الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
(1)
10/ 10/ 1 - عن حمران مولى عثمان بن عفان: أنه رأى عثمان دعا بوَضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات
ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاثًا، ثم مسح برأسه، ثم غسل كلتا رجليه ثلاثًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وُضوئي هذا وقال: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"(2).
الكلام عليه من سبعة وثلاثين وجهًا: وهو أصل عظيم في صفة الوضوء:
(1) هكذا في المخطوطة وحسب ما قبله، وفي إحكام الأحكام (السابع)، وفي متن العمدة (الثامن).
(2)
أخرجه البخاري برقم (159) في الوضوء، أسباب: المضمضة في الوضوء، وفي المواضع الآتية:(160، 164، 1943، 6433)، ومسلم برقم (226) في الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله، ورواه أيضًا أبو داود برقم (106، 110) في الطهارة، والنسائي (1/ 64، 65)، والدارمي (1/ 176)، وابن حبان (360، 1060).
الأول: في التعريف براويه: أما عثمان فهو ابن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، يجتمع [مع
النبي صلى الله عليه وسلم] (1) في عبد مناف. في كنيته ثلاثة أقوال، أشهرها: أبو عمرو، وثانيها: أبو عبد الله، وثالثها: أبو ليلى.
وقال ابن الأثير في جامعه: كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما ولدت له رقيةُ عبدَ الله؛ كني به،
قال: وكان إسلامه في أول الإسلام على يد الصديق. ولد في السنة السادسة من عام الفيل وهاجر الهجرتين وتزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم، زوجه الله أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها، لهذا سهمي ذو النورين، ولم يعرف أحد من لدن آدم صلى الله عليه وسلم، تزوج [ابنتي](2) نبي غيره (3). وهو أول من خرج إلى الحبشة وهاجر إليها وسائر من هاجر إليها تبع له.
وكان صلى الله عليه وسلم يستحي منه أكثر من غيره (4)، وهو أكثر أمته حياء، وأخبر أن الملائكة تستحي منه (5)، وجمع القرآن بعد الاختلاف فيه وجمع الناس عليه، وشهد له [النبي صلى الله عليه وسلم](6) بالجنة، واشترى موضع
(1) في ن ب (رسول الله).
(2)
في ن ب ساقطة، وفي ج (بنتي).
(3)
انظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 245)، والسنن الكبرى (7/ 73).
(4)
مسلم (4/ 1866 - 1867).
(5)
مسلم (4/ 1866)، وأحمد في المسند (6/ 62).
(6)
في ن ب ساقطة.
خمس سوار فزاده في المسجد، وجهز جيش العسرة (1) بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا وذلك في غزوة تبوك، وقيل: بألف بعير وسبعين فرسًا، فدعا له صلى الله عليه وسلم بالمغفرة ما أسر وما أعلن وما أبدى وما أخفى وما هو كائن إلى يوم القيامة، وقال:"ما يبالي عثمان ما عمل بعدها"، واشترى بئر رومة بعشرين ألفًا وسبلها للمسلمين (2)، وكان عليه السلام قال قبل ذلك:"من يشتريها ويجعلها للمسلمين وله بها مشربة في الجنة"، وتخلف عن بدر لتمريض رقية فضربَ له منها بسهمه وأجره، وبايعَ عنه في بيعة الرضوان؛ لأنه بعثه إلى مكة في أمر الصلح.
وكان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن، وكان يصوم الدهر، وكان من الذين:{اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} (3) الآية، كما قاله علي رضي الله عنه، وافتتح نوابه إقليم خراسان والمغرب، قال ابن سيرين: وكثر المال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها وفرس بمائة ألف درهم ونخلة بألف درهم، [قلت] (4): وشبهه صلى الله عليه وسلم بإبراهيم خليل الرحمن، وهو أحد العشرة [المشهود](5) لهم بالجنة كما تقدم، وأحد الذين كانوا معه بأحد فارتج فقال:"أثبت فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، وثالث الخلفاء الراشدين، وأكبرهم سنًا،
(1) البخاري (2778).
(2)
البخاري (2778).
(3)
سورة المائدة: آية 93.
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
في ن ب (المقطوع).
وأكثرهم إقامة في الخلافة، بويع له بها أول [سنة](1) أربع وعشرين بعد دفن عمر بثلانة أيام، وقتل شهيدًا مستسلمًا للقتل صبرًا وهو صائم في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين عن ست وثمانين سنة، فكانت مدة خلافته ثنتي عشرة سنة إلَّا أيامًا عشرة أو نحوها، وصلى عليه جبير بن مطعم، ودفن بالبقيع ليلًا، ومناقبه ومآثره أكثر من أن تحصى، وقد بسطت ترجمته فيما أفردته من الكلام على رجال هذا الكتاب فراجعها منه، وقد أفردته بالتصنيف أيضًا.
واسم أمه: أروى بنت كريز، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، قال البيهقي: والذي حُفظ عنه نحو من أربعين حديثًا. وقال أبو نعيم: أسند ستًا وستين [سوى](2) الطرق، وقال عبد الغني: روى مائة وستة وأربعين حديثًا، اتفق على ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة.
وكان في يده خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوًا من سنتين ثم سقط في بئر أريس بقباء، فاتخذ خاتمًا من فضة ونقش عليه "آمنت بالذي خلق فسوى"، قال سهم بن [حبيش] (3): لما حملنا نعشه غشينا سواد من خلفنا، فهبناهم، فنادى مناديهم: أن لا روع عليكم اثبتوا فإنا جئنا نشهده، وكان [ابن] (4) حبيش يقول: هم ملائكة الله تعالى.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
في ن ب (غيره).
(3)
مكررة في الأصل.
(4)
ساقطة من ب.
وأما مولاه حُمران: فهو بضم الحاء المهملة، ابن أبان، وقيل: ابن (1) وقيل: (2) أبي، مدني قرشي أموي، مولاهم، تابعي، كان من سبي عين التمر، كان للمسيب ابن نجبة فابتاعه عثمان وأعتقه، أدرك أبا بكر وعمر وروى عن عثمان ومعاوية، وعنه: عروة بن الزبير وغيره، وهو أول من دخل المدينة من سبي المشرق، ذكره البخاري في الضعفاء، واحتج به في صحيحه، وكذا مسلم والباقون، وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، لم أرهم يحتجون بحديثه، مات سنة خمس وسبعين، أغرمه الحجاج مائة ألف؛ لأنه [كان](3) ولي نيسابور، ثم رد عليه ذلك بزيادة بشفاعة عبد الملك.
الوجه الثاني: قوله "دعا بوضوء" الوَضُوء بفتح الواو: الماء، وبالضم: اسم لفعل الوضوء، وقيل بالفتح فيهما وهو قليل، وحكي
ضمهما وهو شاذ، والطهور كالوضوء فيما ذكرناه، وأصل الوضوء من الوضاءة وهي النظافة والحسن، وذكر الشيخ تقي الدين أن الوضوء بالفتح إذا قلنا إنه الماء هل هو اسم لمطلق الماء أو للماء بقيد الوضوء به [أو (4) إعداده](5)[للوضوء](6) له، فيه نظر يحتاج
(1) في ن ب ج زيادة (أبا).
(2)
في نسخة ب (ابن).
(3)
زيادة من ن ب.
(4)
زيادة من ب (به)، والعبارة كما في إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 165) بقيد كونه متوضئًا به.
(5)
في إحكام الأحكام (1/ 32)(معدًا).
(6)
زيادة من إحكام الأحكام (1/ 32).
إلى كشف [وبيان](1) ينبني عليه.
فائدة فقهية: وهو أنه في بعض الأحاديث التي استدل بها على طهورية الماء المستعمل قول جابر: "فصب عليَّ من وضوئه (2) فإنا إن جعلنا الوضوء اسمًا لمطلق الماء لم يكن في قوله "فصب عليَّ من وضوئه" دلالة على ذلك؛ لأنه يصير التقدير: فصب عليَّ من مائه، ولا يلزم أن يكون ماؤه هو الذي استعمله في أعضائه؛ لأنا نتكلم على أن الوضوء اسم لمطلق الماء، فإذا لم يلزم ذلك جاز أن يكون المراد بوضوئه: فضلة مائه الذي توضأ ببعضه، لا ما استعمله في أعضائه، فلا يبقى دليل من جهة اللفظ على ما أراده من طهارة الماء المستعمل، وإن جعلنا الوضوء بالفتح مقيدًا بالإضافة [إلى الوضوء بالضم، أعني (3) استعماله في الأعضاء أو إعداده كذلك. فها هنا يمكن أن يقال في الدليل](4): إن وضوءه بالفتح متردد بين مائه المعد للوضوء بالضم، وبين مائه المستعمل في الوضوء، وحمله على الثاني أَوْلَى؛ لأنه الحقيقة، واستعماله بمعنى المعد مجاز، والحمل على الحقيقة أَوْلَى.
