المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الحديث الثالث عشر) - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمة المحقق

- ‌ترجمة موجزة للحافظ عبد الغني صاحب "العمدة

- ‌أولًا- مصادر الترجمة على حسب تواريخ وفيات مؤلفيها:

- ‌ثانيًا- ترجمته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته:

- ‌عصر المقدسي:

- ‌أهم الأحداث التاريخية في عصره:

- ‌حالة المجتمع في عصره:

- ‌الحالة التعليمية:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌ما قيل عنه في حفظه:

- ‌ألقابه وثناء العلماء عليه:

- ‌المحنة التي مرَّ بها الحافظ:

- ‌عقيدته:

- ‌تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ولداه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة المصنف "ابن الملقن

- ‌للاستزادة من الترجمة راجع:

- ‌اسمه:

- ‌لقبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته الذاتية:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌جمعه للكتب:

- ‌مصير هذه المكتبة:

- ‌عقيدته، وصوفيته:

- ‌مناصبه:

- ‌ابتلاؤه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نذكر من مؤلفاته ما يلي:

- ‌ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌أبناؤه:

- ‌وفاته:

- ‌ الكتاب

- ‌عنوان الكتاب:

- ‌ترجيح العنوان:

- ‌وصف النسخ:

- ‌أهمية الكتاب

- ‌بيان عملي في الكتاب:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث والرابع والخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والتاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌(الحديث الثالث عشر)

- ‌2 - باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌3 - باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌4 - باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌5 - باب في المذي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌(الحديث الثالث عشر)

(الحديث الثالث عشر)

(1)

13/ 13/ 1 - عن نعيم المجمر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل"(2).

وفي لفظ: "رأيت أبا هريرة توضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين

(1) هكذا في المخطوطة وفي الأحكام (10) متن العمدة (11).

(2)

رواه البخاري (1/ 207) في الوضوء باب فضل الوضوء، والغر المحجلين من آثار الوضوء. ومسلم برقم (246) في الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء برقم (250)، والنسائي أيضًا (1/ 94، 95) باب حلية الوضوء. وجملة "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" مدرجة من كلام أبي هريرة رضي الله عنه، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 236): المدرج على أقسام: أحدها مدرج في حديثه صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يذكر الراوي عقيبة كلامًا لنفسه أو لغيره، فيرويه من بعده متصلًا بالحديث من غير فصل، فيتوهم أنه من الحديث كما حصل هنا.

ص: 400

من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" (1).

وفي لفظ لمسلم: سمعت خليلي (2) صلى الله عليه وسلم يقول (3): "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء"(4).

الكلام عليه من تسعة عشر وجهًا:

أحدها: نعيم هذا هو ابن عبد الله، وقيل ابن محمد، أبو (5) عبد الله المدني القرشي العدوي، مولى عمر، تابعي ثقة، سمع ابن عمر وأنسًا، وجالس أبا هريرة عشرين سنة، وعنه: مالك والناس (6)، كان يجمر المسجد، قال له عمر يحسن تجمير المسجد [أي تبخيره، قال: نعم](7) فكان يجمر المسجد فعرف به، وقيل: إن أباه كان يأخذ المجمر قدام عمر بن الخطاب إذا خرج إلى الصلاة في رمضان، وبه جزم ابن حبان، فالمُجمِّر: بضم الميم وإسكان الجيم وكسر الميم الثانية، ويقال: المُجَمِّر بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية، على هذا القول صفة لعبد الله أبي نعيم لا لنعيم، وبه جزم النووي في شرح مسلم (8)، وعزى إلى صاحب

(1) رواه مسلم برقم (246).

(2)

في ن ب (رسول الله).

(3)

في ن ب (قال).

(4)

رواه مسلم برقم (250).

(5)

في ن ب (ابن أبو عبد الله).

(6)

لعله: بن أنس.

(7)

زيادة من ن ب ج.

(8)

(3/ 134).

ص: 401

المطالع والأكثرين، قالوا: وأُطلق على [ابنه](1) نعيم مجازًا، ويقال: إن عمر جعل نعيمًا على أجمار المسجد فسمي المجمر،

ذكره عبد الغني في ترجمة كيسان، والله أعلم. وجزم الشيخ تقي الدين بأن الوصف لنعيم (2).

