المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل - الأديان والمذاهب - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 علم الأديان نشأته وأهميته وتعريفه

- ‌مقدمة عن تاريخ علم الأديان

- ‌تعريف الدين

- ‌وحدة الدين

- ‌الدرس: 2 الفرق الدين السماوي والوضعي، والملة والنحلة، والشريعة والمنهاج، وموقف الإسلام من الأديان

- ‌الفرق بين الدين السماوي والدين الوضعي

- ‌الفرق بين الملة والنحلة

- ‌الفرق بين الشريعة والمنهاج

- ‌موقف الإسلام من الأديان الأخرى، وعلاقته بها

- ‌الدرس: 3 الدين وضرورته في الحياة، وأهم عوامل الانحراف عن الدين الصحيح وطرق معالجته

- ‌ضرورة الدين في حياة الإنسان

- ‌عوامل الانحراف عن الدين الصحيح، وطرق معالجة هذا الانحراف

- ‌الدرس: 4 نشأة العقيدة الإلهية

- ‌فطرية التدين

- ‌نشأة العقيدة الإلهية، والرد على من قال بتطور العقيدة

- ‌الدرس: 5 اليهودية؛ تسميتها ونشأتها، والمصدر الأول لها: التوراة

- ‌الحديث عن اليهودية من حيث التسمية والنشأة

- ‌المصدر الثاني من مصادر اليهودية: التوراة

- ‌الدرس: 6 المصدر الثاني لليهودية: التلمود

- ‌تعريف التلمود، ونشأته، ولغته، ومحتواه، ومنزلته عند اليهود

- ‌نماذج مما اشتمل عليه التلمود

- ‌الدرس: 7 المصدر الثالث لليهودية: بروتوكولات حكماء صهيون، وأهم المعتقدات اليهودية (1)

- ‌المصدر الثالث: بروتوكولات حكماء صهيون

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالله تعالى وملائكته

- ‌الدرس: 8 أهم المعتقدات اليهودية (2)

- ‌موقف اليهود من الإيمان بالكتب

- ‌موقف اليهود من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌الدرس: 9 أهم المعتقدات اليهودية (3)

- ‌معتقدات اليهود في الأنبياء

- ‌موقف اليهود من الإيمان باليوم الآخر

- ‌الدرس: 10 النصرانية من حيث التسمية والمصادر

- ‌أصل التسمية بالنصرانية والمسيحية

- ‌النصرانية من حيث المصادر المعتمدة عندهم، وتاريخها، والنظر إليها

- ‌الدرس: 11 أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌التثليث والإيمان بثلاثة أقانيم

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام وبنوته من القرآن الكريم ومن نصوص أناجيله، وإثبات نبوته

- ‌إبطال دعوى ألوهية عيسى عليه السلام أو التثليث بدليل عقلي

- ‌الدرس: 12 تابع أهم معتقدات النصرانية مع الرد عليها

- ‌قصة الصلب والفداء

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بدليل تاريخي

- ‌إبطال دعوى صلب المسيح بالأدلة العقلية

- ‌الدرس: 13 الديانة المصرية القديمة

- ‌مصادر دراسة الدين المصري

- ‌أهم معتقدات المصريين القدماء

- ‌الدرس: 14 أديان الهند الكبرى

- ‌مصادر الديانة الهندوسية

- ‌العق يدة الهندوسية أو البرهمية

- ‌العقيدة الثالثة: تناسخ الأرواح

- ‌من عقائد الهندوسيين: الإيمان بالجنة والنار

- ‌الدرس: 15 تابع أديان الهند الكبرى

- ‌الديانة البوذية

- ‌الديانة الجينية

- ‌دور المذاهب في نشأة وتطور أديان الهند

- ‌الدرس: 16 أديان الصين واليابان

- ‌دين الصينيين: "الديانة الكنفشوسية

- ‌رأي العلماء في نشأة وتطور أديان الصين

- ‌الدرس: 17 أديان الفرس

- ‌مصادر أديان الفرس

- ‌التعريف بزرادشت

- ‌أركان الدين الفارسي

- ‌آراء العلماء في دين الفرس

- ‌الدرس: 18 أديان اليونان والرومان

- ‌دين اليونان

- ‌دين الرومان

الفصل: ‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل

الذي كان قد نحته في الصخرة، ثم دحرج حجرًا كبيرًا على باب القبر ومضى. وكانت هناك مريم المَجْدَلية ومريم الأخرى جالستين تجاه القبر.