(1) غير موجود في الإحكام (1/ 32).
(2)
البخاري أطرافه (194)، ومسلم (1616)، وأبو داود (2886، 2887)، والترمذي (2097)، والحميدي (1229)، وابن ماجه (2728)، وابن خزيمة (106).
(3)
في ن ب (أي).
(4)
هذا السطر مكرر في الأصل.
قلت: ولا يؤخذ من ذلك كونه [طهورًا](1)[بل كونه طاهرًا](2) والإجماع قائم عليه، وما نقل عن أبي حنيفة من نجاسته ثبت عنه رجوعه، ويجوز أيضًا أن يكون عليه السلام استعمله للتبريد أيضًا فلا دلالة فيه أيضًا، كذلك فيقال حينئذ: حَمْله على مطلق الماء أولى، وهذا البحث راجع إلى أن الماء المطلق يسمى وضوءًا عند إطلاقه أو لا بد أن يقصد به الوضوء ويعد له، وحينئذ يرجع إلى تأثير النيات في الأعيان وتغيير أحكامها وهو مرجوح.
الوجه الثالث: قوله: "دعا بوضوء" فيه جواز الاستعانة في إحضار الماء وهو مجمع عليه من غير كراهة.
الرابع: قوله: "فأفرغ على يديه" أي قلب وصب عليهما ليغسلهما، واليدان تثنية يد وهي مؤنثة.
الخامس: يؤخذ من هذا: الإفراغ على اليدين معًا، وجاء في رواية أخرى "أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما" وهو قدر
مشترك بين غسلهما مجموعتين أو مفترقتين؛ والفقهاء اختلفوا: أيهما أفضل [كما](3) قال الشيخ تقي الدين.
قال صاحب "الجواهر"(4): تكرار الثلاث يدل على غسلهما
(1) في الأصل (ظاهرًا)، وما أثبت من ن ب.
(2)
زيادة من ن ب.
(3)
في ن ب ساقطة. انظر: إحكام الأحكام (1/ 168).
(4)
لعله: يكون العلامة شيخ المالكية جلال الدين أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس مصنف كتاب "الجواهر الثمينة في فقه أهل المدينة" وضعه =
[متفرقتين، وعدم تكرارهما يدل على غسلهما](1) مجتمعتين والاجتماع يدل على التنظيف، والافتراق يدل على التعبد. قلت: والذي يظهر أنه إن أمكن غسلهما معًا فهو أفضل هنا، وإلَّا قدم الكف اليمنى، كما إذا غسل يده اليمنى إلى المرفق فإن الأفضل تقديمها بلا شك.
فرع: أدب الوضوء أن يكون الإناء عن يساره إن لم يغترف [منه](2) إلَّا أن يكون واسعًا كما قاله العبادي (3) في "الزيادات"
والمحاملي (4).
ونقل ابن الصلاح في "القطعة التي له على المهذب" عن
= على ترتيب "الوجيز" للغزالي مات غازيًا بثغر دمياط في جمادى الآخرة أو في رجب سنة ست عشر وستمائة، ترجمته: الديباج المذهب (1/ 443)، وشجرة النور (165). وانظر: فهارس طبقات ابن قاضي شهبة (4/ 238).
(1)
ساقطة من ن ب.
(2)
ساقطة من ن ب.
(3)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن عباد أبو عاصم العبادي الهروي مصنف كتاب "الزيادات" مات في شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة. ترجمته: طبقات الأسنوي (315)، ووفيات الأعيان (3/ 351).
(4)
هو أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، له مؤلفات منها "المقنع" و"المجرد" ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة ومات في ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة. ترجمته في: تاريخ بغداد (4/ 372)، والنجوم الزاهرة (4/ 262).
صاحب "الأمالي"(1): أنه إذا فرغ من غسل اليمنى حوله بيمينه وصب منه على اليسرى حتى يفرغ، ولم يوافق عليه لكنه حسن، فإن غرف منه فيكون عن يمينه.
السادس: قوله: "ثلاث مرات" فيه استحباب التثليث في ذلك، ولعله إجماع.
تنبيه: لم يذكر في هذا الحديث التسمية، وهي سنة عند الأئمة الأربعة، وعن أحمد رواية بوجوبها.
وقال إسحاق: إن تركها عامدًا أعاد، وعن مالك [رواية بالتخيير ورواية بالكراهة](2).
السابع: قوله: "ثم أدخل يمينه في الوضوء" فيه استحباب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإِناء في ابتداء الوضوء مطلقًا، والحديث السادس المتقدم يعطي استحبابه عند القيام من النوم، وقد مضى ما فيه هناك وأن الحكم عند عدم القيام الاستحباب، وعند القيام تارة يكون مكروهًا وتارة لا يكون مكروهًا، فراجعه منه.
الثامن: فيه جواز إدخالهما الإناء بعد غسلهما وأنه لا يفتقر إلى نية الاغتراف.
التاسع: قوله: "ثم تمضمض واستنشق واستنثر" لفظة (ثم) تفيد الترتيب بين غسل اليدين والمضمضة، والأصح عند الشافعية أن
(1) انظر: فهارس طبقات ابن شهبة (4/ 220)، وطبقات ابن الصلاح (1051).
(2)
تقديم وتأخير في العبارة بين النسختين أب.
ذلك على وجه الاشتراط، وكذا الترتيب بين المضمضة والاستنشاق أيضًا وإن كان المأتي به في هذا الحديث بينهما "الواو" دون "إثم"، وعبر الماوردي عن الخلاف بأن في وجوب الترتيب في المسنونات وجهين.
فائدة: قال الشيخ عز الدين: قدمت المضمضة على الاستنشاق لشرف منافع الفم على منافع الأنف، [فإنه](1) مدخل الطعام
والشراب اللذين بهما قوام الحياة، وهو محل الأذكار الواجبة والمندوبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فائدة ثانية: الحكمة في تقديم المضمضة والاستنشاق على [غسل](2) الوجه المفروض؛ لأن المعتبر في صفات الماء للتطهير: لون يُدرك بالبصر، وطعم يُدرك بالذوق، وريح يُدرك بالشم، فقدمت هاتان السنتان لاخبار حال الماء قبل فعل الفرض به، أفاده القاضي عياض، ولا ينتقض ما ذكره بمن لا يشم وبمن لا يبصر وبمن علم سلامة الماء [لئلا](3) يخفى، مما لا يحتاج إلى تسطيره.
العاشر: المضمضة أصلها مشعر بالتحريك، ومنه: مضمض النعاس في عينيه، إذا تحرك، واستعمل في المضمضة لتحريك الماء
في الفم، والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط الإِدارة ولا المج، ومن اشترط المج جرى على الأغلب فإن العادة عدم ابتلاعه.
(1) ن ب (وإنه).
(2)
في الأصل (غير)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
فى ن ب (لم)، وفي ن ج (لما لا).
الحادي عشر، والثانى عشر: الاستنشاق والاستنثار قد أسلفنا بيانهما في الحديث [السادس](1) وأن بعضهم جعلهما بمعنى، وأن هذا الحديث يرد عليه فإنه عليه السلام عطف بعضهما على بعض والعطف يقتضي [المغايرة](2).
تنبيهان:
الأول: لم يصرح في هذا الحديث بأن المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة أو بأكثر، وقد يؤخذ [منه](3) الأول؛ لأنه ذكر تكرار غسل الوجه والكفين وأطلق أخذ الماء للمضمضة والاستنشاق، وهو أحد الأوجه الخمسة في ذلك، وحديث عبد الله بن زيد الآتي بعده صرَّح فيه بالعدد وسيأتي الكلام عليه هناك إن شاء الله [تعالى](4).
الثاني: [الاستنثار](5) يكون باليسرى، وليس في الحديث ما يقتضي أنه باليمين فتأمله (6).
الثالث عشر: جمهور الأمة على أن المضمضة والاستنشاق سنة
(1) في ن ب (السالف فإن).
(2)
في ن ب (التغاير).
(3)
في ن ب (الأول).
(4)
زيادة من ن ب. انظر: المجموع (1/ 365)، والحاوي الكبير (1/ 124، 125).
(5)
في ن ب (الاستنشاق).
(6)
بل قد ورد في حديث علي ما يصرح أنه باليد اليسرى.
في الوضوء كما [أسلفته](1) في الحديث المذكور [هناك](2) فراجعه مع خلاف العلماء فيه.
