الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
21/ 2/ 3 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك"(1).
الكلام عليه من خمسة أوجه:
وتقدم أولًا أن هذا اللفظ الذي ذكره المصنف لم يذكر الحميدي في جمعه بين الصحيحين سواء وكذا رواه البخاري هنا، ورواه في كتاب الجمعة بلفظ:"كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه بالسواك".
ورواه مسلم [بلفظ المصنف](2) وبلفظ: "كان إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك". ووقع في بعض نسخ الكتاب "إذا قام من النوم" بدل "من الليل" وكذا وقع في شرح الشيخ تقي الدين (3) لكنه
(1) البخاري (245، 889، 1136)، ومسلم (255) الطهارة، والدارمي (1/ 175)، وأبو داود برقم (55)، وابن ماجه (1/ 152)، ومسند أحمد (5/ 382، 390، 397، 402، 407)، والنسائي (1/ 8)، والدارمي (691).
(2)
زيادة من ن ب ج.
(3)
إحكام الأحكام مع الحاشيه (1/ 284).
قال في كلامه على الحديث: وقوله: "من الليل" ظاهره تعليق الحكم بمجرد القيام، ويحتمل أن يكون المراد: إذا قام من الليل للصلاة، وهذا الكلام منه يقتضي إنما [أراد](1) لفظ الحديث إنما هو "من الليل" بدل "من النوم" لكن لما ذكر هذا الحديث في كتابه الإِمام (2) أورده بلفظ "النوم" بدل "الليل"، وقال: أخرجوه إلَّا الترمذي.
وإنما ذكرت هذا كله لأن ابن العطار قال: إن لفظ الحديث في رواية البخاري ومسلم: "كان إذا استيقظ من النوم" وهو غريب.
[قلت](3): فلم أر هذه اللفظة في واحد منهما ولفظهما كما ذكرته لك.
الوجه الأول من الكلام على الحديث: في التعريف براويه: وهو صحابي ابن صحابي.
واليماني: يكتب بالياء على الأفصح كما قدمت مثله في عبد الله بن عمرو بن العاصي.
وكنية حذيفة: أبو عبد الله.
وقيل: أبو سريحة، وهو معدود في أهل الكوفة.
[واليمان](4) اسمه حُسيل بضم الحاء وفتح السين المهملتين ثم
(1) في ن ب (إن إيراد).
(2)
هكذا هنا، واطلعت عليه في الإِلمام (16). وفي الاهتمام بتلخيص كتاب الإِلمام لم يورد هذه اللفظة (31).
(3)
زيادة من ن ج.
(4)
في ن ب ساقطة.
مثناة تحت ثم لام، تصغير حِسل بكسر الحاء وإسكان السين، ويقال فيه: غير مصغر.
ولقب باليمان؛ لأن جده جروه [أصاب](1) دمًا في قومه فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليماني [لحلفه](2) اليمانية فلقب بلقبه، ويقال في نسبه: عبسي قطعي وهو من حلفاء الأنصار.
وأمه: اسمها الرباب بنت كعب بن عدي بن كلب بن عبد الأشهل.
شهد حذيفة وأخوه صفوان وأبوهما أحدًا وقتل أبوهما يومئذ، قتله بعض المسلمين خطأ وهو [يحسبه](3) من المشركين فتصدق بدم أبيه وديته على المسلمين، يقال: إن الذي قتله عتبة بن مسعود، وأراد هو وأبوه أن يشهدا بدرًا فاستحلفهما المشركون أن لا يشهدا فحلفا ثم سألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم".
وكان حذيفة من [المهاجرين](4)، ومن كبار الصحابة ومشاهيرهم، وهو الذي بعثه ينظر إلى قريش يوم الخندق فجاء بخبر
رحيلهم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله عن المنافقين
(1) في الأصل (أصحاب)، وما أثبت من ن ب ج.
(2)
في ن ب (بحلقه).
(3)
في ن ب (تحسبه).
(4)
في ن ب (المتأخرين).
ويقتدي به في الصلاة عليهم، فمن صلى عليه حذيفة صلى عليه عمر ومن لم يصل عليه لم يصل عليه، وكان معروفًا في الصحابة بصاحب السر لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر إليه ويعلمه بأسماء المنافقين وأعيانهم، وكان أعلم الصحابة بذلك، وفي صحيح مسلم عنه:"لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يكون حتى تقوم الساعة غير أني لم أسأله ما يخرج أهل المدينة منها، وإني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة".
وخيره رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إليه بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة، وكان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر [فيجتبه] (1). وسأله عمر عن الأيام التي بين يدي الساعة: من يعقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا، فقال له عمر رضي الله عنه: هات فلعمري إنك عليها لجريء، ثم ذكر له منها. وسئل حذيفة: أي الفتن أشد؟ قال: أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيهما تركب؟ وقال رضي الله عنه: لا تقوم الساعة حتى يسود كل قبيلة منافقوها.
