المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فريدة أذكر فيها نبذة من حضارة بغداد في عهد المنصور والرشيد وابنه المأمون - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية - جـ ٢

[مخلوف، محمد بن محمد]

فهرس الكتاب

- ‌تمهيد

- ‌فائدة

- ‌الطبقة الأولىمنحصرة فيمن أنزل عليه القرآن وجاء بالشريعة المطهرة صلى الله عليه وسلم وكرم وعظم

- ‌صلة بها أن القرآن هو الحكمة البالغة والحجة الكاملة مع الإبانة عن فضل المعنى الذي به باين سائر الكلام

- ‌درة

- ‌جوهرة

- ‌فريدة

- ‌خلاصة في العلوم التي تفرعت من القرآن أو نشأت لخدمته

- ‌القراءات السبع

- ‌النحو

- ‌التفسير وعلم الأدب

- ‌الحديث

- ‌الفقه

- ‌السير والتاريخ

- ‌الجغرافيا

- ‌الخطابة

- ‌الشعر

- ‌فصل أذكر فيه الوازع والحرية

- ‌البشارة بالسعادة والنذارة بالشقاوة

- ‌خلاصة فيما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة عندما أعلن بالرسالة وما حصل لمن آمن به

- ‌خطبته عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع

- ‌ذكر مرضه ووفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده صلى الله عليه وسلم

- ‌الطبقة الثانية طبقة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فصل في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ونبذة من فضائله

- ‌خطبة أبي بكر رضي الله عنه

- ‌الكلام على جيش أسامة رضي الله عنه

- ‌فصل الكلام على أهل الردة وقتالهم

- ‌فصل

- ‌أولياته

- ‌خطبة علي في تأبين أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌تنبيه:

- ‌الحالة الاجتماعية على عهد أبي بكر

- ‌خلافة سيدنا عمر رضي الله عنه ونبذة من سيرته

- ‌فتوح الشام

- ‌تنبيه:

- ‌جغرافية سوريا

- ‌انتداب عمر رضي الله عنه لفتح العراق وفارس

- ‌رجوع إلى خبر الهرمزان

- ‌فتح الجزيرة

- ‌فتح مصر وبرقة

- ‌تنبيه:

- ‌أولياته - فمنها كتابة التاريخ الهجري

- ‌ومنها: تدوين الدواوين وفرض العطاء

- ‌قضاؤه

- ‌كتابه في القضاء إلى أبي موسى الأشعري

- ‌وفاته رضي الله عنه

- ‌وصيته لمن يخلفه

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده

- ‌فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌الحالة الاجتماعية على عهده

- ‌فضائل علي القرشي الهاشمي رضي الله عنه

- ‌الكلام على الفتنة

- ‌خلاصة فيما عليه أهل السنة في هاته الفتنة

- ‌فضائل الستة بقية العشرة المبشَّرين بالجنة

- ‌سيدنا أبو عبيدة (رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه

- ‌سيدنا طلحة (رضي الله عنه

- ‌سيدنا الزبير (رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعيد بن زيد (رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌ذكر بعض السادات من أعيان الصحابة وفضلائهم

- ‌سيدنا حمزة رضي الله عنه

- ‌أخوه سيدنا العباس رضي الله عنه

- ‌سيدنا جعفر رضي الله عنه

- ‌سيدنا زيد بن حارثة رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه

- ‌سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌سيدنا خالد بن سعيد رضي الله عنه

- ‌سيدنا سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنهما

- ‌سيدنا معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه

- ‌سيدنا يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌تنبيه

- ‌سيدنا عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو ذر رضي الله عنه

- ‌سيدنا المقداد بن الأسود رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو الدرداء رضي الله عنه

- ‌سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

- ‌سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه

- ‌سيدنا عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه

- ‌سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه

- ‌سيدنا سعيد بن العاص رضي الله عنه

- ‌سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه

- ‌سيدنا الحسن وسيدنا الحسين ابنا سيدنا علي رضي الله عنهم

- ‌سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن سعد رضي الله عنه

- ‌سيدنا معاوية رضي الله عنه

- ‌سيدنا مسلمة بن مخلد رضي الله عنه

- ‌سيدنا مروان بن الحكم رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن العباس رضي الله عنه

- ‌سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما

- ‌سيدنا عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما

- ‌خلاصة

- ‌الفتوحات الغربية على يد الصحابة

- ‌صلة

- ‌جغرافية المغرب أي إفريقية الشمالية الغربية

- ‌الكلام على قرطاجنة

- ‌الأطوار الأربعة:

