المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 27/ 2/ 5 - عن عباد بن تميم، عن - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ١

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌مُقَدّمة المحقق

- ‌ترجمة موجزة للحافظ عبد الغني صاحب "العمدة

- ‌أولًا- مصادر الترجمة على حسب تواريخ وفيات مؤلفيها:

- ‌ثانيًا- ترجمته:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته:

- ‌عصر المقدسي:

- ‌أهم الأحداث التاريخية في عصره:

- ‌حالة المجتمع في عصره:

- ‌الحالة التعليمية:

- ‌مكانته العلمية:

- ‌ما قيل عنه في حفظه:

- ‌ألقابه وثناء العلماء عليه:

- ‌المحنة التي مرَّ بها الحافظ:

- ‌عقيدته:

- ‌تلاميذه والآخذون عنه:

- ‌ولداه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة المصنف "ابن الملقن

- ‌للاستزادة من الترجمة راجع:

- ‌اسمه:

- ‌لقبه:

- ‌مولده:

- ‌نشأته الذاتية:

- ‌بدايته العلمية:

- ‌رحلاته العلمية:

- ‌شيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌جمعه للكتب:

- ‌مصير هذه المكتبة:

- ‌عقيدته، وصوفيته:

- ‌مناصبه:

- ‌ابتلاؤه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌نذكر من مؤلفاته ما يلي:

- ‌ الإعلام بفوائد عمدة الأحكام

- ‌سبب تأليف الكتاب:

- ‌أبناؤه:

- ‌وفاته:

- ‌ الكتاب

- ‌عنوان الكتاب:

- ‌ترجيح العنوان:

- ‌وصف النسخ:

- ‌أهمية الكتاب

- ‌بيان عملي في الكتاب:

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث والرابع والخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن والتاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌(الحديث الثالث عشر)

- ‌2 - باب الاستطابة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌3 - باب السواك

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌4 - باب المسح على الخفين

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌5 - باب في المذي وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 27/ 2/ 5 - عن عباد بن تميم، عن

‌الحديث الثاني

27/ 2/ 5 - عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه قال:"شُكِي إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل بخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا"(1).

الكلام عليه من ثمانية أوجه:

أحدها: في التعريف براويه، وقد سلف في الحديث الحادي عشر في كتاب الطهارة مستوفى.

ثانيها: عباد هذا بفتح أوله وتشديد ثانيه، وهو تابعي مدني ثقة باتفاق، ووالده صحابي وكذا عمه [كما أسلفته، وهو عمه](2) من

(1) البخاري (137، 177، 2056)، ومسلم، النووي (4/ 49) في الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته. وأبو عوانة في صحيحه (1/ 238)، الشافعي (1/ 99)، وأبو داود برقم (176)، والنسائي (1/ 99)، وابن ماجه (1/ 185)، والبيهقي (1/ 114)، وأحمد (4/ 40).

(2)

زيادة من ن ب ج.

ص: 660

قبل أمه لا من قبل أبيه، وعباد كان يذكر أيام النبي صلى الله عليه وسلم "قال: كنت يوم الخندق ابن خمس سنين كنت مع النساء أذكر أشمياء وأعيها" والخندق كانت سنة أربع أو خمس من الهجرة كما ستعلمه في باب المواقيت فينبغي إذن أن يعد في صغار [الصحابة](1)، وقد عُد أصغر منه فيهم.

واعلم: أن عباد بن تميم هذا يشتبه بعُبَاد بضم أوله وتخفيف ثانيه وهو قيس بن عباد وغيره، وبعِبَاد بكسر أوله وفتح ثانيه، وبعياذ بالياء المثناة تحت وذال معجمة، وبِعياد مثله إلَّا أن الدال مهملة، وبعناد بإبدال الباء نونًا [وكلٌّ](2) موضح في كتابي مشتبه

النسبة.

