الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
26/ 1/ 5 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كنت رجلًا مذاءً فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته [مني] (1) فأمرت المقداد [بن الأسود] (2) فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ (3) وللبخاري "اغسل ذكرك وتوضأ". ولمسلم "توضأ وانضح فرجك" (4).
(1) زيادة من ن ب ج.
(2)
ليست موجودة في نسخ الصحيحين، وزيادة من ن ب.
(3)
قال ابن حجر رحمنا الله وإياه في الفتح (1/ 380) على قوله "واغسل ذكرك": هكذا وقع في البخاري تقديم الأمر بالوضوء على غسله، ووقع في العمدة نسبة ذلك إلى البخاري بالعكس، لكن الواو لا ترتب فالمعنى واحد، وهى رواية الإِسماعيلي، فيجوز تقديم غسله على الوضوء وهو أولى، ويجوز تقديم الوضوء على غسله، لكن من يقول بنقض الوضوء بمسه شرط أن يكون ذلك بحائل. اهـ.
(4)
البخاري برقم (132، 178، 269)، ومسلم برقم (303)، والنسائي (1/ 112) والترمذي (1/ 196)، وأبو داود (عون المعبود) رقم (203)، والطيالسي رقم (145)، وأحمد في المسند (1/ 108)، وابن حبان (1098)، وابن ماجه رقم (504)، ومالك (1/ 40)، والسنن الكبرى (1/ 15).
الكلام عليه من ستة وعشرين وجهًا:
الأول: في التعريف [براويه](1) هو أمير المؤمنين أبو الحسن وأبو تراب.
وقل: إنه يقال له وصي لاتصال نسبه [ونسمه](2) بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسمه، ولا يحفظ هذا الاسم في حقه عن أحد من السلف المقدى بهم فإن صح ذلك [فهذا](3) وجهه الذي ذكره أهل اللغة، فلا [يتعلق](4) به ذو بدعة أنه عليه السلام وَصّى إليه بالخلافة لم يكن ذلك قط.
واسم والده أبي طالب عبد مناف وافترى من ادَّعى من الشيعة أن اسمه عمران.
وقيل: اسمه كنيته، ابن عبد المطلب ويقال [له] (5): شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن قصي واسمه زيد، القرشي
الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) في ن ب (برواته).
(2)
في ن ب ج (ونسبه)، وقال في لسان العرب: لاتصال نَسَبِه وسببه وسمته بنسب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسببه وسمته. قلت: كرم الله وجه أمير المؤمنين عليّ وسلَّم عليه، هذه صفته عند السلف الصالح رضي الله عنهم. هـ (15/ 321).
(3)
في ن ب (هذا).
(4)
في الأصل (يطلق)، والتصحيح من ن ب ج.
(5)
في الأصل (ابن)، والتصحيح من ن ب ج.
أمه: فاطمة بنت أسَد بن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، من كبار الصحابيات، هاجرت إلى المدينة وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليها، ونزل في قبرها.
وقيل: بل ماتت بمكة في الهجرة، والأول أشهر.
وروى عنه أمم لا يحصون، منهم أولاده: الحسن، والحسين، ومحمد بن الحنفية، وفاطمة، وعمر، وابن أخيه عبد الله بن جعفر،
وابن [عمه](1) عبد الله بن عباس، وكاتبه عبد الله بن أبي رافع، وشريح القاضي، والشعبي.
روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا، اتفقا منها على عشرين، انفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر، قاله الحافظ عبد الغني. وقال ابن الجوزي: له خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثًا مثل عمر رضي الله عنه.
وهو رابع الخلفاء وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأقضى الأمة وأول خليفة أبواه هاشميان ولم يل بعده ممن أبواه هاشميان غير محمد الأمين بن زبيدة. وهو من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى في الأخوة وشد الأزر -ليس في النبوة- في حياته وبعد موته. وكان علي يقول أنا عبد الله [و](2) أخو رسوله لا يَقولها غيري إلَّا كذاب.
وشبّهه عليه السلام بعيسى في كونه يهلك فيه طائفتان من
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ساقطة.
اليهود والنصارى، حيث جعلته إحداهما ولد زانية فكفروا بذلك، والأخرى ابن الله فكفروا بذلك، فكذلك هلك في علي طائفتان: محب مفرط، ومبغض مفرط، فمن كفّره أو بدّعه أو استنقصه فهو ضال هالك، ومن رقاه إلى الإِلهية أو النبوة أو التقدمة في الخلافة على من تقدمه من الخلفاء أو التفضيل عليهم فهو ضال هالك، فعيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وعلي ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة البتول، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحمة وأن يدور الحق معه حيث دار.
وهو أول من أسلم وصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الصبيان وعمره إذ ذاك ثلاث عشرة على الأصح، وتزوج بفاطمة سنة اثنين من الهجرة، وقال زوجتك سيدًا في الدنيا والآخرة.
وشهد معه صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها إلَّا تبوك، خلّفه على المدينة وعلى عياله، فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلَّا أنه لا نبي بعدي" رواه البخاري، قال ابن عبد البر وهو من أثبت الأحاديث. وقال في حقه:"من كنت مولاه فعلي مولاه" أي من كنت ناصره ومؤازره فعلي كذلك، وفي رواية:"اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه". وعن ابن عباس أنه عليه السلام قال لعلي: "أنت ولي كل مؤمن من بعدي" ذكره أبو عمر.
