الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-199 -
رحلتي من فرانكفورت إلى آخن
انتهت الحلقة السابقة وأنا في فرانكفورت التي لم أكن أعرفها ولا أعرف أحداً فيها. وكانوا يعلّموننا ونحن صغار في المدرسة أن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فوجدت هنا أني بنفسي أقلّ من القليل لأنني لا أُحسِن صنعاً ولا أعرف لنفسي وجهة، وأنه لا إخوان لي أتكثّر بهم. فجعلت أتلفّت حولي أفتّش عن مَنْجَى، ولا منجى ولا ملجأ إلاّ إلى الله، وحسب المؤمن الله. أدور كما كان يدور الأحوص في طرق المدينة ليرى أم جعفر:
أدورُ ولولا أنْ أرى أمَّ جعفرٍ
…
بأبياتِكم ما دُرْتُ حيثُ أدورُ
وما في مطار فرانكفورت جعفر ولا أم جعفر. وكنت أرى مطار بيروت أكبر مطار فوجدتُه هنا غرفة في دار! كلاّ، ما هذا مطاراً ولكنه قرية كبيرة أو بلدة صغيرة، اللوحات التي تُرشِد إلى مخارجه فيها حروف معها أرقام، تدلّ على أنها عشرات وعشرات. جهنّم لها سبعة أبواب وهذه لها سبعون، وأنا فيها
…
أرأيتم الصرصور يسقط في القدر الفارغة الملساء الجوانب، يعدو في كل اتجاه يريد أن يصعد وكلما صعد زلّت به القدم فسقط؟
ورأيت مَن كان معي في الطيارة يؤمّون موضعاً يتجهون إليه يأخذون منه حقائبهم، فسرتُ من حيث ساروا، فوجدت نضداً مستطيلاً عليه الحقائب يمشي بها، بطيئاً مشيه، فكلما أبصر أحدهم متاعه مدّ إليه يده فأخذه ومشى، حتى مشى الناس كلهم وانقطع سير الحقائب، وبقينا أنا وزوجتي واقفَين لم نتسلّم متاعاً ولم نقضِ من وقوفنا وطراً. فذهبتُ فكلّمتهم فما فهموا عني وكلّموني فما فهمت عنهم، فأدركت مبلغ الخسارة التي خسرتُها حين لم أُحسِن النطق بالفرنسية. وماذا ينفعني أن أفهم ما قرأت من روائع أدبها وبدائع بيانها، وأنا لا أدري كيف أستعملها للسؤال عن متاعي؟! على أن الفرنسية لم تعُد شيئاً أمام الإنكليزية التي فرضها نشاط أهلها على ربع العالَم؟ ولقد قلتُ قديماً مقالة حقّ لا مقالة عربي يتعصّب للسانه: إن العربية في الدرجة الأولى بين الألسُن واللغات، والدرجة الثانية والثالثة شاغرتان فارغتان لا شيء فيهما، وفي الدرجة الرابعة الفرنسية، أما الإنكليزية فتأتي متأخرة ولكن نشاط أهلها هو الذي قدّمها.
انصرف الناس وبقيتُ حيران لا أنصرف. و «حيران» ممنوع من الصرف إذا كنتم لا تزالون تذكرون ما درستم من قواعد اللغة العربية. هنا، وعند شدة الضيق يأتي الفرج؛ جاء الفرج من البحرين. والنسبة إليها عند العرب «بحراني» ، ولكنهم (ولست أدري لماذا) لا يحبّون أن يُدعى أحدهم بها. وباب النسب عند العرب أكثره سَماعي، فإن نسبوا إلى المدينة المنوَّرة (بنور الإسلام) قالوا:«مدني» ، فإن وجدتم بين المحدّثين من اسمه «المَديني» فهي نسبة إلى مدينة المنصور، أي إلى بغداد أول
مابناها، فإن قالوا «المدائني» فالنسبة فيها إلى مدائن كسرى.
