الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
(الديانة المصرية القديمة)
مصادر دراسة الدين المصري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
نظرة إجمالية لبعض الأديان القديمة، كأديان المصريين القدماء والهند والصين واليابان واليونان والرومان والفرس، وأبدأ كلامي -إن شاء الله تعالى- عن دين المصريين القدماء؛ فأقول -وبالله التوفيق-:
ظهرت الحضارة فتية في مصر قبل الميلاد بأربعين قرنًا، وبرزت متنوعة في تراثهم الباقي أغلبه حتى الآن، وهناك إجماع عالمي في العصر الحديث على سبق الحضارة المصرية بمستواها الممتاز، مما دفع العلماء إلى الاهتمام بدراسة الآثار المصرية وكشفها، ومحاولة استنطاق الجمادات القديمة فيها؛ لمعرفة مختلف جوانب الحياة عند هؤلاء القدماء، حتى أصبح لعلم المصريات أقسام علمية في الجامعات ومراكز البحث في الجامعات، ومراكز البحث، كما أسست لدراسته المعاهد العلمية المتخصصة.
ويلاحظ أن الدين لم يغب عن حضارة المصريين أيضًا، ويبدو أنه شغل ركنًا أساسيًّا وكبيرًا من حياتهم، لدرجة أن بعض العلماء يرى أن التأريخ للدين في مصر القديمة يعد تأريخًا للحضارة المصرية؛ لأن الدين هو الذي دفعهم إلى بناء المقابر الضخمة، وجعلهم ينقشون على الحجر ويكتبون في ورق البَرَدَى، ويُخلدون الأناشيد والمواعظ المقدسة، ولا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا: إنه لولا الدين لما كان هناك أثر الآن للحضارة المصرية القديمة، وبناء على ذلك فإننا نشير -إن شاء الله تعالى- إلى مصادر الدين المصري، أو مصادر دراسة الدين المصري وما هي أهم المعتقدات والآلهة عندهم.
مصادر دراسة الدين المصري:
كان لمعرفة المصريين بالكتابة أثر في تسجيل تاريخهم وعقائدهم، وبفضل العثور على حجر رشيد وفك رموز اللغة الهيلوغريفية، تمكن العلماء من قراءة وفهم ما وصلهم عن عقائد المصريين، وبذلك استطاعوا أن يقدموا أسس العقائد المصرية القديمة، صحيح أن هذا التصور ليس تامًّا؛ لاحتمال ضياع بعض الكتابات وعدم العثور حتى الآن على بعضها الآخر، لكنه مع عدم تمامه يقدم تصورًا كافيًا لدارس الأديان تاريخيًّا ومقارنة، والكتابات التي عرفت العلماء بالدين المصري وجدت في المصادر الآتية:
الأول: أوراق البردي، فالبردي نبات يظهر على شاطئ النيل أوراقه عريضة، اكتشفه المصريون القدماء وتمكنوا من الاستفادة منه، فقاموا بتجفيفه وصنع لفافات طويلة منه يكتبون عليها، ويحفظونها في الأماكن الهامة، كبيت الملك أو المعبد أو المقبرة تبعًا للموضوع والهدف من كتابته، وقد تم اكتشاف العديد من أوراق البردي المختلفة في حجمه وموضوعه، وعكف العلماء على ترجمة النصوص ودراستها وحفظ الورق المكتشف في المتاحف المختلفة.
وتعود أقدم ورقة بردي عثر عليها إلى القرن العشرين قبل الميلاد، وتشمل صورة للاحتفالات الدينية والوصايا المقدسة التي تقال عند تولي الملك لعرشه، وتعتبر الكتابة على البردي أسبق سائر أنواع الكتابة، ولذلك وجدنا بعض الفراعنة المتأخرين بعد اكتشافهم لإمكانية الكتابة على الحجر، يقومون بنقلها من ورق البردي إلى الحجر حتى لا تتلف أو تتآكل.