قال ابن عبد البر: وشهد نهاوند مع النعمان بن مقرّن فلما قتل النعمان أخذ الراية ففتح الله على يديه نهاوند والري والدينور وذلك كله سنة اثنين وعشرين. قال ابن سيرين: وكان عمر رضي الله عنه إذا بعث أميرًا كتب [إليهم](2) ليسمعوا له ويطيعوا، فلما بعث حذيفة ركبوا إليه ليتلقوه فلقوه على بغل تحته أكاف وهو معترض عليه فلم
(1) في ن ب ج (ليجتنبه).
(2)
في الأصل (إليه)، والتصحيح من ن ب.
يعرفوه فأجازوه، فلقيهم الناس فقالوا: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيتم، قال: فركضوا في أثره فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل، [فسلموا عليه](1) فنظر إلى عظيم منهم [فناوله](2) العرق والرغيف فلما غفل ألقاه أو أعطاه خادمه. وكان عمر قد ولاه المدائن فأقام بها إلى أن مات سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، وقيل: سنة خمس وثلاثين.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر ولم يذكر عدتها بقي بن مخلد، وفي الصحيحين له سبعة وثلاثون حديثًا، اتفقا على اثنى عشر، وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بسبعة عشر، روى عنه جماعة من الصحابة منهم أبو الطفيل وعمار بن ياسر وجندب بن عبد الله، وخلق من التابعين، قال ابن حبان: وكان فص خاتمه ياقوتة أسمانجونية فيها [كوكبان](3) متقابلان بينهما مكتوب الحمد لله (4)، قال: كذا قاله
(1) زيادة من ن ب ج.
(2)
في ن ج (فناولوه).
(3)
في ن ج (كركيان)، وكذا في سير أعلام النبلاء (2/ 367)، وفي الأصل (كريكان)، وما أثبت من الثقات لابن حبان (3/ 80).
(4)
هذا ورد في مصنف عبد الرزاق برقم (19470) عن معمر عن قتادة عن أنس أو أبي موسى الأشعري: كان نقش خاتمه كركي له رأسان، والكركي هو الطائر. اهـ. ولعل حذيفة لم يبلغه النهي عن لبس الذهب، وقد ورد النهي عن لبسه للرجال من حديث أبي هريرة وابن عمر وعلي رضي الله عنهم. البخاري (10/ 266، 11/ 266)، ومسلم (2078، 2089، 2091). انظر: سير أعلام النبلاء (2/ 367). وانظر: كتاب الثقات لابن حبان (3/ 80)، ومعى أسمانجوية (أي على لون السماء). =
جرير عن الأعمش عن موسى بن عبد الله الله بن يزيد عن أم سلمة بنت حذيفة.
قلت: وكذا رواه علي بن يونس عن الأعمش أيضًا، أورده البغوي في معجمه، فإن صح [عنه](1) فيحمل على أنه لم يبلغه النهي عن خاتم الذهب إن كان ذهبًا وهو الظاهر.
فائدة: في الرواة حذيفة ابن اليمان اثنان:
أحدهما: هذا.
وثانيهما: واسطي حدَّث عن الشعبي وغيره وعنه شعبة بن الحجاج وغيره.
الوجه الثاني: "كان" هذه دالة على الملازمة والاستمرار.
وقوله: "إذا قام من الليل" ظاهره يقتضي تعليق الحكم بمجرد القيام، ويحتمل كما قال الشيخ تقي الدين (2): إذا قام من الليل للصلاة، فتعود إلى معنى الحديث الأول. ويؤيده رواية الصحيحين التي أسلفناها:"إذا قام ليتهجد" فتفسر هذه تلك، لكن قال ابن منده: قوله "للتهجد" لا يرويه غير حصين وحديث الأعمش ومنصور مشهور وليس في حديثهما هذه الرواية.
قلت: ورواه حصين مرة بدونها، كذا رواه البخاري (3) عنه في
= وانظر: اختلاف الألفاظ في الثقات.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
إحكام الأحكام مع الحاشية (1/ 284).
(3)
البخاري (889).
كتاب الجمعة، ورواه الطبراني (1) من حديث أبي حفص الأبّار عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشوص فاه بالسواك" ولم يذكر القيام من الليل.
الثالث: قوله "من الليل" أي "في الليل""فمن" هنا بمعنى "في" وهو نظير قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (2) أي في يوم الجمعة.
الرابع: قوله: "يشوص" هو -بفتح أوله وضم ثانيه وهو بشين معجمة ثم واو ساكنة ثم صاد مهملة- واختلف في تفسيره على
خمسة أقوال متقاربة:
أحدها: الغسل: وكل شيء غسلته فقد شصته، قاله الهروي [وهو ما في الجامع أيضًا، وجزم به المصنف في الكتاب حيث قال:
يشوص معناه: يغسل، يقال: شاصه يشوصه وماصه يموصه إذا غسله، وتبع في ذلك الهروي] (3) فإنه قال: الشوص والموص بمعنى واحد، وفي الصحاح (4): الشوص: الغسل والتنظيف.
قال ابن سيده: شاص الشيء شوصًا: غسله، وشاص فاه بالسواك شوصًا (5): غسله عن كراع.