وروى جماعة من الصحابة أنه عليه السلام قال يوم خيبر: "لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس
بفرار، يفتح الله على يديه، ثم دعا بعلي وهو أرمد فتفل في [عينيه] (1) وأعطاه الراية ففتح الله عليه". وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم فقال: يا رسول الله إني لا أدري ما القضاء، فضرب صدره بيده وقال:"اللهم اهد قلبه وسدد لسانه" قال: فوالله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين.
وكان عمره مبدأ النبوة عشر سنين وبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشر سنين، ومدة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وخلافته وجملتها ثلاثون سنة، وكان عمره ثلاثًا وستين، هذا هو الصحيح المختار في مدة عمره. وقال ابن حبان: اثنين وستين.
وقد أفرد العلماء ترجمته بالتصنيف، قال الإِمام أحمد: لم يُروَ في فضائل الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائله مع قدم إسلامه. وكان رضي الله عنه من ينابيع [الخير](2)[في الصحابة وأكثرهم علمًا وأعظمهم حلمًا، ومن كلامه: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك [ولكن](3)[الخير](4) أن يكثر علمك ويعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلَّا لأحد رجلين:[رجل](5) أذنب
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ج (الحكم).
(3)
ساقط من ن ب.
(4)
زيادة من ن ب ج.
(5)
زيادة من ن ب ج.
ذنوبًا فهو يتدارك [منها](1) بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقلّ عمل في تقوى وكيف يقلّ ما تقبل (2).
ومن كلامه "احفظوا عني خمسًا فلو ركبتم الإِبل في طلبهن لا تصيبونهن قبل أن تدركوهن، لا يرجو عبد إلَّا ربه، ولا يخافن إلَّا
ذنبه، ولا يستحي جاهل أن يسأل عما لا يعلم، ولا يستحي عالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم، والصبر من الإِيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له".
ومن كلامه أيضًا: "إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فيصد عن الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحلت مدبرة وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل".
ومن كلامه أيضًا: "أشد الأعمال ثلاثة: إعطاء الحق من نفسك، وذكر الله على كل حال، ومواساة الأخ في المال".
وكان رضي الله عنه من الزهاد (3) يلبس ثيابًا رثة فعابوا عليه لباسه، فقال: تعيبون عليَّ لباسي وهو أبعد لي من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم. وقال يومًا وفد فرق جميع ما في بيت المال على
(1) في ن ب (ذلك).
(2)
إشارة إلى قوله تعالى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)} .
(3)
في ن ب زيادة (و).
الناس حتى كنسه [ثم](1) أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين رجاء أن يشهد له يوم القيامة: "يا صفراء ويا بيضاء غري غيري". وقال: "لقد رأيتني أربط الحجر على بطني من شدة الجوع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم[وإن] (2) صدقتي اليوم أربعون ألف دينار".
وليَ رضي الله عنه الخلافة خمس سنين، وقيل: إلَّا أربعة أشهر، وقيل: إلَّا شهرين وأيامًا، وقال ابن حبان في ثقاته: خمس سنين وثلاثة أشهر إلَّا [أربعة عشر](3) يومًا، ولم يقم بالمدينة بعد الخلافة غير أربعة أشهر، ثم سار إلى العراق في سنة ست وثلاثين. وكان ما كان وقتله عبد الرحمن بن ملجم الخارجي -وكان فاتكًا ملعونًا- ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان، وقيل غير ذلك، سنة أربعين وهو عام الجماعة.
قال ابن حبان في ثقاته: واختلفوا في موضع قبره ولم يصح عندي شيء من ذلك فأذكره، وقيل: إنه دفن بالكوفة في قصر الإمارة عند مسجد الجامع وعمي قبره، وقيل: برحبة الكوفة، وقيل: بنجف الحرة، وقيل: نقل إلى المدينة ودفن بالبقيع، وقال أبو جعفر الباقر: جهل قبره، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص، وحنط بحنوط فضل من حنوط
(1) في ن ب (و).
(2)
في ن ب (فإن).
(3)
في ن ب (أربعة وعشرون).
رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى عليه الحسن وكبر أربعًا، وقيل تسعًا، ليلًا في المسجد.
قال أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي: قال عبد الله بن سلام المشهود له بالجنة: ما قتلت أمة نبيًا إلَّا قتل به منهم سبعون ألفًا، ولا قتلوا خليفتهم إلَّا قتل به منهم خمسة وثلاثون ألفًا، وكان له رضي الله عنه من الولد أربعون [إلَّا](1) ولدًا، خمسة (2) من فاطمة الزهراء: الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى، [والنسل] (3) منهم بخمسة كما قال القضاعي في عيون الأخبار: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر الأكبر والعباس الأكبر.
وكان علي رضي الله عنه أصغر ولد أبيه، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر [سنين](4)، [وكان](5) عقيل أصغر من طالب بعشر، وأم الجميع فاطمة بنت أسد المقدم ذكرها.
ومبارزته في بدر والخندق وغيرهما مشهورة، ولم يبارزه أحد إلَّا قتله، وشجاعته يضرب بها المثل، وكان ممن بذل نفسه في الله
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في معرفة الصحابة لأبي نعيم (تسعة وعشرون أربعة عشر ذكر وخمس عشرة أنثى)(1/ 309).
