الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا سيما الغرباء وجعل لها ثلاثة قيمين تستمر إقامتهم سائر اليوم على التناوب وأجرى عليهم الجرايات الكافية وجعل لذلك قانوناً به ستة عشر فصلاً. وفي السنة واصل بين المملكة التونسية وسائر ممالك الدنيا بسلك البرق الذي يبلغ به الخبر في طرفة عين ومد سكة الحديد بين تونس وحلق الوادي وباردو ثم من تونس إلى أطراف الحدود الغربية. وفيها كانت الدولة العلية في حرب مع الروسيا فوجهت إليا إعانة بالمال وغيره لها بال. وفيها وقع تحرير قانون في خدمة العمال وقانون للمتعينين للأعراب وغيرهم تجري عليه إدارة خدمة العمال ومقدار ما يأخذه المتعينون من المجرمين. وفي سنة 1296هـ وقع منه زيادة الاهتمام بحفظ الصحة فعين قشلة البشامقية مستشفى وأقام بها أطباء ومرافق وتحسينات وعين له ما يلزم لإقامة شؤونه من أوقاف صاحبة الخيرات الرفيعة الشأن والمكانة عزيزة عثمانه فجاء على أحسن نظام وأكمل إحكام على مقتضى قانون ذي فصول 41 وهو المعروف بالمستشفى الصادقي. وفي السنة صدر الإذن بإقامة مجلس شورى تحت رياسة الوزير الأكبر للنظر في مهمات الدولة الداخلية والخارجية وهاته التأسيسات خلدت له جميل الذكر وغالبها كان بسعي من الوزير السياسي الخطير أبي الخيرات خير الدين مؤلف كتاب أقوم المسالك في أحوال الممالك ومن مأثره مبانيه البالغة في الرونق الغاية وفي الإتقان والاحتفال النهاية منها زاوية الشيخ أبي محفوظ محرز سنة 1279هـ وزاوية الشيخ إبراهيم الرياحي سنة 1290هـ وقصره المعروف بقصر السعيد بباردو عدم لنظير بهذا القطر وقد باشر الحكم بنفسه بإنصاف وكان محباً للعلماء والأولياء وتعظيم الأشراف وفي سنة 1298هـ احتلت دولة فرنسا المملكة ونصبت حمايتها عليها بمقتضى معاهدة انعقدت بباردو وكانت وفاة هذا الأمير سنة 1299هـ.
تنبيه:
من أعيان العلماء المعاصرين لهؤلاء الأمراء محمد البحري والسنوسي وابن سلامة وإبراهيم الرياحي ومحمد النيفر وأخوه صالح والطاهر بن عاشور وابن ملوكة ومحمد البنا وأحمد الغماري وابن أبي الضياف وعلي العفيف.
الطبقة السابعة والعشرون
لما توفي المشير محمد الصادق باي بويع لأخيه المولى أبي الحسن علي باشا باي في ذي الحجة سنة 1299هـ وكان من أفاضل أمراء هاته الدولة محط الرحال ومنبع صالح الأعمال عارفاً برجال دولته مطلعاً على أحوال مملكته محباً للعلماء والصلحاء كريم الأخلاق مساعداً على إحداث كثير من الإدارات على النظام المعهود الآن وكذلك من أتى بعده. وعلى عهده أسست المدرسة الخلدونية وشحنت بعدد
غير قليل من نفائس الكتب في فنون من العلوم الدينية والعصرية. وعلى عهده كان تجديد منارة جامع الزيتونة فجاءت على أبدع شكل وأجمل منظر وكان الاحتفال عند انتهاء البناء في 26 رمضان سنة 1312هـ حضره هذا الأمير وآل بيته والخاصة والجمهور وأرخها شيخنا أبو النجا سالم بو حاجب وكتب ذلك على جدرانها في قصيدة أولها:
نال فوزاً بمناه كل ساع
…
كي يرى شمول فضل ذي اتساع
في بيوت أذن الله بأن
…
ترفع الأركان فيها ليطاع
ومنها في مدح هذا الأمير:
ثم في أيام مولانا الذي
…
ملأت غرُّ مزاياه الرقاع
حضرة الباشا عليّ من له
…
في قلوب الخلق للود ازدراع
ومنها بيت التاريخ:
ولسان الصدق قد أرخه
…
لمنار الدين حق الارتفاع
قيل إن هذا الجامع لا يخلو من رجل موصوف بعلم ظاهر أو شرف زاهر أو صلاح باهر ولهذا الأمير تأليف سماه مناهج التعريف بأصول التكليف وتوفي في ربيع الأول سنة 1320هـ وبويع لابنه المولى محمد الهادي باشا باي وكان شهماً هماماً عالي الهمة كريم الأخلاق ذكياً ميالاً للعدل ومحبة العلماء وعلى عهده كانت زيارة رئيس الجمهورية الفرنسوية للإيالة التونسية المفخم مسيو لوبي في أبريل سنة 1903هـ الموافق لأوائل سنة 1321هـ وأقام ثلاثة أيام كانت مواسم بواسم ورد له هذا الأمير الزيارة في صائفة العام التالي وما حصل لهذين الزائرين جمع في مجلد وتوفي في ربيع الأنور سنة 1324هـ وارتقى كرسي المملكة الأمير المحبوب المولى محمد الناصر باشا باي ابن المشير محمد باشا باي وعلى عهده في 25 شعبان سنة 1328هـ صدر منشور من الشيخ القاضي المالكي محمد القصار لقضاة الجهات بثبوت الأهلة على طريق سلك البرق وجرى به العمل وهذا المنشور خلد له جميل الذكر وفي سنة 1329هـ كانت الدولة العلية في حرب مع إيطاليا في طرابلس وانتهت باحتلالها لهاته الأيالة وفي السنة بسطت دولة فرنسا حمايتها على المغرب الأقصى وفيها كانت زيارة فخامة رئيس الجمهورية الفرنساوية مسيو فليار للمملكة التونسية فقوبل بالتبجيل والتكريم وللعالم المؤرخ محمد ابن الشيخ الأكتب البشير بن الخوجة تأليف حافل في هاته الرحلة في مجلد سماه
الرحلة الفليارية وزار في أثنائها بعض المدن والمتلوي من عمل قفصة الذي به الفسفاط وهو عبارة عن طبقة من الأرض مادتها ترابية صالحة لتسميد الغروس والمزروعات وهي من الكنوز التي حصلت بها ثروة عظيمة لهاته المملكة قال بعضهم: هذ كنز لا يفنى وثروة لا تبلى، وأسست لها شركة أسست سككاً حديدية رابطة بصفاقس وغيرها. وفي سنة 1340هـ موافق 1922م كانت زيارة رئيس الجمهورية الفرنساوية لإفريقية الشمالية وهي عبارة عن المغرب الأقصى والجزائر والمملكة التونسية فقام بهاته الرحلة أعظم عظماء هاته الجمهورية مسيو ميلران ابتدأها من الدار البيضاء مرسى مدينة على البحر المحيط وأنهاها بجربة الغربية من الحدود الطرابلسية في أبهة وحفل عظيم ساقت المقادير هذا الرئيس الخطير لهاته الجهات التي منظرها جميل زاهر وعمرانها في تزايد باهر حافلة كالعروس آهلة بنحو الثلاثة عشر مليوناً من النفوس ووصل القطر التونسي الذي لا يقل سكانه عن المليونين في غرة رمضان الموافق للرابع والعشرين من أبريل سنة 1340هـ موافق 1922م ولقي من الإقبال فوق ما يقال. وما حصل له في هاته الرحلة لو تتبع لملأ مجلداً ضخماً. وفي يوم الاثنين السادس عشر من ذي القعدة وفي 10 يولية من السنة انتقل إلى رحمة الله هذا الأمير المحبوب فكان انتقاله روح الله روحه من أعظم الرزايا وأشد البلايا، كان كريم الأخلاق والسجايا، سخياً كثير العطايا، عادلاً محباً للرعايا، سائلاً عن أحوالهم ميالاً لإجابة مطالبهم وسماع أقوالهم. محباً لدولة فرنسا، وهو أول مساعد لها ومعاضد على تجنيد العساكر التونسية لاحتلالها المغرب الأقصى وخصوصاً في الحرب الكبرى فإنه عاضدها بما عنده من النفس والنفيس ووقع الاعتراف له بهذا الفضل. نقلت جريدة الزهرة في عددها 6486 المؤرخ في التاسع عشر من ذي القعدة المذكور ما نصه: ورد في رسالة برقية من باريس أن صحف العاصمة الفرنسوية برزت طافحة بالثناء على حضرة سيدنا محمد الناصر باي الذي كان معيناً صادقاً لفرنسا في أصعب الظروف وأشدها عليها، وقد ذكرت جريدة الجورنال أن باريس كانت استقبلت الباي المتوفى بمزيد الحفاوة والانعطاف. ثم قالت: إنه قام بوظيفته على غاية ما يرام، حتى إذا جاءت ساعة الخطر العظيم نهضت المملكة التونسية جمعاء للدفاع عن فرنسا المتهددة فجهزت خمساً وستين ألف مقاتل وثلاثين ألف شغال وتكبدت خسائر لا تقل عن خمس وأربعين ألفاً بين قتيل وجريح فهذه قائمة يمكن أن يفتخر بها قوم لا يكاد يبلغ عدد الرجال القادرين منهم على حمل السلاح ثلاثمائة ألف. انتهى.