(1) المعجم الصغير للطبراني (2/ 98).
(2)
سورة الجمعة: آية 9.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
مختار الصحاح (351)، طبعة الهيئة المصرية.
(5)
في ن ب زيادة (أي).
القول الثانى: أنه التنقية: قاله أبو عبيد (1) والداودي يقول: شصت الشيء إذا نقيته.
الثالث: أنه الدلك: قاله ابن الأنباري.
قال الشيخ (2) تقي الدين: وهو الأقرب، وظاهر كلامه في كتاب الإِمام (3) تصحيحه.
وقال ابن الأعرابي وإبراهيم الحربي (4) والخطابي (5) وآخرون: إنه دلك الأسنان عرضًا أي عرض الأسنان.
وقيل: عرض الفم، والموص قريب منه.
وقيل: بل هو غسل الشيء في بين ورفق.
وقال [المازري](6): قال رجل لأعرابية اغسلي ثوبي، قالت: نعم وأموصه، تريد غسله ثانية برفق (7).
الرابع: أنه الحك: قاله ابن حبيب.
الخامس: أنه بالإِصبع: وأنه يغني عن السواك، حكاه
(1) في غريب الحديث (1/ 158)، طبعة دار الكتب العلمية.
(2)
إحكام الأحكام في الحاشية (1/ 284).
(3)
هكذا هنا، واطلعت عليه في الإِلمام (14).
(4)
غريب الحديث (2/ 362)، وتهذيب اللغة (11/ 385).
(5)
معالم السنن (1/ 41)، وأعلام الحديث (1/ 293).
(6)
في النسخ الماوردي وهو غلط. انظر: المعلم (1/ 354).
(7)
انظر: أعلام الحديث (1/ 293). ذكر هذه الثلاثة ابن حجر في الفتح (1/ 356).
أبو عمر (1)، ويرده قوله في الحديث:"بالسواك".
قال النووى في شرح (2) مسلم: وأظهر هذه الأقوال الثالث، يعني مقالة الخطابي ومن وافقه وما في معناه، ولما ذكر ابن سيده
أنه الغسل، قال وقيل: إنه الإِمرار على الأسنان من [أسفل](3) إلى علو، وهذا يأتي على قول من فسر العرض بعرض الفم، وهو قول ابن دريد، ومته الشَّوْصةُ:[هي](4) ريح ترفع القلب عن موضعه، قال: وقيل: هو أن يطعن به فيها. قال: وقد شاصه شوصًا وشوصانًا، وشاص الشيء شوصًا [إذا](5) دلك، وشاص الشيء: زعزعه.
الخامس: فيه استحباب السواك في حال القيام من النوم، وعلته أن النوم مقتضى لتغير الفم وهو آلة تنظيف الفم فيسن لاقتضائه التغيير، وإذا كان كذلك فلا فرق بين نوم الليل والنهار فتخصيصه بالليل للغلبة أي لكون تغير الفم فيه أكثر، وأبدى الحكيم الترمذي استحباب السواك عند القيام من النوم فإنه قال ما معناه: إن الإِنسان إذا نام ارتفعت معدته وانتفخت وصعد بخارها إلى الفم والأسنان فتنتن وتغلظ. ويروى أن الشيطان ذلك طعامه ويمسح لسانه عليه
(1) انظر: التمهيد (11/ 211)، والاستذكار (3/ 272).
(2)
(1/ 538) طبعة الشعب.
(3)
في الأصل (سفل)، وما أثبت من ن ب.
(4)
زيادة من ن ج. ذكره في المفهم (2/ 597)، وأيضًا في الفتح (1/ 356).
(5)
زيادة من ن ب.
ويرمي [به](1).
قال: واحرص على الاستياك أول النهار ووسطه إن كنت تتوضأ.
فعن عائشة [رضي الله عنها](2) مرفوعًا: "من استاك أول النهار وآخره كان مع المقربين في الفردوس"، قال: ولا يستاك بين ذلك إلَّا من علة أو حاجة، وقيل: من فعل ذلك عقم وذهب ماء وجهه [وحيائه](3)، يروى ذلك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: وإذا قمت من الليل فاستك شديدًا، كذلك السنة فيه؛ لأنه عليه السلام (4):"كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك"[والشوص](5): ما يوجع فمه منه. قال: واجعله أول النهار ووسطه أخف من الأول وآخره أخف من وسطه، كذلك السنة (6).
(1) في ن ب زيادة (عليه).
(2)
في الأصل ساقطة.
(3)
في ن ب (وحياته)، ما قبل هذا وما بعده ليس عليه دليل.
(4)
في ن ب عليه الصلاة والسلام.
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
يحتاج هذا إلى دليل من الكتاب أو السنة، فإن من هديه صلى الله عليه وسلم الاستياك عند إرادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة الفجر وهي أول صلاة النهار وصلاة العشاء وهي آخر صلاة اليل، وأيضًا لم يرد الأمر بالتخفيف بالسواك عند القام للتهجد في صلاة الليل.