وبعد السبت عند الفجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظر القبر، فإذا ليس هو هناك لأنه قام كما قال". إلى آخر ما أورده إنجيل متى إصحاح سبعة وعشرين وثمانية وعشرين بتصرف.

وهكذا جاءت قصة الصلب بروايات مختلفة، ولولا خشية الإطالة لذكرنا ما جاء في بقية الأناجيل، وإن كان بعضها فيه تشابه وبعضها الآخر فيه تناقض، وسنعرض إن شاء الله تعالى لقصة الصلب المزعومة، نبين مزاعمها ونظهر باطلها وندحض مفترياتها بإذن الله تعالى.

‌إبطال دعوى صلب المسيح من القرآن الكريم، ومن الإنجيل

فنقول في الرد على مزاعم النصارى في صلب المسيح عليه السلام نبدأ أولًا بخير الكلم، بقول الله عز وجل:{وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء: 157، 158).

وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: 55) الآية.

فالآية الكريمة الأولى أوضحت بيقين أن المسيح عليه السلام لم يصلب، كما بينت الاختلافات التي يعجز عن فهمها حتى الآن علماء النصارى وآباء الكنيسة على الصعيد العالمي،

ص: 257

هذا وليس القرآن الكريم وحده هو الذي حكم ببطلان الصلب، بل الإنجيل أيضًا والتاريخ والعقل كذلك، وإليك طرفًا من ذلك.

إبطال دعوى صلب المسيح من الإنجيل:

فإن الذي يقرأ قصة الصلب في الأناجيل، يلاحظ أن الشخص الذي صلبته اليهود لم يكن عيسى عليه السلام فيما يلي:

الأول: لم يكن عيسى معروفًا بشخصه لدى رجال الشرطة التي أمرت بالقبض عليه، ولذا أخذوا معهم يهوذا الإسخريوطي ليعينه لهم.

الثاني: ثبت أن يهوذا ندم على استعداده لمعاونة الشرطة في تعيين شخص عيسى من بين التلاميذ، ورد لهم المبلغ الذي أخذه منهم.

الثالث: يحتمل بناء على هاتين الملاحظتين -وهما مذكورتان في الإنجيل نصًّا- أن يهوذا أدركته الندامة قبل وصوله مع رجال الشرطة، إلى المكان الذي فيه عيسى مع تلاميذه، فعين لهم أحد التلاميذ على أنه عيسى، ولم ينكر التلميذ رغبة في إنقاذ معلمه فأخذ وصلب.

ولا يرفع هذا الاحتمال ذهاب مريم المجدلية إلى القبر، وإخبارها بقيام عيسى عليه السلام لأنها لم تكن مع التلاميذ حين ذهبت الشرطة للقبض عليه، ولم يخبروها بأن المقبوض عليه ليس عيسى حتى لا ينتشر الخبر، فتعاود السلطات البحث عن عيسى، وكذلك لم يكذبوها حين روت أنه قام من قبره؛ لأن في ذلك رفعًا لشأنه وعاملًا قويًّا لحمل الناس نفسيًّا على الإيمان بالمسيحية.

الرابع: أن اليهود قتلت رجلًا لم تعينه بإقرار الإنجيل، ولم تعرفه إلا بشهادة يهوذا الإسخريوطي أنه ذلك المطلوب، وأما الإنجيل فلا دليل فيه صادق بتحقيق

ص: 258

ذلك، ولا خبر قاطعًا للحجة، كيف لا ونصوص الإنجيل والكتب النصرانية متضافرة دالة على عدم صلب عيسى عليه السلام ووقوع الشبه على غيره وذلك من وجوه منها.

