الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كون المجتهدين فيهم وعند ذلك لا يكون مع اجتماعهم على هذا القول بدعة أصلاً فهم إذاً الفرقة الناجية.
الخامس: ما اختاره الإمام الطبري من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمير فأمر عليه السلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم ثم نقل ما يؤيد ما ذهب إليه وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإِمام الموافق للكتاب والسنة. ثم قال: فهذه خمسة أقوال دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع وأنهم المرادون بالحديث فلتأخذ ذلك أصلاً. اهـ اعتصام ببعض اختصار.
فصل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ونبذة من فضائله
تقدم ذكر نسبه في أول المقصد وسماه رسول الله عبد الله وصديقاً لأنه بادر بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ولقبه عتيقاً لجمال وجهه أو لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أنت عتيق من النار" كما في حديث رواه الترمذي، فهو الصاحب في الغار وفي السر والجهار في الليل والنهار والسابق الأول في الإِسلام لم يعبد صنماً قط توفيقاً من الله وفطرة فطره الله عليها ولا شرب الخمر قط، والمقدم للصلاة في الحياة النبوية والذي قدّم نفسه وماله كله لله، والخليفة الأول بعده بإجماع مَن يعتد به، والذي أنقذ الإِسلام بعد الوفاة النبوية بعلمه وتوفيقه وعدله وصرامته في الحق أنفذ وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قوّالاً بالحق صادعاً بالأمر سالكاً سبيل الصدق غير مائل ولا متجاف قائماً بالعدل لا تأخذه في الله لومة لائم عفيفاً لم يستأثر بحال ولا مال قط عن سنن الرسول، وكان يوليه الرسول إمرة الجيوش موصوفاً بأصالة الرأي خطيباً مصقعاً، وقد وجهه عليه السلام أمير الحاج سنة تسع ولا يوجه إلى هذه الوظيفة إلا من كان بالمكانة العليا فقهاً وإفتاء ليعلمهم مناسكهم ويفتيهم فيما لم يعلموا. قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي عن حذيفة "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" الحديث. قال أبو سعيد الخدري: كان أبو بكر أعلمنا. وقال الأبي في شرح مسلم: هو أول من أسلم من الرجال ثم أسلم على يديه من العشرة المشهود لهم بالجنة عثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وجملة ما حفظ عنه من الأحاديث مائة واثنان وأربعون حديثاً في الصحيحين منها ثمانية عشر القرطبي ومن المقطوع به أنه حفظ من الأحاديث ما لم يحفظ غيره وحصل له من العلم ما لم يحصل لغيره لأنه الصفي والملازم في الحضر والسفر والليل والنهار
وإنما لم يتفرغ للحديث والرواية لاشتغاله بالأهم ولأن غيره قام عنه بذلك اهـ أجمعت الأمة أنه هو المعني بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)} [الليل: 17]، قال الفخر الرازي: إذا ضمت هذه الآية إلى قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] أنتج لنا أنه أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر البخاري واحداً وعشرين حديثاً في فضائله منها: "ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً" وتقدم نصه قريباً. وأخرج عبد الرحمن بن حميد في مسنده وأبو نعيم وغيرهما "ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد أفضل من أبي بكر إلا أن يكون نبياً".
قد علم مما تقدم قريباً أنه اقتضت حكمة هذا الدين أن يكون الخليفة رئيسه الديني والسياسي لذا كان أول مقاصد المسلمين وأهل السابقة والمهاجرين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع المسلمين على كلمة التوحيد متوجهاً إلى وجوب نصب خليفة يجمع الأمة الإِسلامية على كتاب الله وسنة رسوله ويأخذ بالقوة على ذوي العبث بالنظام لأنهم اختلفوا فيمن يولونه هذا الأمر اختلافاً ليس فيه ما ينافي المصلحة الإِسلامية بل غايتها تمحيص الفكر ومحض النصيحة فيمن تجتمع على تأميره كلمة الجمهور الأعظم من المسلمين ليكون أثبت قدماً في الخلافة وأشد حجة على المخالفين فاختاروا لهذا المنصب الرفيع أبا بكر رضي الله عنه وقالوا: نرضى لدنيانا ما رضيه صلى الله عليه وسلم لديننا حيث قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" وخلاصة القول في انعقاد البيعة له رضي الله عنه أنه بينما كان الناس مشتغلين بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتجهيزه ودفنه جاء مخبر فأخبر باجتماع الأنصار بسقيفة بني ساعدة بقصد المفاوضة في شأن الخلافة وأسرع إليهم أبو بكر وعمر وجماعة من المهاجرين ليتداركوا هذا الأمر قبل افتراق الكلمة، فأتوا الأنصار وقد اجتمعوا بالسقيفة لمبايعة سعد بن عبادة فأعجلهم المهاجرون عن أمرهم وغلبوهم عليه وتكلم يومئذ أبو بكر فأدلى بالحجة. وكان مما قاله:"يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلاً وإلا وأنتم له أهل وإن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش هم أوسط العرب داراً ونسباً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين" وأخذ بيد عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح. فأكثر حينئذ اللغط بين الأنصار ومنهم بشير بن سعد يرون رأي المهاجرين بجعل الخلافة في قريش وأن
الأمر إذا أجل النظر فيه ربما صعب حله، فقام إلى أبي بكر وقال: ابسط يدك أبايعك، فبسط يده فبايعه وبايعه عمر وسائر الناس.
في البخاري عن إسماعيل بن عبد الله مرفوعاً إلى عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح - قال إسماعيل: تعني بالعالية- فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّله، فقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والله الذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبداً، ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا مَن كان يعبد محمداً فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)} وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)} قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أنني قد هيأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال الذي كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: ألا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب داراً وأعرفهم أحساباً، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة. فقال عمر: قتله الله".
البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه سلم له النظر في أمر نفسه وفي أمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره. في صحيح مسلم "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره على أن لا أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم".