الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
6/ 6/ 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل [الماء] (1) في أنفه، ثم لينتثر، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن [يدخلهما في الإناء ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري] (2) أين باتت يده".
وفي لفظٍ لمسلم: "فليستنشق بمنخريه من الماء".
وفي لفظ: "من توضأ فليستنشق"(3).
الكلام عليه من ثمانية وعشرين وجهًا:
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
البخاري (162) في الوضوء، أسباب: الاستجمار وترًا، ومسلم (237) في الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار، ومالك في الموطأ (1/ 19) في الطهارة، والنسائى (1/ 65، 66) في الطهارة، وأبو داود (140) في الطهارة، وابن ماجه (409) في الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق، وابن خزيمة (75)، والحميدي (957)، وأحمد (2/ 242،
463)، وابن حبان (1438، 1439).
الأول: في التعريف يراويه وقد سلف في الحديث الثاني.
قال ابن منده في مستخرجه: وروى قوله عليه السلام: "فليستنثر ومن استجمر فليوتر" مع أبي هريرة من الصحابة ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله.
الثاني: قول الراوي ["أن" هو](1) عند الإطلاق محمول على السماع خصوصًا إن كان الراوي صحابيًا وقد أدرك الواقعة،
وقد أسلفنا ذلك في الوجه الثاني عشر في الكلام على الحديث الأول.
الثالث: قوله عليه السلام: "إذا توضأ" أي [إذا](2) أراد الوضوء، ومنه قوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} (3) أي إذا أردت القراءة.
الرابع: قوله عليه السلام: "فليجعل في أنفه": أي ماء، فحذف ذلك للعلم به، ففيه دلالة على جواز حذف المفعول إذا دل
الكلام عليه، [وورد](4) ذكر المفعول في [رواية](5) أخرى.
الخامس: معنى "يجعل" هنا ملغى "ولجعل" ستة معان:
(1) في ن ب (أنه).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
سورة النحل: آية 98.
(4)
في ن ب (وقد).
(5)
في الأصل (الرواية).
أحدها: أوجده، ومنه قوله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (1) فيتعدى إلى مفعول واحد.
ثانيها: صيّر، ومنه: جعلت البصرة بغداد، فيتعدى إلى مفعولين بنفسه.
ثالثها: ألقى، ومنه: جعلت المتاع بعضه على بعض، فيتعدَّى إلى [مفعولين](2)، [الأول](3) بنفسه والثاني بحرف الجر.
رابعها: اعتقد، كقوله تعالى:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} (4) فيتعدى إلى مفعولين.
خامسها: أوجب، كقولهم: جعلت للعامل كذا، فيتعدى إلى واحد.
سادسا: شرع، ومنه: جعل زيد يقول كذا، فيكون من أفعال المقاربة يرفع الاسم وينصب الخبر إلَّا أن خبره لا يكون فعلًا مضارعًا [فيه ضمير](5) يعود على اسمها كما مثلناه.
السادس: الانتثار: هو دفع الماء للخروج من الأنف، مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف، وقال الخطابي:[هي](6) الأنف.
(1) سورة الأنعام: آية 1.
(2)
ساقطة من ن ج.
(3)
زيادة من ب ج.
(4)
سورة الزخرف: آية 19.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب (هو). انظر: معالم السنن (1/ 93).
ومنهم من جعله جذب الماء إلى الأنف وهو الاستنشاق [وهو أعني الاستنشاق](1) مأخوذ من النشق، وهو جذب الماء بريح الأنف إلى داخله.
[وقيل](2): هو مشترك بينهما، وهو قول ابن الأعرابي (3) وابن قتيبة (4) والصواب الأول، ويدل له حديث عثمان الآتي في الباب وكذا حديث عبد الله بن زيد الآتي فيه أيضًا، أنه عليه السلام:"استنشق واستنثر" فجمع بينهما وذلك يقتضي التغاير. ومنهم من قال: سهمي جذب الماء استنشاقًا بأول الفعل واستنثارًا بآخره وهو استدخال الماء بنَفَس الأنف للدخول والخروج، وقال الفراء (5): يقال: نثر الرجل واستنثر، إذا حرك النثرة في الطهارة.
السابع: الاستجمار: مسح جميع محل البول والغائط
(1) في الأصل ساقطة، والزيادة من ن ب ج.
(2)
في الأصل (وقال).
(3)
محمد بن زياد أبو عبد الله ابن الأعرابي من موالي بني هاشم قال الجاحظ كان نحويًا عالمًا باللغة والشعر، له من الكتب: النوادر، والأنوار، ومعاني الشعر، والخيل (150 - 231 هـ). بغية الوعاة (1/ 105).
(4)
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحوي اللغوي. له معاني القرآن، غريب القرآن، غريب الحديث وغيرها. (213 - 267 هـ). بغية الوعاة (2/ 63، 64).
