المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 16/ 3/ 2 - عن عبد الله بن عمر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمة المحقق

- ‌ترجمة موجزة للحافظ عبد الغني صاحب "العمدة

- ‌أولًا- مصادر الترجمة على حسب تواريخ وفيات مؤلفيها:

- ‌ثانيًا- ترجمته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته:

- ‌عصر المقدسي:

- ‌أهم الأحداث التاريخية في عصره:

- ‌حالة المجتمع في عصره:

- ‌الحالة التعليمية:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌ما قيل عنه في حفظه:

- ‌ألقابه وثناء العلماء عليه:

- ‌المحنة التي مرَّ بها الحافظ:

- ‌عقيدته:

- ‌تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ولداه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة المصنف "ابن الملقن

- ‌للاستزادة من الترجمة راجع:

- ‌اسمه:

- ‌لقبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته الذاتية:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌جمعه للكتب:

- ‌مصير هذه المكتبة:

- ‌عقيدته، وصوفيته:

- ‌مناصبه:

- ‌ابتلاؤه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نذكر من مؤلفاته ما يلي:

- ‌ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌أبناؤه:

- ‌وفاته:

- ‌ الكتاب

- ‌عنوان الكتاب:

- ‌ترجيح العنوان:

- ‌وصف النسخ:

- ‌أهمية الكتاب

- ‌بيان عملي في الكتاب:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث والرابع والخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والتاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌(الحديث الثالث عشر)

- ‌2 - باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌3 - باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌4 - باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌5 - باب في المذي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 16/ 3/ 2 - عن عبد الله بن عمر

‌الحديث الثالث

16/ 3/ 2 - عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: "رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة"(1).

الكلام عليه من ثلاثة عشر وجهًا:

الأول: في التعريف براويه [هو](2): أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبقية نسبه تقدم في ترجمة والده في أول الكتاب، وهو معدود [من](3) المكيين المدنيين، وكان فقيهًا عالمًا زاهدًا ورعًا، أحد الأعلام، قال ابن الحنفية: كان خير هذه

الأمة، شهد الخندق وما بعدها من المشاهد، وهو من أهل بيعة الرضوان، وقيل: إنه أول من بايع بها، ولا يصح، واستصغره يوم

(1) رواه البخاري برقم (145، 148، 149، 3102)، ومسلم برقم (266) في الطهارة، والترمذى برقم (11)، وابن خزيمة (60)، وابن ماجه (322)، وابن حبان (1415)، والدارقطني (1/ 61).

(2)

في ن ب (وهو).

(3)

في ن ب ج (في المكيين والمدنيين)، وفي الأصل (الملكيين).

ص: 459

أحد؛ لأن سنه كان ثلاث عشرة فمولده قبل الوحي بسنة، قاله ابن حبان، وفي الصحيح أن سنه يوم أحد أربع عشرة، وقال الواقدي: استصغر عام بدر وأجازه عام أحد، والأول أصح، قال الموفق الحافظ: ولم يشهد بدرًا لصغره، أسلم قديمًا مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم، وبايع قبل أبيه وبعده [أدبًا](1)، وكان ينكر على من يقول إنه أسلم قبل أبيه، وهاجر معه ومع أمه زينب، وقيل: بل هاجر قبل أبيه، وصححوه، وهو شقيق حفصة أم المؤمنين، وأمهما زينب بنت مظعون، وقال ابن حبان: أمه ريطة بنت مظعون.

عين للخلافة يوم الحكمين مع وجود مثل الإمام علي وسعد وغيرهما، وروى نافع قال: دخل ابن عمر الكبة فسمعته يقول في سجوده: ما يمنعني من مزاحمة قريش في هذا الأمر إلَّا خوفك، وقال ابن المسيب: أتوا ابن عمر فقالوا: أنت سيد الناس [وابن سيد الناس](2) والناس بك راضون، اخرج فنبايعك، فقال: لا والله ما يراق [فيّ](3) محجمة دم، ثم زوى عمرو بن العاص الأمر عنه لما رأى أنه لا يوليه شيئًا إن استخلف، ولما قتل عثمان دخل مروان بن الحكم عليه في نفر فعرضوا عليه أن يبايعوه فقال: كيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم، فقال: والله لو اجتمع الناس أهل الأرض إلَّا أهل فدك ما قاتلتهم، فخرج مروان وهو يقول:"والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا".

