المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 19/ 6/ 2 - عن عبد الله بن عباس - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمة المحقق

- ‌ترجمة موجزة للحافظ عبد الغني صاحب "العمدة

- ‌أولًا- مصادر الترجمة على حسب تواريخ وفيات مؤلفيها:

- ‌ثانيًا- ترجمته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته:

- ‌عصر المقدسي:

- ‌أهم الأحداث التاريخية في عصره:

- ‌حالة المجتمع في عصره:

- ‌الحالة التعليمية:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌ما قيل عنه في حفظه:

- ‌ألقابه وثناء العلماء عليه:

- ‌المحنة التي مرَّ بها الحافظ:

- ‌عقيدته:

- ‌تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ولداه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة المصنف "ابن الملقن

- ‌للاستزادة من الترجمة راجع:

- ‌اسمه:

- ‌لقبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته الذاتية:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌جمعه للكتب:

- ‌مصير هذه المكتبة:

- ‌عقيدته، وصوفيته:

- ‌مناصبه:

- ‌ابتلاؤه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نذكر من مؤلفاته ما يلي:

- ‌ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌أبناؤه:

- ‌وفاته:

- ‌ الكتاب

- ‌عنوان الكتاب:

- ‌ترجيح العنوان:

- ‌وصف النسخ:

- ‌أهمية الكتاب

- ‌بيان عملي في الكتاب:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث والرابع والخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والتاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌(الحديث الثالث عشر)

- ‌2 - باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌3 - باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌4 - باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌5 - باب في المذي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 19/ 6/ 2 - عن عبد الله بن عباس

‌الحديث السادس

19/ 6/ 2 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، فأخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا"(1).

الكلام عليه تسعة وعشرين وجهًا:

الأول: في التعريف براويه.

هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي أبيه، وحبر الأمة، وبحر العلم وأبو الخلفاء وترجمان القرآن، وأحد العبادلة الأربعة كما قدمناه في الحديث الرابع في ترجمة ابن عمر رضي الله عنهما دعا له

(1) رواه البخاري برقم (216)، ومسلم مع النووي (3/ 200)، وأبو داود برقم (20)، والنسائي (1/ 28، 30)، والترمذي برقم (70)، وابن ماجه برقم (349)، والدارمي (1/ 188)، والمسند (1/ 225) وعن أبي بكرة مثله في المسند (5/ 35، 36).

ص: 504

رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة والتفقه في الدين وتعلم التأويل أي تأويل القرآن فأخذ عنه الصحابة رضي الله عنهم ذلك، ودعا له أيضًا، فقال:"اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين، اللهم زده علمًا وفقهًا". وهي أحاديث صحاح كلها كما قال [أبو](1) عمر قال: وقال مجاهد عن ابن عباس: رأيت جبريل عليه السلام مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين.

وكان عمر بن الخطاب يحبه ويدنيه ويقربه ويدخله مع كبار الصحابة ويشاوره ويعده للمعضلات ويقول: هو فتى الكهول له لسان سؤول وقلب عقول. وقال ابن مسعود: هو ترجمان القرآن لو أدرك أسناننا ما عاشره منا رجل. وقال القاسم بن محمد ومجاهد: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلَّا أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [وقال طاووس: أدركت نحو خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم](2) إذا خالفوا ابن عباس لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج ابن عباس حاجًا مع معاوية فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب [ممن](3) يطلب العلم. وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، وإذا تكلم، قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث، قلت: أعلم الناس. وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلًا قط، وما سمعت فتوى أشبه بالسنة من فتواه. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت

(1) في ن ب ج (ابن).

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

في ن ج ساقطة.

ص: 505

مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس، الحلال والحرام والعربية والأنساب- وأحسبه قال: والشعر.

[وقال](1) أبو وائل شقيق: خطبنا ابن عباس وهو على الموسم فافتتح سورة النور فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمعت كلام رجل مثله، لو رأته فارس والروم (2) لأسلمت. وقال [عبيد الله] (3) بن عبد الله: ما رأيت أحدًا كان أعلم بالسنة ولا أجلد رأيًا ولا أثقب نظرًا من ابن عباس، ولقد كان عمر يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين، قال الحسن: وهو أول من عرف بالبصرة فقرأ سورة البقرة ففسرها آية آية.

وعن الشعبي أن عليًا استخلفه على البصرة، ولما قتل عليٌّ حمل ابن عباس مبلغًا من المال ولحق بالحجاز واستخلف على البصرة عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي. وقال أبو عبيدة: كان على ميسرة علي يوم صفين. وقال كريب: رأيت ابن عباس كان يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرًا. وكان قد عمي في آخر عمره، قال الطبراني في أكبر معاجمه: كأبيه وجده [فيما بلغني](4). وروى أنه رأى رجلًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعرفه فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيته؟ قال: نعم. قال: ذاك جبريل، أما أنك [ستفقد](5)

(1) في ن ب (قال).

(2)

في ن ب زيادة (والترك).

(3)

في الأصل (عبد الله)، والتصحيح من ن ب ج.

(4)

زيادة من ن ب ج.

(5)

في ن ب (سيفقد).

ص: 506

بصرك، فعمي بعد ذلك في آخر عمره وفي ذلك يقول:

إن يأخذ الله من عيني نورهما

ففي لساني وقلبي منهما نور

قلبي ذكي وعقلي غير ذي دغل

وفي فمي صارم كالسيف مأثور

[وإن أحسن شيء أنت تظهره

صبرًا إذا ما جرى بالكره مقدور] (1)

ولد رضي الله عنه وبنو هاشم في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة قد ناهز الاحتلام، وقيل ابن عشر، وقيل ابن خمس عشرة، قاله أحمد بن حنبل، وقال: هو أصح. والذي عليه أهل التاريخ هو الأول، وروي عنه أنه قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ختين. رواه البخاري في صحيحه في باب الختان بعد الكبر، وقيل إنهم كانوا يختنون للبلوغ، ووقع في كلام الحافظ أبي الفضل المقدسي في [أربعينه] (2) وتبعه الفاكهي أنه قال: إن ذلك غير ثابت وهو عجيب، فقد أخرجه البخاري من حديث سعيد بن جبير عنه.

ومن مناقبه أنه بات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة خالته وتهجد معه كما سيأتي في الكتاب في موضعه. وأردفه يومًا وقال: ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن

الحديث.

وكان من أكثر الصحابة حديثًا، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة وستين حديثًا، اتفقا منها على خمسة وسبعين،

(1) في ن ج ساقطة.

(2)

في ن ب (اراخيرة).

ص: 507

وانفرد البخاري بمائة وعشرين، ومسلم بتسعة وأربعين، قاله الحميدي والحافظ عبد الغني، وقال ابن الجوزي: أخرجا له في

صحيحيهما مائتي حديث وأربعةً وثلاثين حديثًا، اتفقا منها على خمسة وسبعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة

وأربعين، روى عنه جماعة من الصحابة منهم أنس وابن عمر وخلق من التابعين: وروى عنه أيضًا أخوه كثير بن العباس.

ووقع في [أثناء](1) النصف الثاني من المستصفى للغزالي أن ابن عباس مع كثرة روايته، قيل: إنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا أربعة أحاديث لصغر سنه، وصرَّح بذلك في حديث "إنما الربا في النسيئة" وقال: حدثني به أسامة بن زيد، ولما روى حديث [قطع] (2) التلبية حين رمي جمرة العقبة قال: حدثني به أخي الفضل، والذي حكاه غيره أن له تسعة أحاديث، قاله يحيى القطان وأبو داود، وغيره، كما قاله غندر.

مات رضي الله عنه بالطائف، وقبره بها مشهور (3) يزار، سنة ثمان وستين، ابن إحدى وسبعين سنة على الصحيح، في أيام ابن الزبير، وكان قد اعتزله ولم يبايعه، [رحل](4) إلى الطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية وكبَّر عليه أربعًا، وقال: اليوم مات رباني هذه

(1) في الأصل (أنهما)، والتصحيح من ن ب ج.

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

في ن ب زيادة (بها).

(4)

في ن ب ج (وتحول).

ص: 508

الأمة، وضرب على قبره فسطاطًا، ولما ادرج في كفنه دخل فيه طائر أبيض فما رؤي حتى الساعة، فلما سوِّي عليه سمع من يقرأ هذه الآية ولا يرى شخصه:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)} (1) الآية، قاله ميمون بن مهران، وقال أبو عمر: روي أن طائر (2) خرج من قبره فتأولوه علمه خرج إلى الناس، ويقال: بل دخل قبره طائر [أبيض](3) فقيل: إنه بصره في التأويل.

وكان للعباس بن عبد المطلب عشرة أولاد: الفضل، وقثم، وعبد الله، [وعبيد الله](4)، وعبد الرحمن، ومعبد -وأمهم أم الفضل لبابة الصغرى- وعون، والحارث، وكثير، وتمام، وهو أصغرهم، فكان العباس يحمله ويقول:

تموا بتمام فصاروا عشرة

يا رب فاجعلهم كرامًا بررة

اجعلهم [ذكرى](5) وأنم الثمرة

ومات كثير بينبع، أخذته الذبحة، واستشهد الفضل بأجنادين، وعبد الرحمن ومعبد بأفريقية، وعبد الله بالطائف، وعبيد الله باليمن، وقيل: بالشام، وقثم بسمرقند، أخذته الذبحة، قال مسلم المكي: ما رأيت مثل بني أم واحدة أشراف ولدوا في دار واحدة أبعد قبورًا

(1) سورة الفجر: آية 27.