(5)
يحيى بن زياد بن عبد الله أبو زكريا المعروف بالفراء، صنف معاني القرآن، واللغات، والنوادر توفي سنة 207 هـ. بغية الوعاة (2/ 333).
بالجمار، وهي الأحجار الصغار، ومنه الجمار التي يرمى بها في الحج، قال ابن حبيب: وكان ابن عمر يتأول الاستجمار هنا على
إجمار الثياب بالمجمر (1)، ونحن نستحب الوتر في الوجهين جميعًا، أي فإنه يقال في هذا تجمر واستجمر، فيأخذ ثلاث قطع من الطيب أو يتطيب مرات واحدة بعد الأولى، وحكي عن مالك أيضًا (2)، والأظهر الأول.
الثامن: الإِيتار: أن يكون الاستجمار بوتر، لكن هو عند الشافعى لا يجوز بأقل من ثلاث وإن حصل الإِنقاء بدونه، لأن الواجب عنده أمران:[إمكان](3) إزالة العين، واستيفاء ثلاث مسحات، فإن حصل الإنقاء بثلاث فلا زيادة وإن لم يحصل وجبت،
وهذا الحديث يدل على وجوب الإيتار، لكن بالثلاث من دليل آخر وهو نهيه صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار (4).
ووافقنا أحمد على وجوب استيفاء ثلاث مسحات وإن حصل الإنقاء بدونها، وبه قال القاضي أبو الفرج والشيخ أبو إسحاق من
المالكية (5)، وقد يقال: لا دلالة في هذا الحديث؛ لأن الإيتار
(1) انظر: التمهيد (18/ 226).
(2)
انظر: المنتقى للباجي (1/ 40، 41).
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
من حديث سلمان الفارسي وفيه "أو نكتفي بأقل من ثلاثة أحجار". مسلم (1/ 223)، وأبو داود (7)، والترمذي (16)،والنسائي (1/ 38)، وابن ماجه (316).
(5)
انظر: رأي الشافعى وأحمد وأبو الفرج. الاستذكار (2/ 43).
[أعم](1) أن يكون بواحد أو ثلاث أو بغير ذلك ولا يلزم في وجود الأعم وجود الأخص، وقال الخطابي: فيه دليل على ذلك إذ معقول أنه لم يرد الوتر الذي هو واحد [فرد؛ لأنه زيادة وصف على الاسم، والاسم لا يحصل بأقل من واحد](2) فعلم أنه قصد به ما زاد على الواحد وأقله الثلاث.
ومذهب مالك وأبي حنيفة أن الواجب الإنقاء لا غير (3)، واستدل القاضي عبد الوهاب (4) بهذا الحديث نفسه على عدم التعداد معللًا بأن أقل ما يقع عليه الاسم مرة واحدة، ثم استدلَّ بحديث:"من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"(5). ولا دلالة في هذا لما سيأتي قريبًا، ثم استدلَّ بأقية معارضة للنص السالف.
(1) ساقطة من ن ب ج.
(2)
زيادة من ب ج. انظر: أعلام الحديث (1/ 252).
(3)
انظر: الاستذكار (2/ 42)، والتمهيد (11/ 20).
(4)
هو أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي من جلة علماء المالكية له الكتاب الشهير بـ"التلقين" في الفقه المالكي الذي شرحه المازري (362 - 422 هـ). الوفيات (3/ 219)، وفوات الوفيات (2/ 419)، والديباج (2/ 26).
(5)
أبو داود (35) في الطهارة، باب: الاستتار في الخلاء، وابن ماجه (337) في الوضوء (3498) في الطب، والدارمي (1/ 169، 170)، وأحمد (2/ 371)، وابن حبان (1410). قال البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(1/ 868) فهذا وإن كان قد أخرجه أبو داود في كتابه، فليس بالقوي، وهو محمول -إن صح- على وتر يكون بعد الثلاث. اهـ.
فرع: المراد بالإيتار: عندنا أن يكون عدد المسحات ثلاثًا أو خمسًا أو فوق ذلك من الإِيتار (1)، [ومذهبنا](2) أنه فيما زاد على الثلاث سُنة، فإن حصل الإنقاء بثلاث فلا زيادة وإن لم يحصل وجبت، ثم إن حصل بوتر فلا زيادة، وإن حصل بشفع كأربع أو ست استحب الإِيتار.
وقال بعض أصحابنا: يجب الإِيتار مطلقًا لظاهر هذا الحديث، وحجة الجمهور الحديث السالف:"من استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج"(3). حملًا له على ما زاد على الثلاث جمعًا بينه وبين حديث نهيه عليه السلام عن أن يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار.
التاسع: فيه دلالة على أن شرعية غسل اليدين وكراهة غمسهما في الإناء في الوضوء ليس مختصًا بنوم الليل، بل لا فرق فيه بين نوم الليل والنهار ولإطلاقه عليه السلام النوم من غير تقييد.
