الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
31/ 6/ 5 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإِبط"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في راويه، وقد تقدَّم التعريف به في الطهارة.
ثانيها: في ألفاظه (2):
الأول: "الفطرة" المراد بها السنة كما نقله الخطابي (3) عن الأكثرين، وصوبه النووي (4)، أي أنها من سنن الأنبياء الذين يقتدى
(1) البخاري رقم (5889، 5891، 6297)، ومسلم برقم (257)، وأبو عوانة (1/ 190)، وأبو داود (2/ 194)، والنسائي (1/ 13، 14)، والترمذي (رقم 2756)، وابن ماجه (1/ 125)، وأحمد في المسند (2/ 229)، 239، 283، 410، 489)، ومالك (2/ 921).
(2)
في ن ب زيادة (واو).
(3)
معالم السنن (1/ 42).
(4)
شرح مسلم (3/ 148).
بهم، ويؤيده رواية البخاري عن [بن] (1) عمر مرفوعًا:"من السنة قص الشارب ونتف الإِبط وتقليم الأظفار"(2). وأصح ما فسر به الحديث بما ثبت في رواية أخرى، وقال الماوردي: والشيخ أبو إسحاق الشيرازي (3): إنها هنا الدين، والصحيح الأول.
وقال القزاز (4): في تفسير غريب صحيح البخاري: الفطرة في كلام العرب تنصرف على وجوه، مصدر فطر الله الخلق: أنشأه، والله فاطر: خالق، والفطرة: الجبلة التي خلق الناس عليها وجبلهم على فعلها، وكل مولود يولد على الفطرة، قيل: على الإِقرار بالله الذي أقرّ به لما أخرجه من ظهر آدم عليه السلام، والفطرة: زكاة الفطر، قال: وأولى الوجوه بما ذكرناه أنها (الجبلة) وهي كراهة ما في جسده مما ليس من زينته.
قلت: والمراد بها دين الإِسلام في حديث البراء "إذا أويت إلى فراشك فقل اللهم أسلمت نفسي إليك -إلى قوله- فإن مِتَّ مِتَّ
(1) زيادة من ن ب.
(2)
البخاري (5888)، واللفظ الوارد فيه:"الفطرة". وانظر: تعقب ابن حجر عليه في الفتح (10/ 339) أي بدل (السنة).
(3)
انظر: الفتح (10/ 339). وأبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف بن عبد الله شيخ الإِسلام علمًا، وعملًا وورعًا وزهدًا ولد سنة ثلات وتسعين وثلاثمائة، توفي في جمادى الآخرة وقيل: الأولى سنة ست وسبعين وأربعمائة. الأعلام للزركلي (1/ 44)، ووفيات الأعيان (1/ 9)، والبداية والنهاية (12/ 124).
(4)
انظر: عمدة الحفاظ (428، 429).
على الفطرة" (1). وكذا في حديث حذيفة أنه رأى رجلًا لا يتم الركوع [ولا] (2) السجود فقال: "لو مات هذا مات على غير الفطرة".
الثاني: الختان: يقال ختن الصبي يختنه بكسر التاء وضمها ختنًا بإسكان التاء.
الثالث: الاستحداد: استعمال [الحديد](3) في الحلق استفعال من الحديد [وهو الموسي](4).
الرابع: الشارب: هو ما ينبت على الشفة العليا، وقيل: هو الإِطار الذي يباشر به الشرب، وقص الشارب هو بحيث نظهر الشفة، [واستئصاله] (5) [مُثْلَةٌ] (6) عند مالك وجماعة خلافًا للكوفيين. وقد ورد في رواية (7):"انهكوا الشوارب"، وفي الصحيح (8):"احفوا الشوارب"، وأُوِّلَ ذلك على أن المراد إحفاء
(1) أخرجاه في الصحيحين، والبخاري أطرافه (247)، ومسلم (2711)، وأحمد (4/ 285، 300)، والطيالسي (708)، والحميدي (723)، والترمذي (3394)، والبغوي (1317)، وأبو داود (5047).
