الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمته، تجد ذلك في مأكله وملبسه ومشربه، ثم عرفوا منه أنه للعامة قبل الخاصة يكل هؤلاء إلى ما لهم من الحول والحيلة في الحياة الدنيا ويقبل على عامة الناس وضعفتهم فيقويهم ويسودهم وينظر في صغار أمورهم وكبارها، لا يبالي بما يصيبه من تعب الجسم فيما هو بسببه، لذلك كانت قوة الأمة معه، وعرفوا منه أيضاً خلالاً أدّبه فيها القرآن وهي: الحق والعدل والصدق والصبر على البأساء والضراء والوفاء بالعهد وهي صفات تحلّى بها عمر رضي الله عنه فأتعب من بعده، وكان من أخص صفاته الجد المصحوب بالحزم مع التأني في الأمور والاستشارة في جليلها وصغيرها، لهذا من تتبع سيرته لا يراه فشل في أمر من الأمور، من ذلك الفتح العظيم الذي كان على عهده الذي توفق إليه صاحبه من أول عهده بالخلافة إلى وفاته. وسبب هذا التوفيق هو الجد والحزم وعدم التردد في الأمر وتمحيص الأشياء، شأن كل رجل عظيم يريد ما يقول وينال ما يريد، ولو بحثنا في التواريخ القديمة والحديثة لوجدنا في كل أمة رجلاً أو رجالاً من رجال السياسة والحرب تفتخر بهم لكن ليس من هؤلاء الرجال من اجتمعت فيهم الخصال السامية والأخلاق الحميدة التي اجتمعت في عمر رضي الله عنه.
نعم إن من مشهوري الرجال رجالاً أسسوا ملكاً عظيماً أوسع من ملك عمر وافتتحوا من الممالك ما لم يفتحه ونالوا من السيادة على الشعوب الكثير فوق ما نال، لكن هل كان منهم مَن كان كعمر جباراً غير ظالم كريماً غير مسرف عادلاً لا عن ضعف شجاعاً غير متهور قنوعاً غير شره زاهداً بغير تصنع حليماً من غير جبن تقياً غير متنطع؟ كلا لا سيما إذا نشأ بين قوم كقومه حالهم من البداوة معروف. والحاصل أن التاريخ حكم عدل وقد جاء تاريخ عمر حافلاً بالخصال الحميدة والأمور الجسام التي جعلته سابقاً على كل من أتى بعده وجعلت كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعرون بأن الإِسلام فقد بفقده أثبت أركانه.
وفاته رضي الله عنه
استشهد رضي الله عنه من طعنة بخنجر من أبي لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وقت صلاة الغداة روى المؤرخون أنه شكا إلى عمر ارتفاع الخراج الذي ضربه عليه مولاه المغيرة ورجاه في تخفيفه واختلف المؤرخون في جواب عمر رضي الله عنه فقال بعضهم إنه وعده خيراً وعزم أن يذاكر المغيرة في تخفيف الخراج عنه. وهناك روايات أخرى تختلف في جوهرها عن هذه، ويؤخذ من أقوال المؤرخين أن قتل عمر لم يكن نتيجة حقد الغلام عليه وعدم تخفيف الخراج عليه ولكنه كان نتيجة
مؤامرة سياسية كان أكبر العاملين فيها الهرمزان وجفينة وكعب الأحبار الذين حقدوا على عمر تدويخه لبلادهم مما هو مفصل في التاريخ وقد اصطنعوا أبا لؤلؤة لتنفيذ غرضهم.
في العقد الفريد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخلت على عمر في أيام طعنته وهو مضطجع على وسادة من أدم وعنده جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رجل: ليس عليك بأس، قال: لئن لم يكن على اليوم ليكونن بعد اليوم، وإن للحياة نصيباً من القلب وإن للموت لكربة وقد كنت أحب أن أنجي نفسي وأنجو منكم وما كنت من أمركم إلا كالغريق يرى الحياة فيرجوها ويخشى أن يموت دونها فهو يركض بيديه ورجليه وأشد من الغريق الذي يرى الجنة والنار وهو مشغول ولقد تركت زهرتكم كما هي ما لبستها فأخلقتها وثمرتكم يانعة في أكمامها ما أكلتها وما جنيت ما جنيت إلا لكم وما تركت ورائي درهماً ما عدا ثلاثين أو أربعين درهماً ثم بكى وبكى الناس معه فقلت: أمير المؤمنين أبشر فوالله لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض ومات أبو بكر وهو عنك راض وإن المسلمين راضون عنك، قال رضي الله عنه: المغرور والله مَن غررتموه أما والله لو أن لي ما بين المشرق والمغرب لافتديت به من هول المطمع.
وفيه عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما طعن عمر قيل له: أمير المؤمنين لو استخلف قال إن تركتكم فقد ترككم من هو خير مني وان استخلفت فقد استخلف عليكم من هو خير مني ولو كان أبو عبيدة بن الجراح حياً لاستخلفته فإن سألني ربي أقلت سمعت نبيك يقول إنه أمين هذه الأمة ولو كان سالم مولى حذيفة حياً لاستخلفته فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك يقول إن سالماً يحب الله حباً لو لم يخفه ما عصاه قيل له لو أنك عهدت إلى عبد الله فإنه أهل في دينه وفضله وقديم إسلامه قال: فحسب آل الخطاب أن يحاسب منهم رجل واحد عن أمة محمد ولوددت أني نجوت من هذا الأمر كفافاً لا لي ولا علي ثم قالوا: يا أمير المؤمنين لو عهدت فقال: كنت أجمعت بعد مقالتي لكم أن أولي رجلاً أمركم أرجو أن يحملكم على الحق وأشار إلى علي بن أبي طالب ثم رأيت أن لا أتحملها حياً ولا ميتاً فعليكم بهؤلاء الرهط الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أهل الجنة وذكر السبعة واستثنى من الشورى سعيد بن زيد وقال عن الستة فليختاروا منهم رجلاً فإذا ولوكم والياً فأحسنوا مؤازرته - أي معاونته -.