الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منزلته العلمية حيث وصف "بالحافظ""العلَّامة""الإمام""شيخ الإِسلام".
4 -
أن هذا الكتاب مستسقى من عدة شروح لكتاب (عمدة الأحكام) سابقة للمؤلف كابن دقيق العيد وابن العطار والفاكهي وغيرهم ممن اهتموا بشرح هذا الكتاب والتعليق عليه، فيكون كالجامع لها.
5 -
قلة الكتب ذات الآن المتخصصة في شرح أحاديث الأحكام وخاصة عمدة الأحكام فإنه مع كثرة المخطوط منها فالمطبوع قليل أو يندر.
6 -
اعتماد أهل العلم على هذا الشرح فنقلوا منه في كتبهم وأحالوا عليه.
7 -
أن في نشر الكتب العلمية إثراء للمكتبة الحديثية في مثل هذا النوع من الكتب.
بيان عملي في الكتاب:
يتلخص فيما يلي:
1 -
نسخ الكتاب من المخطوط، معتمدًا في ذلك نسخة المكتبة الظاهرية وهي النسخة الأصل، مع الإشارة إلى بدايات كل صفحة من أوراقها مشيرًا إلى أرقام الصفحات، مع التفريق بين ما إذا كانت تمثل الوجه الأيمن أو الأيسر من الصفحة، مميزًا بالرمز "أ" للوجه الأيمن "ب" للوجه الأيسر، وهذا في جميع المخطوطات التي تمت المقابلة بينها وبين المخطوطة الأصلية،
فيكون [1/ أ/ أ]، فالرقم الأول يشير إلى عدد الصفحة وحرف "أ"، الأوسط يشير إلى رمز المخطوطة والحرف الأخير "أ"،
يشير إلى جهة الصفحة، مراعيًا في ذلك القواعد الإملائية الحديثة في رسم الكلمات التي جاءت مخالفة كـ: مسئلة، مشايخ، وغيرها فقد كتبتها وفق الرسم الحديث لتظهر "مسألة، مشائخ"، أيضًا: إضافة ما كان في هامش النسخ وكتب عليه علامة "صح" إلى صلب الكتاب، أيضًا: تصحيح الكلمة المخالفة للفصيح وإضافة النقط للكلمات التي أهمل نقطها وكتابة الكلمات كتابة نحوية صحيحة إذا ورد ذلك وهو قليل.
2 -
الاجتهاد في المقابلة بين النسخ وإثبات الفروق في الهامش، لإكمال السقط، ورمزت لكل نسخة برمز هي موضحة في
نماذج صور المخطوطات، متبعًا ما يأتي:
(أ) إذا وجدت اختلاف بين النسخ فإنني أجتهد حسب الطاقة في اختيار الصواب في صلب الكتاب معتمدًا في ذلك على مرجحات منها: تناسب السياق، أو مناسبة الكلام وغير ذلك، وإذا تم ذلك أثبته في النص مع الإشارة إلى خلافه وإلى ما تم اختياره من النسخ.
(ب) الإشارة إلى ما سقط من النسخ في الهامش.
(ج) إصلاح التصحيف في النسخة الأصلية وذلك بالرجوع إلى النسخ الأخرى، أو التنبيه على ذلك بما توصلت إليه من المصادر.
(د) إضافة ما ترجح عندي أنه ساقط من الأصل من النسخ أو من المصادر التي رجع إليها المؤلف، وغالبًا ما أكتفي بالإشارة إلى ذلك، وما أهمل استدركته من "إحكام الأحكام" حيث يعتبر نسخة سادسة لهذا الكتاب لكثرة النقل منه، معتمدًا في ذلك على النسخة المطبوعة بها حاشية الصنعاني.
3 -
جرت عادة النساخ بالاختلاف في الكتابة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصروا على قولهم "عليه السلام"، ولا يذكروا الصلاة، في بعض الأحيان لا يذكروا لفظ التسليم فخوفًا من إطالة الحاشية فإنني قد اقتصرت على ما في النسخة الأم معرضًا عن هذا الاختلاف ولم أشر إليه في الهامش لكثرته، إلَّا قليلًا في بداية الكتاب.
4 -
وجود كلمات لم أستطع قراءتها ولا المراد منها أو طمس، فأضعها بين قوسين وأشير في الهامش إلى معناها أو أجتهد في
تقدير الكلمة المطموسة في الهامش.
5 -
عزو الآيات القرآنية الواردة في النص إلى موضعها في المصحف.
6 -
عزو الأحاديث التي في العمدة إلى مواضعها في غير الصحيحين من كتب السنة المشهورة سواء ورد بلفظه كاملًا
أو بمعناه.
7 -
عزوت كل حديث أورده ابن الملقن في الشرح إلى مصدره في كتب السنة المشهورة سواء ورد بلفظه كاملًا أو بمعناه.
8 -
الاجتهاد في البحث للحكم على الأحاديث التي لم يحكم عليها ابن الملقن أو أطلب ما يؤيد حكمه وذلك معتمدًا فى
النقل على فحول علماء هذا الشأن.
9 -
توثيق النقول التي ينسبها المؤلف إلى أصحابها، وإذا لم يصرح فإنني أبحث عن ذلك للوقوف عليه وهذا قليل ولم يفوتني ذلك إلَّا نزرًا يسيرًا وهذا يرجع إلى عدة أسباب إما عدم طبع الكتاب أو ندرته وعدم وجوده.
10 -
ترجمت للأعلام الواردين في النص ترجمة مختصرة.
11 -
لم أوثق نقول المؤلف في ترجمة الرواة لأن هذا كثير بالنسبة إلى نقله وقد يثقل على القارئ كثرة الهواش وخصوصًا أنها
ليس فيها حكم شرعي، وأيضًا ما ساقه من الأحاديث في فضائلهم الخصوصية.
12 -
ضبط ما يشكل على القارئ قراءته أو يلتبس عليه بالشكل مع شرح بعض الكلمات اللغوية.
13 -
ضبط ترقيم الأحاديث وذلك بالإشارة إلى رقم الحديث العام ورقم الحديث بالنسبة للباب وترقيم الأبواب، هكذا [1/ 2/ 3]، فالرقم الأول يشير إلى رقم الحديث، والرقم الثاني يشير إلى رقم الباب، والرقم الثالث يشير إلى رقم الحديث بالنسبة للأبواب.
14 -
وضع الفواصل بين الكلمات وعلامات الترقيم المتفق عليها حديثًا ليستقيم المعنى.
15 -
وضع عناوين جانبية لتساعد القارئ على فهم المراد من هذا الكلام.
16 -
وضع فهارس:
(أ) فهارس عامة ومختصرة في كل جزء.
(ب) وضع فهارس علمية، وتشتمل على ما يأتي:
(1)
فهرس للآيات القرآنية.
(2)
فهرس للأحاديث النبوية والآثار.
(3)
فهرس للقواعد الأصولية.
(4)
فهرس للأعلام.
(5)
فهرس للكلمات الغريبة.
(6)
فهرس للأماكن ونحوها.
(7)
فهرس لمصادر المؤلف.
(8)
فهرس للمصادر والمراجع الخاصة بالتحقيق.
وهذه الفهارس ستكون إن شاء الله عند النهاية من الكتاب.
17 -
التنبيه على أخطاء المؤلف في العقيدة، وقد سبق أن بينت عقيدته في الترجمة وأنه أشعري وعنده شيء من التصوف.
18 -
نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأئمة الدعوة رحمهم الله وترجيح ما رآه في كثير من المسائل.
وفي النهاية فإنني أشكر كل من ساعدني في إنجاز هذا العمل، وهم كثر، فجزاهم الله عني خير الجزاء، وقد يفوتني بعض العزو إلى من نقلت عنه فأرجو من القارئ أن يعذرني في التقصير على ذلك وأن ينبهني إلى وجود خطأ لاستدراكه في الطبعات القادمة إن شاء الله.
نسأل الله سبحانه أن يجزي الجميع خيرًا وأن يضاعف أجورنا ويغفر لنا سيئاتنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأن يغفر لنا ولوالدينا
ولجميع المسلمين، وصلى الله على نبيا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وكتبه
أبو أحمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن حمود المشيقح
في مدينة بريدة، حرسها الله من كل سوء
في يوم الخميس، الثامن والعثسرين من شهر جمادى الثاني
عام 1415 هـ
مخطوطة (أ) ويظهر فيها عنوان الكتاب
صفحة (1) من مخطوطة (أ) الأصل
الصفحة الأخيرة من مخطوطة (أ)
الصفحة الأولى نموذج (ب)، ويظهر عنوان الكتاب
الصفحة الثانية بداية الكتاب من نموذج (ب)
الصفحة الأخيرة من نموذج (ب)
الصفحة الأولى من نموذج (ج)
الصفحة الأخيرة من نموذج (ج)
الصفحة الأولى، ويظهر عنوان الكتاب من نموذج (د)
الصفحة الأولى من نموذج (د)
الصفحة الأخيرة من نموذج (د)
نموذج (هـ)، ويظهر غلاف الكتاب
الصفحة الأولى من نموذج (هـ)
الصفحة الأخيرة من نموذج (هـ)
النص المحقَّق
بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)} (1)
الحمد لله (2) أتمَّ الحمد وأكمله، وأعمه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، شهادة هي للفوز محصلة، وللنجاة متكفلة، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، خير الخلق آخره وأوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه "وسلم"(3)، صلاة زاكية دائمة بكل زمن متصلة، وبعد:
فهذه نبذة مهمة على كتاب عمدة الأحكام في أحاديثه -عليه أفضل الصلاة والسلام- تأليف الحافظ تقي الدين أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقى (4) الصالحي الحنبلي، سقا الله ثراه، وجعل الجنة مأواه [علقتها](5) حال قراءتها عليَّ، وتردد قاريها إليَّ، وخصصت الكلام
(1) سورة الكهف: آية 10.
(2)
في ن ب زيادة (الذي).
(3)
زيادة من ن، ب.
(4)
في ن ب زيادة (واو).
(5)
في ن ب (علقها).
عليها لإِكباب جميع المذاهب عليها، وحصرت الكلام في خمسة أقسام:
الأول: التعريف [بمن](1) ذكر من رواة الحديث، وبيان حاله، وضبط نسبه، ومولده ووفاته، على وجه الاختصار، فإني أفردت هذا بالتصنيف وسميته "العدة في معرفة رجال العمدة"(2)، ولله الحمد على إكماله، وهو مهم فسارع إليه.
الثاني: في التنبيه على أحاديث وقعت في الكتاب من أفراد الصحيحين، وهو مخالف لشرطه في الخطبة كما ستعلمه عند شرحها، نعم هي قليلة جدًا كما ستراها في مواضعها إن شاء الله تعالى (3).
الثالث: بيان ما وقع فيه من [المبهمات](4)، وقد ظفرت بغالبه ولله الحمد.
الرابع: في ضبط لفظه وبيان إعراب ما يشكل وغريبه.
الخامس: -وهو المهم- الإشارة إلى بعض ما يستنبط [من الحديث](5) والأصول والفروع والأدب وغيرها حسبما تيسَّر بفضل الله ومَنِّه، ما لا يجتمع في غيره، والجمع بين مختلفها، وإيضاح
(1) في ن ب (ممن).
(2)
انظر: تحفة المحتاج (1/ 86).
(3)
انظر: كتاب تصحيح العمدة للإمام الزركشى، تحقيق د. مرزوق الزهراني، في مجلة الجامعة الإسلامية، عدد (75، 76).
(4)
في الأصل (المهمات)، والصحيح من ن ب.
(5)
في ن ب زيادة (من).
ما فيه من الناسخ والمنسوخ، والعام والخاص، والمبين والمجمل، وتبيين المذاهب الواقعة فيه، وذكر وجهها وما يظهر منها على وجه الإنصاف، وما لا يظهر، وأعرض عما فعله بعض الشراح من إيراد [مسائل](1) لا تستنبط من ألفاظ الحديث، كمن يأتي إلى حديث يدل على جواز مسح الخف مثلًا، فيأتي [بمسائل](2) ذلك الباب من غير أن تكون مستنبطة من الحديث الذي تكلَّم عليه، وإن أمكن فبطريق مستبعد، وأعرض أيضًا عما فعله قوم من الاسترسال في وجوه الاستنباط، فإن تعرضت له نبهت على بعده وعدم ظهوره، وأتبع ذلك على ما وقع للشراح من المؤاخذات، إلى غير ذلك مما ستراه واضحًا إن شاء الله تعالى من الفوائد والفرائد، وسميته "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" أسال الله الكريم إتمامه مصونًا عاجلًا، وأن يجعله لكل خير كافلًا لا رب سواه ولا نرجو إلَّا إيَّاه حسبنا [الله ونعم الوكيل ولا حول](3) ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم، [اعتصمت](4) بالله ألجأت ظهري إلى الله اعتمدت على الله، اللهم انفع به [مؤلفه وقارئه والناظر فيه وجميع](5) المسلمين.
فصل: في نسب النبي صلى الله عليه وسلم ليشرف الكتاب به، ولمعرفه فوائد
(1) في ن ب (ما لا يستدرك).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب مطموسة.
(4)
في ن ب مطموسة.
(5)
في ن ب (مخرومة الكلمة).
[لا تحصى هو: محمد بن](1) عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي -بالهمز، وقيل:[مرة](2) - بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس -بكسر الهمزة وفتحها- بن مضر [ابن نزار بن](3) معد بن عدنان، إلى هنا إجماع الأمة، وما وراءه مختلف (فيه)(4)، كنيته أبو القاسم، وكناه جبريل أبا إبراهيم (5)، ويكنى أبا الأرامل أيضًا.
وأمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب. وأسماؤه كثيرة ذكر ابن عساكر منها جملة، وذكر ابن العربي (6) منها [ستين] (7) اسمًا (8) سردها وقال:[وله](9) وراء ذلك أسماء، وقال بعض الصوفية: له ألف اسم، وذكر له ابن دحية فوق المائتين في جزئين وقد لخصتهما فيما اختصرته من (دلائل
(1) في ن ب مطموسة.
(2)
في ن ب مطموسة.
(3)
في ن ب مطموسة.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
ضعفه الذهبي في السيرة النبوية (ص 11) وأفادنى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله مشافهة بأن الشيعة هم الذين يكنون النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكنية.
(6)
في القبس (3/ 1200).
(7)
في الأصل (ستون)، وما أثبت من ن ب.
(8)
في ن ب زيادة (ثم).
(9)
في الأصل (إنه)، والتصحيح من ن ب.
النبوة) (1) للبيهقي، أعان الله على إكماله.
ولد عام الفيل، وقيل: بعده بثلاثين سنة، وقيل: بأربعين سنة، واتفقوا على ولادته يوم الاثنين في ربيع الأول، قيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لثمان، وقيل: لعشر، وقيل: لثنتي عشرة وهو أشهر.
وبُعثَ رسولًا إلى الناس كافة وهو بمكة ابن أربعين سنة، وقيل: أربعين ويوم، ثم أقام بها بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، وقيل: عشرًا، وقيل: خمس عشرة، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها عشرًا بالاتفاق، والصحيح في عمره ثلاث وستون (2) وقدم المدينة يوم الاثنين ضحى لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وابتدأ التاريخ من الهجرة.
قال الحاكم أبو أحمد: يقال نبىء يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرًا يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وفيه ولد وتوفي. فصل: في نبذة مختصرة من حال مصنف هذا الكتاب المبارك الذي عمَّ النفع به وكم من قاصد "تحداه"(3) فلم ينل شيئًا من مرتبته وهذا مما يدل على صدق نية مؤلفه وعلو منزلته، هو الحافظ الإمام محدث الإِسلام تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن
(1) انظر: كشف الظنون (760).
(2)
في ن ب زيادة (سنة).
(3)
في ن ب (عدّاه).
علي بن سرور المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي ثم المصري الحنبلي، صاحب التصانيف، ولد سنة إحدى وأربعين وخمس مائة بجماعيل، سمع ابن البطي وطبقته ببغداد، وأبا طاهر السلفي بالثغر، وأقام عليه ثلاثة أعوام، ولعله كتب عنه ألف جزء، والحافظ أبا موسى المديني وأقرانه بأصبهان، وعلي بن هبة الله الكاملي بمصر وسمع أيضًا من غيرهم، وكتب ما لا يوصف كثرة، وما زال ينسخ ويصنف ويحدث ويعبد الله حتى أتاه اليقين، روى عنه [ولداه](1)، أبو الفتح، وموسى، وعبد القادر الرهاوي، والشيخ موفق الدين، والضياء، وابن خليل، وابن عبد الدائم، وابن عزون، وابن علاق، وحدَّث بالكثير وصنَّف في الحديث تصانيف حسنة، وكان غزير الحفظ من أهل الإتقان والتجويد، وكان كثير العبادة ورعًا متمسكًا بالسنة على قانون السلف [خرج](2) من دمشق لكائنة (3) وأقام بمصر إلى أن توفي.
وصفته أنه ليس بالأبيض الأبهق يميل إلى سمرة، حسن الثغر كث اللحية واسع الجبين، عظيم الخلق تام القامة كأن النور يخرج من وجهه، ضعف بصره من كثرة الكتابة والبكاء، وحدَّث ببغداد ودمشق ومصر والإِسكندرية، قال ابن خليل: كان دائم الصيام كثير الِإيثار، يصلي كل يوم وليلة ثلائمائة ركعة ومن تصانيفه "المصباح" يشتمل على أحاديث الصحيحين، "نهاية المراد في
(1) في ن ب تصحيف (والده).
(2)
في ن ب (نزح).
(3)
انظر ترجمته التي كتبتها في مقدمة الكتاب لتقف عليها.
السنن" في نحو مائتي جزء لم يتمه، "المواقيت"، "الجهاد"، "الروضة"، "فضائل خير البرية"، "الذكر"، "الإسراء"، "البهجة"، "الفرج"، "صلات الأحياء إلى الأموات"، "الصفات الحسنة"، "فضل مكة"، "غنية الحفاظ في مشكل الألفاظ"، "الحكايات" أزيد من مائة جزء، وتصانيف كثيرة جزء جزء (1) ومما ألفه بلا إسناد "هذه العمدة"، و"العمدة الكبرى"، و"درر الأثر والكمال" عدة مجلدات و"السيرة" و"الجامع الصغير لأحكام البشير النذير" ولم يتمه، و"مناقب عمر بن عبد العزيز".
قال الضياء: وكان أمير المؤمنين في الحديث، وقد ترجمه في أربعة كراريس ذكرت منها في الكتاب المشار إليه أوراقًا (2) فراجعها.
مات رضي الله عنه ونوّر ضريحه- في يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول سنة ستمائة، قال المنذري: مات بمسجد ابن الفرات بمصر ودفن بسفح المقطم بالتربة المعروفة به.
وبيننا وبينه اثنان، فإن جماعة من شيوخنا أخبرونا بهذا الكتاب وبغيره عن مسند وقته الفخر بن البخاري عنه، منهم الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور الحلبي، وفتح الدين بن سيد الناس اليعمري، وغيرهما، وأخبرني أيضًا [السيد](3) الأمير [بدر الدين](4)
(1) في نسخة ب (خرجن).
(2)
في ن ب زيادة (في الخطبة).
(3)
في ن ب (المسند).
(4)
في ن ب مطموسة.
أبو علي حسن بن محمد بن عبد الرحمن الأرملي -عرف بابن السديد- عن ابن عبد الدائم عنه، وهذا أعلى [ما يقع](1) في زماننا ولله الحمد.
فصل: في شرح خطبته أيضًا على طريق الاختصار:
قال رحمه الله ونفعنا به: "الحمد لله"، الكلام عليه من وجوه:
أحدها: إنما بدأ بالحمد [لله](2) لأمور.
أولها: الاقتداء بكتاب الله تعالى فإنَّه مفتتح به.
ثانيها: لامتثال أمر الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59](3). وقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ} (4). وقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} (5). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم"(6).
(1) في ن ب مطموسة.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة النمل: آية 59.
(4)
سورة النمل: آية 93.
(5)
سورة الإسراء: آية 111.
(6)
أحمد (2/ 359)، والنسائي في عمل اليوم واليلة (494)، والدارقطني (1/ 229)، وابن ماجه (1894) وأبو داود في الأدب (4840) باب: الهدي في الكلام، والبيهقي (3/ 208، 209)، وأبو عوانة في صحيحه وابن حبان (1، 2)، وأخرجه النسائى في عمل اليوم والليلة مرسلًا (495، 496).
قال أبو داود: رواه يونس، وعقيل، وشعيب، وسعيد بن عبد العزيز، عن =
رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي في عمل [اليوم والليلة](1) وصححه أبو عوانة وابن حبان وروي مرسلًا وموصولًا، والحكم
للاتصال عند الجمهور لأنها زيادة من ثقة، فقبلت.
ثالثها: للتبرك بذكر الله تعالى في أول كتابه.
رابعها: شكر الله عز وجل على ما أولى من النعم حيث رفعه من درجة التعلم إلى التعليم.
ثانيها: في حد الحمد: هو الثناء على الممدوح بصفاته الجميلة وأفعاله الحسنة.
وقال الإمام فخر الدين في "تفسيره": هو عبارة عن كل فعل [مشعر](2) بتعظيم المنعم لكونه منعمًا، والفعل إما بالقلب وهو اعتقاد كونه موصوفًا بصفات الجلال، وإما باللسان وهو أن يذكر ألفاظًا دالة على اتصافه بصفات الكمال، وإما بالجوارح وهو أن يأتي بأفعال دالة على ذلك.
= الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، قال الدارقطنى: والمرسل هو الصواب.
وقال ابن القيم في تهذيب السنن (7/ 189): وأخرجه ابن حبان في صحيحه. وسكت عنه الذهبي في المهذب (3/ 181)، وحسنه النووي في المجموع (1/ 73)، والأذكار (94)، وابن الصلاح وابن حجر في الفتع (8/ 220)، وتلخيص الحبير (76/ 1)، وضعفه الألباني في إرواء الغليل (1/ 29).
(1)
في الأصل ون ب (يوم وليلة)، وما أثبت حسب عنوانه.
(2)
في ن ب (يشعر).
وقال جماعة: هو الرضا.
وقال الجوهري (1): هو نقيض الذم.
وقال ثعلب والزمخشرى (2): هو المدح.
ورُد بأن [الحمد](3) أعم كما ستعلمه.
وقيل: إنه الوصف بالجميل على سبيل التعظيم قصدًا مطلقًا، فخرج بالأول حمد الغافل، وبالئاني قصد الحمد ظاهرًا لغيره وباطنًا
لنفسه، كقولك: نعم الطالب زيد، وقد قرأ عليَّ.
وقيل: غير ذلك.
ثالثها: أكثر الناس في الحمد والشكر وأيهما أخص؟ والتحقيق أن بينهما عموم وخصوص من وجه فيجتمعان في ثناء في مقابلة نعمة، ويوجد الحمد بدون الشكر في ثناء [ولا](4) مقابل نعمة، والشكر بدون الحمد في فعل مقابل لنعمة، فليس كل حمد شكرًا ولا كل شكر حمدًا، نعم متعلق الحمد وهو المحمود عليه أعم من متعلق الشكر، فكل ما يصح الشكر عليه يصح الحمد عليه، ولا ينعكس.
رابعها: اختار المصنف الحمد دون المدح لأمرين:
(1) انظر: مختار الصحاح (71).
(2)
الكشاف (1/ 7).
(3)
في ن ب (المدح).
(4)
في ن ب ساقطة.
أحدهما: [اختار المصنف الحمد](1) للتأسي بالقرآن.
ثانيهما: أنه بعد الإحسان بخلاف المدح، وقال الزمخشرى (2): هما أخوان.
وقال الرافعي في "تذنيبه"(3): إن المدح أعم، لأن الثناء على الشخص بما لا اختيار له فيه كحسن الوجه والقد ونحوهما يطلق عليه المدح دون الحمد، وحينئذ يكون متعلق المدح وهو الممدوح عليه أعم الثلاثة.
وفرّق السهيلي بينهما؛ لأن الحمد يشترط فيه أن يكون صادرًا عن علم، وأن تكون تلك الصفات المحمودة صفات كمال، والمدح قد يكون عن ظن وبصفة مستحسنة وإن كان فيها نقص ما.
وفرّق الرضا القزويني صاحب "العروة الوثقى": بأن المدح يكون للحي وغيره بخلاف الحمد، تقول: مدحت اللؤلؤة، ولا تقول: حمدتها، والمدح قد يكون منهيًا عنه، قال عليه السلام (4):"احثوا في وجوه المداحين التراب"(5). بخلاف الحمد، فالحمد أعم
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
الكشاف (1/ 7).
(3)
قال ابن قاضي شهبة في طبقاته (2/ 77) مجلد لطيف يتعلق بالوجيز كالدقائق للمنهاج.
(4)
فى ن ب (صلى الله عليه وسلم).
(5)
رواه مسلم عن همام بن الحارث عن المقداد بلفظ: "إذا رأيتم المداحين فأحثوا فى وجوههم التراب".
ولأنه يصح إطلاقه للشاهد والغائب، بخلاف المدح فإنه مختص بالغائب، والحمد [لله](1) يدل على كونه فاعلًا مختارًا بخلاف المدح لله لعمومه (2).
خامسها: اختار المصنف الحمد دون الشكر أيضًا؛ لأنه ثناء على الله بسبب كل إنعام، فهو أفضل، بخلاف الشكر فإنه ثناء عليه بسبب إنعامه عليك، هذا هو قول من فرق بين الحمد والشكر [بأن الحمد](3) يكون مع [الإنعام](4) عليك وعدمه، والشكر مختص بالإنعام عليك (5).
