الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: القصر الكبير متركب من قصور ثلاثة على الوصف الذي تقدم نقله عن الشيخ محمد بن يوسف ولم ينقص منه إلا القباب وله بابان قبليا المفتح واحد مفتحه في صحن الجامع الكبير الذي هو الآن مطموس والآخر هو مدخل القصر.
وبالمنستير قصران غير القصر الكبير أثبتهما بعض المؤرخين.
أحدهما: يعرف بقصر السيدة وقبرها بمقصورة بمسجد يعرف بالسيدة يزار إلى هذا الوقت أما القصر فلم يبق له أثر ومحله الآن دور بعض بيوتها عتيق جداً باقية على حالها إلى الآن ومن مشمولاته مسجد يشبه في البناء والقدم مسجد السيدة به مغارة تحت الأرض ومقصورة بها قبر والأقرب أنه قبر بعض ملوك صنهاجة ويعرف هذا القبر بسيدي عامر يزار حتى الآن. حكى لي شيخ مسن أنه يسمع سماعاً فاشياً أنه كان وقع شروع في حفر حذو القبر فإذا بنداء من القبر يقول: عامر عامر فمن ذلك الوقت عرف بسيدي عامر ومن مشمولاته أيضاً مسجد يشبه في البناء والقدم مسجد السيدة يعرف هذا المسجد بمسجد الرز والأقرب أنه حرف وأصله المعز ومن مشمولاته أيضاً قبة فيها قبر أبي الحسن علي السراج ويعرف الآن بسيدي السراج يزار.
ثانيهما: القصر الذي به الزاولة المعروفة بسيدي ذويب وفيها قبر معروف به يقال إنه من بيت ملوك بني الأغلب وفيها مسجد عتيق يظهر أنه أقدم من مسجد السيدة ولم يبق من هذا القصر إلا هاته الزاوية وباقيه هو الآن دور وهذان القصران والقصر الكبير ودور تعرف بالزريبة كانت مسورة بسور لم يبق له أثر إلا من الجهة الشرقية فلم يزل قائماً إلى هذا العهد وكان بين هذين القصرين داموس تحت الأرض ممتد إلى الجهة الغربية لا يعرف له حد وبعض الدور مواجلها مقتطعة منه.
عود إلى الكلام على القصر الكبير:
قال الشيخ مقديش: وقف لمصالح المرابطين جميع الأراضي المتصلة بالقصر لمرعى الدواب والزراعة لمن يروم ذلك وغرست جنات عظيمة بكل مثمر، وكانت بساتين قصر الرباط قشمل آلافاً من تلك الأراضي ينتفع بها أهل الرباط جميعاً لا فضل لأحدهم على الآخر، وكان معظم غزاة البحر يركبون منه وقد أحدث العرب عند قصر الرباط مدينة لها عمران عظيم وجنات وزياتين بكيفية عجيبة حتى كانت مدينة المهذية في عنفوان عمرانها وسطوة ملكها وقت الخلفاء العبيديين وملوك صنهاجة عالة على المنستير فيما تحتاجه من الثمار والفواكه وغير ذلك.
