الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
23/ 4/ 3 - عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك [بسواك] (1)، قال: وطرف السواك على [لسانه] (2) يقول: أُعْ أُعْ، والسواك في فيه، كأنه يتهوع"(3).
الكلام عليه من ستة أوجه:
وتقدم عليها أن قوله: أُعْ أُعْ إلى آخره [من](4) أفراد البخاري كما بينه الحميدي في جمعه بين الصحيحين.
أحدها: في التعريف براويه واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح أوله وتشديد ثانيه معجمًا على الأكثر.
الأشعري: نسبة إلى الأشعر، واسمه: بنت بن أدد.
(1) في إحكام الأحكام زيادة (رطب).
(2)
في إحكام الأحكام زيادة (وهو).
(3)
البخاري برقم (244)، ومسلم (254)، والنسائي (1/ 9)، وأبو داود برقم (49)، وابن خزيمة برقم (141)، وابن حبان برقم (1070)، والبيهقي (1/ 35)، وأحمد (4/ 417)، والبغوي (1/ 396).
(4)
في الأصل (في)، والتصحيح من ن ب ج.
وقيل: إلى الأشعر بن سبأ أخي حمير بن سبأ.
وأمه: ظبية بنت وهب بن علي أسلمت وماتت بالمدينة. وكان هو [وأبو عامر](1) وأبو بردة وأبو رهم [بنو](2) قيس إخوة أربعة أسلموا كلهم في موضع واحد، صحابيون. وكان أبو موسى حليفًا لبني عبد شمس، واختلف فيمن حالف منهم على قولين:
أحدهما: أنه حالف بعد قدومه مكة مع إخوته في جماعة الأشعريين أبا أُحيحة سعيد بن العاص بن أمية، ثم أسلم بعد ذلك
وهاجر إلى أرض الحبشة، قاله الواقدي:
ثانيهما: أنه حليف آل عتبة بن ربيعة، قاله ابن إسحاق وذكره فيمن هاجر من حلفاء بني عبد شمس إلى الحبشة.
واختلف في هجرة أبي موسى وقومه إلى أرض الحبشة على قولين:
أحدهما: أنه لما قدم مكة وحالف من حالف انصرف إلى بلاد قومه ولم يهاجر إليها، ثم قدم مع إخوته [فصادف](3) قدومه قدوم السفينتين من الحبشة، قاله جماعة من أهل السير والنسب، وأصحهما كما قال أبو عمر: أنه لم يهاجر إليها وإنما رجع بعد مخالفته إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم مع الأشعريين نحو خمسين رجلًا في سفينة، فألقتهم الريح إلى النجاشي بأرض الحبشة فوافقوا
(1) في ن ج ساقطة.
(2)
في ن ب (بن).
(3)
في ن ب (وصادف).
خروج جعفر وأصحابه منها فأقاموا معهم، وقدمت السفينتان معًا سفينة الأشعريين وسفينة جعفر وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر فأسهم لهم ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر غيرهم.
وقيل: إنهم أقاموا بالحبشة بعد رمي الريح لهم إليها مدة ثم خرجوا منها بعد خروج جعفر فذكروا فيمن هاجر إليها.
عمل أبو موسى للنبي صلى الله عليه وسلم على زبيد وعدن إلى الساحل، ثم ولاه عمر البصرة حين عزل عنها المغيرة، فلم يزل عليها إلى صدر من خلافة عثمان فعزله عنها فانتقل إلى الكوفة، فسأل أهلُها عثمانَ أن يوليه عليهم فأقره عليها إلى أن قتل، فعزله [علي](1) عنها، وكان في نفسه من ذلك إلى أن جاء منه ما قال حذيفة فيه مما يكره ذكره، ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان [قاله](2) أبو عمر.
وذكر غيره أنه ولي الكوفة لعمر وتبعته فيما أفردته في رجال هذا الكتاب، وشهد رضي الله عنه وفاة [أبي عبيدة](3) بالأردن، وخطبة عمر بالجابية، وقدم دمشق على معاوية.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وستون حديثًا، اتفقا منها على خمسين، قاله الحافظ عبد الغني. وقال ابن الجوزي: على تسعة وأربعين. وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة عشر، وروى عنه من الصحابة أنس بن مالك، وخلق من التابعين، وأولاده أبو بردة
(1) زيادة من ن ب ج.