"فائدة": مجمر تشتبه بمخمر بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية، وهم جماعة سردهم الأمير، منهم:[ذو](3) مخمر ابن أخي النجاشي، له صحبة، ويقال: مخبر بالباء الموحدة بدل الميم (4).

ثانيها: أبو هريرة، تقدم التعريف [به](5) في الباب في الحديث الثاني.

ثالثها: (أمة) جاءت على ثمانية أوجه ذكرها العزيزي رحمه الله:

أمه: جماعة، كقوله تعالى:{أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} (6).

(1) في ن ب (أبيه).

(2)

قال ابن حجر رحمنا الله وإياه في الفتح (1/ 235): هو وصف لهما، وقول من زعم أنه وصف لعبد الله حقيقة ووصف لأنه مجازًا. فيه نظر، فقد جزم إبراهيم الحربي بأن نعيمًا كان يباشر ذلك. اهـ.

(3)

في ن ب (ذوا).

(4)

المشتبه للذهبي (572).

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

سورة القصص: آية 23.

ص: 402

وأمة: أتباع الأنبياء عليهم السلام؛ كما نقول: نحن أمة محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام.

وأمة: رجل جامع للخير يقتدى به، كقوله تعالى: [{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (1).

وأمة: دين وملة، كقوله تعالى] (2):{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} (3).

وأمة: حين وزمان كقوله تعالى: {إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} (4)، وقوله تعالى (5):{وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} (6) أي بعد حين، ومن قرأ (بعد أمةٍ) بفتح الهمزة وتخفيف الميم فسيان.

وأمة: قامة (7)، يقال: فلان حسن الأمة، أي القامة.

وأمة: رجل منفرد بدين لا يشركه فيه أحد، قال صلى الله عليه وسلم:"يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده"(8).

(1) سورة النحل: آية 120.

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

سورة الزخرف: آية 22.

(4)

سورة هود: آية 8.

(5)

في ن ب (وكقوله تعالى).

(6)

سورة يوسف: آية 45.

(7)

في ن ب (قائمة).

(8)

أخرجه أحمد (1/ 189، 190)، والحاكم (3/ 439، 440)، والطبراني (350)، وذكره الهيثمي في المجمع (9/ 417)، ونسبه إلى الطبراني والبزار باختصار، وفي المسعودي وقد اختلط وبقية رجاله ثقات، كذا =

ص: 403

وأمة: أمّ، يقال: أمّة زيد.

والمراد بالأمة إذا قلنا: أمة محمد صلى الله عليه وسلم: المؤمنون خاصة، هذا هو الحق، وقد يطلق على غيرهم بعلاقة كونه مرسلًا إلى الناس (1) أجمعين (2).

رابعها: قوله: "يوم القيامة" يوم: من الأسماء الشاذة لوقوع الفاء والعين فيه حرفي علة فهو من باب ويل وويح، والقيامة: فعالة

من قام يقوم، أصله القوامة فقلبت الواو فيه ياء لانكسار ما قبلها.

خامسها: قوله: "غرًا محجلين"[أهما](3) منصوبان على الحال من الضمير في يدعون وهو الواو.

والأصل يدعوون بواوين تحركت الأولى وانفتحَ ما قبلها قلبت ألفًا، اجتمع ساكنان الألف والواو بعدها فحذفت الألف لالتقاء الساكنين فصار يُدعون، ومعناه -والله أعلم-: يُدعون إلى موقف الحساب أو إلى الميزان أو إلى غير ذلك.

= قال. وكذا أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 316، 317)، وصححه ووافقه الذهبي، وهو في المطالب العالية برقم (4057).

(1)

المراد بالأمة هنا أمة الإِجابة وهم المسلمون؛ لأنها قد تطلق ويراد بها أمة الدعوة وليت مرادة هنا.

(2)

وقد تأتي أمة: يعني أمره صلى الله عليه وسلم الكفار منهم خاصة. قال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ} يعني الكفار خاصة. كشف السرائر لابن العماد (من 88). انظر: نزهة الأعين لابن الجوزي (142)، والأشباه والنظائر للثعالبي (71).

(3)

في ن ج ساقطة.

