الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث والرابع والخامس
3، 4، 5/ 3، 4، 5/ 1 - عن [عبد الله] (1) بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب من النار"(2).
الكلام عليه من ثلاثة عشر وجهًا: [بعد أن يعلم أن حديث عائشة من أفراد مسلم كما نبه عليه عبد الحق في جمعه](3):
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
البخاري (165) في الوضوء، أسباب: غسل الأعقاب، ومسلم (241) في الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكاملهما، وأبو داود (97) في الطهارة، باب: في إسباغ الوضوء، والنسائي (1/ 77) في الطهارة، وابن ماجه (450) في الطهارة، وأحمد (2/ 193)، والبيهقي (1/ 69)، والطبرى (6/ 133)، والدارمي (1/ 179)، والبغوي (220)، وابن حبان (1055، 1059، 1088).
(3)
زيادة من ن ب ج، وفي ج (أحكامه) بدلًا من (جمعه)، وقد ذكر هذا الزركشي في تصحيحه على العمدة. انظر: إحكام الأحكام، فإنه ساق كلام الزركشي (1/ 103).
أحدها: [تعريف رواته](1): أما عبد الله بن عمرو بن العاصي بإثبات الياء على [الأصح](2) فهو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن (3)، قرشي سهمي، أحد من هاجر هو وأبوه قبل الفتح، وأبوه أسن منه بأحد عشر عامًا، وأسلم قبل أبيه.
وأمه: [ريطة](4) بنت منبه بن الحجاج السهمية.
وزوجته: عمرة بنت [عبيد الله](5) بن العباس بن عبد المطلب، وهي أم ابنه محمد والد شعيب.
وكان [رضي الله عنه](6) غزير العلم، مجتهدًا في العبادة، يسرد الصوم ولا ينام الليل، فشكاه أبوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عليه السلام [إن](7) لعينك عليك حقًا" (8) الحديث، كما سيأتي في الصوم بكماله إن شاء الله تعالى، وكان كثير كتابة العلم والحديث وهو أكثر أقرانه حملًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو هريرة أكثر رواية منه، وتقدم في الحديث
(1) في ن ب (في التعريف برواته).
(2)
في ب ج (الأفصح).
(3)
في ن ب زيادة (وهو الحق).
(4)
الذي في الطبقات لابن سعد (8/ 286) ريطة، وفي سير أعلام النبلاء (3/ 80) رائطة.
(5)
في ن ب (عبد الله).
(6)
في ن ب رحمه الله.
(7)
زيادة من ن ب ج.
(8)
مخرج في الصحيحين، وسيأتي تخريجه إن شاء الله في الصيام.
قبله سببه، وكان [رسول الله] (1) صلى الله عليه وسلم يقول فيهم:"نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله"(2)، وقيل: كان اسمه العاصي (3)، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وفضله النبي صلى الله عليه وسلم على والده، وحفظ القرآن أجمع. قال عن نفسه: جمعت القرآن فقرأته كله في ليلة، قال عليه السلام:"اقرأه في شهر"، وذكر الحديث.
وكان يقرأ كتب الأولين التوراة والإنجيل، وله حِكَم ومواعظ، حضر صفين مع والده خوف العقوق ولم يسل سيفًا وكانت بيده الراية يومئذ فندم ندامة شديدة، له بستان بالطائف يسمى الرهط قيمته ألف ألف درهم، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعمائة حديث، أخرج له منها في الصحيحين خمسة وأربعون، اتفقا على سبعة عشر، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين، وروى عنه جماعة من التابعين.
قال ابن يونس: روى عنه من أهل مصر نيف وخمسون رجلًا، في وفاته أقوال، قال ابن حبان: أصحها سنة ثلاث وستين عام
الحرة، قال: وكان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام وأقام بها ومات بمصر.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 161) من طريق وكيع. حدثنا نافع بن عمرو بن عبد الجبار بن الورد عن ابن أبي مليكة. قال طلحة بهذا الإسناد ورجاله ثقات. لكنه منقطع، لأن ابن أبي مليكة -وهو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله- لم يدرك طلحة، لأن وفاة طلحة سنة 36، ووفاة ابن أبي مليكة ستة 117.
(3)
ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/ 80).
قلت: وفي موضع قبره أربعة أقوال: أحدها: بمصر، وبه جزم ابن حبان كما [ذكرته](1) عنه، ثانيها: الطائف، ثالثها: بمكة،
رابعها: بفلسطين، قال ابن حبان وغيره: وكان له يوم مات ثنتان وسبعون سنة، وأما أبو هريرة فتقدم التعريف به في الحديث قبله.
أما عائشة: [فهي](2) الصديقة بنت الصديق والحبيبة بنت الحبيب أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرة بن
كعب بن سعد [بن](3) تيم بن مرة بن كعب، أم المؤمنين. قال ابن عبد البر: لم يختلف في اسم أبيها وجدها وأن لقب أبي بكر عتيق.
كنيتها: أم عبد الله، كنيت بابن أختها عبد الله بن الزبير بإذنه صلى الله عليه وسلم، وقيل لسقط لها، وهو ضعيف، وعائشة: مأخوذة من العيش، وحكي عيشة بلغة فصيحة، وأمها: أم رومان -بفتح الراء وضمها- زينب بنت عامر، وقيل: بنت دهمان من بني مالك بن كنانة، وعائشة وأبوها وجدها صحابة وشاركها في ذلك جماعة من الصحابة لكنه قليل، نعم لا يوجد أربعة صحابة متوالدون إلَّا في آل أبي بكر الصديق: عبد الله بن أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة.
وعائشة رضي الله عنها من أكبر فقهاء الصحابة، يرجعون إليها، قال القاسم بن محمد: اشتغلت بالفتوى في خلافة
(1) في ن ب (ذكرناه).
(2)
في ن ب (فهو).
(3)
زيادة من ن ب.
[أبي](1) بكر وعمر وعثمان وهلم جرا إلى أن ماتت.
تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: غير ذلك، وهي بنت ست، وبنى بها في شوال بعد وقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة وهو الصحيح، قال الواقدي: في الأولى، وصححه الدمياطي، وأما ابن دحية فوهاه بالواقدي، فأقامت في صحبته ثمانية أعوام وخمسة أشهر [وتوفي رسول الله وهي ابنة ثمان عشرة](2).
وولدت ستة أربع من النبوة، نزلت براءتها من السماء، ولها عدة خصائص، عاشت خمسًا وستين سنة.
بعث إليها معاوية بمائة ألف فما غابت عليها الشمس حتى فرقتها [فقالت](3) مولاة لها: لو اشتريت لنا من ذلك بدرهم لحمًا [فقالت](4): ألا ذكرتيني. [كذا](5) رواه هشام عن [أبيه](6). وروى أبو معاوية عن هشام عن محمد بن المنكدر عن أم درة أن عائشة رضي الله عنها بعث إليها [ابن](7) الزبير بمال في غرارتين، قالت: أراه ثمانين ومائة ألف، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة
(1) في ن ب (أبو).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (وقالت).
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
ساقطة من الأصل.
(6)
في ن ب (والده).
(7)
زيادة من ن ب ج.
[فجلست](1) فقسمته فأمست وما عندها منه درهم، فقالت: يا جارية هلمي فطري فجاءتها بزيت وخبز، فقالت لها أم درة: أما استطعت أن تشتري لنا لحمًا بدرهم [نفطر عليه](2)؛ قالت: لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلتُ، وروى ابن أبي مليكة أن عائشة بنت طلحة حدثته أن عائشة قتلت جنانًا فأُريت في المنام: والله لقد قتلت مسلمًا، فقالت: لو كان مسلمًا ما دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل لها: وهل دخل إلَّا وعليك ثيابك؟ فأصبحت فزعة فأمرت باثني عشر ألف درهم فجعلتها في سبيل الله.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم[ألفي](3) حديث ومائتي حديث وعشرة أحاديث، اتفقا منها على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين، [وقيل: بتسعة وستين] (4)، وروت عن خلق من الصحابة، وروى عنها جماعة من الصحابة والتابعين قريب من مائتين، وكانت عائشة مسماة لجبير بن مطعم [فصلها](5) منهم الصديق وزوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى البخاري من حديث عروة مرسلًا أنه عليه السلام خطب عائشة إلى أبي بكر فقال أبو بكر: إنما أنا أخوك، فقال:"أنت أخي في الله وكتابه، وهي لي حلال". [وروى الإِمام أبو بكر الإسماعيلي في معجمه عن
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في الأصل (ألفًا)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
في ن ج (فسلها)، والذي في الطبقات (8/ 57):(فسلها).
عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: جاء الصديق وأم رومان حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"ما جاء بكما"؛ قالا: يا رسول الله لتستغفر لعائشة ونحن شهود، قال:"اللهمَّ اغفر لعائشة بنت أبي بكر مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبًا" فلما رأى سرورهما بذلك قال: "ما زالت هذه [هي] (1) دعوتي لمن أسلم من أمتي من لدن بعثني الله عز وجل إلى يومي هذا"] (2)(3).
ماتت رضي الله عنها بعد الخمسين، إما ستة خمس أو ست أو سبع أو ثمان، في رمضان، وقيل: شوال، وأمرت أن تدفن ليلًا بعد الوتر [بالبقيع](4)، وصلى عليها أبو هريرة، وترجمتها بسطتها في العدة في [معرفة](5) رجال هذا الكتاب، يتعين عيك مراجعتها منه.
(1) في ن ب ساقطة، وزيادة من المعجم.
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 11) في معرفة الصحابة من طريق أبي بكر بن حفص عن عائشة أنها جاءت هي وأبوها وأمها، به نحوه. وتعقبه الذهبي في التلخيص فقال: منكر على جودة إسناده، وعزاه الهيثمي إلى مسند البزار من حديث عائشة: أنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، فذكر نحوه بلفظ آخر. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة. اهـ، من مجمع الزوائد (9/ 243) في المناقب.
(4)
في ن ب (في البقيع).
(5)
في ن ب ساقطة.
فائدة: مات صلى الله عليه وسلم (1) عن تسع نسوة وعائشة أفضلهنَّ قطعًا، وهل هي أفضل من خديجة بنت خويلد؟ فيه وجهان في التتمة، وترجح من فضَّل خديجة عليها بأنها أول الناس إسلامًا، كما نقل الثعلبي الإِجماع عليه.
الوجه الثاني: كلمة "وَيْلَ" من المصادر التي لا أفعال لها، ومثلها: ويح، وويب، وويس، ويقال: ويل وويله، قال تعالى:{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ} (2) والأصل [يا ويلتي](3) فأبدل من الكسرة فتحة، ومن الياء ألفًا [كيا](4) غلامًا في إحدى اللغات الست، وتستعمل مفردًا مضافًا فإذا أفرد فالأكثر الرفع وإذا أضيف فالأكثر النصب، فالرفع على الابتداء، والنصب: إما على المصدرية كأنه قال: ألزمه الله ويلًا ونحو ذلك، ويقال: ويل له، وويل عليه، وويل منه، قال الشاعر:
قالت هريرة لما جئت زائرها
…
ويل عليك وويلي منك يا رجل
(1) في الأصل (وكرم)، وليست في ب ج.
(2)
في الأصل (يا ويلتا)، وهو مخالف لرسم المصحف، والتصويب من ب ج. سورة هود: آية 72.
(3)
في الأصل (يا ويلتا)، وما اثبت من ن ب.
أقول: ذكره الزجاج في معاني القرآن (3/ 63)، وقال:"والأصل: "يا ويلتي" فأبدل من الياء والكسرة الألف، لأن الفتح والألف أخف من الياء والكسرة. اهـ.
قال النيسابوري رحمنا الله وإياه في كتابه (إيجاز البيان عن معاني القرآن)(11/ 418)"وألف "ويلتي" ألف ندبة، أو متقلبة من ياء الإضافة". اهـ.
(4)
في ج (كما).
و "ويل" كلمة عذاب وحزن وهلاك وحكى [القاضي عياض فيها ستة أقوال (1):
أحدها: أنها تقال لمن وقع في الهلاك.
ثانيها: لمن استحقه.