(2)

في ن ب زيادة (أبيض).

(3)

في ن ب ج ساقطة.

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

في ن ب (دلاي).

ص: 509

من بني أم الفضل، وقد أفردت سيرته رضي الله عنه بالتصنيف. وهذا القدر كاف هنا والله الموفق.

الوجه الثاني: قوله: "مرّ بقبرين" أي بصاحب قبرين، فعبر بالقبرين عن صاحبهما مجازًا من باب تسمية الشيء بمحله.

الثالث: القبر: جمعه قبور في الكثرة وأقبر في القلة، واستعمل مصدرًا، قالوا: قبرته [أقبره](1) قبرًا، قال صاحب العين (2): القبر مدفن الإِنسان [والمَقْبر والمقْبرةَ موضع القبر، وقال ابن السكيت (3): هي المقبر والمقبرة](4) وسيأتي في باب التشهد كسر الباء أيضًا. وقال سيبويه: ليست المقبرة على المفعل ولكنه اسم كالمشربة.

قال ابن السكيت: وقد يقال أقبرته: صيرت له قبرًا يدفن فيه.

وفي المحكم: قبره يقبره وتقبره: دفنه، وفي الجامع: أقبرته إقبارًا إذا أعنت على دفنه، وفي المغرب للمطرزي (5): المقبرة بالضم

موضع القبر، والفتح لغة، والمقبر بالفتح لا غير، والمقابر جمع لهما.

(1) زيادة من ن ج.

(2)

انظر: المخصص (6/ 133).

(3)

انظر: المرجع السابق. قال في المشوف المعلم في ترتيب إصلاح المنطق (2/ 620) يقال: مَقْبَرَةٌ، ومَقْبُرَةٌ وهو المَقبَرِيُّ بالضم والفتح -أي الباء- والقُبَّرَةُ بتشديد الباء والجمع قُبَّرٌ.

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

(2/ 155).

ص: 510

قلت: وللقبر أسماء أحدها: الرَّمْسُ بالراء، ثانيها: الجَدَثُ، ثالثها: الجَدَفُ، رابعها: البيت، خامسها: الضريح، سادسها: الرَّيْمُ، سابعها: الرجم، ثامنها: البلد. قال الشاعر:

كل امرئ تارك أحبته

ومسلم نفسه إلى البلد

ذكرهن صاحب المخصص (1)، التاسع: الختان، ذكره ابن السكيت والعسكري، العاشر: الجامور، ذكره [الهنائي](2) في المنتخب (3)، الحادي عشر: الدمس بالدال، الثاني عشر: المنهال، ذكرهما ابن السكيت والعسكري (4).

الرابع: إن قلت: هل عرف تعيين مكان هذين القبرين؟

قلت: في صحيح البخاري (5) في كتاب الأدب أنهما بالمدينة في بعض حيطانها، وفي رواية له في الطهارة: "أنه مَرَّ بحائط

[من](6) حيطان مكة أو المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان

"

(1) انظر: (6/ 133، 135).

(2)

في الأصل (العبادي)، وفي ب (الهباني)، وفي ج (الهنادي).

(3)

المنتخب للهنائي (1/ 346).

(4)

بحثت في إصلاح المنطق لابن السكيت والتلخيص للعسكري، ومعجم بقية الأشياء فلم أجد ما ذكره هنا.

والزيادة على هذه المعاني ذكر في التلخيص (731) النَّاوُوس إن كان عربيًا فهو من قولهم: نوَّس بالمكان إذا أقام به. اهـ.

(5)

البخاري برقم (6055).

(6)

زيادة من ن ب.

ص: 511

الحديث (1). وفي الترغيب والترهيب لأبي موسى المديني من حديث [ابن](2) لهيعة عن أسامة بن زيد عن [أبي](3) الزبير عن جابر قال: "مرّ نبي الله على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة"، ثم قال: حديث حسن، وإن كان إسناده ليس بالقوي، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن ييبسا معنى، ولكن لما رآهما يعذبان لم يستجز (4) من لطفه وعطفه حرمانهما [في](5) ذلك فشفع لهما إلى المدة المذكورة، ولما رواه الطبراني في [أصغر] (6) معاجمه [بلفظ] (7) أنه عليه السلام مرّ على قبور نساء من بني النجار هلكن في الجاهلية فسمعهنَّ يعذبن في النميمة. قال: لم يروه عن (8) أسامة إلَّا ابن لهيعة.

قلت: ورواه عيسى بن طهمان عن أنس أنه عليه السلام "مرّ

(1) البخاري برقم (216).

(2)

في ن ب (أبي).

(3)

في الأصل (ابن)، والتصحيح من ن ب ج.

(4)

فتح الباري (1/ 321)، مع اختلاف في بعض العبارات ولا يؤثر على المعنى وقد ضعف الحديث أيضًا، ثم قال: وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم، وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة.

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

في ن ب (أوسط).

(7)

في ن ب (ولفظه). انظر: مجمع الزوائد (3/ 55) ومثله عند أحمد، قال الهيثمي: رجال أحمد الصحيح إلَّا في إسناد الطبراني ابن لهيعة.

(8)

في الأصل زيادة (ابن)، والتصحيح من ن ب ج. انظر: مجمع الزوائد (3/ 55).

ص: 512

بقبرين من بني النجار يعذبان في النميمة والبول" وفي بعض طرق حديث ابن عباس: "مرّ بقبرين من قبور الأنصار" ولعله بالمعنى إذ بنو النجار من الأنصار، ورواه أبو موسى من حديث أبي هريرة بلفظ: "قبرين: رجل لا يتطهر من البول، وامرأة تمشي بالنميمة". ولابن أبي شيبة [ما فيهما] (1) نداوة، وفي رواية لابن حبان: مر بقبر فوقف عليه وقال: "ائتوني بجريدتين" فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه.

وفي تاريخ بخشل (2) من حديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطًا لأم ميسرة فإذا بقبرين

" الحديث، وفي آخره: ثم قال: "لا يرفعان عنهما حتى يجفا". قال الدارقطني: تفرد به أبو إسرائيل عن الأعمش، كذا قال.

وقد رواه ابن أبي الدنيا (3) من حديث النضر بن (4) شميل عن أبي العوام (5) عن أبي الزبير (6) عن جابر به.

(1) في ن ب ج (ما فيها)، وفي ابن شيبة (3/ 376)(ما بقيت فيه ندوة) مع الاطلاع على بقية ألفاظه هناك.

(2)

تاريخ واسط لبخشل (250)، ولفظه (ترفّه عنهما حتى يجفا).

(3)

في الصمت وأدب اللسان (309)، وذم الغيبة والنميمة (52).

(4)

أبو الحسن النحوي ثقة مات وله (82) سنة عام (204)، من كبار التاسعة تهذيب التهذيب (10/ 437، 438).

(5)

هو عبد العزيز بن ربيع الباهلي، ثقة، تقريب التهذيب (1/ 509).

(6)

هو محمد بن تدرس المكي، أبو الزبير مدلس مات سنة (126)، تقريب (2/ 207).

ص: 513

ورواه أبو الفضل الجوزي في ترغيبه وترهيبه (1) من حديث عطاء عن جابر.

الخامس: قال القرطبي (2): اختُلف في هذين المعذبين هل كانا من أهل القبلة أم لا؟ فإن كانا منها فالمرجو نخفيف العذاب

عنهما [بذلك](3) مطلقًا، وإلَاّ فالمرجو تخفيف العذاب المطلق بهذين الذنبين المذكورين.

قلت: حديث جابر الذي أسلفناه يدل للثاني.

وقال ابن العطار في شرحه: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين أو منافقين؛ لأنهما لو كانا كذلك لم يَدْعُ لهما بتخفيف العذاب أو لم يرجه لهما، ولو كان من خواصه في حقهما لبينه.

قلت: وردّ بعضهم على المرجئة القائلين بأن المعصية لا تضر مع الإِيمان وأن الإِيمان يمحو أثرها بهذا الحديث (4). وقال: كانا

(1)(3/ 134) قال إبراهيم الحربي: قول أبي بكر بن نافع عن عطاء خطأ، وإنما هو عن الزبير. اهـ، وقوله:(أبوالفضل) خطأ، وإنما هو أبو القاسم.

(2)

أشار إليه في المفهم (2/ 651) بأنه سوف يشرحه في حديث جابر الطويل الذي في آخر مسلم.

(3)

في ن ب (لذلك).

(4)

اعلم أن المرجئة والوعيدية من القدرية بين طرفي نقيض، فالمرجئة المنسوبون إلى الإِرجاء لتأخيرهم الأعمال عن الإِيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق، وقالوا: لا يضر مع الإِيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وعندهم أن الأعمال ليست داخلة في مس الإِيمان، =

ص: 514

مؤمنين ولذلك استغفر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلَاّ فهو [منهي عن](1) الاستغفار للمشركين.

