الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
22/ 3/ 3 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته، فطيبته، ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانًا أحسن منه، فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع [يديه] (1) -أو إصبعه- ثم قال: في الرفيق الأعلى -ثلاثًا- ثم قضى، وكانت تقول: مات [بين] (2) حاقنتي وذاقتني".
وفي لفظ: "فرأيته ينظر إليه، [وعرفت] (3) أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ [فقال] (4) برأسه: أن نعم". لفظ البخاري (5)، ولمسلم نحوه.
(1) في ن ب (يده).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (فعرفت).
(4)
في ن ب (فأشار).
(5)
البخاري برقم (890، 1389، 3100، 3774، 4438، 4446، 4449، 4450، 4451، 5217، 6510)، مسلم (2443)، وأحمد في =
الكلام عليه من سبعة عشر وجهًا:
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في الطهارة، وعبد الرحمن هذا هو أخو عائشة لأبويها وهو أسن أولاد الصديق.
كنيته: أبو عبد الله.
وقيل: أبو محمد، حضر بدرًا وأحدًا مع الكفار، ثم أسلم في هدنة الحديبية وحسن إسلامه وهاجر قبل الفتح مع معاوية فيما قيل، وكان اسمه عبد الكعبة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن، وكان من أشجع قريش وأرماهم بسهم، حضر اليمامة مع خالد بن الوليد، وقتل سبعة من كبارهم وهو الذي قتل محكّم اليمامة ابن طفيل رماه بسهم في نحره فقتله.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أحاديث، اتفقا منها على ثلاثة، روى عنه جماعة من التابعين [وابنه](1) أبو عتيق محمد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي بهذا الاعتبار ابن صحابي ابن صحابي [ابن صحابي](2) وهذا من خصائص بيت الصديق، ولا يعرف في غيره كما قدمناه في ترجمة عائشة رضي الله عنها.
مات رضي الله عنه بالحبشى، وهو جبل بينه وبين مكة ستة أميال، وقيل: نحو عشرة فنقله ابن صفوان إلى مكة، ووقع في ثقات
= المسند (6/ 48، 77، 121، 200، 274)، والنسائي (4/ 6، 7)، وابن حبان (6582)، والحاكم (4/ 7)، والطبراني (23/ 78، 81، 89).
(1)
في الأصل (اسمه)، والتصحيح من ن ب ج.
(2)
زيادة من ن من ج ب.
ابن حبان أنه مات بالحبشة ولعله غلط من الناسخ. وكانت وفاته سنة ثلاثة [وخمسين، وقيل: سنة أربع، وقيل: سنة خمس، وقال ابن حبان: سنة ثمان، قبل عائشة، ثم حكى قول من قال سنة ثلاث](1) قال: وكان يخضب بالحناء والكتم، قال القاسم: توفي في مقيل قاله على غير وصية، فأعتقت عائشة رقيقًا من رقيقه عسى أن نفعه الله به، ولما اتصل موته بها ظعنت من المدينة حاجة حتى وقفت على قبره فبكت عليه وتمثلت:
وكناكندماني جذيمة حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتفرقا (2)
فلما تفرَّقنا كأني ومالكا
…
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلَّا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك.
وترجمته مبسوطة أكثر من هذا فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب وذكرت فيه أن في الرواة عبد الرحمن بن أبي بكر
ثلاثة، هذا أحدهم فاستفد الباقي منه.
الوجه الثاني: [بقولها](3): "ومع عبد الرحمن سواك رطب" فيه الاستياك بالسواك الرطب وقد قدمت في الحديث الأول ما فيه
للصائم.
(1) في ن ج ساقطة.
(2)
في ن ب ج (يتصدعا)، وايضًا ابن كثير في البداية. انظر الكلام على حكم زيادة النساء للقبور في حديث (163/ 7/ 32)، كتاب الجنائز، في هذا الكتاب المبارك.
(3)
زيادة من ن ب ج.
الثالث: معنى "يستن به": يستاك.
قال الخطابي (1): وأصله من السن وهو إمرار الشيء الذي فيه حروشه على شيء آخر، [ومنه] (2) المسن: الذي يستحد عليه الحديد ونحوه، يريد أنه كان يدلك به أسنانه، وكان سواكه صلى الله عليه وسلم تارة من أراك وتارة جريدة النخل، وفي البخاري (3) في هذا الحديث أن هذا السواك كان من جريد رطبة، وفي صحيح الحاكم (4) أنه كان من أراك رطب، ثم قال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه، وقال ابن دحية في كتابه مرج البحرين (5): أنه كان من عسيب النخل فيما رواه أبو القاسم بن الحسين (6).