(2)
في ن ب ساقطة. أخرجه البخاري (389)، والنسائي (3/ 58)، وأحمد (5/ 384، 396)، والبغوي (616)، والبيهقى (2/ 117، 386).
(3)
في ن ب ساقطة. انظر: غريب الحديث (2/ 37).
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
زيادة من ن ب.
(6)
في الأصل (واستعماله). انظر: الاستذكار (26/ 241).
(7)
البخاري (5893).
(8)
البخاري (5892، 5893)، ومسلم (259)، والترمذي (2763)، والنسائي (1/ 16، 8/ 129)، وأبو عوانة (1/ 188).
ما طال عن الشفتين، وقال الطحاوي: لم نجد عن الشافعي في هذا شيئًا منصوصًا، وأصحابه الذين رأيناهم: المزني، والربيع كانا حفيان يحفيان شواربهما ويدل ذلك (1) أنهما أخذا ذلك عن الشافعي، وذكر ابن خواز منداد عن الشافعي موافقة الكوفيين.
وقال الأثرم: رأيت أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدًا وسمعته يقول: وقد سئل عن الإِحفاء: إنه السنة، وجمع بعضهم بين الأحاديث فقال: يقص الشارب ويحف الإِطار، وقال القاضي عياض (2): الحف من الأضداد يطلق على التوفير وعلى الحلق.
الخامس: "تقليم الأظفار": تفعيل من القلم وهو القطع.
قال الجوهري (3): قلمت ظفري يريد بتخفيف اللام، وقلمت أظفاري مشددًا للكثرة أي للمبالغة، والقلامة ما سقط منه.
وفي مسلم من حديث عائشة: "قص الأظفار". قال القاضي عياض في مشارقه: تقليم الأظفار [تقصيصها](4).
قلت: ويحصل بأي آلة كانت من مقص وسكين، ويكره بالأسنان.
السادس: نتف الإِبط: إزالة شعره بالنتف، ويحصل أيضًا
(1) في ن ب زيادة (على).
(2)
انظر: مشارق الأنوار (1/ 148، 208).
(3)
مختار الصحاح (231).
(4)
في مشارق الأنوار (2/ 184): (هو قصها).
بالحلق والنورة، لكن الأفضل ما دلت السنة عليه وهو النتف وسيأتي ما فيه.
والإِبط: بإسكان الباء، [و] (1) قال الجواليقي وبعض المحدثين: يقول الإِبط بكسرها، والصواب: سكونها، ولم يأت في
الكلام شيء على فِعِل [إلَّا إبل وإطل (2) وحبر، وهي صفرة الأسنان (3)، وفي الصفات: امرأة بلز، وهي السمينة (4) وأَتان إبِدٌ: تلد كل عام، [وقيل](5): هي التي أتى عليها الدهر] (6)، وأما الإِطل [فهي] (7): الخاصرة.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
قال في المصباح المنير (ج 2): "الإِبلُ بناءٌ نادر، قال سيبويه: لم يجىء على فِعِل بكسر الفاء والعين من الأسماء إلَّا حرفان: إبل وحبر، قال في التعليق عليه: وقال السيرافي: الحِبرُ: صفرة الأسنان. وجاء الإِطِلُ، والإِبِطُ، وقيل: الإِقِط، لغة في الإِقِطِ. واتان إبدٌ، أي: ولود- اهـ.
(3)
قال في لسان العرب (3/ 16): الحِبْرُ والحَبْرُ والحَبْرَةُ والحِبِرُ والحِبَرةُ، كل ذلك: صفرة تشوب الأسنان.
(4)
بلز: امرأة بِلِز وبِلِزٌّ: ضخمة مكتنزة. قال الجوهري: امرأة بِلِزٌ على فِعِل بكسر الفاء والعين، أي ضخمة. قال ثعلب: لم يأت من الصفات على فِعِلٍ إلَّا حرفان: امرأة بِلِزٌ، وأتان إِبدٌ، وجمل بلنزي: غليظ شديد. قال أبو عمرو: امرأة بلز: خفيفة، قال: والبلز: الرجل القصير. قال الفراء: من أسماء الشيطان: البِلأز، والجَلأز، والجان. اهـ، من لسان العرب (1/ 482).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
ساقطة من ن ج.