- ‌الطور الأول:

- ‌الطور الثاني:

- ‌الطور الثالث:

- ‌الطور الرابع:

- ‌فصل

- ‌الطبقة الثالثة طبقة التابعين رضي الله عنهم

- ‌خلاصة فيما حصل مدة الدولة الأموية

- ‌الطبقة الرابعة

- ‌فصل

- ‌صلة

- ‌فريدة أذكر فيها نبذة من حضارة بغداد في عهد المنصور والرشيد وابنه المأمون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة

- ‌صلة

- ‌الطبقة السادسة

- ‌الطبقة السابعة

- ‌الطبقة الثامنة

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة التاسعة

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة العاشرة

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الحادية عشر

- ‌ولاية ابنه أبي الحسن علي بن يحيى:

- ‌ولاية ابنه الحسن:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثانية عشر

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثالثة عشر

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقه الرابعة عشر

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة عشر

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السادسة عشر

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السابعة عشر

- ‌الطبقة الثامنة عشر

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة التاسعة عشر

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة العشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الحادية والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثانية والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الثالثة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌رجوع وانعطاف

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الرابعة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة الخامسة والعشرون

- ‌تنبيهات

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السادسة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌الطبقة السابعة والعشرون

- ‌تنبيه:

- ‌خلاصة بها الأدوار التي حصلت لدول إفريقية

- ‌فائدة

- ‌صلة

- ‌تنبيه:

- ‌الجغرافية

- ‌التعريف بالقطر التونسي

- ‌جغرافية إيالة تونس

- ‌جبالها

- ‌أنهارها وبحيراتها

- ‌حيواناتها:

- ‌زراعتها:

- ‌صناعتها:

- ‌معارفها ولغتها وديانتها

- ‌الحكومة

- ‌تاريخ إيالة تونس

- ‌الخاتمة

- ‌فصلفيما يتعلق بالقصر

- ‌عود إلى الكلام على القصر الكبير:

- ‌ذكر من بالمقبرة من الفضلاء

- ‌عود إلى الكلام على قصر السيدة:

- ‌استدراك

- ‌تنبيه:

