الأبعد عنه عز وجل أن يعاقب أحدًا بذنب غيره؛ لأن هذا غاية الظلم ونهاية الجور.

لقد أبوا التوبة على آدم عليه السلام مع ثبوتها يقينًا احتيالًا للصلوبية وإثباتها، ونسبوا إلى الله تعالى ما ينسب إلى شرار الآدميين من الحقد والغائلة، ونفوا عنه ما يليق به عز وجل من العفو والصفح، كيف هذا وقالوا إنه: انتصف من الإنسان الذي هو إله مثله، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أن الصلب لحق جسم عيسى المتخذ من آدم، وأن النصف اللاهوتي لم يلحقه الصلب، ومخالفة ذلك عندهم كفر.

فإذا كان هذا فإلى الآن لم ينتقم الله ولا انتصف من إله مثله، إنما انتصف وانتقم من إنسان من نسل آدم، فكيف ينبغي لله أن يظلم إنسانًا فيعاقبه بذنب جده، أخبرونا عن رجل أخطأ عبده في حقه فبقي بعده مدة غاضبًا عليه ساكتًا على معاقبته، حتى ولد لنفسه ولدًا، فعمد إلى قتله بذنب العبد الذي كان أذنب له،

ص: 267

ألست ترى ذلك من قتله ولده أنه أراد أن يشفي نفسه على ذلك العبد، فأصبح ذلك زائدًا في كربه وداعيًا إلى دوام حزنه.

وهل يحدث هذا نفسه من عاقل أو ممن لا عقل له؟ إن الذي دعاكم إلى القول بصلب عيسى ما أقررتم به من الفداء، حين قلتم: إن آدم وجميع ولده إلى زمان عيسى كانوا كلهم ثاوين في الجحيم بخطيئة أبيهم آدم، حتى فداهم عيسى بإهراق دمه عنهم على خشبة الصليب، ثم نزل في ذلك الوقت إلى الجحيم، وأخرج منها جميعهم إلا يهوذا الإسخريوطي، أخبرونا كيف نفهم أن الله تعالى أدخل موسى بن عمران الجحيم، وخلده فيها بعد أن كلمه واصطفاه وفضله وبعثه إلى عباده نبيًّا وهاديًّا، ولم يكفر بعد ذلك.

وكذلك إبراهيم الذي كان قد اتخذه الله خليلًا، واصطفاه وفضله بهدايته ونبوته، وأظهر على يديه توحيده، ولا جرم أنه لو كان ذنب آدم بقي في أعناق أولاده حتى أنقذوا منه بدم الله، لنطقت به التوراة ولصرحت به الأنبياء؛ لأنه أمر شنيع ومصاب للعالم بشيع، ففي أي موضع من التوراة ذكر، أو في أي صحيفة من صحف الأنبياء سطر، أما إنكم أتيتم على ذلك بشواهد من التوراة وكتب الأنبياء، فتأويلكم فيها لا يخفى على العواجز ضعفه، ولا يستتر على عقول صغار الولدان سخفه.

ومن كان الممسك للسموات والأرض، إذ كان الله كما تزعمون مربوطًا في خشبة الصليب، هل بقيا ساكنتين، أم كان استخلف عليهما غيره، وهبط هو لربط نفسه في خشبة الصليب، وليوجب اللعنة على نفسه بما قال في التوراة: ملعون ملعون من تعلق بالصليب، عجبًا له إنه المنتقم والمنتقم منه، والحقود والمحقود عليه، وإنه الظالم يأخذ نفسًا بذنب غيرها، وهو المظلوم لأنه صلب بذنب غيره.

ص: 268

وعجبًا لتفاوت غائلته وحقده، كيف يمتنع عن المعايب وليس هو عندكم غير من اتصف بهذه المعايب، حتى سمرت يداه ورجلاه، ولا قنع من آدم صاحب الذنب بالتوبة حتى غرست الخشبة في ظهره؛ تكفيرًا لما ارتكبه آدم في الجنة.

أخبرني ما الذي أوجب لآدم عليه السلام أن يكون موصوفًا لديكم بهذه الشتائم، وهو أبو البشر والله قد تاب عليه واجتباه، أستغفر الله من شر ما جئتم به وهو الغفور الرحيم، ثم وصفتم فيما جئتم به من كذب حادثة الصليب وأحاديثها الفاسدة، ثم قلتم: قام بعد ثلاثة أيام من القبر، وتحدثتم عن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب، أنهما اشتريتا حنوطًا وأقبلتا إلى القبر وقالتا: من ينزع لنا الصخرة من على فم القبر؟ فزالت الصخرة من ذاتها، فنظرتا إلى فتى قاعد في الجانب الأيمن من القبر، مغطى بثوب وذلك في يوم الأحد قبل طلوع الشمس.