ص: 404

وقال الشيخ تقي الدين: [يحتمل](1) أيضًا أن يكون مفعولًا ليُدعون بمعنى التسمية، أي يُسمّوُن غرًّا، قال؛ والأقرب أن تكون حالًا وتعدَّى يدعون في المعنى بالحرف كما قال تعالى:{يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ} (2)، ويجوز أن لا [يعدى](3) يدعون بالحرفية ويكون غُرًّا حالًا أيضًا، واقتصر الفاكهي على إعرابه حالًا [من](4) الضمير في يدعون، ثم قال: وقد خلّط بعض الناس في إعراب هذا الموضع وليس من شأنه.

سادسها: الغرة: بياض في [جبهة](5) الفرس.

والتحجيل: بياض في يديها ورجليها فسمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة: غرة وتحجيلًا، تشبيهًا بذلك.

قال ابن سيده: الغرة بياض في [الجبهة](6)، فرس أغر وغرا.

وقيل: الأغر في الخيل: الذي غرته أكبر من الدرهم قد وسطت جبهته ولم تصب واحدة من العينين ولم تمل على واحدة من

(1) في ن ب ساقطه، إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 217).

(2)

سورة آل عمران: آيه 23.

(3)

في ن ب (يتعدى).

(4)

في ن ب (في).

(5)

في ن ب (جهة).

(6)

في ن ب (الجهة)، وما أثبت من الأصل والمخصص لابن سيده (6/ 154).

ص: 405

الخدين ولم تسل سفلى، [وهي](1) أفشى من القُرْحة (2).

وقال بعضهم: بل يقال للاغر: أغر أقرح؛ لأنك إذا قلت أغر فلا بد [من](3) أن تصف الغرة بالطول والعرض والصغر والعظم والدقة، وكلهن غرر، فالغرة جامعة لهن، [وغرة] (4) الفرس: البياض يكون في وجهه، فإن كانت مدور فهي [وتيرة](5)، وإن كانت طويلة فهي شارخة وعندي أن الغرة نفس القَدر الذي يشغله البياض، والأغر: الأبيض من كل شيء، وقد غَرَّ وجهه يَغَرُّ بالفتح غَرَرا وغُرّة وغِرَارةَ: صار ذا غُرّة. قال:

والتحجيل: بياض يكون في قوائم الفرس كلها.

وقيل: هو أن يكون البياض في ثلاث قوائم منهم دون الأخرى، في رجل ويدين، فلا يكون التحجيل في اليدين خاصة إلَّا مع الرجلين ولا في يد واحدة دون الأخرى إلَّا مع الرجلين.

والتحجيل: بياض قل أو كثر حتى يبلغ نصف الوطيف ولون سائره ما كان، وفي الصحاح (6): يجاوز الأرساخ ولا يجاوز الركبتين ولا العرقوبين، وفي المغيث (7) لأبي موسى:

(1) في ن ب (وهو).

(2)

القرحة: قدر الدرهم فما دونه. لسان العرب (10/ 43).

(3)

زيادة من ن ب ج، وهي في اللسان (10/ 43).

(4)

في ن ب (وغراه).

(5)

في ن ب (وشيرة)، والصحيح ما أثبت كما في اللسان (10/ 43).

(6)

مختار الصحاح (60).

(7)

المجموع المغيث (1/ 450).

ص: 406

فإذا كان البياض في طرف اليد فهو العصمة، يقال: فرس أعصم.

[السابع](1): المراد بالغرة: غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدًا على الجزء الذي يجب غسله لاستيعاب كمال

الوجه، وفي التحجيل غسل ما فوق المرفقين والكعبين.

وادَّعى ابن بطَّال ثم القاضي عياض اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب وهي دعوى باطلة، فقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة، وعمل العلماء وفتواهم عليه، فهما محجوبان بالإجماع واحتجاجهما بقوله عليه السلام:"من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم"(2) غير صحيح؛ لأن المراد به الزيادة في عدد [المرات](3) أو النقص عن الواجب أو الثواب المرتب على [بعض](4) العدد لا الزيادة

(1) في الأصل (سابعها).

(2)

أبو داود رقم (135) الدعاس، والنسائي برقم (140) ولفظه: فقد أساء وتعدَّى وظلم، ومسند أحمد الفتح الرباني (2/ 50)، وابن ماجه برقم (1/ 146)، قال ابن حجر: من طريق صحيحة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وانظر: البدر المنير (3/ 334).