(3)
في الأصل (الفضل)، وما أثبت من ن ب ج.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
في ن ب (وقال).
ورسوله قام على فراشه وخلفه في مكانه حين أرادوا قتله فعلم الله مكانة صدقه فوقاه سيئات ما مكروا، ومناقبه ومآثره رضي الله عنه لا تحصى وقد ذكرت طرفًا منها فيما أفردته في الكلام على رجال هذا الكتاب، وذكرت فيه أن في الرواة من اسمه علي بن أبي طالب ثمانية غيره فاستفدهم منه.
الوجه الثاني: وقع في الحديث ذكر المقداد بن الأسود فينبغي ذكر طرف من حاله: هو المقداد بن [عمرو](1) بن ثعلبة بن مالك الكندي الهراني، أبو عمرو، [ويقال: أبو الأسود] (2) ويقال: أبو معبد [المكي](3) وهو حليف الأسود بن عبد يغوث الزهري، وكان الأسود قد تبناه وحالفه في الجاهلية فقيل ابن الأسود، ويقال: كان في حجره، ويقال: كان عبدًا حبشيًا [للأسود](4) فتبناه، وقال ابن حبان: كان أبو المقداد حالف كندة فلذلك قيل الكندي، شهد المشاهد كلها، وكان فارس المسلمين يوم بدر باتفاق، واختلف في الزبير فقيل: كان فارسًا معه أيضًا، وقد هاجر قبل الحبشة، وكان من الرماة المذكورين، وهو أحد الستة الذين أظهروا إسلامهم.
قال ابن عبد البر: وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار من الصحابة وهو أحد الأربعة عشر النجباء الوزراء الرفقاء الذين أعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان للأنبياء قبله.
(1) في ن ب ج (عمر).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب (المالكي).
(4)
في ن ب ساقطة.
روى عنه علي وابن عباس وآخرون من الصحابة وكبار التابعين، وروي له اثنان وأربعون حديثًا، اتفقا [منها](1) على واحد،
وانفرد مسلم ثلاثة.
مات بأرضه بالجرف على عشرة أميال من المدينة فحمل ودفن بالمدينة، وصلى عليه عثمان سنة ثلاث وثلاثين عن نحو سبعين سنة، وأوصى للزبير بن العوام، وروي عنه أنه شرب دهن الخروع فمات، وعن كريمة ابنة المقداد أن أباها أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألف درهم، وأوصى لكل واحدة من أمهات المؤمنين بسبعة آلاف فقبلوا وصيته.
روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمرني [الله] (2) بحب أربعة وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد" وسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ رافعًا صوته فقال: "أوّابٌ" وقال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين: لا نقول لك كما قال [قوم](3) موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا أنا ها هنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) وسرَّه، قال ابن مسعود: شهدت من المقداد مشهدًا لأن أكون صاحبه أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس، فذكره.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب ج (ربي).
(3)
ساقطة من الأصل.
(4)
في ن ب زيادة (لذلك).
الوجه [الثالث](1): الرواية الثانية التي عزاها المصنف للبخاري لفظه فيها: "فأمرت رجلًا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فسأله فقال: توضأ واغسل ذكرك"، ونص الحميدي في جمعه أيضًا على أنها من أفراد البخاري، وترجم البخاري على هذه الرواية: باب: غسل المذي والوضوء منه (2)، وذكره أيضًا في باب (3): من لم ير الوضوء إلَّا من المخرجين، ولفظه فيه:"فسأله المقداد فقال: [فيه] (4) الوضوء" وهذه أخرجها مسلم، والرواية الثالثة التي عزاها المصنف إلى مسلم (5) رواها من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب: أرسلنا المقداد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "فسأله عن المذي يخرج من الإِنسان كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ وانضح فرجك" ونص الحميدي في جمعه أيضًا على أنها من أفراد مسلم، واستدرك الدارقطني على مسلم هذا الإِسناد وقال: قال حماد بن خالد (6): سألت مخرمة (7): سمعت من أبيك؟ فقال لا. وقد خالفه الليث عن
(1) في ن ج (الثاني).
(2)
الفتح (1/ 379).
(3)
الفتح (1/ 283).
(4)
في الأصل (له)، والتصحيح من ن ب والتتبع. وانظر: حاشية إحكام الأحكام (1/ 305).
(5)
مسلم (1/ 247).
(6)
في ن ب ج زيادة (هل).
(7)
في ن ب ج (من)، وفى الأصل (عمن) وليس لها معنى هنا، وما أثبت يوافق ما في الإِلزامات والتتبع (233، 417).
بكير فلم يذكر فيه ابن عباس، وتابعه مالك عن أبي النضر (1).
قلت: وذهب بعضهم إلى أنه سمع من أبيه (2). وفي رواية للكجي (3) في سننه: "كل فحل يمذي وليس فيه إلَّا الطهور".
الوجه الرابع: قوله: "كنت رجلًا مذاءً" فيه احتمالان:
أحدهما: أن ذلك حكاية عما مضى وانقطع عنه حين إخباره به وهو بعيد، وأظهرهما (4): أن هذه حالة مستدامة له ويكون من باب قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111)} (5). أي أنه لما علم الناس أنه تعالى عليم حكيم قيل لهم، ولذلك كان في الأول على ما هو عليه الآن.