(2)
في ن ب (قال).
(3)
في ن ب (أبي عبيد)، والأُرْدُنَّ: انظر معجم البلدان (1/ 147).
وأبو بكر وإبراهيم وموسى. وروى عن جماعة من الصحابة، وكان من فقهائهم ومشاهيرهم ونساكهم، وهو معدود من أهل البصرة.
سئل علي رضي الله عنه عنه فقال: صُبغَ في العلم صبغة. وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن. قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لقد أوتي مزمارًا من مزامير [آل] (1) داود"(2). وكان عمر إذا رآه يقول: ذكرنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده. وقال الشعبي: كانت القضاة أربعة: عمر وعلي وزيد بي ثابت [وأبو](3) موسى رضي الله عنهم. وكان رضي الله عنه قصيرًا خفيف اللحم [أثَطَّ](4)، وفي الحديث "يقدم عليكم الأشعريون" فلما أن قدموا تصافحوا فكانوا أول من أحدث المصافحة. وقال الشعبي: كنت عمر في وصيته أن لا يتولى عامل أكثر من سنة وأقرها الأشعري أربع سنين. ويروى أنه عليه السلام استغفر له، فقال:"اللهم اغفر [لعبد الله] (5) بن قيس ذنبه وأدخله مدخلًا كريمًا".
وفي وفاته ستة أقوال:
أحدها: سنة اثنتين وأربعين.
ثانيها: سنة أربع وأربعين في ذي الحجة عن ثلاث وستين سنة.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
متفق عليه.
(3)
في ن ب (وأبي).
(4)
في ن ب بياض بمقدار كلمتين.
(5)
في ن ب (لعبد).
ثالثها: سنة خمسين.
رابعها: سنة ثلات وخمسين.
خامسها: سنة إحدى وخمسين.
سادسها: سنة اثنين.
وفي موضع قبره قولان:
أحدهما: بداره بالكوفة، وقال بعضهم: دفن بالثوبة على ميلين من الكوفة.
ثانيهما: بمكة، يقال: إنه خرج إلى مكة حياء من علي فمات بها.
ومناقبه وفضائله مستوفاة في تاريخ دمشق.
الوجه الثاني: قوله: "يقول أُعْ أُعْ" الضمير في (يقول) يحتمل أن يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر فيكون القول حقيقة.
ويحتمل على بُعد- أن يعود إلى السواك ويكون من باب: امتلأ الحوض وقال: قطني. ووجه بعده: إن السواك ليس له صوت يسمع ولا قرينة حال تشعر بذلك.
الثالث: "أُعْ أُعْ" هو بضم الهمزة وسكون العين المهملة (1) وفيه ثلاث روايات أخرى:
الأولى: "عا عا" رواه النسائي وابن خزيمة (2) وابن حبان.
(1) في العدة حاشية إحكام الأحكام (1/ 286)، وروي بفتح الهمزة.
(2)
انظر: ت (3) ص (598).
الثانية: "إخ إخ" بكسر الهمزة وخاء معجمة، رواه الجوزقي في صحيحه.
الثالثة: "أُهْ أُهْ" بهمزة مضمومة، وقيل: مفتوحة، والهاء ساكنة، رواه أبو داود (1)، وكلها عبارة عن إبلاع السواك إلى أقاصي الحلق.
الرابع: قوله: "كأنه يتهوع" أي يتقيأ، أي له صوت كصوت التهوع الذي يتقيأ لا أنه يتقيأ، قال ابن التياني (2) في الموعب: عن صاحب العين: هاع الرجل يهوع هوعًا وهواعًا: جاءه القيء من غير تكلف فما خرج من حلقة هواعه، وهوعته ما أكل، استخرجته من حلقي، وعن إسماعيل: الهوعا [مثال عسرا](3) من التهوع.
وعن قطرب (4): [الهيعوعة](5) من الهواع. قال ابن [سيده](6):
(1) انظر: ت (1) ص (602).
(2)
سبق التعريف به ت (1) من (477).