تنبيه: قال ابن حجر في التلخيص وما قبله (1/ 83): يجوز أن تكون الإِساءة والظلم وغيرهما مما ذكر مجموعًا لمن نقص، ولمن زاد، ويجوز أن يكون على التوزيع، فالإِساءة: في القص، والظلم في الزيادة، وهذا أشبه بالقواعد، والأول أشبه بظاهر السياق، والله أعلم، وقد استوفى ابن الملقن رحمنا الله وإياه تفسيرها في البدر المنير (3/ 337).

(3)

في الأصل (المراتب)، والتصحيح من ن ب ج.

(4)

في ن ج (نقص).

ص: 407

على تطويل الغرة والتحجيل.

وأما حد الزائد فغايته: استيعاب العضد والساق.

[وقال جماعة من أصحابنا: يستحب إلى نصف العضد والساق](1).

وقال البغوي: نصف العضد فما فوق، ونصف الساق فما فوقه.

وجمعها النووي في شرح مسلم [فقال](2): اختلف أصحابنا في القدر المستحب على ثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت.

وثانيها: إلى نصف العضد والساق.

وثالثها: يستحب إلى المنكب والركبتين، قالا: والأحاديث تقتضي ذلك كله.

وقال الشيخ (3) تقي الدين: ليس في الحديث تقييد ولا تحديد لمقدار ما يغسل من العضدين والساقين، وقد استعمل أبو هريرة الحديث على إطلاقه، وظاهره في طلب إطالة الغرة،

(1) زيادة من ن ب ج.

(2)

في الأصل (فقد)، والتصحيح من ن ب ج. انظر: النووي مع مسلم (3/ 134)، والمجموع (1/ 339، 440).

(3)

إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 220).

ص: 408

[فغسل](1) إلى قريب من المنكبين ولم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر استعماله في الصحابة والتابعين، [فلذلك](2) لم يقل به الفقهاء ورأيت بعض الناس قد ذكر أن حد ذلك نصف العضد ونصف الساق، هذا آخر كلامه.

وقوله: (لم يقل به الفقهاء) عجيب مع ما قدمناه عنهم.

ومن أوهام ابن بطال (3) والقاضي أيضًا إنكارهما على أبي هريرة بلوغه الماء إبطيه وأن أحدًا لم يتابعه عليه، فقد قال [به](4) القاضي حسين وآخرون من أصحابنا (5) أيضًا، وفي (مصنف ابن أبي شيبة) حدثنا وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر:"أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف"(6)، ثم روى عن

(1) في ن ب (فيغسل).

(2)

في ن ب (ولذلك).

(3)

في شرح البخاري لابن بطال (1/ ق 48 أ) قال: وهذا شيء لم يتابع عليه أبو هريرة، والمسلمون مجمعون على أنه لا يتعدى بالوضوء ما حد لله ورسوله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبدر الناس إلى الفضائل وأرغبهم فيها، لم يتجاوز فقط موضع الوضوء فيما بلغنا. ويحتج على أبي هريرة بقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وبحديث: "فمن زاد على هذا فقد تعدَّى وظلم". اهـ، من البدر المنير (3/ 422).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

وقال النووي: وأحاديث الباب تقتضي هذا كله أي الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير تقدير وإلى نصف العضد والساق وإلى العضد والمنكبين.

(6)

مصنف ابن أبي شيبة (1/ 55).

ص: 409

وكيع أيضًا عن عقبة بن أبي صالح عن إبراهيم أنه كرهه (1).

قلت: وهذا مردود بما سلف، وما أبعد مَنْ أوّل الاستطاعة [في](2) الحديث على إطالة الغرة والتحجيل بالمواظبة على الوضوء

لكل صلاة وإدامته فتطول غرته بتقوية نور أعضائه (3).

الثامن: قوله: "من آثار الوضوء". هو بضم الواو [وهذا](4) هو المعروف، ويجوز أن يقال بفتحها (5)، ويكون المراد آثار الماء المستعمل في الوضوء، فإن الغرة والتحجيل نشأ عن الفعل بالماء فيجوز أن ينسب إلى كل منهما.