ثالثها: الياء في (شكي) منقلبة عن واو، لأن من شكى يشكو، ويجوز أن تكون أصلية غير منقلبة في لغة من قال شكى يشكي، وشُكِي بضم أوله وكسر ثانيه مبني لما لم يسم فاعله، و (الرجل) مرفوع وهو القائم مقام الفاعل لشُكي، لا المجرور، لأنه مفعول به أعني الرجل وإذا وجد المفعول به لم يقم سواه عند الأكثرين، والجملة من قوله:"يخيل إليه" صفة [للرجل](3) وإن كان فيه الألف والسلام وهو من [وادي](4) قوله:

(1) ساقطة من الأصل.

(2)

في ن ب (والكل).

(3)

في ن ب (الرجل).

(4)

في الأصل (ودي)، وفي ن ج (واوى)، وما أثبت من ن ب.

ص: 661

ولقد [أَمُرّ] على اللَّئيم يَسُبّنِي

فمَضَيت ثُمَّتَ قلتُ [لا يَعْنِينِي](1)

فإنه لم يرد لئيمًا معينًا فهو نكرة في المعنى، نبه [عليه](2) الفاكهي، والقائم مقام المفعول "ليخيل" إن وما عملت فيه.

والشاكي هو عبد الله بن زيد الراوي، كذا جاء في صحيح البخاري في باب:"لا يتوضأ من الله حتى يستيقن"(3) وهذا لفظه عن عباد بن تميم عن عمه: أنه شكى إلى رسول الله الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:" [لا ينفتل] (4) -أو لا ينصرف- حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، قال النووي في شرحه (5): وينبغي أن [لا](6) يتوهم [بهذا](7) أن شُكى بفتح الشين والكاف ويجعل الشاكي هو عمه المذكور، فإن هذا الوهم غلط، [وهذا لفظه](8) فتأمله.

(1) البيت لشمر بن عمرو الحنفي أحد شعراء بني حنيفة باليمامة نسبه في "الأصمعيات" له (126)، وفيه "مررت" وفي ن ب "لا لعيني" انظر عمدة الحفاظ (228) خزانة الآداب (1/ 173)، الكامل (6/ 222).

(2)

في ن ب (على هذا).

(3)

فتح الباري (1/ 237).

(4)

في ن ب (ينتقل).

(5)

شرح مسلم، النووي (4/ 51).

(6)

زيادة من ن ب.

(7)

في ن ب (في هذا).

(8)

زيادة من ن ب ج. قال في عون المعبود (1/ 299): ومعنى قول النووي: فإن هذا الوهم غلط، أي ضبط لفظ "شكي" في رواية -مسلم بالألف =

ص: 662

رابعها: "الشيء" المشار إليه هو الحركة التي يظن بها أنها حدث وليس كذلك، ولهذا [قال] (1) عليه السلام:"حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". ومعناه [يعلم](2) وجود أحدهما يقينًا، ولا يشترط اجتماع السماع والشم بالإِجماع.

وفي صحيحي ابن خزيمة (3) وابن حبان (4) ومستدرك الحاكم (5) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إذا جاء أحدكم الشيطان فقال: إنك أحدثت، فليقل: كذبت، إلَّا ما وجد ريحًا بأنفه أو سمع صوتًا بأذنه". قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وفي رواية ابن حبان "فليقل في نفسه [كذبت] "(6) وزعم بعض العلماء أنه عليه السلام ذكر الصوت لمن حاسة شمه معلولة [والريح لمن حاسة سمعه معلولة](7).

= قياسًا على رواية البخاري وغيره وهم، فإن في رواية البخاري بلفظ "أنه شكا" وليس هذه في رواية مسلم. اهـ. وانظر فتح الباري (1/ 237).

(1)

في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب (فعلم).

(3)

ابن خزيمة رقم (29).

(4)

صحيح ابن حبان (2665، 2666)، وأبو داود (1029) في الصلاة.

(5)

المستدرك (1/ 134)، وضعفه الألباني في صحيح ابن خزيمة (1/ 19) وقال: إسناده ضعيف، لكن له متابع، إلى أن قال: ولكنه شاهد قاصر، ليس فيه "فليقل كذبت"

إلخ، والمراد بالمتابع ما يأتي في التعليق (1) في (ص 664)، وت (4) ص (665).

(6)

في ن ب ساقطة.

(7)

زيادة من ن ب ج.