في حسن البيان نقلاً عن حاوي البرزلي بعد نقل جواب الإمام المازري عن مخازن بالمسنتير بالقصر الكبير مملوءة قمحاً وشعيراً لرجال مقيمين بالقصر ولآخرين غيب وعن زوار يغلقون مخازنهم ويخرجون فيقيمون شهرين ونحوهما وعمن له بيت بالقصر وهو يبيت خارجه ويأخذ من المعروف مثل من يبيت بالقصر وعن قوم من المرابطين بأيديهم من الأراضي أكثر مما بيد غيرهم وعن قوم غرسوا غراسة بأرض المنستير ما الحكم فيها؟ وهل إن من حقوق الغارس أن لا يخرج من يده ما غرس في حياته وهل يكون للناظر في ذلك إخراجها من يده في حال دون حال أو لا يكون له ذلك؟ وهل يورث عنه من الغرس ما غرسه؟
قال بعد نقل جواب الإمام عن هذا السؤال ما نصه: دخلتُ رباط المنستير في حدود عام ستين وسبعمائة فرأيته محفوظاً لا تدخله الناس، وكانت أحباسه محفوظة، وكان العرب لا يتعرضونه إلا بخير في دنياهم. ثم بعد ذلك جرت أمور على ما سمعت من تعرض العرب للحبس والدور وثمرات القصر ووقع الانتقاض منهم في المال والرجال وافتتن أهلها مع العرب حتى أدى الأمر إلى تلاشي غرسها ورحيل أهلها حتى صارت الآن لأمير المؤمنين فهي الآن على ما سمعت في عز وعافية، وعادة الله أن قصر الرباط لا يتحمل التخليط بوجه فمتى حدث فيه ذلك عوقبوا، وأما بقية غرسها وبياضها فهم اليوم يملكونه ولا أدري هل توصلوا إليه بحق أو هو كما قال الإمام فعلى هذا في أكل ثمار الموضع نظر إذ هو حبس إلا أن يكون جاء بقصد الرباط فيستحقه من هذه الحيثية، وكذلك تملك رباع البلد الدائرة بالقصر وجميع ما حوله من الأراضي مما ينسب إلى المنستير الذي يسمى القرطين وهو جميع دخلة القصر منسوب إليه انتهى حسن البيان. قلت: جواب الإمام عن السؤال طويل الذيل اشتمل على فوائد كثيرة نقله الونشريسي في معياره بنصه والقرطين مكان بعيد عن المنستير بنحو ثلاثة أميال أراضيه خصبة وقع الاعتناء بغراستها وزراعتها منذ عهد قديم وبها آبار كثيرة ودور اندثرت ومسجد لم يزل قائماً إلى هذا الوقت.
أول من تولى النظر على هذا القصر الأمير أحمد أحد ملوك بني الأغلب حين امتلأ القصر بالمرابطين وأجرى عليهم ما يلزم من النفقة وقد بلغ عدد المرابطين به في مدة سعدون الخولاني شيخ القصر المترجم له في الطبقة السابعة زهاء أربعة آلاف مرابط بين عالم وزاهد وصالح، وكانت ملوك الشيعة تخشاه ولما ضاق القصر على سكانه أضيفت الأراضي التي حوله حتى القرطين للقصر فبنى المرابطون دوراً حوله وغرسوا الأراضي التابعة له للانتفاع بها، وأول دور بنيت هي الدور المعروفة بالزريبة وكانت قليلة في زمن سحنون ولذا قال: إن إقامة الجمعة لا تجب على
أهلها، ثم استمر الحال على ذلك إلى أن آل أمر القصر والأراضي التابعة له إلى ما رأيت في السؤال الوارد على الإمام المازري ثم استمر تزايد بناء الدور والعمران إلى أن صارت مدينة مسورة بسور وذلك أواسط المائة السابعة ثم آل الأمر إلى ما رأيت في حكايته الإمام البرزلي، وفي أوائل المائة التاسعة كان شيخ القصر أبا عبد الله محمد بن أبي زيد المترجم له في الطبقة السابعة عشر وكان به من التلامذة ما يزيد على المائة رحلوا إليه من الآفاق وكل مَن حلّ به يجد مسكناً يأوي إليه ومعلماً يؤدبه ويعلمه القرآن والعلوم الدينية ويجد ما يلزم من أمر المعيشة وهي أمور تعين على طلب العلم ولا يخفى أن أكبر الأعوان وأهمها فراغ البال من أمر المعيشة وكانت الاْرزاق تأتي إليهم وإلى من به من المرابطين من أوقافه ومن جهات إفريقية كقفصة ونفزاوة وقابس