التاسع: قوله: "فمن استطاع إلى آخره" اقتصر فيه على ذكر الغرة دون التحجيل، وإن ذكر معها في رواية أخرى في الصحيحين (6) [للعلم] (7) به وكأنه من باب قوله تعالى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} (8). ولم يذكر البرد للعلم به.

(1) مصنف ابن أبي شيبة (1/ 55).

(2)

في ن ب (على).

(3)

اعترض عليهم بأن الراوي أدرى بمعنى ما روى، كيف وقد صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فتح الباري (1/ 237).

(4)

(وهذا) زيادة من ب.

(5)

انظر: القبس (138).

(6)

قد جاء مصرحًا به في رواية لمسلم بلفظ: "فليطل غرته وتحجيله". فقد ذكر التحجيل.

(7)

في الأصل (العلم)، وما أثبت من ن ب.

(8)

سورة النحل: آية 81.

ص: 410

وقال الشيخ تقي لدين (1): كأن ذلك من باب التغليب بالذكر لأحد السببين على الآخر وإن كانا سبيل واحد للترغيب فيه، وقد استعمل الفقهاء ذلك أيضًا، فقالوا: يستحب تطويل الغرة، ومرادهم الغرة والتحجيل، وفي هذا نظر كما قال الفاكهي؛ لأن القاعدة في التغليب أن يغلب المذكر على المؤنث لا العكس والأمر هنا بالعكس؛ [لتأنيث](2) الغرة وتذكير التحجيل، وأيضًا [فمثل](3) هذا لا يسمى تغليبًا إذ لم يؤت فيه إلَّا بأحد الاسمين، والتغليب اجتماع الاسمين أو الأسماء وتغليب أحدهما على الآخر، نحو [العُمرين](4) والأبوين وشبههما.

ويجاب أيضًا بأنها خُصت بالذكر؛ لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء، ولأنه أول ما يقع عليه البصر يوم القيامة.

العاشرة: ادَّعى بعضهم أن قوله: "فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل" من قول أبي هريرة أدرجه آخر الحديث، ذكره في رواية البخاري عن نعيم قال:"رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". وفي هذه

(1) إحكام الأحكام (1/ 219).

(2)

في ن ب (أما تأنيث).

(3)

في الأصل (فمن)، وما أثبت من ن ب.

(4)

في ن ب (القمرين).

ص: 411

الدعوى عندي بُعد. فليتأمل (1).

(فائدة): قال ابن منده في مستخرجه حديث: "أمتي الغر [المحجلين] (2) من آثار الوضوء". رواه [مع](3) أبي هريرة من الصحابة ابن مسعود (4) وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو أمامة الباهلي وأبو ذر الغفاري وعبد الله بن بسر المازني (5) وحذيفة بن اليمان [رضي الله عنهم](6).

الحادي عشر: المنكب: مجمع عظم العضد والكتف، قاله الجوهري (7).

وقال غيره: هو مجمع رأس العضد والكتف وطرف الترقوة، والساقان تثنية ساق وهي مؤنثة غير مهموزة وفيها لغة قليلة بالهمز وقد قرئ بهما (8) في السبع في قوله تعالى:{وكشفت عن ساقيها} (9) وغيره.

(1) انظر تعليق ت (2) ص (400).

(2)

في ن ب (المحجلون).

(3)

في الأصل (عن)، وما أثبت من ب ب.

(4)

ابن حبان (2/ 274)، وابن ماجه (1/ 204)، وحسن إسناده في مجمع الزوائد (1/ 42). انظر: ت (3) من (414).

(5)

سيأتي تخريجه في: ت (5) من (414).

(6)

زيادة من ن ب ج.

(7)

إسماعيل بن حماد الإمام أبو نصر الفارابي صاحب الصحاح. مات سنة 393، بغية الوعاة (1/ 446).

(8)

في ن ب (بها).

(9)

سورة النمل: آية 44.

ص: 412

الثاني عشر: استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة زادها الله شرفًا، وبه [جزم] (1) الحليمي في (منهاجه) وفي الصحيح أيضًا:"لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون [عليَّ] (2) غرًا محجلين من أثر الوضوء"(3)، وقال آخرون: ليس الوضوء مختصًا بها (4) وإنما الذي اختصت به الغرة والتحجيل، قال ابن العطار: في شرحه في باب التيمم في الكلام على حديث جابر: وهو المشهور من قول العلماء، واحتجوا بالحديث الآخر. "هذ وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي" وأجاب [الأولون] (5) عن هذا بوجهين:

أحدهما: أنه حديث ضعيف (6).

