الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
17/ 4/ 2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وكلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء"(1).
العنزة: الحربة [الصغيرة](2).
الكلام عليه من اثني عشر وجهًا.
والتعريف براويه [سبق](3) في الباب وعادتنا أن لا نكرر شيئًا سبق طلبًا للاختصار فاعلم ذلك.
الوجه الأول: معنى [كان يدخل الخلاء] يريد دخوله، وقد تقدم أن الخلاء ممدود، وأنه الخالي المتخذ لقضاء الحاجة، وظاهره
(1) زيادة من متن العمدة.
(2)
في ن ب (سلف).
(3)
رواه البخاري برقم (152)، ومسلم (271)، والنسائي (271)، وابن حبان (1439) بلفظ:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من حاجته أجيء أنا وغلام من الأنصار بإدواة من ماء فيستنجي به"، وابن خزيمة (87) رواية البخاري بأرقام (150، 151، 152، 217، 500).
هنا البراح من الأرض دون البنيان لقرينة حمل العنزة، فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث يخشى المرور بين يديه؛ ولأنه لو كان المراد البنيان لكان الذي يناسب ذلك خدمة أهله من نسائه ونحوهن (1) دون الرجال.
الثاني: قوله: "وغلام نحوي" أي مقارب ليس في السن والحرية، لا أنه مثله من كل وجه، وفي البخاري "وغلام منا" -أي من الأنصار (2) - وكذا أخرجه الإسماعيلي في صحيحه وفيه "معنا عنزة أو عصا أو عكازة"(3).
وقوله: "أحمل أنا وغلام نحوي" يحتمل أن يكون أحدهما يحمل العنزة، والآخر يحمل الإِدواة، ويحتمل أن يكون ذلك باعتبار
حالين، والله أعلم.
الثالث: "الغلام" هو الذي طرّ شاربه.
وقيل: هو من حين يولد إلى أن يشب.
والجمع: أغلمة وغلمة وغلمان.
والأنثى: غلامة.
وفي المخصص (4): هو غلام من لدن فطامه إلى سبع سنين.
(1) في ن ب زيادة (من).
(2)
وهي رواية ابن حبان (1439).
(3)
ابن خزيمة (86).
(4)
(1/ 33).
وعن أبي عبيد (1): هو المترعرع المتحرك. وفي الجامع (2) عن الخليل: الغلومة والغلامية والغلام هو الذي طرَّ شَارِبُهُ. وفي الصحاح: استغنوا بغلمة عن أغلمة، وتصغير الغلمة اغيلمة على غير مكبرة، كأنهم صغروا أغْلِمَة وإن كانوا لم يقولوه. وزعم الزمخشري في أساس البلاغة [أن الغلام](3) هو الصغير إلى حد الالتحاء، فإن أجري عليه بعدما صار ملتحيًا اسم الغلام فهو مجاز. ويروى عن علي بن أبي طالب في بعض أراجيزه:"أنا الغلام الهاشمي المكي" وقالت [الأخيلية](4) في الحَجّاج: "غلام إذا هز القناة رماها"(5).
قال: وقال بعضهم: يستحق هذا الاسم إذا ترعرع وبلغ الاحتلام؛ لشهوة النكاح، كأنه يشتهي النكاح في ذلك الوقت،
(1) ذكره في المخصص عنه (1/ 34).
(2)
هو لأبي عبد الله محمد بن جعفر التميمي القيرواني المعروت بالقزاز، عمّر تسعين عامًا، ومات بالقيروان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. بغية الرعاة (1/ 71)، ومرآة الجنان (3/ 27)، وسير أعلام النبلاء (17/ 326)، ومعجم الأدباء (18/ 107).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
في ن ب ج (الأخليلة). وهى ليلى بنت عبد الله، الأخيلية، الشاعرة المشهورة، توفيت في عشر الثمانين للهجرة. انظر: الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 448)، وفوات الوفيات (3/ 226).
(5)
وصدر البيت كما في وفات الوفيات (3/ 227): شفاها من الداء العضال الذي بها. وفيه بدل: "رماها""سقاها".
ويسمى الغلام قبل ذلك تفاؤلًا، وبعده مجازًا.
وقال صاحب الموعب (1): لا يقال [للأنثى](2) غلامة إلَّا في كلام قد ذهب في ألسنة الناس.
وقال صاحب الجمهرة (3): غلام رعرع ورعراع، ولا يكون ذلك إلَّا مع حسن الشباب.
ونقل الفاكهي عن أهل اللغة: أن الغلام من فطم إلى سبع سنين.
