المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول 14/ 1/ 2 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمة المحقق

- ‌ترجمة موجزة للحافظ عبد الغني صاحب "العمدة

- ‌أولًا- مصادر الترجمة على حسب تواريخ وفيات مؤلفيها:

- ‌ثانيًا- ترجمته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته:

- ‌عصر المقدسي:

- ‌أهم الأحداث التاريخية في عصره:

- ‌حالة المجتمع في عصره:

- ‌الحالة التعليمية:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌ما قيل عنه في حفظه:

- ‌ألقابه وثناء العلماء عليه:

- ‌المحنة التي مرَّ بها الحافظ:

- ‌عقيدته:

- ‌تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ولداه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة المصنف "ابن الملقن

- ‌للاستزادة من الترجمة راجع:

- ‌اسمه:

- ‌لقبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته الذاتية:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌جمعه للكتب:

- ‌مصير هذه المكتبة:

- ‌عقيدته، وصوفيته:

- ‌مناصبه:

- ‌ابتلاؤه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نذكر من مؤلفاته ما يلي:

- ‌ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌أبناؤه:

- ‌وفاته:

- ‌ الكتاب

- ‌عنوان الكتاب:

- ‌ترجيح العنوان:

- ‌وصف النسخ:

- ‌أهمية الكتاب

- ‌بيان عملي في الكتاب:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث والرابع والخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والتاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌(الحديث الثالث عشر)

- ‌2 - باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌3 - باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌4 - باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌5 - باب في المذي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول 14/ 1/ 2 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الأول

14/ 1/ 2 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث"(1).

[الخُبُث: بضم الخاء والباء جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، استعاذ من ذكران الشياطين وإناثهم](2).

الكلام عليه من ثلاثة عشر وجهًا:

الأول: في التعريف براويه: هو أنس بن مالك بن النضْر بضاد معجمة ساكنة، ابن ضمضم بضاد معجمة ثم ميم، ابن زيد بن حرام

بالحاء المهملة والراء، وجميع ما في الأنصار من الأسماء كذلك وفي

(1) رواه البخاري برقم (142) في الوضوء، باب: ما يقول عند الخلاء، و (6322) في الدعوات، باب: الدعاء عند الخلاء، ومسلم برقم (375) في الحيض، وأبو داود برقم (4) في الطهارة، والترمذي برقم (7)، والنسائي (1/ 20) في الطهارة، وابن ماجه برقم (296)، وأحمد في المسند (3/ 99 و 101) و (4/ 369 و 373)، والدارمي (1/ 17).

(2)

موجود في بعض النسخ كإحكام الأحكام، وفي بعضها ساقط كمتن العمدة.

ص: 421

قريش بكسر الحاء المهملة والزاي، الأنصاري الخزرجي النجاري.

كنيته: أبو حمزة، كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كان يجتنيها، قال الأزهري: البقلة التي جناها أنس كان في طعمها لذع فسميت حمزة بفعلها. يقال: رمانة حامزة [أي](1) فيها حموضة. خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرًا، جاءت به أمه أم سليم بنت مِلحان -بكسر الميم وفتحها- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه حين قدم المدينة، فقالت: يا رسول الله أنس غلام كاتب [لبيب](2) يخدمك، فقبله وخدمه عشر سنين، وكان عمره عشرًا، وقيل ثمانية، ودعا له بكثرة المال والولد وطول الحياة ودخول الجنة، فكان له كَرْم يحمل في السنة مرتين.

وفي الترمذي عن أبي العالية أنه عليه السلام دعا له وكان له بستان يحمل في كل سنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجيء منه

ريح المسك، ثم قال: حديث حسن (3)، ورأى من أولاده وأحفاده عددًا كثيرًا.

وكان يقول: إني لمن أكثر الأنصار مالًا وولدًا، ويقال: إنه ولد له ثمانون ولدًا (4) ليس فيهم أنثى إلَّا اثنتين حفصة وأم عمرو،

وفي البخاري أنه دفن لصلبه مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

الترمذي (3833).