السادس: قوله عليه السلام عند مروره بهما: "إنهما ليعذبان" هو من الضمير الذي يفسره سياق الكلام إذ ليس في اللفظ ما يعود عليه الضمير فهو من باب قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)} (2)، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} (3) وأشباه ذلك وورد مصرحًا به عند ابن أبي شيبة (4)

= وأن الإِيمان لا يتبعض وأن مرتكب الكبيرة كامل الإِيمان غير معرض للوعيد، ومذهبهم باطل ترده أدلة الكتاب والسنة. أما الوعيدية فهم القائلون بإنفاذ الوعيد وأن مرتكب الكبيرة إذا مات ولم يتب منها فهو خالد مخلد في النار، وهو أصل من أصول المعتزلة -أي إنفاذ الوعيد- وبه تقول الخوارج، قالوا؛ لأن الله لا يخلف الميعاد، وقد توعد العاصين بالعقوبة، فلو قيل: إن المتوعد بالنار لا يدخلها لكان تكذيبًا لخبر الله. وأهل السنة توسطوا في ذلك فقالوا: إن مرتكب الكبيرة ناقص الإِيمان آثم وهو معرض نفسه للعقوبة وهو تحت مشيئة الله إذا مات من غير توبة إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ولكنه لا يخلد في النار بل يخرج منها بعد التطهير والتمحيص من الذنوب- اهـ. الكواشف الجلية للشيخ عبد العزيز السلمان (500/ 501).

(1)

في الأصل (مبني على)، والتصحيح من ن ب ج.

(2)

سورة ص: آية 32.

(3)

سورة القدر: آيه 1.

(4)

ابن أبي شيبة (3/ 376)، والمسند (4/ 172)، والطبراني (22/ 265، 275)، وقال ابن حجر في الفتح (10/ 471) ورواته موثقون والموجود =

ص: 515

لكن من حديث يعلى بن سيابة: "مرَّ عليه السلام بقبر يعذب صاحبه في غير كبيرة" وأن يجوز [أن](1) تكون مبتدأ ويجوز أن تكون جوابًا لقسم محذوف، أي: والله إنهما ليعذبان.

السابع: فيه دلالة على إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل السنة وجمهور المعتزلة كما ستعلمه، وهو [ما](2) يجب اعتقاد حقيقته، وهو مما نقلته الأمة متواترًا.

فمن أنكر عذاب القبر أو نعيمه فهو كافر؛ لأنه كذَّب الله تعالى ورسوله في خبرهما.

وقال القاضي عبد الجبار المعتزلي في طبقاته: إنما أنكر ذلك أولًا: ضرار بن عمرو (3) لما كان من أصحاب واصل ظُن ذلك

= في المصنف يعلى بن شيابة، وأيضًا فتح البارى (10/ 471) بخلاف الموجود في تجريد أسماء الصحابة للدارقطني (2/ 144): يعلى بن سيابة الثقفي، وضبطه البخاري في تاريخه (2/ 314) هكذا: يعلى بن سَيَابة. وضبطه في التعجيل بالكسر، وهو مختلف في صحبته كما في الثقات لابن حبان (3/ 441). وانظر: الاختلاف في الاسم (الثقات) لابن حبان (3/ 440)، والإِصابة (6/ 353)، والتهذيب (11/ 401، 404). وللحديث شواهد عند أبي داود الطيالسي عن ابن عباس بسند جيد، وعند الطبري في التفسير عن أبي أمامة، وأكل لحوم الناس يصدق على الغيبة والنميمة.

(1)

في ن ب (بأن).

(2)

في ن ب (مما).

(3)

في ن ب ساقطة، ويستقيم الكلام بدونها.

ص: 516

مما أنكرته المعتزلة وليس الأمر كذلك، بل المعتزلة رجلان:

أحدهما: يجوّز ذلك كما وردت به الأخبار.

والثاني: يقطع بذلك، قال: وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك، وإنما ينكرون قول جماعة سنن الجهلة إنهم يعذبون وهم موتى، ودليل العقل يمنع سنن ذلك، ونقل القرطبي (1) عن الملحدة ومن تمذهب بمذهب الفلاسفة إنكاره، ثم قال: والإِيمان به واجب حسب ما أخبر به الصادق صلى الله عليه وسلم وأن الله يحيي العبد ويرد إليه الحياة والعقل، بهذا نطقت الأخبار وهو مذهب أهل السنة والجماعة، ولذلك يكمل العقل للصغار ليعلموا منزلتهم وسعادتهم، وقد جاء أن الأرض تنضم [عليه](2) كالكبير، وصار أبو الهذيل وبشر إلى أن سنن خرج عن سمة الإِيمان فإنه يعذب بين النفختين، ولأن المساءَلة إنما تقع في تلك

الأوقات، وأثبت البلخي والجبائي وابنه عذاب القبر، ولكنهم نفوه عن المؤمن وأثبتوه للكافر والفاسق.

وقال أكثر المعتزلة: لا يجوز تسمية الملائكة بمنكر ونكير (3)

(1) التذكرة: (107).

(2)

في ن ب (عليهم).

(3)

تسمية الملكين بمنكر ونكير:

ورد في حديث أبي هريرة مرفوعًا وهو مخرج في سنن الترمذي برقم (1071) وقال: حسن غريب. وابن أبي عاصم، في السنة برقم (2/ 402). والآجرى في الشريعة (365) قال الألباني في السلسة الصحيحة (3/ 380): جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي ابن إسحاق العامري كلام لا يضر. =

ص: 517

وإنما المنكر ما يبدو من تلجلجه إذا سئل، وتقريع الملكين له هو النكير.

وقال بعضهم: عذاب القبر جائز وأنه يجري على [الموتى](1) من غير رد أرواحهم إلى أجسادهم وأن الميت يجوز أن يألم ويحس وهذا مذهب جماعة من الكرامية.

وقال بعض المعتزلة: إن الله يعذب [الموتى](2) في قبورهم ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون فإذا حُشروا وجدو تلك الآلام، كالسكران والمغشي عليه، لو ضربوا لم يجدوا ألمًا (3) فإذا عاد

= ووردت أحاديث كثيرة في مسألة رد الحياة والعقل منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع خفق نعالهم، أتاه ملكان فيقررانه

" الحديث، وحديث البراء الطويل، وحديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتاني القبر، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أترد علينا عقولنا يا رسول الله؟ فقال: "نعم كهيئتكم اليوم" قال: فبقيه الحجر. أخرجه ابن حبان (3105) فهذا دليل على إرجاع العقول والحياة.

أما الصغير فالعلماء على قولين: أحدهم يقول: إنهم يمتحنون، وهو قول أكثر أهل السنة، والثاني: أنهم لا يمتحنون، وقالوا: إن المحنة لا تكون إلَّا لمن كلف في الدنيا. راجع الفتاوى (4/ 277 - 281).

(1)

في الأصل (المؤمن)، والتصحيح سنن ن ب ج.

(2)

في الأصل (المؤمنين)، والتصحيح سنن ن ب ج.

(3)

قال شيخ الإِسلام رحمه الله في الفتاوى (4/ 276): لا يجوز أن يقال ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب، مثلما يجده النائم في منامه، بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم، وهو نعيم حقيقي، أو عذاب =

ص: 518

عقلهم إليهم وجدوا تلك الآلام.

وأما الباقون سنن المعتزلة مثل ضرار (1) بن [عمرو](2) وبشر (3) المريسي ويحيى (4) بن أبي كامل وغيرهم: فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلًا.

وهذه أقوال كلها فاسدة تردها الأحاديث الثابتة، والله الموفق.

وإلى الإِنكار أيضًا ذهبت الخوارج وبعض المرجئة.

ثم المعذب عند أهل السنة: الجسد بعينه أو بعضه بعد إعادة الروح إليه [أو](5) إلى جزء منه، وخالف في ذلك محمد بن [حزم](6)

= حقيقي، ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك، إذا قال السائل: الميت لا يتحرك في قبره، والتراب لا يتغير، ونحو ذلك، مع أن هذه المسألة لها بسط يطول.

(1)

ضرار بن عمرو من رؤوس المعتزلة شيخ الضرارية، قال ابن حزم: كان ضرار ينكر عذاب القبر. الفهرست لابن النديم (214، 215)، الفرق بين الفرق (201)، وسير أعلام النبلاء (10/ 544).

(2)

في ن ب (عمر).

(3)

بشر بن غياث المريسي، نسبة إلى "مريس" قرية من قرى مصر- من المرجئة توفي سنة (218)، طبقات الإِسنوي (1/ 143)، الضعفاء (916).

(4)

يحيى بن أبي كامل من متكلمي الخوارج.

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

في ن ب (جرير). قال ابن حزم رحمنا الله وإياه في المحلى (1/ 21، =

ص: 519

وابن كرام (1) وطائفة، فقالوا: لا يشترط إعادة الروح، وهو فاسد توضحه الرواية السالفة (سمع صوت إنسانين يعذبان) فإن الصوت لا يكون [إلَّا](2) من جسم حي (3) أجوف (4).