الرابع عشر: قوله "ثم غسل وجهه ثلاثًا" الغسل في اللغة كما قال ابن عطية (3): إيجاد الماء في المغسول مع إمرار شيء عليه كاليد أو ما قام مقامها، وهو يتفاضل بحسب الانغمار في الماء والتقليل منه، [فغسل](4) الوجه في الوضوء وهو نقل الماء إليه وإمرار اليد عليه، وهذا فيه إشعار بإيجاب الدلك في الوضوء، وهو مذهبه خلافًا للشافعية.
الخامس عشر: الوجه: من من المواجهة، وقد اعتبر الفقهاء هذا الاشتقاق وبنوا عليه أحكامًا، وجمهورهم على أن حد الوجه ما بين منابت [الشعر](5) غالبًا ومنتهى لحييه وما بين أذنيه، وتفصيل القول في ذلك محله كتب الفروع، وقد بسطناها فيها ولله
الحمد.
السادس عشر: (ثم) هنا للترتيب بين المسنون (6) والمفروض، وهما المضمضة وغسل الوجه، وبعض الفقهاء رأى
(1) في ن ب (أسلفت).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
المحرر الوجيز (5/ 43).
(4)
في الأصل (بغسل)، وما أثبت من ن ب.
(5)
في الأصل (الرأس)، وما أثبت من ن ب.
(6)
في ن ب زيادة (كما أسلفناه).
الترتيب في المفروض دون [المسنون](1) كما أسلفناه وهو مذهب مالك كما أفاده الفاكهي.
واختلف أصحاب مالك في الترتيب في الوضوء على ثلاثة أقوال: الوجوب، والندب، والاستحباب، والمشهور عندهم أنه
سنة.
ومذهب الشافعية: وجوبه.
وخالف المُزَني فقال: لا يجب، واختاره ابن المنذر (2) والبندنيجي، وحكاه البغوي (3) عن أكثر العلماء، وحكاه [الدِزْمارِي](4) قولًا عن القديم، وعزاه إلى صاحب [الترتيب](5)، وفيه رد لقول الفاكهي المالكي: لا يختلف قول الشافعى في وجوبه، قال إمام الحرمين (6): لم ينقل قط أحدٌ أنه عليه السلام نكّس وضوءه، فاطرد الكتاب والسنة على وجوب الترتيب.
(1) في ن ب (السنن).
(2)
الأوسط لابن المنذر (1/ 386).
(3)
في شرح السنة (1/ 414).
(4)
في ن ب (الدرماري)، وفي الأصل (البدرماري)، وضُبط من كتب التراجم. هو أحمد بن كشاسب بن علي بن أحمد، له مصنفات منها "رفع التمويه عن مشكل التنبيه" في مجلدين. توفي في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق. ترجمته في: طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 100).
(5)
انظر: فهارس طبقات ابن قاضي شهبة (4/ 228).
(6)
نقل عنه النووي في المجموع (1/ 447).
قال صاحب القبس (1): ما أحسن هذا السياق لولا أنكم قلتم: يجوز تقديم اليمنى على اليسرى، ولم ينقل ذلك من فعله عليه
السلام قط، فعذركم عن هذا هو عذرنا عن ذلك.
قلت: مذهبك أن تقديم [باليمين](2) سنة، ولم يقل بالوجوب إلَّا الشيعة فلا يلزم ذلك.
(فرع): الموالاة [سنة](3) عند أكثر العلماء؛ وبه قال الشافعي وأحمد خلافًا لمالك.
[السابع عشر: قوله "ثلاثًا" يفيد استحباب هذا العدد في كل ما ورد فيه.
الثامن عشر: قوله "ويديه إلى المرفقين" المرفق: بفتح الميم وكسر الفاء وعكسه لغتان، وكذلك المرفق من الأمر الذي يرتفق وينتفع به الإنسان، وهما قراءتان في السبع، قرأ نافع وابن عامر بالأولى وقرأ الباقون بالثانية، والمراد به موصل الذراع في العضد لكن اختلف قول الشافعي رضي الله عنه هل هو اسم لإِبرة الذراع أم [لمجموع] (4) عظم رأس العضد مع الإِبرة؟ على قولين: وبنى على ذلك أنه [لوصل الذراع من العضد هل يجب غسل رأس العضد
(1) القبس (1/ 174)، مع اختلاف في العبارة.
(2)
في ن ب (اليمنى).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
في الأصل (المجموع)، وما أثبت يستقيم به المعنى.
أم يستحب؟ فيه قولان أشهرهما وجوبه] (1).
[التاسع عشر](2): اختلف العلماء في [وجوب](3) إدخال المرفقين في الغسل على قولين.
فذهبت الأئمة الأربعة -كما عزاه ابن هبيرة إليهم- والجمهور إلى الوجوب.
وذهب زفر وأبو بكر بن داود: إلى عدم الوجوب، ورواه أشهب عن مالك وزيفه القاضي عبد الوهاب.
ومنشأ الخلاف: أن كلمة (إلى) لانتهاء الغاية وقد ترد بمعنى "مع"، والأول هو المشهور فمن قال به لم يوجب إدخالهما في الغسل، ومن قال بالثاني أوجب، وفرق بعضهم بين أن تكون الغاية من جنس ما قبلها أو لا، فإن كانت من الجنس دخلت كما في الوضوء، وإن كانت من غيره لم تدخل كما في قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (4) ومنهم من قال: إن كانت الغاية [لإِخراج](5) ما دخل قبلها لم يخرج فإن اسم اليد يطلق عليها إلى المنكب، حتى قال أصحاب الشافعي: لو طالت [أظفاره](6) ولم يقلمها وجب
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب (السابع عشر).
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
سورة البقرة: آية 187.
(5)
في ن ب (بإخراج).
(6)
في ن ب ج (أظافيره).
غسلها قطعًا لاتصالها باليد ودخولها فيه، ولذلك: لو نبت في محل الفرض يد أخرى أو سلعة وجب غسلها (1). فلو لم ترِد هذه الغاية لوجب غسل اليد إلى المنكب، فلما دخلت أخرجت عن الغسل ما زاد على المرفقين فانتهى الإِخراج إلى المرفقين فدخل في الغسل.
وقال آخرون: لما تردد اللفظ بين أن تكون للغاية أو بمعنى (مع) فاقتضى الإِجمال، فبيّنه فعله عليه السلام، حيث أدار الماء على "مرفقيه"، وفعله أصل في بيان المجمل خصوصًا في الوجوب.
قال الشيخ تقي (2) الدين: وهذا عندنا ضعيف؛ لأنَّ "إلى" حقيقة في انتهاء الغاية مجاز بمعنى "مع" ولا إجمال في اللفظ بعد
تبين حقيقته، ويدل على أنها حقيقة في انتهاء الغاية كثرة نصوص أهل العربية على ذلك، ومن قال بأنها بمعنى (مع) لم ينص على أنها حقيقة في ذلك فيجوز أن يريد المجاز.
وقال أبو البقاء في "إعرابه"(3): الصحيح أنها على بابها، وأنها لانتهاء الغاية، وإنما وجب غسل المرافق بالسنة، وليس بينهما
تناقض؛ لأن "إلى" تدل على انتهاء الفعل ولا تعرض لنفي المحدود إليه ولا لإِثباته؛ لأنك إذا قلت: سرت إلى الكوفة فغير ممتنع أن
(1) ينبغي لمن أراد الوضوء أن يتنبه عند غسل اليد فإن اليد مبدؤها من أطراف الأصابع إلى المرفقين. فغالب الناس لا يغسل الكفين مكتفيًا بغسلهما في بداية الوضوء، فإن الغسل في البداية سنة فلو لم يغسل لم يؤمر بذلك، وغسل اليد فرض من فروض الوضوء.
(2)
إحكام الأحكام (1/ 176).
(3)
إملاء ما مَنَّ به الرحمن في إعراب القرآن. مع حاشية الجمل (2/ 389).
تكون بلغت أول حدودها ولم تدخكها وأن تكون دخلتها، فلو قام الدليل على أنك دخلتها لم يكن مناقضًا لقولك: سرت إلى الكوفة.
تنبيهان: الأول: ملخص ما في "إلى" خمس مذاهب للأصوليين (1):
أحدها: أن ما بعدها ليس داخلًا، وهو مذهب الشافعي.
وثانيها: أنه داخل.
وثالثها: إن كان من الجنس دخل، وإلَّا فلا.
ورابعها: إن لم [يكن](2) معه من دخل، وإلَّا فلا.