(4)

في ن ب زيادة واو.

ص: 422

ومائة. وفي الطبراني الكبير عنه قال: لقد دفنت بيدي هاتين (مائتين)(1)[من](2) ولدي، لا أقول سقطًا ولا ولدَ ولدٍ. وفي مسند عبد بن حميد لمَّا دعا له بكثرة المال والولد قال: وبارك له فيه، وروي عنه أنه قال: رأيت كثرة المال والولد وأرجو دخول الجنة (3).

قلت: ومات له في طاعون [الجارف](4) ثلاثة وثمانون ابنًا، ويقال ثلاثة وسبعون.

وكان من أكثر الصحابة أيضًا حديثًا، روي له عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث ومائتا حديث وستة وثمانون حديثًا، أخرج له في الصحيحين ثلاثمائة حديث وثمانية عشر حديث، اتفقا منها على مائة وثمانية وستين، وانفرد البخاري بثمانين، ومسلم بسبعين، حكاه ابن الجوزي. وقال المقدسي: انفرد البخاري بثلاثة وثمانين، ومسلم بأحد وسبعين. روى عنه أبو أُمامة، ومن أولاده موسى والنضر وأبو بكر، وأحفاده، وخلق كثير من التابعين.

وكان يصلي فيطيل القيام حتى تفطر قدماه دمًا، وأُتي به إلى الحجاج فآذاه -آذاه الله-. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أمه أم سليم فيصلي في بيتها غير المكتوبة ويدعو لهم بخير الدنيا والآخرة.

وهو من أطول الصحابة عمرًا، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن

(1) في الأصل مكررة.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

الترمذي (3827).

(4)

في ن ب (الطارف).

ص: 423

عشرين سنة، وبقي بعده دهرًا، سكن البصرة، ومات بقصره بألطف على فرسخين منها، وقيل فرسخ ونصف، ودفن هناك سنة ثلاث وتسعين على الصحيح الذي عليه الجمهور كما نقله عنهم النووي.

وقيل: سنة خمس، وقيل: سنة إحدى، وقيل: اثنين. وصلَّى عليه قطن بن مدرك الكلابي، وهو آخر الصحابة موتًا بالبصرة لا موتًا على الإطلاق، فلا التفات إلى من أطلق ذلك، وكان يقول: لم يبق على وجه الأرض ممن صلَّى [إلى](1) القبلتين غيري (2). قال أبو عمر: لا أعلم أحدًا مات بعده ممن رأى [النبي](3) صلى الله عليه وسلم إلَّا أبا الطفيل يعني عامر بن واثلة القائل:

وبقيت سهمًا في الكنانة واحدًا

سيُرمى به أو يكسر السهم ناضله

وكانت وفاته سنة مائة وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية أعوام.

قال: واختلف في سِنِّه -يعني من أنس- يوم مات، وأصح ما فيه أنه عمّر مائة إلَّا سنة. [واعترض] (4) عليه النووي فقال: هذا

شاذ مردود، فقد ثبت في الصحيح أنه كان له قبل الهجرة عشر سنين [فعمّر](5) فوق المائة.

(1) زيادة من ن ب.

(2)

في ن ب زيادة واو.

(3)

في ن ب (رسول الله).

(4)

في ن ب (واعرض).

(5)

في ن ب (فعمره).

ص: 424

قلت: قيل: زاد على المائة ثلاث سنين، وقيل: سبعًا، وقيل: عشرين (1).

وقد ذكر أبو عمر أيضًا في وفاة [محمود](2) بن الربيع قولين:

أحدهما: سنة تسع وتسعين،

والثاني: سنة ست، فهذا بعد أنس، فكيف يقول: لا أعلم أحدًا مات بعده ممن له رواية إلَّا أبا الطفيل؟.

