الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمَّد الزواغي وأبو البركات بن عصفور وأبو عبد الله البنوتي وتداول خطط القضاء والفتيا جماعة منهم أبو عبد الله الرصاع وأبو عبد الله القلشاني وأبو عبد الله الزنديوي وابنه أبو الحسن وغيرهم من فرائد تاج تونس وزينة جمالها المونس ثم في أوائل المائة العاشرة كانت دولة السلطان أبي عبد الله محمَّد بن الحسن الحفصي وهو الذي بني المقصورة المعروفة بالعبدلية وملأها بالخزائن وملأ الخزائن كتباً وجعل عليها نظاراً وجعل النظر في ذلك لإمام الجامع وهو يومئذ أبو البركات بن عصفور وتوفي هذا السلطان وتولى بعده ابنه الحسن وفي أيامه دخل خير الدين تونس ثم خرج منها في خبر طويل الذيل وكان من رجال الدنيا والآخرة وفي أخباره تأليف مستقل، ثم انقطع الخبر وعمي الأثر وطوي بساط أخبار العلماء والفضلاء لما دهم إفريقية عموماً والحاضرة خصوصاً أواسط المائة العاشرة من الفتن والإحن فتقلص ظل الدولة الحفصية عنها وبلوغها غاية الهرم حتى تجاسر عليها الثوار من كل جانب وامتدت يد الطاغية الإسباني ولا زالت في ارتباك الأحوال ومكابدة المصائب والأهوال وخرج منها في ذلك الكثير من العلماء والفضلاء إلى المشرق والمغرب منهم أبو عبد الله ماغوش المذكور بهاته الطبقة هاجر إلى المشرق وأبو الفضل خروف الآتي اسمه في الطبقة الآتية هجر إلى فاس وفي نزهة الحادي نقلاً عن المنجور في فهرسته أن أبا الطيب الظريف التونسي كان واعظاً بجامع الزيتونة رحل لفاس بعد أخذ تونس فخاطبه قاضي الجماعة بفاس أبو الحسن علي بن هارون بمنظومة منها:
جادك الغيث إذا الغيث انهمرْ
…
حضرةَ الأنس البديع المؤنسِ
لم يكن إلا كلمح بالبصر
…
أو بريق لاح لي من تونس
فأجابه أبو الطيب بأبيات منها:
أيها الشيخ الفقيه المعتبر
…
سيد القطر وصدر المجلس
قد تفضلتم بنظم كالدرر
…
حل من قلبي محل النفس
تنبيه:
من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأمراء أبو الحسن الزنديوي وأبو عبد الله ماغوش.
الطبقة العشرون
قد ذكرنا فيما تقدم البعض من أخبار الحسن الحفصي، ولنرجع لذكر بقيتها والاستيلاء العثماني باختصار فنقول: إن الحسن لما ذهب لإسبانيا مستعيناً بطاغيتها
على فتح القيروان وخاب سعيه اغتنم ابنه أبو العباس فرصة مغيب والده وقدم من بونة وهو يومئذ عامل عليها إلى تونس ودخل قصبتها على حين غفلة ولما اتصل الناس بخبره بايعوه وسار سيرة حسنة ولما بلغ والده خبره عظم عليه ذلك وبذل مالاً جسيماً للطاغية فوجه معه أسطولاً لنصره ونزل بحلق الوادي ووقع القتال بين المسلمين والنصارى وكانت الدائرة على عسكر الطاغية وأما الحسن فمر بجزيرة شكى فأدركه أبو الهول أحد رؤساء الأعراب وأخذه وأتى به إلى ابنه فاعتقله ثم أذهب بصره ثم فر وهو على تلك الحالة إلى القيروان ومات هناك واستقل ابنه أبو العباس وظهرت كفاءته لولا هرم الدولة ثم قدم للحاضرة علي باشا صاحب الجزائر واستولى عليها وأخذ البيعة للسلطان سليم ورتب حراستها، وأما أبو العباس فإنه فر بما خف من أهله وذخائره إلى حلق الوادي وذلك سنة 977 هـ ولبثوا على ذلك ثلاث حجج فالعرب مالكة للضاحية والنصارى للثغور ثم جاء أسطول عظيم من قبل الطاغية بسعي من أبي العباس المذكور ولما وصل أطلعه قائده على كتاب من موجهه ومضمونه يعينه على طلبه بشرط المقاسمة في الحكم والجباية فأنكر ذلك وأنف منه وانتقل إلى بلومو من صقلية وبها توفي ثم حمل إلى مدفنه بزاوية الشيخ الجليزي بالحاضرة. والشرط المذكور قبله أخوه محمَّد وآل الأمر بعد ذلك إلى دخوله الحاضرة مع العدو وقاسمه الملك مقاسمة الغالب مع المغلوب واشتد الخطب بما آل بالمصائب العظيمة والنوائب الجسيمة على العباد والبلاد من هتك الأستار والعبث بالفساد حتى خرج أهل تونس إلى الجبال والغابات والبوادي