قلت: وهو الجريد ما لم ينبت عليه خوص كما سلف في الباب قبله، قال: والعرب تستاك بالعسيب، قال: وكان أحب السواك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صرع الأراك، واحدها صريع وهو قضيب ينطوي من الأراك حتى يبلغ التراب فيبقى في ظلها [فهو](7) ألين من
(1) معالم السنن (1/ 39).
(2)
في ن ب (ومثله).
(3)
الفتح (4451).
(4)
في ن ج (الحكم). انظر: المستدرك (4/ 6).
(5)
هو عمر بن حسن بن علي الملقب بالجميل -بتشديد الياء المفتوحة- انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1420، 1422).
(6)
هو أبو القاسم علي بن الحسين المعروف بابن عساكر. انظر: تذكرة الحفاظ (4/ 1328، 1334).
(7)
في ن ب (وهو).
[فرعها](1).
الرابع: قولها: فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره [معنى](2) أيده بالباء الموحدة ثم الدال المهملة: نظر إليه طويلًا؛ لقوله في الرواية الأخرى: "فرأيته ينظر إليه"، [يقال] (3): أبددت فلانًا النظر إذا طولته إليه، فكان أصله من معنى التبديد الذي هو التفريق، وكأنه عليه الصلاة والسلام أعطاه بدته من النظر أي حظه.
ويروى أن عمر بن عبد العزيز لما حضرته الوفاة قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلَّا الله، ثم رفع رأسه فأبد النظر، ثم قال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جن، ثم قبض (4).
وما ذكرته من أن أصله من معنى التبديد الذي هو التفريق هو ما ذكره الشيخ تقي الدين (5) ونازعه فيه الفاكهي، وقال: بل هو بالجمع أولى منه بالتفريق [فإنه](6) من أطال نظره إلى الشيء فقد جمع نظره فيه، وكذا فيه الحكاية المذكورة معناه: جمع نظره في الحضرة لا أنه فرق نظره وردده، وتبعه بعض من [أدركناه] (7) فقال:
(1) في ن ب (فروعها). انظر: البدر المنير (3/ 220).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (قال).
(4)
انظر: سيرة عمر بن العزيز لابن الجوزي (284).
(5)
إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 287).
(6)
في ن ب (لأن).
(7)
في ن ب (أدركاه).
يحتمل أن يكون أصله التأبيد وهو طول المكث وهو أنسب لتطويل البصر، قال: فإن كان من التأبيد فتكون الباء مشددة، وإن كان من التبديد فتكون الدال مشددة.
الخامس: فيه العمل بما يفهم من الإِشارة والحركات، وقد أعملها الفقهاء في غير ما مسألة من الأخرس وغيره.
السادس: قولها "فقضمته": هو بالضاد المعجمة المكسورة، قال الجوهري: القضم هو الأكل بأطراف الأسنان، والخضم يعني بالخاء المعجمة: الأكل بجميعها. وقولهم: "يبلغ الخضم"(1) أي: يدرك السبع بالأكل [أي](2) بأطراف الفم، وإن الغاية البعيدة تُدْرك بالرفق، قال الشاعر:
تبَلَّغ بأخلاق الثياب جديدها
…
وبالقضم حتى [تبلغ](3) الخضمَ بالقضْم
وقال ابن هشام: القضم: لكل شيء يابس كالتبن والشعير، والخضم لكل شيء رطب كالقثاء وغيره.
(1) في ن ب زيادة (بالقضم)، وأيضًا في مختار الصحاح (227). وإنظر: غريب الحديث للهروي (1/ 305)، والفائق (3/ 200)، وعمدة القاري (5/ 266).
(2)
في ن ب زيادة (أي).
(3)
في لسان العرب (11/ 208)(تدرك)، وأيضًا في مختار الصحاح (227)، وفي المشوف المعلم (245).
وذكر ابن جني: أن العرب اختصت اليابس بالقاف والرطب بالخاء؛ لأن في القاف شدة وفي الخاء رخاوة.
وقيل: إن القضم لمقدم الأسنان والخضم بالفم كله (1)، وقالوا في تعريف اسمه: خضم بفتح الضاد وكسرها.