- ‌ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ما جاء في الرؤيا

- ‌حديث نبع الماء من تحت أصابعه

- ‌الترغيب في الصوفة

- ‌ما جاء في المهاجرة

- ‌السنّة في الشراب ومُناولته عن اليمين

- ‌ما جاء في النهي عن تأخير صلاة العصر

- ‌ما جاء في الوليمة

- ‌ما جاء في الحجامة وإجارة الحجام

- ‌ما جاء في الغزو

- ‌قطع التلبية

- ‌ما جاء في تحريم المدينة

- ‌ما جاء في وباء المدينة

- ‌ما جاء في سفر النساء

- ‌في جامع ما جاء في الطعام والشراب

- ‌ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها

- ‌في جامع ما جاء في الطعام والشراب

- ‌في جامع ما جاء في تعجيل الفطر

- ‌ما يتقى من الشؤم

- ‌ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر

- ‌قدر السحور من النداء

- ‌مكيلة زكاة الفطر

- ‌ما جاء في القرآن

- ‌النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها

- ‌فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ

- ‌غسل يوم الجمعة

- ‌الصلاة في البيت

- ‌مواقيت الإهلال

- ‌من جامع الإيمان

- ‌ما جاء في التعفف عن المسألة

- ‌في جامع الجنائز

- ‌تحريم الخمر

- ‌ما جاء في الخيل والمسابقة بينها

- ‌ما جاء في الكلاب

- ‌ما جاء في قتل الحيات

- ‌بيع الذهب بالورق تبراً وعيناً

- ‌ما يكره من الكلام بغير ذكر الله

- ‌ما جاء في إسبال الرجل ثوبه

- ‌ما جاء في الطعام والشراب

- ‌التقاريظ

- ‌مص‌‌ادر ومراجع

- ‌ا

- ‌ت

- ‌ ب

- ‌ح

- ‌ج

- ‌ ث

- ‌ د

- ‌خ

- ‌ذ

- ‌ ر

- ‌س

- ‌ ز

- ‌ط

- ‌ ش

- ‌ ص

- ‌ ع

- ‌ف

- ‌ل

- ‌م

- ‌ك

- ‌ق

- ‌ن

- ‌ه

- ‌ و

الفصل: ‌فريدة أذكر فيها نبذة من حضارة بغداد في عهد المنصور والرشيد وابنه المأمون

الدنياوية ومقاصدهم ونسوا ما كان عليه سلفهم من تحري القصد فيها واعتماد الحق في مذاهبها فكان ذلك مما دعا الناس إلى أن نقموا عليهم بأفعالهم وأدلوا بالدعوة العباسية وتولى رجالها الأمر فكانوا من العدالة بمكان وصرفوا الملك في وجوه الحق ومذاهبه ما استطاعوا حتى جاء بنو الرشيد بعدهم فكان منهم الصالح والطالح ثم أفضى الأمر إلى بنيهم فأعطوا الملك والترف حقه وانغمسوا في الدنيا وباطلها ونبذوا الدين وراءهم ظهرياً فتأذن الله بحربهم وانتزاع الأمر من أيدي العرب جملة والله لا يظلم مثقال ذرة. اهـ.

في سراج الملوك: إن أدعى خصال السلطان صلاح الرعية وأقواها تمسكهم بأديانم وحفظهم لمروءتهم وإصلاح السلطان نفسه وتنزيهه عن سفاسف الأخلاق وبُعده عن مواضع الريب وترفيع نفسه عن استصحاب أهل البطالة والمجون واللهو والإعلان بالفسوق.

إذا ما غدا ملك باللهو مشتغلا

فاحكم على ملكه بالويل والحرب

أما ترى الشمس في الميزان طالعة

لما غدا وهو برج اللهو والطرب

وقد كانت صحبة محمَّد الأمين لأبي نواس الشاعر وصمة عظيمة عليه أوهى بها سلطانه ووضع عند العامة والخاصة قدره وأطلق لسان الخلف بالشتم والثناء القبيح عليه فخلفه بذلك أخوه المأمون على الولاية وأبو نواس هذا هو القائل:

ألا فاسقني خمراً وقيل لي هي الخمر

ولا تسقني سراً إذا أمكن الجهر

وبح باسم من أهوى ودعني من الكنى

فلا خير في اللذات من دونها ستر

‌فريدة أذكر فيها نبذة من حضارة بغداد في عهد المنصور والرشيد وابنه المأمون

اعلم أن بغداد وصلت في عهد هؤلاء الأمراء إلى قمة مجدها ومنتهى فخارها. أما من حيث العمارة فقد فاقت كل حاضرة عرفت لعهدها: بنيت فيها القصور الفخمة التي أنفق علي بناء بعضها مئات الألوف من الدنانير وتأنق مهندسوها في إحكام قواعدها وتنظيم أمكنتها وتشييد بنيانها وصارت قصور الجانب الشرقي بالرصافة تناطح قصور الجانب الغربي كان في الشرق قصور البرامكة وما أنشأوه هناك من الأسواق والجوامع والحمامات وبالجانب الغربي كانت قصور الخلافة التي كانت تبهر الناظرين اتساعاً وجمالاً وامتدت الأبنية امتداداً عظيماً حتى صارت بغداد كأنها مدن متلاصقة تبلغ الأربعين علي جانبي دجلة واستبحر العمران فيها لما جاءها

ص: 133

من الثناء وصار سكانها نحو ألفي ألف نسمة حتى ازدحمت بساكنيها. وكانت متاجر البلدان القاصية تصلها براً وبحراً تجيئها من خراسان وما وراءها والهند والصين والشام والجزيرة، والطرق إذ ذاك آمنة والسبل مطمئنة.

وأما من حيث ثروة الدولة فقد كان يرد على الخليفة ببغداد ما يبقى من خراج الأقاليم الإِسلامية ويدخل بيت مال الخليفة يصرف منه مرتبات الوزراء والمساعدين له والباقي يتصرف فيه حسبما يرى وهو شيء جسيم وكان الرشيد أسمح خلفاء بني العباس بالمال يعطي عطاء من لا يخشى فقراً للقصاد والشعراء والفقهاء والمنجمين والكتّاب وجرى على سننه كبار وزرائه وشيوخ دولته ورؤساء قواده حتى امتلأت الأسفار بذكر عطاياهم التي يتردد الإنسان في صحتها وراجت التجارة واشتد الترف وتغالى الناس في حاجاتهم وتأنقوا في معايشهم وأنغمسوا في الملاذ واللهو والخلاعة وذلك شأن كل أمة سالت عليها سيول الثروة.