والثاني: أنه لو صح لاحتمل اختصاص الأنبياء دون أممهم بخلاف هذه الأمة، وفي هذا شرف عظيم لهذه الأمة حيث استووا مع

(1) في ن ب (قال).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

مسلم، نووي (3/ 135)، وتقريب الإِحسان لابن حبان برقم (1045).

(4)

وليس من خصائص هذه الأمة الوضوء لحديث: قصة سارة -وهو في البخاري- مع الملك الذي أعطاها هاجر: أن سارة لما هم بها الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي. وفي قصة جريج الراهب أيضًا أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلمه الغلام. فالظاهر الذي اختمت به الأمة هو الغرة والتحجيل لا أصل الوضوء. اهـ، فتح الباري (1/ 236).

(5)

في ن ب (الأولين).

(6)

انظر تخريجه: في البدر المنير (3/ 316، 329).

ص: 413

الأنبياء في هذه الخصوصية وامتازت بالغرة والتحجيل.

ونقل الزناتي المالكي شارح الرسالة عن العلماء: أن الغرة والتحجيل حكم ثابت لهذه الأمة، من توضأ منهم ومن لم يتوضأ (1)، كما قالوا: لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة، إن أهل القبلة كل من آمن به من أمته سواء صلى أو لم يصل، وهذا نقل غريب، وظاهر الأحاديث تقتضي خصوصية ذلك بمن توضأ منهم، وفي صحيح ابن حبان:"يا رسول الله: كيف تعرف من لم تر (2) من أمتك، قال: غرٌ محجلون بلق من آثار الوضوء"(3).

[الثالث عشر](4): في جامع الترمذي مصححًا: "أمتي يوم القيامة غر من السجود محجلون من الوضوء"(5)، ولا تضاد بينه وبين

(1) سئل شيخ الإِسلام رحمه الله تعالى عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تأتون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء" وهذه صفة المصلين، فبم يعرف غيرهم من التاركين والصبيان فأجاب: الحمد لله رب العالمين، هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجلًا، وهم الذين يتوضؤون للصلاة، وأما الأطفال فهم تبع للرجال، وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة. اهـ، من الفتاوى (21/ 171).

وظاهر الحديث يدل على أن من لم يتوضأ لا يكون أغر ولا محجلًا لأن لفظه "غرًا محجلين من آثار الوضوء".

(2)

في الأصل زيادة (هن)، والتصحيح من تقريب ابن حبان الإِحسان.

(3)

تقريب الإِحسان في ترتيب صحيح ابن حبان (2/ 274)، وسبق تخريجه.

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

الترمذي برقم (607) عن عبد الله بن بسر، وأحمد في المسند (4/ 189).

ص: 414

ما نحن فيه فنوّرت وجوههم بسببين وأرجلهم بسبب واحد.

[الرابع عشر](1): قال صاحب المعلم (2): قد استوفى صلى الله عليه وسلم بذكر الغرة والتحجيل جميع أعضاء الوضوء، فإن الغرة: بياض في الوجه، والتحجيل: بياض في اليدين والرجلين أي والرأس داخلة في مسمّى [الغرة](3).

[الخامس عشر](4): المراد بالحلية في هذا: حلية أهل الجنة، وقد روى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة مرفوعًا:"تبلغ حلية أهل الجنة مَبلغ الوضوء"(5)، [فقوله] (6): تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء، يحتمل أن يكون المراد به ما في هذا الحديث فيُحلى في الجنة في مواضع الوضوء تحلية تبلغ حيث بلغ الماء فيها، تقول منه: حليته احليه تحلية إذا ألبسته الحلية.

السادس عشر (7): أصل الخليل: الصديق، فعيل بمعنى مفعول، وهو المحبوب الذي تخللت محبته القب فصارت خلاله أي في باطنه، والمخاللة مفاعلة وهي لا تكون إلَّا من اثنين غالبًا، وقد اختلف الناس في الخليل فقيل: إنه الصاحب، وقيل: إنه الخالص

(1) في ن ب (الثالث عشر).

(2)

انظر: المعلم بفوائد مسلم (1/ 351).