(1) انظر: الإِلزامات والتتبع للدراقطني (ص 417).
(2)
الذين قالوا: إنه لم يسمع من أبيه، قالوا: إنه حدث من كتاب أبيه وهذه وجادة قوية وهي أحد وجوه النقل. وانظر: حاشية إحكام الأحكام (1/ 305).
(3)
هو الشيخ الإِمام أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم بن ماعز صاحب "السنن" مات ببغداد في سابع المحرم، سنة اثنتين وتسعين ومئتين فنقل إلى البصرة ودفن بها وقد قارب المئة رحمه الله. تاريخ بغداد (6/ 120)، وطبقات المفسرين (2/ 11)، وسير أعلام النبلاء (13/ 423). والحديث قد جاء بلفظ "كل فحل يمذي فتغسل فرجك وأنثييك"، مسند أحمد (4/ 342) موضع أوهام الجمع والتفريق (1/ 109) التاريخ الكبير (5/ 29) وذكره في مجمع الزوائد (4/ 25).
(4)
هذا هو الاحتمال الثاني.
(5)
سورة النساء: آية 111.
الخامس: قوله: "مَذَّاء" أي كثير المذي وهو بفتح الميم وتشديد الذال المعجمة على الأفصح، وبالمد صيغة مبالغة على زنة فعال كضراب من الضرب، وفي رواية لأبي داود (1) والنسائي (2) وابن حبان (3) بعد مَذَّاء "فجعلت أغتسل في الشتاء حتى تشقق ظهري فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم -أو ذُكر له- فقال: لا تفعل إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل".
[ومعنى](4)"فضخت" بالفاء والخاء المعجمة: دفقت، وفي سنن البيهقي (5) من حديث ابن جريج عن عطاء أن عليًّا "كان يدخل في إحليله الفتيلة من كثرة المذي".
السادس: قوله "فاستحييت" هذه اللغة الفصيحة فيه بيائين، ويقال (استحيت) أيضًا بياء واحدة.
السابع: المراد بالحياء هنا: تغير وانكسار يعرض للإِنسان من تخوف ما يعاتب به أو يذم عليه، وأما الحياء الشرعي الممدوح عليه الذي لا يأتي إلَّا بخير فهو: رؤية النعم ورؤية التقصير فيتولد
(1) أبو داود، عون المعبود، رقم (203).
(2)
النسائي (1/ 112).
(3)
ابن حبان (1107).
(4)
زيادة من ن ب.
(5)
السنن للبيهقي (1/ 356)، ولفظه: قال كان عليًّا رجلًا مذاء فكان يأخذ الفتيلة فيدخلها في إحليله.
بينهما حالة تسمى حياء، وتلك حالة حاملة على مزيد الشكر واستقصار الأعمال، والحياء المذموم كالحياء المانع من التعلم،
وحياء علي رضي الله عنه لم يقض عليه ولهذا أرسل وسأل.
الثامن: قوله: "أن أسأل" تقديره (من أن أسأل) وحرف الجر يحذف من أن وإن قياسًا.
ثم اختلف: هل يكون أن وإن في موضع نصب أو جر؟ فيه خلاف للنحاة.
التاسع: قوله: "لمكان ابنته" هو علة الاستحياء، فإن [المذي](1) يكون غالبًا عند ملاعبة الرجل أهله وقبلتها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع، ففيه استعمال الأدب ومحاسن [العبارات](2) في ترك المواجهة بما يستحيا منه عرفًا.
العاشر: قوله: "فأمرت المقداد بن الأسود" وكذا هو في الصحيحين وفي رواية للبخاري أسلفناها: "فأمرت رجلًا" وفي رواية أحمد والنسائي وابن حبان "فأمرت عمار بن ياسر" وفي صحيح ابن خزيمة وغيره "أن عليًا سأل" من غير شك، وجمع ابن حبان (3) بينهما: بأن يحتمل أن يكون عليًا أمر عمارًا أن يسأل ثم أمر المقداد أيضًا، ثم سأل بنفسه، وهو جمع حسن، ويؤيده رواية عبد الرزاق
(1) في ن ب (الذي).
(2)
في ن ب (العادات).
(3)
(3/ 390).
عن ابن جريج عن عطاء: أخبرني [عائش](1) بن أنس قال: تذاكر علي وعمار والمقداد المذي فقال علي: إنه رجل مذّاء فسالا عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، قال [عائش] (2): فسأله أحد الرجلين -عمارًا والمقداد- قال عطاء: وسقاه عائش، ونسيته" قال ابن عبد البر: حديث المذي صحيح ثابت عند أهل العلم له طرق شتى عن علي والمقداد وعمار وكلها صحاح (3)، أحسنها رواية عبد الرزاق (4) هذه.
وأما النووي فجمع في شرح المهذب (5) بينها بأن قال رواية "فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم" المراد: أمرت من ذكر كما جاء في معظم الروايات، قال: وتحمل رواية "فأمرت المقداد" ورواية "فأمرت عمارًا" على أنه أمر أحدهما ثم أمر الآخر قبل أن يخبر الأول.
قلت: وفي الفاصل للرامهرمزي "أنه عليه السلام هو السائل له لما رءاه شاحبًا، فقال له: يا علي لقد أشحبت، قلت: شحبت من اغتسال الماء وأنا رجل مذّاء [فإذا](6) رأيت منه شيئًا اغتسلت، قال:
(1) في النسخ (عباس، وعياش)، والتصحيح من مصنف عبد الرزاق (1/ 155)، وكتاب غوامض الأسماء لابن بشكوال، خبر رقم (170).