[قال](3) مورق العجلي لما مات أنس: ذهب اليوم نصف العلم، قيل له: كيف [ذلك](4)؛ قال: كان رجل من [أهل](5) الأهواء إذا خالفنا في الحديث قلنا: تعال إلى من سمعه من رسول الله.

فائدة مهمة: في الرواة أنس بن مالك خمسة، أولهم هذا.

وثانيهم: أبو أمية الكعبي، له حديث: إن الله وضع عن المسافر

إلى آخره.

وثالثهم: أنس بن مالك بن أبي عامر والد مالك بن أنس الفقيه.

(1) في ن ب زيادة (وقيل).

(2)

في ن ب (محمد).

(3)

في ن ب (وقال).

(4)

في ن ب ج (ذاك).

(5)

في ن ب ساقطة.

ص: 425

ورابعهم: شيخ حمصي.

وخامسهم: كوفي حدث عن الأعمش وغيره.

فائدة [ثانية](1): أنس [في](2) الرواة [تشتبه](3) بأتش بالمثناة فوق بدل النون ثم شين معجمة، وهو محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني المتروك (4) وأخوه علي بن الحسن، فاعلم ذلك.

الوجه الثاني: قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم"(كان) هنا هي التي تدل على الملازمة والمداومة.

الثالث: (إذا دخل) معناه: إذا أراد الدخول، وهذا كقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (5) وقد ثبت هذا المعنى صريحًا في رواية البخاري تعليقًا: "كان إذا أراد أن يدخل"(6)، قال الشيخ تقي (7) الدين: ويحتمل أن يريد به ابتداء الدخول، وذكر الله تعالى مستحب في ابتداء قضاء الحاجة.

(1) في ن ب ج (أيضًا) بدل ثانية.

(2)

في ن ب ج (من).

(3)

في ن ب (يشبه).

(4)

مشتبة النسبة للذهبي (34)، معاصر لعبد الرزاق.

(5)

سورة النحل؛ آية 98.

(6)

البخاري برقم (142)، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال، فذكره، قال الحافظ: وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله: "إذا دخل الخلاء" أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده.

(7)

إحكام الأحكام (1/ 224).

ص: 426

قلت: يضعف هذا رواية البخاري التي [ذكرناها](1).

ثم قال: فإن كان المحل الذي يقضي فيه الحاجة [غير](2) سعد لذلك كالصحراء مثلًا جاز ذكر الله تعالى في ذلك المكان، وإن كان معدًا لذلك كالكُنف ففي جواز الذكر فيه خلاف بين الفقهاء، فمن كرهه [فهو] (3) يحتاج إلى أن يؤوِّل قوله:"إذا دخل" بمعنى أراد؛ لأن لفظة دخل أقوى في الدلالة على الكنف المبنية منها على المكان البراح، أو لأنه قد بين في حديث آخر المراد حيث قال عليه السلام؛ "إن هذه الحشوش محتضرة -أي للجان والشياطين- فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل أعوذ بالله من الخبث والخبائث"(4). [أي](5) وهو حدث صحيح كما شهد له بذلك ابن حبان والحاكم من حديث زيد بن أرقم، [وإن](6) تكلم فيه غيرهما، قال: وأما من أجاز ذكر الله تعالى فلا يحتاج إلى هذا التأويل، ويحمل [دخل](7) على حقيقتها.

(1) في ن ب (ذكرها).

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

أخرجه أحمد (1/ 269)، وأبو داود برقم (6) في الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، وابن ماجه برقم (296) في الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (2/ 341)، ومعنى محتضرة: أي تحضرها الشياطين.

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

في ن ب (فإن).

(7)

في ن ج (ذلك).