الخامس: جاء في الإنجيل أن المطلوب قد استسقى اليهود فأعطوه خلًا ممزوجًا بمرارة، فذاقه ولم يشربه فنادى: إلهي إلهي لم خذلتني، في الوقت الذي صرحت فيه الأناجيل بأن عيسى عليه السلام كان يطوي أربعين يومًا وليلة ويقول للتلاميذ:"إن لي طعامًا لستم تعرفونه، ومن يصبر على العطش والجوع أربعين يومًا وليلة، كيف يظهر الحاجة والمذلة والمهانة لأعدائه بسبب عطش يوم واحد" هذا لا يفعله أدنى الناس فكيف بخواص الأنبياء، أو كيف بالرب تعالى على ما تدعيه النصارى، فيكون حينئذ المدعي للعطش غيره يقينًا وهو الذي شبه لهم.

السادس: قوله: إلهي إلهي لِمَ خذلتني، هو كلام يقتضي عدم الرضا بالقضاء، وعدم التسليم لأمر الله تعالى، وعيسى عليه السلام منزه عن ذلك فيكون المصلوب غيره، لا سيما والنصارى يقولون: إن المسيح عليه السلام نزل ليؤثر العالم على نفسه، ويخلصه من الشيطان ورجسه، فكيف يتفق هذا مع ذلك وهو على خلافه تمامًا.

السابع: جاء في التوراة أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون عليهم السلام لما حضرهم الموت كانوا مستبشرين بلقاء ربهم، فلم يجزعوا من الموت ولم يهابوا مذاقه، ولم يعيبوه، مع أنهم عبيد الله، والمسيح بزعمكم ولد ورب، فكان ينبغي أن يكون أثبت منهم، ولما لم يكن ذلك دل على أن المصلوب غيره.

الثامن: نطق الإنجيل بأن عيسى عليه السلام نشأ بين ظهور اليهود في مواسمهم وأعيادهم وهياكلهم، يعظهم ويعلمهم ويناظرهم، ويعجبون من براعته وكثرة

ص: 259

تحصيله، حتى كانوا هم يقولون: أليس هذا ابن يوسف أليست أمه مريم، أليس أخواه عندنا، فمن أين له هذه الحكمة؟.

وإذا كان كذلك غاية الشهرة والمعرفة عندهم، فلم نص الإنجيل على أنهم وقتما أرادوا القبض عليه لم يحققوه، حتى دفعوا لأحد تلاميذه -وهو يهوذا- ثلاثين درهمًا ليدلهم عليه، فلما قبله لهم -وهي العلامة المتعارف عليها- أمسكوه وربطوه وتركه التلاميذ وهربوا، وتبعه بطرس من بعيد فقال له رئيس الكهنة: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ فقال له المسيح: أنت قلت ذلك.

تُرى هل يمكن أن تلتبس شخصية المسيح على رئيس الكهنة والجمع الكبير، حتى يستحلفه باسم الله الحي: هل أنت المسيح؟ فيقول له: أنت تقول.

التاسع: وهذا يؤكد لنا أن المصلوب ليس عيسى وإنما غيره يقينًا ألقي عليه شبه عيسى حتى صار الناس في شك منه، فالشبه شبه عيسى، ولكن الدلائل والأحوال تؤكد أنه غير عيسى عليه السلام لذلك سأل كبير الكهنة ذلك المصلوب: هل أنت المسيح؟ وليس هذا فقط بل شك فيه كل تلامذته وأنكره أحب التلاميذ إليه، وفي الإنجيل أيضًا أن يسوع عليه السلام كان مع تلاميذه بالبستان، فجاء اليهود في طلبه فخرج إليهم وقال لهم: "من تريدون؟ قالوا: يسوع، وقد خفي شخصه عنهم ففعل ذلك مرتين. انظر إنجيل يوحنا.