ونالهم من الجوع والعطش ما هو مبسوط في كتب التاريخ تقشعر منه الجلود وعاثت عساكر الإسبان في الأرض وربطوا خيولهم بجامع الزيتونة واستباحوا ما به وبالمدراس من الكتب العلمية وألقوها في الطرقات يدوسها العسكر بخيولهم وهذا هو السبب في قلة وجود تآليف الفحول من هذا القطر فإنها ذهبت شذر مذر وفي هاته الواقعة نبشوا قبر ولي الله أبي محفوظ محرز بن خلف وستر الله جسده الكريم فلم يجدوا به إلا التراب إلى غير ذلك مما ينبو عنه السماع ويبكي العيون دماً ويذيب القلوب ألماً وفعلوا مثل ذلك بالمدائن المهدية والمنستير وغيرهما من المحارس والقصور تخريباً وقتلاً وأسراً ومات نحو الثمانين ألفاً وأسر مثلها الطاغية المذكور ثم تداركها الله بالتفات السلطنة العثمانية فأنقذتها من مخالب هذا الطاغية في جمادى الأولى سنة 981 هـ وهذا الفتح من أهم الفتوحات الإِسلامية والمآثر الخالدة في إفريقية لهاته الدولة السنية خلد الله ذكرها وأيد ملكها وفخرها وكان هذا الفتح على يد وزيرها الشائع الصيت المعروف بالفضل والنجدة والشجاعة والثبات والرأي الصائب والفكر
الثاقب سنان باشا بعد قتال استشهد فيه الكثير من الأبطال وأمراء الأجناد وكانت الدائرة على الأعداء والبغاة وظفر هذا الوزير بمحمد الحفصي المذكور واعتقله إلى أن هلك في اعتقاله وانقرضت بانقراضه هاته الدولة، والله سبحانه وتعالى الفعال لما يريد لا راد لأحكامه وأفعاله فكان ابتداؤها سنة 603 هـ وانقراضها سنة 981 هـ وسبحان الباقي الذي لا يحول ولا يزول. والسبب في ذلك هو ما أشرن إليه فيما سلف، وهو أنه لما فسدت طباعهم واختل حالهم وامتلأ صاعهم وكانت دولتهم على حالة الهرم واستغاثوا بأعداء الدين فكان مآلهم سلب النعم وإحاطة النقم. فانظر واعتبر لحال هاته الدولة على ضعف ساحة أرضها، وقلة أنهارها وأشجارها كيف ابتداء أمرها واتساع مجال ملكها وأملها من أملها من أهل المشرق والمغرب ومدوا إليا يد البيعة ودانوا لها بالطاعة، واعتصموا بالانتساب إلى سلطانها، وأتته بيعة الأشراف من بيت الله تعالى وحرمه الآن ومهبط الوحي حيث كانت أقرب إلى خلال الخير وأثل ملوكها في الحاضرة المصانع الواسعة والأبنية النافعة كالزوايا في الطرق لأبناء السبيل والتكايا والمساجد والمدارس والمكاتب لقراءة القرآن العظيم ورتبوا الكتب العلمية في أماكن محفوظة على قانون خاص إعانة لأهل العلم وطلابه والمستشفيات، إلى غير ذلك مما بقي أثره ولم ينسَ خبره. وفي أيامهم نفق سوق العلم وظهر من الراسخين فيه من هذا القطر أعلام مصنفاتهم تشهد لهم بذلك. وكان من الحضارة بتونس ما اقتضاه طبع العمران والثروة وحال البلاد بما لا ينافي سذاجة الدين فتوالت الوفود على سكنى هاته الحاضرة من سائر الجهات على اختلاف الملل والنحل والأصناف يجذبهم مغنطيس العدل فزادوا في أسباب العمران من البناء والغراسة وغير ذلك. وانظر واعتبر كيف كانت عاقبة أمرها وانقلاب أحوالها بعد تلك القوة وعزة السلطان وعلو الكعب من انتقاض الجهات وكثرة الثوار واستطالة أيدي الأعراب في البلاد بالنهب والبغي والفساد حتى استعان آخر ملوكهم بالعدو الأجنبي وآل أمره كالمسجون في حجرة لا يملك إلا موضع قدميه ثم إلى سجنه وموته تحت أقفاله عقاباً له وزجراً لأمثاله الناسجين على منواله وما قررناه في حق ملوك هاته الدولة وعلمائها هو ملخص ما أسلفناه.
واعلم أن ملوك بني أبي حفص كانوا يجلون العلماء، ومجالسهم بهم عامرة وموائدهم مزدانة بهم باهرة وفي ذلك مصلحة لهم عظيمة ومنزلة رفيعة فخيمة إذ بوجودهم والالتفات إليهم وتعظيمهم تنشر راية العلم وتحفظ الشريعة المطهرة واللغة العربية الفصيحة. وكان غالبهم محافظاً على الشرع العزيز ممتثلاً لأوامره. وكان بتونس أربعة قضاة قاضي الجماعة هو المعبر عنه في الشرق بقاضي القضاة وكان بها