سادسها: اختار أيضًا (الحمد لله) دون أحمد الله، لأنه أولى منه، لأن أحمد يفيد أن العامل نحمد.
وقوله: "الحمد لله" يفيد أنه محمود قبل حمد الحامدين سواء حمده أحد أم لا، ولأن الحمد لله معناه أن الحمد حق لله وأنه تعالى مستحقه لذاته لكثرة آلائه على عبيده، ولو قال:(أحمد الله) لم يدل على كونه مستحق للحمد لذاته، والأول أولى لأن في قوله أحمد الله أنه يحمد حمدًا يليق به، وإذا قال: الحمد لله. فكأنه يقول من أنا حتى أحمده لكنه محمود قبل حمد الحامدين، ذكر ذلك ابن الخطيب.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
انظر: الفرق بينهما في بدائع الفوائد (2/ 92).
(3)
في الأصل (بالحمد)، والتصحيح من ن ب.
(4)
في ن ب مطموسة.
(5)
انظر: مدراج السالكين (2/ 246).
سابعها: الألف واللام في "الحمد" يحتمل كونها للجنس، ويحتمل كونها للعهد أي -الذهني- الذي حمد به نفسه وحمدته
أوليائه.
ثامنها: أجمع القراء السبعة وجمهور الناس على رفع الدال من "الحمد لله"، وقرىء بنصبها على إضمار فعل وبضمها مع ضم اللام على الاتباع وبكسر الدال على الاتباع أيضًا.
تاسعها: اختلف العلماء: هل الحمد المقيد أفضل أم المطلق؟ فذهب جمع من أصحابنا الخرسانيين إلى تفضيل الأول لقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} (1) وقالوا: من حلف ليحمدن الله بأجل المحامد فطريقه أن يقول "الحمد لله حمدًا يوافي نعمه، ويكافىء مزيده"(2) وذهبت طائفة من متكلمي المغاربة إلى ترجيح المطلق لتشعب جميع المحامد منه.
عاشرها: التحميد أكمل من التسبيح، كما قاله الإمام [فخر الدين](3)، وأجاب عن تقديم التسبيح على التحميد في قوله
عليه السلام: "سبحان الله والحمد لله"[بأن](4) الحمد يدل على
(1) سورة الأعراف: آيه 43.
(2)
بناء على حديث ضعيف مقطوع وهو ليس بحديث ولا كلام صحابي وإنما هو إسرائيلي عن آدم عليه السلام، وقد بني عليها مسائل فقهية كما ذكره ابن القيم. وانظر إلى بسطها في عدة الصابرين له (136)، وجواب في صيغ الحمد (20).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب (فإن).
التسبيح؛ لأنَّ معنى التسبيح: التنزيه [عن](1) النقائص، والتحميد فيه مع ذلك
…
أنه محسن إلى خلقه، فهو أكمل.
الحادي عشر: نبه الإِمام فخر الدين في "تفسيره" على أن من قال: الحمد لله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، لأن الحمد لله ثمانية أحرف وأبواب الجنة كذلك.
وقال صاحب "الحُللِ " أبو عمر الزناتي، شارح "رسالة ابن أبي زيد": موجب الحمد اثنان وخمسون خصلة ما اجتمعت قط لمخلوقٍ، وإليها أشير بكلمة حمد، فإن الحاء بثمانية والميم بأربعين والدال بأربعة (2)، ولقد أحسن المتنبي في شعره حيث قال
في ذلك:
لك الحمد حتى لا لمفتخرٍ
…
في الحمد حاءٌ ولا ميمٌ ولا دالُ (3)
الثانى عشر: [في](4) أحكام الحمد، وهو ينقسم أربعة أقسام: واجب، ومندوب، ومكروه، وحرام.
أما الأول: فهو واجب في الجملة سمعًا وعند المعتزلة عقلًا،
(1) في ن ب (من).
(2)
هذا وقبله يحتاج إلى دليل ثابت من الكتاب أو السنة.
(3)
تملك الحمد حتى ما لمفتخِر
…
في الحمد حأ ولا ميم ولا دال
ديوان المتنبى بشرح أبي البقاء العكبري (3/ 285)، تحقيق مصطفى السقا، وآخرون، وصفحة (181) من الطبعة الهندية في مطبعة الصفدي الواقعة ببنبى.
(4)
زيادة من ن ب.
وحكى الإِمام فخر الدين عن طائفة: إنكاره جملة، ولا وجه له، ومن أمثلة هذا القسم: الابتداء به في الخطبة فإنه ركنٌ فيها.
وأما الثاني: فمن أمثلته الخُطبة على الخطبة، وعند العقد، وفي ابتداء الدعاء، وبعد الأكل والشرب، والعطاس، والخروج من الخلاء، وعند النوم، واليقظة، ونحو ذلك.
وأما الثالث: فمن أمثلته الأماكن المستقذرة تنزيهًا له: كالمزبلة، والمجزرة، والأحوال المستكرهة لفرط الشبع والنوم، ومدافعة الأخبثين، وقد نص القرافي في "قواعده"(1) على كراهة الدعاء في ذلك كله، وما أحسن ما حكي عن سرّى السقطي (2) أنه
بقي يستغفر الله ثلاثين سنة في قوله: "الحمد لله" لوقوع حريق ببغداد أتى على دورها ودكاكينها فبلغه أن دكانه سلم، فحمد الله على ذلك، ثم راجع نفسه، وقال: كان الواجب أن يحزنني ما أصاب إخواني المؤمنين.
وأما الرابع: فهو حرام، على الفرح بوقوع معصية.
وأوجبه بعض العلماء في الأمور الدنيوية ليكون لها عاقبة محمودة، واستحسنه في الدينية لأنها طاعة.
(1) الفروق (1/ 132)، القرافي هو شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي ناصري، مؤلفاقه: الفروق والبنفسج وشرحه، والذخيرة، توفي سنة 684 هـ. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية.
(2)
هو أحد العباد والزهاد. انظر: تاريخ بغداد (9/ 188)، وحلية الأولياء (10/ 117، 127).
وأما قوله: [الله](1) فهو علم على المعبود بحق وهو الباري سبحانه وتعالي، واللام فيه لام الإضافية ولها معنيان: الملك "كالمال لزيد"، وفي معناه "القدرة"(2) والاستيلاء نحو "البلد للسلطان"، والاختصاص "كالسرج للفرس".
وعن الإِمام فخر الدين (3): أنها لام اللياقة أي أن الحمد لا يليق إلَّا له، وقرنَ الحمد به لأنه اسم للذات بخلاف الرحمن وغيره، لأنه صفة لا تدل على [غيره](4).
قال البندنيجي (5): وأكثر أهل العلم على أن هذا الاسم هو الاسم الأعظم.
(1) في الأصل (تعالى)، والصواب ما ذكر، وفي ن ب مبتورة.
(2)
في ن ب (القدر).
(3)
مفاتيح الغيب (1/ 222)، وقوله فيه: تفيد اختصاص الله تعالى بالحمد على معى يليق به. اهـ بمعناه.
(4)
في الأصل (غيرها)، وما أثبت من ن ب.
(5)
هو أبو الحسن بن عبيد الله -مصغر- بن يحيى الشيخ أبو علي توفي سنة خمس وعشرين وأربعمائة في جمادى الأولى. ترجمته في الأعلام (2/ 212)، واللباب (11/ 147)، وطقات ابن قاضي شهبة (1/ 206).
وفيه آخر: هو أبو نصر محمد بن هبة الله بن ثابت نزيل مكة ويعرف بفقيه الحرم جاور بمكة أربعين سنة ولد سنة سبع وأربعمائة وتوفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة صنف المعتمد في جزأين ضخمين ترجمته في الأعلام (7/ 355)، ونكت الهيمان (277)، طبقات ابن قاضى شهبة (1/ 272).
قال الخطابي (1). وأحب الأقاويل إليّ: قول من ذهب إلى أنه اسم علم وليس بمشتق.
قال الإمام فخر الدين (2) في "لوامع البيان في شرح الأسماء والصفات"(3): وهو قول أكثر المحققين خلافًا لجمهور المعتزله.
وقال صاحب "الحلل": هو مرتجل غير مشتق ولا منقول بخلاف لفظة [الإله](4) فإنه منقول اتفاقًا.
وأما صاحب "العروة الوثقى" فنقل عن الأكثربن: أنه مشتق.
وقال أبو العز مظفر في "الأسرار العقلية": الصحيح عندي أنه كان مشتقًا ثم صار علماً وهذا جمعٌ بين القولين.
ومن خواص هذا الاسم أنك متى حذفت من خطه حرفًا بقي دالًا عليه تبارك وتعالى [ويقال](5): فإن حذفت الألف بقي لله وإن حذفت اللام الأولى وأبقيت الألف بقي إله [واحد](6) وإن حذفتهما معًا بقي له ملكُ السموات والأرض، وإن حذفت الثلاثة [بقي](7) هو الحيٌّ لا إله إلَّا هو.
(1) شأن الدعاء (35).
(2)
هو محمد بن عمر الرازي ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتوفي في هراة سنة ست وستمائة: ترجمته في الأعلام (203/ 7)، وطبقات الأطباء لابن أبي أصييعة (2/ 23).
(3)
لوامع البيان (114).
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
زيادة من ن ب.
قال بعضهم: كل اسم يصلح للتخلق إلَّا اسم الله تعالى فإنه لا يصلح إلَّا للتعلق.
قال بعض المتكلمين: والإله عند أهل الحق هو الكامل على الإطلاق، والإلهية هي: الكمال على الإطلاق في جميع الصفات الواجبة والجائزة والمستحيلة في حقه تعالي.
وقال جمهورهم: الإِله عبارة عن موجود قائم بذاته قديم لا حد له ولا نهاية حيٌّ عالم قادر مدبر سميع بصير متكلم فرد صمدٌ، وقيل: الإِله: القادر على الاختراع (1) والإلهية: القدرة على الاختراع.
واختلف في اشتقاقه عند من قال به على أقوال حكاها صاحب "العروة الوثقى":
أحدها: أن [أصله](2)"إله"[والإله](3) مَنْ تُضرع إليه في النوائب، وهو اختيار المحاسبي وغيره.
ثانيها: أنه مشتق من "لاه" إذا احتجب، وهو خطأ.
ثالثها: أنه من "لاه"، إذا على.
رابعها: أنه من "أله" إذا قام بالمكان.
(1) تعريف الإله: هو المعبود بحق. راجع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1/ 190)، وما ذكره المصنف رحمه الله فإنه من تفسير الأشاعرة للإِله، وقد رده شيخ الإسلام ابن تيمية، راجع الفتاوى (3/ 97، 104).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
زيادة من ن ب.
خامسها: أنه من "إله" إذا تجبّر، وهو خطأ.
سادسها: من "التأله" وهو التعبد.
سابعها: وقال: وهو أصحها: أنه من "الإِلهية" وهي القدرة على الاختراع (1)، واختلف أهل العربية في أصله أيضًا على قولين: فذهب أهل البصرة إلى أن أصله "إلاه"، وذهب الكوفيون إلى أن أصله "لاه"(2). وموضع البسط في ذلك كتب العربية فلا نطوّل به.
قال رحمه الله: "الملك الجبّار". وأما "الملك" فقال [أبو عَمْرو](3)[وهو](4) أبلغ من المالك في المدح؛ لأن الملك لا يكون إلَّا مالكًا وقد يكون المالك غير الملك.
قال [الأزهري](5): هذا إنما يكون في المخلوقين لأن أحدهم ملك شيئًا دون شيء، [والله تعالى] (6) ملك كل شيء والمُلك والملوك [من أملاكه] (7) ألا تراه يقول:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} (8).
(1) انظر: تعليق ت (1) ص 88، وللاستزادة في البحث راجع (معنى لا إله إلَّا الله) للزركشى (ص 121، 122).
(2)
تعليق في المرجع السابق (ص 122)، ولسان العرب (13/ 467/ 471).
(3)
في ن ب (عمر).
(4)
في ن ب (هو).
(5)
في الأصل (الهروي)، وما أثبت من ن ب، وسياق الكلام بعده. انظر: تهذيب اللغة (10/ 268).
(6)
في الأصل (ولأنه يقال)، وما أثبت من ن ب.
(7)
في ن ب (من له ملاكة).
(8)
سورة آل عمران: آية 26.
وقال الأزهري: الملك تمام القدرة.
وقيل: هو [شرعًا](1): القدرة على الإِيجاد والاختراع، من قولهم: فلان يملك الانتفاع بكذا: إذا تمكَّن منه، فيكون من أسماء
الصفات كالقادر.