وفي إنجيل متى: "بينما التلاميذ يأكلون طعامًا مع يسوع قال: كلكم تشكون في هذه الليلة، فإنه مكتوب أني أضرب الراعي فتفترق الغنم، فقال بطرس: فلو شك جميعهم ما أشك أنا. قال يسوع: الحق أقول لك إنك في هذه الليلة تنكرني قبل أن يصيح الديك، وقد كان فقد شهد عليهم بالشك بل على خيارهم وهو

ص: 260

بطرس، فإنه خليفته عليهم". فقد انخرم حينئذ الوثوق بأقوال النصارى في صلب المسيح، وجُزم بإلقاء الشبه على عيسى عليه السلام.

وما الذي يمنع الشبه أو يحيله، والله عز وجل قادر على أن يجعل شبه عيسى عليه السلام على ذلك الخائن أو على شيطان أو على أي شيء، والله سبحانه وتعالى الذي جعل من عصا موسى حية، قادر على أن يجعل إنسانًا شبه إنسان، فإذا كان الله عز وجل خلق جميع ما للحية في عصاة موسى عليه السلام وهو أعظم من الشبه، فإنّ جعل حيوان يشبه حيوانًا أقرب من جعل نبات يشبه حيوانًا، وقلب العصا حية تسعى مما أجمع عليه اليهود والنصارى، كما أجمعوا على جعل النار لإبراهيم عليه السلام بردًا وسلامًا، وعلى قلب الماء خمرًا، فإذا جوزوا مثل هذا جوزوا أيضًا إلقاء الشبه من غير استحالة.

العاشر: ولم يقع الشك من رئيس الكهنة فقط، ولا من تلاميذ المسيح حتى بطرس فحسب، بل من جميع من كان في المجمع، وحتى الذين اقتادوا عيسى لصلبه سألوه قائلين:"إن كنت أنت المسيح فقل لنا، فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقوني، وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني". فما معنى هذا القول؟ المعنى واضح: إن قلت لكم لست أنا المسيح لا تصدقونني، وإن سألتكم بعدها أن تطلقوا سراحي لا تجيبون طلبي، ويستحيل أن يكون المعنى: إن قلت لكم أنا المسيح لا تصدقوني؛ لأنهم إذا كانوا لا يصدقونه أنه المسيح فلم جاءوا به، فلم يبق إلا المعنى الوحيد المعقول، وهو إن قلت لكم: لست أنا المسيح لا تصدقوني ولا تجيبونني إلى ما أريد ولا تطلقونني.

الحادي عشر: بل في الإنجيل ما يصرح بنجاة عيسى عليه السلام حتمًا، ويؤكد إلقاء الشبه على غيره وذلك في قوله: "أقول لكم: إنه في تلك الليلة يكون اثنان على

ص: 261

فراش واحد، فيؤخذ الواحد ويترك الآخر". إنجيل لوقا إصحاح سبعة عشر فقرة الرابعة والثلاثون إلى السادسة والثلاثين، ويترك الآخر فيؤخذ الواحد ويترك الآخر، أي: التلميذ الخائن يؤخذ ويترك المسيح، بدليل ما جاء في سفر الأمثال: "الشرير فدية للصديق". سفر الأمثال إصحاح 21 الفقرة الثامنة عشرة.

يعني: الخائن يصلب فدية للصديق وهو المسيح. ويقول سفر المزامير: كثيرة هي بلايا الصديق، ومن جميعها ينجيه الله يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر، الشر يميت الشرير ومبغضو الصديق يعاقبون الرب نادى نفس عبده، وكل من اتكل عليه لا يعاقب. مزمور أربعة وثلاثين عدد ثمانية عشر. وفي إنجيل يوحنا:"فرفعوا حجارة ليرجموه، أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازًا في وسطهم". إنجيل يوحنا إصحاح ثمانية الفقرة التاسعة والخمسون، "فطلبوا أيضًا أن يمسكوه، فخرج من بين أيديهم". إنجيل يوحنا إصحاح عشرة الفقرة السادسة والثلاثون.

الثاني عشر: وفي إنجيل متى مكتوب أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجلك. إنجيل متى إصحاح أربعة الفقرة السادسة، ولوقا إصحاح أربعة الفقرة الأولى، فكيف تكون الوصية للملائكة، حتى لا تصدم رجل المسيح بحجر ثم يترك للصلب والتعذيب والإهانة.