(2)
في النسخ (عباس، وعياش)، والتصحيح من مصنف عند الرزاق (1/ 155)، وكتاب غوامض الأسماء لابن بشكوال، خبر رقم (170).
(3)
في الاستذكار (3/ 11) زيادة (حسان).
(4)
المرجع السابق (1/ 155).
(5)
المجموع (2/ 143، 144).
(6)
زيادة من ن ب.
لا تغتسل منه يا علي" الحديث.
[اعلم](1) أن ابن [بشكوال](2) صحيح أن السائل هو المقداد لا عمار بن ياسر (3)، وقد علمت أن كلاهما صح مع زيادة وجمع بينهما (4).
الحادي عشر: [قوله](5)"وانضح فرجك" هو بكسر الضاد المعجمة، نص عليه الجوهري وغيره فمن فتحها فقد أخطأ، وهي
بالحاء المهملة أيضًا، كذا [بخطه](6).
قال الشيخ تقي الدين (7): وكذا الرواية لا يعرف غيره، قال: ولو روي بالخاء المعجمة لكان أقرب إلى معنى الغسل فإن النضخ
(1) في ن ب (واعلم).
(2)
في ن ب (بشكوان).
(3)
غوامض الأسماء المبهمة لابن بشكوال، خبر رقم (170).
(4)
قال أبو حاتم رضي الله عنه: يشبه أن يكون علي بن أبي طالب أمر المقداد أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الحكم فسأله وأخبره، ثم أخبر المقداد عليًا بذلك ثم سأل علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أخبره به المقداد حتى يكونا سؤالين في موضعين مختلفين، والدليل على أنهما كانا في موضعين أن عند سؤال علي النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالاغتسال عند المني، وليس هذا في خبر المقداد، يدلك هذا على أنهما غير متضادين. اهـ. من ابن حبان (3/ 386). وانظر: كلام ابن حجر في الفتح (1/ 379، 380).
(5)
زيادة من ن ب.
(6)
في ن ب ج (يحفظه). انظر: مختار الصحاح (277).
(7)
أحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 311).
بالمعجمة أكثر من المهملة (1).
قلت: هذا قول كما ستعرفه في أثناء الحديث [الثالث](2) إن شاء الله.
الثاني عشر: المراد بالنضح هنا الغسل بدليل الرواية الأولى والثانية، وفي حديث أم قيس الآتي الرش كما ستعلمه هناك، قال أبو عمر (3): ورواية يحيى عن مالك وحده "فلينضح فرجه"(4) ورواية الكل -منهم ابن وهب عن مالك- (فليغسل فرجه)، وهذا هو الصحيح قال: ولو صحت الأولى فتفسرها الثانية، لأن النضح يكون في لسان العرب مرة الغسل ومرة الرش.
وقال الدارقطني في كتاب أحاديث الموطأ: رواية الشافعى (5) ويحيى بن بكير ومصعب وابن وهب وجماعات عددهم "فلينضح" إلَّا ابن وهب فإن في بعض ألفاظه "فليغسل" وهذا عكس ما ذكره أبو عمر، قال الشيخ تقي الدين (6): ويؤيد أن المراد بالنضح هنا
(1) انظر: تهذيب اللغة (4/ 211)، والمحكم (5/ 27)، والنظم المستعذب (1/ 41)، والمغني في الإِنباء عن غريب المهذب (1/ 54)، وعمدة الحفاظ (578، 579).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
الاستذكار (3/ 14).
(4)
الموطأ لمالك (1/ 40).
(5)
في ن ب زيادة رضي الله عنه.
(6)
إحكام الأحكام (1/ 311).
الغسل بأن غسل النجاسة المغلظة لا بد منه ولا يكتفي فيها بالرش الذي هو دون الغسل.
قلت: إطلاقه النجاسة المغلظة على نجاسة المذي خلاف الاصطلاح.
الثالث عشر: قوله "يغسل ذكره" هو برفع اللام، هذا هو المشهور في الرواية كما قال الشيخ تقي الدين (1)، وهو خبر بمعنى الأمر واستعماله بمعنى الأمر جائز مجازًا لما يشتركان فيه من معنى الإِثبات للشيء. قال: ولو روي مجزومًا على حذف اللام الجازمة وإبقاء عملها لكان جائزًا عند بعضهم على ضعف، ومنهم من منعه إلَّا لضرورة كقول الشاعر (2):
محمد تفد نفسك كل نفس
…
إذا ما خفت [في أمر تبالا](3)
تنبيه: جاء في القرآن الأمر بلفظ الخبر كقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} (4)، {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} (5) وجاء أيضًا الخبر بلفظ الأمر كقوله تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} (6) والسر في العدول عن الأصل فيهما ما أبداه الفاكهي: أما
(1) إحكام الأحكام (1/ 310).
(2)
البيت قل قائله حسان بن ثابت، وقيل: أبو طالب، وقيل: الأعشى، وقيل مجهول.
(3)
في عمدة الحفاظ (416)"من شيء" وتكتب "تبالًا" هكذا وهكذا "تبالى".
(4)
سورة البقرة: آية 233.