(1) في ن ج ساقطة.

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

في ن ب (في).

ص: 460

أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووصفه بالصلاح لو أنه يقوم الليل فما تركه بعد، وهو من أكثر الصحابة حديثًا وكان ضابطًا لها لا يزيد فيها ولا ينقص، روي له عن النبى صلى الله عليه وسلم ألف [حديث](1) وستمائة وثلاثون حديثًا اتفق البخاري ومسلم على مائة وثمانية وستين حديثًا، وانفرد البخاري بأحد وثمانين، ومسلم بأحد وثلاثين، روى عنه أولاده وأحفاده ومولاه نافع وأكثر عنه وخلق كثير من التابعين.

وهو أحد العبادلة الأربعة أيضًا وباقيهم: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص. ولا يطلق العبادلة اصطلاحًا على غيرهم وإن كان في الصحابة من يسمى عبد الله جماعات كثيرين، وخصوا هؤلاء من بينهم بالذكر لكونهم من

أصاغر الصحابة وفقهاء وتأخروا وأُخذ عنهم العلم والرواية واحتيج إلى علمهم. روى ابن وهب عن مالك أنه قال: بلغ ابن عمر ستة وثمانين سنة وأفتى في الإِسلام ستين سنة، وقيل: لأن كل واحد صحابي ابن صحابي، قيل: للإِمام أحمد: فابن مسعود؛ قال: ليس من العبادلة. قال البيهقي في سننه: [إن](2) ابن مسعود تقدمت وفاته، وهؤلاء عاشوا حتى احتيج إلى علمهم فإذا اتفقوا على شيء قيل: هذا قول العبادلة أو فعلهم أو مذهبهم. ونبه النووي رحمه الله في كتابه (المبهمات) وغيره على شيء سبق القلم [منه](3) فيه فإنه

(1) في الأصل (من)، وما أثبت من ن ب.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

زيادة من ن ب.

ص: 461

قال: وأما قول الجوهري في صحاح اللغة (1): أن ابن مسعود منهم، وحذف ابن [عمرو](2) فليس مقبولًا منه، وكيف يعارض بقوله قول الإِمام أحمد وغيره؟ هذا لفظه. وتبعه تلميذه ابن العطار في شرحه جازمًا بذلك، وكنت تبعته أيضًا في بعض التصانيف ثم رجعت ولله الحمد، فإن هذا ليس في الصحاح أصلًا، والذي فيها: والعبادلة ابن عباس وابن عمرو وابن عمر، وهذا لفظه فلم يذكر ابن مسعود أصلًا، وذكر ابن عمر. نعم يعترض على صاحب الصحاح لكونه حذف عبد الله بن الزبير وهو معدود منهم قطعًا، فتنبه لذلك فإنه [من](3) طغيان القلم. ووقع للرافعي أيضًا في كتاب الجنايات عند ابن مسعود في العبادلة وحذف ابن الزبير وابن عمرو بن العاصي وهو عجيب منه (4).

ولعبد الله بن عمر فضائل شهيرة ومناقب كثيرة، وكان صوّامًا قوّامًا متواضعًا بكّاءً خشاعًا، لا يأكل حتى يُؤتى بمسكين فيأكل معه،

(1) مختار الصحاح (175)، قال الرازي: فسَّر رحمه الله العبادلة في باب الألف اللينة عند ذكر أقسام الهاء بخلاف ما فسر به هنا.

(2)

ما أثبت من ن ب ج. وكتاب المبهمات للنووى (609)، وفي الأصل (عمر).

(3)

في ن ب (عمرو).

(4)

في ن ب زيادة (ووقع في كفاية ابن الرفعة في صفة الصلاة إثبات ابن مسعود وحذف ابن عمرو بن العاصي، وقد علمت ما فيه، ووقع له في كتاب الديات كما وقع للرافعي، والرافعي قلد الزمخشري في المفصل فإنه ذكره كذلك في أوائله في الكلام على علم الغلبة).