(3)
في ن ب (مبدلاّ عرًا)، وفي ن ج (مثل). بحثت في الصحاح (3/ 1309)، وفي المحيط في اللغة (2/ 77)، ولم أجد هذه الكلمة التي بين قوسين.
(4)
هو أبو علي محمد بن المستنير بن أحمد المعروف بقطرب المتوفى سنة (206)، له مؤلفات منها: غريب الحديث، المثلث، النوادر، خلق الإِنسان، خلق الفرس، كتاب الوحوش، كتاب الازمة، كتاب الصفات، الغريب المصنف في اللغة وغيرها.
(5)
في ن ج: الهيوعة.
(6)
في الأصل ون ب (ابن السيد)، والتصحيح من ن ج، وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن إساعيل المرسي المعروف بابن سيده، المتوفي سنة =
هيعوعة في باب الواو، ولا يتوجه اللهم إلَّا أن يكون محذوفًا.
الخامس: في الحديث الاستياك على اللسان [لقوله: "وطرف السواك على لسانه يقول: "أُعْ أُعْ" وذلك إنما يتأتى بالاستياك على
اللسان] (1)، وقول الشيخ تقي الدين (2): إن اللفظ الذي أورده صاحب الكتاب وإن كان ليس بصريح في الاستياك على اللسان فقد ورد مصرحًا به في بعض الروايات ليس بجيد فإنه صريح في ذلك كما قررته لك.
وفي مسند الإِمام أحمد عن أبي موسى قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك وهو واضع طرف السواك على لسانه يستن إلى فوق" فوصف حماد كأنه يرفع سواكه. قال حماد: ووصفه لنا غيلان، قال: كأنه يستاك طولًا (3). وفي رواية للطبراني في أكبر معاجمه عنه قال: "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فرأيته يستاك على لسانه". والعلة المقتضية للاستياك على الأسنان موجودة في اللسان، بل هي أبلغ وأقوى لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة لكن ذكر الفقهاء أنه يستحب أن يستاك عرضًا. قال الشيخ (4) تقي الدين:
= (458) هـ له مؤلفات منها: المخصص، المحكم، شاذ اللغة، العويص في شرح إصلاح المنطق، تقريب الغريب المصنف، كتاب التذكير والتأنيث وغيرها.
(1)
زيادة من ن ب.
(2)
إحكام الأحكام (1/ 292).
(3)
المسند (4/ 417).
(4)
إحكام الأحكام (1/ 292).
[وذلك](1) في الأسنان وأما اللسان فقد ورد منصوصًا عليه في بعض الروايات: الاستياك فيه طولًا.
قلت: كأنه يشير إلى رواية الإمام أحمد التي أسلفناها، وقد وردت أحاديث ضعاف في الاستياك عرضًا:
الأول: حديث عطاء بن أبي رباح رفعه: "إذا استكتم فاستاكوا عرضًا" رواه أبو داود في مراسيله، وفيه أيضًا من لا يعرف حاله (2).
الثاني: حديث بهز بن حكيم "كان عليه السلام يستاك عرضًا"(3).
الثالث: حديث ربيعة بن أكثم مثله (4).
الرابع: حديث عائشة: كان عليه السلام يستاك عرضًا ولا يستاك طولًا (5).
وهذه الأحاديث قد بينتُ من خرجها بعللها في تخريجي
(1) في ن ب (وهذا).
(2)
المراسيل لأبي داود رقم (5)، ضعفه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 40)، والنووي في المجموع (1/ 280).
(3)
انظر: تلخيص الحبير فإنه قد حكم عليه بالضعف (1/ 65)، والاستذكار (1/ 394، 395).
(4)
تلخيص الحبير، قال: إسناده ضعيف جدًا (1/ 65)، والاستذكار (1/ 394، 395).
(5)
انظر: تلخيص الحبير (1/ 65، 66).
لأحاديث الرافعي (1)، وجمع بعضهم بين هذه الأحاديث وحديث الباب بأنها في استياك الأسنان وهو عرضًا، وحديث الباب في
استياك اللسان وهو طولًا فلا تعارض بينها.