وذلك كما فعل فرعون مصر "شباكو" حيث نقش على الحجر ما وجده مكتوبا على ورقة بردي، كتبت في أوائل القرن الرابع والثلاثين قبل الميلاد، محافظة على
الموضوع؛ لأنه يتعلق بالإله الواحد الخالق للكون كله، العليم بأحوال المخلوقات المحاسب لهم بعد الموت، وهذا الحجر موجود الآن في المتحف البريطاني بلندن، وعلى الجملة فإن نصوص أوراق البردي تقدم معلومات عديدة عن عقائد المصريين المختلفة، كما أنها تحدد في الغالب تاريخ كتابتها، وهذه مسألة هامة لدارس مقارنة الأديان.
الثاني: نصوص الأهرام، أي بعد أوراق البردي تأتي نصوص الأهرام، ساد الظن حينًا طويلًا على أن الأهرامات مجرد قبور، وأنها خالية من كل كتابة ونقش باطنها في ذلك كظاهرها، إلى أن تمكن الأثريون من دخول هرم بيبي الأول في سقارة لأول مرة، عام سنة ألف وثمانمائة وثمانين من الميلاد، وتبينوا وجود نصوص كثيرة منقوشة بداخله، فتتبعوا الأمر في سائر الأهرامات المكتشفة، وكانت المفاجأة أنهم أمام مجموعة متكاملة من الوثائق، فترجموها لعدة لغات وطبعوها عددًا من المرات.
وقد عرفت هذه الوثائق بنصوص الأهرام. إن هذه النصوص مكتوبة باللغة الهيلوغروفية، وتغشى حيطان الممرات والدهاليز والغرف لخمس أهرامات في سقارة، وقد تم كتابة النصوص في فترة بلغ مداها مائة وخمسون عامًا، أي في القرن السادس والعشرين قبل الميلاد وربع قرن قبله وربع قرن بعده، وترجع أهمية هذه النصوص للمعلومات الدينية التي تحتويها، ولأنها تتحدث عن العقائد المصرية منذ العصور الأولى، كما أنها تعد وثيقة حقيقية لم يلعب بها تحريف ولم يداخلها التبديل، وأغلب ما تتناوله النصوص يتعلق بعقائد المصريين، وبخاصة ما يتعلق بالحساب وبالآخرة وبالخلود بعد الموت، وبمناجاة الآلهة، ومن الممكن تصنيف محتوياتها في خمسة موضوعات، هي:
1 -
فروض جنائزية تتلى عند القبر بعد دفن الميت.
2 -
تعاويذ دينية.
3 -
تصوير للعبادة والطقوس.
4 -
توسلات تلقى نيابة عن الملك.
5 -
أساطير دينية متعددة.
وقد اهتم العلماء بنصوص الأهرام، فأخرجها المستشرق "زِيته" في مجلد ضخم، بلغت صفحاته ألف واحد وخمسين صفحة من الحجم الكبير، كما أن المستشرق "شِيفر" شرح نصوصها وحلل موضوعاتها، ومازالت هذه النصوص محل اهتمام حتى الآن.
الثالث: من المصادر كتاب الموتى، شغلت عقيدة المصريين في الحياة الخالدة بعد الموت ركنًا كبيرًا في تفكيرهم وتراثهم، ولذلك نراهم يصنعون كتابًا خاصًّا يحتوي على الاعتراف بالضعف البشري، وبالندم على الخطايا، كما يحتوي على طلب المغفرة والتقرب إلى الإله ليبعدهم عن العذاب ويدخلهم الجنة، ويسمى هذا الكتاب بكتاب الموتى، وكان يكتبونه على ورق أو ينقشونه على حجر، ويضعونه تحت رأس الميت أو بجواره أو يخطونه على جدر التوابيت.
وكثيرًا ما كانوا يكتبون نسخًا متعددة يضعونها مع الميت؛ اعتقادًا منهم بأن ذلك يساعد الميت على السعادة والخلود، ويؤدي إلى عفو الله ومغفرته لمن ينتقل منهم إلى الدار الآخرة، وكتاب الموتى أقرب نص يوضح العقيدة المصرية الدينية، ومدى اعترافها بالإله وبالموت وبالآخرة وبالنعيم في الآخرة، ولذلك يعتبره بعض العلماء كتابًا مقدسًا باعتبار الغاية منه، وإن كانت ألفاظه من تأليف الكهنة.