(5)
سورة البقرة: آية 228.
(6)
سورة مريم: آية 75.
سر الأول: فلأن الخبر يستلزم ثبوت مخبره ووقوعه إذا كان مبينًا، بخلاف الأمر فإذا عبر عن الأمر بلفظ الخبر كان ذلك آكد، لاقتضائه الوقوع حتى كأنه واقع، ولذلك اختير [الدعاء بلفظ](1) الخبر تفاؤلًا بالوقوع، وأما سر الثانى: فلأن الأمر شأنه أن يكون بما فيه داعية للأمر، وليس الخبر كذلك فإذا [عبر](2) عن الخبر بلفظ الأمر أشعر ذلك بالداعية فيكون ثبوته وصدقه أقرب.
الرابع عشر: في الحديث أن المذي لا يوجب الغسل وهو إجماع.
الخامس عشر: فيه أيضًا أنه ناقض للوضوء وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد والجماهير قالوا: [ويوجوب](3) الوضوء. وقال الفاكهي: لا أعلم بين الأمة في نقض الوضوء به خلافًا، ثم قال بعدُ بورقة: سلس المذي عند مالك لا يوجب الوضوء ولا ينقضه، قال:[فإن](4) كان يعتريه المذي لطول عزبته وهو قادر على رفعه بالنكاح والتسري فلم يفعل فالمشهور إيجاب الوضوء، وإن لم يقدر فإن كان يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب، وقيل: يستحب، وإن استوت ملازمته ومفارقته فقولان، وإن كان
(1) في ن ب (للدعاء لفظ).
(2)
في ن ب (غير).
(3)
في ن ب (يوجب).
(4)
في ن ب (وإن).
ملازمته أكثر فالمشهور استحبابه، [فإن](1) كان عكسه فالمشهور وجوبه، ومنشأ الخلاف عندهم وجود الحرج وعدمه.
فرع: إذا أنعظ (وهو قيام الذكر بشدة) فعند المالكية فيه أربعة [أحوال](2): أن يخرج معه ماء فيجب الوضوء قطعًا. وأن يلتذ ولا يخرج منه ماء فالمشهور من القولين وجوبه، وأن يخرج منه ولا لذة فالمشهور أيضًا الوجوب إذ الغالب أن لا يعرى عنها، وأن لا يكون منه إلَّا مجرد إنعاظ وانكسر من غير ماء فقولان، وهذا الخلاف لا يعرفه أصحابنا، والمجزوم به عندهم وجوب الوضوء عند خروج المذي.
السادس عشر: فيه أيضًا نجاسة المذي لإِيجاب غسل الذكر منه وهو إجماع، وقال ابن عقيل الحنبلي: قد قيل إنه -يعني المذي- من أجزاء المني؛ فيجب حينئذ أن يتخرج في نجاسته روايتان.
واختلف العلماء: هل يغسل [منه](3) كل الذكر أو محل النجاسة فقط؟ فالشافعي والجمهور قالوا بالثاني، والمشهور عن مالك [الأول](4) كما [قال](5) الفاكهي، قال: وإن غلّظ اللخمي (6)
(1) في ن ب (وإن).
(2)
في ن ب (أقوال).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
في ن ب (الأقوال).
(5)
في ن ب (قاله).
(6)
هو أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي، قيرواني نزل صفاقس تفقه بابن محرز والتونسي وغيرهما اشتهرت فتاويه ونفع الله بعلمه =
القول به، وهو رواية عن أحمد؛ لكون الذكر حقيقة في العضو كله، وخرجه ابن بشير المالكي على الخلاف الأصولي [على](1) أن الأسماء تحمل على أوائلها أو على أواخرها، وفي التخريج نظر.
واختلفوا في معنى غسل الجميع: هل هو [لمعنى](2)[تبريد](3) العضو فيضعف المذي، أو هو تعبد؟ وبنوا على ذلك فرعًا وهو وجوب النية لغسله إن جعلناه تعبدًا، وجبت؛ لأن الطهارة التعبدية تفتقر إلى النية كالوضوء، وعدل جمهور العلماء عن استعمال الحقيقة في الذكر كله نظرًا إلى المعنى الموجب للغسل وهو خروج الخارج، فاقتضى الاقتصار عليه، ومن جعل الحكمة فيه [التبرد](4) اقتضى عدم وجوبه أيضًا.
السابع عشر: أوجب الإِمام أحمد [وجوب](5) غسل الأنثيين أيضًا لرواية [في](6) أبي داود (7) بالأمر بغسلهما مع الذكر، وهي منقطعة؛ لأنها من حديث عروة عن علي، وعروة لم يسمع من علي.
= له كتاب "التبصرة" قال ابن فرحون: وهو كتاب مفيد حسن. اهـ. الديباج (2/ 104).
(1)
زيادة من ن ج، وقد أشار إلى ذلك في المعلم (1/ 371).
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب ج (التبريد).
(4)
في ن ج (التبريد)، وفي الأصل (التبريد)، وما أثبت من ن ب.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
أبو داود، عون المعبود، رقم (205).
لكن أخرجها أبو عوانة في صحيحه من حديث هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن [عبيدة](1) السلماني عن علي، وفي هذا رد لما نقله أبو داود (2) عن أحمد بن حنبل [ما قال](3) غسل الأنثيين إلَّا هشام بن عروة في حديثه، فأما الأحاديث كلها فليس فيها ذا.