ص: 462

لم تَمِلْ به الدنيا، وكان إذا أعجبه شيء من ماله قربه لربه، وكان رقيقه يتزينون له بالعبادة وملازمة المسجد، فيعتقهم فيقول له

أصحابه: ما بهم إلَّا خديعتك، فيقول: من خدعنا بالله انخدعنا له، قال مالك: قال ليس ابن شهاب: لا تعدلن برأي ابن عمر فإنه أقام ستين سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر أصحابه، وقال الداروردي: عن مالك: أفتى ستين سنة وحج سبعين حجة، وأعتق ألف رأس، وحبَّس ألف فرس، وكان لا ينام من الليل إلَّا قليلًا، حكاه ابن دحية في كتابه (مرج البحرين) عنه، قال: وذكر عنه ابن شعبان أنه اعتمر ألف عمرة، وكان من أكرم أهل زمانه، [قال] (1) ميمون بن مهران: أتت ابن عمر اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس فلم يقم حتى فرقها.

قلت: وكان رضي الله عنه يتحفظ ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ويسأل عما غاب عنه من قول أو فعل من حضره ويتبع آثاره حتى [موضع](2) صلاته عليه أفضل الصلاة والسلام سفرًا وحضرًا، قال نافع: لو نظرت إليه إذا اتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت: إنه مجنون (3)،

(1) زيادة من ن ب ج.

(2)

في ن ب (أثر).

(3)

قال العلامة ابن باز حفظه الله؛ والحق أن عمر رضي الله عنه أراد بالنهي عن تتبع آثار الأنبياء، سد الذريعة إلى الشرك وهو أعلم بهذا الشأن من ابنه رضي الله عنهما وقد أخذ الجمهور بما رآه عمر وليس في قصة عتبان ما يخالف ذلك، لأنه في حديث عتبان قد قصد أن يتأسى به صلى الله عليه وسلم في ذلك، بخلاف آثاره في الطرق ونحوها فإن التأسي به فيها وتتبعهما لذلك غير =

ص: 463

ولم يمت حتى أعتق ألف إنسان (1) وزيادة، وربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفًا، وبعث إليه معاوية بمائة ألف فلم يحل حول وعنده منها شيء، وكان إذا تلى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (2) الآية، يبكي حتى يغلبه، وإذا تلى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} (3) يبكي ويقول: إن هذا الإِحصاء لشديد (4).

قال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحدٍ أنه من أهل الجنة في الدنيا لشهدت لابن عمر. وكان رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة فلم يقاتل مع أحد من الفريقين تورعًا لمَّا أشكل عليه الأمر، ثم ندم على ترك القتال مع علي لمَّا تبينت [له](5) الفئة الباغية وقال لمن سأله، عففت يدي فلم أقاتل والمقاتل على الحق أفضل، وقال عند موته: لا آسى على شيء من الدنيا إلَّا تركي قتال الفئة الباغية. [حكاه](6) أبو عمر، ولم يكن يتخلف عن سرية من سرايا

= مشروع كما دل عليه فعل عمر، رربما أفضى ذلك بمن فعله إلى الغلو والشرك كما فعل أهل الكتاب والله أعلم. اهـ. من تعليقه على فتح الباري (1/ 569).

(1)

في ن ب زيادة (كما سلف).

(2)

سورة الحديد: آية 16.

(3)

سورة البقرة: آية 284.

(4)

في ن ب زيادة واو.

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

في الأصل (حكى)، والتصحيح من ن ب ج، و (أبو عمر) في ن ب ساقطة.

ص: 464

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أولع بالحج في الفتنة وبعدها، وكان من أعلم الناس بالمناسك، وكان يصفر لحيته، وعمي في آخر عمره.

وروى ابن أبي [الزناد](1) عن أبيه قال: اجتمع في الحجر مصعب وعروة وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر فقالوا: تمنوا،

فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة. وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم. وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة

العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين. وقال ابن عمر: أما أنا فأتمنى المغفرة، فنالوا كلهم ما تمنوا ولعل ابن عمر قد غُفر له.

مات رضي الله عنه بمكة سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين بعد موت ابن الزبير بثلاثة أشهر، وقيل: سنه ابن أربع -وقيل: ست، وقيل: سبع- وثمانين سنة، وكان مولده قبل الوحي بسنة كما سبق، ودفن بالمحصب، وقيل: بسرَف، وقيل: بفخ بالخاء المعجمة، وكلها مواضع بقرب مكة بعضها أقرب إلى مكة من بعض، وأوصى أن يدفن [في الحل](2) فلم يقدر على ذلك من أجل الحجاج، [وكان ابن عمر يتقدم الحجاج](3) في المواقف وغيرها، وقال له وقد خطب يومًا فأخر الصلاة: إن الشمسى لا تنتظرك، فقال: لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، فقال: إن تفعل فإنك سفيه

(1) في ن ج (الزياد).