قال أبو جعفر أحمد بن محمد النحوي (4) في "خلق الإنسان"(5) له [حكى باب](6) ما دام الولد في بطن أمه فهو جنين، فإذا ولد [سمي](7) صبيًا ما دام رضيعًا، فإذا فطم سمي غلامًا إلى
(1) تأليف أبي غالب تمام بن غالب القرطبي المعروف بابن التياني المتوفى سنة (436) الصلة (1/ 120).
(2)
في ن ب (لأنثى).
(3)
تأليف أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي البصري المتوفى سنة (321). سير أعلام النبلاء (15/ 96).
(4)
هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري المعروف بابن النحاس المتوفى سنة (338)، له مؤلفات منها: الناسخ والمنسوخ، الاشتقاق، اشتقاق أسماء الله وغيرها. انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 401).
(5)
نسبه إليه خليفة في كشف الظنون.
(6)
في ن ب (حكايات).
(7)
في ن ج ساقطة.
سبع سنين، ثم يصير يافعًا إلى عشر، ثم حزوَّرًا إلى [خمس](1) عشرة، ثم قهدًا إلى خمس وعشرين، ثم غُطِيًّا إلى ثلاثين، ثم صُمُلٌّ إلى أربعين، ثم كهلًا إلى خمسين، ثم شيخًا إلى ثمانين، ثم يصير بعد ذلك [وَهِمٌّ](2). فانيًا كبيرًا.
الرابع: "الإِداوة" بكسر الهمزة: إناء صغير من جلد يتخذ الماء كالسطيحة ونحوها والجمع إداوى.
قال الجوهري (3): الإِداوة: المطهرة، والجمع: الأداوى مثل المطايا، قال: وكأن قياسه أداوى مثل رسالة ورسائل فتجتبوه وفعلوا به ما فعلوا بالمطايا والخطايا فجعلوا فعايل [فعالى](4) وأبدلوا هنا الواو لتدل على أنه [قد](5) كانت في الواحدة واوًا ظاهرة، فقالوا: أداوى، فهذه الواو بدل من الألف الزائدة في إداوة، والألف التي في آخر الإداوى بدل من الواو التي في إداوة، وألزموا الواو [هنا](6) كما ألزموا الياء في [مطايا](7).
الخامس: العَنَزَة: بفتح العين والنون والزاي.
(1) في ن ب (خمسة).
(2)
في الأصل (هما)، والتصحيح من المنتخب من غريب كلام العرب (1/ 146)، مع اختلاف وزيادة فيه.
(3)
مختار الصحاح (12).
(4)
في ن ب ج (فعالاً).
(5)
زيادة من ن ب ج.
(6)
زيادة من ن ب ج.
(7)
في ن ب ج (المطايا).
قال المصنف: إنها الحرية، وفي شرح الشيخ تقي (1) الدين شيئًا: إنها الحربة القصيرة، وقال في باب الأذان في حديث ركزت له عنزة، قيل: إنها عصا في طرفيها زُجُّ، وقيل: الحربة [القصيرة](2) وصحح النووي في شرح مسلم (3) الأول [فقال](4): هي عصا طويلة في أسفلها زُجُّ، قال: ويقال: رمح قصير.
وعكس القاضي (5) فقال: هي رمح قصير، وقيل: عصا في طرفها زج (6).
وفى [المغازي](7) قال الزبير بن العوام: رأيت [عُبيدة بن](8) سعيد بن العاصي وفي يدي عنزة فأَطعنُ بها في
(1) إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 253).
(2)
في ن ب (الصغيرة)، والصحيح ما أثبت.
(3)
(3/ 163).
(4)
في ن ب (وقال).
(5)
مشارق الأنوار (2/ 92).
(6)
في ج ب زيادة: (وقال القرطبي في مفهمه، باب: من قدم من سفر فلا يعجل بالدخول إلى أهله: العنزة: عصا مثل نصف الرمح أو أكبر وفيها زج، قاله أبو عبيد، قال الثعالبي: فإن طالت شيئًا فهي البنزك ومطردًا، فإذا أراد طولها وفيها شأن عريض فهي آلة وحربة).
(7)
في الأصل (المعافري)، وما ائبت من ن ب ج. أما في البخاري (3998) فهر عُبيدة بن سعيد بن العاصي. وفي السيرة النبوية لابن إسحاق بحاشية الروض الأنف (3/ 102).
(8)
زيادة من المغازي وهذه الزيادة توافق البخاري والسيرة لابن إسحاق كما سيأتي في التعليق الآتي.
عينه (1) حتى أخرجتها متعقفة عليها حدقته، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت تُحمل بن يديه وبعده بن يدي أبي بكر وعمر.
