الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له: أنصحك أن من قتل عالماً آيس من الحياة وفعل بغيره مثل ذلك وقد نزع الله من قلبه الرحمة يؤتى إليه بالرجل فيقوم إليه بنفسه ويجذبه ويقطع أعضاءه ويشق بطنه ويدخل يده لإخراج أمعائه وكبده وكان له سيف يسمى البالة فلا يكاد يخليه يوماً من إراقة دم وإذا لم يقتل أحدًا يقول إن البلة جاعت فيقتل من يعرض له، وله حروب مع الجزائريين كانت الدائرة فيها عليه "وعلى الباغي تدور الدوائر" ولم يستقم له حال إلى أن أفتك به إبراهيم الشريف بمواطأة من أمراء الجند وذلك في محرم سنة 1113 هـ وأرسل من قتل بقية آل مراد وكانت مدته ثلاثة أعوام وأربعة أشهر وانقرضت بانقراضه دولة آل مراد وكانت مدتها ألف شهر.
تنبيه:
اعلم أن الخلق عيال الله ومتى استعمل على الرعية الأراذل والسفهاء وأهل البطالة والإعلان بالشهوات كان ذلك داعياً إلى فساد نياتهم وضعف ديانتهم وانهماكهم في شهواتهم. في سراج الملوك: أقوى الأسباب في إصلاحهم أن يستعمل عليهم الخاصة منهم وذوي الأحكام الراجحة والمروءات القائمة والأذيال الطاهرة فمتى كانت رياسة العامة بيد سراتهم حصلت سعادتهم:
لا تصلح الناس فوضى لا سراة لهم
…
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وفيه: إن أدعى خصال السلطان إلى صلاح الرعية وأقواها أثراً في تمسكهم بأديانهم وحفظهم لمروآتهم إصلاح السلطان نفسه وتنزهه عن سفاسف الأخلاق وبُعده عن مواضع الريب وترفيع نفسه عن استصحاب أهل البطالة والمجون واللعب واللهو والإعلان بالفسوق.
إذا غدا ملك باللهو مشتغلا
…
فاحكم على ملكه بالويل والحرب
أما ترى الشمس في الميزان هابطة
…
لما غدا وهو برج اللهو والطرب
رجوع وانعطاف
لما أفتك إبراهيم الشريف بمراد بايعه رؤساء الأجناد وقدم الحاضرة وتم له لأمر وجاءه تقليد منصب الباشا وكان كاهيته المولى حسين بن علي تركي وله حروب مع الجزائريين وغيرهم وأخيراً هزموه وأسروه فكانت ولايته ثلاثة أعوام وشهرين وكانت سيرته أولاً حسنة ثم طفق في ظلم الرعية فذبح أبناءهم ونساءهم واستصفى أموالهم وكاد أن يستأصل العرب وإبلهم وخيلهم لشدة بغضه لهم ولظلمه لم تطل مدته ولو دامت لأهلك الحرث والنسل، ومعلوم أن الظلم إذا دام دمر والعدل إذا دام عمر. قال أبو العتاهية:
أما والله إن الظلم لوم
…
ولكن المسيء هو الظلوم
إلى ديّان يوم الدين نمضي
…
وعند الله تجتمع الخصوم
سل الأيام عن أمم تقضت
…
فتخبرك المعالم والرسوم
ولما وقع بإبراهيم الشريف ما ذكرناه وقع الاتفاق على تولية كاهيته حسين بن علي تركي وقبلها بإلزام بعد تمنع وتمت له البيعة في ربيع الأنور سنة 1117 هـ. كان والده علي تركي وبه يلقب قدم من جزيرة كندية إلى الحاضرة في أوائل دولة بني مراد فولاه قيادة أزمة الأعراب وكان من أهل الكفاءة والنجدة وتوفي سنة 1113 هـ ونشأ ابنه المذكور في خدمة الأمراء المراديين وتقلد الولايات الجليلة وتسنم الخطط الرفيعة كخطة خزنة دار وكاهية الخلافة وولاية الأعراض والجريد وهو باني الملك الحسيني جعلها الله كلمة باقية في عقبه أبد الآبدين. توارث الملك بنوه كابراً عن كابر إلى هذا الوقت على الترتيب الآتي بيانه وله حروب مع القائمين عليه كان الظفر حليفه ورسخت قدمه وكانت أيامه مواسم ثم ثار عليه كفيله ابن أخيه علي باشا بن محمد بن علي تركي. كانت ولادته سنة 1101م فتبناه عمه الأمير المذكور وأحسن تربيته وتهذيبه وليس له إذ ذاك أولاد وأولاده أمير أمراء الأمحال سنة 118 هـ وزوّجه ابنته وأجراه مجرى الأولاد إلى أن وهب الله له ولياً من لدنه يرث ملكه فولد له المولى محمد باي ولما بلغ من العمر خمسة عشر عاماً أولاه باي الامحال وأولى ابن تربيته باشا فأنف علي باشا من ذلك وهرب هو وابنه يونس إلى وسلات وذلك سنة 1140هـ وخرج عمه لقتال آل أمره لفراره مع ابنه للجزائر وساءت حاله ثم أمده صاحب الجزائر بعسكر قدم به سنة 1147هـ ولما قدم هذا العسكر الحاضرة خرج الأمير بعسكره ووقع القتال بين العسكرين آل الأمر بانهزام الأمير وفراره إلى القيروان ولحق به أبناؤه واعتصموا بها ودخل غالب بلاد الساحل في طاعتهم ودامت الحرب بينهم وباشر أكثرها يونس باي ولما ضاق الخناق على أهل القيروان بطول الحصار خرج الأمير منها بمن بقي معه وبأثر خروجه استشهد وذلك في صفر سنة 1153هـ وحمل ودفن بتربته بالحاضرة وأما أبناؤه فإنهم توجهوا للمغرب وسيأتي خبرهم وهذا الأمير هو الذي أحيا رسوم العلم بعد إعفائها وأيقظ أجفان طلبته بعد إغفائها بالتفاته إلى أهل العلم بالصلات المتوالية والإكرام لهم والتعظيم والمجالسة وله في التزام الأحكام الشرعية قدم راسخة يحمل العامة والخاصة عليها فيما يجري بينهم من المعاملات وكانت أيامه كالخصب بعد الجدب والأمن بعد الرعب والسلم بعد