وقيل: هو المتصرف في الأشياء بالإِيجاد والإِعدام فتكون من أسماء الأفعال، كالخالق، والله تعالى مالك، وملك، ومليك، ولا يطلق الاسم على غيره إلَّا مجازًا.
وأما "الجبار": فله معان:
أحدها: بمعنى المكره لغيره [لأنه](2) جبر خلقه على ما شاء، ومنه: جبر الأمير فلانًا وأجبره على كذا: إذا أكرهه عليه.
ثانيها: بمعنى المصلح للشيء من حال الفساد إلى نسق السداد.
ثالثها: بمعنى المتعالي على كل شيء. ومنه قولهم: نخلة جبَّارة إذا كانت باسقة، لا تنالها الأيدي، فالأول والثاني [راجعان](3) إلى صفة الأفعال، والثالث إلى "صفات" (4) التنزيه. وقيل معناه: جبر القلوب على معرفته وفطرها على الإِقرار به، وهو راجع إلى الثاني. وقرن المصنف الملك بالجبار؛ لأن بسطوة الجبروت يتم الملك.
قال رحمه الله: "الواحد القهار".
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب (يرجعان).
(4)
في ن ب (صيغة).
أما "الواحد" فله معنيان:
أحدهما: مفتتح الوجود.
والثاني: أنه لا نظير له ولا مثل، كقولهم: فلان واحد في قومه في الشرف، واختلف في "واحد" و"أحد"، فقيل: هما بمعنى، وقيل: إن "أحدًا" أكمل من "واحد" لأنك تفرق بين قولك: فلان لا يقوم له واحد وأحد، وقد أوضحت الكلام على هذه المادة في خطبة "شرح المنهاج"(1)، فإن شئت فراجعها منه، وقرن المصنف الواحد بالقهار لأن بالوحدة يقع القهر.
تنبيهان:
الأول: توحيد الله نفسه على ثلاثة أوجه: علمه بأحديته، وإخباره بها، وإقرار العبد عليها.
وتوحيد العبد لله على ثلاثة أوجه: علمه بأحديته، وإقراره بها، وتعليمها لغيره، نبّه عليه صاحب العروة الوثقى.
الثاني: قال القرافى (2): الإلهية، وعموم تعلق صفاته، وشبهها
…
يجب توحيده بالإِله إجماعًا، والعلم والقدرة ونحوهما لا توجب [توحده](3) به إجماعًا، فيجوز أن يقال: فلانٌ عالم بكذا قادر على كذا.
والقسم بغيره تعالى اختلف فيه، فإن القسم بالشيء تعظيمٌ له
(1) له مؤلفين أحدهما "شرح منهاج البيضاوى" والآخر "شرح منهاج النَّووي" في الفقه والأول في الأصول.
(2)
الفروق (3/ 27).
(3)
في ن ب (توحيده).
وتعظيم غير الله حرام، وهو جائز [و](1) لأنه يرجع إلى تعظيم الله تعالى كالحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وأما "القهار" فقال الحليمي وغيره: هو الذي يقهر ولا يُقهر [بحال](3).
وقال الخطابي (4): هو الذي قهر الجبابرة من عتاة خلقه بالعبودية، وقهر الخلق كلهم بالموت.
قلتُ: وله معنيان:
الأول: بمعنى القادر على منع غيره من فعل بخلاف مراده، فهو من صفات الذات.
الثاني: المانع لغيره من جريه على وفق مراده فهو من صفات الفعل.
والقهار: يدل على الوحدانية إذ لو كان معه شريك يعانده لما كان قهارًا، ويوجب الخوف الشديد [لا جرم](5) أنه تعالى أردفه في صورة ص
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
قال ابن عبد البر: لا يجوز الحلف بغير الله، بالإجماع- انتهى. ولا اعتبار بمن قال من المتأخرين: إن ذلك على سبيل كراهة التنزيه. انظر: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد (ص 522، 531).
(3)
زيادة من ن ب. للزيادة انظر: تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (38)، ولسان العرب (5/ 120).
(4)
شأن الدعاء (53).
(5)
في ن ب ساقطة.
بقوله: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} (1).
تنبيه: اختلف الأصوليون في أن الاسم غير المسمى، أو هو هو، وذلك في غير اسم الله تعالى، وأما الله تعالى فلا يجوز إطلاق ذلك عليه، بل هو سبحانه واحدٌ في ذاته وصفاته، وذاته وصفاته وأسماؤه كذلك لا يقال هذا هذا ولا هذا غير هذا، بل نطلقه كما أطلقه تعالى (2)، تعالى الله
(1) سورة ص: آية 66. ولعل المؤلف رحمنا الله وإياه أراد آية {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)} سورة ص: آية 65.
(2)
قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: اختلف في الاسم والمسمى هل هو هو أو غيره، أو لا يقال: هو هو، ولا يقال: هو غيره، أو هو له؟ أو يفصل في ذلك؟ فإن الناس قد تنازعوا في ذلك والنزاع اشتهر في ذلك بعد الائمة، بعد أحمد وغيره، والذي كان معروفًا عند أئمة السنة أحمد وغيره: الإنكار على الجهمية الذين يقولون: إن أسماء الله مخلوقة. فيقولون الاسم غير المسمى وأسماء الله غيره وما كان غيره فهو مخلوق، وهؤلاء هم الذين ذمهم السلف وغلّظوا فهم القول؛ لأن أسماء الله من
كلامه وكلامه غير مخلوق بل هو المتكلم به. وهو المسمى لنفسه بما فيها من الأسماء. والجهمية يقولون: كلامه مخلوق وأسماؤه مخلوقة وهو نفسه لم يتكلم بكلام يقوم بذاته ولا سمى نفسه بإسم هو المتكلم به، بل قد يقولون: إنه تكلم به وسمى نفسه بهذه الأسماء بمعنى أنه خلقها في غيره لا بمعنى أنه تكلم بها الكلام القائم به. فالقول في أسمائه هو نوع من القول في كلامه .. والمقصود هنا أن المعروف عن أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة. وكأنَّ الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم. للمراجعة انظر: مجموع الفتاوى (6/ 185 - 187 - 212)، ومقالات الإسلاميين للأشعرى (1/ 252)، والطحاويه (131)، وقد عظم على الإمام أحمد رحمه الله الكلام في الاسم والمسمى، =
عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا.
قال رحمه الله: "وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار" معنى: "أشهد" أعلم
وأبين (1).
ومن خواص لا إله إلَّا الله، أن حروفها كلها مهملة، ليس فيها حرف معجم تنبيهًا على التجرد عن كل معبود سوى الله، ومن خواصها أيضًا: أن جميع حروفها جوفية ليس فيها حرف من الحروف الشفهية، وهذه الكلمة فيها إثبات بعد [نفي](2)، وأنكره
أبو العز مظفر صاحب "الأسرار العقلية"، وقال: كلها إثبات، إذ يلزم منه كفر، وإيمان، بل المستثنى مع المستثنى منه كاللفظة
الواحدة الدالة على شيء واحد، وإن للسبعة عبارتان: سبعة وعشرة إلَّا ثلاثة، وما قاله ضعفَّه الأصوليون؛ لأنه إنما يكون كفرًا عند إنفراد النفي، وأفاد بقوله:"لا شريك له" وإن كان مستفادًا من الأول نفي القائل بان الإستثناء من النفي ليس إثباتًا وإن [كان](3) كلمة التوحيد لا تفيده إلَّا بقرائن حالية لا لفظية، والشريك هو [المقارن](4) في الإِيجاد والعدم تعالى الله
= كما في طبقات الحنابلة (2/ 299)، ولوامع الأنوار (1/ 119)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للآلكائي (1/ 204).
(1)
انظر الكواشف الجلية عن معاني الواسطية (30، 38).
(2)
في الأصل (نهي)، والصحيح ما أثبت من ن ب.
(3)
الزيادة من ن ب.
(4)
في ن ب (المعاون).
عن ذلك، ولقد أحسن أبو العتاهية (1) في شعره حيث قال:
أيا عجبًا كيف يُعصى الإله
…
أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة
…
عليك وتسكينة شاهد
[وفي كل شيء له آية
…
تدل على أنه واحد] (2)
وفي معنى "رب" أربعة أقوال: الملك، والسيد، والمدبر، والمربي، فالأولان: من صفات الذات، والآخران من صفات الفعل، قال العلماء: متى دخلت الألف واللام على لفظ رب اختص بالله تعالى، وإن حذفت كان مشتركًا. ومنه رب المال ورب الإِبل، وكله جائز عند الجمهور، وخصه بعضهم برب المال ونحوه مما لا روح له وهو غلط. قال بعض العلماء: إذا تأمَّلت [الكتاب](3) والسنة وجدت أكثر دعوات المرسلين والنبيين وسائر من ذكر الله من المؤمنين: الرب.
والسموات: جمع سماء [وكل](4) شيء ارتفع فهو سماء، وهي سبع، جاء أن بين كل سماء وسماء خمسمائة عام (5) وغلظ كل سماء خمسمائة عام (6).
(1) ديوان أبي العتاهية (ص 122)، ط دار صادر.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
فى ن ب (وهو).
(5)
رواه الدارمي فى الرد على الجهمية (ص 26/ 27)، وابن خزيمة في التوحيد (ص 105/ 106)، والطبراني فى الكبير (8987).
(6)
رواه أحمد (1/ 106، 207)، وأبو داود (4723)، والترمذى (3320)، وحسنه ابن ماجه (193).
وروينا عن كعب أنه قال: خلق الله السماء الدنيا موج مكفوف، والثانية صخرة، والثالثة حديد، والرابعة نحاس، والخامسة فضة،
والسادسة ذهب، والسابعة ياقوت.
قال الزمخشري (1): قيل: ما في [القرآن] آية تدل على أن [الأرضين](2) سبع، إلَّا قوله تعالى:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} (3).
قلت: والأحاديث مستفيضة فيه أيضًا كقوله عليه الصلاة والسلام: "من ظلم قيد شبر طوقه الله من سبع أرضين"(4).
وإختلف أهل الهيئة: هل هن متراكمات بلا تفاصل، أو بين كل واحدة والتي تليها خلاء؟ على قولين: أصحهما الثاني، وفي وسطها المركز وهو نقطة مقدرة متوهمة [وهو](5) محط الأثقال [إليه](6) ينتهي ما يهبط من كل جانب إذا لم يقارنه مانع، وتأول بعضهم الحديث على أن المراد بها [سبع](7) أقاليم، بعيد.
وروى البيهقي عن أبي الضحى مسلم عن ابن عباس أنه قال: " {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: سبع أرضين في كل أرضين نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى
(1) الكشاف (4/ 112).
(2)
في ن ب (الأرض).
(3)
سورة الطلاق: آية 12.
(4)
متفق عليه؛ وسيأتى تخريجه كاملًا في هذا الكتاب.
(5)
في ن ب (وهي).
(6)
في ن ب (إليها).
(7)
زيادة من ن ب.
كعيسى" ثم قال: إسناد هذا الحديث عن ابن عباس صحيح، وهو شاذ بمرة، لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا (1).
وهي مثل السموات في البعد والغلظ، أخرج الترمذي من حديث الحسن عن أبي هريرة: لما عد مسيرة ما بين سماء وسماء حتى عد سبع ثم قال: "أتدرون ما فوق ذلك"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين"، ثم عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة، ثم قال:"والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله"، ثم قرأ:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} (2). قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه (3)، والحسن لم يسمع من أبي هريرة، وأعله الجوزقاني من هذا الوجه فذكره في "موضوعاته"، وقال إنه حديث باطل، لكن قد صحح جماعات سماع الحسن من أبي هريرة، ثم ذكر أعني الجوزقاني الحديث المذكور من طريق أبي ذر وبنحوه من طريق
(1) قال الإمام أحمد: ليس حديثه في هذا بشيء، اختلط عطاء بن السائب، ليس فيها شيء من "آدم كآدم ولا نبي كنبيكم". للإستفادة راجع مسائل الإمام أحمد رواية ابن هانئ (2/ 158، 160)، وزاد المسير (8) آخر تفسير سورة الطلاق.
(2)
سورة الحديد: آيه 3.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 370)، وابن الجوزي في العلل (1/ 12)، والترمذى (5/ 404). راجع: المقاصد الحسنة (ص 342)، وكشف الخفاء (2/ 153)، والأباطيل (1/ 70).
العباس ووهّاهما. وقوله: "إنما هبط على الله"، قال الترمذي: قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية تدل على أنه أراد: هبط على علم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على عرشه كما وصف نفسه في كتابه (1).
وجمع السموات ووحَّد الأرض لأنه أراد الجنس، وجمع السموات لشرفها، قاله النووي (2) في "شرح المهذب".
(1) الذي في الترمذى (5/ 404): (وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا: إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه، علم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف نفسه في كتابه). يراجع: الدرر السنية (2/ 320)، وبعدها نقلًا عن شيخ الإسلام قال:(وتأويله بالعلم تأويل ظاهر الفساد، قال: وبتقدير ثبوته يكون دالًا على الإحاطة، والإحاطة قد عُلم أن الله قادر عليها وعُلم أنها تكون يوم القيامة بالكتاب والسنة فليس في إثباتها في الجملة ما يخالف العقل ولا الشرع، لكن لا نتكلم إلَّا بما نعلمه وما لانعلمه أمسكنا عنه، وما كان دليله مشكوكًا فيه عند بعض الناس كان حقه أن يشك فيه حتى يتبين له الحق، وإلَّا فليسكت عما لم يعلم) اهـ. من الفتاوى (6/ 574، 575). وقال في موضع آخر: (ومن تأوله على قوله: هبط على علم الله، كما فعل الترمذي، لم يدر كيف الأمر، ولكن لما كان من أهل السنة وعلم أن الله فوق العرش، ولم يعرف صورة المخلوقات وخشى أن يتأوله الجهمي أنه مختلط بالخلق، قال هكذا، وإلَّا فقول رسول لله صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضًا) اهـ. من الفتاوى (25/ 197، 198).
(2)
هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن محيي الدين أبو زكريا النووي بحذف الألف وإثباتها ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، مات ببلده نوى في رجب سنة سبع سبعين وستمائة ودفن بها. طبقات السبكي =
وقال القاضي أبو الطيب: إنما جمعت؛ لأنا لا ننتفع من الأرض إلَّا بالطبقة الأولى، بخلاف السماء فإن الشمس والقمر والكواكب موزعة عليها.
والمذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرض، وقيل: الأرض أشرف؛ لأنها مستقر الأنبياء ومدفنهم، وهو ضعيف (1).
[وخلق](2) السموات والأرض في ستة [أيام](3)، والجمهور على أنها كأيامنا هذه، واختار جماعة أن كل يوم كألف سنة مما تعدون.
وروى ابن جرير (4) عن الضحاك بن مزاحم وغيره أن أسماء الأيام الستة: أبجد هوَّز حطي كلمن سعفص قرشت.
وحكى ابن جرير (5) في أول الأيام ثلاثة أقوال: فروى عن ابن
= (5/ 16)، والدارس في تاريخ المدارس (1/ 24)، وآداب اللغة (3/ 242).
(1)
راجع: بدائع الفوائد (4/ 26، 27)، في التشريف بين السماء والأرض، وكذا الفتاوى الحديثة للهيتمي (ص 185)، ورجحوا تفضيل السماء على الأرض.
(2)
في ن ب (وخلقت).
(3)
في الأصل (الأيام)، وما أثبت من ن ب.
(4)
تاريخ الطبري (1/ 21) وفي التفسير ذكر أسماء الأيام كما هي (12/ 482)، (15/ 245)، وأيضًا في التاريخ أورد روايات (22/ 1) وما بعدها.
(5)
تاريخ الطبري (1/ 23).
إسحاق أن أهل التوراة يقولون: ابتداؤها يوم الأحد، وعن أهل الإنجيل: الاثنين، وعن الإسلاميين: السبت، ثم اختار ابن جرير أنه
الأحد.
فائدة: حكى [ابن حزم](1) وابن الجوزي وغيرهما الإجماع على أن السماء كرة مستديرة، وهو أشهر القولين لقوله تعالى:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (2)، قال الحسن: يدورون، قال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل.
فائدة [ثانية](3) اختلف العلماء: هل كان قبل السموات والأرض شيء مخلوق قبلهما أم لا؟ فقالت طائفة من المتكلمين: لم
يكن قبلهما شيء مخلوق وإنما خلقتا من العدم المحض، وخالفهم آخرون لقوله تعالى:({وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (4)، ثم اختلف هؤلاء فاختار ابن جرير (5) وغيره أن [القلم](6) خلق قبل هذه الأشياء ثم السحاب الرقيق وبعده العرش.
ونقل الحافظ أبو العلاء الهمداني (7) وغيره عن الجمهور: أن
(1) في ن ب (ابن جرير).
(2)
سورة يس: آية 40.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
سورة هود: آية 7.
(5)
تاريخ الطبرى (1/ 16، 20).
(6)
في الأصل (القمر)، والتصحيح من ن ب.
(7)
هو الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد الهمداني =
العرش خلق قبل ذلك، ويحمل حديث:"أول ما خلق الله القلم"(1) على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، وقال آخرون: بل خلق الماء قبل العرش، وقال ابن إسحاق: أول ما خلق [الله](2) النور ثم الظلمة ثم ميز بينهما (3)، وقيل: أول ما خلق [الله](4) بعد القلم الكرسي ثم العرش ثم الهواء والظلمة ثم الماء، حكاه ابن جرير (5).
وقوله: "وما بينهما" أي من الجواهر والأعراض (6).
وأما "العزيز" فله معان:
أولها: لا مثيل له، من عزّ يعِزُّ بكسر العين في المستقبل: إذا تعذَّر وجود مثله.
= (488 - 569)، كان محدثًا مقرئًا نحويًا لغويًا أدبيًا، من تصانيفه: الهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي في رسم المصحف، وكتاب الأدب في حسان الحديث المتظم (10/ 248)، ومرآة الجنان (3/ 389)، وبغية الوعاة (215).
(1)
رواه ابن أبي عاصم في السنة (108)، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (109)، وابن حبان في روضة العقلاء (157)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 181)، والبيهقى في الأسماء والصفات (378).
(2)
ساقطة من ن ب.
(3)
تاريخ الطبرى (1/ 18)، وبدل "ثم" فيه "الواو".
(4)
ساقطة من ن ب.
(5)
انظر: تيسير العزيز الحميد (ص 626، 629).
(6)
بداية نسخة ج. وقد بدئت: "بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، قال المؤلف رحمه الله تعالى: "واعلم أن".
وثانيهما: بمعنى الغالب ومنه قوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)} (1)، أي غلبني.
وثالثها: بمعنى الشديد، من عزَّ يَعز بفتح العين في المستقبل: إذا إشتد وقوي، ومنه قوله تعالى:{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (2)، أي شددنا.
ورابعها: بمعنى المعز، وقيل: بمعنى [مفعول](3) كأليم بمعنى مؤلم. والأول: يرجع إلى التنزيه، والثاني والثالث: إلى صفة
الذات. والرابع: إلى صفة الفعل (4).
وحكى الزجاج (5): العزيز: الجليل الشريف.
وقال أبو حامد الإسفراييني (6): العزيز الذي يقل وجوده، وتشتد الحاجة إليه ويصعب الوصول إليه، فمتى لم تجتمع هذه
(1) سورة ص: آية 23.
(2)
يورة يس: آيه 14.
(3)
كذا في الأصل، وفي ن ج (مفعل).
(4)
انظر: لسان العرب (5/ 374، 179). ط دار صادر.
(5)
بعد إلاطلاع على تفسير "أسماء الله الحسنى" للزجاج (35) لم أجده.
ولعله: كتاب "اشتقاق أسماء الله تعالى وصفاته المستنبطة من التنزيل وما يتعلق بها من اللغات والمصادر والتأويل" لأبي القاسم عبد الرحمن الزجاجي حققه الدكتور المبارك وطبع عام 1974 م في 598 صفحة.
(6)
هو أبو حامد: أحمد بن محمد بن أحمد الشيخ الإمام، ولد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وتوفي في شوال سنة ست وأربعمائة، الأعلام (1/ 203)، ووفيات الأعيان (1/ 55).
المعاني الثلاثة لم يطلق [اسم](1) العزيز عليه.
وأما "الغفار": فمعناه الستار، وقيل: معناه الماحى، وأطلق على المحو ستر لاشتراك الممحو والمستور في عدم الظهور.
ونقل ابن الجوزي (2) عن بعض أهل اللغة: أنه مأخوذ من الغفر وهو نبت يداوى به الجراح إذا ذر عليها دملها وأبراها. وهو غريب، وقد أوضحت الكلام على هذه المادة في خطبة "شرح المنهاج"، فليراجع منه، وقرن المصنف العزيز بالغفار تبعًا للآية السالفة (3).
قال رحمه الله: "وصلى على النبي المصطفى المختار".
أما الصلاة فهي من الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم، ومن الملائكة باستغفار، ومن الآدمي تضرع ودعاء (4). وأعرض (5) القرافي في "شرح التنقيح" فقال: عادة جماعة يفسرون الصلاة في حق الله تعالى بالرحمة وهي مستحيلة لأنها [رقة](6) في الطبع فلذلك فسرتها:
(1) زيادة من ن ب.
(2)
الوجوه والنظائر فى علم الأشباه والنظائر (90).
(3)
(ص 67) ت (5).
(4)
حكى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. وقيل: الرحمة، والصواب من الله الأول، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدعاء.
(5)
في ن ب (اعترض).
(6)
فى ن ج في الهامش (رأفة).
(هذا الزعم يشبة كلام الجهمية والمعتزلة المنكرين لصفة الرحمة، القائلين: الرحمة ضعف وخور في الطبيعة وتألم على المرحوم. وهو =
[بالإحسان](1) لأنه ممكن في حق الله تعالى. قال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم. وفي مسند إسحاق بن راهويه من حديث
= باطل من وجوه: أولًا: أن الضعف والخور مذموم من الآدميين، والرحمة ممدوحة، قال تعالى:{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)} ، وقد نهى الله عباده عن الوهن والحزن فقال:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)} ، وندبهم إلى الرحمة، وقال النبى صلى الله عليه وسلم:"لا تنزع الرحمة إلَّا من شقي" وقال: "من لا يَرحَم لا يُرْحَم". ومحال أن يقول: لا ينزع الضعف والخور إلَّا من شقى، ولما كانت الرحمة تقارن في حق كثير من الناس الضعف والخور كما في رحمة النساء ونحو ذلك، ظن الغالط أنها كذلك مطلقًا، ولو كانت في حق المخلوقين تستلزم ذلك لم يجب أن تكون في حق الله تعالى مستلزمة لذلك. كما أن العلم والقدرة والسمع والبصر فينا يستلزم من النقص والحاجة ما يجب تنزيه الله تعالى عنه) اهـ. من الكواشف الجليّة للسلمان (ص 204) نقلًا عن شيخ الإسلام من مجموع الرسائل والمسائل.
(1)
في ن ب ساقطة.
قال في الكواشف الجلية (ص 205): وبعضهم تأوَّل الرحمة بمعنى إرادة الإحسان، والحق إثبات صفة الرحمة حقيقة على ما يلبق بجلاله، كما يقال في سائر الصفات، والرحمة لا تنفك عن إرادة الإحسان فهي مستلزمة للإحسان وإرادته استلزام الخاص للعام، فكما يستحيل وجود الخاص بدون العام فكذلك الرحمة بدون الإحسان أو إرادته، وقول من قال: هي إرادة الإحسان، فإن إرادة الإحسان هي من لوازم رحمته فإنه يلزم من الرحمة أن يريد الإحسان إلى المرحوم، فإذا انتفت حقيقة الرحمة انتفى لازمها وهو إرادة الإحسان، وكذلك لفظ اللعنة والغضب إلخ.
أبي ذر مرفوعًا: "إنَّ أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل عليَّ"(1).
قلت: وكان ينبغي للمصنف أن يقرن الصلاة بالتسليم، وقد نص العلماء على كراهة إفراد أحدهما (2).
وأما "النبي": فهو بالهمز وتركه، فمن همز فهو عنده من أنبأ إذا أخبر واسم فاعله منبي وجمعه أنبياء. وجاء نبأ. ومن ترك الهمز فقيل: إن اشتقاقه اشتقاق المهموز ثم سهل الهمزة، ومنهم من قال: هو مشتق من نبأ ينبو إذا أظهر.
فالنبى من النبوة وهو الارتفاع فمنزلته رفيعة.
والنبي (3): بترك الهمز أيضًا: الطريق، فسمي الرسول نبيًا لاهتداء الخلق به كالطريق.
قال الزمخشري: النبي هو الذي ينبي عن الله تعالى وإن لم يكن معه كتاب.
وذهب الأشعرى: إلى أنه هو الذي نبأه الله.
وتظهر ثمرة الخلاف في أن الرسول هل يثاب على النبوة والإِرسال أم لا؟
(1) انظر: فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل القاضي (ص 38). والقول البديع للسخاوي (ص 215).
(2)
انظر: القول البديع للسخاوي (ص 36).
(3)
في ن ب (التي)، وما أثبت من الأصل ون ج.
أما الإرسال: فهو من الصفات الشريفة التي لا ثواب عليها وإنما الثواب على أداء الرسالة التي حملها.
وأما النبوة: فمن قال بالقول الأول قال: إنه يثاب على إنبائه لأنه من كسبه، ومن قال بمذهب الأشعري قال: لا ثواب له على
إنباء الله إياه لتعذر اندراجه في كسبه، وكم من صفة شريفة لا يثاب الإنسان عليها كالمعارف الإِلهامية التي لا كسب له فيها، وكالنظر إلى وجهه الكريم الذي هو أشرف الصفات ولا يثاب عليه، ذكره ابن عبد السلام (1).
وها هنا أمور مهمة:
أولها: الرسول أخص من النبي فإنه الذي أوحي إليه للعمل والتبليغ، بخلاف النبي فإنه أوحي إليه العمل فقط، نعم.
قال القاضي عياض في "الشفا"(2): اختلف العلماء: هل الرسول والنبي بمعنى واحد أم لا؟ فقيل: هما بمعنى واحد وأصله من الإِنباء وهو الإِعلام؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ
…
} (3) الآية. فأثبت لهما معنى الإرسال فلا يكون الرسول إلَّا نبيًا ولا النبي إلَّا رسولًا.
(1) هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن الشيخ الإمام عز الدين السلمي، ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة، توفي بمصر في جمادى الأولى سنة ستين وستمائة، الأعلام (4/ 144)، وفوات الوفيات (1/ 287)، وطبقات الشافعية للسبكي (5/ 80).
(2)
(1/ 347).
(3)
سورة الحج: آية 52.
وقيل: هما مفترقان من وجه، إذ قد اجتمعا في النبوة التي هي الاطلاع على الغيب (1) والإِعلام بخواص النبوة، وفي الفرق
وجهان:
أحدهما: امتياز الرسول بالأمر بالتبليغ.
وثانيهما: امتيازه بمجيئه بشرع مستأنف، والنبي من لم يأت بذلك وإن كان قد أمر بتبليغ، واحتج هذا القائل من الآية نفسها؛ لأنه فرَّق بين الاسمين فلو كانا بمعنى واحد للزم التكرار في الكلام البليغ، قالوا: والتقدير: وما أرسلنا من رسول إلى أمة أو نبى ليس بمرسل إلى أحد.
قال القاضي: والصحيح الذي عليه الجمهور أن كل رسول نبى من غير عكس. ونقل غيره الإجماع على هذا (2).
وقال القاضي في "إكماله": في قوله عليه الصلاة والسلام للذي قال آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت: (قل
وبنبيك الذي أرسلت) إنما قال ذلك ليشعر بأن المراد محمد صلى الله عليه وسلم، إذ قوله:(وبرسولك الذي أرسلت) يعم جبريل وغيره إذ ليس بنبي.
وقال الخطابي في "إعلامه": لو قال (وبرسولك الذي أرسلت) لكان تكرارًا إذ كان نبيًا قبل أن يكون رسولًا، فجمع له الثناء بالاسمين جميعًا.
(1) أي باطلاع الله له.
(2)
انظر: كتاب النبوات لشيخ الإسلام ابن تيمية.
ثانيها: ذكر القرافي رحمه الله أن الرسالة أفضل من النبوة، فإنَّها ثمرة هداية الأمة، والنبوة قاصرة على النبي فنسبتها إلى النبوة كنسبة العالم للعابد، وكأن الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذهب إلى تفضيل النبوة لشرف المتعلق؛ لأن المخاطب بها الأنبياء والمخاطب بالرسالة الأمة، والأنبياء أفضل من الأمة.
ثالثها: الرسالة والنبوة ليستا [بصفتين](1) مكتسبتين للرسول والنبى خلافًا للفلاسفة.
رابعها: من الغريب ما قاله الحليمي (2): أن الإيمان يحصل بقول الكافر (آمنت بمحمد النبى دون محمد الرسول) وعلله بأن
النبي لا يكون إلَّا لله، والرسول قد يكون لغيره (3)، وكأنه أراد أن لفظ الرسول يستعمل عرفًا في غير الرسالة إلى الخلق، بخلاف النبوة فإنها لا تستعمل إلَّا في النبوة الشرعية دون اللغوية.
خامسها: جملة الأنبياء مع المرسلين مائة ألف وأربعة
(1) فى ن ب (لصفتين).
(2)
هو الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي (338، 403) شيخ الشافعية بما وراء النهر.
انظر: طبقات السبكي (4/ 333)، والإسنوى (1/ 404)، وابن قاضي شهبة (1/ 178).
(3)
قال في عمدة القاري للعيني رحمنا الله وإياه (1/ 19): ورحم الله الحليمي فمقولته هذه مما يعلم بطلانها بالضرورة من دين الإسلام كما في أحاديث الشهادتين والإسلام بهما، والأذان، والإقامة والتحيات ونحوها، والله أعلم.
وعشرون ألفًا، وكلهم ذكران إلَّا أم موسى وعيسى وإسحاق وحوى وآسية، على اختلاف في نبوتهن، قاله [بعضهم](1).
قال القرطبي (2): وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ في النساء أربع نبيات حوى وآسية وأم موسى ومريم"، قال: والصحيح أن مريم كانت نبية (3)؛ لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك كما أوحى إلى سائر الأنبياء، ويؤيده الحديث المذكور، ذكر هذا الحديث في أوائل سورة الأنبياء وقال في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} [آل عمران: 42](4)، أي اختارك لولادة عيسى.
وقيل: اصطفاك على نساء العالمين أجمع إلى يوم النفخ في الصور، قال: وهو الصحيح والكمال المذكور في حديث: "كَمُل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون (5)، قيل: إنه بالنبوة وإنهما نبيتين، قال: والصحيح أن مريم نبية (6).
(1) انظر إلى بسط المسألة ونقل الخلاف فيها في فتح البارى (6/ 447) - في ن ب (بعضهن).
(2)
محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي وإن من عباد الله الصالحين له كتاب الجامع لأحكام القرآن والتذكار في أفضل الأذكار والتذكرة بأمور الآخرة توفي سنة 670 هـ، (التاج المذهب 2/ 308).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 83).
(4)
سورة آل عمر ان: آية 42.
(5)
متفق عليه، البخاري (3411، 3433، 3769، 5418)، ومسلم (2431)، والترمذى (1835)، وأحمد (4/ 394، 409).
(6)
الجامع لأحكام القرآن (4/ 83).
وقال النووي: لم يثبت كونها نبية، وكذا لم تثبت نبوة لقمان أيضًا، وحكى بعضهم خلافًا في نبوة أم عيسى وأم موسى وأم إسحاق والخضر، والحواريين وإخوة يوسف وذي القرنين.
قال صاحب "الشفا"(1): وجميع المرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ختمهم بثلاثمائة وأربعة عشر.
قال غيره: وفي حروف اسمه تنبيه على ختم الرسل به لاشتمالها على عددهم، فإذا فككت الحروف ونطقت بكل حرف على انفراده وجمعت الأصول وما تولد عنها وجدتها ثلاثمائة وأربعة عشر حرفًا، فإن فيها ثلاث ميمات إذ الحرف المشدد بحرفين وكل واحد منها بثلاثة أحرف إذا نطقت، به ميمان وياء، عدد كل ميم أربعون، والياء عشرة، فكل ميم من تسعين حرفًا، وتسعون في ثلاثة مائتين وسبعين، والحاء من حرفين الحاء بثمانية والألف بواحد جاءت تسعة، والدال من ثلاثة أحرف بخمسة وثلاثين؛ لأن الدال بأربعة والألف بواحد واللام بثلاثين، والمجموع ثلاثمائة وأربعة عشر فهو صلى الله عليه وسلم خاتم [الأنبياء](2) لاشتمال اسمه على عددهم (3).
وأولو العزم منهم خمسة، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. وكلهم عجم إلَّا نبينا، وإسماعيل، وهود، وصالح، وشعيب. وكلهم من بني اسرائيل أولهم يعقوب وآخرهم
(1) الشفا (1/ 348).
(2)
في ن ب (النبيين).
(3)
هذا من فضول العلم، بل دلت عليه الآيات والأحاديث الصحيحة.
عيسى [إلَّا شيث](1)، وإدريس، ونوحًا، وأولاده:(سام، وحام، ويافث)، وإبراهيم، وإسحاق، زاد بعض المفسرين: وكلهم وحيهم رؤيا إلَّا أولو العزم فإن وحيهم وإن رؤيا ويقظة، ولم ينزل كتب إلَّا [على] (2) ثمانية: آدم، وشيث، وإدريس، وإبراهيم، وموسى، وداود، وعيسى، ونبينا، محمد صلى الله عليه وسلم.
وأما "المصطفى": فهو من الصفوة وهي الخلوص.
"والمختار": أصله مختير فهو عليه الصلاة والسلام أفضل المخلوقات، ومذهب أهل السنة (3) أن النوع الإنساني أفضل من نوع الملائكة خلافًا للمعتزلة، وما يعزى إلى بعضهم من تفضيل الولي على النبي فقد تأوله هو أو غيره بأن كل نبي ولي قطعًا وهو من حيث إنه ولي أفضل من حيث إنه نبي؛ لأن ولايته وجهته إلى الحق ونبوته وجهته إلى الخلق، وفيه مع ذلك ما لا يخفى من الاستشباع من جهة الإِطلاق.
وذكر الحليمي في "منهاجه": أن الأنبياء لا بدَّ أن يخالفوا غيرهم في القوى الجسمانية والروحانية.
قال رحمه الله: "وعلى آله وصحبه الأطهار". أما الآل فقال النحاس (4): أصله: أهل ثم أبدلت من الهاء ألفًا فإن صغَّرته رددته
(1) في ن ب ساقطة، ومثبتة في ج والأصل.
(2)
ساقطة من ن ب، ومثبتة في ج.
(3)
إذا قال الأشعرى أهل السنة؛ فالمراد به الأشاعرة.
(4)
محمد بن إبراهيم بن محمد بهاء الدين بن النحاس الحلبي المتوفى سنة =
إلى أصله فقلت: أهيل.
وقال المهدوي: أصله أول وقيل [أهل](1) قلبت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفًا وجمعه ألون وتصغيره أويل، فيما حكى الكسائي وحكى غيره: أهيل، وقد ذكرناه عن النحاس واختلف في حقيقته على أقوال كثيرة أصحها عند الشافعي رضي الله عنه (2) بنو هاشم وبنو المطلب.
ثانيها: عترته وأهل بيته.
ثالثها: جميع الأمة، واختاره الأزهري وغيره من المحققين (3).
رابعها: أنهم أهل البيت [زوجاته](4) خاصة، قاله ابن عباس وغيره وذهبوا إلى أن البيت أريد به ساكنه، وصحح ابن الفركاح
دخول زوجاته في أهل بيته، والخلاف عند أحمد أيضًا.
وقالت الرافضة: آله فاطمة والحسن والحسين فقط.
وقال القاضي عياض (5): وقيل: إنه نفس محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا كان الحسن يقول: اللهم صل على آل محمد.
= (698) شيخ العربية بالديار المصرية في عصره. ترجمة فوات الوفيات (2/ 172).
(1)
في ن ب (هل).
(2)
في ن ب زيادة (أنهم).
(3)
انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 76). الزاهر (66).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
انظر: الشفا (2/ 662).
وعبارة الإِمام الشافعى رضي الله عنه على ما نقله البيهقي (1) فيما جمعه من كلامه في أحكام القرآن (2)، قال: قال الشافعي رضي الله عنه (3) اختلف الناس في آل محمد فقال [قائلون](4): آل محمد أهل دينه، وقال قائل: أزواجه، وذهب ذاهبون إلى أنهم قرابته التي ينفرد بها دون غيرها من قرابته، واستدل الشافعى بقوله تعالى:{قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} (5)، وأجاب عنه، وهذا يؤخذ منه أنه لا فرق بين الآل والأهل وهو وجه الشافعية في الوصايا.
واستدل للثاني: بأنه مطلق. وأجاب: [بأنه](6) بقرينةٍ، وللثالث: بقوله عليه [الصلاة](7) والسلام: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد" وبالآية الكريمة، وإعطائه بني هاشم وبني المطلب وهم الذين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليهم معه، والذين
(1) هو أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي بن عبد الله البيهقى، ولدية أربع وثمانين وثلاث مائة في شعبان، توفي بنيسابور في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، ترجمته مرآة الجنان (3/ 81)، ومفتاح السعادة (2/ 15)، والكامل في التاريخ (10/ 18)، وطبقات ابن الصلاح (332).
(2)
(1/ 74، 76) مع اختلاف في السياق.
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
في الأصل (القائلون)، والتصويب من ن ب.
(5)
سورة هود: آية 40.
(6)
في ب (أنه).
(7)
في ب ساقطة.
اصطفاهم الله من خلقه بعد نبيه فإن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ} (1) فاعلم: أنه اصطفى الأنبياء وآل الأنبياء صلى الله عليهم.
تنبيهان:
الأول: الصواب إضافة "آل" إلى المضمر؛ لأن السماع الصحيح يعضده (2).
الثاني: هل تضاف "آل" إلى البلدان فيقال: "آل المدينة"؟ جوزه الأخفش ومنعه الكسائى.
وأما: "الصحب" فهو جمع صاحب كركب وراكب، وهو كل مسلم رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المختار في حده، ويدخل في هذا [التفسير](3) ابن أم مكتوم الأعمى وغيره، وقد حكيت في "المقنع في علوم الحديث" ستة أقوال في حده فراجعها منه وهو كتاب جليل نفع الله به (4).
ثم اعلم أن بين "الآل" و"الصحب" عمومًا وخصوصًا من وجه؛ وإن التابعي الذي من بني هاشم وبني المطلب من الأول وليس من الثاني، وسلمان الفارسي مثلًا بالعكس فلذلك حَسُنَ عطفهم عليهم.
(1) سورة آل عمران: آيه 33.
(2)
انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 76).
(3)
في الأصل (التعيين)، والتصويب من ن ب.
(4)
المقنع في علوم الحديث، تحقيق عبد الله الجديع (ص 491).
"والأطهار": جمع طاهر، ذكره ابن سيده، وهو نادر كجاهل وأجهال.
والتطهر: التنزه عما لا يحل، ومنه قوله تعالى:{أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} (1). أي من المعاصي والأفعال المحرمة.
قال: "أما بعد: فإن بعض إخواني سألني اختصار جملة من أحاديث الأحكام مما اتفق عليه الإِمامان محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ومسلم بن الحجاج".
معنى أما بعد: أما بعد ما سبق وهو الحمد والصلاة.
قال ابن بطال: هو فصل بين الثناء على الله وبين ابتداء الخبر الذي يريد [الخطيب](2) إعلامه، وبدأ بها؛ للأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولها في خطبه وشبهها، رواه عنه خمسة وثلاثون صحابيًا عددتهم في كتاب "الإِشارات إلى ما يتعلق بالمنهاج من الأسماء والمعاني واللغات"، وفي المبتدىء [بها] (3) خمسة أقوال:
أحدها: داوود.
ثانيها: قس بن ساعدة.
ثالثها: كعب بن لؤي، وهذه شهورة.
(1) سورة البقرة: آية 125.
(2)
ساقطة من ن ب.
(3)
في ن ب (به).
رابعها: يعرب بن قحطان، حكاه النووي في شرح مسلم في كتاب الجمعة.
خامسها: سحبان بن وائل وهو القائل:
لقد علم الحي اليمانيون أنني
…
إذا قلت أما بعد أني خطيبها
قال الزناتي: في "شرح رسالة ابن أبي زيد": وفي ضبطها أربعة أوجه: ضم الدال وفتحها ورفعها منونة وكذا نصبها.
وقوله: "بعض إخواني" يحتمل أن يكون أخًا حقيقة، والظاهر أنه عني به: من المؤمنين، قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (1). وفي سنن أبي داود من حديث زيد بن أرقم مرفوعًا: "اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة"(2).
"والاختصار": مشتق من الخصر، والخصر سرة الشيء وخلاصته، والاختصار: إيجاز اللفظ مع استيفاء المعنى، ومراده أن البخاري ومسلمًا اشتملا على جمل من التوحيد والأحكام والآداب والفضائل والمواعظ والقصص وغير ذلك، فاختصر جملة من الأحكام دون غيرها.
والفرق بين الاختصار والإِيجاز: أن الإِيجاز حذف طول الكلام، والاختصار حذف عرضه، كذا سمعت من يذكره.
وعبارة بعضهم أن الإِيجاز: تجريد المعنى من غير رعاية للفظ
(1) سورة الحجرات: آية 10.
(2)
سنن أبي داود رقم (1508).
الأصل بلفظ يسير، والاختصار: تجريد اللفظ اليسير من الكثير مع بقاء المعنى.
"والأحادث": [قيل](1) هي جمع أحدوثة قياسًا على جمع أعجوبة وأعاجيب، وقيل: جمع حديث فيكون جمعًا على غير [قياس](2).
والحديث لغة: كل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظة أو نوم.
وفي الاصطلاح: كلام الرسول غير المتلو قرآنًا فتندرج الأحاديث المروية عن ربه تبارك وتعالى: كما في ليلة الإسراء والرؤيا.
وأحسن من هذا الحد: ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قولًا أو فعلًا أو إقرارًا (3).
وقوله: "مما اتفق عليه الإمامان" قد خالف هذا الشرط فخرج أحاديث انفرد البخاري بها تارة، ومسلم أخرى، نعم هي قليلة كما ستقف عليها في مواطنها من هذا الشرح إن شاء الله تعالى (4)
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ج (القياس).
(3)
في ن ب ج (قولًا أو فعلًا أو إقرارًا).
(4)
مجموع الأحاديث التي استدركت على المصنف 76 حديثًا، استدركها الزركشى في كتابه (تصحيح العمدة) نشر مجلة الجامعة الإِسلامية عدد (75، 76)، تحقيق الدكتور الزهراني.
وقد أفردتها مجموعة في فصل [مفرد](1) في معرفة رجال هذا الكتاب.
فصل: في معرفة [حال](2) الإمام البخاري رضي الله عنه فإن المصنف قد تعرَّض له: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم [البخاري](3) ابن المغيرة بن يَزْدِزْبَه. ويقال [بَرْدِزْبَه](4) كذا ضبطه أولًا ابن خلكان عن بعضهم، ثم نقل الثاني عن ابن ماكولا، قال -أعني ابن ماكولا- هو بالبخارية، ومعناه بالعربية: الزرّاع، وقال ابن دحية في كلامه على حديث "إنما الأعمال بالنيات": قال لي أهل خراسان بعد أن لم يرفوا معنى [هذه](5) اللفظة: يقال
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب (رجال).
(3)
زيادة من ن ج ب. انظر: مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء (12/ 391).
(4)
هكذا هو في الأصل، وفى ن ب وهي واضحة ومشكولة، والذى في تهذيب التهذيب (9/ 47): ابن بردزبه، وقيل بزرويه، بدون ضبط الشكل. أما ما جاء في سير أعلام النبلاء (12/ 391): بن بَزدِزْبَه، وقيل بَذدُزبَه. وجاء في تهذيب الأسماء واللغات للنووي (1/ 67/ 1): بَزدِزيَه، بباء موحدة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة مكسورة ثم زاي ساكنة ثم باء موحدة ثم هاء، وقيده ابن ماكولا هكذا (1/ 259). وقد جاء في وفيات الأعيان لابن خلكان (4/ 190): قال ابن خلكان: وقد اختلف في اسم جده فقل: إنه يَزدِبه بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الزاي وكسر الذال المعجمة وبعدها ياء موحدة ثم هاء ساكنة.
(5)
في ن ب ساقطة.
للفلاحين [بالفارسية](1): برزكر، بباء موحدة ثم راء مهملة وزاي معجمة مكسورة وكاف غير صافية، وراء مهملة. وهو لقب لكل من سكن البادية زراعًا كان أو غيره. وقيل: إنه ابن المغيرة بن الأحنف الجعفي (2) مولاهم ولاء الإِسلام؛ لأن جده المغيرة أسلم على يد يمان البخاري الجعفي والي بخارى (3).
الحافظ، أمير المؤمنين في الحديث، كتب بخراسان والجبال والعراق والحجاز والشام ومصر، عن [أبي](4) نعيم والفريابي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وخلق يزيدون على ألف وروى عنه الترمذي والنسائي فيما قيل ومسلم خارج الصحيح، وإبراهيم الحربي، وأبو زرعة محمد بن نصر المروزي، وصالح بن محمد جزره، ومطين، وابن خزيمة. قال الخطيب: آخر من حدَّث عن البخاري ببغداد الحسين بن إسماعيل المحاملي. قال النووي: وصحيحه متواتر عنه، وأشتهر عنه من رواية الفِرَبْرىِّ روينا عن أبي عبد الله الفربري: قال: سمع الصحيح من أبي عبد الله تسعون
(1) في ن ب ساقطة، وفي ج (مثبتة).
(2)
في الأصل (الجعلي).
(3)
قال الخطيب البغدادي في تاريخه (2/ 6): يمان هذا هو أبو جد عبد الله بن محمد المسندي. وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن يمان البخاري الجحفي. والبخارى. قيل له جُغفي. لأن أبا جده أسلم على يدي أبي جد عبد الله المسندى. ويمان جعفر. فنسب إليه لأنه مولاه من فوق.
(4)
في الأصل (ابن أبي) زيادة ابن.
ألف رجل فما [بقي](1) أحد يرويه غيري. قال الذهبي: وآخر من روى عنه صحيحه منصور بن محمد البَزْدويُّ وآخر من زعم أنه سمع منه أبو [ظهيرة](2) عبد الله بن فارس البلخي المتوفى ستة ست وأربعين وثلاثمائة، ورواه -أعني صحيحه- عن الفربري خلائق منهم أبو محمد الحموي، وأبو زيد المروزي، وأبو إسحاق المستملي وأبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني، وأبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهيني، وأبو بكر إسماعيل بن محمد [الكشاني](3)، وأحمد بن محمد بن متّ بفتح الميم وتشديد المثناة فوق، وآخرون. ورواه عن كل واحد من هؤلاء جماعات وأشتهر الآن عن أبي الوقت عن [الداروردي](4) عن الحموي عن الفربري عن البخاري.
قال الحسن بن الحسين البزار: رأيت البخاري شيخًا نحيفًا ليس بالطويل ولا بالقصير.
ولد بإجماع بعد صلاة الجمعة لثلاث عشر خَلَت من شوال ستة أربع [وتسعين](5) ومائة، وأجمعوا على أنه توفي ليلة السبت عند صلاة العثساء ليلة الفطر، ودفن يوم الفطر بعد الظهر ستة ست وخمسين ومائتين ودفن بخَرْتَنك، قرية على فرسخين من سمرقند.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب (ظهير).
(3)
في ن ب ج (الكساني).
(4)
في أج (الراودى)، وفي ب (الراودى).
(5)
في ن ب (مبتورة).
قال محمد بن أبي حاتم النحوي ورّاق البخاري: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك؟ قال: أُلهمت حفظ الحديث في الكتاب ولي عشر سنين أو اقل ثم خرجت من الكتاب [بعد العشر](1) فجعلت اختلف إلى الداخلي وغيره (إلى آخر الحكاية).
وروينا عن الفربري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: أين تريد؛ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام. وعنه أيضًا: سمعت محمدًا البخاري يقول: رأيت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في النوم خلف النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يمشىي كلما رفع قدمه وضع البخاري قدمه في ذلك الموضع.
وعن محمد بن حمدويه قال: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحح ومائتين ألف حديث غير صحيح. وعن الإمام أحمد قال: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل [البخاري](2). وعنه قال: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي -يعني الدارمي- والحسن بن شجاع البلخي. وعن الحافظ أبي علي صالح بن محمد جزره، قال: ما رأيت خراسانيًا أفهم منه، وقال: أعلمهم بالحديث البخاري، وأحفظهم أبو زرعة وهو أكثرهم حديثًا. وعن محمد بن بشار قال:
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
زيادة البخاري من ن ب.
حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة (1) بالري، ومسلم بن الحجاج بنيسابور، وعبد الله الدارمي بسمرقند، والبخاري ببخارى. وعنه
قال: ما قدم علينا مثل البخاري. وعنه أنه قال حين دخل البخاري البصرة: دخل اليوم سيد الفقهاء. وعنه أنه حين قدم البخاري البصرة قام إليه فأخذ بيده وعانقه وقال: مرحبًا بمن أفتخر به منذ سنين.
وعن إسحاق بن أحمد بن خلف قال: سمعت البخاري غير مرة يقول: ما تصاغرت نفسي عند أحد إلَّا عند علي بن المديني. وذكر لعلي بن المديني (2) قول البخاري هذا فقال: ذروا قوله، هو ما رأى مثل نفسه. وعن محمد بن عبد الله بن نمير وأبي بكر بن أبي شيبة قالا: ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل. وعن عمرو بن علي الفلاس قال: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث. وعن عبد الله: قال: ما رأيت شابًا أبصر من هذا، وأشار إلى البخاري، وعن عبد الله بن محمد المسندي -بفتح النون- قال: محمد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إمامًا فاتهمه.
وعن الدارمي قال: رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام ومصر والعراق فما رأيت منهم أجمع من أبي عبد الله البخاري. وعن أبي سهل محمود بن النضر قال: دخلت البصرة والشام
(1) في ن ب زيادة (البرازى)، وكذا في ج، وهو تصحيف وإنما الصحيح (الرازي).
(2)
من هنا بداية سقط في الأصل بمقدار ورقة من لوحة [9/ أ/ أ] حتى (10/ أ/ ب).
والحجاز والكوفة ورأيت علماءها وكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل البخاري فضّلوه على أنفسهم. وعن علي بن حجر قال:
أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة والبخاري والدارمي، قال: ومحمد عندي أعلمهم وأبصرهم.