ص: 663

وفي مسند أحمد من حديث أبي سعيد أيضًا: "إن الشيطان ليأتي إلى أحدكم وهو في صلاته فيأخذ شعرة من دبره فيمدها فيرى

أنه أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا" (1)، وفيها علي بن زيد وهو ابن جدعان [وهو ذو غرائب](2).

قال الإِسماعيلي: هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن شك في خروج ريح منه لا [نفي](3) الوضوء إلَّا من سماع صوت أو وجدان ريح، وقال الخطابي (4): معنى الحديث أنه يمضي في صلاته ما لم يتيقن الحدث، ولم يرد تخصيص هذين النوعين من الحدث وإنما هو جواب خرج [حذو سؤال السائل، ودخل](5) في معناه كل ما يخرج من السبيلين من بول أو غائط أو مذي أو ودي أو دم وقد يكون بأذنه وقر فيخرج الريح ولا يسمع له صوتًا، وقد يكون أخشم فلا يجد الريح، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى، وهذا كما روي أنه عليه [الصلاة والسلام] (6) قال: "إذا استهل

الصبي ورث وصلي عليه" (7). لم يرد تخصيص الاستهلال الذي هو

(1) مسند أحمد، الفتح الرباني (2/ 77).

(2)

زيادة من ن ج.

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

معالم السنن (1/ 129).

(5)

العبارة في أعلام الحديث للخطابي (1/ 228): على حدود المسألة التي سأل عنها السائل وقد دخل

إلخ.

(6)

ساقطة من الأصل.

(7)

أبو داود رقم (2920)، والبيهقي (6/ 257)، وابن حبان (7/ 609).

ص: 664

الصوت دون غيره من أمارات الحياة من حركة وقبض وبسط، وهذا أصل في كل ما ثبت يقينًا فإنه لا يرفع بالشك.

خامسها: ترجم البخاري (1) على هذا الحديث: "لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن" ثم ذكره باللفظ الذي أسلفناه عنه، وترجم عليه أيضًا:"من لم ير الوضوء إلَّا من المخرجين"(2) ولفظه فيه: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

وذكره في البيوع (3) في، "باب: من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات" ولفظه فيه عن عباد بن تميم عن عمه قال: شُكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يجد في الصلاة شيئًا أيقطع الصلاة؟ قال: "لا، حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" ووجه تبويبه عليه أنه نهى عن العمل بمقتضى الوسواس؛ لأن تيقن الطهارة لا يقاومه الشك، ففي هذا تنبيه على ترك موافقة الوسواس في كل حال.

ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار في باب: عدة زوجة المفقود (4)، ولفظه فيه "إن الشيطان ينقر عند عجُز أحدكم حتى يخيل

(1) الفتح رقم (1/ 237).

(2)

فتح البارى (1/ 280).

(3)

برقم (2056).

(4)

في السنن الكبرى للبيهقي (2/ 254): "إن الشيطان يأتي أحدكم فينقر عند عجازه فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا أو يفعل ذلك متعمدًا". السنن والمعرفة (11/ 236).

ص: 665

له أنه [قد](1) أحدث، فلا يتوضأ حتى يجد ريحًا يعرفه أو صوتًا يسمعه" وفي سنده ابن لهيعة.

سادسها: في الحديث مشروعية سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع وجواب السائل.

سابعها: هذا الحديث أصل من أصول الإِسلام، وقاعدة من قواعد الفقه وهو: أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الله الطارئ عليها، والعلماء متفقون على هذه القاعدة، لكنهم مختلفون في كيفية استعمالها، مثاله مسألة الباب التي دل عليها الحديث، وهي: أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث [يحكم](2) ببقائه على الطهارة سواء حصل الشك في الصلاة أو خارجها، وهو مذهب الشافعي وجمهور علماء السلف والخلف؛ إعمالًا للأصل السابق وهو الطهارة وإطراحًا للشك الطارئ، وأجازوا الصلاة في هذه الحالة، وهو ظاهر الحديث.