وخامسها: إن كان منفصلًا عما قبله بمفصل معلوم بالحس كآية الصوم السالفة فإنه لا يدخل، وإلَّا فيدخل كآية الوضوء. وفي المحصول والمنتخب أن هذا التفصيل هو [الأولى](3)، ومذهب سيبويه أنه [إن](4) اقترن "بمن" فلا يدخل وإلَّا فيحتمل الأمرين، واختار الآمدي أن التقييد بالغاية لا يدل على شيء، وفي دخول غاية الابتداء أيضًا مذهبان.
الثاني: (إلى، وحتى) يكونان لانتهاء الغاية مع كونهما جارتين، ويفترقان من وجهين:
(1) انظر: المحصول (1/ 530).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في الأصل (الأول)، والتصحيح من ن ب ج.
(4)
زيادة من ج.
الأول: أن ما بعد (إلى) غيرُ داخلٍ فيما قبلها على الصحيح إلَّا أن تقترن به قرينة دالة على دخوله، و (حتى): على العكس من ذلك، وهذا إذا كانت (حتى) عاطفة، فإن كانت غاية بمعنى إلى فلا يدخل، ومنه قوله تعالى:{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} (1).
والثاني: أن (إلى) تجر الظاهر والمضمر، و (حتى) لا تجر [إلَّا](2) الظاهر دون المضمر في الأمر العام.
فائدة: ادعى [الحكيم](3) الترمذي في علله أن يبدأ في غسل اليد [بالذراع](4) إلى المرفق ثم يمده على باطن الذراع إلى الكف، وفي المرة الثانية عكسه، وفي الثالثة [يعممها](5) فإنه السنة، ولا يسلم له ذلك، نعم السنة أن يبدأ [بأصبع يديه وكذا رجليه] (6) لكن قال الصيمري والماوردي (7): إن كان غيره يصب عليه؛ بدأ من كعبه.
العشرون: قوله: "ثم مسح برأسه" ظاهره: استيعاب الرأس بالمسح؛ لأن اسم الرأس حقيقة في العضو كله، لكن الاستيعاب هو
هو على سبيل الوجوب أو الندب؛ اختلف الفقهاء فيه، وليس في
(1) سورة القدر: آيه 5.
(2)
في الأصل (إلى)، والتصحيح من ن ب ج.
(3)
في ن ب (الحليمي).
(4)
في ن ب (الذراع).
(5)
في ن ب (يعمها).
(6)
في ن ب عكس تقديم وتأخير باللفظ.
(7)
الحاوي الكبير (1/ 129).
الحديث ما يدل على الوجوب لمسح جميعه لجواز أن يكون الثواب المخصوص المذكور في آخره على هذه الأفعال، إذ لا يلزم منه عدم الصحة عند عدم كل جزء من تلك الأفعال كما رتبه فيه على المضمضة والاستنشاق وإن لم يكونا واجبين عند الجمهور، وادعاء الإِجمال فيه كما في المرفقين وأن الفعل بيان له ليس بصحيح؛ لأن الظاهر من الآية مبين:
إما على مطلق المسح كما يقول الشافعى بناء على أن "الباء" في الآية للتبعيض أو لغير ذلك.
أو على الكل كما يقول مالك في المشهور عنه بناء على أن اسم الرأس حقيقة في الكل والتبعيض لا يعارضه، وكيف ما كان فلا إجمال (1)، خلافًا للحنفية، وهذا قوي وهو المشهور [عن](2) المزني من الشافعية، وحكاه في "البيان" عن أبي نصر البندنيجي، ونقله الإمام فخر الدين في مناقب الشافعي عن البغوي (3)، وادَّعى بعض شراح هذا الكتاب من الشافعية أنه قول عن الشافعي، [والمعروف ما ذكرته.
ونقل صاحب المحصول عن الشافعي] (4) أن مسح الرأس
(1) إلى هنا نقله من إحكام الأحكام مع تصرف في العبارة (1/ 683).
(2)
في ن ب (عند).
(3)
انظر: السنة للبغوي (1/ 439) حيث قال الشافعى: يجب أن يمسح قدر ما ينطلق عليه اسم المسح وإن قل. اهـ.
(4)
زيادة من ن ب.
حقيقة فيما ينطق عليه اسم المسح وهو القدر المشترك بين الكل والبعض؛ لأن هذا التركيب تارة يأتي لمسح الكل وهو واضح وتارة يأتي لمسح البعض، كما يقال: مسحت بيدي برأس اليتيم، وإن لم يمسح منها إلَّا البعض، فإن جعلناه حقيقة في كل منهما لزم الاشتراك، وإن جعلناه حقيقة في أحدهما فقط لزم المجاز في الآخر فيجعله حقيقة في [القدر المشترك](1) دفعًا للمحذورين، قال البيضاوي: وهذا هو الحق.
ثم نقل في المحصول (2) عن بعض الشافعية أن الباء تدل على التبعيض فلذلك اكتفينا بالبعض، وأنكر ابن جِنِّي (3) ورودها للتبعيض وقال: إنه شيء لا يعرفه أهل اللغة. وهو عجيب منه فقد ورد في أشعارهم، ونص عليه الأصمعي والقتبي والفارسي في "التذكرة" وابن مالك (4)، وحكاه ابن القواس (5) في شرح "ألفية ابن معطي"(6)
(1) في ن ب (هذه الكلمة)، وما قبلها مكررة.
(2)
(1/ 532، 533).
(3)
هو عثمان بن جني، تلميذ الفارسي، من نحاة البصرة، توفي سنة (392). انظر: النزهة (332)، وبغية الوعاة (1/ 132).
(4)
انظر: ابن هشام في المغني (1/ 95، 103).
(5)
هو أبو حفص عمر بن عبد المنعم ناصر الدين الطائي المتوفى سنة (698). انظر: شذرات الذهب (5/ 442).
(6)
هو يحيى بن عبد المعطي أبو الحسين الزواوي المغربي "صاحب ألفية النحو" مات في ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة. ترجمته: الجواهر المضيئة للقرشي (2/ 214)، والفلاكة والمفلوكون (93).
عن ابن كيسان (1) وحكاه ابن الخباز (2) عن العبدي.
فائدة: أُلخصُ لك فيها مذاهب العلماء في مسح الرأس: فذهب الشافعى رضي الله عنه أن الواجب ما يقع عليه الاسم ولو
بعض شعره، قال القاضي حسين: ولو على قدر رأس إبرة، ووراثه آراءٌ لأصحابه:
[أحدها](3): أن أقل ما يجزىء ثلاث شعرات قياسًا على الحلق في الإِحرام، وادَّعى الماوردي (4): أنه المذهب.
[وهل](5) يختص هذا الوجه بما إذا مسح الشعر أم يجزئ في مسح البشرة ويشترط مسح قدر ثلاث شعرات؟ قال الرافعي: في كلام الائمة ما يشعر بالاحتمالين والأول أظهر.
ثانيها: يجب مسح الجميع، وقد أسلفناه (6).
(1) هو علي بن محمد بن أحمد أبو الحسن الحربي وله أخ اسمه "الحسن". ترجمته في: سير أعلام النبلاء (16/ 329).
(2)
هو محمد بن أبي بكر بن علي ولد سنة سبع وخمسين وخمسمائة وتوفي بحلب فى ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة. طبقات ابن شهبة (2/ 83).
(3)
في ن ج (احدهما).
(4)
الحاوي الكبير (1/ 118).
(5)
في ن ب (وقيل).
(6)
والحديث: "ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه". البخاري (1/ 251، 255)، باب: مسح الرأس كله، ومسلم برقم (235)، ومالك في الموطأ (1/ 18).
ثالثها: أنه ينبغي (1) ألا يجزي أقل من الناصية، قاله البغوي (2) معللًا بأنه، عليه السلام لم يمسح أقل منها، وفيه نظر لدخول الباء عليها كما في الآية، وقال الماوردي: عندي أن أقله أن يمسح بأقل شيء من إصبعه على أقل شيء من رأسه لأنه أقل ما يقتصر عليه في العرف، ووقع في (المحلى)(3) لابن حزم الظاهري أن أصحاب الشافعي حدوا ما يجزئ من مسح الرأس بشعرتين ولم أره في كلام أصحابنا.
وأما مذهك مالك رضي الله عنه فنقل صاحب (البيان والتقريب) فيه أربعة أقوال:
أشهرها: وجوب استيعاب جميعه، وحده: من منقطع الوجه إلى ما تحوزه الجمجمة.
وقال ابن شعبان: بل إلى آخر منبت الشعر من القفا.
قال اللخمي: وليس يحسن؛ لأن ذلك من العنق وليس من الرأس.
وثانيها: يجزئ مسح الثلثين، قاله محمد بن مسلمة (4).
(1) في ن ب زيادة (أن).