ثالثها: [أنها](2) الهلاك نفسه.
رابعها: مشقة العذاب.
خامسها: الحزن.
سادسها: واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره، وقال ابن مسعود: منها صديد أهل [النار](3). ولعله المراد هنا؛ لقوله: "من النار"(4).
قال البغوي: وتكون تفجعًا، وتكون تعجبًا، ومنه قوله عليه السلام:"ويله مسعر حرب".
الثالث: "الأعقاب": جمع عقب، وهي مؤخر القدم، وعقب كل شيء: آخره، وهي مؤنثة، وتسكن القاف وتكسر، وجاء أيضًا في الصحيح "ويل [للعراقيب] (5) من النار"، وهي جمع: عرقوب بضم العين في الفرد وفتحها في الجمع، وهو العصب الغليظ الموتر فوق
(1) مشارق الأنوار (2/ 297، 298).
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
في ن ب (أنه).
(4)
في الأصل (النهار)، والتصويب من ن ب ج.
(5)
في ن ب (للأعقاب).
عقب الإنسان، وعرقوب الدابة في رجلها بمنزلة الركبة في يديها، قال الأصمعي: وكل ذي أربع عرقوباه في رجليه وركبتاه في يديه.
الرابع: خص النبي صلى الله عليه وسلم (الأعقاب) بالعقاب بالنار؛ لأنها التي لم تغسل غالبًا، وقيل: أراد صاحب الأعقاب، فحذف المضاف؛ لأنهم كانوا [لا](1) يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء (2).
الخامس: هذا الحديث مما ورد على سبب، فإنه عليه السلام رأى أقوامًا وأعقابهم تلوح فقال ذلك (3).
السادس: الألف واللام في الأعقاب يحتمل أن تكون للعهد [فيختص](4) الذكر بتلك الأقدام المرئية التي لم يمسها الماء، ويحتمل أن تكون للجنس فلا تختص بها، بل الأعقاب التي هذه صفتها لا تعم بالمطهر، وهو الأظهر؛ لأن الأول فيه تخصيص العموم [بسببه](5) ولا يجوز أن يكون للعموم المطلق في كل الأقدام ومسحها، بل يكون [للعموم](6) المطلق فيها يراد بالتضمين بالتنبيه بالأدنى على الأعلى.
السابع: في الحديث دليل على وجوب تعميم الأعضاء
(1) زيادة من ب ج، وهو الصواب.
(2)
انظر: شرح السنة للبغوي (1/ 429).
(3)
انظر المرجع السابق.
(4)
في ن ب (ويختص).
(5)
في ن ب (لسببه).
(6)
في ن ب (العموم).
بالمطهر، وأن ترك البعض منها غير مجزىء، ونصه إنما هو في الأعقاب وسبب التخصيص أنه ورد على سبب كما سبق.
الثامن: استدّل به أيضًا على أن العقب محل التطهير بالغسل وجوب كل المتوعد بالنار على تركه عند رؤيته يلوح من غير غسل، وقال عليه السلام في بعض طرقه:"أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار"(1). قال البيهقي: وصح من حديث عمرو بن عنبسة التصريح بأن الله [تعالى](2) أمر بالغسل فإن لفظه: "ثم يغسل رجليه كما أمره الله". وصح من حديث عثمان الآتي في الباب وجماعة أنه عليه السلام: "غسل"، فانضمَّ القول إلى الفعل وتبين أن المأمور به الغسل، وهذا من أحسن الأدلة، واستدلَّ برواية "أسبغوا" على أن المسح لا يجزئ فيه، وهذا إجماع ووراءه مذاهب باطلة:
أحدها: وجوب مسح الرجلين وهو مذهب الشيعة.
وثانيها: وجوب الجمع بين المسح والغسل وهو قول بعض أهل الظاهر.
وثالثها: أنه مخير بينهما وهو قول محمد بن جرير الطبري، وعزاه الخطابي إلى الجبائي المعتزلي [فليحرر](3).
(1) رواه مسلم في صحيحه (3/ 128، 130) وأحمد في مسنده من طرق (6528، 6809، 6883)، والنسائي (1/ 77، 78).
