الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في مأمن من رأفته بهم ولينه عليهم إذ صاح بهم صائح الفتنة فاستوقفهم عن سيرهم ثم قذف بهم في لج من التخاصم ما بلغوا ساحله إلا وهم أحزاب متفرقة وشيع متباينة. فكان عصر عثمان بهذا عصراً جمع بين الأضداد من الرخاء والشدة والراحة والتعب والغنى وضده والقوة والضعف ومنها بدأت سلسلة الأحزاب السياسية والدينية والجمعيات السرية والجهرية وإليه ينتهي تاريخ الانقلاب العظيم الذي طرأ على الدول الإسلامية وحول مجرى السياسة عن وجهتها الأصلية. إن الدول إذا قامت في أول نشأتها بقوة الحياة الملية والتناصر القومي ونشأت على أساس الوحدة في الاعتقاد والفكر بين أصناف الأمة وأخذت على نفسها إنصاف المغلوبين لها الخاضعين لسلطانها من الشعوب الأخرى قلّ أن تتعرض لخطر الضعف والانحلال العاجل بما يعرض لها من الفتن أو يظهر فيها من الأحزاب والشيع لهذا فإن اضطراب الدولة وتفرق أغراض الأمة في عهد عثمان لم يؤثر على مركز الدولة في أرجاء ممالكها القاصية والدانية ولم يقلل من سطوة الخلافة بين الدول المتاخمة والأمم المغلوبة بل كأن الأمم استشعرت من تلك الضوضاء القائمة أنها نتيجة حياة قومية ونشاط عظيم يراد بها تمحيص الحق وتدعيم أمر الخلافة فلبثت على الحياد تنتظر غاية الأمر ولا تمد إلى الدولة يد الغدر حتى انجلت الفتنة عن قتل عثمان وقيام علي والأحزاب الأخرى ثم مصير الخلافة إلى بني أمية ولولا ما حبب إلى الناس من خلافة الراشدين وما بهرهم من قوة أولئك الفاتحين لربما كانت اشتعلت المملكة يومئذ ناراً واستفز الطيش الأشرار، لكن الملك الذي ينهض بالعدل، والدولة التي تقوم على الأساس الذي ذكرنا لا يزعزعها تفرق المالكين إلى أحزاب وشيع ولا يطمع في جانبها الطامعون.
فضائل علي القرشي الهاشمي رضي الله عنه
-
هو الخليفة الرابع أمير المؤمنين سيدنا أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً أصغر أولاد أبي طالب الثلاثة جعفر وعقيل وطالب. ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وأسلم وهو ابن عشر سنين على الراجح واتفق الجمهور على أنه أول مَن أسلم من الصبيان لحديث "أولكم وارداً على الحوض أولكم إسلاماً علي بن
أبي طالب" وعن علي قال: "عبدت الله تعالى قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة بخمس سنين" وعنه "ما كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره غيري خديجة".
بويع بالخلافة في اليوم الذي قتل فيه عثمان واجتمع على بيعته أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار وتزاحم الناس عليه وتخلف عن بيعته معاوية في أهل الشام والتحمت بينهما حروب لم يسمع بمثلها في الإسلام ولم يزل له فيها الظهور على الفئة الباغية إلى أن وقع التحكيم وخدع فيه وحينئذ خرجت الخوارج فكفروه وكفروا من معه وقالوا: حكمت الرجال في دين الله والله يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} ثم اجتمعوا وشقوا عصى المسلمين ونصبوا راية الخلاف فسفكوا الدماء فخرج إليهم بمن معه وطلبهم إلى الرجوع فأبوا إلا القتال فقاتلهم بالنهروان واستأصل جميعهم ولم ينج منهم إلا اليسير فانتدب إليه رجل من بقية الخوارج يقال له عبد الرحمن بن ملجم فدخل عليه فقتله في التاسع عشر من رمضان سنة أربعين وقصة استشهاده مشهورة فهو رضي الله عنه أحد العشرة المبشَّرين بالجنة وأحد ستة الشورى وأحد العلماء الربانيين والشجعان والزهاد والخطباء والشعراء، ومناقبه وما أوتيه من الاجتهاد والفهم معلوم. وكان صاحب شورى عمر في أقضيته وكذلك كان مع أبي بكر وعثمان وكان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن وفي البخاري أحاديث سبعة في فضائله منها حديث عمر "علىّ أقضانا" ومنها حديث قتاله البغاة "تقتل عماراً الفئة الباغية" وكان عمار مع علي ومنها حديث قتاله الخوارج وهذان الحديثان من علامات النبوة. قال الحافظ ابن حجر بعد نقله ما ذكر وأوعب من جمع مناقبه من الأحاديث الجياد النسائي في كتاب الخصائص وأما حديث "من كنت مولاه فعلي مولاه" فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً وقد روينا عن الإمام أحمد قال: ما بلغنا عن أحد من الصحابة ما بلغنا عن علي. ويروى من فضائله قوله عليه الصلاة والسلام: "أنا مدينة العلم وعلي بابها" قال مسروق: شافهت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستة علي وعبد الله بن