(2)
شرح السنة (1/ 438، 440).
(3)
(2/ 52).
(4)
محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام، توفي سنة (216)، ترجمته في ترتيب المدارك (1/ 358)، والديباج (2/ 156). انظر قوله في: الاستذكار (2/ 30 - 32).
وثالثها: يجزئ مسح الثلث [قاله](1) أبو الفرج القاضي عمرو بن محمد الليثي.
ورابعها: إجزاء الناصية، قاله أشهب (2) في رواية، وعنه رواية أنه إن لم [يعم](3) رأسه أجزأه، ولم يقدر ما لا يضر تركه.
وهذه الأقاويل مذاهب أصحابه مخرجة على مذهبه، وأولها نص مذهبه. ونقل اللخمي عن مالك في العتبية: إن مسح المقدم
أجزأه، قيل له: فإن مسح بعض رأسه ولم يعم؟ قال: يعيده، أرأيت لو غسل بعض وجهه أو بعض ذراعيه؟ وذهب إلى التفرقة بين المقدم والمؤخر، فهذه خمسة أقوال عدهم.
وأما مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، فعنه (4) ثلاث روايات: الربع، قدر الناصية، قدر ثلاث أصابع، والأولى أشهرها.
وعن أبي يوسف: نصف الرأس، وعنه: الربع بثلاث أصابع، فإن مسح بثلاث أصابع دون ربع الرأس لم [يجزىء](5)، وإن مسح
(1) في ن ب (قال ابن أبو)، وأبو الفرج هو: عمرو بن محمد بن عمرو الليثي، ويقال: ابن محمد بن عبد الله البغدادي، مات سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، له مصنفات "الحاوي"، وكتاب "اللمع". ترجمه: شجرة النور الزكية (1/ 79)، والديباج المذهب (1/ 129). وانظر قوله هذا في: الاستذكار (2/ 30 - 32).
(2)
انظر: الاستذكار (2/ 30).
(3)
في ن ب (يعمم).
(4)
في ن ب (ففيه). انظر: الاستذكار (2/ 35).
(5)
في ن ب ج (يجزه).
بأصبعين ربع الرأس [لم يجزئه، فحد الممسوح به والممسوح. وعن زفر أن الفرض منه ربع الرأس](1) سواء مسحه [بثلاث](2) أصابع أو دونها فحد الممسوح دون ما يمسح به، وهذا يرجع إلى أحد أقوال أبي حنيفة المتقدمة.
وأما مذهب أحمد رضي الله عنه، فعنه روايتان:
الأولى: يجب مسح الجميع، وهي المشهورة عنه.
وثانيها: يجب مسح أكثره، فإن ترك [الثلث](3) فما دونه أجزأه.
وحكى ابن الصباغ عن ابن عمر (4) موافقة المشهور عن الشافعى، وحكاه غيره عن الحسن البصري وسفيان الثوري وداود، ومحل الخوض في البحث في ذلك كتب الخلافيات، وقد أسلفت لك فيما مضى مأخذ ذلك.
فرع: لا تتعين اليد للمسح، وبه قال الأوزاعي والنخعي والثوري وصاحب (عيون المجالس) من المالكية والشافعية أيضًا، ولا أعلم في ذلك خلافًا.
فرع: الماسح مخير في المسح بين الاقتصار على مسح الشعر
(1) زيادة من ن ب ج.
(2)
في الأصل (بثلاث)، وما أثبت من ن ب ج.
(3)
في ن ب (الثلاث).
(4)
ذكره ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 34).
أو البشرة (1) مع وجوده، هذا هو الأصح عند الشافعية، وفي وجه عندهم: أنه لا يجزئ مسح البشرة التي تحت الشعر، ومن العجيب نقل بعض شراح هذا الكتاب من الشافعية اتفاق العلماء على أن المسح لا يتعين على الشعر ولا على البشرة في حق من له شعر، بل أيهما مسح عليه أجزأه، ولا نقول: إن مسح الشعر بدل عن البشرة كما يقول في الخف، وهذا غريب منه، [فالخلاف](2) ثابت في مذهبه كما حكيته لك.
الحادي والعشرون: قوله: "ثم غسل كلتا رجليه" فيه الصراحة بوجوب غسلهما، والرد على من أوجب المسح، وقد تقدم في الحديث الثالث إيضاح ذلك.
الثاني والعشرون: "كلا وكلتا" إذا أضيفتا إلى مضمر أُعربتا إعراب التثنية بالألف رفعًا وبالياء جرًا ونصبًا، وإذا أضيفتا كما هو هنا أُعربتا إعراب المقصور نحو: عصى، ورحى.
الثالث والعشرون: قوله "ثلاثًا" فيه استحباب التثليث في غسل الرجلين، وبعض الفقهاء كما نقله الشيخ تقي الدين (3) لا يراه، واستدَّل بأنه ورد في بعض الروايات غسل رجليه حتى أنقاهما ولم يذكر عددًا، وأكد من جهة المعنى بقرب الرجل من
(1) في ن ب زيادة (وهذا).
(2)
في ن ج (فإن الخلاف).
(3)
في ن ب زيادة (واو)، وهي ساقطة من إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 183).
الأرض في المشي وكثرة مباشرتها الأوساخ والأدران فاقتضى الإنقاء من غير عدد، لكن هذا لا ينافي العدد؛ لما في [ذكر](1) العدد من الزيادة عليه، [فتعين](2) العمل به لدلالة لفظ الحديث عليه من غير وجه.
فائدة: أجمع العلماء على أن تثليث الطهارة [مستحب](3) إلَّا الرأس، فالمشهور [عن](4) الشافعي أنها كغيرها في الاستحباب خلافًا لباقي الأئمة الثلاثة، دليل الشافعى ما رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث حمران عن عثمان أنه عليه السلام "مسح رأسه ثلاثًا" وإن كان أبو داود (5) [قد] (6) قال: أحاديث عثمان الصحاح تدل على أن مسح الرأس كان مرة، فهذا [إسناده](7) حسن وله شواهد ومتابعات، وقد بسطت ذلك في تخريج أحاديث الرافعي فليراجع منه (8).
وقول أبي عبيد القاسم بن سلام: لا يعلم أحدٌ من السلف جاء
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في ن ب (فبقي).
(3)
في ن ب (مستحبة).
(4)
في ن ب (من).
(5)
السنن (1/ 80).
(6)
في ن ب ساقطة.
(7)
في ن ب (إسناد).
(8)
انظر: تلخيص الحبير (1/ 84)، فإنه ذكر الحديث وتكلَّم عليه. وانظر: مبحث مسح الرأس فى البدر المنير (3/ 356، 393)، والطهور لأبي عبيد (361)، ومصنف ابن أبي شيبة (1/ 15، 16).
عنه استعمال الثلاث، يعني الذي ذهب إليه الشافعي إلَّا عن إبراهيم التيمي، عجيب، فقد فعله أنس بن مالك وسعيد بن جبير وعطاء وزادان وميسرة، [كما](1) ذكره عنهم ابن أبي شيبة ومصرف [أبي](2) عمرو، كما ذكره ابن السكن، ومن الغرائب ما حكاه الشيخ أبو حامد وغيره أن بعض الناس أوجب الثلاثة، وحكاه صاحب (الإبانة) عن ابن أبي ليلى (3) وهو باطل.
قال مالك: ولا أحب الواحدة إلَّا من العالم بالوضوء، وعندهم أن الاقتصار على الواحدة مكروه.
واختلفوا في وجه الكراهة فقيل: لتركه الفضيلة، وقيل: مخافة ألا يعم بها.
ولو خالف بين الأعضاء فغسل [بعضها](4) مرة وبعضها مرتين وبعضها ثلاثًا جاز بالإِجماع والأخبار.
الرابع والعشرون: قوله: "نحو وضوئي هذا" اعلم أن لفظ "نحو" لا يطابق لفظة مثل، فإن المثل: تقتضي ظاهر المساواة من كل وجه إلَّا من الوجه الذي يقع به الامتياز بين الحقيقتين بحيث يخرجهما عن الوحدة، ولفظة "نحو" لا تعطي ذلك وإن استعملت كذلك لغة لا اصطلاحًا عرفيًا، فيكون استعمالها فيها مجازًا، ولهذا
(1) زيادة من ن ج.
(2)
في ن ب ج (ابن).
(3)
راجع تلخيص الحبير (1/ 85).
(4)
في ن ب ساقطة.
