الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب المسح على الخفين
ذكر فيه المصنف حديث المغيرة، وحديث حذيفة، أما حديث المغيرة فلفظه:
الحديث الأول
24/ 1/4 - عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين"، فمسح عليهما"(1).
والكلام عليه من وجوه تسعة:
أولها: في التعريف براويه وهو أبو عيسى المغيرة بضم الميم، وحُكِي كسرها، ابن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي،
أسلم عام الخندق وقدم مهاجرًا وشهد الحديبية.
وأمه: أُمامة بنت الأنعم بن أبي عمرو، قال ابن حبان: وهو أول من سُلِّم عليه بالإِمرة، أحصن في الإِسلام ثلاثمائة امرأة. وقيل:
ألف امرأة.
(1) البخاري رقم (206) في الوضوء، ومسلم في الطهارة برقم (274)، وأبو داود رقم (1395)، والدارمي (1/ 181)، والبيهقي (1/ 281)، والنسائي (1/ 32)، وابن ماجه (1/ 155)، وأحمد في المسند (4/ 255)، وأبو عوانة (1/ 255)، وابن خزيمة رقم (190).
قال مالك: وكان نكّاحًا للنساء، وكان ينكح أربعًا جميعًا ويطلقهن جميعًا. وقص له رسول الله صلى الله عليه وسلم شاربه على سواك وهذه منقبة لا نعرفها لغيره من الصحابة.
رُوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة وستة وثلاثون حديثًا، اتفقا على تسعة أحدها يجمعُ أحاديث، وانفرد البخاري بحديث يجمع حديثين، ومسلم بحديثين، وهو ابن أخي عروة بن مسعود. روى عنه ابنه حمزة وعروة وعفان، وكاتبه وزاد والشعبي وجماعة من التابعين، وكان يقال له: مغيرة الرأي؛ لكمال عقله ودهائه.
بعثه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لهدم الربة وشهد اليمامة وأُصيبت عينه يوم اليرموك. وروي عن عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام المغيرة بن شعبة فنظر إليها فذهبت عينه (1). وشهد أيضًا فتح الشام، والقادسية، وفتح الأهواز، وهمذان، ونهاوند، وكان على ميسرة النعمان بن مقرّن. وولي لعمر فتوحًا.
قال الشعبي: دهاة العرب أربعة: معاوية، وعمرو بن العاصي، والمغيرة، وزياد. فأما معاوية فللحلم والأناءة (2)، وأما عمرو فللمعضلات، وأما المغيرة فللمبادهة، وأما زياد فللصغير والكبير. وقال [الزهري] (3): دهاة الناس [في الفتنة](4) خمسة:
(1) قال ابن الأثير: وذهبت عينه باليرموك (4/ 407).
(2)
في ن ب (وللأناءة).
(3)
في الأصل (الزبيدي)، وفي ن ب (الزبيري)، وفي ن ج (الزبير)، وما أثبت من البداية والنهاية (8/ 50)، ولعله أقرب إلى الصواب.
(4)
في ن ب ساقطة.
عمرو، ومعاوية، وقيس بن سعد، والمغيرة، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. وكان مع علي: ابن بديل، وقيس واعتزل المغيرة. وقال (1) داود بن [أبي] (2) هند فيما نقله ابن زولاق في تاريخ عمرو بن العاصي [بعد أن ذكر أن الدهاة أربعة: وإذا رأيت وردان غلام عمرو بن العاصي] (3) لم تدر أيهما أدهى، ولقد كان عمرو كثيرًا [ما يفزع](4) إلى غلامه وردان في رأيه.
وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلَّا بمكر [لخرج](5) من أبوابها كلها. قال المغيرة ما غلبني أحد قط إلَّا غلام من بني الحارث بن كعب فإني خطبت امرأة منهم فأصغى إليّ الغلام، وقال: أيها الأمير لا خير لك فيها إني رأيت رجلًا يقبلها. فانصرفت عنها فبلغني أن الغلام تزوجها فقلت: ألست زعمت كيت وكيت؟ قال: ما كذبت، رأيت أباها يقبلها.
(1) في الأصل زيادة (ابن) وهي ليست في كتب الرجال. راجع كتاب الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى (1/ 526).
(2)
زيادة من المرجع السابق.
(3)
زيادة من ن ب ج. تداخلت على المصنف رحمنا الله واياه ترجمة المغيرة وترجمة عمرو بن العاصي.
(4)
في ن ج (ما ينزع). وكلام المغيرة اسمه (وراد) كما في الترجمة فليتنبه.
وتكون العبارة: وإذا رأيت ورّاد غلام المغيرة لم تدر أيهما أدهى، ولقد كان المغيرة كثيرًا ما يفزع إلى غلامه وراد في رأيه.
(5)
زيادة من ن ب ج.
[قال](1) ابن عبد البر: [لما](2) شُهِدَ على المغيرة عند عمر عزله عن البصرة وولاه الكوفة إلى أن قُتل عمر فأقره عثمان ثم عزله عثمان فلم يزل كذلك، واعتزل صفين، فلما كان حين الحكمين لحق بمعاولة فولاه الكوفة. قال أبو عبيد: توفي وهو أميرها سنة تسع وأربعين. قال الخطيب: مات سنة خمسين بالإِجماع. وكذا قال ابن حبان: مات سنة خمسين بالطاعون في شعبان وهو ابن سبعين سنة، وقيل: سنة إحدى وخمسين. قال عبد الملك بن عمير: رأيت زيادًا (3) واقفًا على قبر المغيرة وهو يقول:
إن تحت الأحجار حزمًا [وعزمًا](4)
…
وخصمًا ألدًّا ذا معلاقِ
حية في الوجار أربد لا
…
ينفع منه السليم نفث الراقي
واستخلف عند موته ابنه عروة، وقيل: بل جريرًا، فولى معاوية حينئذ الكوفة زيدًا مع البصرة، وجمع له العراقين.
الوجه الثاني: قوله: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر" هو في غزوة تبوك قبل الفجر كما ثبت في بعض طرقه في الصحيح، وكانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع.
الثالث: قوله: "أهويت" يقال: أَهْوَى إلى كذا بيده ليأخذه. وقال الأصمعي: أهويت بالشيء إذا أومأت به، ويقال: أهويت له
(1) في ن ب (وقال).
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
الذي في أسد الغابة (4/ 407): (مصقلة بن هبيرة الشيباني).
(4)
في أسد الغابة (4/ 407): (وجودًا).
بالسيف، هذا في الرباعي، وأما في الثلاثي: فهوَى بفتح الواو وهوى إذا سقط.
قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} (1) يهوي بالكسر، وهوي بالكسر يهوَى بالفتح إذا عشق.
الرابع: قوله "لأنزع" هو بكسر الزاي.
والضمير في قوله عليه السلام "دعهما" للخفين وفي "أدخلتهما" للرجلين فالضميران مختلفان.
ومعنى "طاهرين" أي بطهر الوضوء، إذ ذاك من شرط صحة المسح عليهما كما ستعلمه.
وقوله: "فمسح عليهما" فيه إضمار تقديره (فأحدث فمسح عليهما) لأن وقت جواز المسح بعد الحدث ولا يجوز قبله، لأنه على طهارة الغسل وإنما قلنا ذلك لأن في بعض طرقه في الصحيح أنه عليه السلام "تبرز قِبَلَ الغائط [وأنه] (2) اتبعه بالإِداوة" (3) فتعين حمله على أن المراد: فأحدث فمسح عليهما [لا](4) أنه جدّد الوضوء.
الخامس: في الحديث دلالة على جواز المسح على الخفين
(1) سورة النجم: آيه 1.
(2)
في ن ب (وأنا).
(3)
مسلم رقم (274) في الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإِمام، وأحمد في المسند (4/ 251)، وأبو داود برقم (151).
(4)
في النسخ (إلَّا).
وهو جائز بإجماع من يعتد به في السفر لهذا الحديث، [وفي الحضر](1)؛ لحديث حذيفة الآتي بعده.
نعم، هل الأفضل غسل الرجلين إذ هو الأصل والغالب، أم المسح على الخف ردًّا على الخوارج، أم متساويان لتقابلهما؟ فيه
[ثلاث](2) مذاهب:
ذهب إلى الأول جماعة من الصحابة وبه قال أصحابنا.
وذهب جماعة من التابعين إلى الثاني وهو الصحيح عن أحمد.
وذهب إلى الثالث أحمد في رواية، واختاره ابن المنذر.
وحكى المحاملي (3)[في](4) المجموع وغيره من أصحابنا عن مالك ست روايات:
أحدها: يجوز المسح.
ثانيها: يكره.
ثالثها: يجوز أبدًا وهي الأشهر (5) والأرجح عند أصحابه.
رابعها: يجوز [مؤقتًا](6).
(1) في ن ب (وفي هذا).
(2)
في ن ب (ثلاثة).
(3)
هو محمد بن أحمد بن القاسم أبو الفضل ولد سنة ست وأربعمائة، ومات في رجب سنة سبع وسبعين وأربعمائة. المنتظم (9/ 13)، والوافي بالوفيات (2/ 86).
(4)
في ن ب (أن).
(5)
في ن ب زيادة (عنه).
(6)
في ن ب (يومًا).
خامسها: يجوز للمسافر دون الحاضر.
سادسها: عكسه، وكل هذا الخلاف مردود، وقد نقل ابن المنذر في كتابه (الإِجماع)(1) إجماعَ العلماء على الجواز، ودليله
الأحاديث المستفيضة فيه فعلًا، حضرًا وسفرًا، وأمره بذلك وترخيصه فيه واتفاق الصحابة فمن بعدهم عليه.
قال الإِمام أحمد: ليس في قلبي منه شئ، فيه أربعون حديثًا عن [أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم] (2) ما رفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وقفوا. وقال [الميموني] (3) عن أحمد: سبعة وثلاثون صحابيًا، وفي رواية الحسن بن محمد عنه: أربعون، وكذا قال البزار في مسنده، وقال ابن أبي حاتم: أحد وأربعون، وقال ابن عبد البر (4): روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة وأنه استفاض وتواتر.
قلت: وبلغتهم في [تخريج](5) أحاديث الرافعي إلى ثمانين صحابيًا فاستفده منه فإنه من المهمات.
وقال ابن المنذر (6): روينا عن الحسن البصري: حدثني
(1) الإِجماع (35). تح/ د/ صغير حنيف.
(2)
في ن ب (عن النبي صلى الله عليه وسلم).
(3)
في ن ب (المأموني).
(4)
التمهيد (11/ 137)، والاستذكار (2/ 239).
(5)
في ن ب (تخريجي).
(6)
الأوسط (1/ 430)، والاستذكار (2/ 239)، والمجموع (1/ 477).
سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين.
وعبارة الماوردي (1) في حكاية هذا عنه: حدثني سبعون بدريًا. قال: وأراد أنه سمع ذلك من بعضهم، وروي له ذلك عن بعضهم؛ لأنه لم يدرك سبعين بدريًا.
قلت: ومن أشهر الروايات فيه حديث المغيرة الذي ذكره المصنف.
قال الشيخ تقي الدين في الإِمام: [بلغني](2) عن الحافظ أبي بكر البزار أنه ذكر [أن](3) حديث المغيرة بن شعبة يروى عنه من نحو ستين طريقًا، ومن أصحها رواية جرير بن عبد الله البَجَلي بفتح الباء والجيم معًا.
قال البيهقي في سننه: روينا عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن منه (4).
وقال البخاري: قال إبراهيم (5): كان يعجبهم -يعني هذا الحديث- لأن جريرًا كان من آخرهم إسلامًا، أي لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة كما ثبت عنه في الصحيح.
(1) الحاوي الكبير (1/ 429).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
السنن الكبرى (1/ 270).
(5)
الاستذكار (2/ 238).