وقال أحمد: يختص بنوم الليل دون نوم النهار؛ لقوله: "أين باتت يده"، والمبيت لا يكون إلَّا بالليل، وقد صح أيضًا مقيدًا بالليل، فقال عليه السلام:"إذا قام أحدكم من الليل". رواه أبو داود وصححه الترمذي (4)، وعنه رواية أخرى [ووافقه](5) عليها أبو داود أن
(1) في ن ب ج زيادة (الأوتار).
(2)
زيادة من ب ج.
(3)
انظر ت (3) ص 243.
(4)
أبو داود في الطهارة (103)، باب: في الرجل يُدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها، والترمذي (24).
(5)
في الأصل (وأوقفه)، وما أثبت من ن ب ج.
كراهة الغمس إن كانت من نوم اليل فهي للتحريم، وإن كانت من نوم النهار فهي للتنزيه، لكنه محمول على الغالب لا للتقييد، كيف وقد علل بأمر يقتضي الشك وهو "فإنه لا يدري أين باتت يده"، فدلَّ على أن اليل والنوم ليس مقصودًا بالتقييد.
وقال الرافعي في شرحه للمسند (1): يمكن أن يقال: الكراهة في الغمس إذا نام ليلًا أشد من نوم النهار؛ لأنَّ احتمال التلويث
أقرب لطوله.
العاشر: فيه دلالة على كراهة غمس اليد في الإناء قبل [غسلها](2) ثلاثًا إذا قام من النوم، وأما غير المستيقظ فيستحب له غسلها قبل إدخالها في الإناء؛ لأن صيغة النهي تقتضي الكراهة على أقل الدرجات، ولا يلزم من الكراهة في الشيء الاستحباب في غيره؛ لعدم التلازم بينهما، بدليل عكسه في صلاة الضحى وكثير من النوافل، فان [غسلها](3) مستحب وتركها غير مكروه كما صرح به الشيخ تقي الدين (4). فلذلك غسلهما للمستيقظ قبل إدخالهما الإناء من المستحبات وتركه له من المكروهات، وبذلك فرق أصحابنا بين المستيقظ وغيره، وظاهر كلام المالكية بل صريحه أنه لا فرق بينهما وإن كانوا يفرقون بين المكروه وترك الأولى.
(1) قال ابن قاضي شهبة (2/ 77)"وشرح المسند" -مجلدان ضخمان- أي مسند الشافعي.
(2)
في ن ب (غسلهما).
(3)
في ن ب (فعلها).
(4)
إحكام الأحكام (1/ 115).
الحادي عشر: قال جماعة من العلماء: [يجب](1) غسل اليدين قبل إدخالهما الإِناء في إبتداء الوضوء عند الاستيقاظ من النوم؛ أخذًا من الأمر لظهوره في الوجوب. وقال مالك والشافعي والجمهور: لا يجب والأمر أمر ندب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "توضأ كما أمر (2) الله". حسنه الترمذي وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وليس فيه غسل اليدين في ابتداء الوضوء، ولأن الأمر يُصرف عن الوجوب عند الإطلاق؛ لقرينة ودليل، وهي هنا تعليله عليه السلام بما يقضي الشك في نجاسة اليد.
وقواعد الشرع (3): تقضي أن الشك لا يقضي وجوبًا في الحكم إذا كان الأصل فلتستصحب على خلافه موجدًا، والأصل
الطهارة في اليد والماء، فلتستصحب، ودليلهم على ندبيته في ابتداء الوضوء مطلقًا وروده في صفة وضوئه عليه أفضل الصلاة والسلام،
(1) ساقطة من الأصل، وما أثبت من ب ج. وهذه المسألة ساقها من إحكام الأحكام بمعناه (1/ 109، 111).
(2)
في الأصل (أصل)، وما أثبت من ب ج. والحديث من رواية رافع بن رفاعة الزرقي، أخرجه أبو داود (857 - 861) في الصلاة، باب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، والترمذي (302)، والنسائي (2/ 193، 225)، وابن الجارود (194)، والبيهقى في السنن (2/ 133، 134، 373، 374، 380)، وصححه ابن حبان (1787)، وابن خزيمة (545)، والحاكم (1/ 241، 242)، ووافقه الذهبي.
(3)
قال شيخ الإِسلام رحمنا الله وإياه في القواعد النورانية (93): إن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحب تركه، بل يستحب فعله احتياطًا.
من غير تعرض لسبق نوم، والمعنى المعلل به في الحديث هو جولان اليد حال اليقظة فيعم الحكم لعموم علته (1).
فرع: لو خالف وغمس يده لم يأثم الغامس ولم يفسد الماء (2)، وحكي عن الحسن (3) البصري أنه ينجس الماء في القيام من
(1) قد ورد الأمر بغسل اليد عند الاستيقاظ من رواية ابن عمر ولفظه "قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه، فلا يُدْخِل يده في الإناء حتى يغسلها". أخرجه ابن ماجه (1/ 139)، وابن خزيمة (75/ 1)، والدارقطني (1/ 49)، وزاد: "فقال له رجل: أرأيت إن كان حوضًا؟ فحصبه ابن عمر، وجعل يقول: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: أرأيت إن كان حوضًا. قال الدارقطني إسناده حسن. انظر: السنن الكبرى للبيهقي (1/ 46).
رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من النوم، فأراد أن يتوضأ فلا يُدخل يده في الإناء حتى يغسلها". أخرجه ابن ماجه (1/ 139)، والدارقطني (1/ 49) وقال: إسناده حسن. رواية عائشة رضي الله عنها من حديث أبي سلمة عنها مرفوعًا: "إذا استيقظ أحدكم من النوم، فليغرف على يده ثلاث غرفات قبل أن يُدخلها في وضوئه، فإنه لا يدرى حيث باتت يده". أشار إلى هذه الرواية الترمذي في السنن (1/ 36)، وأخرجها ابن أبي حاتم في العلل (1/ 62) قال ابن أبي حاتم:"سألت أبا زرعة عنه فقال: "إنه وهم [والصواب حديث أبي هريرة]. ما بين القوسين زيادة ليست في العلل. انظر: البدر المنير (1/ 265).
(2)
انظر: الأوسط لابن المنذر (1/ 372، 373).
(3)
الحسن بن يسار، مصري تابعي كان إمام أهل البصرة، وحبر الأمة في زمنه أحد العلماء الفصحاء النساك، ولد بالمدينة عام (21 هـ) وشب في كنف علي بن أبي طالب، توفي سنة (110 هـ)، الأعلام (2/ 242).
نوم الليل، وهو رواية ضعيفة عن أحمد، ونقل عن إسحاق بن راهويه (1) ومحمد بن جرير الطبري (2)، وهو ضعيف جدًا.
الأصل طهارة الماء وعدم التنجس بالشك، ولا يمكن أن يقال: الظاهر في اليد النجاسة، وقال ابن حبيب المالكي (3): يفسد الماء، وأطلق، قال سند (4): ويستحب إراقة ذلك الماء؛ لأن قوله عليه السلام: "لا يدري أين باتت يده" يقتضي كراهة ذلك الماء إن لم يغسلهما، وقد طرح سؤر الدجاج -وإن لم يتيقن نجاسته- وقال بإراقته الحسن البصري وأحمد (5).
(1) إسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب الحنظلي المروزي، ولد عام (161) وتوفي سنة (238 هـ). تاريخ بغداد (6/ 345). قال ابن العماد من مؤلفاته تفسيره المشهور ومسنده في الحديث، كتاب السنَّة في الفقه ومسائله في الفقه، وشذرات الذهب (2/ 89).
(2)
محمد بن جرير الطبري أبو جعفر مؤرخ ومفسر ولادته (224)، وفاته (310) له جامع البيان في التفسير وتاريخ الأمم والملوك واختلاف الفقهاء والمسترشد في علوم الدين والقرآن هـ الأعلام للزركلي (6/ 294).
(3)
ابن حبيب هو أبو مروان عند الملك بن حبيب السلمي القرطبي البيري الفقيه الأديب إمام في الفقه والحديث واللغة والنحو، ألف كتبًا منها:"الواضحة" في الفقه والسنن، وفضل الصحابة، وتفسير الموطأ مولده (174) وتوفي (238 هـ)، شجرة النور الزكية (ص 74).
(4)
أبو علي سند بن عنان بن إبراهيم الأسدي المصري الإِمام الفقيه، ألف الطراز شرح به المدونة نحو ثلاثين سطرًا ومات ولم يكمله. توفي سنة (541). شجرة النور الزكية (ص 125).
(5)
انظر: سنن الترمذي (24)، والأوسط لابن النذر (1/ 373).
قلت: إنما قالاه في نوم الليل كما علمته، وروى ابن عدي الأمر [بإراقته] (1). وقال: إنها زيادة منكرة.
وفي "شرح الموطأ لابن حبيب": إذا نام جنبًا فإنه لا يدري: أوضع يده على الجنابة أم لا، فأما من بات على غير جنابة فيستحب
له الغسل، فإن أدخلها قبله فليس يفسد وضوءه.
فرع: ما أسلفنا من الكراهة هو فيما إذا شك في نجاسة يده، فإن تيقن طهارتها فقيل: يكره أيضًا؛ لأن أسباب النجاسة قد تخفى
في حق معظم الناس فيجري عليه حكمه؛ لئلا يتساهل فيه من لا يعرف، وصححه الماوردي (2) ونسبه إلى الجمهور الإِمام (3)، والأصح أنه لا يكره ونقله النووي في شرحه عن المعظم (4)، بل هو بالخيار بين الغمس أو لا والغسل؛ لأنه عليه السلام ذكر النوم ونبه على العلة وهو الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي
(1) في الأصل (بقرابه). انظر: الكامل (6/ 2372)، والبدر المنير (1/ 261).
