الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
2/ 2/ 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف براويه: هو دوسي أزدي [يماني](2) مكثر حافظ، وفي اسمه اختلاف شديد، أفرده بعض الحفاظ بجزء وأشهره: عبد الرحمن بن صخر، وقال الحاكم أبو أحمد: إنه أصح، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: عبد الله أو عبد الرحمن هو الذي يسكن القلب إلى اسمه في الإسلام، وقال النووي: الأصح أنه عبد الرحمن من نحو ثلاثين قولًا، وقال غيره أكثر من ذلك.
وقال ابن حبان في ثقاته: الأشبه أن اسمه في الجاهية عبدنهم فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وهو أول من كني بأبي هريرة لهرة
(1) أخرجه البخاري برقم (135) في الوضوء (6954) في الحيل، ومسلم برقم (225).
(2)
ساقطة من ن ب.
كانت له يلعب بها صغيرًا و [أول](1) من كناه بها فيه قولان:
أحدهما: النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو عمر: وهو الأشبه.
والثاني: والده، وكان يكره تصغيره ويقول: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هر، ذكره ابن عساكر، وقال ابن إسحاق وأبو عمر: إنه عليه السلام كناه بأبي هريرة، كذا قالاه بالتصغير، وكان يكنى في الجاهلية بأبي الأسود، قال الكلبي: ولأبي هريرة أخ اسمه أبو كريم، قال ابن دريد: وكان أبو هريرة ينتقل في الأحياء ويغيّر اسمه، أي لأنه كان عليه دم فكان إذا نزل على قبيلة غيّر اسمه؛ لئلا يفطن به فيؤخذ بمن قتله، فهذا سبب كثرة أسمائه في الجاهلية.
أسلم عام خيبر سنة سبع من الهجرة، وقال ابن هشام: سنة ست، حكاه عنه ابن الطلاع، وبه جزم الشيخ تقي الدين (2) في شرحه، وابن الرفعة في كفايته في باب زكاة النبات وجزم بالأول في قتال المشركين، واختلف في شهوده فتحها على ثلاثة أقوال: قيل: نعم، وقيل: لا، وإنما حضر بعد فتحها، وذكر البخاري (3) في "صحيحه" ما يدل لحضوره إياها، وقيل: إنه خرج معه إليها، رواه البخاري من طريق ثور، وقال موسى بن هارون: وهم ثور، إنما قدم بعد خروجه.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
إحكام الأحكام (1/ 83).
(3)
البخاري رقم (4234).
قلت: والصحيح أنه قدمها بعد خروجه عليه السلام إليها وقبل الفتح.
ومن صفته أنه كان أدم، بعيد ما بين المنكبين، صاحب ضفيرتين، أفرق الثنيتين، وكان يخضب بالحمرة، صحب النبي صلى الله عليه وسلم على ملء بطنه، وكان يدور معه حيث ما دار، وكان غيره يشغله الصفق بالأسواق، فقال عليه السلام مرة:"من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئًا سمعه مني" قال: فبسطت بردة علي حتى قضى حديثه ثم قبضتها إليَّ، فوالذي نفسي بيده ما نسيت بعد شيئًا سمعته منه (1). وكان ذَكَر له قبل ذلك: إني اخشى أن أنسى ما أسمعه منك ففعل به [ذلك](2)، وشهد له بالحرص على العلم.
وروى سليم بن حيان عن أبيه عن أبي هريرة قال: نشأت يتيمًا وهاجرت مسكينًا وكنت أجيرًا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أحدو بهم إذا ركبوا وأحتطب إذا نزلوا، [فالحمد لله](3) الذي جعل الدين قوامًا وأبا هريرة إمامًا.
وروى أبو يزيد الديني عنه أنه قام على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه، ثم قال: الحمد لله الذي هدى
(1) أخرجه البخاري الفتح (5/ 21) في المزارعة، وفي الاعتصام، ومسلم برقم (2492) فضائل أبي هريرة.
(2)
في ن ب (كذلك).
(3)
في ن ب (والحمد لله).
أبا هريرة للإِسلام، الحمد لله الذي علم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي من على أبي هريرة بمحمد صلى الله عليه وسلم، الحمد لله الذي أطعمني الخمير، وألبسني الحبير، الحمد لله الذي زوجني ابنة غزوان بعدما كنت أجيرًا لها بطعام بطني وعقبة رجلي، أرحلتني فأرحلتها كما أرحلتني (1). [وروى قيس بن أبي حازم عنه قال كنت أصرع بين القبر والمنبر من الجوع حتى يقولوا مجنون] (2) وخرج ابن جهضم في كتابه "بهجة الأسرار" أنه عليه السلام قال:" [لكل] (3) نبي حكيم وحكيم هذه الأمة أبو هريرة"(4)، وفي "الطبقات" دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحببه إلى كل مؤمن ومؤمنة (5)، وقال الإمام أحمد: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله ما روى أبو هريرة عنك حق؟ قال: نعم.
قلت: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر، وهو أكثر الصحابة حديثًا، قال: حفظت [عن](6) رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جُرُب أخرجت منها
(1) يشير إلى قصة أوردها ابن سعيد في الطبقات (4/ 326/ 327)، بأنها قالت يومًا: لتردنه حافيًا ولتركبنه قائمًا. قال: فزوجنيها الله بعد ذلك فقلت لها: لتردينه حافية ولتركة قائمة.
(2)
البخاري الفتح (9/ 128)، وأحمد في الزهد (31)، والبخاري في الأدب المفرد شرح فضل الله الصمد (2/ 671)، وهي ساقطة من ن ب.
(3)
ساقطة من ب.
(4)
كنز العمال (32507) الديلمي عن ابن عباس.
(5)
طبقات ابن سعد (4/ 328).
(6)
في ن ب (من).
جرابين، وفي رواية: حفظت عنه وعائين فأما أحدهما فبثثته للناس وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم. روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا، وليس لأحد من الصحابة هذا القدر ولا ما يقاربه، أخرج له في الصحيحين ستمائة حديث وتسعة أحاديث، اتفقا منهما على ثلاثمائة وستة وعشرين حديثًا، وانفرد البخاري ثلاثة وتسعين ومسلم بمائة وتسعين، قال الشافعي: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره. قال أبو هريرة فيما يثبت عنه: ليس أحد أكثر حديثًا مني إلَّا فلانًا، كان يكتب وأنا لا أكتب. وأراد عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد عاش عبد الله أكثر منه إلَّا أن أبا هريرة كان مقيمًا بالمدينة ولم يخرج منها وكان الناس يأتونها من كل ناحية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونها محط الركاب لأجل الخلافة ولزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصلاة في مسجده (1)، ولأجل العلم، وكان أبو هريرة متصديًا للرواية ونشر العلم، بخلاف عبد الله بن عمرو فإنه سافر إلى البلاد وغلب عليه العبادة فلهذا لم يشتهر حديثه ولم تكثر روايته، واشتهر وكثر حديث أبي هريرة، رضي الله عنهما.
قال رضي الله عنه: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، والله لولا اثنان في كتاب الله ما حدثت شيئًا، وتلى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ
(1) لو اقتصر عليها -رحمنا الله وإياه- لكان أولى؛ لحديت (لا تشد الرحال إلَّا لثلاثة مساجد
…
) إلخ، والقبور لا يجوز أن تشد إليها الرحال، راجع كتاب الرد على البكرى لشيخ الإسلام ابن تيمية.
الْبَيِّنَاتِ} (1) إلى قوله {الرَّحِيمُ} (2). وكان يقول: إخواننا من المهاجرين شغلهم الصفق في الأسواق، وإخواننا من الأنصار شغلهم العمل في أموالهم.
رآه أبو بكر بن داود في المنام، وقال له: إني أحبك، فقال: أنا أول صاحب حديث كان في الدنيا. ولقي مرة كعبًا فجعل يحدثه ويسأله، قال كعب: ما رأيت أحدًا لم يقرأ التوراة أعلم بما فيها من أبي هريرة.
وكان رضي الله عنه من أصحاب الصفة، قال أبو نعيم في الحلية: كان عريفهم وأشهر من سكنها، قال البخاري: روى [عنه](3) أكثر من ثمانمائة رجل ما بين صاحب وتابع.
قلت: وكان أحد من يفتي بالمدينة مع ابن عمر وابن عباس. وكان يسبح في اليوم اثنتي عشر ألف تسبيحة، وكان يدمن من الصيام والقيام والضيافة.
ولي المدينة لمعاوية ثم عزل بمروان، وكان يمر بالسوق يحمل الحزمة [من] (4) [الحطب] (5). وهو يقول: أوسعوا الطريق للأمير -كان فيه دعابة رضي الله عنه قال له عمر: كيف وجدت الإِمارة؟ قال: بعثتني وأنا كاره، ونزعتني وقد أحببتها. وأتاه بأربعمائة ألف
(1) سورة البقرة: آية 159.
(2)
سورة البقرة: آية 160.
(3)
زيادة من ن ج.
(4)
ساقطة من ب.
(5)
ساقطة من الأصل وج.
من البحرين وعزله، ثم أراده على العمل فأبى.
ولم يزل يسكن المدينة، وكان ينزل ذا الحليفة وله بها دار تصدق بها على مواليه فباعوها من عمرو بن بزيغ. وصلى على عائشة رضي الله عنها وأم سلمة [زَوْجَي] (1) النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يقول لبنته:"لا تلبسي الذهب فإني أخشى عليك اللهب".
وقال أبو عثمان [النهدي](2): تضيفت أبا هريرة سبعًا فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا يصلي هذا ثم يوقظ الآخر فيصلي ثم يوقظ الثالث.
ومات بها، وقيل: بالعقيق، ودفن بالبقيع، وأما ما اشتهر [بأن](3) قبره بقرية بسناجية (4) بالقرب من عسقلان، وعقد عليه
الملك الأشرف ابن منصور قبة، ورأيته مرجعي من القدس الشريف فليس بصحيح، بل ذاك قبر جندرة بن حبشية أبي قرصافة (5) كما نص عليه ابن حبان في الصحابة في أول كتابه "الثقات"، فتنبه له.
ولد رضي الله عنه سنة إحدى وثلاثين من الفيل، قاله [العتيقي](6) في "تاريخه"، وفي وفاته أقوال: أحدها: [سنة سبع
(1) في ن ب (زوجتي).
(2)
في ن ب ج (المهدي)، والصواب ما أثبته كما في كتب الرجال.
(3)
في ب (من أن)، وفي الأصل زيادة (من) قبلها.
(4)
اعتمدت على تصحيحه بثقات ابن حبان (3/ 64).
(5)
اختلف في ضبط اسمه كما في حاشية ثقات ابن حبان (3/ 64)، وما أثبت موافق لما في الثقات.
(6)
وكذلك في ن ج (العتيقي)، وفي ن ب (القعنبي).
وخمسين، وفيها ماتت عائشة رضي الله عنها. ثانيها: سنة ثمان. ثالثها] (1): سنة تسع قال النوي في "شرح مسلم"(2): وهو الصحيح. وقال ابن حبان في "ثقاته": مات [سنة](3) سبع أو ثمان. وقيل: مات ستة خمس، وقيل: ست، حكاهما الذهبي في "تذكرته" (4). وقال الواقدي: صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع، ثم توفي بعدها في هذه السنة وله ثمان وسبعون سنة (5)، وكان يقول "اللهم لا تدركني سنة ستين" فتوفي فيها أو قبلها بسنة، وقد أوضحت ترجمته فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب وهذا القدر هنا كاف، والله الموفق.
الوجه الثاني: قوله عليه السلام: "لا يقبل" هو بفتح الياء كيعلم، والماضي مكسور كعلم، والقبول: يراد به في الشرع:
= هو الإمام المحدث الثقة أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور العتيقي ولد سنة سبع وستين وثلاثمائة ومات في صفر سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، ترجمته في سير أعلام النبلاء (17/ 602).
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
(1/ 68).
(3)
في الأصل (سبع)، وما أثبت من ب ج. انظر: الثقات لابن حبان (3/ 284).
(4)
(1/ 37) مع الاطلاع على كثير من مناقبه قد ذكرها فيه.
(5)
قال الحافظ في الإصابة (7/ 207): قلت: وهذا الذي قاله في أم سلمة وهم منه وإن تابعه عليه جماعة، فقد ثبت في الصحيح ما يدل على أن أم سلمة عاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية كما سيأتي في ترجمتها، والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة "أي سبع وخمسين". اهـ.
حصول الثواب، وقد تتخلف الصحة عن الثواب بدليل صحة صلاة العبد الآبق، ومن أتى عرَّافًا، وشارب الخمر إذا لم يسكر ما دام في جسده شيء منها، وكذا الصلاة في الدار المغصوبة على الصحيح عندنا، فأما ملازمة القبول للصحة، ففي قوله عليه السلام:"لا يقبل الله صلاة حائض إلَّا بخمار"(1)، صححه الأئمة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
والمراد بها من بلغت سن الحيض فإنها لا تقبل صلاتها إلَّا بسترتها، ولا تصح ولا تقبل مع إنكشاف عورتها، والقبول مفسر بترتب الغرض المطلوب من الشيء على الشيء، يقال: قبل فلان عذر فلان، إذا رتب على عذره الغرض المطلوب منه وهو محو الجناية والذنب، فقوله عليه السلام:"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" هو عام في عدم القبول من جميع المحدثين في [جميع](2) أنواع الصلاة، والمراد بالقبول وقوع الصلاة مُجْزِئة بمطابقتها للأمر، فعلى هذا يلزم من القبول الصحة في الظاهر والباطن، ومتى ثبت القبول ثبتت الصحة، ومتى ثبتت الصحة ثبت القبول.
(1) أبو داود (641) الصلاة، باب: المرأة تصلي بغير خمار، وسنده قوي، والترمذى (377) في الصلاة، أسباب: ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلَّا بخمار، والحاكم (1/ 251)، وصححه على شرط مسلم، وابن ماجه (655)، وأحمد (2/ 150، 218، 259)، والبغوي (527)، والبيهقي (2/ 233)، وصححه ابن حبان (1711، 1712)، وابن خزيمة (775).
(2)
في ن ب ساقطة.
ونقل عن بعض المتأخرين أن القبول عبارة عن ترتب الثواب والدرجات على العبادة، والإِجزاء: عبارة عن مطابقة الأمر، فهما متغايران، أحدهما: أخص من الآخر، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم، فالقول على هذا التفسير أخص من الصحة، فكل مقبول صحيح ولا عكس، وهذا إن نفع في نفي القبول مع بقاء الصحة فيما سلف، ضَرَّ في نفي القبول مع نفي الصحة كما هو محكي عن الأقدمين، إلَّا أن يقال:[دَلَّ](1)[الدليل على كون القبول من لوازم الصحة، فإن انتفى انتفت، فيصح الاستدلال](2) بنفي القبول على نفي الصحة، ويحتاج في نفيه مع بقائها في تلك الأحاديث إلى تأويل أو تخريج جواب، [ويرد](3) على من فسر القبول بكون العبادة مثابًا عليها أو مرضية، مع أن قواعد الشرع تقتضي أن العبادة إذا أتى بها مطابقة للأمر كانت سببًا للثواب، في ظواهر لا تحصى.
[تنبيه](4): الحكم مرتفع ومتجدد باعتبار تعلقه لا باعتبار ذاته، فيصح قولك: نويت رفع الحدث، وإن كان [بالمنع](5) حكمًا قديمًا فلا يستحيل رفعه بهذا الاعتبار [كما](6) نبه عليه القرافي رحمه الله.
(1) في ج (دليل).
(2)
ساقط من ن ب.
(3)
في ن ب (ورد).
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
في ب ج (المنع).
(6)
زيادة في ب ج.
[الثالث](1): الحدث عبارة [عما ينقض](2) الوضوء، ومحل الخوض في تفاصيله كتب الفروع، قد أوضحناها فيها، وقد فسره أبو هريرة (3) راوي الحديث بنوع من الحدث حين سئل عنه فقال: فساء أو ضراط، وكأنه أجاب السائل عما يجهله منها أو عما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر.
والحدث بموضوعه يطلق على الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس.
والأصغر: كنواقض الوضوء، وقد يسمى نفس الخارج حدئًا، وقد يسمى المنع المترتب عليه حدثًا، وبه يصح قولهم: رفعت الحدث، نويت رفعه، وإلَاّ استحال ما يرفع أن لا يكون رافعًا، وكأن الشارع جعل أمد المنع المرتب على خروج الخارج إلى استعمال [الطهر](4) وبهذا يقوى قول من يرى أن التيمم يرفع الحدث لكون المرتفع هو المنع وهو مرتفع بالتيمم لكنه مخصوص بحالة ما أو [بوقت](5) ما، وليس ذلك ببدع؛ فإن الأحكام قد تختلف باختلاف محلها.
وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبًا لكل صلاة فقد ثبت
(1) في الأصل بياض بقدر لفظة (الثالث) كما في ب ج.
(2)
في الأصل (عن نقض)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
البخاري أطرافه (176).
(4)
في ن ب ج (المطهر).
(5)
في ن ب (لوقت).
أنه كان مختصًا بوقت مع كونه رافعًا للحدث [اتفاقًا، ولا (1) يلزم من انتهائه في ذلك الوقت بانتهاء وقت الصلاة أن لا يكون رافعًا للحدث](2)، ثم نسخ في فتح مكة وصلى الشارع الخمس بوضوء واحد، ونقل عن بعضهم أنه مستمر ثم نسخ وهو مردود، لكن الحكم في الاستحباب باق؛ لأنه إذا نسخ الوجوب بقي الندب على ما تقرر في كتب الأصول.
وقد ذكر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن الحدث وصف حكمي مقدر قيامه في الأعضاء (3) على معنى الوصف الحسي، وينزلون الوصف الحكمي مزلة الحسي في قيامه بالأعضاء، كقولنا: الغسل والوضوء يرفع الحدث، أي يزيل الأمر الحكمي المرتب على المقدر الحكمي، [فمن] (4) يقول بأن التيمم لا يرفع الحدث يقول: إن الأمر المقدر الحكمي باقٍ لم يزل،
والمنع الذي هو مرتب عليه زائل، ولا دليل من (5) حيث الشرع يدل عليه، وأقرب ما يذكر فيه كما قال الشيخ تقي الدين (6): أن الماء المستعمل قد إنتقل إليه مانع وذلك متنازع في طهارته أو طهوريته فلا يلزم انتقال المانع إليه فلا يتم الدليل، وهذا تحقيق منه فلينظر توجيه
(1) في نسخة ج هامش (يرد ما ذكر هنا ما قالوا في سبب الوضوء. فتأمَّل).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ب ج (بالأعضاء).
(4)
في ن ب (لمن).
(5)
طمس في الأصل بمقدار كلمة لم يؤثِّر على المعنى.
(6)
إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 91).
المشهور من مذهب مالك الشافعي أن التيمم لا يرفع الحدث.
الرابع: قوله عليه السلام: "حتى يتوضأ" نفى القبول إلى غاية وهو الوضوء، وما بعد الغاية مخالف لما قبلها؛ فاقتضى قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا، ودخل تحته الصلاة الثانية قبل الوضوء لها ثانيًا وتحققه أن [الصلاة](1) اسم جنس وقد أضيف فعم، وهذا مجمع عليه في الوضوء.
فائدة: أصل الوضوء: من الوضاءة، وهو الحسن والنظافة.
وهو بالضم: الفعل.
وبالفتح: الماء على أفصح اللغات.
الخاص: هذا الحديث محمول عند العلماء على [أن](2) ترك الوضوء بلا عذر، أما من [ترك](3) بعذر وأتى ببدله فالصلاة مقبولة قطعًا؛ لأنه قد أتى بما أمر به قطعًا، على أن التيمم من أسمائه الوضوء، قال صلى الله عليه وسلم:"الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" الحديث، صحح ابن القطان إسناده من حديث أبي هريرة، [وصححه](4) الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث أبي ذر، رضي الله عنهما (5).
(1) في الأصل (صلاة)، وما أثبت من ن ب.
(2)
في ب ج (من).
(3)
في ب ج (تركه).
(4)
في الأصل (ورجحه)، والتصحيح من ن ب ج.
(5)
الترمذي رقم (124) من حديث أبي ذر، وأبو داود في الطهارة (332، =
السادس: هذا الحديث نص في وجوب الطهارة وشرطها في الصلاة وهو إجماع، واختلفوا: متى فرض الوضوء؟
فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء كان في أول الإِسلام سُنة، ثم نزل فرضه في آية التيمم.
وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا.
واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أو على المحدث خاصة.
فذهب ذاهبون من السلف: إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (1) الآية.
وذهب [قوم](2): إلى أن ذلك [قد](3) كان ثم نسخ.
وقيل: الأمر به لكل صلاة على الندب.
وقيل: بل [لم](4) يشرع إلَّا لمن أحدث ولكن تجديده لكل
= 333)، والنسائي (1/ 171)، والحاكم (1/ 170)، والبيهقي في السنن (1/ 220)، وأحمد (5/ 155، 180)، والدارقطني (1/ 187)، والطيالسي (484)، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند البزار (310)، وذكره في مجمع الزوائد (1/ 261)، كما نقل ابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 154) تصحيح القطان. انظر: نصب الراية (1/ 149).
(1)
سورة المائدة: آية 6.
(2)
في ب (ذاهبون).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في الأصل ساقطة، وزيادة من ن ب ج.
صلاة مستحب، وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم خلاف، ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم محدثين.
وأما الوضوء لغير الفرائض فذهب بعضهم إلى أن الوضوء بحسب ما يفعل له من نافلة أو فريضة.
قلت: وهو عجيب لا جرم، [رده](1) بعض المالكية إلى أنه هل ينوي بالوضوء الفرض أو النفل؟
وذهب بعضهم: إلى أنه فرض على كل حال، حكى هذا كله القاضي عياض، وبعضه قدمناه في أثناء الوجه الثالث (2).
السابع: استدلّ المتقدمون بهذا الحديث على أن الصلاة لا تجوز إلَّا بطهارة ولا [يلزم](3) من انتفاء القبول انتفاء الصحة كما سلف، وقد تكون الصلاة مقبولة ولا تيمم في حق فاقد الطهورين فإنها صحيحة مقبولة، ولا تجب إعادتها على أحد الأقوال [عندنا](4) وهو المختار عند جماعة من محققي أصحابنا وقول جماعة [من العلماء](5)، فيكون الحديث خرج على الأصل والغالب، والإعادة والقضاء لا يجبان إلَّا بأمر جديد، وهذا كله على مذهب [من] (6) يقول: إن الطهارة شرط في الصحة، أما من يقول إنها شرط للوجوب
(1) في ن ب (ذكره).
(2)
في ن ب (الثانى)، والتصويب من الأصل ون ج.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
ساقطة من ب.