(7)
في ن ب (وهي).
ثالثها: في فوائده وأحكامه.
الأولى: قوله عليه السلام: "الفطرة خمس"، أي: خمس من الفطرة، كما في الرواية الأخرى، وفي الصحيح (1):"عشر من الفطرة"، وليست منحصرة في [العشر](2)، وقد أشار عليه الصلاة والسلام إلى عدم انحصارها فيها بقوله:"من الفطرة"، والمراد [آداب](3) الدين المتعلقة بحلية البدن ويظهر أثرها فيه.
وقال القاضي عياض: يحتمل أنه أعلم أولًا بالأول ثم بالثاني، وفيه نظر.
وقد يجاب [أيضًا](4) عن رواية الحصر أن المراد به المجاز لا الحقيقة "كالحج عرفة"، "والدِّين النصيحة". وإن كان ظاهرها
الحقيقي الحصر كالعالم في البلد زيد.
الثانية: هذه الخصال [هي](5) التي ابتلي بها إبراهيم فأتمهنَّ فجعله الله إمامًا يقتدى به ويستن بسنته، قال ابن عباس (6)، وهو أول
(1) مسلم (261)، وأبو داود (53)، والنسائي (8/ 126، 128)، وأبو عوانة (1/ 191) وفيهما "عشر من السنة"، والترمذي (2757)، والبيهقي (1/ 36، 52، 53، 300)، والدارقطني (1/ 59)، وأحمد (6/ 137).
(2)
في الأصل (الشعر)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
في ن ب (ذات).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
انظر: فتح الباري (10/ 337)، فإنه أشار إليه وقال: بسند صحيح.
وانظر: تفسير الطبري (3/ 9)، وابن كثير، تفسير آية البقرة (124)، =
من أمر بها من الأنبياء، قاله الخطابي (1)، وقيل: كانت عليه فرضًا ولنا سنة.
الثالثة: الختان: واجب عند الشافعي رحمه الله وجمهور أصحابه وكثير من العلماء، خلافًا لمالك وعامة العلماء كما نقله القرطبي (2) وأكثرهم كما نقله النووي (3) والمحب الطبري؛ لأنه لم يرد في الشرع ذم تاركه ولا توعده بعقاب، ومحل بسط المسألة كتب الخلافيات والفروع.
ومن فسر الفطرة بالسنة في الجميع يستدل به على عدم الوجوب.
وقد يجاب: بأن لفظ السنة استعمل في قدر مشترك بين الواجب والمستحب وهو ما رجح فعله، والجمع بن المختلفات غير ممتنع كما قال تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ} (4) والأكل مباح والإِيتاء واجب، وفرق بعض الفضلاء من المالكية بفرق لطيف بين الآية والحديث وهو أن الفطرة لفظة واحدة استعملت في [الكل](5)، وفي الآية كل جملة مستقلة على حالها.
= وصححه الحكم (2/ 266)، ووافقه الذهبي، والبيهقي (8/ 325/ 124)، وتفسير عبد الرزاق (1/ 57)، والاستذكار (26/ 240).
(1)
معالم السنن (1/ 42) وما بعده أيضًا منه.
(2)
في المفهم (2/ 603).
(3)
في شرح مسلم (3/ 148).
(4)
سورة الأنعام: آية 141.
(5)
في الأصل (الأكل)، والتصحيح من ن ب ج.
تنبيه: إنما يجب الختان بعد البلوغ، ويستحب في سابعه، قال القرطبي في تفسيره: وثبت في الأخبار عن جماعة من العلماء أنهم قالوا: ختن إبراهيم إسماعيل لثلاث عشرة سنة، وختن ابنه إسحاق لسبعة أيام، وروي عن فاطمة أنها كانت تختن ولدها يوم السابع، وأنكر ذلك مالك وقال: إنه من عمل اليهود، وقال الليث بن سعد: يختن ما بين سبع إلى عشر، ونحوه رواية عن مالك، وقال أحمد: لم أسمع في ذلك شيئًا (1).
وفي البخاري عن سعيد بن جبير قال: سُئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "أنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك أو يقارب الاحتلام".
واستحب العلماء في الرجل الكبير يسلم أن يختن، وكان عطاء يقول: لا يتم إسلامه حتى يختن وإن بلغ ثمانين سنة (2). وروي عن الحسن أنه كان يرخص للشيخ الذي يسلم أن لا يختتن ولا يرى به بأسًا ولا بشهادته وذبيحته وحجه وصلاته (3)، قال ابن عبد البر (4):
(1) انظر هذا وما سبق في فتح الباري (10/ 343).
(2)
الاستذكار (26/ 245).
(3)
المرجع السابق. أقول: وأما عدم قبول شهادته: فلفسقه بترك الواجب ثم بالإِصرار عليه. وأما عدم صحة صلاته: فلأن الماء لا يصل إلى ما تحت القلفة الساترة للقسم العلوي من الذكر وهي القلفة -مما يجب قطعه- فلا يصح غسله، ولا يطهر ما تحتها من النجاسة، وإذا لم يصح غسله ولم يطهر ما تحتها من النجاسة فلا تصح صلاته. اهـ.
(4)
التمهيد (23/ 128).
وعامة أهل العلم على هذا، وحديث بريدة في حج الأقلف لا يثبت، وروي عن ابن عباس (1) وجابر [](2) بن زيد وعكرمة أن الأغلف لا تؤكل ذبيحته، ولا تجوز شهادته.
فائدة: قال ابن الجوزي في (المجتبى)(3): أسماء من ولد من الأنبياء مختونًا: آدم، شيث، إدريس، نوح، سام، هود، صالح، لوط، شعيب، يوسف، موسى، سليمان، زكريا، عيسى، يحيى، حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس على خلاف في نبوته، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك سبعة عشر نبيًا، وما ذكره في آدم كأنه جاء على طريق التغليب، وقيل: إن نبينا صلى الله عليه وسلم ختن.
فائدة ثانية: لو ولد مختونًا لم يختن على الأصح؛ لأنها مؤنة كفيت، وقيل: لا بد من إجراء الموسي عليه ليقع الامتثال.
فائدة ثالثة: السنة في ختان الذكور إظهاره، وفي ختان النساء إخفاؤه، كذا رأيته في المدخل لابن الحاج المالكي رحمه الله، قال: واختلف في حق النساء: هل يخفضن مطلقًا أو يفرق بين أهل المشرق لوجود الفضلة عندهن في أصل الخلقة، وبين أهل المغرب لعدمها عندهن؟ وقال: وذلك راجع إلى مقتضى التعليل فيمن ولد مختونًا (4).
(1) الاستذكار (26/ 245). انظر: المجموع (9/ 79)، والمغني (8/ 567)، وعبد الرزاق (4/ 484)(11/ 175)، والمحلى (7/ 454).
(2)
في ن ب زيادة (وا).
(3)
(ص 39).
(4)
انظر: فتح الباري (10/ 340).
فائدة رابعة: في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: (إبراهيم أول من اختتن، وأول من ضاف الضيف، وأول من استحدّ، وأول من قلم الأظفار، وأول من قص الشارب، وأول من شاب فلما رأى الشيب قال: يا رب ما هذا؟ قال: وقار، قال: يارب زدني وقارًا)(1).
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن [سعد](2) بن إبراهيم عن أبيه قال: (أول من خطب على المنابر إبراهيم خليل الله) قال غيره:
(وأول من ثرد الثريد، وأول من ضرب بالسيف، وأول من استاك، وأول من استنجى بالماء، وأول من لبس السراويل)(3).