(2)
الحاوي الكبير (1/ 118، 120).
(3)
هو أحمد بن محمد بن أحمد أبو جعفر المعروف بالإمام والد أبي بكر لم تذكر المصادر تاريخ وفاته ولا ولادته. ذكره ابن الصلاح في طبقاته (370)، والإِسنوي (1/ 82)، أو لعلها يكون المراد به الإمام أبو المعالي الجويني كما صرح بذلك النووي في شرح المجموع (1/ 350).
(4)
المجموع (1/ 350)، وذكر أنه سنة باتفاق العلماء في شرح مسلم (3/ 105).
عامًا لقال: إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها، وكان أعم وأحسن.
قال النووي في تصحيحه: ولا استحباب أيضًا في تقديم غسلها قبل الغمس على الصحيح.
قال ابن الصلاح: وما أوهمه كلام الوسيط وصرح به مجلي (1) من حكاية الوجهين في أصل غسل اليد فهو غلط، واستحباب غسل اليد ثلاثًا والحالة هذه ثابت قطعًا.
فرع: عند المالكية [حكاية](2) خلاف في أن هذا الغسل: هل هو تعبد [أو](3) معلل؟ فمن نظر إلى العدد قال بالتعبد؛ لأن هذا الغسل إما للنجاسة وإما للشك في وجودها، وكلاهما لا يقتضي حصرًا مخصوصًا، ومن نظر إلى قوله عليه السلام:"فإنه لا يدري أين باتت يده". قال بالتعليل، قالوا: وتظهر فائدة هذا الخلاف في موضعين:
الأول: من انتقض وضوءه وهو قريب عهد بغسل يديه، فعلى التعبد يعيده، وعلى الآخر لا (4).
(1) هو مجلي بن جميع بن نجا، قاضي القضاة أبو المعالي، صنف كتاب الذخائر وغيره ترجمته في السبكي (7/ 277، 284)، وابن هداية الله (206 - 207).
(2)
ساقطة من ب.
(3)
في ن ب (أم).
(4)
في ن ب زيادة (واو).
الثاني: من قال بالتعبد قال بغسلهما متفرقتين؛ لأن صفة التعبد في غسل الأعضاء أن لا يشرع في عضو حتى يكمل غسل ما قبله، قال [المازري](1) وهو ظاهر حديث عبد الله بن زيد؛ لأنه ذكر في صفته لوضوئه عليه السلام أنه غسل [يده](2) مرتين مرتين، وإفراد كل واحدة بالذكر يدل على إفرادها بالغسل، ومن قال بالتعليل قال: يغسلان مجتمعين؛ لأنه أبلغ في
النظافة.
وعلى القولين جميعًا: فالغسل ليس بواجب، وهل هو سنة أو فضيلة؟ قولان عندهم. وهل يفتقر غسلهما إلى نية؟ قال الباجي (3) ما معناه: أن من جعلهما من سنن الوضوء -كابن القاسم- اشترط النية في غسلهما، ومن رأى النظافة فيهما -كأشهب ويحيى بن يحيى- لم يشترطها.
الوجه الثاني عشر: قال الشافعى في البويطي: وتبعه الأصحاب، لا تزول الكراهة إلَّا بغسل اليدين ثلاثًا قبل الغمس؛ لرواية المصنف، لكن ينبغي أن يعلم أنها من أفراد مسلم لا كما أوهمه إيراد المصنف أنها من المتفق عليه.
وقال ابن خزيمة في صحيحه بعد أن ساقه بدون (ثلاثًا): [لا أدري هذه اللفظة في الخبر أم لا؟ ثم ساقه بعد ذلك بأوراق
(1) في ب ج (الماوردي). انظر: المعلم (1/ 359).
(2)
في ن ب (يديه).
(3)
المنتقى (1/ 50).
بالسند المذكور وفيه لفظ (ثلاثًا)] (1)، وفي رواية للترمذي والنسائي "مرتين أو ثلاثًا" قال الترمذي: حسن صحيح (2) وقال الدارقطني في علله: رفعه صحيح.
الثالث عشر: قوله عليه السلام: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" هو بيان (3)[لسبب](4) الأمر بالغسل عند استيقاظه من النوم، وحكمه ومعناه: أنه لا يأمن نجاسة يده بطوافها حال نومه على بدنه فتصادف بثرة أو قتل قملة أو قذرًا أو نحو ذلك.
قال الشافعي وغيره: وأهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار غالبًا، وبلادهم حارة، فإذا نام أحدهم عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس، فإذا وضعها في الماء القليل نجسته، والماء غالبًا إنما يكون في الأواني والغالب فيها القلة (5).
الرابع عشر: فيه استعمال الكنايات فيما يستحى من التصريح به، فإنه عليه السلام قال:"لا يدري أين باتت يده". ولم يقل: فلعل يده وقعت على دبره أو على ذكره أو على نجاسة أو نحو ذلك، وإن كان هذا في معنى قوله عليه [أفضل الصلاة](6) والسلام، ولهذا نظائر
(1) ساقطة من ب. صحيح ابن خزيمة (1/ 52، 75) وصححه الألباني فيه.