فائدة: اختلف في فتنة القبر هل هي للمسلمين أو للكافرين؟

فذهب ابن عبد البر (5) إلى أنها لا تكون إلَّا لمؤمن أو منافق من

= 22) مسألة 39: مسُاءلةُ الأرواح بعد الموت حق، ولا يحيا أحد بعد موته إلى يوم القيامة، ولا ترد الروح إلَّا لمن كان ذلك له آية، ولم يَروِ أحدٌ، أن في عذاب القبر تردُّ الروح إلى الجسد إلَّا المنهال بن عمرو .. إلخ. أقول: كلامه خلاف ما وردت به الأحاديث عن عدد من الصحابة، ويكفي في الرد هذا الحديث الذي سمع فيه النبى صلى الله عليه وسلم صوت إنسانين.

وانظر كتابه الدرة فيما يجب اعتقاده (206، 215، 282).

(1)

هو أبو عبد الله محمد بن كرام السجستاني توفي في سنة (255) بالقدس. انظر: مقالات الإِسلاميين (1/ 205)، الفصل لابن حزم (4/ 5، 111)(5/ 74، 75)، والملل والنحل (1/ 99، 104).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب زيادة (أو).

(4)

انظر: ت 1 ص 241 من الحديث الثالث من كتاب الطهارة، والحديث في المسند من رواية أبي سعيد (3/ 3)، وأنس بن مالك (3/ 233)، وجابر بن عبد الله (3/ 346).

(5)

قال ابن عبد البر رحمنا الله وإياه في التمهيد (22/ 252) الآثار في هذا الباب إنما تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلَّا لمؤمن أو منافق، ممن كان في الدنيا منسوبًا إلى أهل القبلة ودين الإِسلام ممن حقن دمه بظاهر الشهادة، وأما الكافر الجاحد المبطل، فليس ممن يسأل عن ربه ودينه =

ص: 520

أهل القبلة ممن حقن الإِسلام دمه، وكذا قاله الحكيم الترمذي، ويدل له قوله عليه السلام:"إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فيقال: ما تقول في هذا الرجل؟ " يعني نفسه عليه السلام، والكافر مجاهر بعدم الاتباع.

وزعم أبو محمد عبد الحق (1) أنه يعم المؤمن والمنافق والكافر، واختاره القرطبي لرواية "فأما المنافق أو الكافر -لا أدري أيهما قال-"(2).

الثامن: في إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصية دون غيره من المعاصي مع العذاب بسبب غيره أيضًا، إن أراد الله تعالى ذلك في حق بعض عباده، فإنه جاء في الحديث بإسناده [جيد] (3):

= ونبيه، وإنما يسأل عن هذا أهل الإِسلام- والله أعلم. وقال في الاستذكار (7/ 120). أن الفتنة للمؤمن والعذاب للمنافق والكافر. اهـ.

(1)

هو أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين الأشبيلي، ويعرف بابن الخراط ولد سنة عشر وخمسمائة، ومات في أواخر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. بغية الملتمس (378)، وتكملة الصلة (647)، وعنوان الدراية (3/ 10)، والإِعلام (4/ 52)، وما ذكره المصنف في كتابه العاقبة في ذكر الموت والآخرة (246).

(2)

الصحيح أنه يعم المؤمن والمنافق والكافر لحديث قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره أتاه ملكان

-وفيه- وأما المنافق فيقال له؛ ما كنت تقول في هذا الرجل؟

" إلخ، وهو مخرج في الصحيحين.

(3)

زيادة من ن ب ج.

ص: 521

"تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه"(1)، وجاء أن بعضهم ضمه القبر أو ضغطه فسئل [أهله عنه](2) فذكروا أنه كان فيه تقصير في الطهور.

التاسع: قوله عليه السلام: "وما يعذبان في كبير". فيه (3) تأويلات:

أحدها: ليس بكبير عندكم، وهو عند الله كبير، ومعناه أنه كبير في الذنوب وإن كان صغيرًا عندكم، يدل عليه رواية البخاري في كتاب الأدب (4) في باب: النميمة من الكبائر (وإنه لكبير كان أحدهما .. إلى آخره) وذكره هنا بلفظ: "وما يعذبان في كبير، بلى" أي بلى إنه كبير عند الله، مثل قوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)} (5). وسبب كبرهما أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة والسعي بالفساد من أقبح القبائح لا سيما مع قوله:"كان يمشي بالنميمة" بلفظ كان التي هي للحال المستمرة غالبًا.

ثانيها: أنه ليس بأكبر الكبائر وإن كان كبيرًا، إذ الكبائر متفاوتة

(1) أخرجه الدارقطني (من 47)، والآجري في الشريعة (362، 363)، والحاكم (1/ 183)، وأحمد في مسنده (2/ 326، 388، 389)، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة. ووافقه الذهبي.

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

في ن ب زيادة (ثلاث).

(4)

حديث رقم (6055).

(5)

سورة النور: آيه 15.

ص: 522

فيحمل كبير على أكبر، ويكون المراد به الزجر والتحذير لغيرهما، أي لا يتوهم (1) أن التعذيب لا يكون إلَّا في الكبائر الموبقات، فإنه يكون في غيرهما (2).

ثالثها: أنه ليس كبيرًا في زعمهما دون غيرهما.

رابعها: أنه ليس كبيرًا تركه عليهما، إذ التنزه من البول وترك النميمة لا يشق، قال [المازري] (3): الذنوب تنقسم إلى ما يشق تركه طبعًا كالملاذ المحرمة، وإلى ما ينفر منه طبعًا كتناول السموم، وإلى ما لا يشق تركه طبعًا كالغيبة والبول.

خامسها: أن النميمة من الدناءات المستحقرة بالإِضافة إلى المروءة ولذلك التلبس بالنجاسة لا يفعله إلَّا حقير الهمة، فلعل قوله:"وما يعذبان في كبير" إشارة إلى حقارتهما بالنسبة إلى الذنوب، وفي صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة:"عذابًا شديدًا في ذنب هين".

سادسها: أنه يحتمل أن جبريل عليه السلام نزل عليه إثر هذه الكلمة وأعلمه أن ذلك كبير فقاله، حكاه ابن التين في شرح البخاري.

(1) في ن ب زيادة (أحد).

(2)

استدلَّ ابن بطال برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر، قال: لأن الاحتراز من البول لم يرد فيه وعيد، يعني قبل هذه القصة. اهـ.

الفتح الرباني.

(3)

في الأصل ون ب (الماوردي)، وما أثبت من ج، انظر: المعلم (1/ 366).

ص: 523

سابعها: أنه ليس كبيرًا عند الله وهو كبير لو رأيتموه.

ثامنها: أن معناه: وما يعذبان معًا في كبير، وإنما المعذب في الكبير أحدهما وهو صاحب النميمة، وفيه نظر.

تاسعها: أنه ليس من الكبائر عند الله ويكون التعذيب عليه من باب التنبيه على التعذيب بالكبائر وأولى تحذيرًا من الذنوب مطلقًا.

العاشر: "في" من قوله عليه السلام ["في كبير"](1) للسبب، أي وما يعذبان بسبب أمر كبير، وقد أنكر أن تكون (في) للسبب جماعة من الأدباء، والتصحيح ثبوته لهذا الحديث وغيره من الأحاديث؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"في النفس المؤمنة مائة من الإِبل"(2). فإن النفس ليست ظرفًا للإِبل، وقوله عليه السلام:"دخلت امرأة النار في هرة"(3)[أي بسبب هرة](4). وكذا قولهم:

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

النسائي (2/ 252)، والدارمي (2/ 189، 190)، والحاكم (1/ 395، 397)، والبيهقي (8/ 28)، والصواب في الحديث الإِرسال، وإسناده مرسلًا صحيح. اهـ، من إرواء الغليل للألباني (7/ 268، 303).

(3)

ورد هذا الحديث من رواية ابن عمر عند البخاري (2365)، ومسلم (2022/ 4)(2242)، والدارمي (2/ 330)، والبيهقي (5/ 214)(8/ 13).

ومن رواية أبي هريرة عند البخاري بالموضع السابق، ومسلم (4/ 2110)(2619)، وابن ماجه (4256)، والبغوي (1670، 4184)، وأحمد (2/ 261، 317، 457، 467، 479، 507).

(4)

زيادة من ن ج.

ص: 524

أحب في الله وأبغض في الله، أي أحب بسبب طاعة الله، وأبغض بسبب معصية الله.

الحادي عشر: "أما" حرف تفصيل نائب عن حرف الشرط وفعله، تقول لمن قال: زيد عالم كريم مثلًا: أما زيد فعالم، أي: مهما يكن من شيء فزيد عالم، فناب (أما) مناب حرف الشرط وهو (مهما) والمجزوم وهو (يكن) وما تضمنه من الفاعل، فلذلك ظهر

بعده الجواب دون الشرط لقيامه مقامه، وأجيب بالفاء كما يجاب بالشرط. وجوابه هنا: الفاء في قوله: "فكان يمشي بالنميمة" وقد تستعمل "أما" بمعنى "كان" فترفع الاسم وتنصب الخبر، ومنه قوله:

أبا خراشة أما أنت ذا نفر

فإن قومي لم [يأكلهم](1) الضبع

أي: لأن كنت ذا "نفر"، فأنت "اسمها"، وذا "خبرها" لقيامها مقام كان، وقوله تعالى:{أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)} (2). ليس من هذا، بل هما كلمتان "أم" المنقطعة و"ما" الاستفهامية، وأدغمت الميم في الميم للتماثل.