فرق المحدثون بين "نحو" و"مثل"، فقالوا: فيما كان مثل الإسناد [أو](1) المتن من كل وجه: "مثله" كما استعمله مسلم في [صحيحه](2) في غير موضع، وقالوا "نحوه" فيما قارب الإسناد أو المتن، حتى استدلوا على الذين قالوا بالفرق بينهما وألزموهم بمنعهم الرواية بالمعنى، ولعل واصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته عنه لفظه "نحو وضوئي هذا" لحظ الفرق بينهما من حيث أنّ مثليه وضوئه صلى الله عليه وسلم لا تتأتى لأحد إلَّا من حيث امتثال الأمر وحصول الثواب المناسب للمتوضئ على قدر تبعيته فيه؛ لأنه قد يكون في وضوئه عليه السلام أشياء لم يكلف بها، فتكون ملغاة بالنسبة إلينا، فيكون ذلك بيانًا للفعل الذي يحصل الثواب الموعود به، وعليه فلا بد أن يكون الوضوء المفعول موصوفًا لأجل الغرض المطلوب؛ فلهذا استعمل "نحو" في حقيقتها العرفية مع فوات المقصود لابمعنى "مثل"، أو يكون ترك ما علم قطعًا أنه لا يخل بالمقصود، مع أن لفظة "مثل" ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود، وهذا لفظه: "ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صلى ركعتين
…
" (3) الحديث، وثابتة أيضًا في
(1) في ن ب بالواو.
(2)
في ن ج ساقطة.
(3)
السنن برقم (109)، وفي صحيح البخاري في الرقاق من طريق معاذ بن عبد الرحمن بن حمران عن عثمان ولفظه "من توضأ مثل وضوئي هذا". وله في الصيام من رواية معمر "من توضأ وضوئي هذا". ولمسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران "توضأ مثل وضوئي هذا". وعلى هذا =
صحيح أبي حاتم ابن حبان، وهذا لفظه عن حمران قال:"رأيت عثمان قاعدًا في المقاعد فدعا بوضوء فتوضأ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم[يتوضأ] (1) في مقعدي هذا مثل وضوئي هذا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ مثل وضوئي هذا غفر له ما تقدم من ذنبه"، ثم قال عليه السلام: "ولا تغتروا" (2).
وهذه الرواية أخرجها البخاري أيضًا كما سيأتي، ولم يعثر الشيخ تقي الدين عليها بل قال: يمكن أن يقال إن الثواب يترتب على
مقاربة ذلك الفعل؛ تسهيلًا وتوسيعًا على المخاطبين من غير تضييق وتقييد بما ذكرناه، إلَّا أن الأول أقرب إلى مقصود البيان.
وقال الفاكهي: لا بدَّ من ذلك لتعذر الإِتيان بمثل وضوئه عليه
= فالتعبير بـ"نحو" من تصرف الرواة؛ لأنها تطلق على المثلية مجازًا. ولأن "مثل" وإن كانت تقتضي المساواة ظاهرًا لكنها تطلق على الغالب، فبهذا تلتئم الروايتان، ويكون المتروك بحيث لا يخل بالمقصود. اهـ، فتح الباري (1/ 260).
(1)
في ن ج (توضأ).
(2)
هذه اللفظة أخرجها البخاري برقم (6433)، ومعناه: لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فسترسلوا في الذنوب اتكالًا على غفرانها بالصلاة، فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه .. وظهر لي جواب آخر وهو: أن المُكَفَّر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا تعملوا الكبيرة بناءً على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر، أو: لا تستكثروا من الصغائر فإنها بالإِصرار تعطى حكم الكبيرة فلا يكفرها ما يكفر الصغيرة، أو أن ذلك خاص بأهل الطاعة فلا يناله مرتكب المعصية. وانظر: ابن حبان (360، 1060).
السلام، وذلك مما تقتضيه الشريعة السمحة من التوسعة وعدم التضييق على المكلف، ولم يعثر على الرواية التي أسلفناها أيضًا، [وكذا] (1) النووي في (شرح مسلم) فإنه قال: إنما أتى "بالنحو" دون "المثل" لأنَّ حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره؛ ثم رأيت بعد ذلك [الحُميدي](2) في (جمعه بين الصحيحين) عزى رواية "مثل" إلى مسلم من رواية زيد بن أسلم، أن عثمان "توضأ" ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال:"من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيته إلى المسجد نافلة"، وعزاه ابن أبي أحد عشر في (جمعه بين الصحيحين)[إليه](3) أيضًا، وراجعت صحيح مسلم فرأيت الرواية المذكورة فيه بلفظ:"نحو" لا بلفظ "مثل"(4)، وعزى ابن أبي أحد عشر إليه أيضًا من طريق آخر لفظة "مثل" ولفظة [ثم] (5) قال:"من توضأ مثل الوضوء" ولم أرها من الوجه الذي ذكره أيضًا في مسلم فتنبه لذلك.
وفي البخاري في كتاب الصيام "توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال
(1) في ن ب (وكذلك). انظر: شرح مسلم (3/ 108).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
الذي في صحيح مسلم من طريق زيد بن أسلم عن حمران مولى عثمان (مثل). (3/ 113) النووي، أما الطريق الآخر عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران مولى عثمان (نحو)(3/ 109، 110)، وأتيت بطريق زيد بن أسلم؛ لأن المصنف رحمنا الله وإياه نص عليها. اهـ.
(5)
في ن ب ساقطة.
من توضأ وضوئي هذا ثم صلى ركعتين" (1) إلخ، وفي (2) كتاب الرقاق في أسباب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} (3)، عن ابن أبان قال: أتيت عثمان بطهور وهو جالس على المقاعد فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثم قال: "من توضأ مثل هذا الوضوء ثم أتى المسجد فركع ركعتين ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه" قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تغتروا" (4).
وما أسلفناه في تفسير المثل هو ما ذكره الشيخ تقي الدين هنا (5)، وقال في أسباب الأذان في قوله عليه السلام "فقولوا مثل ما يقول" إن فيه دلالة على أن لفظ "مثل" لا تقتضي المساواة من كل وجه، وستقف عليه هناك إن شاء الله مع زيادة.
الخامس والعشرون: "قوله"(6): "ثم صلى ركعتين" فيه استحباب ركعتين بعد الوضوء، [قال في (شرح مسلم) فأكثر](7) وتفعل كل وقت حتى وقت النهي عند الشافعية، خلافًا للمالكية قالوا: وليست هذه من السنن، قالوا: وحديث بلال في
(1) انظر: تعليق (2) ص (323).
(2)
في الأصل زيادة (في)، وهي ساقطة من ن ب ج.
(3)
سورة فاطر: آية 5.
(4)
انظر: تعليق (2) من (323).
(5)
إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 184).
(6)
في الأصل (قولهم)، والتصحيح من ن ب ج.
(7)
زيادة من ن ب. انظر: شرح مسلم (3/ 108).
البخاري (1): إنه كان متى توضأ صلى، وقال: إنه أرجى عمل له، يجوز أن يخُصَّ بغَيْرِ أوقات النهي.
فرع: هل تحصل هذه الفضيلة بركعة؟ الذي يظهر المنع، وهل يجري فيه الخلاف الذي ذكره أصحابنا في التحية ونظائرها؟
فيه نظر.
السادس والعشرون: الثواب الموعود به مرتب على أمرين:
الأول: وضوؤه على النحو المذكور.
الثاني: صلاة ركعتين عقبه بالوصف المذكور في الحديث، والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتيبه على أحدهما إلَّا بدليل خارج، وقد يكون المشي فضيلة بوجود أحد جزئيه؛ فيصبح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط لحصول مطلق الثواب، لا الثواب المخصوص على مجموع الوضوء على النحو المذكور والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور.
السابع والعشرون: قوله: "لا يحدث فيهما نفسه"[فيه](2) إثبات حديث النفس وهو مذهب أهل الحق، ثم حديث النفس
قسمان:
(1) البخاري أطرافه (1149)، ومسلم (2458)، والبغوي (1011)، وأحمد (2/ 333، 439)، وقد ورد من طريق أخرى مطولًا عند الترمذي (3689)، والبغوي (1012)، وأحمد في المسند (5/ 354، 360)، وفضائل الصحابة له (713).
(2)
في الأصل (في)، والتصحيح من ن ج.
الأول: ما يهجم عليها ويتعذر دفعه عنها.