ص: 427

وحديث: "إن هذه الحشوش محتضرة" فيه بيان لمناسبة هذا الدعاء المخصوص لهذا المكان المخصوص، وما ذكره رحمه الله من الجزم بجواز الذكر في المكان غير المعد لقضاء الحاجة وحكاية الخلاف في غيره هو مذهب مالك كما ستعلمه، وتبعه الفاكهي على ذلك وزاد نفي الخلاف في الأول، قال: وحملُ الحديث على أن المراد: إذا أراد الدخول، أولى من حمله على ظاهره؛ لأنه لا خلاف في جواز الذكر قبل الوصول إلى المكان المعد لقضاء الحاجة (1)، وأما فيه نفسه فقد اختلف فيه المذهب على قولين، وحملُه على المجمع عليه أولى من المختلف فيه؛ لأن الخلاء المذكور في الحديث هو المعد لقضاء الحاجة [فلا](2) إشكال، أما غير المعد فلا خلاف في جواز الذكر فيه. وعبارة صاحب (الجواهر) (3) منهم: إذا كان [المكان](4) غير معد لقضاء الحاجة جاز تقديم الذكر وتأخيره، وإن كان معدًا لها ففي جواز الذكر بعد الدخول قولان مبيان على جواز الاستنجاء بالخاتم فيه اسم الله تعالى.

[وهذا](5) الذي بناه عليه ستعرف ما فيه في الحديث

(1) راجع التعليق (6) من (426)، وت (4) ص (427).

(2)

في ن ب ج (بلا).

(3)

سبق التعريف به تعليق (4)(ص 326).

(4)

في الأصل (المعد)، والتصحيح من ن ب.

(5)

في الأصل (وهو)، وما أثبت من ن ب.

ص: 428

[الخامس](1) إن شاء الله (2)، [فأما](3) أصحابنا فجزموا بالكراهة وأطلقوا، قال ابن العطار: ولا أعلم أحدًا من العلماء ذكر هذه الجملة التي ذكرها الشيخ تقي الدين في الجواز والاختلاف والمناسبة، بل كلهم ذكروا الكراهة فيه، حتى صرح بعض العلماء في الصحراء بالكراهة إذا أراد قضاء الحاجة، وأراد اتخاذ مكان فيه أنه يصير حكمه حكم المكان المتخذ في البنيان، قال: ورأيت بعض المتأخرين ينقل تحريم استصحاب ذكر الله تعالى فيه المكتوب، فكيف بالنطق به؟ ولم أره. ولكنهم صرحوا بالكراهة سواء كان غير قاضٍ حاجته [أم](4) قاضيها.

ومناسبة الاستعاذة تقتضي ذلك أما إنها تقتضي جواز ذكر الله تعالى فيه، فلا.

قلت: وبقية الخلاف قد علمته.

الرابع: الخلاء: بفتح الخاء المعجمة والمد: موضع قضاء الحاجة، سمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة، وهو الكنيف، وسمي به للتستر فيه، والكنيف الستر وهو المرحاض (5)، والمرفق والحش أيضًا، وأصله المكان الخالي ثم كثر استعماله حتى

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب زيادة (تعالى).

(3)

في ن ب (وأما).

(4)

في ن ب (أو).

(5)

في ن ب (الرصاص).

ص: 429

تُجوز به عن ذلك، وأما الخلى بالقصر فهو الحشيش الرطب، والكلام الحسن أيضًا، ومنه قولهم: هو حسن الخلاء، وقد يكون

خلا مستعملًا في باب الاستثناء، وللعرب فيه حينئذٍ مذهبان: منهم من يجعله حرفًا، ومنهم من يجعله فعلًا، فإن كسرت الخاء مع المد فهو عيب في الإبل كالحران في الخيل، وفي الصحيح "ما خلأت القصواء ولكن حبسها حابس الفيل" (1). وفي حديث أم زرع أنه عليه السلام قال لها:"كنتُ لكِ كأبي زرع لأم زرع"(2) في الألفة والوفاء لا في الفرقة والخلاء، وانتصب (الخلاء) في الحديث على أنه مفعول به لا على الظرف [لأنه](3)[دخيل](4) عدته العرب بنفسه إلى كل ظرفِ مكانٍ مختص (5)، تقول: دخلت الدار، ودخلت المسجد ونحو ذلك، كما عُدَّتْ: ذهب إلى الشام خاصة، فقالوا: ذهبتَ الشامَ، ولا يقولون: ذهبت العراق ولا اليمن.