(2)
الترمذي (24).
(3)
في الأصل (من)، وهى ساقطة من ن ب.
(4)
في الأصل (سبب)، وما أثبت من ن ب.
(5)
نقله في شرح المهذب (1/ 348).
(6)
ساقطة من الأصل.
كثيرة في القرآن (1) والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود، فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب، وعلى هذا يحمل ما جاء في ذلك مصرحًا به.
فائدة حديثية: روى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما (2) في هذا الحديث زيادة "منه" ولفظهما: "فإنه لا يدري أين باتت يده منه"(3). وأخرجها البيهقي من جهة ابن خزيمة وقال: قوله: "منه" تفرد بها محمد [بن](4) الوليد البسري وهو ثقة.
وقال الدارقطني في علله: تفرد بها شعبة.
(1) في ن ب زيادة (العزيز).
(2)
ابن حبان (1065)، وابن خزيمة (1/ 52)، قال الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم، والدارقطني (1/ 49)، والبيهقي (1/ 46). انظر: الفتح (1/ 265).
(3)
قال الصنعاني رحما الله وإياه في حاشية إحكام الأحكام (1/ 113): وهذه الزيادة -أي أين باتت يده منه- تبطل النكتة التي ذكرها النووي في شرحه لمسلم وتبعه عليها الحافظ ابن حجر أنه كنى صلى الله عليه وسلم بقوله: "أين باتت" تحاشيًا عن التصريح بلفظ (دبره أو ذكره -أقول المذكورة في الوجه الرابع عشر هنا- ولا يخفاك أن هذه الزيادة التي في رواية ابن خزيمة تخدش من كون العلة وقوع اليد على المحل المذكور. اهـ.
(4)
في ن ب: ساقطة، والبُسْري بضم الباء الموحدة، وسكون المهملة، القرشي، البصري، يلقب "بحمدان" توفي سنة (250) خ، م، س، ق. انظر: التقريب (2/ 216).
وقال ابن منده: فهذه الزيادة رواتها ثقات، ولا أراها محفوظة.
الخامس عشر: الفائدة في قوله: "من نومه" فإن من المعلوم أن الاستيقاظ لا يكون إلَّا من النوم، أنه لا ينحصر الاستيقاظ [من](1) النوم لمشاركة الغفلة والغشية في ذلك، ألا ترى أنه يقال: استيقظ فلان من غشيته ومن غفلته، وفائدة إضافة النوم إلى ضمير "أحدكم" ولم يقل من النوم أو [من](2) نوم، وإن كان من المعلوم أن أحدًا لا يستيقظ من نوم غيره، أن فيه التنبيه والإِشارة على أن نومه عليه السلام مغاير لنومنا "إذ كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه" نبه على ذلك الفاكهي رحمه الله، ثم قال: فإن قلت قوله: "أحدكم" يعطي هذا المعنى المذكور؟
قلت: أجل [ولكن](3) جاء على طريق المبالغة والتأكيد وربما سمى أهل علم البيان هذا نظرية، وهو أن يكون المعنى [مستقبلًا](4) بالأول [ويؤتى](5) بالثاني لما ذكر.
السادس عشر: في (6) الحديث دليل على الفرق بين [ورد](7)
(1) في ن ب (في).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (ولكنه).
(4)
هكذا في الأصل، وفي ب ج (مستقلًا).
(5)
في ن ج (يأتي).
(6)
في ن ب زيادة (هذا).
(7)
في ن ب ج (ورود).
الماء على النجاسة وورودها عليه، فإذا ورد عليها الماء أزالها وإذا وردت عليه [نجسته](1) إذا كان قليلًا؛ لنهيه عليه السلام عن إيرادها عليه وأمره بايراده عليها، وذلك يقتضي أن ملاقاة النجاسة إذا كان الماء واردًا عليها غير مفسدٍ له وإلَّا لما حصل المقصود من التطهير.
السابع عشر: فيه دليل على أن الماء القليل ينجس بملاقاة النجاسة ووقوعها فيه، فإنه عليه السلام إذا منع من إدخال اليد فيه لاحتمال النجاسة فمع تيقنها أولى، لكن قد يعترض على هذا بأن [مقتضى] (2) الحديث: أن ورود النجاسة على الماء تؤثر فيه، ومطلق التأثير بالمنع لا يلزم منه التأثير بالتنجيس، ولا يلزم من ثبوت الأعم ثبوت الأخص المعين، [فإذا](3) سلَّم الخصم أن الماء القليل [ينجس](4) بوقوع النجاسة فيه يكون مكروهًا، [فقد](5) ثبت مطلق التأثير ولا يلزم ثبوت خصوص التأثير بالتنجيس، نبه [عليه] (6) الشيخ تقي الدين ثم قال: وقد يورد عليه أن الكراهة ثابتة عند [التوهم](7) فلا يلزم أن يكون أثر اليقين هو للكراهة، قال: ويجاب عنه بأنه يثبت عند اليقين زيادة في رتبة الكراهة.