وعن مالك رحمه الله روايتان:

إحداهما: يلزمه الوضوء مطلقًا؛ نظرًا إلى الأصل الأول قبل الطهارة وهو ترتيب الصلاة في الذمة، فلا تزال إلَّا بطهارة متيقنة ولا يقين مع وجود الشك في وجود الحدث، ووقع في شرح ابن العطار أنه وجه شاذ عن بعض الشافعية، وهو غلط منه، وكان سببه انتقال ذهني منه إلى الرواية الثانية المنفصلة، فإنها حكيت وجهًا لنا وهو

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب (حكم).

ص: 666

غلط أيضًا كما ستلعمه، وغلط أيضًا في حكايته ذلك عن الحسن البصري، وإنما حكى عنه الرواية الثانية، وليته تبع شيخه النووي (1) فإنه حكى ذلك عنهما أعني الرواية الثانية. وستعلم أن حكايته وجهًا عندنا غلط.

الرواية الثانية: إن كان شكه في الصلاة لم يلزمه الوضوء، وإن كان خارجها لزمه، وحكاها الشيخ تقي الدين (2) عن بعض أصحاب مالك، وحكاها الرافعي في (شرحه الكبير) وجهًا وعزاه إلى صاحب (التتمة)(3) ولم يعزه في (الصغير)، وتابعه على حكاية هذا الوجه النووي في (الروضة وغيرها، [وابن الرفعه في (كفايته)] (4)، وهو غلط فإن الذي في (التتمة) حكاية ذلك عن مالك، كذا رأيته فيها، وحكاه الماوردي (5) عن الحسن البصري، فقد علمت بهذا إن هذا الوجه لا أصل لحكايته.

ونقل القاضي والقرطبي (6) عن ابن حبيب المالكي أن هذا

(1) شرح مسلم (4/ 49، 50).

(2)

إحكام الأحكام (1/ 318).

(3)

هو عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم النيسابوري أبو سعيد المتولي (426 - 478)، تفقه بمرو على الفوراني، وصنف (التتمة) وكان بارعًا في الفقه والأصول. ترجمته في السبكي (5/ 106، 108)، الإِسنوي (1/ 305 - 306)، ابن قاضي شهبة (1/ 264، 265).

(4)

زيادة من ن ج.

(5)

الحاوي الكبير (1/ 254)، وذكره في المجموع (2/ 64).

(6)

المفهم (2/ 727).

ص: 667

الشك في الريح دون غيره من الأحداث، وكأنه تبع ظاهر الحديث، واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط، ولا يخفى ما فيه، وسيأتي مقالة لهم أيضًا مفرقة بين الشك: أن يكون الشك في سبب حاضر أو متقدم.

كأن قائل الرواية الثانية أخذ ذلك أيضًا من حديث أبي هريرة أنه عليه السلام قال: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه

أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" رواه مسلم (1) منفردًا [بل] (2) ورواه الترمذي (3) بلفظ: "إذا كان أحدكم في المسجد فوجد ريحًا بين إليتيه فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا" وحمل الحديث على العموم في الصلاة إذا كان في المسجد [وإن كان المراد بالمسجد] (4) نفس الصلاة تسمية للصلاة باسم موضعها للزومها إيَّاه، ويؤيده رواية أبي داود (5) لهذا الحديث "إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا".

ولما ذكر الشيخ تقي الدين الرواية الثانية التي عزاها إلى أصحاب مالك قال: لها وجه حسن، فإن القاعدة أن مورد النص إذا

(1) مسلم، النووي (4/ 51).

(2)

في ن ب ج (به).

(3)

الترمذي رقم (75)، وقال: حديث حسن صحيح.

(4)

زيادة من ن ب ج.

(5)

أبو داود برقم (177).

ص: 668

وجد فيه معنى يمكن أن يكون معتبرًا في الحكم فالأصل يقتضي اعتباره وعدم إطراحه، وهذا الحديث بدل على إطراح الشك إذا

وجد في الصلاة، وكونه موجدًا في الصلاة معنى يمكن أن يكون معتبرًا فإن الدخول إلى الصلاة مانع من إبطالها على ما اقتضاه من استدلالهم في مثل هذا بقوله تعالى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} (1)، فصارت صحة [الصلاة](2) أصلًا سابقًا على [صحة](3) حالة الشك مانعًا من الإِبطال، ولا يلزم من إلغاء الشك مع وجود المانع من اعتباره إلغاؤه مع عدم المانع، وصحة العمل [ظاهرًا](4) معنى يناسب عدم الالتفات إلى الشك، عكس اعتباره فلا ينبغي إلغاؤه.