وقال الخوارزمي (2) في "مفاتيح العلوم": [هي](3) الحربة وتسمى العنزة، وكان النجاشي أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم فكانت تقام بين يديه إذا خرج إلى المصلى وتوارثها من بعد الخلفاء.
وفي الطبقات (4): أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات فأمسك واحدة لنفسه، وأعطى عليًّا واحدة، وأعطى عمر واحدة.
السادس: إنما كان صلى الله عليه وسلم يستصحب هذه العنزة معه؛ لأنه كان إذا توضأ صلَّى فيحتاج إلى نصبها بين يديه لتكون حائلًا يصلي إليه، وقد ورد في حديث أنه عليه السلام كانت توضع له فيصلي إليها، وهذا إنما يناسب البراح من الأرض دون البنيان كما أسلفناه في الوجه الأول.
قيل: ويحتمل أن يكون فعلها ليتقي بها من يكيده من المنافقين
(1) في المغازي (1/ 85، 86)، زيادة "ووقع، وأطأ برجلي على خدّه حتى أخرجتُ العنزة من حدقته -قال في هامش المغازي- هكذا في الأصل. وي ب، ت "منعقفة"، وفي ح "متعقفة"- وأخرجت حدقته. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العنزة" إلخ. وهو يوافق ما ذكره المصنف.
(2)
في مفاتيح العلوم (140)، والخوارزمي: هو محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمي المتوفى سنة (387) أو (380).
(3)
في الأصل ون ب (هذه)، والتصحيح من ن ج.
(4)
لابن سعد (3/ 235).
واليهود فإنهم كانوا يرومون قتله واغتياله بكل حيلة، ومن أجل هذا الحديث اتخذ الأمراء المشي أمامهم بالحربة، وذكر بعض شراح المصابيح أن للعنزة فوائد:
الأولى: دفع العدو واتقاء السبع.
الثانية: نبش الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خشية الرشراش.
الثالثة: تعليق الأمتعة بها.
الرابعة: [السترة](1) بها في الصلاة.
الخامسة: التوكؤ عليها، وفيها مآرب أخرى.
فإن قلت: هل كان عليه السلام يستتر بها حال قضاء الحاجة؟.
قلت: لم أره منقولًا ويبعد؛ لأن ضابط السترة ما يستر الأسافل كما صرح به النووي في شرح مسلم (2) نقلًا عن الأصحاب، وقد أسلفته أيضًا في الحديث قبله (3) لكن من تراجم البخاري (4) على هذا الحديث "باب: حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء" فتأملها.
(1) في ن ب (الستر).
(2)
(3/ 155).
(3)
انظر: (ص 472). من هذا الجزء.
(4)
الفتح (1/ 252).
السابع: في الحديث خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك (1)، وتفقد حاجاتهم خصوصًا المتعلقة بالطهارة، [ومن](2)
تراجم البخاري (3) على هذا الحديث "باب من حمل معه الماء لطهوره".
الثامن: فيه أيضًا استخدام الرجل الفاضل بعض أتباعه الأحرار خصوصًا إذا أُرصدوا لذلك، والاستعانة في مثل هذا.
قال الروياني (4) من أصحابنا: ويجوز أن يُعير ولده الصغير ليخدم من يتعلم منه، ويؤيده قصة أنس التي أسلفناها في ترجمته.
وقال صاحب العدة (5): للأب أن يعير ولده الصغير لمن يخدمه؛ لأن ذلك هبة لمنافعه فأشبه إعارة ماله.
(1) معناه التشرف بخدمة العلماء وأهل الفضل في حياتهم، ليس التبرك البدعي.
(2)
في ن ب (من).
(3)
البخاري مع الفتح (1/ 251).
(4)
هو عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد بن أحمد فخر الإِسلام أبو المحاسن الروياني الطبري صاحب البحر. واستشهد بجامع آمل عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإِملاء. ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة وتوفي يوم الجمعة حادي عشر المحرم سنة اثنتين، وقيل سنة إحدى وخمسمائة قتلته الباطنية لعنهم الله تعالى. وفيات الأعيان (2/ 369)، ومرآة الزمان (8/ 29)، والعبر (4/ 4)، وشذرات الذهب (4/ 4).
(5)
ترجمته في (ص 473).
[قال](1) النووي في الروضة: وهذا محمول على خدمة تقابل بأجرة، أما ما كان محتقرًا لا يقابل بأجرة فالظاهر والذي تقتضيه أفعال السلف أن لا منع منه إذا لم يضر بالصبي.