الثالث عشر: وفي إنجيل يوحنا: أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدامًا ليمسكوه، فقال لهم يسوع: "أنا معكم زمان يسير بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدوني حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال اليهود فيما بينهم: إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن؟ لعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين، ويعلِم اليونانيين ما هذا القول الذي قال ستطلبونني

ص: 262

ولا تجدوني حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. إنجيل يوحنا الإصحاح السابع الفقرة الخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون.

ألا يعني هذا أن ملائكة الرب حملته بعيدًا إلى السماء في يوم الضيق، ولم يتمكن منه الكهنة والفريسيون، بل إن الكهنة والفريسيين لم يروه أبدًا، ولن يروه بعد أن تركهم في الهيكل، كما قال لهم في آخر لقاء عاصف معهم:"إنني أقول لكم لا ترونني من الآن حتى تقول مبارك الآتي باسم الرب، ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل". إنجيل متى إصحاح ثلاثة وعشرون الفقرة التاسعة والثلاثون، وفي إنجيل أربعة وعشرين الفقرة الأولى.

الرابع عشر: والمسيح نفسه ينفي عن نفسه فكرة القتل والصلب، ينفيها بكل قوة في مواضع كثيرة، ويتوعد بالقتل والصلب بدلًا منه يهوذا الخائن: سقط في الهوة مَن صنع. إنجيل يوحنا، وذلك لأن الرب قضى أن أمضى الشرير يعلق بعمل يديه. في إنجيل يوحنا. المعلق على الخشبة ملعون من الله. سفر التثنية إصحاح 21 الفقرة الثالثة والعشرين.

بأي جنون وبأي حماقة لعنوا الناموس والمسيح فقالوا: المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا؛ لأنه مكتوب: ملعون كل من عُلق على خشبة لثابت بولس إلى غَلاطِيا. إصحاح الثالث الفقرة الثالثة عشرة. ألم تهتز عقولكم وقلوبكم ولو مرة واحدة، فتكف عن لعنة الناموس والمسيح، ألم تسمعوا يسوع يقول لكم:"تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني، أليس موسى قد أعطاكم الناموس، وليس أحد منكم يعمل بالناموس، لماذا تطلبون أن تقتلوني". إنجيل يوحنا إصحاح السابع الفقرة التاسعة عشرة.

ص: 263

أنا أعلم أنكم ذرية إبراهيم ولكنكم تطلبون أن تقتلوني؛ لأن كلامي لا موضع له فيكم، لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم، ولكنكم تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد حدثكم بالحق الذي سمعه من الله، هذا لم يعمله إبراهيم. إنجيل يوحنا إصحاح الثامن الفقرة السابعة والثلاثون إلى الأربعين.

ألم تهتز عقولكم وقلوبكم ولو مرة واحدة، أم كنتم من الذين قال عنهم المسيح:"تمت فيهم نبوءة أشعياء القائلة: تسمعون سمعًا ولا تفهمون ومبصرون تبصرون ولا تنظرون؛ لأن قلب هذا الشعب غلظ وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم، ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم". إنجيل متى إصحاح ثلاثة عشر فقرة الرابعة عشرة والخامسة عشرة.

فارجعوا إلى الحق الذي جاء به المسيح فها هو طريق الخلاص الحقيقي، لا ما أنتم عليه وتذكروا قوله:"اذهبوا وتعلموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة". إنجيل متى إصحاح تسعة الفقرة الثالثة عشرة.

ومن هنا نعلم أن هذه الأناجيل ليست قاطعة في صلبه، بل فيها اختلافات وشكوك كثيرة كما قدمت لك، بل هي احتمالات، واليهود ليسوا قاطعين بذلك أيضًا، فأي ضرورة تدعوكم إلى إثبات أنواع الإهانة والعذاب في حق رب الأرباب على زعمكم، إن هذا لمن العجب العجاب، هذا فضلًا عن تبرئة اليهود حديثًا من دم المسيح عليه السلام وصدق ربنا عز وجل إذ قال:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} (النساء: 157).

ص: 264