وذكرهما صاحب المطالع في باب: القاف مع الصاد المهملة فقال: قولها "فقضمته" يعني بفتح الضاد أي شققت السواك بأسناني، وفي كتاب التميمي: فقضمته أي قطعت رأسه، والقضم القص، وفي البخاري (2) في الوفاة، ومثله للقابسي، وابن السكن، وكذلك اختلف فيه عن أبي ذر.
ثم قال بعد ذلك: قولها "فقصمته ثم مضغته" كذا لأكثرهم، ولابن السكن والمستملي والحموي بضاد معجمة (3)، فالقصم الكسر، والقضم القطع بالأسنان، والمضغ التليين.
ولما ذكره ابن الجوزي (4) في الضاد المعجمة قال: وبعض المحدثين يقوله بالمهملة، وبالمعجمة أصح.
(1) ذكره في المشوف المعلوم (244، 245، 646).
(2)
الفتح (8/ 138).
(3)
انظر: الفتح (2/ 377).
(4)
بحثت عنه في كتابه "غريب الحديث" ولم أجده ولعله في كتابه "مشكل الصحاح" نسبه إليه ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة أو "مشكل الصحيحين".
وقال ابن التين في شرح البخاري: هو في [الكثير](1) بصاد غير معجمة وقاف، وضبطه بعضهم بالفاء، والمعنى يصح في ذلك كله؛ لأن الفصم بالفاء: الكسر. وصوابه بقاف وصاد غير معجمة وهو الكسر والقطع وكذا رويناه، وقد صح بالضاد المعجمة لأنه الأكل بأطراف الأسنان.
وقال ثعلب (2): قضمت الدابة شعيرها، بكسر ثانية يقضم.
وحكى الليلي (3) فتح ثانية، ولم يزد الشيخ تقي الدين (4): في شرحه على قوله: القضم بالأسنان.
وأما ابن العطار: فلم يتكلم على هذه اللفظة رأسًا.
ويتلخص مما ذكرنا ثلاث روايات:
الأولى: بالقاف والصاد المهملة.
الثانية: بالفاء (5).
(1) في ن ب (الكتب).
(2)
شرح الفصيح لابن الجبان (107)، والتلويح شرح الفصيح للهروي (7).
(3)
هو أبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي الفهري المتوفى سنة (691) مؤلفاته: البغية في اللغة، بغية الآمال بمعرفة النطق بجميع مستقبلات الأفعال، تحفة المجد الصريح في شرح كتاب الفصيح.
(4)
إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 288).
(5)
قال القالي رحمنا الله وإياه في أماليه (2/ 30): والقَصْم، والفَصم: الكسر، وبعضهم يفرق بينهما فيقول: القصم: الكسر الذي فيه بينونة، والفصم: الكسر الذي لم يبين. اهـ. وقد قال: البطليوسي بالتفريق، ومرة قال هما سواء. انظر: الحروف الخمسة (370، 532).
الئالثة: بالقاف والضاد المعجمة المكسورة ويجوز فتحها أيضًا كما سلف فاستفد ذلك (1).
ولما حكى المحب الطبري في أحكامه عن ابن الأثير (2) أنه قال: قولها "فقضمته" هو بكسر الضاد المعجمة أي مضغته ولينته
وطيبته، قال: فيكون قولها "فطيبته" تكرارًا للتأكيد. قال: ولا يبعد أن يكون بالصاد المهملة وهو الكسر، فيكون معناه كسرته لطوله أو لمعنى آخر [و](3) قد علمت أن ذلك رواية وأن بعضهم صوبها.
السابع: قولها "فطيبته" يحتمل أن تريد غسلته، ويحتمل أن تريد أنعمته ولينته وهو أظهر لعطفها بالفاء السببية، إذ التليين والتنعيم مسبب عن القضم وليس الغسل كذلك، ولذلك لما لم يكن الدفع مسببًا عن القضم أثبت "بثم" التي لا تسبب فيها ولما بين الأخذ و [الدفع](4) من التراخي.
الثامن: فيه إصلاح السواك وتهيئته للاستياك.
التاسع: فيه الاستياك بسواك الغير من غير كراهة.
قال الخطابي (5): على من يذهب [إليه](6) بعض من يتقزز.
(1) انظر إلى معانيها في عمدة القاري (5/ 266).
(2)
انظر: جامع الأصول (11/ 66)، وفتح الباري (8/ 139).