الخامس: [قوله](6)"اللهم" فيه لغتان، أفصحهما: أن يستعمل بالألف واللام. الثانية: (لاهم) بحذفهما والميم في آخره زائدة، زيدت لتجعل عوضًا من حرف النداء وهو ياء، وشدِّدت [لتكون](7)

(1) البخاري برقم (2731، 2732).

(2)

البخاري، الفتح (11/ 165).

(3)

في النسخ (لآن)، وما أثبت يقتضيه السياق.

(4)

في ن ب ج (دخل).

(5)

في ن ب زيادة (كما).

(6)

في الأصل (قولهم)، والتصحيح من ن ب ج.

(7)

في ن ج (ليكون).

ص: 430

على حرفين كالمعوض منه، ولما كانت الميم المشددة [عوضًا] (1) من ياء لم يجز الجمع بينهما فلا يقال: يا اللهم، في فصيح الكلام.

السادس: أعوذ أصله: أعْوُذ بسكون العين وضم الواو، واستثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى العين فبقيت الواو ساكنة، ومصدره: عوذ وعياذة ومعاذ، [فمعنى] (2) الاستعاذ: الاستجارة والاعتصام، فمعنى أعوذ بالله: أستجير بالله وأعتصم، وفي رواية لمسلم "وأعوذ بالله" بدل "أعوذ بك".

السابع: الخبث: بضم الخاء والباء كما ذكره المصنف.

وذكر الخطابي (3) في أغاليط المحدثين (4) رواية لهم بإسكانها. قال الشيخ تقي الدين: ولا ينبغي أن يعد هذا غلطًا؛ لأن [فعلًا](5) بضم الفاء والعين وتخفف عينه قياسًا، [أي] (6) وكذلك فعل بالكسر قال: ولا يتعين أن يكون المراد بالخبث بسكون الباء مالا يناسب [المعنى](7)، بل يجوز أن يكون -وهو ساكن الباء-

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب ج (ومعنى).

(3)

حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب من ولد زيد بن الخطاب: له غريب الحديث، وشرح البخاري، وشرح أبي داود، والعزلة. مولده 319 مات 388 هـ. "بغية الوعاة" 1/ 546.

(4)

إصلاح غلط المحدثين (22).

(5)

في ن ب (فعل)، انظر؛ إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 226).

(6)

في ن ب (أتى)، وهى غير مرجودة في إحكام الأحكام.

(7)

في ن ب ساقطة، وموجودة في إحكام الأحكام.

ص: 431

بمعناه، وهو مضموم الباء؛ نعم من حمله -وهو ساكن الباء- على ما لا يناسب فهو غالط في الحمل على هذا المعنى، لا في اللفظ.

قلت: وهو كما (1) قال فالإِسكان على سبيل التخفيف قياس مقرر عند أئمة التصريف، كما في كُتُب ورُسُل وعُنُق وأُذُن.

ولعل الخطابي أنكر أن الأصل الإِسكان فيه، وممن صرَّح بالإِسكان إمام هذا الفن والعمدة فيه أبو عبيد القاسم بن سلام (2)،

وحكاه أيضًا الفارابي (3) في (ديوان الأدب)، والفارسي (4) في (مجمع الغرائب)، وقال القرطبي (5): رويناه به أيضًا، ونقله القاضي عياض (6) عن الأكثرين، لكن لا نسلم له في ذلك، فإن الأكثر على الضم.

وقد فسر المصنف الخبث والخبائث كما أسلفناه عنه وأنه يريد

(1) في الأصل زيادة (هو)، وما أثبت من ن ب.

(2)

غريب الحديث (2/ 192).

(3)

هو أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم بن الحسين الفارابي المتوفى سنة (350).

(4)

هو الحسين بن أحمد بن عبد الغافر أبو علي الفارسي المشهور، من تصانيفه: الحجة، والتذكرة، وتعليقة على كتاب سيبويه. توفي ببغداد عام 377 هـ. بغية الوعاة 1/ 496، وكتابه هذا ما زال مخطوطًا.

(5)

المفهم (2/ 610).

(6)

عياض بن موسى بن عياض عالم المغرب وإمام أهل الحديث في وقته. ولد 476، مات 544 هـ. له الشفاء، وترتيب المدارك، وشرح مسلم. انظر الأعلام للزركلي 5/ 282.

ص: 432

ذكران الشياطين وإناثم، ورجحه [المازري](1)؛ لأن هذه الأماكن محلها.

وقيل: الخبث: الشر، وهو قول أبي عبيد.

وقيل: الكفر، قاله ابن الأنباري.

وقيل: الخبث: الشيطان، والخبائث: المعاصي، قاله الداودي.

وقيل: الخبث: الشيطان، وكأنه استعاذ من فعلها، والخبائث: البول والغائط، وكأنه استعاذ من ضررهما.

قال القاضي (2): ولا يبعد أن تستعيذ من الكفر والشياطين ومن جميع الأخلاق الخبيثة والأفعال المذمومة، وهي الخبائث، وإنما جاؤوا بلفظ الخبث لمجانسة الخبائث.

وقال ابن الأعرابي (3): الخبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار.

فائدة: اختلف في وجود الجن والشياطين مع الإِطباق على أنهم ليسوا أشخاصًا جثمانية يبعد ويجيء ويذهب، [بل هي] (4) كما قيل: أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، لها عقول

(1) في ن ب (الماوردي). انظر: المعلم (1/ 386).

(2)

في ن ب زيادة (عياض).

(3)

انظر: إصلاح غلط المحدثين للخطابي (22).

(4)

زيادة من ن ب ج.

ص: 433

وأفهام وقدرة على الأعمال الشاقة، وقد تكون خيرة وهم صالحو الجن، وقد تكون شريرة [وهم الشياطين](1) فاستُعيذ منهم.

الثامن: زاد سعيد بن منصور وأبو حاتم وابن السكن (2) في صحاحه في أول هذا الحديث: "باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من

الخبث والخبائث" وصرَّح أصحابنا باستحبابها مع التعوذ، وصرح جماعات منهم باستحباب تقديم البسملة على التعوذ، وفرقوا بين هذا وبين التعوذ في الصلاة بأن التعوذ هناك للقراءة والبسملة من القرآن، فقدم التعوذ عليها بخلاف هذا (3).

التاسع: ظاهر الحديث أنه عليه السلام جهز بهذه الاستعاذة ضرورة كونها لو لم تسمع لم تنقل، ويبعد أن يكون ذلك جاء على

طريق إخباره عليه السلام عن نفسه (4).

العاشر: الظاهر أنه عليه السلام قال ذلك إظهارًا للعبودية وتعليمًا للأمة، وإلَّا فهو عليه السلام محفوظ من الجن والإنس، وقد

ربط عفريتًا في سارية من سواري المسجد

الحديث بطوله،

(1) في ن ج ساقطة.

(2)

سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن البغدادي، نزيل مصر، أبو علي، ت (353). تذكرة الحفاظ (3/ 937) وكتابه مفقود اسمه "السنن الصحاح".

(3)

لحديث: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث". فهذا الحديث قدم التسمية على التعوذ. وإسناد هذا على شرط مسلم من رواية العمري عن عبد العزيز بن المختار بن صهيب.

(4)

يرده ما ذكرته في التعليق السابق حيث جاء الحديث على سبيل الأمر.