وقال غيره من المتأخرين: ينبغي تقييد المنع بما إذا انتفت المصلحة، أما إذا وجدت كما لو قال لولده الصغير: اخدم هذا الرجل في كذا، ليتمرن على التواضع ومكارم الأخلاق، فلا [منع](2) منه، وهذا حسن متجه.
التاسع: فيه أيضًا التباعد لقضاء الحاجة عن الناس لقرينة حمل العنزة والإِداوة، وقد صح الإِبعاد من فعله صلى الله عليه وسلم.
العاشر: فيه أيضًا جواز الاستنجاء بالماء وقد ترجم عليه البخاري بذلك، فقال: باب الاستنجاء بالماء ولفظه فيه: "كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني فيستنجي به".
وزعم الأصيلي: أن الاستنجاء بالماء ليس بالبين في هذا الحديث، لأن قوله (فيستنجي به) ليس من قول أنس إنما هو من قول [أبي](3) الوليد شيخ البخاري (4) وقد رواه سليمان بن حرب (5) عن
(1) في ن ب (قاله).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ج ساقطة.
(4)
البخارى برقم (150) الفتح.
(5)
البخاري برقم (151) الفتح.
شعبة لم يذكر "فيستنجي به"(1) يعني رواية البخاري الثانية تحتمل أن يكون الماء لطهوره أو لوضوئه.
وقال ابن التين مثله (2)، زاد: وقال أبو عبد الملك [البوني](3): هو قول أبي معاذ الراوي عن أنس، قال: وذلك [أنه](4) لم يصح أنه عليه السلام استنجى بالماء، وهذا عجيب من الكل ففي البخاري من حديث أبي معاذ [وهو](5) عطاء بن أبي ميمونة عن أنس كان صلى الله عليه وسلم "يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام إدواة من ماء وعنزة يستنجي بالماء"(6) وفيه باب غسل البول (7)، من حديثه أيضًا: كان عليه السلام: "إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به"، وفي رواية لمسلم (8): "دخل حائطًا وتبعه غلام معه
(1) يرد هذا الاحتمال رواية برقم (217) عند البخاري "إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به". ولمسلم عن أنس "فخرج علينا وقد استنجى بالماء. وقد بان بهذه الروايات أن حكاية الاستنجاء من قول أنس راوي الحديث. اهـ، فتح البارى (1/ 251).
(2)
في التعليق السابق رد عليه حيث أنه زعم أن لفظة "فيستنجي به" مدرجة من قول عطاء عن أنس فيكون مرسلًا، فإن رواية مسلم تدل على أنه من قول أنس.
(3)
زيادة من فتح البارى (1/ 251).
(4)
في ن ج ساقطة.
(5)
في ن ج (عن)، وفي الأصل ساقطة، وما أثبت من ن ب.
(6)
البخاري برقم (152).
(7)
فتح البارى (1/ 321).
(8)
مسلم (1/ 270)، باب الاستنجاء بالماء من التبرز (من كتاب الطهارة)، وقد ضبط لفظ الحديث منه.
ميضأة [هو](1) أصغرنا فوضعها عند رأسه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فخرج علينا وقد استنجى بالماء"، وفيه غير ذلك من الأحاديث الصحيحة.
وقول الإمام أحمد أيضًا: لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث، غريب منه مع جلالته.
وزعم ابن بطال (2) أن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب كرها الاستنجاء بالماء، وكان المهاجرون يستحبون الاستنجاء
بالأحجار والأنصار بالماء (3).
(1) في ن ب (وهو).
(2)
انظر: أثر حذيفة وسعيد في المصنف لابن أبي شيبة (1/ 152، 155)، والاستذكار (2/ 55).
(3)
قال ابن القيم في زاد المعاد: وكان -يعني النبي صلى الله عليه وسلم يستنجي بالماء تارة، ويستجمر بالأحجار تارة، ويجمع بينهما تارة. اهـ. فأما الأولان فثابتان. وأما الجمع بينهما فلم يثبت من فعله وإنما وردت رواية عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)} فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء. قال البزار. لا نعلم أحدًا رواه عن الزهري إلَّا محمد بن عبد العزيز، ولا عنه إلَّا ابنه. ومحمد بن عبد العزيز ضعفه أبو حاتم فقال: ليس له ولأخويه عمران وعبد الله حديث مستقيم. قال النووي في شرح المهذب: المعروف في طرق الحديث أنهم كانوا يستنجوا بالماء وليس فيها أنهم كانوا يجمعون بين الماء والأحجار، ولو ثبت لما احتاج من قال: إن الأفضل الجمع بينهما، إلى الاستدلال بحديث أهل قباء الذي أخرجه البزار مع ضعفه، ولكان دليلًا على الأفضلية لو ثبت، والله أعلم. انظر أيضًا: الاستذكار (2/ 55)، والدر المنثور (4/ 290).