والجزيرة والقيروان وغيرها ثم قام ابنه أحمد واستمر الحال على ذلك إلى أن استولى عليه الإسبان أواسط المائة العاشرة فهدم منه جانباً بعد ما قتل وأسر مَن لا يعد كثرة نقل ذلك الشيخ عظوم في أجوبته ثم أصلحه وأصلح المنار الذي به، وقيل هو الذي أسسه ثم أفتكه منه الترك وصار أمره إلى الانحلال والتقهقر تحت نظر حفدة الشيخ ابن أبي زيد إلى أوائل القرن الثالث عشر صيره الأمير حمودة باشا معقلاً حربياً ونقل الطلبة الذين به لزاوية سيدي ذويب المتقدم الذكر وأجرى على عشرة منهم النفقة من أوقاف زاوية الشيخ أحمد بن أبي زيد المذكور وجعل لهم مؤدباً يعلّم القرآن ومدرّساً يقرىء مبادئ العلوم الدينية جرايتهما من الأوقاف المذكورة ونظرهم لقاضي المكان، ثم إن الباشا حسين بن محمود باي جعل به سنة 1246هـ العساكر النظامية وشحنه بآلات الحرب، وفي أيام المشير أحمد باشا كان به من العساكر النظامية نحو ثلاثة آلاف واستمر الحال على ذلك إلى أن نصبت فرنسا حمايتها على الإيالة التونسية سنة 1298هـ فأزالت ما به من الذخائر وآلات الحرب حيث صارت غير صالحة للدفاع وأغلقته واستولى عليه الخراب واعتبرته وأسوار المدينة الحكومة من الآثار العتيقة وصدر أمرها بالمحافظة عليها تحت نظر جمعية الأوقاف والإدارة الحربية. ولما قامت الحرب الكبرى المشار لها آخر التتمة وقع إسكان جماعة به من أسارى الألمان وتسخيرهم لإصلاح الخراب الذي به وأقاموا به أشهراً ثم نقلوا وسكن به طائفة من جالية دولة الروسيا عند استيلاء جمهورية السوفيات على بلاد القريم مع طائفة من عساكر الاحتلال ثم خرجوا وبقيت به العساكر إلى هذا الوقت، والحاصل أن القصر إلى هذا العهد آثاره تدل على أنه كان في العهد القديم آية دالة على عظمة العرب خالدة إلى الآن.
تلك آثارن تدل علينا
…
فانظروا بعدنا إلى الآثار
وهو إلى هذا الوقت على طبقات ثلاث به منارة سامية الارتفاع قامت كأنها عمود مخروط يستطلع منها المستطلع فيرى ما يملأ النفوس بهجة وحسناً فيرى المدينة وما حولها من حدائق الزيتون والبساتين الملتفة كأنها بسيط أخضر جميل المنظر مد البصر يتخلل ذلك البسيط قرى تحف بها حدائق الزيتون يرف غضارة ونضارة ويرى مدينة سوسة العروسة القريبة منها بنحو أحد عشر ميلاً بحراً ويشاهد مبانيها الأنيقة. وبالجملة فإنه لا إشراف كإشرافه حسناً وجمالاً واتساع منظر يروق ويرمي الأبصار بهجة ونوراً، وبالقصر قبور كثير من العلماء والصلحاء وغالبهم مجهول الاسم أو محرّف والمعروف منهم أبو عبد الله بن أبي زيد وأبو الفضل يوسف بن نصر وسعدون الخولاني والشيخ الشريف وبهذا يعرف والشيخ جابر المهدوي وبخارج القصر على يسار الداخل له بيت به قبر الإِمام أبي عبد الله بن يونس الصقلي ويعرف بسيدي الإمام وبالقرب منه قبة بها قبر يعرف بسيدي مفتاح عتيقة.
هذا ما يتعلق بالقصر أما ما يتعلق بالمدينة فقد تقدم أن القصور الثلاثة كانت مسورة بسور ثم أزيل وذلك بعد حصول زيادة كثيرة في الدور وأضيفت للقصور وما حولها من الدور وسورت بسور وهي المعروفة الآن بحومة المدينة بها مساجد كثيرة عتيقة منها مسجد يعرف بمسجد الإِمام المازري ومسجد يعرف بمسجد أبي يوسف الدهماني به قبر يزار وبالجهة الغربية من هذه الحومة ربض يعرف بالربض الأوسط وبابه يعرف بالباب الجديد به سوق واسع الفناء زاهي البناء وهو مجتمع الناس للتجارة وغيرها وبه الجامع الحنفي ومن الجهة الجوفية منه مسجد عتيق يعرف بمسجد المرأة الصالحة عافية ويشمل هذا الربض حومتين