(2)
ساقطة من الأصل. انظر: السنن الكبرى (1/ 71).
(3)
انظر: معالم السنن (1/ 93).
ويأتي في آخر تعليق لهذا الحديث جمع ابن جرير -رحمه الله تعالى- =
وقد صنف في المسألة الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (1)، وسليم الرازي (2) فأفادا، وقراءة الخفض في قوله تعالى {وأرجلكم} عنها أجوبة.
منها: أنها عطف على الرأس (3) فهما [يمسحان] " (4) لكن إذا
= في تفسيره بين قراءة النصب والجر بأن قراءة النصب يراد بها غسل الرجلين، لأن العطف فيها على الوجوه والأيدي إلى المرافق وهما من المغسولات بلا نزاع، وأن قراءة الخفض يراد بها المسح مع الغسل يعني الدلك باليد أو غيرها. والظاهر أن حكمة هذا في الرجلين دون غيرهما: أن الرجلين هما أقرب أعضاء الإنسان إلى ملابسة الأقذار لمباشرتها الأرض فناسب ذلك أن يجمع لهما بين الغسل بالماء والمسح أي الدلك باليد ليكون ذلك أبلغ في التنظيف. اهـ، من أضواء البيان (2/ 15)، ومن أراد الاستزادة فيراجع تفسير الطبري رحمه الله (10/ 52 إلي 80). وما بين القوسين ساقط من ن ب.
(1)
هو إبراهم بن علي بن يوسف بن عبد الله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي شيخ الإسلام علمًا وعملًا وورعًا وزهدًا ولد في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ومات في جمادى الآخرة سنة ست وسبعين وأربعمائة ترجمته طبقات السبكي (4/ 215).
(2)
هو سليم بن أيوب بن سليم أبو الفتح الرازي مات غرقًا في صفر سنة سبع وأربعين وأربعمائة ترجمته في طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (3/ 225).
(3)
في اللفظ والمعنى، ثم نُسخ بالسنة، أو بدليل التحديد إلى الكعبين. قد ذكر هذا كل من أبي علي الفارسي في الحجة (3/ 215، 216)، وابن عطية في المحرر الوجيز (4/ 371)، والزجاج في معاني القرآن (2/ 154)، وأبو عبيدة في مجاز القرآن (1/ 155).
(4)
في الأصل (مسحان)، في ن ب (المسحان)، وما أثبت من ن ج.
كان عليهما [خفان](1) وتلقينا هذا القيد من فعله عليه السلام، إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلَّا وعليهما خفان، والمتواتر عنه غسلهما، فبيَّن صلى الله عليه وسلم علة الحال التي تغسل فيها الرجل، والحال التي تُمسح فيها.
ومنها: [أن](2) العطف على الجوار لكنها لغة شاذة (3)، قال الأمام في البرهان: وكل تأويل يؤدي إلى حمل القرآن على [دليل](4) شاذ في اللغة لا يقبل، ويعد متأوله معطلًا [لا مأولًا](5).
ومن الغريب أن بعض من يقول بالمسح يدعي أن ذلك بنص القرآن، وأن من يقول بالغسل متعلقه خبر واحد، ولا يصح نسخ القرآن بخبر الواحد، وهذا إنما يلزم أن لو كان القرآن نصًا فيما [ادعاه](6) لا يحتمل التأويل، وهو قابل له كما قررناه، ويعضد هذا التأويل أنه عليه السلام لما علمهم الوضوء غسل رجليه، وكل من وصف وضوءه لم يذكر في الرجلين غيره.
التاسع روى البخاري من حديث ابن عمر أنه قال عليه السلام قوله: "ويل للأعقاب من النار" لما رآهم مسحوا على أرجلهم،
(1) في ن ب (خفاف).
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
وهي قراءة ابن كثير وحمزة وأبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد (243)، والتبصرة لمكي (186).
(4)
في ن ب ج (ركيك).
(5)
في ن ب (لما ولا).
(6)
في ن ب (ادعى).