السادس: ترجم هذا الحديث باستياك الإِمام بحضرة رعيته [وقدمتُ في آخر الحديث الأول من باب السواك أن ابن حبان في صحيحه ترجم على الإباحة للإِمام أن يستاك بحضرة رعيته](2) إذا لم يكن يحتشمهم، ثم ساق حديثًا من طريق أبي موسى (3).
[وأكثر](4) التراجم التي يترجم بها أصحاب التصانيف على الأحاديث، إشارة إلى المعاني المستنبطة منها، على ثلاث مراتب: منها [ما هو ظاهر في الدلالة على المعنى المراد، ومنها ما هو [خفي](5) الدلالة على المراد بعيد مستكره لا يتمشى إلَّا بتعسف] (6)، ومنها ما هو [ظاهر](7) الدلالة على المعنى [المراد](8) إلَّا أن فائدته قليلة لا تكاد تستحسن، مثل ما ترجم البخاري في صحيحه (9) باب
(1) انظر: البدر المنير لابن الملقن رحمنا الله وإياه (3/ 123، 132).
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
ابن حبان (2/ 203).
(4)
في ن ب (أيضًا)، بدل (أكثر)، وهي ساقطة من الأصل، وما أثبت من ن ج.
(5)
في الأصل (خفيها).
(6)
هذه ساقطة في النسخ، وصححت من إحكام الأحكام (1/ 70).
(7)
في الأصل ون ب (ظاهرها).
(8)
ساقطة من جميع النسخ.
(9)
البخاري (124)، والزيادة من الصحيح.
"السواك [والفتيا] (1) عند رمي الجمار". وهذا القسم يحسن إذا كان لمعنى يخص الواقعة لا يظهر لكثير من الناس في بادئ الرأي كترجمة هذا الحديث، فإن الاستياك [من](2) أفعال البذلة والمهنة، ويلازمه أيضًا من إخراج البصاق وغيره ما لعلّ بعض الناس يتوهم أن ذلك يقتضي إخفاءه وتركه بحضرة بعض الرعية، وقد اعتبر الفقهاء ذلك في مواضع كثيرة كالأكل والشرب في المواضع التي لم تجبر العادة بالأكل والشرب فيها كالطرق والأسواق [وهو](3) الذي يسمونه بحفظ المروءة (4).
فأورد هذا الحديث لبيان أن الاستياك ليس من قبيل ما يطلب إخفاؤه ويتركه الإِمام بحضرة الرعايا إدخالًا له في باب العبادات
والقربات، ويحسن هذا القسم أيضًا إذا كان فيه رد على مخالف في المسألة لم تشتهر مقالته، مثل ما ترجم على أنه لا يقال: ما صلينا، فإنه نقل عن بعضهم أنه كره ذلك، فرد عليه بقوله عليه السلام "ما صليتها"(5)، ويحسن أيضًا إذا كان سبب الرد على فعل شائع بين
(1) زيادة من البخاري.
(2)
في ن ساقطة.
(3)
في ن ب (وهذا).
(4)
في ن ج "حاشية": عن بعضهم كراهية السواك في الطريق. وقيل: إنه من جملة ما أحدثه قوم لوط وأنكر عليهم، أقول:"فيه نظر".
(5)
قال البخاري في صحيحه، الفتح (2/ 123) قال ابن حجر عليه في شرح الترجمة "باب قول الرجل ما صلينا" قال: قال ابن بطال: فيه رد لقول إبراهيم النخعي: يكره أن يقول الرجل لم نصلِّ، ويقول نصلي، قلت: =
الناس لا أصل له فيذكر الرد على من فعل ذلك الفعل، كما اشتهر بين الناس في هذا المكان التحرز عن قولهم: ما صلينا، إذ لم يصح أن أحدًا كرهه، نبه على ذلك الشيخ تقي الدين.
= وكراهة النخعي إنما هي في حق منتظر الصلاة، وقد صرح ابن بطال بذلك، ومنتظر الصلاة في صلاة كما ثبت بالنص، فإطلاق المنتظر: ما صلينا، يقضي نفي ما أثبته الشارع فلذلك كرهه، والإطلاق الذي في حديث الباب إنما كان من ناسٍ لها أو مشتغلٍ عنها بالحرب، فافترق حكمهما وتغايرا.