فائدة: قيل: إنما أمر بغسل الأنثيين؛ لأن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي وكسر حدته.
الثامن عشر: فيه أيضًا وجوب غسل المذي بالماء، ولا يجوز فيه غيره مما يجوز الاستنجاء به في الغائط والبول؛ لكونه نادرًا فأشبه الدم، وهو أحد القولين عندنا، ومشهور مذهب مالك كما قاله ابن بشير منه وعلّله: بأنه يأتي مستحلبًا بخلاف البول والغائط فإنهما يخرجان [بطبع](4) الغذاء.
(1) في جميع النسخ (عتبة)، والتصحيح من مسند أبي عوانة (1/ 273). قال ابن القيم رحمنا الله وإياه في تهذيب السنن (1/ 358، 361)، وقد رواه أبو عوانة الإِسفرائيني في صحيحه من حديث سليمان بن حسان عن ابن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي، وفيه:"يغسل أنثييه وذكره" وهذا متصل. اهـ. عون المعبود. وقال الحافظ ابن حجر: وإسناده لا مطعن فيه ولا منافاة بين الروايتين لإِمكان الجمع بغسلهما مع غسل الفرج، اهـ، من عون المعبود.
(2)
السنن، عون المعبود (1/ 357).
(3)
في ن ب ج (قاله).
(4)
في الأصل (لطبع)، والتصحيح من ب ج.
وعلله سند في (طرازه) بما فيه من [اللزوجة](1) فقد [ينتشر](2) بالمسح إلى محل آخر فينجسه؛ ولأنه ليس في معنى الغائط حتى يلحق به.
والتصحيح عندنا [إجزاء الحجر](3) وما في معناه فيه قياسًا على المعتاد، والحديث خرج على الغالب [فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء](4) أو يحمله على الاستحباب.
ووقع في شرح مسلم للنووي: إن أصح القولين عندنا الأول (5)، وهو سبق قلم منه، فالصحيح عندنا الثاني ولذا [فالذي](6) صححه هو في باقي كتبه وتبعه تلميذه ابن العطار في شرحه لهذا الكتاب، فقال: إنه أصح القولين عند الشافعي، فاحذر التقليد في النقول فإنه مذموم، ووقع في شرح الشيخ تقي الدين (7): أنه الصحيح أيضًا لكنه لم يعزه لمذهب معين، فإنه قال: اختلفوا في أنه هل يجوز في المذي الاقتصار على الأحجار؟ والصحيح: أنه يجوز، قال: ودليله أمره بغسل الذكر منه، فإن ظاهره بعينه [والمعين](8)
(1) في ن ب (الزوجة).
(2)
في ن ب (تيسر).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
تصحيح العبارة وزيادة النقص من شرح مسلم للنوي (3/ 213)، حيث كلمة (أن يستنجي بالماء) ساقطة من جميع النسخ والرقم مكرر.
(5)
نفس المصدر السابق.
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
إحكام الأحكام (1/ 315).
(8)
في ن ب (وللمعين).
لا يقع الامتثال إلَّا به.
التاسع عشر: قد يستدل به من قال: يجب الوضوء على من به سلس البول لكون، المذّاء من كثر منه المذي وقد أمر بالوضوء منه [فكذلك](1) من به سلس البول لكن المذاء الذي يكثر مذيه يكون لصحته وغلبة شهوته غالبًا، وقد يكون لمرضه واسترساله بحيث لا يمكن دفعه، ففي الأول يجب دون الثاني على تفصيل سلف عن المالكية، وليس في الحديث ما يعين أحد الوجهين كما قال الشيخ تقي الدين (2)، لكن رواية الموطأ التي نذكرها آخر الباب ظاهرة في الأول ثم هو نادر، بخلاف سلس البول فإنه مرض لا يزول غالبًا فافترقا.
العشرون: فيه جواز الاستنابة في الاستفتاء للعذر سواء كان المستفتي حاضرًا أو غائبًا، وقد ترجم البخاري عليه في كتاب العلم من صحيحه: باب من استحى فأمر غيره بالسؤال (3)، وأغرب ابن القطان المالكي المتأخر فمنع الاستنابة في ذلك معللًا بتطرق الوهم إلى النائب، بخلاف الصحابة فإنهم ثقات فصحاء، [وهو ضعيف](4).
الحادى والعشرون: فيه أيضًا جواز الاعتماد على الخبر
(1) في ن ب (ولذلك).
(2)
إحكام الأحكام (1/ 309).
(3)
فتح الباري (1/ 230).
(4)
زيادة من ن ب ج.
المظنون مع القدرة على المقطوع به؛ لأن عليًّا اقتصر على قول المقداد في رواية المصنف مع تمكنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي عياض: وليس هذا كالاجتهاد مع القدرة على النص؛ لأن قضية علي احتفت بها قرائن [توجب](1) القطع عنده
بخبر من أرسله فلم ينتقل إلَّا من علم إلى علم، لا من علم إلى ظن.
قلت: وقد ينازع في هذا ويقال: لعل عليًّا كان حاضرًا مجلس السؤال وإنما استحى أن يكون السؤال منه بنفسه.
فإن قلت: يلزم من قبول قول المقداد من غير أن يكون علي حاضرًا مجلس السؤال إثبات خبر الواحد بخبر الواحد، وقد انتقد
على بعضهم حيث استدلَّ في المسألة بأخبار آحاد.