ص: 434

[ففيه](1) دليل على مراقبته عليه السلام لربه ومحافظته على ضبط أوقاته وحالاته، واستعاذته عند ما ينبغي أن يستعاذ منه، ونطقه بما ينبغي أن ينطق به، وسكوته عند ما ينبغي أن يسكت عنده، وقد صح أنه عليه السلام كان إذا خرج من الخلاء قال:"غفرانك"(2) كما صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، أي سألتك غفرانك على حالة شغلتني عن ذكرك، [فختم](3) بالذكر كما ابتدأ به، قال الشاعر:

وآخر شيء أنت أوله هجعه

وأول شيء أنت عند هبوبي

الحادي عشر: صيغة التعوذ: [أعوذ بك](4)[و](5) أعوذ بالله" كما تقدم. وفي سنن ابن ماجه (6) بإسناد ضعيف من حديث أبي

(1) في ن ب (فيه).

(2)

إسناده في سنن أبي داود (30) في الطهارة، وأخرجه أحمد (1/ 269)، والدارمي (1/ 174)، والترمذي برقم (7) في الطهارة. وقال النووي في شرح المهذب؛ هو حديث حسن صحيح، وابن ماجه برقم (300)، وكذا صححه ابن خزيمة (1/ 48)، وابن حبان 2/ 354)، والحاكم (1/ 158) ووافقه الذهبي.

(3)

في ن ب ج (فيختم).

(4)

في ن ب ج ساقطة.

(5)

في ن ب ج (أو).

(6)

ابن ماجه (299)، وقال في مصباح الزجاجة (1/ 44): هذا إسناد ضعيف، قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد خبر، عبد الله بن زخر، وعلي بن زيد، والقسم، فذاك مما عملته أيديهم. ورواه الترمذي برقم (12) وهذا لفظه:"اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" بدون "الرجس والنجس". قال =

ص: 435

أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يعجز أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس [الخبيث] (1) المخبث الشيطان الرجيم" ورواه أبو داود في مراسيله (2) عن الحسن: أنه عليه السلام كان إذا أراد دخول الخلاء قال

، فذكر مثله سواء، والرجس بكسر [الراء](3)[و](4) سكون الجيم، والنجس [بكسر](5) النون وإسكان الجيم اتباعًا للرجس، كما ضبطه الشيخ تقي الدين في كتابه [الإمام](6).

وقال الغزالي: يقول ذلك ولم يذكر الرجس النجس.

وقال الإمام في (النهاية) يقول: "باسم الله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".

الثاني عشر: هذه الاستعاذة مجمع على استحبابها وسواء فيها البنيان والصحراء؛ لأنه يصير مأوى لهم بخروج الخارج، [وقبل](7) مفارقته إياه. لكن في (البيان) عن الشيخ أبي حامد أن ذكر الدخول

= أحمد شاكر: رواه أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

(1)

في الأصل (الخبث)، والصحيح من ن ب ج.

(2)

المراسيل رقم (1).

(3)

في ن ب ج (الجيم).

(4)

في ن ب ج (أو).

(5)

في ن ب (بسكون).

(6)

في ن ب ج (الإِلمام).

(7)

في ن ب (وقيل).

ص: 436

خاص بالبنيان، لأن الموضع لم [يَصِرْ](1) مأوى الشيطان بعد.

(فرع): لو نسي التعوذ ودخل، فذهب ابن عباس وغيره إلى كراهة التعوذ [له](2) وأجازه جماعة منهم ابن عمر وقد أسلفنا عن

مالك.

الثالث عشر: في الحديث ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ضبط أموره عليه أفضل الصلاة والسلام، وأحواله، وأقواله، وأفعاله، وأذكاره، وغير ذلك، رضي الله عنهم أجمعين.

(1) في ن ب (يضر).

(2)

زيادة من ن ب ج.

ص: 437