الثاني عشر: قوله عليه السلام: "أما أحدهما فكان لا يستتر من البول".

معنى (لا يستتر) على وجهين:

(1) في ن ب (تأكلهم).

البيت للعباس بن مرداس يخاطب فيه الخفاف بن ندبه أبا خراشة، من شواهد كتاب سيبويه (1/ 148).

(2)

سورة النمل: آية 84.

ص: 525

أحدهما: أن يحمل على حقيقتهما من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة، وأقربهما كما قال الشيخ تقي

الدين (1)، أنه لا يجعل بينه وبين القبلة حجابًا من ماء أو حجارة، فيكون مجازًا لكونه عبَّر بالتستر بالماء أو الأحجار في إزالة النجو عن الاستتار عن الأعين في كشف العورة إذ هو حقيقة فيه لما بين الحقيقة والمجاز هنا من العلاقة، وهي أن المستتر عن الشيء فيه بعد واحتجاب عنه، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، قال: وإنما رجحتا المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لوجهين:

أحدهما: أنه لو كان المراد العذاب على مجرد كشف العورة لكان أمرًا خارجًا عن البول بحصول العذاب على كشفها وإن لم يكن بول، فتبقى خصوصية البول مطروحة عن الاعتبار، والحديث دال على خصوصية البول بعذاب القبر تصريحًا فالحمل عليه أولى.

الثانى: أن لفظة "مِن" في قوله: "لا يستتر من البول" حين (2) أضيفت إليه لابتداء الغاية حقيقة أو مجازًا بمعنى ما يرجع إلى معنى ابتدائها، وهو أن عدم الاستتار سبب العذاب إلى البول، إذ هو ابتداء سببه من البول وحمله على كشفها فقط يزيل هذا المعنى.

(1) إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 269).

(2)

العبارة هكذا في المرجع السابق: فإن لفظة "من" لما أضيفت إلى البول- وهي غالبًا لابتداء الغاية حقيقة، أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا- تقتضي أن نسبة الاستتار- الذي عدمه سبب العذاب- إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى. اهـ.

ص: 526

[قلت](1): وبعضهم أجاب عن تقييده بالبول بأنه الغالب في الناس.

الثالث عشر: هذه اللفظة أعني "يستتر" رويت على وجوه [أُخر](2):

أحدها: "لا يستنزه" بالزاي والهاء.

وثانيها: "لا يستبرىء من البول" بالباء الموحدة وبالهمز بعد الراء، ومعناهما [لا يمسحه](3)، ولا يتحرز منه، قال النووي في

شرح مسلم (4): والروايات الثلاث في البخاري وغيره، أعني رواية المصنف وما ذكرناه.

ثالثها: "لا يستنثر " بنون ثم مثلثة، أي [لا](5) ينثر البول عن محله كما ينثر الماء من أنفه بعد استنشاقه.

رابعها: مثله إلَّا أنه بمثناة فوق بدل المثلثة، ومعناها: إمرار الأصابع على مجرى البول حتى يخرج ما فيه (6)، وروى وكيع بلفظ:

(1) ساقطة من ن ب.

(2)

في ن ج ساقطة.

(3)

في ن ب غير واضحة.

(4)

(3/ 201).

(5)

زيادة من ن ب.

(6)

وفي ترتيب القاموس (4/ 319): النثر والنتر هو جذب بقية البول من ذكره بجفا، واستنتر من بوله: اجتذبه واستخرج بقيته من الذكر بعد الاستنجاء.

وكذا مسح ذكره من حلقة دبره، فيضع إصبعه الوسطى تحت الذكر والإِبهام فوقه، ويمر بهما إلى رأسه، فما ذكر من النتر والمسح بدعة. وقد أنكره شيخ الإِسلام وابن القيم رحمهما الله وذكرا أنه يحدث السلس، الفتاوى (21/ 106). أما حديث:"إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاثًا" فقد =

ص: 527

"لا يتوقى" أي لا يتنزه منه، ورواه البرقي في تاريخه:"لا يتقي بوله"، ورواه أبو موسى أيضًا:"لا يتطهر من البول" فهذه ثمان

روايات وكلها يقوي ترجيح الاستنزاه منه لا الاستتار، ويستدل بالرواية الأولى على اشتراط طهارة الخبث، وبالثانية على طلب

الاستبراء. وكلام القاضي حسين والبغوي (1) يفهم وجوبه، والمعروف عندنا استحبابه.

الرابع عشر: وقع في إحدى روايتي البخاري هنا: "لا يستتر من بوله"، قال ابن حزم (2): ورواية من روى "من بوله" يعارضها من

هو فوقهم فقالوا: "من البول".

قلت: لكنها فرد من أفراد ذلك العام موافق له وهو لا يقتضي التخصيص.

الخامس عشر: قوله عليه السلام: "من البول" يؤخذ منه نجاسة الأبوال مطلقًا قليلها وكثيرها، لشمول البول وهو عام يتناول جميع الأبوال وأن القليل منها والكثير غير معفو عنه، سوى ما استثنى من أثر الاستنجاء في محله بعد الإِنقاء بالحجر على ما دلت عليه الأحاديث في ذلك، وهو مذهبنا ومذهب مالك وعامة الفقهاء،

= ضعفه شيخ الإِسلام وغيره؛ لأنه من رواية عيسى بن يزداد بن فسأة. وقال النووي في شرح المهذب: اتفقوا على ضعفه، وكذا التنحنح والمشي بدعة، وتفقده الفيئة بعد الفيئة من الوسواس.

(1)

شرح السنة (1/ 372).

(2)

انظر: المحلى (1/ 177، 180).

ص: 528

وسهل فيه القاسم بن محمد، ومحمد بن علي، والشعبي.

وصار أبو حنيفة وصاحباه: إلى العفو عن قدر الدرهم الكبير اعتبارًا بالمشقة وقياسًا على المخرجين.

وقال الثوري: كانوا يرخصون في القليل من البول.

ورخص الكوفيون: في مثل رؤوس الإِبر من البول (1).

وحكي عن مالك أيضًا: أن غسل القليل للاستحباب.

وقال صاحب الجواهر: عندهم البول والعذرة من بني آدم الآكلين الطعام نجسان، وطاهران من كل حيوان مباح، [ومكروهان](2) من المكروه أكله.

وقيل: نجسان (3).

السادس عشر: قوله عليه السلام: "وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة". قال أهل اللغة: يقال: ثم الحديث ينِمه وينُمه بالكسر والضم نَمًّا فهو [نامّ و](4) نمام [ونموم](5)(6) ونميمة ونم نم.

(1) انظر هذا وما قبله في المفهم (2/ 650).

(2)

في الأصل وج (مكروهًا)، وما أثبت من ن ب.

(3)

انظر: شرح الآبي لمسلم (2/ 63)، للاطلاع على هذا وما قبله.

(4)

زيادة من عمدة الحفاظ (594).

(5)

في الأصل (نموه)، والتصحيح من ن ب ج.

(6)

في ترتيب القاموس (4/ 445) زيادة: ومِنم كمجن من قوم نمين وأنماء ونمٍّ وهي نمة. اهـ.

ص: 529

والاسم: النميمة (1)، ونما الحديث إذا ظهر، فهو لازم ومتعد.

قال ابن سيده (2): وهي التوريش والإِغراء، ورفع الحديث على وجه الإِشاعة والإِفساد.

وفي الجامع: نم الرجل، إذا أظهر ما عنده من الشر.

وفي مجمع الغرائب (3): هو الساعي بين الناس بالشر.

وقال النووي في شرح مسلم (4): حقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإِفساد.

وهي محرمة بالنصوص والإِجماع، قال تعالى:{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)} (5). وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)} (6).

(1) في المصباح المنير (626) زيادة "والنميم".

(2)

المخصص (3/ 90).

(3)

تأليف: أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي المتوفى سنة (529)، ذكره ابن خلكان في الوفيات.

(4)

(2/ 112)(3/ 201).

(5)

سورة الهمزة: آية 1.

(6)

سورة القلم: آية 11. وفي حاشية ن ج: "نزلت في الوليد بن المغيرة في أحد الأقوال، قاله الطرطوشي. والهماز: المغتاب. وقيل: الذي يغمز بأخيه في المجلس، وهي الهمزة اللمزة. وذكر الله تعالى في كتابه أصناف الكفر والإِلحاد والفسق والظلم وغيرهم ولم ينسب أحدًا منهم إلى النمام في هذه الآية".

ص: 530

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمّام"(1) متفق عليه من حديث حذيفة رضي الله عنه. وفي لفظٍ "قتات" وهو النمام.

وحُمل على ما إذا استحل [بغير](2) تأويل مع العلم بالتحريم، أو لا يدخلها دخول الفائزين (3)، أما إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة بل قد تكون واجبة أو مستحبة، كما يقول في الغيبة إذا كانت نصيحة [لدفع](4) مفسدة أو تحصيل مصلحة شرعية، ولو كان (5) شخصًا اطَّلع من آخر على قول يقتضي إيقاع ضرر بإنسان وإذا نقل ذلك القول إليه احترز عنه وجب عليه ذكره له، [ويقال] (6) من هذا: نمَى، بالتخفيف، ومن الأول: نَمّى، بالتشديد كما أسلفناه، ولا اختلاف في هذا كما قاله الهروي.