الجبانة والشراقة وبه مقام أبي بكر الحنفي المترجم له في الطبقة الرابعة عشر والشيخ الحياص قديم العهد ومقام الشيخ الهلالي قديم العهد أيضاً ومقام الشيخ المجدوب بو طارة الحنفي من أهل المائة الثانية عشر وبالجهة الغربية من هذا الربض ربض يعرف بالربض الأقصى ويشمل حومتي باب الفرج والطرابلسية به تربة الشيخ عمر القلال من أهل القرن الثاني عشر وفي القديم كان على كل منها سور ثم أزيلت الأسوار الفاصلة بين الربضين وحومة المدينة ولم يبقَ منها إلا السور المحيط بجميعها وأما الربض الجوفي من هذين الربضين فمسور بسور على عهد علي باشا ابن حسين باشا وبذلك صارت مدينة فسيحة الأرجاء لها ربضان جوفي ويعرف بربض الخروبي وبقربه مسجد يعرف بمسجد السراة غمره البحر ولم يبق له أثر وقبلي ويعرف بالقراعية على شاطئ البحر به آلاف المباني الأنيقة فللعين هناك منظر وانشراح وللنفس مزيد انبساط
وانفساح وبه مقام الشيخ منصور بيزيد ومقام الشيخ مسعود الخزرجي قبل مقام الشيخ العربي وهو عتيق جداً وعلى شاطئ البحر داموس منحوت في جبل يعرف بالكحلية يقال إنه كان معداً لمصيف بعض أمراء الرومان أو مقراً لطائفة من الرهبان وبالجهة الغربية من المدينة مع انحراف إلى جهتي القبلة والجوف حدائق الزيتون والبساتين ذات الأشجار الملتفة اليانعة يحيط بجميع ذلك قبلة وشرقاً وجوفاً لبحر في شبه شكل مثلث زاويته المدينة ولتلك الأشجار ومنها التي ببساتين شقاقص ثمرات طيبة النكهة سيما التفاح له خاصية من الفضل عجيبة لأن رائحته من أعطر الروائح وأطيبها يدخل به الداخل عليك فتجد رائحته العبقة قد سبقت إليك فيكاد يشغلك الاستمتاع بطيب رياه وحسن منظره عن أكلك إياه يهدي للأحبة والأمراء والخاصة من الفضلاء وبالجملة فتربتها نقية وهواؤها صحيح منعش للنفوس والأبدان في كل وقت وزمان وبغالب دورها المواجل والآبار منها ما هو صالح للشرب ومنها ما هو غير صالح وفي سنة1321هـ أسست الحكومة شركة تعرف بشركة مياه الساحل لجلب الماء المنهمر المتسرب من عيون معينة من ولجة أبي حفنة بعمل القيروان في قنوات الحديد وأنابيب الرصاص يتفرع إلى فرعين كل فرع ينقسم إلى مذانب يخترق بسائط وعمائر وقرى وما من قرية مرّ عليها إلا ولها نصيب من ذلك الماء. فرع ينتهي إلى سوسه، وفرع ينتهي إلى المسنتير وحصل بذلك نفع عظيم ومنحت الشركة الاشتراك فيه لأصحاب الدور والبساتين والحمامات وغيرها بثمن معين من المال يدفع سلفاً في كل ستة أشهر والقدر المستهلك منه يعرف بمنقالة الماء وهي آلة تشبه منقالة الساعة الزمنية.
أهلها معروفون بالذكاء وكرم الأخلاق والتواضع فلا تلقى منهم إلا وجهاً طلقاً وكلمة لينة ولهم كرامة للغرباء وإقبال عليهم. سنتهم في المعاشرة عجيبة وسيرتهم في التزام رتبة الخدم غريبة مع الكد والجد والوفاء بالعهد. محافظون على عوائد أسلافهم ومعتنون بتهذيب أخلاق أولادهم ولهم اعتدال في معاملاتهم وليس لهم الآن كبير حظ في التجارة لقربها من سوسه المقصودة براً وبحراً لتحسين مرساها التحسين العصري. أما قبل هذا التحسين فقد كان للمسنتير الحظ الأوفر في تجارة الزيت وغيره براً وبحراً.
سكانها زهاء عشرة آلاف نفس ومع قلة هذا العدد بالنسبة للحواضر غيرها فإن كثيراً من الخطط النبيهة بأيديهم فلا يخلو منهم ديوان من دواوين الحكومة وفيها كثير من ذوي البيوتات النبيهة كبيت ابن أبي زيد وبيت مخلوف وبيت مزالي وبيت نويرة وبيت بوزقرو وبها مجلس شرعي متركب من قاض ومفتيين وبها مدرسون خمسة