الرابعة: نتف العانة وقصها والأزالة بالنورة كالاستحداد، وذلك بحسب الحاجة.
والعانة: هي الشعر النابت حول الفرج، وقيل: حول الدبر، وعبارة الباجي (4) المالكي: العانة ما يستره الإِنسان.
قلت: والأولى [حلقهما](5) أعني حلق ما حول الفرج والدبر، وحكى الفاكهي عن بعضهم: أنه لا يجوز حلق ما حول الدبر، وهو عجيب غريب، والسنة في حق الرجل الحلق، وفي المرأة النتف،
(1) الموطأ لمالك (922).
(2)
الأصل (سعيد)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
ابن أبي شيبة (14/ 69/ 70)(11/ 522).
(4)
المنتقى (7/ 232)، ولفظه: وحلق العانة يريد شعر السرة. اهـ.
(5)
في ن ب (حلقها).
وقاله الدزماري (1) ثم النووي واستشكله الفاكهي بأن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء.
قلت: وحديث جابر في الصحيح: "إذا دخلت ليلًا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة"(2) قد يقويه.
الخامسة: يستحب أن يبدأ في قص الشارب بالجانب الأيمن، وهو مخير بين القص بنفسه، وبين أن يولي ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مروءة ولا حرمة، بخلاف الإِبط والعانة، والمختار أنه يقص حتى تظهر الشفة كما تقدم، والأصل في
قص [الشارب](3) مخالفة المجوس كما جاء في الصحيح (4) ولأن زوالها عن مدخل الطعام والشراب أبلغ في النظافة وأنزه من وضر الطعام.
وقال الحليمي في منهاجه: لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه، وإن كان له أن يحلق سباله؛ لأن لحلقه فائدة وهي أن
لا يعلق به من دسم الطعام ورائحته ما يكره، بخلاف حلق اللحية فإنه هجنة وشهرة وتشبه بالنساء، فهو كجب الذكر، وما ذكره في حق
(1) أحمد بن كشاسب بن علي بن أحمد بن علي بن محمد، توفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق، ترجمته في طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 100)، وطبقات السبكي (5/ 13).
(2)
البخاري في النكاح، باب: طلب الولد، ومسلم برقم (715) في الإِمارة، باب: كراهة الطروق، وهو الدخول ليلًا.
(3)
في ن ب (الشوارب).
(4)
مسلم (260).
اللحية حسن وإن كان المعروف في المذهب الكراهة (1).
السادسة: [المستحب](2) أن يبدأ في تقليم [الأظفار](3) باليدين قبل الرجلين [فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإِبهام](4)، ثم يعود إلى اليسرى فيبدأ بخنصرها ثم
(1) قد حكى ابن حزم رحمه الله تعالى: الإِجماع على أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض، وقال ابن عبد البر وابن تيمية: يحرم حلق اللحية، قال ابن عبد البر: لا يفعله إلَّا المخنثون من الرجال، والمخنثون هم المتشبهون بالنساء، وليعلم أن حلق اللحى يشوه وجوه الرجال بحيث يصير وجه الشاب شجيهًا بوجه المرأة الشابة -كما ذكره المؤلف. ويصير وجه الشيخ شبيهًا بوجوه العجائز، وحلق اللحى ونتفها من التمثيل الذي ورد الوعيد الشديد عليه، كما في الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير
برقم (10977) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مثل بالشعر فليس له عبد الله خلاق". قال الزمخشري: قيل: معناه: حلقه من الخدود، وقيل: نتفه. وقيل: خضابه، وقال ابن الأثير في النهاية: إنه نهي عن المثلة، ومثلة الشعر حلقه من الخدود، وقيل: نتفه أو تغييره بالسواد. وفي المناسبة إعفاء الشوارب فإن هذا فيه تشبه بالمجوس، وقوم لوط، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من تشبه بقوم فهو منهم" وفي المسند والترمذي والنسائي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يأخذ شاربه فليس منا" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. والمقصود بالكراهة هنا التحريم.