(1) متفق عليه من حديث حذيفة، البخاري (10/ 294) في الأدب، باب: ما يكره من النميمة، ومسلم (105)(109) في الإِيمان، باب: بيان غلظ تحريم النيمة.

(2)

في ن ب (من غير)، وما أثبت يوافق ما في شرح مسلم (2/ 112). ذكر هذا النووي.

(3)

والأولى عدم تفسيرها ولذلك كان سفيان رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا ويقول بئس هذا القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر والله أعلم. اهـ. من شرح مسلم (2/ 108).

(4)

في ن ب (رفع).

(5)

في ن ب (ولو أن).

(6)

في الأصل مكررة.

ص: 531

وقال الغزالي (1) رحمه الله: النميمة إنما تطلق في الغالب على من ينم قول الغير إلى المقول عنه، كقوله: فلان يقول فيك كذا، وليست النميمة مخصوصة بذلك، بل حدها: كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز أو بالإِيماء ونحوها، وسواء كان المنقول من الأعمال أو الأقوال، وسواء كان عيبًا أو غيره، فحقيقة النميمة: إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، قال: وينبغي للإِنسان أن يسكت عن كل ما يراه من أحوال الناس، إلَّا ما كان في حكايته فائدة لمسلم أو دفع مصيبة، وإذا رآه يخفي مال نفسه فذكره [فهو](2) نميمة.

قال: فكل من حُملت [إليه](3) النميمة، وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه ستة أمور:

أولها: أن لا يصدقه؛ لأن النمام فاسق مردود الخبر ..

ثانيها: أن تنهاه عن ذلك وتنصحه وتقبح فعله.

ثالثها: أن تبغضه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله، والبغض في الله واجب.

رابعها: أن لا يظن بالمنقول عنه السوء لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (4).

(1) ذكره النووي في شرح مسلم عنه (2/ 112)، وإحياء علوم الدين مع شرحه إتحاف السادة المتقين (9/ 347) بمعناه.

(2)

في ن ب (فذلك).

(3)

زيادة من ن ب ج، ومثبتة في شرح مسلم (2/ 113).

(4)

سورة الحجرات: آية 12.

ص: 532

خامسها: أن لا يحملك ما حكى لك [على](1) التجسس، والبحث عن تحقيق ذلك، قال تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} (2).

سادسها: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فلا تحكي نميمته.

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (3)

وقد حكي أن رجلًا ذكر لعمر بن عبد العزيز [رجلًا](4) بشيء، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (5)، وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)} (6)، وإن شئت عفونا عنك، [قال] (7): العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا.

(1) في ن ب (عن).

(2)

سورة الحجرات: آية 12.

(3)

نسبه سيبويه في "كتابه"(3/ 41)، باب الواو للأخطل.

قال عبد السلام هارون فيه: والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي، ملحقات ديوانه (130)، ونسب أيضًا إلى سابق البربري، والطرماح، والمتوكل الليثي. انظر: الخزانة (3/ 617)، وشرح شواهد المغني (261)، والعيني (4/ 393)، والمقتضب (2/ 16)، وابن يعيش (7/ 24)، والتصريح (2/ 238)، والأشموني (2/ 207)، والمؤتلف (179)، ومعجم المرزباني (410).

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

سورة الحجرات: آية 6.

(6)

سورة القلم: آيه 11.

(7)

في ن ب (فقال).

ص: 533

وحكى: أن إنسانًا رَفع إلى الصاحب [بن](1) عباد رقعة يحضه فيها على أخذ مال يتيم، وكان مالًا كثيرًا، فكتب على ظهرها:

النميمة قبيحة، وإن كانت صحيحة، والميت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمَّره الله، والساعي لعنه الله.

وذُكر السعاة عند المأمون فقال: لو لم يكن من عيبهم إلَّا أنهم أصدق [ما يكونون](2) أبغض [ما يكونون](3) عند الله.

فائدة: قال كعب الأحبار: أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى عليه السلام فخرج موسى يستسقي ببني إسرانيل فلم يسقوا (4)، حتى خرج الثالثة فأوحى الله إليه: إني لا أستجيب لك ولا لمن معك فإن فيكم نمامًا، فقال موسى: من هو يا رب حتى نخرجه من بيننا؟ فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى أنهاكم عن النميمة وآتيها، فباتوا فأرسل الله عليهم الغيث.

وقال يحيى بن زيد: قلت للحسن بن علي لمَّا سُقي السم: أخبرني من سقاك؟ فدمعت عيناه وقال: أنا في آخر قدم من الدنيا

وأول قدم من الآخرة تأمرني أن أغمز.

ولما لقي أسقف نجران عمر بن الخطاب فقال: يا أمير

(1) في ن ب ساقطة، ومثبتة في إحياء علوم الدين وذكرها هنا مختصرة.

(2)

في ن ب (ما يكون).

(3)

انظر الحاشية السابقة.

(4)

في ن ب زيادة (فخرجوا فلم يسقوا)، وهذه القصة من أخبار بني إسرائيل.

ص: 534

المؤمنين احذر قاتل الثلاثة، فقال عمر: ومن هو؟ قال: الرجل [يلقى](1) الإِمام [بالحديث](2) الكذب فيقتله الإِمام يكون قد قتل نفسه وصاحبه وإمامه، فقال عمر: ما أراك أبعدت.

السابع عشر: روى أحمد في مسنده من حديث أبي بكرة بإسناد على شرط الصحيح أن عذابهما كان من الغيبة والبول (3). وفي تاريخ البرقي (4) من حديث يعلى بن سيابة: "أحدهما يأكل لحوم الناس ويغتابهم، والآخر لا يتقي بوله"، فذكرت الغيبة هنا بدل النميمة لاشتراكهما في ذكر المرء بسوء من ورائه، وإلى هذا يشير قتادة: عذاب القبر ثلاث أثلاث: ثلث من الغيبة، وثلث من النميمة، وثلث من البول (5).

الثامن عشر: الجريدة: السعفة، كما جاء في بعض الروايات من حديث أنس، وجمعها جريد، والعسيب من الجريد: ما لم ينبت عليه خوص، فإن نبت فهو سعف، وفي صحيح مسلم (6):"فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين"، و"الباء" في هذه الرواية زائدة

(1) في ن ب ج (يأتي).

(2)

في ن ب (الحديث).

(3)

مسند أحمد (5/ 35، 36)، وصححه ابن حجر في الفتح (10/ 470).

(4)

انظر التعليق رقم ت (4) ص (515).

(5)

قال ابن عبد البر في التمهيد رحمنا الله وإياه (22/ 252) بعد ذكره: وهذا لا حجة فيه، لانه ليس بمسند ولا متصل؛ ولا يحتج بمثله. اهـ، محل المقصود منه. انظر: إتحاف السادة المتقين (9/ 293، 345).

(6)

مسلم، النووي (3/ 200).

ص: 535

للتوكيد، واثنين: منصوب على الحال، وزيادة "الباء" في الحال صحيحة معروفة، وقد أسلفنا رواية ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام:"مر بقبر فوقف عليه وقال: ائتوني بجريدتين، فجعل إحداهما عند رأسه والاُخرى عند رجليه"(1) والظاهر أن هذه قصة أخرى.

التاسع عشر: وضعه صلى الله عليه وسلم الجريدتين على القبر يحتمل أوجهًا:

أحدها: أنه سأل الشفاعة لهما ورجا [إجابتها](2) وارتفاع العذاب أو تخفيفه عنهما مدة رطوبتهما لبركته صلى الله عليه وسلم فأجيبت [شفاعته](3)[بالتخفيف](4) عنهما إلى أن ييبسا، ويؤيده رواية مسلم في آخر كتابه في الحديث الطويل، حديث جابر في صاحبي القبرين:"فأحببت بشفاعتي أن [يرفه] (5) عنهما ما دام [الغصنان] (6) رطبين"(7) وإن كانت قضية أخرى فيكون المعنى فيهما واحدًا.

ثانيهما: أنه كان يدعو لهما تلك المدة.

ثالثها: أنه أوحِي إليه التخفيف عنهما في تلك المدة، قاله الماوردي.

(1) أحمد في مسنده، الفتح الرباني (8/ 132).

(2)

في ن ب (إجابتهما).

(3)

في ن ب (شفاعتي).

(4)

في ن ب (أن ترد).

(5)

في الأصل وب (ترد)، وفي ج (ترقد)، وصُحح من مسلم.

(6)

في ن ج (القضيان)، وصُحح من مسلم.

(7)

مسلم، النووي (18/ 145).