(3)
في الأصل ساقطة، والزيادة من ن ب ج.
(4)
في ن ب (الرفع).
(5)
قال الخطابي في معالم السنن (1/ 41) رحمنا الله وإياه: وفيه استعمال سواك الغير ليس بمكروه، على ما يذهب إليه من يتقزز.
(6)
في ن ب ساقطة.
وفي كلام الترمذي الحكيم ما يشعر بكراهة ذلك فإنه قال: [ولا تستاك](1) بسواك [غيرك](2) وإن غسلته، فإن ابن عمر قال:"من استاك بسواك غيره فقد"[الحفظ] " ((3) وهذا الحديث يرده. قال [الخطابي](4): إلَّا أن السنة أن يغسله ثم يستعمله.
تنيه: من المنكر ما رواه العقيلي عن عائشة قالت: لما مرض عليه الصلاة السلام مرضه الذي مات فيه قال: "يا عائشة ائتيني بسواك رطب امضغيه ثم ائتيني به أمضغه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهون (به) (5) عليّ عند الموت". قال العقيلي (6): روى هذا سهيل بن إبراهيم الجارودي ولا يتابع عليه.
العاشر: قوله "إصبعه" فيه عشر لغات: [بتثليث](7) الهمزة
(1) في ن ب (يستاك).
(2)
في ن ب (غيره).
(3)
في الأصل (الحظ).
(4)
في المرجع السابق. أقول: ومن كره ذلك فلا دليل له من كتاب ولا سنة.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
الضعفاء الكبير (2/ 249).
(7)
في ن ب (تثليث). قال في المطلع (15) قال وذكر شيخنا رحمه الله -أي ابن مالك- فيها عشر لغات:
فتح الهمزة مع فتح الباء وضمها وكسرها.
وضم الهمزة مع ضم الباء وفتحها وكسرها.
وكسر الهمزة مع فتح الياء وضمها وكسرها.
والعاشرة: "أصبوع" بضم الهمزة والباء وبعدها واو.
والباء، والعاشرة (أصبوع) حكاه ابن سيده (1) وغيره، وقد جمعها ابن مالك في بيت فقال:
تثليث با أصبع مع [شكل](2) همزته
…
من غير [قيد](3) مع الأصبوع قد كملا
قال ابن سيده: [وأصحها](4) كسر الهمزة وفتح الباء.
قال القرطبي في تفسيره: وروي عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة [منها](5) كانت أطول من الوسطى ثم الوسطى [أقصر] منها، ثم البنصر أقصر من الوسطى] (6)، ثم روى من حديث ميمونة بنت كردم أنها قالت: لقد رأيتني أتعجب وأنا جارية من طول إصبعه التي تلي الإِبهام على سائر أصابعه. كذا ذكره، والذي في دلائل النبوة للبيهقي (7) أن ذلك في أصابع رجليه لا في يديه، وقد ذكرت ذلك في اختصاري لتفسيره وتهذيبه، أعان الله على إكماله.
(1) المخصص (2/ 7).
(2)
في ن ب (كسر).
(3)
في ن ج (واو).
(4)
في ن ب ج (وأفصحها).
(5)
زيادة من ن ب ج.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
الدلائل للبيهقي (1/ 246)، وأحمد (6/ 366)، والطبراني (25/ 40)، وذكره الهيثمي في المجمع (8/ 280)، وعزاه للطبراني وقال:"فيه من لم أعرفهم".
وقولها: "رفع يده أو إصبعه" ظاهره الشك فيجوز أن يكون منها أو من الراوي عنها، والله أعلم بذلك.
الحادي عشر: "الرفيق الأعلى" الرفيق: هنا موحد في معنى الجمع كقوله تعالى: {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} (1).
والأعلى: على بابها من التفضيل.
وقيل: بمعنى العالي.
قال القاضي عياض (2): وفيه أربع روايات "في الرفيق الأعلى" و "الرفيق" و"بالرفيق" و"مع الرفيق"، قال: وفي معناها أربع تأويلات:
أحدها: أنه من أسماء الله تعالى (3)، وأنكره الأزهري ولا سيما مع رواية "مع".
ثانيها: أنه جماعة الأنبياء [عليهم الصلاة والسلام](4) يدل عليه
(1) سورة غافر: آية 67.
(2)
مشارق الأنوار (1/ 296، 297).