وعن أبي حامد الأعمش قال: رأيت محمد بن إسماعيل البخاري في جنازة ومحمد بن يحيى -يعني الذهلي- يسأله عن الأسماء والكنى وعلل الحديث وعرَّفها البخاري مثل السهم كأنه يقرأ (قل هو الله أحد). وعن حاشد -بالشين المعجمة- بن إسماعيل قال: رأيت إسحاق بن راهويه جالسًا على السرير ومحمد بن إسماعيل معه فأنكر محمد بن إسماعيل شيئًا فرجع إسحاق إلى قول محمد، وقال إسحاق: يا معشر أصحاب الحديث اكتبوا عن هذا الشاب فإنه لو كان في زمن الحسن البصري لاحتاج إليه لمعرفته بالحديث وفقهه.
وعن أبي عمرو الخفاف قال: حدثني محمد بن إسماعيل البخاري التقي النقي العالم الذي لم أر مثله. وعن الترمذي قال: لم
أرى بالعراق وخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل. وعن عبد الله بن حماد الأيلي قال:
وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل.
وعن محمد بن يعقوب الحافظ عن أبيه قال: رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي البخاري يسأله سؤال الصبي المتعلم. وعن مسلم بن الحجاج أنه قال للبخاري: لا يبغضك إلَّا حاسد وأشهد أنه
ليس في الدنيا مثلك. وذكر الحاكم في تاريخ نيسابور بإسناده عن أحمد بن حمدون قال: جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقبل بين عينيه وقال: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين ويا طبيب الحديث في علله.
وروينا عن حاشد بن إسماعيل قال: وإن أهل المعرفة من أهل البصرة يَعْدُونَ خلف البخاري في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق ويجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه، وكان البخاري إذ ذاك شابًا لم يخرج وجهه. وعن أبي بكر الأعين قال: كتبا عن محمد بن إسماعيل على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة. وعن الحافظ صالح بن محمد جزرة قال: كان البخاري يجلس ببغداد وكنت أستملي له ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفًا. وعن محمد بن يوسف بن عاصم قال: كان لمحمد بن إسماعيل ثلاثة مستملين واجتمع في مجلسه زيادة على عشرين ألفًا. وقال ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.
ومناقبه رضي الله عنه جَمَّة أفردت بالتصنيف فلنقتصر على هذا القدر منها.
فائدة: قدمنا أن البخاري رضي الله عنه أمير المؤمنين في الحديث، وقد شاركه في ذلك جماعة أفردهم الحافظ أبو علي
الحسن بن محمد البكري في كتابه (التبيين لذكر من يسمى بأمير
المؤمنين) ومن خطه نقلت، قال وأول من [تسمَّى بأول] (1) بهذا الاسم فيما أعلمه وشاهدته ورويته وسُمي بالإمام في أول الإِسلام: أبو الزناد عبد الله بن ذكوان، وبعده امام دار الهجرة مالك بن أنس، ثم عد بعدهما: محمد بن إسحاق صاحب المغازي، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والواقدي، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، والدارقطني، وذكر فيه أن أبا إسحاق الشيرازي أمير المؤمنين فيما بين الفقهاء نقلًا عن الحنفي إمام أصحاب الرأي ببغداد، هذا مجموع ما ذكر في تأليفه، وأغفل أبا نعيم الفضل بن دكين الملآئي الكوفي، فإن الحاكم في تاريخ نيسابور قال: حدَّثني محمد بن عبد الوهاب قال: سمعت بالكوفة يقولون: أمير المؤمنين في الحديث وإنما يعنون [أبا نعيم](2) الفضل بن دكين بعلمه بالحديث. وقد قدمنا في ترجمة المصنف أن الضياء المقدسي لُقب بذلك أيضًا، ومسلم بن الحجاج يجب أن يلقب بذلك أيضًا، وكذا أنظاره فاستفد ذلك فإنه من المهمات (3).
فصل: في معرفة حال الإمام مسلم رضي الله عنه فإن المصنف قد تعرّض له أيضًا: هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري (4) صاحب التصانيف، أحد الأئمة الحفاظ، يقال: إنه
(1) في نسخة ج (سمي).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
انظر هدية المغيث في أمراء المؤمنين في الحديث، نظم محمد حبيب الله الشنقيطي.
(4)
انظر: مصادر ترجمته في سير أعلام النبلاء (12/ 557).
ولد ستة أربع ومائتين، ويجزم ابن الأثير في جامعه بأنه ولد ستة ست وأنه مات عشية يوم الأحد لخمس بقين من رجب سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة، رحل إلى العراق والشام والحجاز، ومصر، وأخذ الحديث عن إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد، وحرملة، وخلق، وقدم بغداد غير مرة وحدث بها. روى عنه خلق منهم إبراهيم بن محمد بن سفيان، وكان آخر قدومه بغداد سنة سبع وخمسين ومائتين، روى عنه الترمذي حديثًا واحدًا، قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على أهل عصرهما. وسئل ابن عقدة: أيهما أحفظ هو أم البخاري؟ فقال: كلاهما عالم، فأعيد عليه السؤال فقال: يقع لمحمد الغلط في أهل الشام وذلك لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها فربما ذكر الرجل بكنيته ويذكره في موضع آخر في اسمه ويظنهما اثنان، وأما مسلم فقلّ ما يوجد له غلط في النقل لأنه كتب المسانيد ولم يكتب (1) المقاطيع ولا المراسيل.
قال مسلم بن الحجاج: صنفت هذا الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. وقال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم في تأليفه صحيحه خمس عشرة سنة وهو اثنا عشر ألف حديث. قال الحاكم: ولمسلم: المسند الكبير على الرجال [ما أرى](2): أنه سمعه منه أحد، وكتاب الجامع الكبير على الأبواب، وكتاب الأسماء والكنى،
(1) إلى هنا انتهى السقط [أ/ ب] من الأصل.
(2)
في ن ب (ما أرا).
والتمييز، والعلل، الوحدان، الأفراد، الأقران، سؤالات أحمد بن حنبل، [حديث] (1): عمرو بن شعيب. والانتفاع بأهب [السباع](2)، ومشايخ مالك، ومشايخ الثوري، ومشايخ شعبة، [من](3) ليس له إلَّا راو واحد، المخضرمين، أولاد الصحابة؛ أوهام المحدثين، والطبقات، وأفراد الشاميين.
قال أحمد بن سلمة: عقد لأبي الحسين مسلم مجلس للمذاكرة فذكر له حديث فلم يعرفه فانصرف إلى منزله وأوقد السراج وقال لمن في الدار: لا يدخل [أحد منكم](4)[فقيل له](5): أُهديت لنا سَلَّةٌ فيها تمر، فقال: قدموها، وكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث، قال الحاكم: زادني الثقة من أصحابنا أنه منها مات.
فصل: إنما اقصر المصنف على اختصار هذه الأحاديث مما اتفق عليه الإمامان لأنه أعلى درجات [الصحيح](6) واتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكتاب البخاري أصح منه عند الجمهور، وخالف أبو علي النيسابوري فقال: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم،
(1) في ن ب (حدثنيه)، وهو خطأ.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب (منكم أحد).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب ساقطة.
ووافقه على ذلك بعض شيوخ المغرب، والصحيح الأول، قال الخطيب: إنما قفى مسلم طريق البخاري ونظر في علمه وحذى حذوه. ولما ورد البخاري نيسابور في آخر [مرة](1) لازمه مسلم وأدام الاختلاف إليه، وقال الدارقطني: لولا البخاري ما ذهب مسلم ولا جاء.
قال رحمه الله: (فأجبته إلى سؤاله رجاء المنفعة به وأسأل الله أن ينفعنا به
…
) إلى آخر الخطبة، أجاب رضي الله عنه السائل تفضلًا منه ورجاء المنفعة ثم سأل الله ذلك وقد حقق رجاءه [و](2) استجاب دعاءه، فما من مذهبي [إلَّا](3) وأكب على حفظها والاقتباس منها.
وإجابة السائل تجب أيضًا لكن بشروط: أن يكون السؤال عن واجب، وأن لا يكون هناك غيره، وأن يخاف فوات النازلة، وأن يكون عند المجيب علم من المسألة، وأن يكون عدلًا، وأن يكون السائل والمجيب مكلفين، وينبغي التحرز في الجواب، فقد قال المحاسبي: يسأل العالم يوم القيامة عن ثلاثة أشياء: هل أفتى بعلم أم لا؟ وهل نصح في الفتيا أم لا؟ وهل أخلص فيها لله أم لا؟
قال القرافي رحمه الله: وللمجيب ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون مجتهدًا مطلقًا فيجيب بما غلب على ظنه حيث ظفر به من أي مذهب كان.
(1) في ن ب (عمره).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
ساقطة من ب.
ثانيها. أن يكون مجتهدًا مقيدًا بمذهب نظر نصوص إمامه ومداركه وعلله ويعلم أنواع العلل ومراتبها ومداركها وكيفية التخريج
وشروطه، فيجيب نصًّا وتخريجًا على مذهب إمامه ولا يتعداه إلى غيره.
ثالثها: أن يكون مقلدًا صرفًا عاريًا عما تقدم، فحظه نقل اللفظ فقط ولا يتعداه لترجيح ولا تخريج ولا تأويل ولا تعليل.
وقول المصنف: "فأجبته إلى سؤاله" قد علمت أنه لم [يوف](1) به في بعض المواضع.
و"الرجاء": تعلق الأمل بأمر يحصل في المستقبل مع [العمل](2)، فإن تجرَّد عن العمل فهو طمع.
و"النفع": ضد [الضر](3)؛ يقال: نفعه كذا ينفعه وانتفع به، والاسم: المنفعة، قاله الجوهري (4). وقال الراغب في مفرداته (5): النفع: ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير خير، فالنفع خير وضده الضر، قال تعالى:{وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} (6).
(1) في ن ب (يعرف).
(2)
في ن ج (العلم).
(3)
في ن ب (المضرة).
(4)
مختار الصحاح (281).
(5)
(502).
(6)
سورة الفرقان: آية 3.
"والإخلاص": هو إفراد الحق سبحانه [وتعالى](1) في الطاعة بالقصد وهو أن يريد بطاعته التقرُّب إلى الله تعالى دون شيء آخر من تصنع لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو معنى من المعاني صوى التقرُّب إلى الله
تعالى.
وقوله: "لديه" أي عنده، وقوله:"فإنه حسبنا ونعم الوكيل" ختم الخطبة بذلك لأن الله وعد [من](2) تحصن بها بالأمن مما يخشاه فقال: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} إلى قوله: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (3).
وفي البخاري عن ابن عباس إن: حسبنا الله ونعم الوكيل قالها: إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم (4).
ومعنى حسبنا: كافينا. قال [النحاس](5) قول الإنسان (حسبي الله) أحسن من (حسبنا) لما في الثاني من التعظيم.
قلت: والمصنف أتى بلفظ التلاوة للتبرك، وفي معنى الوكيل عشرة أقوال:
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة آل عمران: آية 174.
(4)
البخاري: الفتح (8/ 229).
(5)
في الأصل (البخاري)، والتصحيح من ن ب.
أحدها: المعين.
الثاني: الكفيل، ذكرهما الماوردي.
الثالث: الموكول إليه الأمور، ذكره الواحدي في وسيطه قال: وهو فعيل بمعنى مفعول.
الرابع: المعتمد والملجأ، ذكره أيضًا.
الخامس: [القائم](1) بالأمور المصلح لما يخاف من فسادها، قاله ابن عطية.
السادس: الشاهد والحافظ بالوفاء، [ذكره](2) الثعلبي.
السابع: الحفيظ، ذكره الهروي.
الثامن: الكافي.
التاسع: الكفيل بالرزق والقيام على الخلق بما يصلحهم، ذكرهما البيهقي في الاعتقاد (3).
العاشر: الموكول إليه تدبير البرية، ذكره إمام الحرمين في الإرشاد.
"ونِعْمَ": فعل عند أهل البصرة للمدح، كبئس للذم. وفيها أربع لغات (4) كما في فخذ.
(1) في ن ب (العالم).
(2)
في ب (قاله).
(3)
الاعتقاد (17).
(4)
الأصل (نَعِم) بفتح أوله وكسر ثانيه، نِعِم فتتبع الكسرة الكسرة، نِعْمَ بكسر =
وإذْ فرغنا من شرح الخطبة فلنشرع في المقصود، أسال الله الكريم إتمامه والنفع به بمحمد وآله (1).
= النون، نَعْمَ بفتح النون- اهـ. من مختار الصحاح (229).
(1)
هذا مما لا يجوز شرعًا، لأنه من البدع، للاستفادة يراجع كتاب (التوسل والوسيلة) لشيخ الإسلام ابن تيمية. وكذا كتب أئمة الدعوة.