(2)

في ن ب (بالحل).

(3)

زيادة من ن ب ج.

ص: 465

مسلط، فعز ذلك عليه. وقيل: إنه أخفى ذلك عن الحجاج فلم يسمعه، فأمر رجلًا فسم زج (1) رمحه ورمحه في الطواف فوقع الزج على قدمه. وروي أنه وقع ذلك به لما دفع من عرفة وأنه أَمَرَّه على ظهر قدمه وهي في غرز راحلته، فمرض منها أيامًا فدخل عليه الحجاج فقال: من فعل بك يا أبا عبد الرحمن؛ فقال: وما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله، قال: لست بفاعل، قال: ولم؟ قال: لأنك الذي أمرت به، فقال: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، وخرج عنه، وروي أنه قال: قتلني الذي أمر بإدخال السلاح الحرم ولم يكن يُدخل به، فمات من ذلك الجرح وصلى عليه الحجاج قاتله الله.

الوجه الثاني: قوله: "رقيت" بكسر القاف أي صعدت، يقال رقي بكسر القاف يرقى بفتحها، إذا صعد منبرًا وسلمًا أو نحو ذلك،

وهذا هو الفصيح المشهور، ولغة طي بفتح القاف.

وحكى صاحب المطالع: الفتح مع الهمزة، واختيار ثعلب الكسر هنا. والفتح من الرقة رقيت الرجل أرقيه.

وقال الزمخشري (2): حكى بعضهم رقيت في السلم بفتح القاف ولا أعلم صحته.

وفي الجامع: رقات ورقيت أفصح وخالف كراع (3) فقال:

(1) الزج: الحديدة التي في أسفل الرمح. اهـ. المصباح المنير (ص 215).

(2)

في أساس البلاغة (364).

(3)

هو أبو الحسن علي بن الحسن الهنائي الأزدي الملقب بكراع النمل، المتوفى سنة (310) بحثت في كتابه "المنتخب" و"المنجد" فلم أجد =

ص: 466

[رقأت](1) بالهمز أجود.

الثالث: حفصة: هي أخته شقيقته أم المؤمنين رضي الله عنها، وسيأتي التعريف بها في باب فضل الجماعة حيث ذكرها المصنف

هناك، إن شاء الله.

الرابع: اطِّلاع ابن عمر رضي الله عنه لم يكن تحسسًا وإنما كان اتفاقًا من غير قصد ولم ير إلَّا أعاليه فقط.

قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون عن قصد للتعلم مع أمنه من الاطلاع على ما لا يجوز له الاطلاع عليه.

قلت: يبعده رواية البخاري (2): "ارتقيت فوق [بيت] (3) حفصة لبعض حاجتي".

الخامس: جاء في رواية الصحيحين: "فرأيته قاعدًا على لبنتين". قال القاضي عياض: يحتمل أن تكونا مبنيتين، فتكون فيه حجة لمن قال أنه لا يتكلف الانحراف في الكنف المبنية إلى القبلة، خلافًا لما ذهب إليه أبو أيوب كما مضى في الحديث قبله.

قلت: وفي رواية صحيحة لابن حزم (4): "رأيته يقضي حاجته

= شيئًا، ولعله في أحد كتبه المخطوطة "المنضد""المجرد""المنظم""المصحف".

(1)

في ن ب (رقيت).

(2)

البخاري (148).

(3)

في الأصل (ظهر)، والتصحيح من ن ب ج.

(4)

هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب أبو محمد، ابن حزم =

ص: 467

محجر عليه باللبن"، وفي رواية [للبزار] (1): "رأيته في كنيف مستقبل القبلة" قال (2) البزار: لا نعلم رواها عن نافع إلَّا عيسى الحناط، قلت: وهو ضعيف.

السادس: قوله: ["مستقبل الشام مستدبر الكعبة"، كذا هو في الصحيحين، وفي رواية لهما](3)"مستقبل بيت المقدس"، ووقع في صحيح ابن حبان (4):"مستقبل القبلة مستدبر الشام"(5)، [فالله أعلم](6). والشام، والكعبة، تقدم الكلام عليهما في الحديث قبله.