وكان رجلاً عربياً كريماً، تاجراً من البحرين، مرّت ستّ عشرة سنة ما نسيت فيها ما كان من فضله وإحسانه ولكن نسيت أول اسمه، أمّا آخره فباقر. فهل تعرفون في آل باقر في البحرين رجلاً كان سنة 1970 مسافراً إلى ألمانيا؟ إذا رأيتموه فأبلغوه أني لا أزال أذكره وأشكره وأدعو له.
رآني غرقان فأخذ بيدي؛ سألني عمّا أريد، فلما عرف خبري مدّ لي يد العون. وكان له عميل ألماني كأنه من عفاريت الجنّ، خرّاج ولاّج سريع الحركة واسع الحيلة كبير الطاقة، فهم قصّتي فدخل من حيث لم أكن أقدر أن أدخل وقال ما لم أستطع أن أقول، فجاء بالحقائب محمولة على عربة صغيرة تسير. وإذا خبرها أني لمّا وكّلت مَن يقطع لي التذكرة في عمان قلت له أن يوصلني بها إلى بروكسل فالسفر منها إلى آخن سهل ميسور، ما عليّ إلاّ أن أركب القطار فأصل بعد ساعة واحدة إلى آخن، ثم إن بروكسل ينطق شطرها باللغة الفرنسية، وأحسب أن ما بقي لدي من الفرنسية (وقد هجرتُها وتركتها من سنة 1929) أن ما بقي لديّ منها يكفي ليوصلني من بروكسل إلى آخن. وآخن عند ملتقى حدود ألمانيا وبلجيكا وهولندا، حتى إن الحدود ربما كانت فيها فكان هذا الجانب من الشارع من أرض هولندا أو بلجيكا والجانب الثاني من أرض ألمانيا، وكان الانتقال سهلاً والأبواب مفتَّحة.
فلما رأوا بطاقة سفري نقلوا حقائبي إلى الطائرة التي تذهب إلى بروكسل، وكان عليّ أن أنتقل معها، وقيامها موقوت بوصول
طائرتنا، ولكني كنت في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض: جهل بالمكان، وجهل بالسكان، وجهل باللسان؛ فتركت الطائرة تُفلِت مني وبقيتُ في مكاني، فلم يبق إلاّ أن أبيتَ في فرانكفورت لأركب طائرة أخرى إلى بروكسل من الغد.
وأخذَنا السيد باقر جزاه الله خيراً معه في سيارته إلى فندقه. وكان قد حجز له غرفة في فندق كبير، وكان في البلد معرض لست أدري ما هو كَثُرَ بسببه زوّار البلد حتى ضاقت بهم فنادقها، فحاول أن يجد لنا في فندقه غرفة فما استطاع، فترك عمله -أحسن الله إليه- وذهب معي في سيارته حتى وجد لي غرفة في فندق آخر، دون الذي ينزله هو وفوق الذي كنت أطلبه أنا، والشرط أن يكون في الغرفة حمّام حتى لا أُضطرّ إلى الخروج منها ومشاركة مَن لا أُحبّه في مرافقها، وهذا شرط أصرّ دائماً عليه ولا أقدر أن أتنازل عنه.
فاختار لي الغرفة، وكلّم هو وعميله مديرَ الفندق أمامي فأمر بإصعاد المتاع إليها لنصعد نحن بعدها، فلما رأيناها وجدناها بلا حمام، فعدتُ إلى صاحب الفندق أكلّمه فلا يفهم عني. وكان كهلاً ألمانياً عصبياً حديد المزاج سريعاً إلى الشجار، وكنت في هذا كله مثله، بل كنت أكثر منه! فاختلفنا، وتركت الغرفة وخرجت أشتمه بلساني فتذهب الشتائم كالطلقات الطائشة من الرشاش تذهب في الفضاء فلا تصيب أحداً!