وفي الطبراني عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه بعدما نزلت سورة المائدة (1). وفي لفظ: وذلك بحجة الوداع. وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم الأخذ بحديثه لتأخره ورده على من ظن أنه منسوخ أو شك في جوازه وإزالته الإِشكال فيه واللبس على [من](2) التبس عليه، فصار حديث جرير مبينًا للمراد من الآية في غير صاحب الخف وأنه خصصها، فاشتهر بحمد الله جواز المسح وعد شعارًا لأهل السنة (3) وعد ترك القول به شعارًا لأهل البدع حتى إن الواحد منهم [ربما] (4) تآلى فيقول: برئت من ولاية أمير المؤمنين ومسحت على خفي إن فعلت كذا. وروى الخطابي في معالمه (5)
(1) الطبراني في الكبير برقم (2282)، ورواه البخاري برقم (387)، ومسلم (272)، وأبو داود برقم (154)، والنسائي (1/ 18)، والترمذى برقم (93)، وابن ماجه (543)، وأحمد في مسنده (4/ 358، 361، 364، 365، 366).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في الرد على الرافضة، المخالفين لهذه السنة المتواترة، أولًا: المسألة متواترة في المسح على الخفين وغسل الرجلين: ثانيًا: أنه لو كان لفظ يغاير معناه لسألوا. ثالثًا: أنه لو كان المسح مقصودًا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار. رابعًا: أن المسح على الخفين كان بعد نزول آية المائدة والتي فيها صفة الوضوء. انظر: العقيدة الطحاوية، الشرح (435). تنبيه: مسألة المسح على الخفين تأتي في كتب العقيدة؛ لأنه رد للتواتر.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
معالم السنن للخطابي (1/ 95) قال: حدثني إبراهيم بن فراس حدثنا أحمد بن علي المروزي حدثنا ابن أبي الجوال أن الحسين بن زيد
…
عن الحسن بن زيد أنه [مقت](1) على كاتب له فحبسه وأخذ ماله فكتب إليه من الحبس:
أشكو إلى الله ما لقيت
…
أحببت قومًا بهم بليت
لا أشتم الصالحين جهرًا
…
ولا [تشيعت](2) ما بقيت
أمسح خفي ببطن كفي
…
ولو على جيفة وطيت
قال: فدعا به من الحبس ورد عليه ماله وأكرمه.
السادس: قوله عليه السلام: "فإني أدخلتهما طاهرتين". يعني الطهارة الشرعية بكمالها، لأنه لا يسمى متطهرًا من تطهر في جميع
الأعضاء إلَّا لمعة، فكيف من ترك عضوًا كاملًا؟
ولهذا قال أصحابنا: لو غسل إحدى رجليه وأدخلها الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها الخف لم يجز المسح حتى ينزع الأولى ثم يلبسها ولا يحتاج إلى نزع الثانية لأنها ليست بعد كمال الطهارة. وشذ بعض أصحابنا فأوجب نزع الثانية أيضًا.
ومشهور مذهب مالك أنه لا يمسح في هذه الصورة. وقال مطرف: يمسح.
وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الطهارة في اللبس هو مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وإسحاق، ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه علق الحكم بالمسح عليهما بإدخالهما طاهرتين وذلك لا يقتضي
(1) في ن ب (عتب).
(2)
بياض في الأصل، والتصحيح من ن ج ومن المعالم، وفي ن ب غير واضحة.
إدخال إحداهما طاهرة دون الأخرى، والحكم المرتب على التثنية غير المرتب على الوحدة فيكون حالًا منهما لا من كل واحد منهما.
وقال أبو حنيفة، وسفيان الثوري، ويحيى بن آدم، والمزني، وأبو ثور، وداود: يجوز اللبس على الحدث ثم يكمل طهارته، واختاره ابن المنذر فيما إذا غسل إحدى رجليه ثم لبس ثم غسل الأخرى.
وقال القاضي عياض: قال داود: يجوز المسح عليهما إذا كانتا طاهرتين وإن لم يتسبح [الصلاة](1). قال: والفقهاء على خلافه، وبناءً (2) على حمل كلامه عليه السلام على الطهارة اللغوية أو الشرعية وهو مختلف فيه بين الأصوليين: هل يقدم العرف على اللغة أم لا؟ كما وقع الخلاف في وضوئه عليه السلام مما مست النار. انتهى. والأصح عند الأصولِيين العمل على الشرعي دون اللغوي.
وقال الشيخ تقي الدين (3): استدل بهذا الحديث بعضهم على اشتراط الطهارة في اللبس لجواز المسح، فإنه علل عدم نزعهما
بإدخالهما طاهرتين وذلك يقتضي أن إدخالهما غير طاهرتين موجب للنزع، قال: وقد استدلَّ به بعضهم على أن إكمال الطهارة [فيهما](4) شرط، حتى لو غسل إحدى الرجلين وأدخلها الخف ثم غسل
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب زيادة (الحديث).