(1) في الأصل (نجستها).
(2)
في ب (معنى).
(3)
في الأصل (إذا).
(4)
زيادة من ب ج.
(5)
في ن ب (وقد).
(6)
في ن ب (على ذلك). انظر: إحكام الأحكام (1/ 117).
(7)
في ن ب (أكثرهم).
الثامن عشر: فيه دليل على كراهة غمس اليدين في الإِناء قبل غسلهما ثلاثًا سواءً كان في الإِناء ماء قليل أو طعام أو غيره من
الأشياء الرطبة، لكن جاء في رواية ابن حبان:"قبل أن [يدخلهما] (1) في وضوئه"(2)، وهو يشعر بأن السياق له، نعم الحكم لا يختلف.
التاسع عشر: فيه دليل على استحباب التثليث في غسل النجاسة؛ لأنه أمر به في المتوهمة ففي المتحققة أولى.
العشرون: [فيه دليل أيضًا على رد ما يقوله أحمد أن الغسل سبعًا عام في جميع النجاسات؛ لتنصيصه عليه السلام في التثليث، والتسبيع خاص في ولوغ الكلب.
الحادي والعشرون] (3) فيه دليل أيضًا على أن النجاسة المتوهمة يستحب الغسل فيها دون الرش؛ للأمر بالغسل دون الرش، فإنه في بول الرضيع الذي لم يطعم غير اللبن، وفي اللباس ونحوه إذا توسوس فيه.
الثاني والعشرون: فيه دليل أيضًا على العفو عن أثر النجاسة في محلها وإذا انتقل منه لم يعف عنه.
الثالث والعشرون: فيه أيضًا دلالة على استحباب الأخذ
(1) في الأصل (يدخلها)، وما أثبت من ن ب ج، وصحيح ابن حبان.
(2)
البخاري (162)، والموطأ (1/ 21)، والشافعي (1/ 27)، وأحمد (2/ 465)، والبيهقي في السنن (1/ 45)، وفي المعرفة (1/ 194)، والبغوي (207)، وابن حبان (1063).
(3)
في ن ب ساقط.
بالاحتياط في العبادات [وغيرها](1) عند الإشتباه والشك ما لم يخرج إلى حد الوسوسة.
الرابع والعشرون: قوله عليه السلام: "فليستنشق بمنخريه من الماء". تمسك به من قال بوجوب الاستنشاق وهو رواية عن أحمد،
وقال مالك والشافعي وغيرهما بعدم الوجوب، وحملوا الأمر على الاستحباب؛ بدليل حديث الأعرابي السالف فإنه أحاله على الآية وليس مذكورًا فيها، ولأن المأمور به حقيقة إنما هو الانتثار وليس بواجب اتفاقًا (2).
(1) في ن ب (وغيرهما).
(2)
استدلوا على أن الأمر في قوله: (فليستنثر) للندب بما حسنه الترمذي وصححه الحاكم من قوله الأعرابي: "توضأ كما أمرك الله" فأحاله على الآية، وليس فيها ذكر الاستنثار.
قال الحافظ: (وأجيب بأنه يحتمل أن يراد بالأمر ما هو أعم من آية الوضوء فقد أمر الله سبحانه بطاعة نبيه، وهو المبين عن الله أمره. ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة، وهو يرد على من لم يوجب المضمضة أيضًا، وقد ثبت الأمر بها في سنن أبي داود بإسناد صحيح [(143) في الطهارة باب في الاستنثار). اهـ من فتح البارى (1/ 262).
وعلى هذا فالراجح في المضمضة والاستنثاق الوجوب في الوضوء والغسل؛ لأنهما من جملة الوجه الذي أمر القرآن بغسله، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما في القرآن بوضوئه المنقول إلينا قولًا وفعلًا وفعلهما على المواظبة وداوم عليهما، ولم يحفظ أنه أخل بهما مرة واحدة، كما حكى ذلك عنه اثنان وعشرون نفرًا من أصحابه. وقد ورد الأمر بذلك كما =
الخامس والعشرون: الاستنشاق (1) تقدم بيانه في الانتثار.
قال القاضي عياض: وهما عندنا سنتان، وقيل: واحدة (أي) لأنهما وسيلتان إلى تطهير عضو واحد.
السادس والعشرون: ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور إلى وجوب الاستنشاق في الوضوء والغسل [دون المضمضة، بدليل هذا
الحديث، وأكثر العلماء على الندب فيهما، وملخص ما في المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل] (2) مذاهب أربعة:
أحدها: السنية فيهما، وإليه ذهب مالك والأوزاعي وربيعة الشافعي والجمهور.