بلغنا الشارع ووقفنا فيه، ولم نعرف لنا مذهباً نذهب إليه. وماذا أصنع وأنا في بلد غريب ولا أعرف فندق صاحبي لأذهب
إليه؟ فتصوّروا حقائبي على رصيف الشارع وأنا وزوجتي واقفان، وقد برّح بنا التعب فلم تعُد تستطيع الوقوف. وندمت على ترك الغرفة، لأن غرفة بلا حمّام خيرٌ من النوم على الرصيف
…
هذا إن تركونا ننام عليه ولم يقبضوا علينا قبضهم على المشرَّدين فيكون مبيتنا في السجن! هنالك بلغتُ من اليأس قرارته وضاقت بي المسالك، بل لقد سُدّت في وجهي السبل. وحين تُسَدّ سبل الأرض كلها لا يبقى إلاّ سبيل واحد لا يُسَدّ أبداً ويظلّ دائماً مفتوحاً لا يردّ قاصداً، هو سبيل السماء، هو الدعاء، هو أن تدعو الله مخلصاً له الدين واثقاً من كرمه بالإجابة.
وشرح الله صدري فذكرت أن السيارة لم تمشِ من الفندق الكبير إلى هذا الذي تركتُه إلاّ قليلاً، فهو إذن قريب. فجعلت أمشي على مهل حتى لا تضيع مني زوجتي، أتلفّت إليها تارة وأنظر أمامي تارة أتفرّس في وجوه الناس، حتى وجدت وجهاً يُشعِر بالطمأنينة فسألته بالفرنسية عن الفندق الكبير، ففهم والحمد لله عني ودلّني، فإذا هو قريب، فذهبنا إليه. والمصيبة في ما رأينا من المحطات والمطارات أنه ليس في شيء منها حمّالون كالذي نراه في بلادنا، وإنما فيها عربات صغار يوضع فيها المتاع وتُدفَع بالأيدي. لكنني في شارع، فمن أين آتي بالعربة؟ فأخذتُ سيارة أجرة وقلت له: خذني إلى الفندق الكبير. وكلمة فندق (أوتيل) تكاد تكون كلمة عامّة يفهمها الناس كلهم على اختلاف ألسنهم، وعجبتُ من نفسي كيف لم يخطر لي من أول الأمر أن أركب سيارة توصلني إليه.
ودخلت الفندق وسألت عن صاحبي فوجدته مع عميله
الألماني قد بسطوا دفاترهم يتكلمون، فلما رآني ترك ما هو فيه جزاه الله خيراً وجعل همّه مساعدتي. ولم نكن قد أكلنا شيئاً ولا صلّينا الظهر (وإن نوينا الجمع)، فأخذنا إلى غرفة في الفندق كانت خالية استأجرناها إلى غروب الشمس فقط، فاسترحنا وأكلنا وصلّينا. ورجعت إلى صاحبي أسأله: ما العمل؟ قال عميله: لِمَ لا تذهب بالقطار؟ قلت: إن السفر بالقطار أحب إليّ، ولكن هل يمضي رأساً إلى آخن؟ قال: بل لا بدّ من تبديله في بلدة كذا (ولقد نسيت الآن اسمها). قلت: هلمّ بنا.
وكانت محطة القطار مواجهة الفندق في الشارع الذي كنا فيه، فذهبنا إليها، وسألته أن يقطع لي تذكرة في الدرجة الأولى، فحاول أن يُفهِمني (وكان يعرف كلمات من العربية) أن الثانية قريبة من الأولى وهي أرخص منها، ولكني لخوفي من المشقّة ورغبة في الراحة بعد ما رأيت من التعب أصررتُ على الدرجة الأولى. وأقعدني في غرفة للانتظار فيها مقاعد مريحة وخبّرني أن القطار يأتي بعد عشر دقائق، وودّعني لينصرف فحاولت أن أدسّ في يده مبلغاً من المال جزاء ما تعب بي فأبى واستنكر، بل لقد استكبر أن يأخذه وكاد يغضب، فتركته وأجزلت له الشكر وفارقته.