والثاني: ما يسترسل معها ويمكن [وقفه](1) وقطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول؛ لعسر اعتباره، ولفظ الحديث يقتضيه بقوله:"لا يحدث" فإنه يشهد بتكسب وتفعل كحديث النفس [لا](2) الخواطر التي ليست من جنس مَقدُور العَبد معفوٌّ عنها، [ويمكن أن يحمل على القسمين؛ لتعلق العُسْر بالتكاليف في وجوب دفعه، فالحديث إنما يقتضي ترتب ثواب مخصوص على عمل مخصوص](3) فمن حصل له ذلك العمل حصل له ذلك الثواب، ومن لا فلا، ولا يكون ذلك من باب التكاليف حتى يلزم دفعُ العُسر عنه، نعم لا بدَّ أن تكون الحالة المرتب عليها الثواب المخصوص ممكنة الحصول وهي التجرد عن شواغل الدنيا وغلبة ذكر الله تعالى على القلب وتعميره به، وذلك حاصل لأهل العناية ومحكي عنهم.
ونقل القاضي عياض (4) عن بعضهم أن ما يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشيء؛ لأنه عليه السلام إنما ضمن الغفران لمراعي ذلك، لأنه قلَّ من تسلم صلاته من حديث النفس، وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى
(1) في ن ب ج (دفعه).
(2)
في ن ب ج (لأن).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
ذكره في شرح مسلم (3/ 109).
لم يشتغل عنها طرفة عين، [وسلم](1) من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه.
ولم يرتضِ النووي (2) هذا، قال:[و](3) الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة.
الثامن والعشرون: حديث النفس يعم الخواطر الدنيوية [والأخروية](4)، والحديث محمول على المتعلق بالدنيا فقط؛ لأنه مأمور بالفكر في معاني المتلو من القرآن العزيز والذكر والدعوات وتدبرها، وذلك لا يحصل بحديث النفس، وليس كل أمر محمود أو مندوب بالنسبة إلى غير وقته وحاله من أمور الآخرة، بل قد يكون أجنبيًا عنها مثابًا عليه، وقد كان عمر رضي الله عنه يجهز الجيوش وهو في الصلاة (5)، واستعجل صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة وفراغه منها وسئل
(1) في ن ب (يسلم).
(2)
انظر: شرح مسلم (3/ 108).
(3)
زيادة من ن ب ج.
(4)
ساقطة من ن ب.
(5)
قال شيخ الإِسلام رحمه الله تعالى، في الفتاوى (22/ 609): وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة؛ فذاك لأن عمر كان مأمورًا بالجهاد، وهو أمير المؤمنين، فهو أمير الجهاد، فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة المصلي الذي يصلي صلاة الخوف حال معاينة العدو، إما حال القتال، وإما غير حال القتال، فهو مأمور بالصلاة ومأمور بالجهاد، فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب الإِمكان. وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)} . ومعلوم أن طمأنينة القلب حال =
عن ذلك، فقال:"كان عندي شيء [من] (1) تبر فكرهت أن يحبسني فقسمتُه"(2)، وكل ذلك قربة خارجة عن مقصود الصلاة. وفي كتاب (الصلاة) للحكيم الترمذي قال سعد رضي الله عنه: "ما قمت في
= الجهاد لا تكون كطمأنينته حال الأمن، فإذا قدر أنه نقص من الصلاة شيء لأجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد وطاعته، ولهذا تخفف صلاة الخوف عن صلاة الأمن ولما ذكر سبحانه صلاة الخوف قال:{فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} ، فالإِقامة المأمور بها حال الطمأنينة لا يؤمر بها حال الخوف، ومع هذا فالناس متفاوتون في ذلك، فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلاة مع تدبره للأمور بها، وعمر قد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه
…
إلى أن قال: ولا ريب أن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حال أمنه كانت أكمل من صلاته حال الخوف في الأفعال الظاهرة، فإذا كان الله قد عفا حال الخوف عن بعض الواجبات الظاهرة، فكيف بالباطنة؟
وبالجملة فتفكر المصلي في الصلاة في أمر يجب عليه قد يضيق وقته، ليس كتفكره فيما ليس بواجب أو فيما لم يضق وقته، وقد يكون عمر لم يمكنه التفكر في تدبير الجيش إلَّا في تلك الحال وهو إمام الأمة والواردات عليه كثير، ومثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته، والإنسان دائمًا يذكر في الصلاة ما لم يذكره خارج الصلاة. اهـ. انظر: القبس (1/ 256)، حيث قال على قول عمر رضي الله عنه (إني لأجهز الجيش وأنا في الصلاة" وفي مثل عمر تعزب النية إلى عبادة أخرى، فأما أمثالنا فإنما تعزب نياتنا بالاشتغال بالدنيا فاحفظوا رحمكم الله قلوبكم عن الخواطر في الصلاة كما تحفظون جوارحكم عن الأعمال من غيرها. اهـ.
(1)
زيادة من ب ج.
(2)
أخرجه البخاري (851).
صلاة فحدثت نفسي فيها بغيرها" [فقال](1) الزهري: رحم الله سعدًا، إن كان لمأمونًا على هذا، ما ظننت أن يكون هذا إلَّا في نبي.
قلت: ويؤيد ما سلف أنه جاء في رواية: "لا يحدث فيها نفسه بشيء من الدنيا ثم دعا إلَّا استجيب له"(2) ذكرها الحكيم الترمذي أيضًا في الكتاب المذكور.
فرع: إذا تعمد حديث النفس وتشاغل به، فهل تبطل صلاته أم لا يفرق بين القليل (3) والكثير؟
قال الفاكهي: لم أقف على نص صريح في ذلك لأصحابنا -يعني المالكية- لكن ذكر [ابن](4) العربي في مسألة النية ما ظاهره البطلان.
(1) في ن ب (قالا).
(2)
قال الصنعاني في حاشية إحكام الأحكام (1/ 190): وهي في الزهد لابن المبارك ومصنف ابن أبي شيبة. قال العراقي رحمنا الله وإياه في تخريج "أحاديت الإِحياء": أخرجه ابن أبي شيبة من حديث صلة بن أشيم مرسلًا وهو في الصحيحن من حديث عثمان بزيادة في أوله دون قوله: "بشيء من الدنيا" وزاد الطبراني في الأوسط: "إلَّا بخير". اهـ.
قال الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (3/ 35): قال تلميذه الحافظ: لفظ ابن أبي شيبة في المصنف: "لم يسأل الله شيئًا إلَّا أعطاه". اهـ.
(3)
سئل شيخ الإِسلام عن ذلك فأجاب: (الحمد لله رب العالين، الوسواس لا يبطل الصلاة إذا كان قليلًا باتفاق أهل العلم، بل ينقص الأجر، كما قال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلَّا ما عقلت منها). الفتاوى (22/ 603).
(4)
زيادة من ن ب ج. ذكر هذا في القبس (1/ 256).
وعند الشافعية: وجه أن حديث النفس إذا كثر (1) أبطل الصلاة، وقال القاضي [حسين] (2): يُخاف لمن فكر في أمور الدنيا أن يُحرم فضيلة الجماعة؛ لقوله عليه السلام: "لا صلاة لامرىء لا يُحضر قلبه".
وقال غيره: اختلف الفقهاء والزهاد في قبول الصلاة مع استرسال الخواطر المشغلة عن حضور القلب فيها، فمال الفقهاء إلى قبولها، ومال الزهاد إلى عدم قبولها، والأولى بنا والأقوى في أدلتنا: أنه إن كان الخاطرُ عَرضًا عَرضَ فأعرض فالمسالة كما قال الفقهاء، وإن كان سببه التعلق بفضول الدنيا الذي يستغنى عنه فالمسألة كما قاله الزهاد؛ لأن ذلك العارض من سببه، وواقع باختياره [وكسبه](3)(4).
(1) وأما الوسواس الذي يكون غالبًا على الصلاة فقد قال طائفة- منهم أبو عبد الله بن حامد وأبو حامد الغزالي وغيرهما- إنه يوجب الإعادة أيضًا؛ لما أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بن المرء ونفسه، يقول اذكر كذا، اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم" وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة مع الوسواس مطلقًا ولم يفرق بين القليل والكثير. اهـ. الفتاوى (22/ 604)، وراجع التعليق الآتي فإن فيه زيادة تفصيل.
(2)
في ن ب (الحسين).
(3)
في ن ج (بكسبه).
(4)
سئل شيخ الإسلام عن وسواس الرجل في صلاته وما حد المبطل؟ وما =
..............................................................