وأما العلم فإن بغداد صارت قبلة لطلاب العلم من جميع الأمصار الإِسلامية يرحلون إليها ليتمموا ما بدأوا فيه من العلوم والفنون فهي المدرسة العليا لطلاب العلوم الدينية والعربية على اختلافها فقد كان فيها كبار المحدثين والفقهاء وحفاظ اللغة وآداب العرب والنحويين وكلهم قائمون بالدروس والإفادة لتلاميذهم في المساجد الجامعة التي كانت تعتبر مدارس عليا لتلقي هذه العلوم وقلما كان يتم لإنسان وصف عالم أو فقيه أو محدث أو كاتب إلا إذا رحل إلى بغداد وأخذ عن علمائها وجميع هؤلاء العلماء كانوا يعيشون عيشاً رغداً مما كان يفيضه عليهم الرشيد والبرامكة ومن دونهم من الخير الواسع والبر العميم ولم تكن بغداد بالمقصرة في علوم الدنيا كالطب والحكمة وغيرها من سائر الصناعات فقد حشد إليها الأطباء والمهندسون وسائر الصناع من الأقاليم المختلفة وحصل بذلك نعيم عظيم ونهضة علمية بقي أثرها خالداً.

أما الدولة الأموية فلم يكن في عهدها لترجمة الكتب كبير حظ ولا عظيم أثر لأنها أقرب إلى من قبلها في السذاجة الصناعية فلما جاءت الدولة العباسية وكان لها اختلاط كبير بالفرس وهذا الاختلاط قد جعل نفوس العباسيين تصبو إلى الاطلاع على شيء مما عند الفرس واليونان من آثار مقدميهم من العلماء والحكماء والفلاسفة وأول مَن عني بترجمة تلك الكتب أبو جعفر المنصور ثم الرشيد. أما أوروبا في ذلك الوقت فكانت مهد جهالة لأنه بانقراض الرومانيين وغفلة الأمم المتبربرة على أوروبا انطفأ مصباح العلم وأما الحال في البلاد الإِسلامية فكانت على العكس من

ص: 134

ذلك علماً وعملاً ببغداد وقرطبة فسعى شارلمان في إصلاح قوانين دولته مقلداً الرشيد وبعث وفداً إليه مصحوباً بهدايا ثم رجع الوفد ومعه هدايا منها ساعة وفيل وشطرنج وبعض أقمشة نفيسة فلما نظرها رجال شارلمان ظنوها من الأمور السحرية وأوقعهم في حيرة حتى همُّوا بكسر الساعة. كانت العلوم في عهد المأمون أرقى عهود العلم في العصر العباسي وظهر في وقته جمهور من فطاحل العلماء توغلوا في البحث عن أصول الدين والعقائد وكان المأمون محباً للعلم ولزيادة نشره ومغرى بعلوم الأوائل وتحقيقها وله جولة في العلوم الدينية كما كانت له جولة في العلوم الصناعية وكان أثره في هذا أظهر من أثره في تلك وكانت له حركة قوية ونشاط عظيم بترجمة الكتب اليونانية وغيرها إلى اللسان العربي وكان لعهده جماعة ذوو يسار اعتنوا بنقلها إلى اللسان العربي وبذلوا الرغائب وأنفذوا جماعة إلى بلاد الروم فجاؤوهم بطريف الكتب وغرائب المصنفات في الفلسفة والهندسة والموسيقى والطب والنجوم فكثرت الكتب المترجمة في جميع العلوم الصناعية ولما نقلت إلى العربية اشتغل بها ناس كثيرون علماً وعملاً ووجد منهم فلاسفة عظام ألّفوا كتباً عظيمة في هاته العلوم وكانت الأمة في استعداد تام لتلقي هاته العلوم والتصرف فيها والبناء عليها والزيادة فنفقت بسبب ذلك هذه العلوم وكان المأمون المساعد الأكبر في نفاقها والفضل له في ذلك مع حفظ الفضل لمَن سبقه كأبيه الرشيد وجده المنصور فإنهما وضعا الأساس اهـ. من محاضرات الخضري.