ومن أصحاب مالك من قيد هذا الحكم -أعني إطراح هذا الشك- بقيد آخر وهو أن يكون الشك في سبب حاضر كما في الحديث، حتى لو شك في تقدم الحديث على وقته الحاضر لم يبح له الصلاة، وهذا مأخذه ما ذكرناه من أن مورد النص ينبغي اعتبار أوصافه التي يمكن اعتبارها، ومورد النص اشتمل على هذا الوصف وهو كونه شكًّا في سبب حاضر فلا يلحق به ما ليس في معناه من الشك في سبب متقدم، إلَّا أن هذا القول أضعف من الأول؛ لأن صحة العمل ظاهر وانعقاد الصلاة مانع مناسب لإِطراح الشك، وأما

(1) سورة محمد: آية 33.

(2)

في ن ب ج ساقطة.

(3)

زيادة من ن ب.

(4)

في ن ب (في).

ص: 669

كون السبب [تأخر](1) فإما غير مناسب وإما مناسب مناسبة ضعيفة.

قال الشيخ: فالذي يمكن أن يقرر به قول هذا القائل أن يرى أن الأصل الأول وهو ترتب الصلاة في ذمته معمول به، فلا يخرج عنه إلَّا ما ورد فيه النص، وما بقي يعمل فيه بالأصل، ولا يحتاج في المحل الذي خرج على الأصل بالنص إلى مناسب كما في صور كثيرة عمل فيها العلماء هذا العمل، أعني أنهم اقتصروا على مورد النص إذا خرج عن الأصل أو [القياس من غير اعتبار مناسبة والسبب فيه أن [إعمال](2) النص في مورده لا بد منه، [والعمل](3) بالأصل أو القياس المطرد مسترسل لا يخرج منه إلَّا بقدر الضرورة، ولا ضرورة فيما زاد على مورد النص، ولا سبيل إلى إبطال النص في مورده سواء كان مناسبًا أو لم يكن، وهذا يحتاج معه إلى إلغاء وصف كونه في صلاة، ويمكن هذا القائل منع ذلك بوجهين:

الأول: أن يكون هذا القائل نظر إلى ما في بعض الروايات، وهو أن يكون الشك [لمن](4) هو في المسجد، يعني التي أسلفناها، وكونه في المسجد أعم من كونه في الصلاة، فيؤخذ من هذا إلغاء ذلك القيد الذي اعتبر القائل الآخر وهو كونه في الصلاة، ويبقى كونه

(1) في ن ب (ناجز)، وأيضًا في إحكام الأحكام.

(2)

في الأصل (الأعمال)، وفي ن ب (الِإعمال)، والتصحيح من إحكام الأحكام.

(3)

في ن ج ساقطة.

(4)

في ن ب (بمن).

ص: 670

شكًا في سب [ناجز](1)، إلَّا أن القائل الأول له أن يحمل كونه في المسجد على كونه في الصلاة، [أي](2) كما أسلفته، فإن الحضور في المسجد يراد للصلاة فقد يلازمها فيعبر عنها، وهذا وإن كان مجازًا إلَّا أنه يقوى إذا اعتبر الحديث وكان حديثًا واحدًا مخرجه من جهة واحدة، فحينئذٍ يكون ذلك الخلاف اختلافًا في عبارة الراوي فنفسر أحد اللفظين بالآخر ويرجع إلى أن المراد كونه في الصلاة.

قلت: الحديث غير متحد ومخرجهما مختلف كما أسلفته لك، وإن رواية أبي داود صرح فيها بذكر الصلاة.