(3)
إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 296) بتصرف.
(4)
في ن ب (فيها).
الأخرى وأدخلها الخف لم يجز المسح، وفي هذا الاستدلال عندنا ضعف أعني في دلالته [في](1) حكم هذه المسألة، [فلا](2) يمتنع أن يعبر بهذه العبارة عن كون كل واحدة منهما أدخلت طاهرة، بل ربما يدعي أنه طاهر في ذلك فإن الضمير في قوله "أدخلتهما" يقتضي تعليق الحكم بكل واحد منهما، نعم من روى "فإني أدخلتهما وهما طاهرتان" فقد يتمسك برواية هذا القائل من حيث إن قوله "أدخلتهما" إذًا يقتضي كل واحدة منهما، فقوله "وهما طاهرتان" حال من كل واحدة منهما فيصير التقدير: أدخلت كل واحدة في حال طهارتها، وذلك إنما يكون بكمال الطهارة، وهذا الاستدلال بهذه الرواية من هذا الوجه قد لا يتأتى في رواية من روى "أدخلتهما وهما طاهرتين".
وعلى كل حال فليس الاستدلال بذلك القوي جدًا، لاحتمال الوجه الآخر في الروايتين معًا، اللهم إلَّا أن يضم إلى هذا دليل يدل على أنه لا تحصل الطهارة لأحدهما إلَّا بكمال الطهارة في جميع الأعضاء، فحينئذ يكون ذلك الدليل مع هذا الحديث مستندًا لقول القائلين بعدم الجواز، أعني أن يكون المجموع هو المستند فيكون هذا الحديث دليلًا على اشتراط طهارة كل واحد منهما ويكون ذلك الدليل دالًا على أنها لا تطهر إلَّا بكمال الطهارة، ويحصل من هذا المجموع حكم المسألة المذكورة في عدم الجواز.
هذا كلامه، ولا يخلو [بعضه من نظر كما نبّه عليه الفاكهي
(1) في ن ب (على).
(2)
في ن ب (قال).
فليتأمل، وأَصْرَحُ من هذا الحديث] (1) في الدلالة حديث أبي بكرة وحديث صفوان بن عسال -بفتح العين والسين المهملتين- أما حديث أبي بكرة رضي الله عنه فلفظه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للمسافر ثلاثة أيام [ولياليهن] (2) وللمقيم يومًا وليلة إذا [تطهر] (3) فلبس خفيه أن يمسح عليهما" حديث صحيح رواه ابن خزيمة (4) وابن حبان (5) في صحيحيهما، وقال الشافعي: إسناده صحيح، وقال البخاري (6): حديث حسن، فَشَرط إكمال الطهارة وعقبه بحرف الفاء.
(1) في ن ب ساقطة، وموجودة في ن ج سوى (واصرح من).
(2)
في ن ب (بلياليهن). والحديث رواه ابن ماجه (556)، والدارقطني (1/ 194)، وابن الجارود (87)، والبيهقي (1/ 276، 282)، والبغوي (237)، وابن أبي شيبة (1/ 279).
(3)
في الأصل (طهر)، وما أثبت من ن ب.
(4)
صحيح ابن خزيمة رقم (192)، وموارد الظمآن حديث (184)، وابن حبان رقم (1321). انظر: تلخيص الحبير (1/ 157).
(5)
ابن حبان رقم (1325)، وابن خزيمة رقم (193)، وموارد الظمآن (186).
(6)
قال الترمذي رحمنا الله وإياه في السنن (1/ 159): هذا حديث حسن صحيح، قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال المرادي.
وقال أيضًا في العلل (1/ 175): سألت محمدًا، فقلت: أي الحديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال: صفوان بن عسال وحديث أبي بكرة.
وقال أيضًا في العلل (1/ 176) قال البخاري: حديث أبي بكرة حسن.
وأما حديث صفوان رضي الله عنه فرواه الدارقطني بلفظ: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر ثلاثًا إذا سافرنا يومًا وليلة إذا أقمنا"(1). قال ابن خزيمة: ذكرت هذا للمزني فقال: حدَّث به أصحابنا [إنه](2)[ليس](3) للشافعي حجة أقوى من هذا (4).