السابع: اختلف العلماء في كيفية العمل بهذا الحديث؟

فمنهم من [رآه](7) ناسخًا لحديث أبي أيوب السالف واعتقد الإِباحة مطلقًا، وقاس الاستقبال على الاستدبار وطرح حكم

تخصيصه بالبنيان ورأى أنه وصف ملغي لا اعتبار فيه.

= المولود سنة (384)، والمتوفى سنة (456). سير أعلام النبلاء (18/ 184).

(1)

في ن ب (البزار).

(2)

في الأصل زيادة كلمة (ابن)، والصحيح من ن ب ج.

(3)

زيادة من ن ب ج.

(4)

ابن حبان (1415).

(5)

قال ابن حجر في تلخيص الحبير (1/ 104): وهي خطأ تعد من قسم المقلوب في المتن.

(6)

مكررة في الأصل.

(7)

في الأصل (رواه).

ص: 468

ومنهم: من رأى العمل بحديث أبي أيوب وما في معناه واعتقد هذا خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: من جمع بينهما وأعملهما كما تقدم في الحديث قبله.

ومنهم: من توقف في المسئلة.

ولمن خصه بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يستدل بأن نظر ابن عمر [كان](1) اتفاقًا كما مر، وكذا جلوسه عليه السلام من غير قصد لبيان حكم الأمة؛ لأنه لو كان ذلك حكمًا عامًا لبينه عليه السلام بالقول كغيره من الأحكام، فلما لم يقع ذلك دل على الخصوص، وفيه بعد ذلك بحث [كما قال] (2) الشيخ تقي الدين (3): ثم إن حكم العام إذا خص أن يقتصر على موضع التخصيص ويبقى العام فيما عداه على عمومه فيما بقي من الصور، إذ لا معارض له في ذلك، وحديث ابن عمر هذا لم يدل على جواز الاستقبال والاستدبار معًا بل دل على الاستدبار فقط، فالمعارضة بينه وبين حديث أبي أيوب إنما هي في الاستدبار فيبقى الاستقبال لا تعارض فيه، فيجب العمل به في المنع منه مطلقًا، لكن أجازوهما معًا في البنيان، وعليه هذا السؤال كما نبه عليه الشيخ تقي الدين (4) قال: وهذا إذا كان في حديث أبي أيوب لفظ يعم وليس كذلك، بل هما جملتان: إحداهما عامة في محلها،

(1) زيادة من ن ب ج.

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

انظر: إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 248).

(4)

إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 251).

ص: 469

تَنَاولَ حديث ابن عمر بعض صور عمومها بالخصوص، والأخرى لم يتناولها فهي باقية على حالها، وتقديم القياس على العام فيه كلام أصولي، وشرط صحة القياس مساواة الفرع للأصل أو زيادته عليه في المعنى المعتبر في الحكم، [ولا تساوي](1)[ها هنا](2) لزيادة قبح الاستقبال على الاستدبار على ما يشهد العرف بذلك، وقد اعتبر أبو حنيفة هذا [المعنى](3) في إحدى الروايتين عنه كما أسلفنا عنه، [فمنع الاستقبال وأجاز الاستدبار، وإذا كان أقبح من الاستدبار فلا يلزم من إلغاء الناقص في القبح](4) إلغاء الزائد فيه وحكم جوازه.

قلت: وفي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن عراك عن عائشة قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال:"أراهم قد فعلوها استقبلوا [بمقعدتي] (5) القبلة"(6). قال

(1) في ن ب (يساوي).

(2)

في ن ب (هنا).

(3)

في ن ب (للمعنى).

(4)

في ن ج ساقطة.

(5)

في ن ب (المقعدي)، وفي الأصل (بمقعدي)، وما أثبت من الدارقطني، ون ج، وسنن ابن ماجه.