عجبًا لتوقحكم على الله، وتحديدكم الجانب الأيمن من القبر، وقبل طلوع الشمس من اليوم لتحققوا كذبكم على رعاع الأعاجم، فقال لهما ذلك المغطى بالثوب، ولم يكن غير التراب المصلوب قام ومضى إلى الجليل قولا لتلاميذه ينهضون إليه، وهكذا جملة من الهذيانات قصصتم عليها في ذلك لنا الحق أن نسأل: لماذا قتل الإله الأب الإله الابن؟

والجواب المعروف لدى المسيحيين هو الفداء، الفداء لخطايا الخليقة، بل باعتبار أن الواحد ثلاثة والثلاثة واحد عند المسيحيين، نقول: لماذا قتل الإله نفسه؟ والجواب من أجل أن تنقطع الآلام ويتحملها عن العالم بصلبه على خشبة الصليب، والسؤال: هل انقطعت هذه الآلام بعد الصلب، أم بقيت تتجدد على اختلاف الزمان والمكان، فبذلك لم تؤدِ قصة الصلب المنشود منها، فينبغي أن تتكرر، وهل يحمل هذا الإله مسئولية المآسي العالمية.

ص: 269

وإذا كان الصلب لفداء الخطايا، فهل هذا الفداء يتناول صنيع الشرور والآثام والمظالم أم يتجاوزهم، أم هو لتصبر الضحايا على ما ينزل بها، أرأيت لو أن رجلًا له سبعة أولاد، ستة منهم مجرمون عاقون عاصون، والسابع منهم مطيع مؤدب مهذب، فأراد هذا الوالد أن يسامح أبناءه المجرمين وأن يغفر لهم، فأعلن لأولاده إذا أردتم عفوي ومغفرتي فاقتلوا أخاكم المطيع أكفر خطاياكم، فماذا تقول عن هذا الأب؟

والإجابة التي تتفق عليها الكلمة: إنه أب مجنون، فما زاد هذا الأب عن رب النصارى الذي اطلع على عباده، فرآهم مذنبين، فلما أراد أن يكفر خطاياهم أنزل ابنه، وأمر بصلبه ليكفر عن خطايا البشر، كيف يكون إلهًا من يأمر بذبح ابنه البار من أجل تكفير خطايا المذنبين، كما أنني أتساءل: لو أنني لبست ثوبًا أبيض ثم وقعت عليه نقطة حبر، أتزول إذا غسلت ثوبك وكل الأثواب؟ والإجابة لا. قلت: فلم يزول خطأ إذا اعتذر عنه آخر، عندما ألوث نفسي بخطأ دق أو جل، فأنا المسئول عنه أغسل أنا نفسي منه، وأشعر أنا بالندم عليه وأقوم أنا من عثرتي إذا وقعت.

ثم أعود أنا إلى الله لأعترف له بسوء تصرفي وأطلب منه الصفح، أما أن العالم يخطئ فيقتل الله ابنه كفارة للخطأ الواقع، فهذا ما يضرب الإنسان كفًا بكف لتصوره، لماذا يقتل الله ابنه الوحيد البريء من أجل ذنوب الآخرين، إذا كان هذا الإله رب أسرة كبيرة، فلِمَ يقتل أبناءه كلهم أو جلهم من غير جريرة، أليس الأعقل والأعدل أن يقول هذا الإله للمذنبين: تتطهروا من أخطائكم وتوبوا إلي أقبلكم، فلا يكون هناك قتل ولا صلب ولا لف ولا دوران، أليس كل إنسان مسئولًا عن نفسه {أن لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (النجم: 38، 39).

ص: 270

ألم يكن أوفق لعدل الله ورحمته أن يعغو عن عباده بدلًا من أن يعاقب ابنه الوحيد المزعوم، {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 110)، وإذا كان هذا الصلب بسبب ذنب اقترفه آدم عليه السلام فهو إما أن يتوب الله عز وجل كما حدث، يتوب عليه ويعفو عنه، أو أن يعاقبه بذنبه، ولا ثالث لهما وذلك مقتضى عدل الله.

أما إنه يصلب ابنه الوحيد بزعم العدل أو الرحمة، فهذا لا يقبله من عنده مسحة عقل، وأعجب كلما ذكرت خطيئة آدم عليه السلام لماذا يتحمل أبناء آدم وزر هذه الخطيئة، وما الذي يجعلها دينًا في عنق أبناء آدم جميعًا، لا يكفرها إلا الصليب، ولمن يا للعجب لله الذي ارتكب آدم في حقه الخطيئة، فبدلًا من أن يكفر عنها آدم بنفسه يكفر الله عنها، ويحمل وزرها أبناء آدم، حتى يؤمنوا بأن الله قد صلب نفسه فداء لمخلوق من مخلوقاته، الذي أخطأ في حق خالقه، ما معنى هذا ولِمَ كل هذا؟! إن الابن ليس مسئولًا عن ذنب أبيه.