(6)
هكذا في ن ب ج، وفي الأصل (وذهب بعضهم).
كمالك وابن نافع فإنهما قالا: فاقد الطهورين لا يصلي ولا يقضي إن خرج الوقت؛ لأن عدم قبولها لعدم شرطها يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حال عدم شرطها، فلا يترتب في الذمة شيء فلا يقضي، لكن قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(1) يمنع هذا، فإنه أمر بالصلاة بشروط تعذرت، فيأتى بها، ولا يلزم من انتفاء الشرط انتفاء المشروط بالنسبة إلى أصل الوجوب، وهذه المسألة فيها أربعة أقوال عندنا وعند المالكية أيضًا، لكن عندهم قوله: إنه لا يصلي ولا يقضي، وليس عندنا، وقد نظمها بعض المالكية في بيتين فقال:
ومن لم يجد ماء ولا متيمما
…
فأربعة الأقوال يحكون مذهبا
يصلي ويقضي عكس ما قال مالك
…
وأصبغ يقضي والأداء لأشهبا
الثامن: قد استدل بهذا الحديث على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختيارًا أم اضطرارًا؛ لعدم تفريقه عليه السلام
بين حدث وحدث في حالة دون حالة، وقد حكي عن مالك والشافعي في القديم وغيرهما أنه إذا سبقه الحدث يتوضأ ويبني على صلاته، وإطلاق الحديث يرده.
التاسع: قام الإجماع على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب لغير فاقد الطهورين، ولا فرق في ذلك بين الصلاة
المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر.
وحكي عن الشعبي ومحمد بن جرير الطبري أنهما أجازا
(1) البخاري (4/ 422)، ومسلم (7/ 91)، وأحمد (2/ 258)، والنسائي (2/ 2).
صلاة الجنازة بغير وضوء، وهو باطل؛ لعموم هذا الحديث وللإجماع، ومن الغريب أنه [وجه](1) عند الشافعية كما أفدته في
"شرح المنهاج".
فرع: لو صلى محدثًا متعمدًا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجمهور. وحكي عن أبي حنيفة أنه يكفر لتلاعبه، دليل الجمهور أن الكفر بالاعتقاد وهذا المصلي اعتقاده صحيح، وأبدى بعضهم في هذا الاستدلال نظرًا؛ للاتفاق على تكفير من استهان بالمصحف استهانة مخصوصة في الصورة المخصوصة (2).
فائدة: اختلف أصحابنا وغيرهم في موجب الوضوء ما هو؟ على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب بالحدث وجوبًا موسعًا.
ثانيها: أنه يجب بالقيام إلى الصلاة؛ بدليل الآية السالفة.
ثالثها: أنه يجب بالأمرين جميعًا، وهو أرجحها عندنا، وقطع بعضهم بأن الحدث سبب والوضوء شرط كالاستطاعة في الحج،
(1) في الأصل (وجد)، وما أثبت من ن ب.
أقول قد رد ذلك شيخ الإسلام في الفتاوى وقال: كل صلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم فلا تجوز إلَّا بطهارة (21/ 268، 271، 276، 277)(26/ 195).
(2)
قال شيخ الإسلام رحمنا الله وإياه في الفتاوى: إن صلى مستحلًا كفر، وإن كان غير مستحلّ ذلك فيعاقب عقوبة غليظة، وإن كان لعجز فيصلي على حسب حاله. اهـ، بتصرف (21/ 295).
وقد ذكرت في "شرح المنهاج" فائدة هذا الخلاف فليراجع منه.
العاشر: لا بد في الحديث من تقدير حذف وهو: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ويصلي؛ إذ يستحيل قبول صلاة غير مقبولة.
الحادي عشر: قد يستدل بهذا الحديث على طرح الشك واستصحاب يقين الطهارة؛ لقوله عليه السلام: "إذا أحدث". ولا يقال (أحدث) إلَّا مع اليقين.