= حد المكروه منه؟
…
إلخ السؤال، فأجاب: الوسواس نوعان:
أحدهما: لا يمنع ما يؤمر به من تدبر الكلم الطيب والعمل الصالح الذي في الصلاة، بل يكون بمنزلة الخراطر فهذا لا يبطل الصلاة، لكن من سلمت صلاته منه فهو أفضل ممن لم تسلم منه صلاته، الأول شبه حال المقربين، والثاني شبه حال المقتصدين، وأما الثالث فهو ما منع الفهم وشهود القلب، بحيث يصير الرجل غافلًا فهذا لا ريب أنه يمنع الثواب، كما روى أبو دارد في سننه عن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن الرجل لينصرف من صلاته ولم يكتب له منها إلَّا نصفها، إلَّا ثلثها، إلَّا ربعها، إلَّا خمسها، إلَّا سدسها، حتى قال: "إلَّا عشرها" فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه قد لا يكتب له منها شيء إلَّا العشر، وقال ابن عباس: ليس لك من صلاتك إلَّا ما علقت منها، ولكن هل يبطل الصلاة ويوجب الإعادة؛ فيه تفصيل: فإنه إن كانت الغفلة في الصلاة أقل من الحضور والغالب الحضور لم تجب الإعادة، وإن كان الثواب ناقصًا، فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يبطل الصلاة، وإنما يجبر بعضه بسجدتي السَّهو، وأما إن غلبت الغفلة على الحضور ففيه للعلماء قولان: أحدهما: لا تصح في الباطن وإن صحت في الظاهر، كحقن الدم؛ لأن مقصود الصلاة لم يحصل، وهذا قول أبي عبد الله بن حامد، وأبي حامد الغزالي، وغيرهما.
الثاني: تبرأ الذمة فلا تجب عليه الإعادة، وإن كان أجر له فيها ولا ثواب، بمنزلة صوم الذي لم يدع قول الزور العمل به فليس له من صيامه إلَّا الجوع والعطش، وهذا هو المأثور عن الإمام أحمد؛ واستدلوا بالحديث المذكور "في تعليق ما قبل هذا" فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يذكره بأمور حتى لا يدري كم صلى، وأمره بسجدتين للسهو، ولم يأمره =
التاسع والعشرون: قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه" الظاهر فيه العموم في الكبائر والصغائر، لكنهم خَصُّوا (1) بالصغائر وقالوا: إنما تكفر الكبائر بالتوبة، وكان مستندهم في ذلك وروده مقيدًا في مواضع كقوله عليه السلام:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر"(2). فجعلوه في هذه الأمور المذكورة مقيدًا للمطلق في غيرها، والمعنى: أن الذنوب "كلها"(3) تغفر إلَّا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المرادُ أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت فلا يغفر شيء من الصغائر، فإن هذا وإن كان مجملًا فسياق الحديث يأباهُ، وهذا مذهب أهل السنة: أن الذنوب تغفر ما لم [تكن](4)
= بالإعادة، ولم يفرق بين القليل والكبير، وهذا القول أعدل الأقوال فإن النصوص والآثار إنما دلت على أنَّ الأجر والثواب مشروط بالحضور، لا تدل على وجوب الإعادة لا باطنًا ولا ظاهرًا، والله أعلم. اهـ.
(22/ 611، 612، 613). انظر: القبس (1/ 254).
(1)
في حاشية ن ج: قال شيخ الإسلام ابن حجر في شرحه فتح الباري على البخاري في قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه": ظاهره يعم الكبائر والصغائر، لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له الكبائر والصغائر، فمن ليس له إلَّا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلَّا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته. اهـ.
(2)
رواه مسلم.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
في ن ج (يؤت).
كبيرةً، وأن الكبائر إنما تُكفرُ بالتوبة، ثم كل واحدة من المذكورات من الخمس (1) والجمعة ورمضان صالح للتكفير، فإن لم يجد ما يُكَفَّر كتب به حسنات ورفع به درجات، وإن صادف كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن تخفف من الكبائر (2).
الثلاثون: يؤخذ من الحديث شرعية التعليم بالفعل فإنه أبلغ وأضبط في حق المتعلم.
الحادي والثلاثون: فيه أيضًا استحباب التثليث فيما ذكر من أعمال الوضوء، وأما الرأس فقد سلف حكمها.
الثاني والثلاثون: فيه وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء فإنه رتبه الراوي "بثم" في معرض البيان وهي للترتيب، وقد سلف ما فيه (3).
(1) المقصود بها الصلوات الخمس.
(2)
راجع التعليق ت (2) من (348).
(3)
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: والأمر المنكر أن تتعمد تنكيس الوضوء، فلا ريب أن هذا مخالف لظاهر الكتاب للسنة المتواترة، فإن هذا لو كان جائزًا لكان قد وقع أحيانًا، أو تبين جوازه، كما في ترتيب التسبيح لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَّا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيتهن بدأت". ومما يدل على ذلك شرعًا ومذهبًا أن من نسي صلاة صلاها إذا ذكرها، بالنص. اهـ. الفتاوي (21/ 413).
والحديث الذي أخرجه أبو داود من رواية عمرو بن شعيب: "توضأ كما أمرك الله". ولأبي داود وغيره: "إنه لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ =
الثالث والثلاثون: فيه الاستدلال بفعله عليه السلام على الأحكام الشرعية، ومتابعته وتحري مقارنة فعله، وأن المرجع إليه عليه السلام في جميعها.
الرابع والثلاثون: فيه استحباب تناول ماء الوضوء باليمين، ولم يتعرض [في](1) هذا الحديث لتقديم اليمين على اليسار، لكنه ثابت في غيره في اليدين والرجلين، وأما الأذنان والخدان والكفان والمنخران والعينان وجانبا الرأس، فقال العلماء: لا يستحب تقديم اليمين [منهما](2)، بل يستحب غسلهما ومسحهما دفعة واحدة، فلو تعذَّر غسلهما أو مسحهما دفعة واحدة بأن كان له يد واحدة قدَّم [اليمين](3) منهما في الأذنين والخدين وباقيهما، وفي الأذن وجه للشافعية أنه يقدم اليمنى على اليسرى، والأصحّ الأول.
الخامس والثلاثون: فيه دفع حديث النفس في الأمور الدنيوية وما لا يعني.
= الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم يصح برأسه ورجليه إلى الكعبين" قال الخطابي وغيره: فيه من الفقه أن ترتيب الوضوء وتقديم ما قدمه الله في الذكر منه واجب، وذلك معنى قوله:"حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله" ثم عطف عليه بحرف الفاء الذي يقتضي الترتيب من غير تراخٍ، وكل من حكى وضوءه حكاه مرتبًا، وفعله محمول على الوجوب، وهو مفسر للآية. وانظر الخلافيات للبيهقي (1/ 467).
(1)
ساقطة من ن ب.
(2)
في ن ب ج (منها).
(3)
في ن ب (اليمنى).
[وما أعده](1) الله تعالى لهذه الأمة من الثواب على الطاعات وغفر السيئات، قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (2).
السادس والثلاثون: فيه أيضًا حصول المغفرة مع الوضوء المذكور وصلاة ركعتين عقبه، وصح أنه تخرج خطاياه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًا من ذنوبه، وصح حصولها مع المشي إلى الصلاة، وجمع بينهما بأن الوضوء بمجرده سبب مغفرة ذنوبه والمشي والصلاة نافلة، كما جاء في الحديث الصحيح السالف:"وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة"[و](3) أن سببها [الوضوء](4) مع الصلاة؛ لأن المتوضئ بنية الصلاة في [صلاة](5)، كما أن المتوضئ مع المشي [بنية](6) الصلاة في صلاة وأولى؛ لأن [عمل](7) الوضوء بنية [الصلاة](8) أشرف من عمل المشي بنية الصلاة، لا سيما وقد صح أن الوضوء شطر الإيمان (9)، وقيل: إن
(1) في ن ب (وما أعد).
(2)
سورة هود: آية 114.
(3)
في ن ب (أو).
(4)
في الأصل (الوضع)، والتصحيح من ن ب ج.
(5)
في الأصل (الصلاة)، والتصحيح من ن ب ج.
(6)
في ن ج (نيته).
(7)
في الأصل (عدم)، والتصحيح من ن ب ج.
(8)
في الأصل (الوضوء)، والتصحيح من ن ب ج.
(9)
أخرجه الترمذي برقم (3517).
ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص، فشخص يتوضأ ويحصل له ذلك عند إتمام توضئه، وآخر لا يحصل له ذلك حتى يصلي.
السابع والثلاثون: أدخل البخاري هذا الحديث في باب السواك الرطب واليابس للصائم، فليتأمَّل وجه استنباطه منه، [وخطر لي](1) أنه أخذه من المضمضة (2) فإنها في معنى السواك ولم [يخص](3) الحديث بصوم ولا غيره.
(1) في ن ب (وحضر لي).
(2)
فإنه قال: "من توضأ مثل وضوئي هذا"، وقد ذكر المضمضة والاستنشاق ولم يفرق بين الصائم والمفطر. فتح الباري (4/ 158).
(3)
في ن ب (يحصل).