* * *
وأخذنا مكاننا في القطار، وسلك بنا طريقاً من أجمل ما عرفتُ من الطرق في حياتي، وكان يمشي على شطّ نهر الراين أرى منه النهرَ والسفن تجري فيه، والقرى والمدن على شطَّيه، والجبال الشَّجْراء من حولها
…
منظر كان متعة للنفس وفرجة
للنظر، لولا أني كنت منشغل الذهن أخاف أن أصل إلى حيث يجب أن أبدّل القطار فلا أتنبّه إليه فيمضي بي إلى بلد لا أعرفها.
ووادي الراين لمن عرفه من أجمل الأنهار، ولكن يد البشر ما مسّت شيئاً خلقه الله إلاّ أفسدته ومحت جماله ونقصت كماله. فقد سلّطنا عليه المصانع فلوّثت ماءه وعكّرت صفاءه، حتى إنني لمّا جئت بعد هذا بستّ سنين (سنة 1976)، وكانت سنة قحط، وجدته -فوق ما حلّ به من البلاء- قد قلّ منه الماء وتلوّث وفسد حتى صارت رائحته تؤذي الناس على الشطّين. وكنت أرى في تلك السنة الغابات في الجبال تشتعل ولو لم تمسسها نار، من شدة الحرّ واحتكاك الجذوع أو مما لست أدري، وكذلك البلاء إذا نزل لا يُرَدّ. ولكن أين مَن يعتبر؟ بالأمس القريب أُعلن أن الشيوعيين سينشطون في خططهم في نشر الإلحاد ومحاربة الأديان، يحسبون أنهم يتصرفون في ملك الله، فأدّبهم الله بأدقّ خلقه، بشيء يبلغ من صغره أنها لا تراه العيون ولا بالمكبّرات والمجاهر: بالذرّة. فكان ما كان في تشرنوبيل، ولَعذاب الآخرة أشدّ لو كانوا يعلمون.
وما زلت كلما وقف القطار في محطة أسأل: أهذه مدينة كذا (1) التي يجب علينا أن نبدّل فيها القطار؟ فيقولون: لا. حتى إذا بلغتها جاؤوا فخبّروني (وقد سمعوني أسأل مرات) يقولون لي: هذه هي فأعدّ نفسك للنزول. ونزلنا من القطار، وأبواب القطار عادة عالية، لذلك يرفعون أرض المحطات حتى يسهل
(1) لا بد أنها كولونيا (كولْن)، فهي التي ينتقل فيها المسافر من قطار فرانكفورت إلى القطار الذاهب إلى آخن. وباسم هذه المدينة سُمّي ماء العطر (الكولونيا) لأنه صُنع أولَ ما صُنع فيها فنُسِب إليها (مجاهد).
الخروج منها والدخول إليها فيكون القطار كأنه يمشي في حفرة من الأرض، ثم ننزل من المحطة على درجات فنصل إلى الشارع.
دَلّوني على القطار الذي ينبغي أن أنتقل إليه فإذا بيني وبينه حفرتان من هذه الحفر التي تمشي فيها القطارات، أي أن عليّ أن أنزل إلى الشارع ثم أصعد من الجهة الأخرى حتى أبلغ القطار الذي أريد. وكانت حقائبي ثقيلة فحرت ماذا أصنع، وإذا بشابّ عريض المنكبين قويّ الساعدين يتدفق صحّة وقوة، فسألني بالإشارة عن القطار الذي أريد فأشرت إليه، فأمسك بالحقيبتين باليدين وقفز قفزة واحدة من جانب إلى جانب وأتبعها بقفزة أخرى، وأشار إليّ أن أنزل أنا بالدرَج. فنزلت وأنا ألهث من التعب وزوجتي معي حتى صعدنا، وخفت (و «سوء الظنّ من أغلى الفِطَن» كما يقولون) أن يذهب بها، وإذا هو قد وضعها لي في غرفة القطار وأمرني أن أصعد، وبدأ القطار يتحرّك فمددت يدي إليه بشيء من المال، فجعل يشكرني بوجهه الذي انطلقت منه الأسارير وضحكته التي بلغت أقصى الخدّين ولسانه الذي تدفّقت منه الكلمات وإشارات يديه.