ص: 536

رابعها: أنه بتسبيح الجريدتين ما دامتا رطبتين (1)، ويؤيده

(1) الصحيح أن حديث وضع الجريدة على القبر من خصائصه وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها من عدة أمور:

1 -

حديث جابر المخرج في آخر صحيح مسلم وفي: "إذ إني مررت بقبرين يعذبان فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين" فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسب شفاعته صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بسبب النداوة، وسواء اتحدت قصة ابن عباس مع جابر، أو تعددت، فإنه على كلا الاحتمالين فالعلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما، ولأن كون النداوة سببًا لتخفيف العذاب عن المسند مما لا يعرف شرعًا ولا عقلًا، ولو كان الأمر كذلك لكان أخف الناس عذابًا في قبورهم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون في الجنان.

2 -

قولهم: إن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله، فإذا يبست انقطع تسبيحها، فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} . فعم كل شيء مخلوق.

3 -

في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة وبالأحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله:"ثم دعا بعسيب فشقه اثنين"، يعني طولًا، فإنه من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة.

4 -

لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلف الصالح ولحملوا بمقتضاه، ولو ضعوا الجريد والآس ونحو ذلك على القبور عند زيارتهم لها، ولو فعل ذلك لاشتهر ونقل عن الثقات إلينا.

5 -

أن حصول العذاب على المسند وعدمه من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها إلا الله أو من أطلعه الله، قال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} . اهـ من كتاب الجنائز للألباني بتصرف (ص 201، 202).

ص: 537

رواية ابن عمر من عند الطبراني " [ولن يعذبا] (1) ما دامت هذه رطبة"(2)؛ لأن اليابس لا تسبيح له على قول كثيرين من المفسرين وأكثرهم في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (3) فإنهم قالوا: معناه: وإن من شيء حي، وحياة كل شيء تسبيحه، فحياة الخشب ما لم ييبس (4) والحجر ما لم [يقطع](5)، وقُدم إلى الحسن مائدة فقيل له: يا أبا سعيد هل يسبح هذا الخشب؟ قال: كان يسبح وأما الآن فلا (6).

وذهب المحققون منهم إلى أنه على عمومه.

ثم اختلف هؤلاء: هل يسبح حقيقة أم [](7) فيه دلالة على [الصانع](8) فيكون مسبحًا منزهًا بصورة [حاله](9)؟ والمحققون على

(1) في ن ج ساقطة.

(2)

قال في مجمع الزوائد (1/ 213): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جعفر بن ميسرة وهو منكر الحديث.

(3)

سورة الإِسراء: آية 44.

(4)

انظر: شرح مسلم للنووي (3/ 202).

(5)

في ن ج (الشجر).

(6)

ذكر هذا البغوي في شرح السنة (1/ 372)، والأبي في شرح مسلم (4/ 73).

(7)

في الأصل زيادة (لا)، وما أثبت من ن ب، ويوافق ما في شرح النووي (3/ 202).

(8)

في ن ب (السامع)، وما أثبت يوافق شرح مسلم.

(9)

في الأصل (حالية)، وما أثبت من ن ب ج، ويوافق شرح النووي (3/ 202).

ص: 538

الأول، وقد أخبر الله تعالى عن الحجارة أن منها ما يهبط من خشية الله، وإذا كان العقل لا يحيل جعل التمييز فيها، وجاء النص به [فوجب](1) المصير إليه.

العشرون: استحب العلماء كما نقله النووي وغيرهم عنهم: قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث؛ لأنه إذا رُجي التخفيف بتسبيح

الجريد [فالقرآن](2) أولى (3).

(1) في ن ب (يوجب). انظر: عمدة الحفاظ (229).

(2)

في ن ب (القراءة).

(3)

أولًا: قراءة القرآن عند زيارة القبور مما لا أصل له في السنة، بل الأحاديت المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها، إذ لو كانت مشروعة لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلمها أصحابه، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عها وهي من أحب الناس اليه صلى الله عليه وسلم عما تقول إذا زارت القبور، فعلمها السلام والدعاء، ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة ولا غيرها، فلو كانت القراءة مشروعة لما كتم ذلك عنها. ومما يقوي عدم المشروعية الأحاديث الآتية: منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة". أخرجه مسلم، ففي هذا الحديث إشارة إلى أن المقابر ليست موضعًا للقراء شرعًا، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت، ونهى عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها شيءٌ.

ثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا". ففي هذا الحديث إشارة إلى أنها ليست موضعًا للصلاة وهو الذي قال: "جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا". فاستثنى من الأرض أماكن المقابر، قال شيخ الإِسلام رحمه الله: "أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور، فأمر بتحري العبادة في البيوت ونهى عن تحريها عند =

ص: 539

وفي وصول القرآن للميت خلاف بين العلماء وقد أفرد بالتصنيف، ومذهب أبي حنيفة [وأحمد](1) وصوله (2)، ولهما

= القبور" عكس ما يفعله المشركون والنصارى ومن تشبه بهم، ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك الشافعي وغيرهم كراهة القراءة عند القبور، وهو مذهب الإِمام أحمد، قال أبو داود في مسائله (ص 158): سمعت أحمد سئل عن القراءة: عند القبر؟ فقال: لا".

فائدة: حديث: "من مر بالمقابر فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات"، فهو حديث باطل موضوع. اهـ، من كتاب الجنائز للألباني (ص 192).

(1)

زيارة من ن ب.

(2)

سئل شيخ الإِسلام رحمنا الله وإياه عن قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} . وقوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث

" إلخ السؤال، فأجاب: الحمد لله رب العالمين، ليس في الآية ولا في الحديث أن الميت لا ينتفع بدعاء الخلق له وبما يعمل عنه من البر، بل أئمة الإِسلام متفقون على انتفاع الميت بذلك، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإِسلام، وقد دل عليه الكتاب والسنة والإِجماع. فمن خالف في ذلك كان من أهل البدع. وقال في موضع آخر عن الاستئجار لقراءة القرآن وإهداء الثواب: لا يصح ذلك فإن العلماء تنازعوا في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، إلى أن قال: فإن هذه لا يجوز إقاعها إلَّا على وجه التقرب إلى الله عز وجل. وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه، لا ما فعل من أجل عروض الدنيا. للاستزادة: راجع الفتاوى من =

ص: 540

أحاديث وآثار في ذلك، وقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} (1) إما منسوخة بقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (2) أو أن السلام في الإنسان بمعنى "على" أو غير ذلك من أقوال المفسرين فيها. والمشهور من مذهبنا عدم وصول ثواب القراءة إليه كما بسطته في شرح المنهاج، والمختار الوصول.

وقيل: إن قرئ عند القبر وقيل وإلا فلا.

وكذا حكى الخلاف الفاكهي المالكي في شرح الرسالة قال: وذهب بعض الشافعية -وأظنه الإِمام أبا المعالي- إلى أن القارئ إن نوى في أول قراءته [أن يكون](3) ثواب ما يقرأه لفلان الميت، كان ذلك له وإلَاّ فلا [إذ ليس له](4) أن ينقل ثوابه لغيره.

الحادي والعشرون: ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن

= (ص 306/ 324/ م 24).

قال شيخ الإِسلام رحمنا الله وإياه في الفتاوى (24/ 312): أما الآية فللناس فيها أجوبة متعددة منها: إنها تختص بشرع من قبلنا، قيل: إنها مخصوصة، وقيل: إنها منسوخة. وقيل إنها تنال السعي مباشرة وسببًا والإِيمان من سعيه الذي تسبب فيه. أي إيمان ذريته، ولا يحتاج إلى شيء من ذلك؛ بل ظاهر الآية حق فإنه قال:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} . ولا تخالف بقية النصوص.

(1)

سورة النجم: آية 39.

(2)

سورة الطور: آية 21.، وفي الأصل (ولأتبعناهم ذرياتهم).

(3)

زيارة من ن ب.

(4)

في ن ب (فليس له).

ص: 541

الحصيب الصحابي رضي الله عنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان، ففيه أنه رضي الله عنه (1) تبرك بفعل مثل (2) فعل

رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي: وقد عمل الناس في بعض الآفاق تبسيط الخوص على القبر، لعلهم فعلوه اقتداء بهذا الحديث.

(1) وصية بريدة ثابتة عنه، قال ابن سعد في الطبقات: أخبرنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم الأحول، قال: قال مورق: أوصى بريدة أن توضع "في قبره" جريدتان فكان أن مات في أدنى خراسان فلم توجد إلَّا في جوالق حمار، وعلقه البخاري في صحيحه مجزومًا، (3/ 222) فتح الباري. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: كأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصًا بذينك الرجلين. قال ابن رشد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاصٌّ بهما، فلذلك عقّبه بقول ابن عمر: إنما يظله عمله. قال الألباني في كتاب الجنائز (203): ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لما سبق بيانه، وراى بريدة لا حجة فيه؛ لأنه رأى، والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عامًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع الجريدة في القبر، بل عليه كما سبق "وخير الهدي هدي محمد". اهـ.

قال ابن باز حفظه الله في تعليقه على الفتح (1/ 320): الصواب في هذه المسألة ما قاله الخطابي من استنكار الجريد ونحوه على القبور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلَّا في قبور مخصوصة اطلع على تعذيب أهلها، ولو كان مشروعًا لفعله في كل القبور، وكبار الصحابة كالخلفاء لم يفعلوه، وهم أعلم بالسنة من بريدة، رضي الله عن الجميع، فتنبه.

(2)

في ن ب زيارة (ما).