(2)
في ن ب (السنة).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ب ساقطة.
ببنصرها [ثم](1) إلى آخرها ثم يعود إلى الرجل اليمنى فيبدأ بخنصرها ثم يختم بخنصر اليسرى، كذا جزم به النووي في شرح مسلم (2)(3)، وقال الشيخ تاج الدين بن الفركاح في الإِقليد: الذي يقتضيه التيامن بخنصر اليمنى حتى ينتهي إلى خنصر اليسرى، وقال الغزالي في الإِحياء (4): يبدأ في يديه بمسبحة اليمنى ويختم بإبهامه، وذكر في الرجل كما تقدم، وفرق [بين](5) اليد والرجل [بما](6) ثبت للمسبحة من الفضل، قال النووي (7):[ولا](8) بأس بما ذكره [إلَّا تأخير](9)[إبهام](10) اليمنى،
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
انظر: المجموع (1/ 345)، وشرح مسلم (3/ 149).
(3)
في ن ج زياد: "وقال العراقي في شرح المهذب الأحسن قال: وورد في بعض الروايات وإن لم يصح فالمعنى يساعدها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن في كل شيء فيبدأ باليمين ثم بالمسبحة، لأنها أشرف أصابعها إذ بها الإِشارة إلى كلمة التوحيد، ثم ما يليها لذلك الأيمن فالأيمن إلى أن يعود عليها بعد الفراغ من اليدين جميعًا، قال: وأما الرجل فلا نقل فيها، والمستحب كما في التخليل في الوضوء البدأة بخصر اليمنى والختم بخنصر اليسرى. (في ن ج: حتى تنتهي بخنصر اليسرى).
(4)
(1/ 141).
(5)
في الأصل (في)، والتصحيح من ن ب ج.
(6)
زيادة من ن ب.
(7)
انظر: شرح مسلم (3/ 149) بمعناه. أقول: انظر طبقات النووي (1/ 258).
(8)
في ن ب ساقطة.
(9)
في ن ب (بأخير).
(10)
في ن ب ساقطة.
فإن السنة إكمال اليمنى أولًا.
وروي عن وكيع عن عائشة قالت: قال [لي](1) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة إذا أنت قلمت أظفارك فابدئي بالوسطى ثم الخنصر ثم الإِبهام ثم البنصر ثم السبابة فإن ذلك يورث الغنى"(2).
وروى الموفق الحنبلي في المغني حديثًا: "من قص أظفاره مخالفًا لم ير في عينيه رمدًا"(3)، وفسر ابن [بطة](4) بأن يبدأ بخنصر اليمنى ثم الوسطى ثم الإِبهام ثم البنصر ثم المسبحة ثم بإبهام اليسرى ثم وسطاها ثم خنصرها ثم السبابة ثم البنصر، والله أعلم بصحة ما ذكره.
وقال ابن الرفعة في كفايته: إن الأولى في قص الأظفار هذه الكيفية، وحكى بعض شيوخنا الحفاظ عن المحدث شرف الدين
الدمياطي أنه كان يقص أظفاره هكذا في اليدين والرجلين، ويأثر أن
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
قال السخاوي (ص 306) في المقاصد الحسنة: لم يثبت في كيفية قص الأظافر ولا في تعيين يوم له شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يعزى لعلي فباطل. وانظر: تذكرة الموضوعات (160).
(3)
قال محقق المغني د. عبد الله التركي، والحلو، بعد ذكر هذا الحديث: وفي حاشية ن م: هذا الحديث غير ثابت. اهـ، (1/ 118) وكذا التعليق السابق.
(4)
في الأصل (بطر). وابن بطة: هو أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان ابن بطة العكبري الحنبلي شيخ العراقي. سير أعلام النبلاء (16/ 529).
ذلك أمان من الرمد، وقال: فعلته من خمسين سنة فلم أرمد، قال شيخنا الحاكي عنه: وأنا فعلته من إحدى وثلاثين سنة فلم أرمد إلَّا مرة واحدة.
وكان الدمياطي المذكور يقلم أظفاره يوم الخميس، ويسلسل ذلك بسند ضعيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قال:"يا علي قص الأظفار ونتف الإِبط وحلق العانة يوم الخميس والغسل والطيب [واللباس] (1) يوم الجمعة"(2) قلت: ونظم بعضهم ذلك في أبيات فقال:
ابدأ بيمناك وبالخنصر
…
يوم الخميس الأفضل الأكبر
وثن بالوسطى وثلث كما
…
قد قيل بالإِبهام والبنصر
واختم بسبابتها هكذا
…
في اليد والرجل [ولا](3) تمتري
وفي اليد اليسرى بإبهامها
…
والأصبع الوسطى مع الخنصر
واتبع الخنصر سبابة
…
بنصرها خاتمة الأيسر (4)
[فذاك أمن لك إن حزته
…
من رمد العين فلا تمتري] (5)
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
انظر: ت (2 و 3) ص (714).
(3)
في ن ب (فلا).
(4)
في ن ب ج زيادة:
وشرطهما الترتيب في قولنا
…
فلازم الشرط ولا تردد
في اليد والرجل سواء
…
فلا تعد مقال الناصح المخبر
فذاك أمن لك حزته
…
من رمد العين فلا تمتري
ناظمها من دينه مشفق
…
فاسمح له يا ربنا واغفرِ
(5)
في ن ب ترتيب البيت في الشطر الثامن، وفي الأصل: السادس. وقد =
(و)(1) قال القاضي عياض: يستحب تفقدها من الجمعة إلى الجمعة.
وفي زيادات العبادي: كان سفيان الثوري يقلم أظفاره يوم الخميس (2) فقيل له: غدًا الجمعة، فقال: السنة لا تؤخر قال: وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن يأتيه الغنى فليقلم أظفاره يوم الخميس"(3). وفي الزيادات أيضًا أنها إذا قلمت تُفرق، قال صلى الله عليه وسلم:"فرقوها فرق الله همومكم"، ونقل عن محمد بن مقاتل الرازي من الحنفية أنها تدفن ولا تُلقى في الكنيف.
وروى الترمذي الحكيم في نوادره من حديث عبد الله بن [بشر](4) المازني [مرفوعًا](5)"قصوا أظافيركم وادفنوا قلاماتكم"(6) ومن حديث عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بدفن
= أنكر ابن دقيق العيد جميع هذه الهيئات وقال: لا يعتبر هيئة مخصوصة وما اشتهر من قصّها على وجه مخصوص لا أصل له في الشريعة، ثم ذكر الأبيات وقال: هذا لا يجوز اعتقاد استحبابه، لأن الاستحباب حكم شرعي: لا بد له من دليل، وليس استشهاد ذلك بصواب. اهـ. انظر: الرحلة الطرابلسية للنابلسي (89).
(1)
زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب زيادة (واو).
(3)
انظر: ت (2 و 3) ص (714).
(4)
في الأصل (الزبير)، والتصحيح من نوادر الأصول (ص 45).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
نوادر الأصول، للحكيم الترمذي (45)، وإسناده ضعيف.
سبعة من الإنسان: الشعر والظفر والدم والحيض والسن والعلقة [والمشيمة] " (1)(2).
فائدة: في التقليم معنيان: تحسين الهيئة، والقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعية على الأكمل، إذا لم يخرج من طولها المعتاد
خروجًا بينًا، فإن خرجت فذاك مانع من حصولها إذا تعلَّق بها وسخ.
فائدة: قال الحافظ محب الدين الطبري في أحكامه: يستحب غسل رؤوس الأصابع بعد قصها، فقد قيل: إن حك الجلد بالأظفار قبل غسلها [مضر](3) بالجسد، كذا رأيته فيه وهي فائدة جليلة (4).
(1) زيادة من ن ب ج.