فقيل: أثبت خبر الواحد بخبر الواحد.
فجوابه: أن المراد ذكر صورة من صور خبر الآحاد تدل على قبوله وهي فرد من أفراد لا تحصى، والحجة تقوم بجملتها لا بفرد معين منها، وإلَاّ لكان ذلك إثبات الشيء بنفسه وهو محال، لكنه يذكر للتنبيه على أمثاله لا للاكتفاء به، مع أن عليًّا إنما أمر المقداد بالسؤال استحياء، لا لأجل قبول خبره، فإن ثبت أن عليًّا أخذ هذا الحكم عن المقداد من غير حضوره ولا قرينة أوجبت قبول خبره ففيه الحجة. كيف وقد ثبت سؤاله بنفسه كما قدمناه؟
تنبيه: ادَّعى الجبائي (2) أنه لا بد في خبر الواحد من نقل اثنين
(1) في ن ب (لوجب).
(2)
هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب جده حمران بن أبان مولى =
له، أو يعضد الواحد ظاهرًا، أو عمل بعض الصحابة، أو اجتهاد، أو يكون منتشرًا، ولا يسلم ذلك له (1).
الثانى والعشرون: فيه أيضًا استحباب حسن العشرة مع [الأصهار](2)، وأن الزوج ينبغي له أن لا يذكر ما يتعلق بأسباب الجماع ومقدماته والاستمتاع بالزوجة مع حضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، مع كون السؤال في الحديث عن حكم شرعي، فما ظنك بذكر ذلك لغير حاجة؟ وقد أثنى صلى الله عليه وسلم على نساء الأنصار لكونهن لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين لما سألنه عن أشياء تتعلق بأنفسهن مما يُستحى من ذكره عادة، كما ستعلمه في الحديث الخامس من باب الجنابة، فالعلم وتعلمه عبادة لا ينبغي أن تدخله النيابة وعدم مواجهة العلماء بالسؤال عنه، لكن تَرَكَهُ علي على رواية المصنف: لما ذكرناه.
فرع: لا ينبغي لأحد الزوجين أن يذكر ما يجري بينهما من ملاعبة ونحوها لقريب ولا أجنبي، فإن ذلك ليس من مكارم الأخلاق، نعم يجوز ذكر ذلك إذا دعت الحاجة إليه؛ لقول عائشة: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا.
الثالث والعشرون: "الفرج" في الحديث: الذكر [وهو](3)
= عثمان بن عفان رضي الله عنه كنيته أبو هاشم، ويقال له: الجبّائي توفي سنة (321)، العبر (2/ 187)، ومرآة الجنان (2/ 283).
(1)
ذكره في المحصول (4/ 599).
(2)
في ن ب (الاجتهاد).
(3)
زيادة من ن ب.
مأخوذ من الانفراج في اللغة فيدخل في عمومه الدبر، وقد تمسك به أصحابنا في انتقاض الوضوء بمسه في قوله عليه السلام "من مس فرجه فليتوضأ"(1). نعم العرف يغلب استعماله في القبل من الرجل والمرأة، فيحتمل أن يكون استدلالهم به؛ لأنه لم يثبت عندهم عرف يخالف الوضع ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأنه ممن يقدم الوضع اللغوي على الاستعمال العرفي.
الرابع والعشرون: قد يؤخذ من قوله "توضأ وانضح فرجك" جواز تأخير الاستنجاء عن الوضوء، وهو الأصح عندنا إذا كان بحائل
يمنع الانتقاض، لكن إنما يتم ذلك على قول من يقول الواو للترتيب وهو مذهب ضعيف.
الخامس والعشرون: احتج بعض متأخري المالكية بقوله: "اغسل ذكرك وتوضأ" بأنه إنما يغسل ذكره عند إرادة الوضوء ولا يجزيه قبل ذلك؛ لأن "الواو" ظاهرة في المعية ومشهور مذهبهم خلافه.
السادس والعشرون: قال [المازري](2): لم يبين في هذه الروايات هل أمره أن يسأل سؤالًا عامًا أو خاصًا؟ فإن كان لا يلتفت إلى كيفية السؤال ففيه دلالة على أن قضايا الأعيان تتعدى وهي مسألة
(1) انظر: تلخيص الحبير، وحكمه على حديث بسرة وطلق بن علي (1/ 125/ 127).
(2)
في جميع النسخ (الماوردي)، وما أثبت من المعلم (1/ 370) ساقه بمعناه.
أصولية مختلف فيها؛ لأنه لو كان يرى أنها لا تتعدى لأمره أن يسأله سؤالًا يخصه، ويسمي له السائل، [فإنه قد يفتح له ما لا يفتح لغيره](1).
قلت: رواية مسلم (2) التي أسلفناها في الوجه الثالث فسأله له عن (المذي)(3) يخرج من الإِنسان؟ فهذا [سؤال](4) عام، وكذا رواية الموطأ (5): أن يسأل عن الرجل إذا دنى من أهله يخرج منه المذي؟
(1) في "المعلم "إذا قد يبيح له ما لا يبيح لغيره".
(2)
مسلم (1/ 247).
(3)
في ن ب (الذي).
(4)
في الأصل ساقطة.
(5)
الموطأ لمالك (1/ 40)، وقد أشار إليه في المعلم.