وهكذا قرر الكتاب المقدس: لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيته يقتل. سفر التثنية إصحاح 24، فما ذنب عيسى يصلب بذنب أبيه آدم، وهل هو ابن آدم أم ابن الله، وهل هذا هو العدل الإلهي، فلماذا طلب المسيح نفسه النجاة وعاتب ربه أنه تركه للأعداء كما يقولون، كما نادى قائلًا: إلهي إلهي لماذا تركتني، أكان عيسى يجهل ذلك، وهل المنادي المستغيث في الأرض هو هو المنادى المستغاث به في السماء؛ لأن الأب والابن شيء واحد كما يزعمون، أجيبونا من القاتل ومن القتيل؟

قال المسيحيون: إن الله الابن صلب، لكنهم يقولون كذلك: إن الأب هو الابن هما الروح القدس جميعًا شيء واحد، إن كان الأمر كذلك فالقاتل هو القتيل،

ص: 271

وذاك سر ما قاله أحد الفرنجة المفكرين: خلاصة المسيحية أن الله قتل الله لإرضاء الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، فهو سبحانه وتعالى أكبر وأعلى وأجل وأسمى من ذلك.

ونحن لا نريد إجابات على هذه الأسئلة، فعقيدتنا نحن المسلمين أن الله العظيم فوق هذه التصورات الهازلة، إن هذا الكلام الذي قرأناه من أسوأ وأغرب ما وصف به الله، وما كنا نحن نتصور أن يصل الإسفاف في الحديث عن الله جل جلاله إلى هذا الدرك المعيب، ولكن تعصب المسيحية جعلهم يسطرون هذا اللغو وينشرونه بين الطلاب المسلمين؛ لأنه يعتقد أن القرآن يقبل التعاليم المسيحية، وأن التوحيد ينسجم مع التثليث، وأثبتوا هذا الهراء في منشورات ومجلات، يريدون به أن يختل المسلمون عن توحيدهم وسلامة معتقدهم.

وكم نود أن نقول لهؤلاء وأمثالهم من الحاقدين على الإسلام: {يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (المائدة: 77).

إن الانسياق مع التعصب ضد الإسلام يجب أن يختفي، وإن كل محاولة لإهانة الإسلام وإخراج أهله، لا يمكن أن تكون موضع احترام توزع على المسلمين هذه الخرافات بين الحين والآخر، على أنها الحقائق المخفية، وأننا بحاجة إليها أحوج من الهواء الذي نتنفسه.

إننا معشر المسلمين نحب عيسى ونوقره، ونعد أنفسنا من أتباعه، ونرفض بغضب كل ريبة توجه إليه، أو إلى السيدة البتول أمه، بل نحن أولى بعيسى من أولئك الذين ينتمون إليه، ويغالون فيه، وليس خلافنا مع النصارى أنه قتل أو لم يقتل، الخلاف أعمق من ذلك، الخلاف أهو إنسان كما نقول أو إله كما يزعمون، أكل امرئ بما كسب رهين، أم أن هناك قربانًا قدمه الله من نفسه لمحو خطايا البشر؟!!.

ص: 272

هذا وفي الوقت الذي يدين فيه النصارى بالصلب والفداء، يعتقدون أن المسيح يدين ويحاسب، فأي تناقض هذا، زعم المسيحيون أنه لم يمكث المسيح بعد قيامته هذه -التي يعتقدها المسيحيون- إلا أربعين يومًا، ثم ارتفع بعدها إلى السماء، وجلس بجوار الرب في زعمهم، وسيأتي ليدين الناس يوم القيامة، يحاسب كل إنسان على ما فعل وقال، إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وله بهذا الملك الأبدي فلا فناء لملكه فهم يقولون: إن الله قد أقام يومًا سيدين فيه سكان هذه الأرض يسوع المسيح؛ لأن الأب في زعمهم لا يدين أحدًا، بل قد أعطى ذلك للابن، فأعطاه سلطان أن يدين الإنسان لأنه ابن الإنسان أيضًا.

ولا بد أن يظهر الناس جميعًا أمام كرسي المسيح؛ لينال كل واحد جزاء ما كان قد صنع خيرًا أو شرًّا، هذه عقيدتهم فقد جاء في إنجيل يوحنا: "الحق أقول لكم إنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله، والسامعون يحيون لأنه كما أن الأب له حياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة في ذاته، وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا لأنه ابن الإنسان، لا تعجبوا من هذا فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة.

أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئًا كما أسمع وأدين، ودينونتي عادلة لأني لا أطلب مشيئتي بل مشيئة الأب الذي أرسلني". إنجيل يوحنا إصحاح خمسة، فهل هما واحد أم اثنان مشيئة الأب الذي أرسله، وفي ذات الوقت يجلس على يمين الرب ثم يقال: هما شيء واحد تعجب، وجاء في رسالة بولس الثانية إلى أهل كرنسوس: لا بد أننا جميعًا نظهر أمام كرسي المسيح؛ لينال كل واحد منا ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًّا.

ص: 273

فهذه النصوص جميعًا تبين بجلاء أن الذي سيحاسب الناس ويجازيهم إنما هو المسيح في نظرهم، فتعجب وكفى بهذا تناقضًا وكفى بالباطل عرضه، وقد عرضنا لعقيدة النصارى في عناصرها الأساسية، بحمد الله تعالى. إن العقل لا يصدق تجسد الإله، وإن كان أن يتحول رب العالمين إلى شخص يأكل ويشرب ويأتي بلازم ذلك، كما أن العقل لا يصدق أيضًا أن البشر جميعًا أرباب خطايا وأصحاب مفاسد، وأنهم محتاجون لمن ينتحر من أجلهم كي تغفر خطاياهم، وكذلك رفض الإسلام كلتا القضيتين، لكن يصر النصارى بتعصب أعمى على أن هذا هو الحق وما دونه ضلال.

وما أجمل ما قال الشاعر الحكيم:

أعباد المسيح لنا سؤال

نريد جوابه ممن وعاه

إذا مات الإله بصنع قوم

أماتوه فما هذا الإله

وهل أرضاه ما نالوه منه

فبشراهم إذا نالوا رضاه

وإن سخط الذي فعلوه فيه

فقوتهم إذًا أوهت قواه

وهل بقي الوجود بلا إله

سميع يستجيب لمن دعاه

وهل خلت الطباق السبع لما

ثوي تحت التراب وقد علاه

وهل خلت العوالم من إله

يدبرها وقد سمرت يداه

وكيف تخلت الأملاك عنه

بنصرهم وقد سمعوا بكاه

وكيف أطاقت الخشبات حمل

الإله الحق شد على قفاه

وكيف دنا الحديد إليه

حتى يخالطه ويلحقه أذاه

وكيف تمكنت أيدي عداه

وطالت حيث قد صفعوا قفاه

وهل عاد المسيح إلى حياة

أم المحيي له رب سواه

ص: 274

ويا عجبًا لقبر ضم ربًّا

وأعجب منه بطن قد حواه

أقام هناك تسعًا من شهور لدى

الظلمات من حيض غذاه

وشق الفرج مولودًا صغيرًا

ضعيفًا فاتحًا للثدي فاه

ويأكل ثم يشرب ثم يأتي

بلازم ذاك هل هذا إله

تعالى الله عن إفك النصارى

سيسأل كلهم عما افتراه

أعباد الصليب لأي معنى

يعظَم أو يقبح من رماه

وهل تقضي العقول بغير

كسر وإحراق له ولمن بغاه

إذا ركب الإله عليه كرهًا

وقد شدت لتسمير يداه

فذاك المركب الملعون

حقًّا فدسْه لا تبسه إذ تراه

يهان عليه رب الخلق طُرًّا

وتعبده فإنك مِن عداه

فإن عظمته من أجل أن قد

حوى رب العباد وقد علاه

وقد فقد الصليب فإن رأينا

له شكلًا تذكرنا سناه

فهلا للقبور سجدت طرًّا

لضم القبر ربك في حشاه

فيا عبد المسيح أفق

فهذا بدايته وهذا منتهاه

ولله در القائل أيضًا:

عجبي للمسيح بين النصارى

وإلى أي والد نسبوه

أسلموه إلى اليهود وقالوا

إنهم بعد قتله صلبوه

وإذا كان ما يقولون حقًّا

وصحيحًا فأين كان أبوه

حين خلى ابنه رهين الأعادي

أتراهم أرضوه أم أغضبوه

فلئن كان راضيًا بأذاهم

فاحمدوهم لأنهم عذبوه

ولئن كان ساخطًا فاتركوه

واعبدوهم لأنهم غلبوه

ص: 275

نعم الحق واضح أبلج والباطل لَجْلَج، هذه عقيدة النصارى يعجب لها من لديه مسحة من عقل، هذا هو دين النصرانية الذي تغير بتغير بولس وقسطنطين والأحبار والرهبان له، هذا الدين الذي رفض الحق وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع ما كثرة ما جاء عندهم من الدلائل والبراهين والإشارات والبشارات بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فضلًا عن معتقداتهم فضلًا عن شعائرهم وشرائعهم وتنصيرهم، وزعمهم أنهم على الحق.

أي دين هذا إنه دين النصرانية أو المسيحية أو الصليبية، برأ الله ساحة عيسى ابن مريم من كل ما قالوه وما اعتقدوه، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 276