السابع: استدلَّ بعض المالكية بقوله: "فإني أدخلتهما طاهرتين" على ما [إذا](5) نكس وضوءه (6) فغسل رجليه ابتداءً ولبس الخف ثم كمل وضوءه فهل يمسح بعد ذلك؟ قال مالك في العتبية: لا يفعل فإن فعل فلا شيء عليه. قال صاحب البيان [والتعريف](7): والمشهور من المذهب عدم المسح، واستدلَّ به أيضًا على ما إذا غسل رجليه ثم لبس الخف ثم نام قبل كمال طهارته هل يمسح عليهما في وضوء ثان أم لا؟ وفيه روايتان عن مالك حكاهما
(1) سنن الدارمي (1/ 197)، والدارقطني (1/ 197)، والترمذي (96)، والبيهقي (1/ 289)، وأحمد (4/ 239، 240)، وعبد الرزاق (792، 795)، وابن أبي شيبة (1/ 177)، وابن ماجه (1/ 47)، والنسائي (1/ 83، 84)، والمحلى (2/ 83) .. والحديث مطولًا ومختصرًا. انظر: التعليق (1) من (627).
(2)
في ن ب (فإنه).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
صحيح ابن خزيمة (ص 97).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب زيادة (ثم).
(7)
في ن ب ج (التقريب).
الباجي (1)، والرِّجلان في الصورتَين أُدْخِلتَا بعد طهارتهما، وما أبعد هذا الاستدلال فإن هذا إخبار منه عليه السلام عما فعله، ولم ينقل قط أنه توضأ منكوسًا (2).
الثامن: استدلَّ به بعضهم أيضًا على المسح على الخف في طهارة التيمم لأنها طهارة شرعية، وعند المالكية حكاية قولين في
ذلك، وعند أصحابنا أنه إن كان التيمم لإِعواز الماء لزمه النزع والوضوء، كان لم يكن لإِعوازه مسح واستباح فرضًا واحدًا ونوافل.
التاسع: استدلَّ بعضهم بقوله " [فمسح] (3) عليهما" على أن المشروع مسح الأعلى وهو الظاهر؛ لأن لفظة "على" ظاهرة في
ذلك، ومشهور مذهب مالك وجوب مسح الأعلى واستحباب مسح الأسفل، لكن إن اقتصر على الأعلى استحب له الإِعادة في الوقت. وقال أشهب: أيهما مسح أجزأه. وقال ابن نافع: يجب مسحهما (4).
ومذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يسن مسح أعلاه وأسفله خطوطًا وأنه يكفي مسمى مسح يحاذي الفرض إلَّا أسفل رجل
وعقبها وحرف الخف فإنه لا يكفي.
خاتمة: لا فرق في جواز المسح بين أن يكون لحاجة أم لا،
(1) المنتقي (1/ 77).
(2)
انظر: تعليق رقم ت 3 ص 359 في الحديث العاشر من كتاب الطهارة.
(3)
في الأصل بياض، وما أثبت من ب ج.
(4)
انظر: المنتقى للباجي (1/ 81)، والمحلى لابن حزم (1/ 153، 156)، ونيل الأوطار (1/ 231، 232).
حتى يجوز للمرأة الملازمة لبيتها والزَّمن الذي لا يمشي، ونقل النووي في شرحه لمسلم (1) الإِجماع عليه.
وعند المالكية: أنه يشترط في جواز المسح على الخف أن يكون لبسه على الوجه المعتاد عند الناس في لباس الخفاف، فإن
لبسه لا لغرض سوى الترخص بالمسح، أو كانت امرأة خضبت بالحناء فلبست للمسح ولئلا تغسل الحناء وشبه ذلك؛ فالمشهور
عندهم أن هؤلاء لا يمسحون، فإن فعلوا ففي الإِعادة خلاف.
واعلم أن محل الخوض في شروط المسح وصفته والواجب منه والمسنون وكم يصلي به فرضًا كُتُبُ الفروع، وقد بسطنا ذلك فيها ولله الحمد.
(1)(3/ 164).