فعجبَت زوجتي وقالت: كم أعطيته؟ قلت: أعطيته ماركاً ونصف المارك. قالت: هذا الشكر على أكثر من ذلك، فاحسب ما معك. فما عرفت كيف أحسب، قلت: إذا رجعنا حسبنا. فلما رجعنا وحسبت ما كان معي وجدت أنني لم أعطه ماركاً ونصف المارك بل أعطيته مئة وخمسين ماركاً، لذلك كان منه هذا الشكر العجيب.
هنالك اطمأننت لأني علمت أني لن أنزل من مركبي إلاّ في
آخن، وجعلت الآن أتأمل ما حولي وأستمتع بما أمرّ به من جميل المناظر. وكذلك تتغير الدنيا أمام الإنسان بتغيّر حالة نفسه، فكأنه يراها من خلال زجاج وضعه أمام عينه، فإن كان مبتئساً كان زجاجاً أسود رأى الدنيا من خلاله سوداء، وإن كان مسروراً أبصرها من خلال زجاج وردي فرآها مشرقة مزهرة. رأى لامارتين البحيرة لمّا كان مع إلفير بغير العين التي رآها بها لمّا عاد إليها وحده بعدما ماتت إلفير، فأنشد فيها قصيدته التي تُعَدّ رائعة في الأدب العاطفي الرومانسي، والتي ترجمها الزيات نثراً وإلياس فيّاض شعراً، فتصرّف في معانيها وعبّر عنها بخياله العربي فقال في مطلعها:
أهكذا تنقضي دوماً أمانينا
نطوي الحياةَ وليلُ الموتِ يطوينا
تَمضي بنا سُفُنُ الأيامِ ماخرةً
بحرَ الوجودِ ولا نُلقي مَراسينا
بل لعلّ الفيلسوفَ المتشائمَ تشاؤمُه لعلّة في جسده أو نكبة في معيشته. لو كان أبو العلاء المعرّي مبصراً يرى الدنيا ويعيش كما يعيش الناس هل كان يقول هذه الأشعار؟ أوَلم يكن يختلف شعره لو كان له مثل جسد بشّار (وهو أعمى مثله) ومثل شهوته ومثل إقباله على طعامه وشرابه؟ لي رسالة عنوانها «في التحليل الأدبي» مطبوعة من خمس وخمسين سنة شرحت فيها أثر التكوين الجسدي والوضع الاجتماعي والحالة النفسية للأديب في أدبه (1).
* * *
(1) انظر «مقالة في التحليل الأدبي» في كتاب «فِكَر ومباحث» (مجاهد).
وبلغنا آخن، وقلت لسائق السيارة أن يأخذني إلى المسجد، وكان معروفاً ولم يكن في البلدة مسجد غيره، وكان أمام المحطة الفرعية للقطار فلم يكن يضلّ عنه أحد. وكان المسجد مجاوراً لأبنية الجامعة في آخن، بل هو داخل في نطاقها، فلما دنوت منه وجدت حفيدَيّ هادية وأيمن ولدَي الأستاذ عصام العطّار يلعبان، فدعوتهما، فلما رأياني بدت على وجهيهما دهشة لايمكن وصفها، ثم زادت هذه الدهشة وتضاعفت لمّا رأيا جدّتهما (زوجتي) معي، وأسرعا إلى أمهما يخبرانهما. كانت مشغولة الفكر مرّت عليها أيام أبطأت فيها رسائلنا وتعسّر الاتصال بنا، فلما قالا لها إننا هنا حسبت (كما خبّرتني رحمها الله ورزقني الصبر عنها) أنهما يمزحان معها فكادت تغضب منهما، فلما أكّدا الخبر وكرّراه خرجت لترانا فلم تصدّق بصرها، وجاء عصام فخرج يتلقانا يرحّب بنا.
وكان كل ما بذلنا من الجهد وما حملنا من المشقّة لهذه المفاجأة التي لم يكن ينتظرها أحد.
* * *