الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث كانت الدولة معتدلة الأحكام سديدة الترتيب. ولما اختل نظام الدولة أوائل القرن الرابع لاستبداد الملوك وتوالي الفتن وامتد هذا الخلل لإفريقية، وزاد الطين بلة والمريض علة بما ظهر من المناقشات الدينية بين البربر ومسيح الرومان، حتى آل الأمر إلى الانقسام إلى ملوك كثيرة وفتن وحروب بين البربر وغيرهم ودام هذا الحال أعواماً كثيرة وآماداً طوالاً، فاضمحلت بسبب ذلك دولة الرومان سنة 438 هـ بعد المسيح وانتهى سلطانها على إفريقية وغيرها وتركت آثاراً خالدة أخذ منها الأوروباويون معارف كثيرة.
الطور الثالث:
استيلاء الوندال - وهو اسم قبيلة من القبائل الجرمانية - على إفريقية سنة 438 هـ ودامت سلطنته 94 عاماً.
الطور الرابع:
استيلاء الروم البيزنطيين على إفريقية إلى أن ظهر الإِسلام وفتحها على نحو ما مرَّ شرحه وكان الوندال والروم أهل ترف وملاذ في المساكن والملبس مع تكلف وتبذير.
فصل
اعلم أن المؤرخين والنسّابين اختلفوا في نسب البربر اختلافاً كثيراً، وفي الاستقصى بعد ذكر أقوال في ذلك: وأشبه الأقوال بالصحة أن بني حام تنازعوا مع بني سام فانهزم بنو حام أمامهم إلى المغرب وتناسلوا به واتصلت شعوبهم من أرض مصر إلى آخر المغرب إلى تخوم السودان. وكان بسواحل المغرب الأفارقة والإفرنج فكانت ذرية حام في المداشر والخيام والأعاجم الأول في البلدان، وبقي أكثر أولاد حام في بلاد فلسطين من أرض الشام إلى زمن داود عليه السلام وكان ملكهم يسمى جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء. أمر بإجلائهم عن بلاد كنعان وفلسطين إلى أرض المغرب فساروا نحو إفريقية وانتشروا هناك حتى ضاقت بهم البلاد وامتلأت منهم الجبال والكهوف والرمال وصاروا يتبعون مواقع القطر بالإبل وبيوت الشعر ولم تقدر الإفرنج على ردهم ودفاعهم فانحازت الأعاجم في المدن وبقي البربر فيما عداها وهم مع ذلك على أديان مختلفة يدين كل واحد منهم بما شاء من الأديان فمنهم مَن تمجس ومنهم مَن تهؤد ومنهم مَن تنصّر، واستمر الحال على ذلك إلى زمن الإِسلام وكان فيهم رؤساء وملوك وكهان، ولهم حروب وملاحم
عظام مع مَن قارعهم من الأمم. فالبربر جيل معروف من أعظم الأجيال وأعزها ولهم الفخر الذي لا يجهل، والذكر الذي لا يهمل. وقد تعددت فيهم الدول، وكثر فيهم الملوك العظام، وكان لهم القدم الراسخ في الإِسلام، واليد البيضاء في الجهاد، ومنهم الأئمة والعلماء والأولياء والشعراء والأمراء، وأهل المزايا والفضائل. والبربر شعبان عظيمان بحيث لا يخرج بربري عنهما. قال ابن خلدون: علماء النسب متفقون على أن البربر يجمعهم جدان عظيمان وهما برنس ومدغيس ويلقب بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانيس، وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد أو لا؟ فعند ابن حزم هما لأب واحد والجميع من نسل كنعان بن حام، وقال سابق بن سليمان المطماطي وغيره من نساب البربر: إن البرانس فقط من نسل كنعان وأما البتر فهم من بني جرس بن قيس بن غيلان بن مضر وهذا القول مقول فيه. والحق أن الشعبين معاً عريقان في البربرية وأن الجميع من ولد مازيغ من ولد كنعان بن حام، فأما البرانس فتنقسم إلى سبعة قبائل: أروبة وصنهاجة وكتّامة ومصمودة وعجيسة وأوريغة وأرداجة ويقال ورداجة بالواو بدل الهمزة، وزاد سابق المطماطي وغيره ثلاثة قبائل وهم: لمطة وهسكورة وجزولة فتكون عشراً. فأما أروبة فكان منها كسيلة الأروبي قاتل عقبة رضي الله عنه الذي مرّ ذكره ومنهم إسحاق بن محمَّد بن عبد الحميد الأروبي القائم بدعوة إدريس بن عبد الله. وأما صُنهاجة فهم أكبر قبائل البربر حتى زعم كثير من الناس أنهم مقدار الثلث فهم بنو زيري بن مناد ملوك إفريقية الآتي ذكرهم، والملثمون ملوك مراكش والأندلس. وأما كتامة فهم القائمون بدعوة العبيديين بإفريقية ومصر. وأما المصامدة فمنهم عمارة وكان منهم بليان النصراني صاحب سبتة وطنجة أيام دخول عقبة المذكور إلى المغرب الأقصى وهم القائمون برغواطة أهل تامسنا وما اتصل بها ومنهم أهل جبل درن وهم القائمون بدعوة محمَّد بن تومرت مؤسس دولة الموحدين. وأما باقي قبائل البربر فلم يكن لهم ملك يذكر والنسابون من العرب يقولون إن صنهاجة وكتامة من حمير وأن أفريقش الحميري تركهم حامية بإفريقية فتناسلوا بها واستحال لسانهم إلى البربري لكن المحققون من نساب البربر كسابق المطماطي وغيره ينكرون ذلك ويجزمون بأنهما قبيلتان عريقتان في البربرية. وأما البتر وهم بنو مادغيس فينقسمون لأربعة قبائل وهم: خريسة ونفوسة وأداسة وبنو لوي وهم لواتة، فأما خريسة فمنهم مكناسة ومن مكناسة بنو مدرار ملوك سجلماسة وبنو أبي العافية ملوك فاس ومن خريسة زناتة كلها ومن زناتة جراوة قوم الكاهنة دهيا صاحبة جبل أوراس التي أوقعت بحسان بن النعمان عامل الخليفة عبد الملك بن
مروان ومن زناتة أيضاً بنو خرز المغراوي ملوك تلمسان والمغرب الأوسط ومنهم مغراوة ملوك فاس وبنو يفرن ملوك سلا وتادلا ومنهم بنو زيان ملوك تلمسان وبنو مرين ملوك فاس فهؤلاء كلهم من زناتة وزناتة هو زان ابن يحيى بن ضري بن جيك بن مادغيس الأبتر. أما نفوسة وأداسة ولواتة فلم يكن لهم ملك يذكر وهاته القبائل الأربعة عشر تشتمل على عمائر وبطون وأفحاذ وفصائل لا حصر لها. وقال ابن خلدون: كان للبربر في الضواحي وراء ملك الأمصار المرهوبة الحامية ما شاء الله من قوة وعدة وعدد وملوك ورؤساء وأقيال وأمراء لا يرامون بذل ولا تنالهم الروم والفرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة ولا إساءة، ثم قال: وكانوا يؤدون الجباية لهرقل ملك الروم كما كان المقوقس صاحب مصر والإسكندرية وبرقة يؤدي الجباية له وكما كان صاحب طرابلس ولبدة وصبرة وصاحب صقلية وصاحب الأندلس من القوط يؤدون الجباية له حين كان الروم قد غلبوا على هذه الأمم أجمع وعنهم أخذوا دين النصرانية اهـ استقصى.