(3)

في ن ب (الرأس).

(4)

في ن ب (الرابع عشر).

(5)

تقريب الإِحسان برقم (1045).

(6)

في ن ب (قوله).

(7)

في ن ب (الخامس عشر).

ص: 415

في [الصحبة](1) وهو أخص من الصاحب، واختلفوا أيضًا: هل الخلة أرفع درجة من المحبة (2)، أو عكسه، أو هما سواء، على أقوال، واختلفوا أيضًا في اشتقاقه على أقوال:

أحدها: أنه من الخَلة بفتح الخاء وهي الحاجة.

ثانيها: من الخُلة بضمها وهي تخلل المودة في القلب فلا يدع ليه خلا إلَّا ملا به، قاله ثعلب.

ثالثها: من الخلة وهي نبت يستحليه الإِبل ومن أمثالهم، الخلة خُبْز الإِبل والحَمْض فاكهتها، وقال القاضي عياض: الخلة عبارة عن صفاء المودة، قال الشاعر:

قد تخللت مسلك الروح مني

وبذا سمي الخليل خليلا

[فذا ما نطقت كنت حديثي

وإذا ما سكت كنت العليلا] (3)

وقال الزجاج: معنى الخليل: الذي ليس في محبته خلل.

[وقيل](4): معناه الذي يُوالي فيه ويُعادي.

(1) في ن ب (في المحبة).

(2)

قال ابن القيم: وأما ما يظنه من أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله، فمن جهلهم، فإن المحبة عامة والخلة خاصة، وهي نهاية المحبة. قال: وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن الله قد اتخذه خليلًا ونفى أن يكون له خليل غير ربه، مع إخباره بحبه لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب رضي الله عنهم. وأيضًا فإن الله يحب الصابرين والتوابين والمتطهرين، وخلته خاصة بالخليلين.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

الكلمة في الأصل مبتورة.

ص: 416

وقيل: الخليل هو المختص بشيء دون غيره، ولا يجوز أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا بشيء من الديانات دون غيره، قاله النحاس. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني أبرأ إلى كل خليل من خلته ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن صاحبكم خليل الرحمن، يعني نفسه"(1) فهذا منه عليه السلام قطع للمخاللة بينه وبين غيره، وحينئذ فما الجواب عن قول أبي هريرة: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم؟ فإن أجيب بأن المنفي أن يتخذ هو خليلًا، وما نفى أن يتخذ غيره خليلًا، ورد عليك ما قدمناه من أن المخاللة مفاعلة وهي غالبًا لا تكون إلَّا من اثنين، وقد يجيب بأن هذا من ذلك النادر، أو أنه أراد مجرد الصحبة فقط فعبّر عنها بالخُلة مجازًا، ولا شك أنه يُحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة تخالط القلب والبدن مقدمة على النفس والمال والولد والناس أجمعين.

ويجوز إطلاق ذلك [منا](2) بهذا المعنى فيقول أحد الصحابة أو كلهم: سمعت خليلي، وقال خليلي، وأما هو صلى الله عليه وسلم فلم يتخذ أحدًا خليلًا؛ لأن خلته كانت مقصورة على حب الله تعالى، فليس فيها متسع لغيره، ولا ينال ذلك إلَّا بفضل الله لمن يشاء من عباده، وقد وقع من جماعة من الصحابة غير أبي هريرة [إضافة خلتهم له تشرفًا بها ولم ينكر عليهم وهو دال على جوازه](3).

(1) رواه مسلم (1/ 377، 378)، والبخاري في باب لو كنت متخذًا خليلًا، والترمذي برقم (3656) بلفظ (ولكن صاحبكم خليل الله).

(2)

في الأصل (هنا)، والصحيح من ن ب ج.

(3)

في ن ب ج ساقطة.

ص: 417

السابع عشر: في الحديث استحباب المحافظة على الوضوء وسننه [الشرعية](1) فيه.

الثامن عشر: فيه أيضًا ما أعد الله تعالى من الفضل والكرامة لأهل الوضوء يوم القيامة.

التاسع عشر: فيه أيضًا ما أطلعه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم من المغيبات المستقبلة التي لم يطلع عليها نبيًا غيره من أمور الآخرة وصفات ما فيها.

(1) في ن ب (المشروعة).

ص: 418