(3)
سباق الكلام في المشارق "وألحقني بالرفيق الأعلى" قيل: هو اسم من أسماء الله تعالى وخطأ هذا الأزهري -أي في تهذيب اللغة (9/ 110، 111) - وقال: بل هم جماعة الأنبياء ويصححه قوله في الحديث الآخر: "مع النبيين والصديقين" إلى قوله: "وحسن أولئك رفيقا".اهـ.
أقول: وأما إطلاق "الأعلى" اسمًا له فقد ورد في القرآن بقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} ، واسمه الأعلى أي صفته على أعلى الصفات. انظر: لسان العرب (15/ 83، 95) دار صادر. تهذيب اللغة (3/ 186).
(4)
ساقطة من الأصل.
قوله في الحديث الآخر: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ
…
} (1) الآية، وهو لفظ عام يقع على الواحد والجمع بلفظ واحد.
ثالثها: أنه مرتفق الجنة.
رابعها: أنه اسم لكل سماء، قاله الداودي: ووهم فيه؛ لأن السماء إنما هو الرفيع بالعين، ويبعد مع رواية "الرفيق".
وقال الشيخ تقي الدين (2): الرفيق الأعلى إشارة إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى قوله: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} (3) فيكون معناه: الأعلى من نوع البشر، وقد ذكر بعضهم أن قوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (4) إشارة إلى ما في هذه الآية وهي قوله تعالى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} ، فكان هذا تفسيرًا لتلك، قال: وبلغني أنه صنف في ذلك كتاب تفسير فيه القرآن بالقرآن.
[قلت](5): صنف السهيلي (6) كتابًا في مبهمات القرآن (7) وذكر
(1) سيأتى في هذا الحديث ص (591) تعليق (4).
(2)
إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 290).
(3)
سورة النساء: آية 69.
(4)
سورة الفاتحة: آية 7.
(5)
في ن ب (قد).
(6)
هو الفقيه المحدث أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسين الخثعمي السهيلي المولود سنة (508)، والمتوفى سنة (581).
(7)
في ن ب زيادة (وقد). اسمه التعريف والإِعلام، فيما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم، (ص 17).
أن المنعم عليهم في الفاتحة هم المذكورون في الآية السالفة التي في سورة النساء.
قال الشيخ (1): ويجوز أن يكون (الأعلى) من الصفات اللازمة التي ليس لها مفهوم يخالف المنطوق، كما في قوله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} (2) وليس ثمة داع إلهًا آخر له به برهان، وكذلك {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ} (3) ولا يكون قتل النبيين إلَّا بغير الحق، كذا ذكره [الشيخ](4)، والزمخشري (5) يخالفه فإنه قال: إن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلَّا [بغير](6) حق، فما فائدة ذكره؟
قلت: معناه أن قتلهم بغير حتى عندهم [لأنهم](7) لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض ولا استوجبوا القتل بسبب يكون شبهة [لهم](8) ومستندًا، بل نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم، ولو أنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجهًا يوجب عندهم القتل.
ثم قال الشيخ: فيكون "الرفيق" لم يطلق إلَّا على الأعلى الذي
(1) إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 290).
(2)
سورة المؤمنون: آية 117.
(3)
سورة آل عمران: آيه 21.
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
الكشاف (1/ 72) مع اختلاف في بعض الكلمات.
(6)
في ن ب (لغير).
(7)
زيادة من ن ب.
(8)
زيادة من ن ب.
اختص الرفيق به، ويقوي هذا ما ورد في الروايات:"وألحقني بالرفيق" ولم يصفه بالأعلى، وذلك دليل أنه المراد بلفظ الرفيق.
ويحتمل أن يعم الأعلى وغيره، ثم ذلك على وجهين:
أحدهما: أنه يختص [الرفيقان](1) معًا بالمقربين المرضيين، ولا شك أن مراتبهم متفاوتة، فطلب عليه الصلاة والسلام أن يكون
في أعلى مراتب الرفيق وإن كان الكل من السعداء المرضيين.
الثاني: أن يطلق "الرفيق" بالمعنى الوضعي الذي يعم كل رفيق، ثم يخص منه "الأعلى" بالطلب، وهو مطلق المرضيين، ويكون "الأعلى" بمعنى العالي، ويخرج عنه غيرهم، وإن كان [اسم](2)"الرفيق" منطلقًا عليهم، قال الفاكهي، والوجه الأول أليق بمحله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن العطار: وما ذكر من المجوزات في الرفيق الأعلى هو إذا لم يكن فيه بيان منه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت البيان فيه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال عليه الصلاة والسلام: لا بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل واسرافيل"(3) رواه ابن حبان في صحيحه بإسناده الصحيح (4).