ص: 542

وأما الخطابي (1): فإنه أنكر ما يفعله العوام في كثير من البلدان [من](2) فرش الخوص في القبور متعلقين بهذا الحديث،

وليس لما تعاطوه من ذلك وجه، قال: والذي وقع في هذا الحديث إنما كان من ناحية التبرك بأثره ودعائه بالتخفيف عنهما وليس ذلك من [أجل](3) أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس.

وكذا قال الطرطوشي (4) في سراج الملوك: لما ذكر هذا الحديث، قال عقبه: وذلك لبركة يده، وكذا قال في [كتابه](5)

"تحريم النميمة"، والقاضي عياض لما نقل كلام الخطابي وفعل بريدة قال: جعل الجريدة والخوص اليوم استنانًا بهذا الحديث لا يصح؛ لأنه عليه السلام علّل غرزها على القبر بعلة معينة لا يُطلع عليها [وهي](6) قوله: "إنهما ليعذبان"[وعلم](7) عليه السلام إنهما ليعذبان فلذلك فعل ما فعل، ولا نفعله نحن الآن؛ لأنا لا نعلم هل الميت يعذب أو هو ممن غفر له، كما قلناه في حديث المحرم:

(1) معالم السنن (1/ 27).

(2)

في ن ج (في).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

هو الإِمام أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب المعروف بابن أبي رندقة، توفي رحمه الله ليلة السبت لأربع بقين من جمادى الأولى سنة (520) بالإِسكندرية. سير أعلام النبلاء (19/ 490).

(5)

في ن ب (كتاب).

(6)

في ن ب (وقو).

(7)

في ن ب (فعلم).

ص: 543

"لا تمسوه طِيبًا لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"، وصوّب مقالة الخطابي. وتبعهم ابن الحاج المالكي أيضًا فقال: ذلك راجع إلى بركة ما وقع في لمسه عليه الصلاة والسلام لتلك الجريدة، قال: فليحذر من غرس شجرة أو ريحان أو [غيرهما](1) عند قبره، قال: وما نقل عن أحد الصحابة فلم يصحبه عمل ما، فهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحبًا.

قلت: وأما القرطبي [فذكر](2)، وفي تذكرته (3) عن علمائهم أنه مستفاد من هذا -يشير إلى وضع الجريدتين- غرس الأشجار وقراءة القرآن على [القبور](4)، وإذا خفف عنهم بالأشجار بقراءة الرجل المؤمن القرآن؟ قال: والعجب من الخطابي في قوله: لا أصل له ولا وجه له، مع هذا [الحديث](5) المتفق عليه، [ثم رأيت] (6) [الحافظ أبو عبد الله الجوزقاني استنبط ذلك أيضًا في أثناء كتابه في الموضوعات: في الحديث دلالة على استحباب وضع الجريدة الرطبة على ما فعله صلى الله عليه وسلم] (7)(8).

(1) في ن ب (ونحو ذلك).

(2)

في ن ب ج (فنقل).

(3)

التذكرة في أحوال الموتى والآخرة (67).

(4)

في الأصل (القبول)، والتصحيح من ن ب ج والتذكرة.

(5)

زيادة من ن ب ج.

(6)

زيادة من ن ب ج.

(7)

زيادة من ن ج.

(8)

الأباطيل والمناكير (1/ 361). وانظر: التعليق (4/ 348)(1/ 352).

ص: 544

الثاني والعشرون: قوله عليه السلام: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". "لعل" حرف لتوقع مرجوٍ أو مخوف، وفيها لغات: عن،

وعلّ، وعنَّ، وأنَّ، ولأنَّ.

و (ييبسا) مفتوح الباء ويجوز كسرها لغتان، وقد حصل ما ترجاه في الحال صلى الله عليه وسلم، فذكر ابن الجوزي: أن الغصنين أورقا من ساعتهما ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وقال: رفع عنهما العذاب بشفاعتي.

الثالث والعشرون: يؤخذ من الحديث تحريم النميمة، إذ هي القاطعة بين المتواصلين والمباعدة بين المتقاربين وأنها سبب العذاب، وهو محمول على النميمة المحرمة كما سلف، وأنها من الكبائر لا سيما إذا تعددت كما يشعر به لفظ (كان)، وقال

بعضهم: ليست من الكبائر فيكون العذاب عليها تنبيهًا على التعذيب بالكبائر وأولى تحذيرًا من الذنوب مطلقًا، وقد أسلفنا

ذلك.

فائدة: قال بعض العلماء: يُفسدُ النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإِصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره [على](1) الإِفساد حرم الصدق فيه.

فائدة ثانية: قال العلماء: لا يكون الشخص نمَّامًا إلَّا وفي نسبه شيء، فإن من جملة أوصافه في الآية "زنيم"(2) وهو الدعي الذي لا يعرف من أبوه على أحد القولين، قال أبو موسى الأشعرى:

(1) في ن ب ج (عن).

(2)

انظر: إتحاف السادة المتقين (9/ 342، 343).

ص: 545

"لا يسعى على الناس إلَّا [ولد] (1) بغي"(2). وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل، وكان أمير البصرة فقال له: انصرف حتى أكشف عنك، فكشف عنه فإذا هو لغير رشده، يعني -ولد زنا (3) -.

الرابع والعشرون: يؤخذ منه أيضًا التنزه عن النجاسات كما سلف فيجب إزالتها؛ لوقوع التعذيب بسبب تركها، وهي حجة على من جعلها سنة إلَّا إنْ تأوله بأنه ترك التنزه عمدًا أو استخفافًا وتهاونًا، وقد قال ابن القصار المالكي: إن متعمد ترك [التنزه](4) بغير عذر ولا تأويل مذموم.

(1) في ن ب (وقد).

(2)

قال العراقي: رواه الحاكم من حديث أبي موسى ولفظه: "من سعى بالناس فهو لغير رشده". أخرجه الحاكم في مستدركه (4/ 103)، قال الذهبي: ما صححه ولم يصح قلت -أي العراقي- فيه سهل بن عطية. قال ابن طاهر في تذكرته (396) ح (1020) منكر الرواية، والحديث لا أصل له. ورواه الطبراني بلفظ "لا يسعى على الناس إلَّا ولد بغي" وإلَاّ من فيه عرق منه.

وزاد بين سهل وبين بلال بن أبي بردة أبا الوليد القرشي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 236)(6/ 260): أبو الوليد القرشي مجهول، وبقية رجاله ثقات. قال العراقي: ورواه ابن عساكر والديلمي بلفظ، "إلَاّ ولد زنا". اهـ. من إتحاف السادة المتقين (9/ 353).

(3)

انظر هذا: في سبب ذكر الحديث الذي قبله في المستدرك (4/ 103)، ومجمع الزوائد (5/ 236)(6/ 260).

(4)

في ن ب ج (السنن).

ص: 546

الخامس والعشرون: يؤخذ منه أيضًا وجوب ستر العورة كما سلف.

السادس والعشرون: يؤخذ منه أيضًا جواز ذكر الموتى إذا كان في ذكرهم بالمعاصي مصلحة وأنه ليس غيبة وجواز تعيينهم بالذكر، وأن هذا الحديث مخصص لعموم الحديث الآخر:"اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم"(1)، وقد تقدم استبعاد كونهما كافرين أو منافقين (2).

السابع والعشرون: من تراجم البخاري على هذا الحديث: من الكبائر أن لا يستتر من بوله (3)"وما جاء في غسل البول"(4).

الثامن والعشرون: ادعى بعض الأئمة في قوله: "ما لم ييبسا" أن شفاعه عليه السلام المؤيدة إنما تحصل بشرطين:

(1) أخرجه أبو داود (4900) في الآداب، باب: في النهي عن سب الموتى، والترمذي رقم (1019) في الجنائز، باب: ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة، والحاكم (1/ 385) قال الترمذي: حديث غريب، وسمعت محمدًا (يعني البخاري) يقول: عمران بن أنس المكي (أحد رواته) منكر الحديث.

(2)

حقق ابن حجر في فتح البارى أن المقبورين كانا مسلمين وإنهما دفنا بالبقيع ولم يحضرهما النبي صلى الله عليه وسلم لقول صلى الله عليه وسلم: "من دفنتم اليوم ها هنا" ولم يعلم اسمهما ولا اسم أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد التستر عليهما، وهو عمل مستحسن، وينبغي لكل مسلم أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به، والله أعلم.

(3)

البخاري مع الفتح (1/ 317).

(4)

البخاري مع الفتح (1/ 321).

ص: 547

أحدهما: طلب الاستشفاع من المشفوع له.

ثانيهما: الاستئذان من المشفوع عنده فيها، فإن فقدا كانت مؤقتة كما في هذا الحديث لقوله:(ما لم ييبسا).

التاسع والعشرون: استنبط منه الحافظ أبو عبد الله الجوزقاني إباحة المشي بين المقابر، ذكره في أثناء الكتاب السالف قريبًا.

قال: وفيه [دليل](1) على أن الله قد يعذب على غير الكبائر، والله أعلم، إذ قال:"وما يعذبان في كبير"، وهذا فيه تأويلات

أسلفناها فراجعها.

(1) في ن ب ساقطة، ومثبتة في الأباطيل والمناكير (1/ 361).

ص: 548