وفي خلاصة تاريخ العرب أن الصدر الأول من خلفاء بني العباس استعملوا شوكتهم في تزكية العقول وتنمية المعاش فأحدثوا كثيراً من المكاتب والمدارس التعليمية والإكمالات الإحسانية وحضُّوا على اكتساب التجارة وسائر الفنون واختص المنصور منهم بأنه أول مَن حثّ على الاشتغال بالعلوم واقتدى به من بعده في نشرها وتوسعتها بجلبهم من الأقاليم التي فتحوها علماء لترجمة أعظم كتب اليونان وإنشائهم كتبخانات ومدارس يتعلم فيها الخاص والعام العلوم الفلكية والرياضية والطبية والفلسفية مع تعلم القرآن العظيم وتدريس تفسيره وخصصوا مدرسة رتبوا لها خمسة عشر ألف دينار يتعلم بها مجاناً ستة آلاف تلميذ من الفقراء والأغنياء وانتشرت اللغة العربية في كثير من الجهات واعتاد المأمون ومَن اقتدى به حضور الدروس العامة التي يلقيها المدرسون ويمتحن مَن أراد أن يوظف عدة امتحانات وصرف مبالغ من النقود على ذلك وعلى جميع العلماء لحل مشكلات المسائل ومهر في زمنه كثير من العلماء في العلوم والفنون على اختلاف أنواعها واطلعوا شموس العلوم الرياضية وبنوا الأرصاد التي بها آلات عجيبة للاستكشاف الفلكي ومستشفيات

ص: 135

ومعامل كيماوية لاستكشاف النباتات ومكثت تلك المدرسة على رونقها الباهر نحو مائتي سنة فكان للعباسيين في ذلك أسعد حظ واستخرجوا معادن الحديد ونسجوا الأقمشة في كثير من المدن واستخرجوا الغاز والنفط وطينة الأواني الصينية والملح الأندراني والكبريت وتقدموا في فنون النقش والعمارة والجبر والموسيقى والمنطق وظهر بين أولئك العلماء مؤلفات كثيرة بارعة في فنون شتى وأظهر دور الفنون الميكانيكية تقدمات يشهد بها ما بعثه لرشيد إلى شرلمانية ملك الفرنسيين من الساعة الكبيرة الدقاقة التي تعجب منها أهل ديوانه ولم يمكنهم معرفة كيفية تركيبها ومع ذلك لم يكن في عصر العباسية أهم من صناعة الفلاحة ولما حصلت التوسعة في الممالك مع غزارة المحصول وتنوع الأقطار توجه النظر إلى رواج التجارة تتميماً للتمدن وامتثالاً لأمر الشارع بالتكسب فاجتهدوا في أمن الطرق وحفر الآبار والصهاريج في محطات القوافل فانتشرت التجارة فكانت غلات الأندلس والبربر ومصر والحبشة والفرس والروس والهند والصين وغير ذلك من الممالك تأتي إلى مكة والمدينة والشام والعراق ويستبدلون البضائع الموجودة في جهة بالبضائع المفقودة بها وكان بينهم بسبب ذلك علائق تعارف وكذلك اتسعت بالسواحل الشمالية من إفريقية دائرة التجارة وكان بها معامل كثيرة وكانت القوافل التجارية تسافر من طرابلس إلى الأقيانوس الإطلنطيقي غير خاشية من سيرها في وسط الصحراء الكبرى اهـ. وفيه قد حفظ العرب مؤلفات اليونان واستعدوا لتجديد المعارف في أوروبا فكانوا رباطة بين هذين الزمنين وبذا يثبت فضل العرب على الفرنج الذين حاول بعضهم خفض فضائل العرب الواضحة كالشمس في رابعة النهار ويعلم أن لا موقع لافتخار المتأخرين من أهل أوروبا بتصورات أكثرها للعرب وسبق لك ما كان لعلماء المدرسة البغدادية من التحكم النافذ بالمشرق والمغرب اهـ.

وزبدة القول إن الحضارة اتسعت في عصر هؤلاء الخلفاء وتمت العلوم الدينية والصناعية والاقتصادية نمواً باهراً فهو عصر النهضة العلمية وتزكية العقول فقد أسس أبو جعفر المنصور مدينة بغداد وتعاون علي بنايتها العقل العربي والفارسي والرومي وتأنق في ذلك بوجه جعلتها تفوق جميع مدن العالم في ذلك العصر وحشر لها العلماء من جميع الأمصار والتجار والصناع وإذا أطللت على منتهى المملكة الإِسلامية من جهة الغرب وجدت مدينة قرطبة تستعد إلى مساماة بغداد وتجد في إفريقية مدينة القيروان التي ورثت عظمة المدن الإفريقية الرومانية وانتقل إليها جمالها وتجد مدينة الفسطاط حاضرة مصر وقد جمع مسجدها الأعظم حلقات العلماء الذين أبقوا أكبر الآثار في الاجتهاد والاستنباط والذين أظهروا للناس كافة فقه الأئمة

ص: 136