(1) في الأصل (الفريقان)، والتصحيح من إحكام الأحكام (ص 291/ م 1).
قال الصنعاني: المذكور أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم، الرفيق الأعلى، والرفيق غير الأعلى
…
إلخ.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
ابن حبان (8/ 199).
(4)
في ن ب زيادة (وهو كما قال)، وروى أيضًا في صحيحه (8/ 199) عنها =
الثانى عشر: قولها: "ثم قضى" أي مات صلى الله عليه وسلم بعد تكرار هذه الكلمة ثلاثًا، وذلك حين خير صلى الله عليه وسلم، ويؤخذ من ذلك التلقين باللهم الرفيق الأعلى، وفي رواية لابن حبان أنه قال:"اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى"(1). لكن صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم في حقنا أنه قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلَّا الله" كما أخرجه مسلم (2) من حديث أبي هريرة وأبي (3) سعيد الخدري، وقال:"من كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله دخل الجنة". كما رواه أبو داود والحاكم من حديث
= قالت: "كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بن الدنيا والآخرة، قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات عنه وأخذته بُحَّةٌ فجعل يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، فنظننت أنه خير حينئذ". عزاه إليه المحب في أحكامه في كتاب الجنائز وجزم بأن الرفيق الأعلى جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين، قال: وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط، يقع على الواحد والجمع، ومنه قوله تعالى:{وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} ، والرفيق أيضًا: المرافق في الطريق، وقيل: معنى ألحقني بالرفيق الأعلى: بالله تعالى، والله رفيق بعباده، من الرفق والرأفة، فهو فعل بمعنى فاعل.
(1)
ابن حبان (6584).
(2)
رواية أبي هريرة: مسلم (917)، وابن الجارود (513)، وابن ماجه (1444)، وابن أبي شيبة (3/ 237)، والبيهقي (3/ 383).
رواية أبي سعيد: مسلم (916)، والنسائي (4/ 5)، وأبو داود (3117)، والترمذى (976)، والبغوي (1465)، وأحمد (313)، وابن ماجه (1445).
(3)
في الأصل (وأبو).
معاذ (1)، قال الحاكم: صحيح الإِسناد (2).
الثالث عشر: "الحاقنة": الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق.
وعبارة الجوهري (3): هي ما بين الترقوة وحبل العاتق. والعاتق: موضع الرداء قال: [هما](4) حاقنتان.
وقيل: إنهما ما سفل من البطن. والمراد: يحقن الطعام [أي](5) يجمعه، ومنه المحقنة بكسر الميم التي يحتقن بها وجمعها
حواقن، ومن كلام العرب: لأجمعن دين حواقنك وذواقنك.
وأما الذاقنة ففيها أقوال:
أحدها: الذقن.
ثانيها: طرف الحلقوم، قاله الجوهري.
(1) المستدرك للحاكم (1/ 351، 500)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. أبو داود (3116) وإسناده حسن.
(2)
في حاشية ن ج: (في رواية لابن حبان: فاستن كأحسن ما رأيت مستنًا ثم ذهب يرفعه فسقط من يده، فأخذت أدعو بدعاء كان يدعو به جبرائيل -أو يدعو به إذا مرض، ولم يدع به في مرضه ذلك- فرفع بصره إلى السماء فجعل يقول: بل الرفيق الأعلى من الجنة، وفاضت نفسه، فقلت: الحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة).
(3)
مختار الصحاح (39).
(4)
في ن ب (إنهما).
(5)
ساقطة من ن ب.
ثالثها: ما يناله الذقن من الصدر. وعبارة بعضهم أنها نقرة النحر.
رابعها: أعلى البطن.
خامسها: أسفله.
وجاء في رواية أخرى: "ما بين سحري ونحري"(1) بالسين والحاء المهملتين وبالمعجمتين وبالسين المهملة مع الجيم ومعنى
الأول: الرئة وما يتعلق بها، ومعنى الثانية: الضم إلى الصدر مع تشبيك الأصابع، ومعنى الثالثة: ما بين اللحيين.
الرابع عشر: يستفاد من الحديث دخول أقارب الزوجة على الزوج في مرضه وغيره.