وفي المصنف أيضًا عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن الخطاب (1) وعبد الله بن الزبير، ومجمع بن يزيد، وعروة بن الزبير،
والحسن بن أبي الحسن، وعطاء، شيء من ذلك، والإجماع يقضي على قولهم، وكذا امتنان الله تعالى به في كتابه التطهيرَ به؛ ولأنه أبلغ في إزالة العين.
وأجيب عن قول سعيد بن المسيب وقد سئل عن الاستنجاء بالماء: إنه وضوء النساء، أنه لعل ذلك في مقابلة غلو من أنكر
الاستنجاء بالأحجار، وبالغ في إنكاره [بهذه](2) الصيغة ليمنعه من الغلو، وحمله ابن نافع على أنه في حق النساء، وأما الرجال فيجمعون بية وبين الأحجار، حكاه الباجي (3) عنه.
قال القاضي: والعلة عند سعيد كونه وضوء النساء [معناه](4) أن الاستجاء في حقهن بالحجارة متعذر.
[وشذ ابن](5) حبيب فقال: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء، والسنة قاضية عليه، استعمل صلى الله عليه وسلم الأحجار وأبو هريرة معه ومعه إداوة من ماء، ومقابلة هذا في الشذوذ ما ذهب إليه بعض
(1) قد ورد في الموطأ (1/ 20) أنه كان يتوضأ بالماء لما تحت إزاره، وفي مصنف ابن أبي شيبة (1/ 153). انظر: الاستذكار (2/ 54).
(2)
في ن ب (هذه).
(3)
المنتقى للباجي (1/ 73).
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
في ن ب (فشذ ابن أبي). انظر: المنتقى للباجي (1/ 73)، والمفهم (2/ 615).
السلف من أن الأفضل الحجر، حكاه النووي في شرحه (1)، قال: وربما أوهم كلام بعضهم أن الماه لا يجزئ.
قلت: وبه صرَّح القاضي والقرطبي (2) فقالا: فيه حجة على من كره الاستنجاء بالعذب؛ لأن ماء المدينة عذب، تعلقًا بأنه
مطعوم، وليس بشيء، لأن الماء ليس من قبيل المطعوم.
قلت: ومذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أئمة الفتوى من أهل الأمصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر [فيقدم الحجر](3) أولًا ثم يستعمل الماء، فتخف النجاسة ويقل مباشرتها بيده [ويكون](4) أبلغ في النظافة (5) فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها والحجر يزيل العين دون الأثر، لكنه معفو عنه في حق نفسه وتصح الصلاة معه كسائر النجاسات.
الحادي عشر: الألف واللام في (الماء) تحمل على المعهود وهو المطلق المحدود في كتب الفقه، فلو استنجى [بغيره](6) من المائعات لم يصح، ويتعين بعده الاستنجاء بالماء ولا يجزيه الحجر، وأجرى صاحب البيان من أصحابنا خلافًا في ذلك وهو غلط.
(1) انظر: شرح مسلم (3/ 163).
(2)
المفهم (2/ 615).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
في ن ب (وتكون).
(5)
راجع: ت (3/ 485).
(6)
في ن ج (أنه)، وساقطة من ن ب.
الثاني عشر: استدلَّ بعض العلماء بهذا الحديث على (1) أن المستحب أن يتوضأ من الأواني دون البرك ونحوها، وهو [غير](2) مقبول.
قال القاضي: ولا أصل له [لأنه](3) لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه وجد البرك والمشارع ثم عدل عنها إلى الأواني (4).
(1) في الأصل ون ج زيادة (أنه).
(2)
زيادة من ن ب ج. انظر: شرح مسلم (3/ 163).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
أقول: جاء ما يخالف ذلك بما أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(8/ 203)، والبيهقى في "الجامع" (6/ 80) عن ابن عمر قال: قيل: يا رسول الله الوضوء من جرّ مجمّر أحبّ إليك أم من المطاهر؟ قال: "لا بل من المطاهر، إن دين الله الحنيفية السمحة".
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى المطاهر فيؤتي بالماء فيشربه أو قال: فيشرب يرجو بركة أيدي المسلمين".
والجزء الأخير من الحديث: "إن دين الله
…
" حسن. انظر: صحيح الجامع الصغير (4770) للألباني.
والدين والحمد لله يسر لم يأتي نص في ذلك بل المسلم إذا وجد ماء طاهرًا توضأ وأدى عبادة ربه.