(2)
نوادر الأصول (ص 45)، وروى عن ميل بنت مِشْرح الأشعرية، قالت: رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها، ويقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 168): رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط من طريق عبيد الله بن سلمة بن وهرام عن أبيه، وكلاهما ضعيف، وأبوه وُثِّق، وانظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 337)، وقال في المغني (1/ 119): قال مهنا: سألت أحمد عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه. قلت: بلغك فيه شيء؟ قال: كان ابن عمر يدفنه، وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بدفن الشعر والأظفار وقال:"لا يتلعب به سحرة بني آدم" أو كما قال؛ ولأنه من أجزائه فاستحب دفنه كأعضائه.
(3)
في ن ب (يضر).
(4)
في حديث عائشة الذي رواه مسلم (1/ 223)"وغسل البراجم" في تفسير الفطرة، يحتمل أنه أراد غسل الأظفار بعد قصها. اهـ من المغني (1/ 119).
فرع: يستثنى من استحباب تقليم الأظفار مريد التضحية إذا دخل عليه عشر ذي الحجة، فإن السنة أن لا يقلم ظفره ولا يزيل
شعره حتى يضحي؛ للحديث الصحيح فيه.
السابعة: نتف الإِبط سنة بالاتفاق أيضًا، قال الغزالي في الإِحياء: ويستحب في كل أربعين يومًا مرة، وذلك سهل على من تعود في الابتداء نتفه، فأمَّا من تعود الحلق فيكفيه الحلق إذ في النتف تعذيب وإيلام، والمقصود النظافة وأن لا يجتمع الوسخ في
خللها وذلك يحصل بالحلق، ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه -والمزين يحلق إبطه-: علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى
على الوجع (1).
واعلم أنه ثبت في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه: "وقت لنا في قص الشارب ونتف الإِبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة"(2). وفي النسائي: "وقَّت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم"(3)، ومعناه: أن لا تترك تركًا تتجاوز به أربعين، لا أنه وقّت لهم الترك بأربعين، وكذا معنى ما روى عن علي رضي الله عنه أن تقليم الأظفار يكون في كل عشرة أيام، ونتف الإِبط في كل أربعين [يومًا](4)،
(1) في حاشية ن ج: (اتفق أصحابنا على أنه يستحب دفن قلامة الظفر وشعر الإِبط والعانة، ونقلوه عن ابن عمر).
(2)
مسلم رقم (258).
(3)
النسائي (1/ 16).
(4)
بياض بالأصل، وما أثبت من ن ب ج.
وحلق العانة في كل عشرين يومًا، ونتف [الأنف](1) في كل ثلاثين يومًا.
تنبيه: خصّ النتف بالإِبط والحلق بالعانة؛ لأن الإِبط محل الرائحة الكريهة، والنتف يضعف الشعر فتخف الرائحة الكريهة، والحلق يكثر الشعر فتكثر فيه الرائحة الكريهة، ولهذا تصف الأطباء تكرار حلق الشعر في المواضع [التي](2) يراد قوته فيها.
فائدة: يستحب البدء بالإِبط [الأيمن](3).
الثامنة: يؤخذ من الحديث نقل ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وضبطه وأن لا نتجاوزه، وأن ذلك لا يمنع رواية ما سمعه غيره وضبطه زيادة [على] (4) ما رواه هو [بل الزيادة من الثقة مقبولة إذا لم يخالف ما رواه هو] (5) فإنه رُوي:"خمس من الفطرة" و"عشر من الفطرة" كما أسلفناه، وعمل العلماء بهما من غير اختلاف ولا إنكار، ورويَ في بعض طرقه "عشر من سنن المرسلين" ففيه تبيين العلم وهل [هو](6) مجتهد فيه أو منقول عن غيره.
(1) في الأصل (الإِبط)، والتصحيح من ن ب ج.
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
في ن ب (باليمين).
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
في الأصل مكرر، وفي ن ج ساقطة.
(6)
في ن ج ساقطة.
انتهى الجزء الأول ويليه
الجزء الثاني وأوله باب الجنابة