ثانيها: الوجوب فيهما، وإليه ذهب ابن أبي ليلى وغيره وهو المشهور عن أحمد.
= أخرجه الدارقطني رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق. انظر أيضًا: الاستذكار (2/ 11، 12 - 41).
(فائدة): المراد بالاستنثار في الوضوء: التنظف؛ لما فيه من المعونة على القراءة، لأن بتنقية مجرى النفس تصحيح مخارج الحروف، ويزاد للمستيقظ بأن ذلك لطرد الشيطان كما ثبت في الحديث الصحيح.
(1)
الاستنثار: دفع الماء من الأنف، والاستنشاق أخذه بريح الأنف. اهـ. الاستذكار (2/ 11).
(2)
زيادة من ب ج. انظر: الاستذكار للاطلاع على أقوال أهل العلم في ذلك (2/ 12، 13).
ثالثها: وجوبهما في الغسل دون الوضوء، وإليه ذهب الكوفيون.
رابعها: وجوب الاستنشاق فيهما دون المضمضة، وهو رواية عن أحمد [كما أسلفناه](1)، قال ابن المنذر (2): وبه أقول.
قال ابن حزم (3): وهو الحق؛ لأنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في المضمضة أمر، وإنما هي فعل فعله، وأفعاله ليست فرضًا وإنما [هي] (4) فيها التأسي به. وفيما قاله نظر؛ فقد صحَّ الأمر بها على شرطه من حديث لقيط بن صبرة مرفوعًا:"إذا توضأت فمضمض" رواه أبو داود (5).
السابع والعشرون: قوله عليه السلام: (بمنخريه) هو بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وبكسرهما جميعًا لغتان معروفتان، وهو
نقب الأنف، والكسر على الاتباع، لكسرة الخاء كما قالوا مِنْتِنٌ، وهما نادران كما قال الجوهري؛ لأن مفعلًا ليس من الأبنية،
(1) في ب ج ساقطة.
(2)
انظر: الأوسط (1/ 379) وقد ذكر هذه الأقوال مفصلة.
(3)
المحلي (2/ 49).
(4)
في ن ب ساقطة، وموجودة في المحلى (2/ 49، 50)
(5)
في السنن (1/ 100)، وقد صحح حديث لقيط: الترمذي والنووي وغيرهما، ولم يأت من أعله بما يقدح فيه. قال ابن حجر رحمنا الله وإياه في الفتح (1/ 262) إسناده صحيح، وفي تلخيص الحبير (1/ 81)، وتحفة الأحوذي (1/ 40).
وانظر: ت (3) ص (243) حديث أبي هريرة رضي الله عنه -أي حديث الباب-.
والمنخور لغة في المنخر، قال الشاعر (1):
من لد لحييه إلى منخوره
ومثله فيما كسر للاتباع قولهم: المغيرة (2) ورغيف، بكسر أولهما.
تنبيه: الاستنشاق لا يكون إلَّا في [المنخرين](3) فما فائدة ذكرهما؟ وليس لقائل أن يقول: إن ذلك من أسباب قوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} (4)؛ لأن ذلك جاء لدفع المجاز كما قيل، أو كما يقال: فلان يطير في جناحك ونحو ذلك، وقد استغني عن ذكرهما [في الرواية] (5) الأخرى وهي:"من توضأ فليستنشق"(6).
الثامن والعشرون: أنه لا يصير الماء مستعملًا إذا أدخل يده وأراد بذلك غسلها، كذا رأيت هذا الوجه في كتاب "الخصال" لأبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا، فإنه قال: إن حديث "لا يدخل يده في الإناء"، فيه ستة دلائل: التفرقة بين إيراد النجاسة
(1) هو غيلان بن حريث، البيت كاملًا:
"يستوعب البوعين من جريره
…
من لد لحييه إلى منخوره"
في الأصل (لدن)، والتصحيح من الصحاح (2/ 824).
(2)
في الصحاح (2/ 775).
(3)
في ن ب (الأنف).
(4)
سورة الأنعام: آية 38.
(5)
في ن ب (بالرواية).
(6)
سنن الدارقطنى من رواية ابن عباس، وعائشة (1/ 100). وسكت عنه الغساني في تخريج الأحاديث الضعاف.
على الماء (1) وعكسه، وأن القليل من الماء ينجس، وأنه لا يصير مستعملًا إذا أدخل يده وأراد بذلك غسلها، وأنه على وجه
الاستحباب، لقوله:"فإنه لا يدري أين باتت يده"، وأنه إذا درى أين باتت يده فلا غسل عليه، وأن الأصل إذا لم يكن واجبًا فالأعداد ليست واجبة. هذا ما ذكره ومنه نقلته، وقد منَّ الله وله الحمد بأكثر من ذلك في الحديث المذكور كما قررته لك، ونسأل الله الزيادة من فضله العميم، والنظر إلى وجهه الكريم.
(1) في ن ب (الماء على النجاسة).