الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الثانية طبقة الصحابة رضي الله عنهم
في البخاري باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه قال الحافظ ابن حجر العسقلاني قوله أصحاب أي بطريق الإجمال ثم التفصيل أما الإجمال فيشمل جميعهم وأما التفصيل فلمن ورد فيه شيء بخصوصه وقوله أو رآه هو الراجح اهـ وقال الأبي في شرح صحيح مسلم: الصحابة كلهم عدول لظاهر الكتاب والسنة وإجماع مَن يقتدي بإجماعه. القرطبي لم يختلف السلف في أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر. أبو منصور البغدادي أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة على ترتيبهم في الخلافة ثم تمام العشرة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم بيعة الرضوان ومعنى التفضيل كثرة الثواب ورفع الدرجة وذلك لا يدرك بالقياس وإنما يدرك بالنقل اهـ باختصار ولشدة اعتناء الله تعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم وخصوصيته إليه وصف أتباعه في كتابه العزيز فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وفي البخاري عن أبي سعيد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" قال البيضاوي: ومعنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهباً من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه اهـ.
واعلم أن فضل الصحابة لا مطمع فيه لمن جاء بعدهم لأنهم حازوا قصبة
السبق بصحبته صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر الهيتمي في شرح الهمزية أفضلية الصحابة لا يعادلها عمل انظره عند قوله:
ليته خصني برؤية وجهٍ
…
زال عن كل من رآه الشقاء
وفي الاعتصام أن أصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا مقتدين به مهتدين بهديه وقد جاء مدحهم في القرآن العظيم وأثنى على متبوعهم صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن العظيم فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4] القرآن إنما هو المتبوع في الحقيقة وجاءت السنة مبينة له فالمتبع للسنة متبع للقرآن، والصحابة كانوا أولى الناس بذلك فكل من اقتدى بهم فهو من الفرقة الناجية الداخلة للجنة بفضل الله وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام:"ما أنا عليه وأصحابي" فالكتاب والسنة هو الطريق المستقيم وما سواهما من الإجماع وغيره فناشىء عنهما هذا هو الوصف الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو معنى ما جاء في الرواية الأخرى من قوله "وهي الجماعة" لأن الجماعة في وقت الأخبار كانوا على ذلك الوصف إلا أن في لفظ الجماعة معنى ستراه بعد إن شاء الله. وفي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومَن شذّ شذّ إلى النار" وأخرج أبو داود عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإِسلام من عنقه" وعن عرجفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في أمتي هنات وهنات، فمَن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جمع فاضربوه بالسيف كائناً من كان" واختلف الناس في معنى الجماعة المرادة في هذه الأحاديث على خمسة أقوال:
الأول: إنها السواد الأعظم من أهل الإِسلام وهو الذي يدل عليه كلام أبي غالب أن السواد الأعظم هم الناجون من الفرق بما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق ومن خالفهم مات موتة جاهلية سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في
إمامهم وسلطانهم فهو مخالف للحق قال بهذا أبو مسعود الأنصاري وابن مسعود فروي أنه لما قتل عثمان سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة فقال: عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم على ضلالة واصبر حتى تستريح أو يستراح من جائر، وقال: وإياك والفرقة فإن الفرقة هي الضلالة. وقال ابن مسعود: عليكم بالسمع والطاعة فإنها الحبل الذي أمر به ثم قبض يده وقال: إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذين تحبون في الفرقة. وعن الحسين قيل له: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي والذي لا إله إلا هو مما كان ليجمع أمة صلى الله عليه وسلم ضلالة. فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها ومَن سواهم داخلون في حكمهم لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم فكل مَن خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة لم يدخلوا في سوادهم بحال.
الثاني: إنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين فمن خرج عما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية لأن جماعة الله العلماء جعلهم الله حجة على العالمين وهم المعنيون بقوله صلى الله عليه وسلم: "لن تجتمع أمتي على ضلالة" وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع في النوازل وهي تبع لها فمعنى قوله "لن تجتمع أمتي" لن يجمع علماء أمتي على ضلالة وممن قال بهذا عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وجماعة ممن سلف وهو رأي الأصوليين، قيل لعبد الله بن المبارك: مَن الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم؟ فقال: أبو بكر وعمر، ولم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمَّد بن ثابت الحسين بن واقد فقيل: هؤلاء ماتوا فمن الأحياء؟ فقال: حمزة العسكري، فعلى هذا القول لا مدخل في النوازل بل في السؤال عمن ليس بعالم مجتهد لأنه داخل في أهل التقليد فمَن عمل منهم بما يخالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية ولا يدخل أيضاً أحد من المبتدعين لأن العالم لا يبتدع وإنما يبتدع مَن ادعى لنفسه العلم وليس كذلك ولأن البدعة قد أخرجته عن نمط من يعتمد بأقواله وهذ بناء على القول بأن المبتدع لا يقتدى به في الإجماع وإن قال بالاقتداء به ففي غير المسألة التي ابتدع لأنهم في نفس البدعة مخالفون للإجماع فعلى كل تقدير لا يدخلون في السواد الأعظم رأساً.
الثالث: إن الجماعة هي الصحابة على الخصوص فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلاً وقد يمكن فيمن سواهم. ألم تر قوله عليه السلام: "ولا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله" وقوله. "ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس" فقد أخبر عليه السلام أن من الأزمان زماناً يجتمعون فيه على ضلالة وكفر قالوا: وممن قال بهذا عمر بن عبد العزيز فروى ابن وهب عن مالك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: سنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً لأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها من اهتدى بها مهتد ومن انتصر بها منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً. قال مالك: فأعجبني عزم عمر. فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه السلام: "ما أنا عليه وأصحابي" فكأنه راجع لما قالوه وما سنوه وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق وبشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خصوصاً في قوله: "فعلكيم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" وأشباهه أو لأنهم المتلقون لكلام النبوة المهتدون للشريعة الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال بخلاف غيرهم فإذا كل ما سنوه فهو سنة من غير نظر فيه بخلاف غيرهم فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالاً للنظر رداً وقبولاً فأهل البدع إذاً غير داخلين في الجماعة قطعاً على هذا القول.
الرابع: إن الجماعة هي جماعة الإِسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه السلام أن لا يجمعهم على ضلالة فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه. قال الشافعي: الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ولا عن سنّة ولا قياس وإنما تكون الغفلة في الفرقة وهذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضاً ما يقتضيه أو يرجع للقول الأول وهو الأظهر وفيه من المعنى ما في الأول من أنه لا بد