وترجم عليه: غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين (1) قال الشيخ تقي الدين (2): فهم البخاري من هذا الحديث أن القدمين لا يمسحان بل يغسلان، وهو عندي غير جيد، لأنه مفسر في الرواية الأخرى أن الأعقاب كانت تلوح لم يمسها الماء، ولا شك أن هذا موجب للوعيد بالاتفاق، والذين استدلوا على أن المسح غير مجزٍ إنما اعتبروا لفظه فقط، فقد رَتَّب الوعيدَ على مسمى المسح، وليس فيها ترك بعض العضو، والصواب -إذا جمعت طرق الحديث- أن يستدل ببعضها على بعض، ويجمع ما يمكن جمعه، فبه يظهر المراد.
العاشر: في وجوب تعليم الجاهلين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الحادي عشر: استدلَّ بعضهم بهذا الحديث على نزع الخاتم في الوضوء فإنه عَقِب من جهة المعنى، والبخاري قال: باب غسل الأعقاب، ثم قال: وكان ابن سيرين يغسل موضع الخاتم إذا توضأ، ثم ذكر [موضع](3) هذا الحديث [فكأنه ترجم به عليه واستدل بالحديث](4).
(1) انتزع البخاري رحمه الله ترجمة الباب من نص الحديث قوله: "أو نمسح على أرجلنا" أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل فلهذا قال في الترجمة: ولا يمسح على القدمين. وهذا ظاهر الرواية المتفق عليها. فتح البارى (1/ 265) وما بعده. انظر: إحكام الأحكام (1/ 102) مع الاطلاع على زيادة في الكلام.
(2)
إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 101، 102).
(3)
ساقطة من ن ب ج.
(4)
زيادة من ن ب ج. انظر: فتح البارى (1/ 267).
الثاني عشر: فيه حجة لأهل السنة أن المعذب الأجساد (1).
الثالث عشر: فيه التعذيب على الصغائر؛ لما قد علمت من الاختلاف في فرض الرجلين، فابن جرير يقول: إنه مخير بين الغسل
والمسح (2). واستدلَّ به بعضهم على تعميم الرأس بالمسح؛ لأن
(1) عذاب القبر ونعيمه يحصل على الروح والبدن جميعًا، قال بعضهم:
ونؤمن أن الموت حق وأننا
…
سنبعث حقًا بعد موتتنا غدا
وأن عذاب القبر حق وأنه
…
على الجسم والروح الذي فيه الحدا
وللروح بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغايرة الأحكام: أحدها: تعلقها به في البطن جنينًا. ثانيًا: تعلقها من بعد خروجه إلى الأرض. ثالثًا: تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقه من وجه. رابعها: تعلقها به فى البرزخ. فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم نفارقه فراقًا كليًا لا يبقى لها إليه التفات البتة، فإنه ورد ردها إليه وقت إسلام المسلم. الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله. اهـ، من الكواشف الجلية للسلمان (551، 552).
(2)
قوله: وابن جرير يقول: إنه مخير بين المسح والغسل
…
أقول: قال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 98) فى توجيه الإشكال الوارد في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمخرج في سنن أبي داود، وبيَّن مسالك الناس ومذاهب العلماء فيه، ثم قال: المسلك السابع: أنه دليل على أن فرض الرجين المسح، وحكى عن داود الجواري -لعله الظاهري- وابن عباس، وحكى عن ابن جرير أنه مخير بين الأمرين. وأما حكايته عن ابن عباس فقد تقدمت، ورأيه رضي الله عنه: الغسل، كما أخرجه البخاري عنه في الصحيح- وأما حكايته عن ابن جرير فغلط بيَّنٌ، وهذه كتبه وتفسيره كله يكذب هذا النقل عليه، وإنما دخلت الشبه؛ =
التبعيض فيه عقب من جهة المعنى، وليس المراد في الحديث خصوص العقب الحقيقي، بدليل ما صنع البخاري في استدلاله به
على نزع الخاتم وهو استدلال عجيب.
= لأن ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة يوافقه في اسمه واسم أبيه وقد رأيت له مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم، فهذه سبعة مسالك للناس في هذا الحديث. انظر: تعليق رقم (3)(ص 237)، وتوجيه ابن جرير في تفسيره لقراءة النصب والجر.