الوجه الثاني: وهو أقوى من الأول: ما ورد في الحديث "إن الشيطان ينفخ بين إليتي الرجل"(3) وهذا المعنى يقتضي مناسبة السبب الحاضر لإِلغاء الشك، قال الشيخ: وإنما أفردنا هذه المباحث ليلمح الناظر مآخذ العلماء في أقوالهم فيرى ما ينبغي ترجيحه فيرجحه وما ينبغي إلغاؤه فيلغيه، والشافعي رضي الله عنه ألغى القيدين معًا، أعني كونه في الصلاة وكونه في سبب [ناجز](4) واعتبر أصل الطهارة، ورجح القرافي ما ذهب إليه مالك وقال: لأنه احتاط للصلاة التي هي مقصد، وألغى الشك في [السبب](5)، والشافعي

(1) في الأصل (تأخر).

(2)

زيادة من ن ب ج.

(3)

انظر: تلخيص الحبير (1/ 128).

(4)

في الأصل (تأخر)، وما أثبت من ن ب ج، وإحكام الأحكام (1/ 324).

(5)

في الأصل (سبب)، والتصحيح من ن ب ج.

ص: 671

احتاط للطهارة وهي وسيلة، وألغى الشك في [الحدث](1) الناقض لها، والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل.

قلت: لكن في الأول خروج عن [الحديث](2) جملة فإنه أمره بعدم الانصراف إلَّا أن يتحقق.

تذنيب: هذه القاعدة تعرف في الأصول باستصحاب الحال، وهي أدلة الشريعة الثلاثة التي هي: أصل، ومعقول أصل، واستصحاب حال، ونعني بالأصل: الكتاب، والسنة، والإِجماع. وبمعقول الأصل: فحوى الخطاب، ولحن الخطاب، والحصر، ومعنى الخطاب على ما تقرر في الأصول.

ونعني باستصحاب حال الأصل: البقاء عليه حتى يدل دليل على خلافه، وهو على ضربين: استصحاب حال العقل، واستصحاب حال الإِجماع.

فالأول: [نحو](3) أن يدعي أحد الخصمين حكمًا شرعيًا في مسألة، ويدعي الآخر البقاء على حكم العقل، مثل أن يدعي من أوجب الوتر، فيقال: الأصل براءة الذمة، وطريق شغلها الشرع، فمن ادعى شرعًا يوجب ذلك فعليه الدليل.

والثاني: مثل استدلال داود على أن أم الولد يجوز بيعها، بأنا قد أجمعنا على جواز بيعها قبل العمل، فمن ادَّعى المنع من ذلك

(1) في الأصل (الحديث)، وما أثبت من ن ب ج.

(2)

في الأصل (الحدث)، وما أثبت من ن ب ج.

(3)

في ن ب ج (يجوز).

ص: 672

بعده فعليه الدليل، وهذا غير صحيح من الاستدلال؛ لأن الإِجماع لا يتناوله موضع الاتفاق، وما كان حجة فلا يصح الاحتجاج به في الوضع الذي لا يوجد فيه، كألفاظ صاحب الشرع إذا تناولت موضعًا خاصًا لا يجوز الاحتجاج بها في الوضع الذي يتناوله.

تنبيهات:

أحدها: قال أصحابنا: لا فرق في الشك بين تساوي الاحتمالين في وجود الحدث وعدمه، أو ترجح أحدهما ويغلب على ظنه فلا وضوء عليه، نعم يستحب احتياطًا فلو بان بعدُ حدثه فوجهان: أصحهما: لا يجزئه هذا الوضوء؛ لتردده في نيته، بخلاف ما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ ثم بان محدثًا فإنه [يجزئه](1) قطعًا؛ لأن الأصل بقاء الحدث فلا يضر التردد معه.

ثانيها: لو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث بالإِجماع (2).

ثالثها: لو تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما فأوجه: أصحها: أنه يأخذ بضد ما قبلهما إن عرفه، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء بكل حال، والمختار لزوم الوضوء بكل حال والمسألة مبسوطة في شرحي للمنهاج وغيره.

رابعها: من مسائل القاعدة التي اشتمل عليها معنى الحديث:

(1) في ن ب (يجبر به).

(2)

في الأصل زيادة (ثالثها: لو تيقن الطهارة والحدث وشك في الطهارة فهو محدث بالإِجماع).