(6)

الدارقطني (1/ 59)، وابن ماجه (324)، والبيهقي (1/ 92، 93)، والمحلي (1/ 195)، وأحمد (6/ 137، 183، 184، 219، 227، 237)، وحسن إسناده النووي رحمنا الله وإياه في شرح مسلم (3/ 154)، وفي المجموع (2/ 78):"إسناده حسن لكن أشار البخاري إلى أن فيه علة"، وقال السندي رحمنا الله وإياه في شرح ابن ماجه: رجاله ثقات =

ص: 470

الإمام [أحمد](1): هذا أحسن ما روي في الرخصة وإن كان مرسلًا فإن خرجه حسن، وقد قدمنا حديث جابر في الاستقبال أيضًا في الحديث الذي قبله.

الثامن: يؤخذ من الحديث تتبع أحواله صلى الله عليه وسلم كلها ونقلها، وأنها كلها أحكام شرعية.

التاسع: يؤخذ منه أيضًا [جواز](2) استقبال القبلة في البنيان، وأنه مخصص لعموم النهي.

العاشر: يؤخذ منه أيضًا استعمال الكناية بقضاء الحاجة عن البول والغائط.

الحادي عشر: يؤخذ منه أيضًا جواز قضاء الحاجة في مكان غير معدّ له [من](3) سطح وغيره، سواء كان مضطرًا إلى ذلك أم لا، كذا استنبطه منه ابن العطار، ورواية البزار وابن حزم المتقدمين ظاهرهما (4) أن المكان [المذكور](5) معد لذلك.

الثاني عشر: فيه أيضًا جواز الإِخبار عن مثل ذلك للاقتداء والعمل.

= معروفون وأخطأ من قال خلاف ذلك، إلخ كلامه، وقد بسط العلامة أحمد شاكر الكلام عليه في المحلى فليراجع (1/ 195، 196).

(1)

زيادة من ن ب ج.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب (في).

(4)

في ن ب زيادة (في).

(5)

في ن ب ساقطة.

ص: 471

الثالث عشر: فيه أيضًا [جواز](1) تبسط أقارب الزوجة [في بيت](2) الزوج حالة الاحتشام وكف البصر عما يستحى عن رؤيته، فإنه الظاهر من ابن عمر.

خاتمة: قال أصحابنا: إنما يجوز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان بشرطين:

أحدهما: [أن يكون بينه وبين الساتر ثلاثة أذرع فما دونها.

الثاني]: (3) أن يكون الساتر مرتفعًا بحيث يستر أسافل الإِنسان، وقدروه بآخرة الرحل وهو نحو ثلثي ذراع؛ فإن فقد أحد الشرطين فهو حرام إلَّا إذا كان في بيت بني لذلك فلا حرج فيه؛ قالوا: ولو كان في صحراء وتستر بشيء على الشرط المذكور زال التحريم، فالاعتبار بالساتر وعدمه، فيحل في الصحراء والبنيان بوجوده ويحرم فيهما لعدمه، هذا هو الصحيح، ولا فرق في الساتر بين الوهدة والدابة وكثيب الرمل والجدار، والأصح حصول الستر بإرخاء الذيل أيضًا، وحيث جوزنا الاستقبال والاستدبار، قال المتولي: يكره، ونقله النووي في شرح مسلم (4) عن جماعة من الأصحاب، ثم قال: ولم يذكر الجمهور الكراهة، والمختار: أنه إن كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة فلا كراهة [وإن لم يكن

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب (وبنت).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

(3/ 155).

ص: 472

مشقة فالأولى تجنبه خروجًا من خلاف العلماء، ولا يطلق عليه الكراهة] (1) للأحاديث الصحيحة.

فرع: إذا تجنب الاستقبال والاستدبار حالة خروج الفضلة جاز له ذلك حال الاستنجاء بلا كراهة، وكذا إخراج الريح إلى

القبلة.

فائدة: التغوظ مستقبل القبلة من الصغائر كذا ذكره الرافعي في الشهادات [نقلًا](2) عن صاحب العدة [وأقره](3).

(1) في ن ج ساقطة.

(2)

في ن ب (نقله).

(3)

زيادة من ن ب ج، وصاحب العدة هو أبو المكارم الروياني ابن أخت صاحب البحر أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل، وقف عليها الرافعي، ونقل عنه في النفاس موضعين وفي استقبال القبلة موضعين .. إلخ. ترجمته: طبقات ابن قاضي شهبة (1/ 315)، وطبقات ابن الصلاح (689)، وكشف الظنون (923)، وطبقات ابن هدايةُ الله (209).

ص: 473