الخامس عشر: فيه أيضًا جواز أن يكون الذي قربت وفاته جالسًا مستندًا إلى زوجته ونحوها ممن يعز عليه.
ولا يشترط أن يوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن أو على قفاه على العادة.
السادس عشر: أيضًا نقل أحواله إلى أمته ليُتبع.
السابع عشر: فيه أنه عليه السلام كان يحب السواك وقد فعله في مثل هذه الحالة وهي آخر الأمر، وقد صحيح أصحابنا وجوبه عليه
(1) البخاري الفتح (8/ 144)(6/ 210)، وأحمد (6/ 200، 48)، وابن حبان (6582).
كما أوضحته في "غاية السول في خصائص الرسول"(1) وفيما نقل عن ابنِ سُبع أن السواك يسهل الموت.
خاتمة:
توفي صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة من الهجرة بعد حجة الوداع باثنتين وثمانين يومًا.
وقيل: إحدى وثمانين.
قيل: لثمان خلت من ربيع الأول وهو الراجح عند جماعة، منهم ابن حزم (2).
وقال الواقدي: يوم الاثنين الثاني عشر منه، وعليه [جمهور](3) العلماء كما جزمت به في أول الكتاب.
وقال السهيلي (4) وأبو ربيع بن سالم: هذا لا يصح؛ لأن وقفة حجة الوداع كانت يوم الجمعة تمت الشهور كلها أو نقصت أو تم بعضها أو نقص بعضها، وتبعهما ابن دحية في المولد فقال: لا يصح بوجه إلَّا أنه توفي في أول يوم منه أو ثانيه أو ثالث عشرة أو رابع عشرة أو خامس عشرة؛ للإِجماع على أن وقفة عرفة كانت يوم الجمعة. وقال الطبري (5): توفي يوم الاثنين لليلتين مضتا منه.
(1) طبع هذا الكتاب في جزء مسقل.
(2)
جوامع السيرة النبوية (211).
(3)
في ن ب (جماعة). ذكره الذهبي عنه في السيرة النبوية (397).
(4)
الروض الأنف (4/ 272).
(5)
تاريخ الطبري (3/ 197، 198).
وقال أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي (1): في أول يوم منه، وكلاهما ممكن.
وكان ابتداء مرضه الذي مات فيه (وجع الرأس) في بيت عائشة.
وقيل: في بيت ميمونة (2).
وقيل: في بيت زينب.
وقيل: في بيت ريحانة، وذلك يوم الأربعاء [ثاني عشر](3) ثاني من شهر صفر.
وقيل: لليلتين بقيتا، منه.
وقيل: لليلة بقيت منه.
وكان له صلى الله عليه وسلم من العمر يومئذ ثلاث وستون.
وقيل: خمس وستون. وقيل: ستون.
والأول: أكثر وأصح، وقد جاءت الأقوال الثلاثة في الصحيح.
(1) ذكره في وفيات الأعيان دون تعريف به (3/ 74)(4/ 79، 355). توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعمائة، وقد دُعي إلى القضاء مرارًا فامتنع رحمه الله. دول الإِسلام (1/ 242)، والجواهر المضية (2/ 135)، والفوائد البهية (201، 202).
(2)
ذكره ابن حزم في كتابه السابق.
(3)
في الأصل مكررة.
قال العلماء: والجمع بين الروايات أن من روى ثلاثًا وستين لم يعد معهما الكسور، ومن روى خمسًا وستين عند سنّي المولد
والوفاة، ومن قال: ستين لم يعدهما، والمنقول عن الأكثرين أنه عليه السلام (1) توفي حيث اشتد الضحى يوم الاثنين وبه جزم
عبد الغني.
وفي صحيح البخاري (2) أنه توفي في آخر ذلك اليوم.
وصحح الحاكم في الإِكليل أنه توفي حين زاغت الشمس من يوم الاثنين ودفن تلك [الساعة](3) وقال: إنه أثبت الأقاويل.
وقيل: [دفن](4) ليلة الثلاثاء.
وقيل: ليلة الأربعاء وسط الليل، ورجحه جماعة من العلماء، وقيل:
دفن يوم الأربعاء صلى الله عليه وسلم.
(1) في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(2)
الفتح رقم (680). وانظر إلى الجمع بين الروايات (8/ 143).
(3)
في ن ب (الليلة).
(4)
في ن ب ساقطة.