ص: 673

من شك في طلاق زوتجه، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، وطهارة النجس، أو نجاسة الثوب، أو غيره، أو أنه صلى ثلاثًا

أو أربعًا، أو أنه ركع أو سجد أم لا، أو نوى الصوم أو الصلاة أو الوضوء أو الاعتكاف، وهو (في)(1) أثناء هذه العبادات وما

أشبه هذه الأمثلة، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم الحادث.

قد استثنى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألة:

منها: من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها قبل وقتها، ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ؛ لا أثر له على الراجح.

ومنها: عشر ذكرهن ابن القاصِّ -بكسر الصاد المهملة المشددة- من أصحابنا: الشك في مدة خف، وأن إمامه مسافر، أو وصل وطنه، أو نوى إقامة، ومستحاضة شفيت؛ وغسل [متحرية](2)، وثوب خفيه نجاسته، ومسألة الظبية (3)، وبطلان التيمم بتوهم الماء، وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتًا.

قال القفال: لم يعمل بالشك في شيء منها؛ لأن الأصل في

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب (متحيرة).

(3)

قال السيوطي في الأشباه والنظائر (68): ونظيره في مسألة الظبية: أن لا يرى الماء عقب البول، بل تغيب ثم يجده متغيرًا، فإنه حكم بأن التغير من البول. اهـ.

ص: 674

الأولى: [الغسل](1)، وفي الثانية: الإِتمام، وكذا في الثالثة والرابعة إن أوجبناه، والخامسة والسادسة: اشتراط الطهارة ولو ظنًا

أو استصحابًا، والسابعة: بقاء النجاسة، والثامنة: لقوة الظن، والتاسعة: للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء، وفي الصيد:

تحريمه إن قلنا به.

قال النووي في تحقيقه: بعد أن لخص المسألة هكذا وبسطها في شرح المهذب (2): وقول ابن القاص (3) أقوى في غير الثامنة والتاسعة والعاشرة.

الوجه الثامن: قال الخطابي: في الحديث حجة لمن أوجب الحد على من وجدت منه رائحة المسكر وإن لم يشاهد يشربه ولا شهد عليه الشهود [واعترف به](4)، قال: وفيه دلالة أيضًا على أنه إذا تيقن النكاح وشك في الطلاق كان على النكاح [المقدم إلَّا إن تيقن](5) الطلاق.

قلت: وهذا فرد من أفراد القاعدة التي أسلفناها [ويتعلق بها ما

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

المجموع (1/ 211)، وأشار إشارة في (1/ 206)، وأيضًا ذكره في شرح مسلم (4/ 50).

(3)

هو ابن العباس ابن القاص بتشديد الصاد المهملة، اسمه أحمد بن أبي أحمد إمام جليل توفي بطرسوس سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة. المجموع (1/ 143).

(4)

في ن ب (ولا اعتراف به).

(5)

في معالم السنن (1/ 129)، (المتقدم إلى أن يتيقن).

ص: 675

رويناه بالإِسناد إلى عبد الرحمن بن مالك بن مغراء قال: جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال: شربت البارحة نبيذًا فلا أدري أطلقت امرأتي أم لا؟ فقال له: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلقتها، قال: فتركه، ثم جاء إلى سفيان الثوري فسأله فقال: اذهب فراجعها فإن كنت طلقت فقد راجعتها وإلَّا فلا تضرك المراجعة، فتركه، وجاء إلى شريك فقال له: اذهب فطلقها ثم راجعها، فتركه، وجاء إلى زفر فسأله، فقال: هل سألت قبلي أحدًا؟ قال: نعم، وقص عليه القصة، فقال في جواب أبي حنيفة: الصواب قال لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قال، ولما بلغ إلى قول شريك ضحك مليًا، ثم قال: لأضربن لهم مثلًا: رجل مرة بشعب يسيل دمًا فشك في ثوبه هل أصابه نجاسة؟ قال أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله فإن كان نجسًا فقد طهرته وإلَّا فقد زدته طهارة، وقال شريك: بُل عليه ثم اغسله] (1).

(1) زيادة من ن ب ج. انظر: وفيات الأعيان (2/ 318).

ص: 676